أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رائد قاسم - سادتي الإيرانيين .. خوش آمديد !! ( أهلا وسهلا)















المزيد.....


سادتي الإيرانيين .. خوش آمديد !! ( أهلا وسهلا)


رائد قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3155 - 2010 / 10 / 15 - 23:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يحدثنا التاريخ انه قبل ظهور الإسلام كان للعرب مملكتين في كل من العراق وبلاد الشام ، الأولى مملكة المناذرة وكانت خاضعة للإمبراطورية الساسانية الفارسية ، والثانية مملكة الغساسنة وكانت خاضعة للإمبراطورية البيزنطية الرومانية ، وبعد تأسيس الدولة العربية الإسلامية في المدينة المنورة أصبح العرب مستقلون وغير خاضعين لأي قوة إقليمية، بل تمكنوا من إسقاط الدولة الساسانية الفارسية التي كان آخر ملوكها يزجر الثالث حفيد كسرى ، واتوا على كافة البلاد المحيطة بالجزيرة العربية كالشام ومصر ، ودخلت الأقوام الغير عربية طائعة ومكرهة في الدين الجديد وأصبحت جزء من شعوب الدولة الإسلامية العربية.
وقد ظل العرب قادة الدولة الإسلامية العربية في عهد الخلفاء الراشدين والعهد الأموي ، ولأسباب عديدة تعرض غير العرب المعروفين بـ (الموالي) للاضطهاد والتمييز والتهميش ، خاصة في بلاد فارس، التي استوطنتها القبائل العربية واحتل أبنائها في كافة مدنها جميع مناصب الدولة واحتكروا امتيازات المواطنة والانتماء للدولة والدين الإسلامي ، بينما ظل الفرس وغيرهم من القوميات مضطهدين ومهمشين ، إلا إن سياسة التمييز والاضطهاد القائمة على الانتماء القومي امتدت للعنصر العربي ذاته ، فتفجرت التناحرات والصراعات ما بين القبائل العربية ، أطلق عليها المؤرخون " العصبية القبلية" وكانت أهم أسباب سقوط الدولة الأموية في نهاية الأمر.
العباسيين استفادوا كثيرا من التجربة الأموية فاعتمدوا على الموالي المضطهدين والذين كانوا محرومين من معظم الامتيازات التي كان يحظى بها العرب ، رغم كونهم مسلمين ، حتى إن الحجاج بن يوسف الثقفي ، والي الأمويين على العراقيين ، فرض عليهم الجزية رغم إسلامهم !
لقد كان عماد الجند العباسي هم من الموالي ، أي الفرس وغيرهم من الفئات التائقة للتحرر من الاضطهاد الذي كان يمارس عليهم من قبل الحكم الأموي ، علاوة على ذلك فقد تفجرت في أواخر حكم بني أمية صراعات عنيفة في الامتيازات والنفوذ والسلطة ما بين الأمراء الأمويين ، علاوة على الصراعات المدمرة ما بين قادة الأنساب والاحساب العربية في أطراف الدولة ، خاصة في خراسان ، مما ساهم في انهيار حكومة مروان بن محمد ، آخر الخلفاء الأمويين ، إلا إن بني أمية تمكنوا من إنشاء دولة جديدة لهم في الأندلس على يد عبد الرحمن الداخل، احد أحفاد الخليفة هشام ابن عبد الملك ، وقد عمد الداخل أيضا إلى اخذ العبر من تجربة حكم أسلافه في الشرق ، واعتمد على العناصر الغير عربية في إدارة حكومته ، وذلك لكون ولائها سيكون للدولة فقط ، وسوف تتخذها عصبة ، لأن الموالي بلا جذور عرقية أو قبلية، وقادمين من مجتمعات مدنية ، على العكس من العرب الذين يؤثرون انتماءاتهم القبلية والعرقية أولا على الانتماء للدولة ، التي يستأثر بها أحد بيوتات العرب النظيرة لهم ، فاستكثر من الصقالبة ، الذين أصبحوا زينة الملك وكبار رجال الدولة ، وهمش العنصر العربي كثيرا في معظم فترات الدولة المركزية الأندلسية، وكان هذا التهميش من المرتكزات التي بنى عليها الحاجب محمد ابن أبي عامر مسوغاته للاستيلاء على سلطة الخليفة وإدارة الدولة باسمه ، حيث تغلغل في الدولة الأموية وجمع معظم أنصاره من العرب ، ووعدهم بأنه سوف يعيد العنصر العربي إلى السيادة على الموالي من العجم والبربر والصقالبة وغيرهم، وقد نجح في مسعاه إلا انه لم يستغني عنهم هو الآخر بسبب ضعف ولاء العرب للدولة قياسا بالموالي.
