أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد وجاني - أولى دروس الحرية - قصة قصيرة














المزيد.....

أولى دروس الحرية - قصة قصيرة


فؤاد وجاني

الحوار المتمدن-العدد: 3165 - 2010 / 10 / 25 - 10:11
المحور: الادب والفن
    


"طن... طن... طن... طن"، يرتج رأس ناقوس المدرسة طربا محتفيا بالتلاميذ الجدد ومبشرا بعام دراسي سعيد. المطرقة الكروية الداخلية للناقوس لاترحم رأسه ولا رؤوس التلاميذ الصغيرة. صفهم المتراص خلف المعلم، وهم ينتظرون تحية العلم على ايقاع النشيد الوطني، يحاكي ابتسامة موحدة ساخرة رسمتها شفاههم الساذجة. بذلاتهم الزرقاء ذات الخطوط البيضاء مسخت تنوعهم الطبيعي. كلمات النشيد الوطني لاتتناغم مع اللحن وكأنها تتبرأ منه. مخارج الصوت تقهقه خفية : "إنه لحن صنعه الاستعمار".
ينشد الأطفال غير مبالين، فالنشيد خليل الطفولة الأزلي : "وطني الغالي، وطني حبيبي، بالدم بالروح أفديه". الراية الذابلة أصباغها ترفرف كطائر مكسور الجناحين لايقوى على الطيران، والريح تهب هبيبا هائجا كأنها تسعى هباء لإسقاط العلم المصنوع من عمود صدئ وقماش رخيص.
تنفست صدور الأطفال الصعداء حين وصلوا آخر جملة في النشيد : "يحيا الوطن، عاش القائد، عاش، عاش القائد". نطقوها نطقا سريعا مدغمين ألف المد : "عشعش القائد". هذا أول صباح، وعلى نفس المنوال ستبدأ باقي أيامهم الخريفية في المدرسة السعيدة. بدت التعاسة مزهوة متفوقة بعد أن اطفأت أول نور من بريق عيونهم.
دخل التلاميذ الفصل. حروف الهجاء أولى دروس الصف الأول الإبتدائي. ابتسم المعلم : "أهلا أعزائي!". لم تفته الفرصة أن يذكرهم أنه الكبير وأنهم الصغار : "رددوا بعدي ياصغاري، رددوا فلذات أكبادي : الألف إستقلال، الباء بسالة، التاء تغيير، الثاء ثورة، الجيم جهاد، الحاء حرية ...".
في آخر الصف رفع طفل أصبعه مقاطعا المعلم وحروف الهجاء. قطب المعلم جبينه مجحظا عينيه : "تفضل بني، مالديك؟".
قفز الطفل في مكانه : "عيد الاستقلال بعد يومين يامعلم !" .
دمعت عينا المعلم : "سيحضرون حافلة مدرسية اليوم تأخذنا لتحية موكب الزعيم!!!".
هلل الأطفال وطبلوا على طاولاتهم : "هيه... هيه... هيه... هيه !".
ضحك المعلم : "كفى... كفى... كفى...لن يقدموا لكم الحلوى...حسنا، لنعد الى التهجئة" .
جمع الأطفال الأيادي، وأطبقوا الشفاه، وحملقوا في شفتي المعلم وصفحات القراءة.
ختمت حنجرة المعلم البحة حروف الهجاء حرفا حرفا على عجل. "طن... طن... طن... طن"، انطلقت مطرقة الناقوس فرحة تهز طبلات الآذان وتدمر خلايا الرؤوس إيذانا بموعد الذهاب لتحية موكب الزعيم.
غصت الساحة بالتلاميذ كحنجرة المعلم الغاصة بحروف الهجاء. تطايرت ألسنة البهجة المبهمة، وركض الأطفال في كل اتجاه بدون اتجاه، وتصاعد الغبار في فضاء المكان الرمادي. لاتُرى سوى أشباح أطفال في الساحة المغلقة.
خلف سور المدرسة السعيدة حافلة صفراء متربصة صدئة لايجيء بها سائقها الحكومي سوى في المناسبات "الوطنية". حضر المدير وأحضر جنود الرعب معه فتراصت صفوف الصغار ليصعدوها مرغمين.
في السور الخلفي للمدرسة السعيدة، طفل واحد عرف وجهته. وضع محفظته على ظهره، وربط منديلا على يديه تجنبا لأشلاء الزجاج الحاد البارزة فوق السور.
تسلق شجرة ومنها وضع يديه على السور. لم يأبه للدماء التي زينت ساعديه. قفز خارج المدرسة حرا طليقا بعيدا عن أسر الحافلة. في طريقه الذي اختاره ظل يردد : "الألف إستقلال، الباء بسالة، التاء تغيير، الثاء ثورة، الجيم جهاد، الحاء حرية ...".



#فؤاد_وجاني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سانتشو بانزا والمالكي
- رِسَالَةٌ مِنْ لَلَّا عْبُوشْ الى مِشْتْر بُوشْ
- فاجِعةُ كِتابٍ في أمَّةِ الكِتابِ
- ومرت السخرية العربية من كولورادو...


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد وجاني - أولى دروس الحرية - قصة قصيرة