أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد قاسم - اعتقال في محراب الصلاة















المزيد.....

اعتقال في محراب الصلاة


رائد قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 04:00
المحور: الادب والفن
    



{ قصة قصيرة}

يشرب فنجان قهوته بصمت .. رأسه متجها إلى الأرض .. عيناه لم تعد تحلق في الأفق أو تنظر بتأمل للحياة الواسعة .. يمسك الفنجان ببسالة ويمعن النظر فيه بعمق عله يرى ما لم يستطع رؤيته في الوجود من حوله..
- عاطف إلى متى صمتك هذا ؟ منذ أن خرجت من المعتقل وأنت لا تمنح الحياة جزء من اهتمامك.
- الوجود من حولي ليس سوى زيف ، الحياة المحيطة بي ليست سوى خيال وهم ومن الحماقة أن اتامل وهم لا وجود له أو أن أهتم بخيال لا حقيقة له !
- أين عاطف الذي كان ينتقد كل شي ؟ أين عاطف الذي كان يريد تغيير الوجود بقوة فكره ؟ اين عاطف الذي كان يعتقد أن لا شخص أو فكرة أو عقيدة منزهة عن النقد وان بالنقد وحده تصحح المسارات وتشيد المدنيات ويكون لحياة البشرية معنى؟
... تتغير معالم وجهه، يبدأ الغضب بالتسرب إلى عضلاته التي أنهكتها سنوات المعتقل.. يقذف بكوب الفنجان على الأرض.. يصيبه قطع منه فلا يكترث .. يضع ثمنه ببرود ثم يهم خارجا من المقهى..
- عاطف انتظر هل تظن أن الأمر قد انتهى بدنانير معدودة وضعتها على الطاولة، ألا يستحق ما فعلته الانتقاد أم انه وهم أيضا؟
..يقف بانتظار صديقه الذي ظل ينتظره طوال تلك السنوات التي قضاها في المعتقل..
- أنا لست متخصصا لكي انتقد، لكي يكون الانتقاد صائبا ومؤثرا، يجب أن تكون صاحب تخصص فيما تتناوله بالنقد وإلا كانت الحياة فوضى.
- ماذا تعني ؟
- أنا كنت انتقد بعض العقائد والمفاهيم الدينية وبعض سلوكيات المتدينين وهذا خطا لاني لم لست متخصصا في الدين ، وكنت انتقد بعض القيم والعادات الاجتماعية وانتقادي كان خطا لاني لست متخصصا في العلوم الاجتماعية .
- ولماذا انتقدت إذن الحكومة والنظام الحاكم؟ هل كنت متخصصا في السياسة وهي التي لها فروع تزيد عن العشرة ؟ولماذا ننتقد الصحافة وأجهزة الإعلام التابعة للنظام؟ هل كنا متخصصين في الأعلام وهو علم ينقسم إلى الكثير من الفروع ؟
- انظر إلى هذا الشارع ! كم به من الحفر والتشققات؟ حري بنا أن لا ننتقد البلدية لأننا لسنا مهندسين ! وحري بنا أن لا ننتقد المستشفيات وما فيها من إزهاق للأرواح جراء الإهمال لأننا لسنا أطباء وليس لنا أن ننتقد بعض القوانين والأنظمة لأننا لسنا حقوقيين ولا قانونيين أليس كذلك ؟
- يا عزيزي لقد خدعونا بهذا المفاهيم التي تنتقص منا كبشر .. قالوا لنا بأننا في زمن التخصصات حتى يخرسوا ألسنتا ويجمدوا عقولنا ليتسنى لهم العبث بثرواتنا ومقدراتنا ولتسخيرنا لخدمة لمصالحهم لنكون مجرد مماليك بين أيديهم ؟
- أن ما تقوله هو الحق الذي أومن به ، حاولت أن اقنع عقلي بقناعات جديدة ولكنه أبى ألا أن يكمل مهمته حتى النهاية .
- وما هي مهمته يا ترى؟
- أن يكون سببا في قتلي وإخراجي من هذه الدنبا حرا لا سلطان لأحد علي غيره.
- وهل يكون ذلك سببا في أن تقتل؟
- نعم يا صديقي، فنحن في زمن العهر، فان أعملت عقلك زاحمت الوهم المطبق على حياتنا كبشر وهنا ستكون نهايتك لأنه سوف يقضي عليك أو أن تستسلم له لتصبح جزء منه ليكون عقلك مسخرا في خدمته أو مجرد آلة صدئة لا قيمة لها.