في دولة الخلافة العباسية ظل الموالي من الفرس عماد ملك العباسين وكبار رجال دولتهم ، بالرغم من بعض الأحداث الدامية ما بين بعض الخلفاء وبعض القادة العسكريين والسياسيين من الفرس ، كقتل أبو جعفر المنصور لأبي مسلم الخراساني ، وقضاء هارون الرشيد على البرامكة ، وقضاء المأمون على الوزراء الفرس من آل سهل ، إلا إن نفوذ الموالي من الفرس في العصر العباسي الثالث أصبح بارزا ومؤثرا، مما أذى إلى ضعف سلطة الخليفة وتمركز السلطة بيد الوزراء من الموالي، الذين أصبحوا الحكام شبه الفعليين لدولة بني العباس ، ثم جاء من بعدهم الأتراك ، الذين سيطروا أيضا على الدولة العباسية ، التي في آخر حقبها إدارتها سلالة البويهيين ، وهي سلالة فارسية تعتنق المذهب الشيعي ، وانتقلت السيادة بعدهم للأتراك السلاجقة .
واستمر ضعف وانحدار الأمة العربية وتكالب العناصر الأعجمية على إدارة شئون بعض الممالك العربية ومنها دولة الخلافة حتى ظهور العثمانيين الأتراك وتأسيسهم لدولة الخلافة العثمانية ، التي استمرت في سيطرتها على البلاد العربية لأكثر من 500 عام ، وقد اعتبر العديد من الفقهاء السلطان العثماني بأنه القائم مقام الخلافة وليس الخليفة ، حيث انه من المسلمات أن الخليفة لا بد أن يكون عربيا قرشيا، وبعد انهيار الدولة العثمانية تعرضت البلاد العربية إلى الاستعمار ، وبعد استقلالها ظلت فريسة سهلة للنفوذ الأجنبي ، وبلغ العالم العربي اليوم من الضعف عودة النفوذ الإيراني مرة أخرى ، وقد بدا الأتراك في العودة إلى الساحة العربية بقوة أيضا، وهم اليوم يتحركون في ظل دولة تأخذ بأسباب القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية ، بينما الدول العربية لا تزال تعاني من التمزق السياسي والتخلف الاقتصادي والثقافي والديني ، مما سهل اختراقها وجعلها ساحة للصراع الحضاري ما بين القوى الإقليمية والدولية، وان التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى ، فالعرب اليوم تسودهم نفس الصراعات الداخلية المدمرة ، كالنزاعات المذهبية والقبلية والعنصرية والخلافات السياسية الحادة ، إضافة إلى التخلف الاقتصادي والعلمي والثقافي والاجتماعي والإنساني بشكل عام، وجميعها من أهم أسباب ضعف الأمم وتحولها إلى لقمة سائغة لدى الأمم الأقوى منها ، فبينما الإيرانيين والأتراك والغربيين ، كل منهم كتلة واحدة وقوى صاعدة (1) فان العرب فرق شتى، متشاحنين دينيا وطائفيا ومذهبيا وعرقيا وقبليا (2)، وما تأسيس الكيان الإسرائيلي في ثالث أهم مقدساتهم إلا بسبب ما يعانوه من ضعف أنساني وحضاري شامل ليس له حدود.