***********
تحاصره السلطات في كل مكان ، فلا يجد متسعا في الأرض يذهب إليه ، فالمخبر يتبعه في كل مكان يرتاده ، تضيق عليه الدنيا على اتساعها ، الناس من حوله تتجنبه خوفا منه أو من الذي يواجهه منذ سنوات طويلة ، يجد نفسه وحيدا إلا من القليل من الأصدقاء القدامى الذين ظلوا ثابتين على المبادئ التي جمعتهم طوال أكثر من 20 عاما من النضال الذي انتهى بالاعتقال والحرمان من كافة الحقوق القليلة المبتورة التي تمنح للخاضعين من الناس .. لم يجد مكان يذهب إليه سوى المسجد القريب من منزله ، كان في كل فريضة يأوي إليه يؤدي فروضه في إحدى زواياه ويدعو ربه والمخبر رغم ذلك ورائه كأنه يحاول أن يسمع ماذا يقول في صلاته وبماذا يتمتم ؟ .. كان يطيل في قنوته مما آثار فضول المخبرين والناس المحيطين به ... الهي ادعوك بان ترزقني الحرية والعزة والكرامة في الدنيا والآخرة ... ... الهي ارزقني الحرية والكرامة أو خذني إليك فلا حاجة لي في حياة أكون فيها عبدا لغيرك .. الله إني أسالك أن تبعث في روحي العنفوان والإباء والرفعة لأعبدك بها كثيرا وأسبحك بها كثيرا يا رب العالمين.. الهي إني ذليلا فاعزني وسجين فحررني ومظلوما فانصرني وفقيرا فأغنني يا رب العالمين ...
- ماذا يفعل هذا العلماني في مسجدنا كل يوم؟
- سمعت انه ليس علمانيا بل ليبراليا !
- وما الفرق بينهما ؟
- ولكن العلمانيين لا يصلون!
- ولماذا يصلي إذن ؟ أتراه قد تاب عن أفكاره الباطلة ؟
- ولماذا يطيل في قنوته كل هذه المدة ؟
- إنني أخشى منه ، ما رأيك أن نطرده من المسجد ؟
- لا هذا عمل غير لائق ما دام يأتي للصلاة فقط فلندعه وشانه
*****
أصبح المسجد مأواه الذي يركن إليه من العزلة والوحشة والظلام الدامس ، كان يرى المخبر يدخل معه المسجد فلا يكثر له ، ما أن يبدأ بالصلاة حتى يغفل عما يجري بالقرب منه ويسرح في عالمه الخاص الذي لا يشاركه فيه احد ، عاد يدعو ربه مجددا وفي هذه المرة بدأت الدموع تنهمر من عينيه .. أغمضها بخشوع ألا أنه أحس بتلك القيود التي ألفها سنوات طويلة ماضية تكبل معصميه مرة أخرى ، فتح عينيه مجددا ليرى مجموعة من المخبرين تحيطه به وتقيد رجليه ويديه وتقطع صلاته ... يأخذونه بقسوة وسط ذهول المصليين .. لم ينبت بشفه كلمة فقد كان يعرف قواعد اللعبة ..
- الم اقل لكم انه رجل خطير؟
- لقد فهمت الآن! لقد كان يأتي للمسجد ويصلي ليموه على أفعاله !. انه رجل ماكر حقا ولكن ما ذنب الصلاة ليشركها في أفعاله الذميمة الباطلة ؟
****
يفك القيد عن يديه ورجليه ، يجلس فترة طويلة بانتظار تهمته الجديدة، يدخل عليه الضابط المسئول عن جريمته..
- أهلا يا عاطف افتقدك كثيرا .
يتطع إليه بكل جأش...
- ما تهمتي هذه المرة؟
- يبدوا أنك متعجلا لمعرفة لماذا أنت هنا ، أعذرك، في كل مرة تأتي ألينا كنت تعرف تهمتك جيدا ولكن هذه المرة خانتك البداهة.
- أنا لم افعل شي ضد قانونكم، لا يمكن أن أكون قد فعلت شيئا يغضب حكومتكم مني، مستحيل.
- أنت لم تفعل شي ولكنك قلت .
- قلت لمن وكيف، أنا التزم الصمت طوال الوقت يا سيدي.
- هذه المرة يا عاطف تكلمت وبصمت ولم تقل لأحد ولكننا تمكننا من معرفة ما يجول في خاطرك وما تخطط له ولذلك تسحق العقاب ، لأنك أضمرت ما سوف تريد أن تفعله لاحقا ، او ليس الله يعاقب على النيات ؟ لماذا لا نفعل ذلك نحن أيضا؟ فالله آلهة السماء ونحن آلهة الأرض !!