وقد بدا نفوذ الدولة الإيرانية في المنطقة العربية مع تأسيس إيران الحديثة ، أي منذ الحكم الشاهنشاهي، حيث انطلق من الهوية القومية والحضارية الفارسية العريقة ، لذلك كانت صراعاته مع الدول العربية منطلقة من الأبعاد الحضارية للقومية الفارسية ، وكانت علاقات إيران في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات مع البلاد العربية مبنية وفقا لمعطيات سياسية ترتكز على إن إيران الدولة الأقوى في المنطقة ، وإنها يجب أن تكون صاحبة الكلمة المسموعة في أرجائها ، وقد كان الشاه يطمح إلى تحول إيران لقوة إقليمية تبسط نفوذها على الدول المجاورة، خاصة دول الخليج الصغيرة ، حيث إن الخلفية الثقافية والفكرية للنظام الشاهنشاهي تعتقد بان العنصر الفارسي أقوى وارفع شانا من جيرانه العرب ، لا سيما مع ما يعانوه من تخلف واسع النطاق،وقد كانت علاقات إيران مع دول المنطقة متباينة، فمع العراق اتسمت بالتوتر والتصعيد ، ومع بعض دول الخليج اتسمت بعدم الاعتراف والمطالبة بضمها إلى سيادة الدولة الإيرانية كالبحرين ، بيد أنها كانت متميزة مع العربية السعودية، بالرغم من الاختلاف المذهبي، إلا إن الشاه لم يكن يتعامل من منطلق ديني في سياساته الخارجية، وكذلك كانت علاقته مع مصر جيدة، سواء أثناء الحكم الملكي أو الجمهوري، ولكن بعد سقوط النظام البهلوي وقيام النظام الديني تحولت إيران في صراعها الحضاري مع الدول العربية من البعد القومي المجرد إلى البعد الديني المغلف بالإرث القومي ، في امتداد لما كان عليه الموالي من الفرس من سيطرة لحقب زمنية طويلة على الدولة العربية المركزية في بغداد وصراع مع العرب على السلطة والنفوذ ، إلا انه في هذا العصر من خلال الانتماء المذهبي والهوية الدينية ، حيث إن الإسلام والتشيع ليس حالة خاصة بالعرب ، وغير مقتصر على العنصر العربي ، وان قيادة الأمة الإسلامية ، على الأقل وفقا للمذهب الشيعي ، غير مخصوصة بالعرب ، فإذا ما كان شرط الخلافة الإسلامية أن تكون في العرب وتحديدا من القرشيين، أي قبيلة النبي محمد (ص) فان ولاية الفقيه لا تحمل أي شروط ذات أبعاد قومية ، وبهذا تمكن الإسلاميون الإيرانيون من اختراق العالم العربي من جديد ، من خلال الهوية الدينية ، التي تتجاوز بشكل مطلق المفاهيم والنظم والقيم القومية والوطنية بكافة اتجاهاتها.
من ناحية أخرى فقد اشبع الإيرانيون تراثهم الديني بنظمهم الثقافية والفكرية والحضارية الفارسية ، وقد انتقد هذا الإشباع بعض المفكرين وأطلقوا عليه مسمى " التشيع الصفوي " ، إلا انه يأتي في سياق اعتبار الإرث التاريخي والهوية القومية والقيم الاجتماعية عناصر غير متعارضة مع الهوية الدينية المركزية إذا ما كانت في إطارها ، لذلك يتحرك الإيرانيون اليوم من منطلق ديني مشبع بالاعتزاز بالهوية القومية من دون تعارض أو تصادم مع النظم الدينية .
لقد تمكن الإيرانيون الجدد من إعادة بناء مركز سلطة ونفوذ لإيران في العالم العربي بكل سهولة ، وذلك لما تعانيه مؤسسة الدولة في بعض الأقطار العربية من ضعف ، وسيادة النزعات المذهبية والطائفية والقبلية التي عطلت التنمية ودمرت مقومات الانتماء للأمة القومية والوطن القطري ، مما ساهم بشكل فعال في نشوء تيارات دينية شعوبية تتحرك من خلال الانتماء الديني والمذهبي في إطار الانتماء المركزي للأمة الدينية ومصالحها الإستراتيجية والتي يقودها الزعماء الدينيين والروحيين ، وإقصاء قيم الانتماءين القومي والوطني ، خاصة مع استمرار سياسات التمييز والتهميش والإقصاء بناء على الهويات الفرعية ( المذهبية – الطائفية- العرقية- القبلية ) الأمر الذي ساهم في نشوء تيارات دينية مذهبية شعوبية تهمش الشخصية العربية بكافة عناصرها وأبعادها لصالح الانتماء المذهبي والطائفي ذو البعد الاممي الديني المركزي ، ولكنه في نفس الوقت وبطريقة مباشرة وغير مباشرة منح القادة الدينيين الإيرانيين فرصة تقوية شخصيتهم القومية وفرض سماتها على أتباعهم من العرب وغيرهم ، في مقابل تقزيم قوميتهم وتراثهم وسمات شخصيتهم الحضارية والإنسانية المميزة .
إن هناك قاعدة لا بد من إدراكها جيدا وهو أن كل امة ضعيفة لا بد أن تخترق من قبل الأمة الأقوى، وهذا ما تعانيه امتنا العربية في هذا العصر ، فالدولة العبرية التي نشأت على ارض عربية ما كانت لتجد موطأ قدما لها في الشرق العربي لولا ضعف الأمة العربية على وجه العموم، ولبنان – مثلا- ما كان ليسيره عرابين من اليمين والشمال إلا بسبب ضعف نظام دولته وكيانه الوطني والسياسي، الذي هو اليوم أشبه بكانتونات طائفية أكثر من كونها مؤسسات دولة، وما كان العراق لتعبث فيه القوى الإقليمية يمنة وشمالا لولا انهيار بنيته كدولة وتمزقه المذهبي والطائفي والعرقي واخصائه السياسي ، وما كانت لتظهر في اليمن جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة والحراك الجنوبي، إلا بسبب فشل الدولة اليمنية في أداء واجباتها وممارستها التمييز ضد أبناء شعبها ، مما اوجد بيئة خصبة لبروز قوى دينية وسياسية تطرح نفسها بديلا عن الدولة والوطن ، وما كان الصومال لينهار كدولة ، وتتصارع فيه القبائل والعشائر ، لولا استبداد الدولة في عهد الرئيس سياد بري ، مما حولها إلى مؤسسة أمنية وعسكرية فئوية دمرت مفهوم الدولة بكل ما تحمله من عناصر الانتماء للوطن والإخلاص له ، واتخاذ الدولة عصبة لكافة أبناء الشعب على اختلاف هوياتهم الفرعية ، وما كان لتظهر تيارات دينية شعوبية في بعض دول الخليج تنبذ الانتماء الوطني والقومي وتغظ الطرف عن شخصيتها وهويتها الحضارية والإنسانية العربية وتوالي الإيرانيين وغيرهم لولا ضعف مؤسسة الدولة ومخرجات التنمية والأعمار وممارسة أجهزتها الأمنية والخدمية والتنموية التمييز المذهبي والعرقي ضد أبنائها من معتنقي المذاهب الإسلامية الأخرى .
لقد تكونت في بعض دول الخليج والعراق ولبنان واليمن تيارات دينية شعوبية مرجعها الأساسي والفعلي هويتها الطائفية والمذهبية ، تماما مثلما حدث في العهد الأموي ، حين فقد العرب أصول ونظم الانتماء للدولة فخاضوا الصراعات المتعددة فيما بينهم وفقا لمصالح القبيلة لا الأمة ودولتها المركزية ، مما عجل في انهيار الحكم الأموي ، ومع قدوم العباسيين وسيطرة الفرس ومن بعدهم الترك والديلم ، الذين لم يكن بمقدورهم إقصاء بني العباس عن الخلافة نظرا لتعارض ذلك مع أسس وقواعد الحكم في الإسلام ، التي تنص على كون الخلافة في قريش ، فاضطروا للمحافظة على مقام الخلافة والحكم باسمها، أما في هذا العصر فان ابتكار نظرية ولاية الفقيه عند الشيعة ساعد بشكل واسع النطاق على تجاوز هذه العقبة ، من خلال اعتبار الفقهاء نواب عن الإمام الغائب ، وان طاعتهم واجبة لكونهم قادة الأمة وأوليائها نيابة عنه والحكام باسمه ولهم ما له من السمع والطاعة ، وان مقام النيابة في عصر الغيبة غير مخصوص بالعرب ، وعند السنة ظهر مفهوم الإمارة كبديلا عن الخلافة ، وإنها في العلماء من أي عرق ولون ، فتكونت بذلك تيارات موالية للدولة الإيرانية وغيرها ، ترفع الشعوبية الباطنية والنزعة الدينية المتطرفة والموغلة في التشدد نهجا وشعارا ، يدعمها في ذلك انعدام مفهوم الوطن والانتماء القومي في الفكر الديني حيث لا وجود لهذين المفهومين في التراث الديني للمسلمين ، لذلك يعتبر الإسلاميون الشيعة والسنة على حد سواء بأن الوطن جزء من الأمة ، وان قيادة الأمة للفقهاء والعلماء من أي قومية كانت ، لان الأمة تشمل العرب وغيرهم من القوميات ، وان الأمة كمفهوم ومصطلح ونظام قائما على أساس الانتماء للدين لا القومية أو العرق ، وعلى هذا كان الولاء المطلق للإيرانيين عند بعض الشيعة ، وغادر آلاف الشبان العرب بلادهم للقتال في أفغانستان وباكستان والبوسنة والهرسك والشيشان وانتموا لتنظيم القاعدة والجماعات المسلحة الأخرى بناء على الانتماء الاممي الديني الذي يتجاهل الشخصية العربية بكل ما تحمله من سمات ومميزات وجذور ضاربة في أعماق التاريخ .