- هل دخلت إلى أعماق ضميري ؟ هل تمكنت معرفة ما يفكر به عقلي؟ هل استطعت معرفة ما يجول في ذهني؟ وهل ما يضمره المرء في داخله يعاقب عليه يا ترى؟
- نعم تعاقب يا عاطف ! كل جريمة كانت عبارة عن فكره أو مجموعة أفكار، تحولت إلى وساوس في العقل ثم اجتمعت لتصبح فكرة شيطانية ، علينا منذ اليوم أن لا ننتظر الفعل، يجب أن نعاقب المرء منكم على ما في داخله لكي لا يفعل أو يفكر أن يفعل .
.. يشعر عاطف بالإرهاق الشديد وانه بحاجة إلى إنهاء هذه الكوميديا السوداء...
- اسمع يا عاطف أليس هذا صوتك ؟
.. أنصت لنفسه وهو يدعو ربه بان يرزقه الحرية والكرامة، تطلع إلى وجوه المخبرين والعجب قد تملك من قسمات وجهه، والضابط فرح يدخن سيجاره والابتسامة تملا تغره..
- انه مجرد دعاء لا اقصد به شيئا.
- لا شي يسير في هذه الوجود دون هدف أو مرمى وآلاف الكلمات التي تخرج من فم الانسان أو حتى زقزقة الطيور وهدير الحمام أو زئير الأسود كل منها له هدف وغاية .
- كيف يصل الأمر بكم أن تحاسبوا الناس على كلمات تدعوا بها بارئها او أمنيات تختمر في قلوبها؟
- (بغضب ) كيف لك أن تقول ذلك ؟ كل حرف ضد الدولة جنحة وكل كلمة جريمة وكل عبارة تتفوهون بها تستحقون عليها الإعدام ألف مرة .
- ما تقوله غير صحيح إنكم لستم سوى مرتزقة تطلبون رضا ساداتكم على حساب شعبنا المستضعف.
- كلا إن جهاز الأمن الناجح هو من يقبض على المجرم والجريمة ما تزال في طور التكون في ذهنه ، لذلك علينا أن نجعل على كل مواطن شرطي وعلى كل شرطي رجل مخابرات ، علينا أن نحاصر كل شخص ونراقبه حتى في أحلامه فمن الحلم تبدأ أولى خطوات الجريمة ...
... يساق إلى المحاكمة ، ينظر القاضي في تهمته فيدعن لجلادي الشعب ومروضي أجياله..
- سيد عاطف لقد دعوت على الحكومة وقلت بأنها تمنع الناس حريتها وتهدر كرامتها ودعوت الله أن يسقطها ما هو ردك؟
.. صمت مطبق، يرفض أن يدافع عنه محامي في اغرب تهمة وجهة له في حياته..
- اجب يا عاطف صمتك ليس حلا.
- هل أنت مقتنع يا سيدي القاضي بهذه التهمة من الأساس ؟
.. تبدوا على القاضي إمارات الانكسار . يتدارك الأمر الجلاوزة المرتدين رداء القانون والعدالة ..
- ليس لك أن تسال السيد القاضي مثل هذه السؤال، أنت دعوت على الحكومة أي انتقدتها وهذه جريمة.
- أن كنت قد فعلت ذلك ففي السر وبيني وبين بارئي، ليس للقانون سلطة علي في ذلك.
- لا فرق في نظر القانون أن يكون ذلك سرا أو علنا، سيدي القاضي أطالب بإنزال أقصى العقوبات على هذا المتهم.
... ينظر القاضي إلى عاطف بشفقة ، أحس عاطف بان القاضي يقف إلى جانبه ولكنه مسجون مثله وان كان يبدو حرا..
- حكمت المحكمة على المتهم بالحبس خمس سنوات مع الأشغال الشاقة.. رفعت الجلسة .
.. يخرج القاضي وما تزال عيناه تلامس عيني عاطف ، يأخذه السجان إلى سجنه ، يلقي نظرة الوداع على الأشياء من حوله .... نحن جميعا مسجونين وان كنا نبدو أحرار.. الحياة دون الحرية ليست سوى سجن كبير والإنسان من دون كرامة جسده ليس سوى قبر يضم روحه المعذبة، سأظل أدعو ربي وسيكون سجني محراب صلاتي حتى النصر..



#رائد_قاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعمم الشيعي ضحية وجلاد
- الفن وفتاوى الفقهاء ( السيد السيستاني نموذجا)


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد قاسم - اعتقال في محراب الصلاة