لا بد للبلدان العربية إذا ما أرادت سيادة حقيقية على أراضيها ، وان تكون قوية أمام القوى الإقليمية المجاورة لها ، وان تحفظ شعوبها من هيمنة الفرس أو الترك أو الغرب أو الشرق ، أن تبدأ في ضخ ملايين الدولارات لدعم كياناتها الوطنية ، من خلال تعزيز نظم الانتماء الوطني وتحويل الهويات الفرعية إلى انتماءات لا تعلو على الهوية الوطنية ، وان هذا لكفيل بجعل التيارات الدينية الشعوبية المتطرفة ( عند الشيعة والسنة ) تيارات هزيلة وغير مؤثرة، وتصبح شبيه بالتيارات الانفصالية في الولايات المتحدة، ففي بعض الولايات الأمريكية ثمة تيارات سياسية ودينية وفكرية ترفض الدولة الاتحادية الأمريكية وتسعى إلى استقلال ولاياتها ، التي تعتقد بأنها دول مستقلة ولكنها محتلة من قبل الاتحاديين ، وإنها واقعة ضمن هيمنة الولايات الكبيرة ، ولهذه التيارات أجنحة شبه مسلحة ، إلا أنها في نهاية الأمر غير مؤثرة وليس لها أي شعبية أو شان يذكر ، وذلك بسبب قوة سيادة الدولة ، ووجود هوية وطنية أمريكية صلبة ، بالرغم من فيدرالية الدولة ولا مركزية إدارتها وتعدد أنمطاها الاجتماعية والعرقية والدينية.
ويمكن ملاحظة أن الجاليات العربية والمسلمة في الدول الغربية يقل فيها تأثير الثقافات الدينية المتطرفة بشكل عام ، فالتيارات الدينية الشعوبية ، سواء عند الشيعة أو السنة ، لا تجد لها بيئة خصبة حاضنة في الدول الأوربية بسبب تطور البيئة الحضارية والإنسانية وازدهار نظم الدولة والمجتمع ، مما يجعل فكرة استبدال البيئة الأوربية بالبيئة الإيرانية أو التركية أو غيرها من بيئات القوى الإقليمية المحيطة بالعالم العربي غير مطروحة بل وغير منطقية ، نظرا لتخلفها قياسا بالبيئة الأوربية، إلا أنها تجد لها مرتعا خصبا في الوطن العربي بشكل عام ، بسبب تخلفه الحضاري والإنساني ، وغياب التنمية أو ضعف مخرجاتها ، وشيوع نظم الاستبداد والتمييز والتهميش وكافة مظاهر غياب الحكم الرشيد وبرامج الأعمار الإنساني .
لذلك فانه لا بد من دمج الأقليات المذهبية في المشروع الوطني المركزي ، وتأسيس مشروع مواطنة يتجاوز الأبعاد الفئوية والانتماءات الفرعية ، وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة شئون الدولة، والتوسع التدريجي من خلال خطط تنمية إنسانية شاملة لنظم الحريات والحقوق ، وإصلاح الإدارة الحكومية وإعادة بناء الأنظمة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والعمل على إيجاد مشروع تنموي وطني وإقليمي وقومي متجانس ، ينطلق من الهوية العربية وأبعادها الحضارية والإنسانية ، بعد تصفيتها من شوائبها التاريخية والأيدلوجية .
إن العمل على هذا المشروع الحضاري الكبير سيكون كفيلا بتقليص النفوذ الأجنبي عن بلادنا وأوطاننا ومجتمعاتنا العربية، وتحويل التيارات الموالية للقوى الإقليمية إلى ما يشبه الفيروسات الضعيفة التي لا تقوى على مقاومة جهاز المناعة في جسم الإنسان.
إن دول الخليج باعتبارها دول صغيرة وقليلة السكان بحاجة فعلية لان تتحول إلى تكتل إقليمي سياسي واقتصادي وحضاري نموذجي ، حتى تصبح قوة واحدة أمام النفوذ الإيراني ، وبالتالي لن تتمكن إيران من الهيمنة على المنطقة ، وستحترق ورقة التمييز المذهبي التي تستخدمها ضد حكوماتها عبر التيارات الدينية الشعوبية الموالية لها في بعض المجتمعات الخليجية ، حيث ستجد الأقلية الشيعية في الخليج في المشروع الوطني والإقليمي الخليجي ملجأ لها وخيارا حقيقيا ، وستتراجع في أوساطها الاجتماعية القيم الدينية المتشددة لصالح النظم المدنية ، أما التيارات الموالية للأجندة الإيرانية فإنها سوف تصبح معزولة وغير قادرة على القيام بأي دور لها على الساحة الجديدة المتسمة بالقيم المدنية والنظم الدستورية الحديثة.
إن على الدول العربية بشكل عام أن تبدأ على المستوى الوطني والإقليمي والقومي في بلورة منظومة التعاون الشامل حتى تحمي شعوبها من النفوذ الأجنبي الذي ينخر ببط في كياناتها الوطنية ساعيا نحو تحويلها إلى أشباه دول كما في العراق ولبنان والصومال ، أو معرضة للانهيار كما في اليمن والسودان ، وان هذه البلدان هي الدفعة الأولى فقط، وان الخطر سيشمل كافة الأقطار العربية دون استثناء ، وحتى تلك اللحظة التي تستيقظ فيها الأوطان العربية من سباتها فان
التيارات الشعوبية المتطرفة ستظل ترحب بالقوى الأجنبية وستحيي الغربيين قائلة لهم
والإيرانيين خوش آمديد!. Hoşgeldin والاتراك welcome

هوامش:
(1) من الملاحظ أن معظم الفتن المذهبية والطائفية تخرج من البلاد العربية بشكل عام، أما إيران فبالرغم من سيطرة الدينيين الشيعة على مقاليد الحكم ووجود أقليات دينية ومذهبية وعرقية وقومية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلا انه من النادر جدا أن تخرج شخصية دينية أو سياسية لتثير مشكلة مذهبية أو عقائدية ، على عكس البلاد العربية التي لا تخلو من فتن مذهبية وطائفية بشكل دائم ، كان آخرها فتنة الإساءة لزوجة النبي الكريم (ص) السيدة عائشة بنت أبي بكر ( رضي الله عنهما) .
(2) حتى الكويت بالرغم من كونها الأسبق إلى الدستورية وحكم القانون ، إلا إنها تأثرت بالأحداث من حولها
وتحولت ديمقراطيتها إلى ممارسة فارغة ، إضافة إلى افتقادها إلى التنمية السياسية والثقافية والفكرية، وتحول الدولة الكويتية إلى دولة خدمات ليس إلا، فعادت مكونات الشعب الكويتي إلى أصولها المذهبية والقبلية وأصبح الانتماء الوطني انتماء فرعيا، فتعثرت بذلك مسيرة الكويت التنموية وتراجعت خيراتها الديمقراطية .



#رائد_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رجال الدين .. تبا لكم!!
- دين الله أم دين الفقهاء؟
- الهزيمة الحضارية للفكر الديني
- الليبرالية المتطرفة والعلمانية المستبدة
- مارثون القطيف .. كرنفال للحرية !
- الجريمة بين المجتمع الديني والمجتمع المدني
- المرأة السعودية .. القانون أولى بأمري
- الطوائف الدينية وجدلية الولاء الوطني (1)
- الليبرالية في عام 2009 ..مكاسب وانجازات
- الشباب السعودي: اعطني حريتي اطلق يدي !
- شريفة الكويتية وشريفة السعودية!!
- الافعى ( قصة قصيرة)
- زواج الأطفال بين الشرع والقانون والطب
- جمهورية السراب
- آهات قاتلة
- الانترنت الديني..... قمع الحرف واضطهاد الكلمة
- وطني .. آه يا وطني!
- المتمردة ( قصة قصيرة)
- اعتقال في محراب الصلاة
- المعمم الشيعي ضحية وجلاد


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رائد قاسم - سادتي الإيرانيين .. خوش آمديد !! ( أهلا وسهلا)