أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد خداش - دوائر اختي الناقصة














المزيد.....

دوائر اختي الناقصة


زياد خداش

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 10:39
المحور: الادب والفن
    


لا تستطيع اختي منال ان تعيش دون قلم حبر سائل ، وورق ابيض كثير ، اختي منال في اواخر العقد الثاني من عمرها ، لو كتب لها ان تكون عادية ، لبدت جميلة ، ففي ملامح وجهها مشروع ملغي او غير مكتمل لجمال خاص ، يجمع بين براءة وسلام ونعومة النظرة وبين كبريائها وشراستها ، اختي تعيش بيننا في البيت ، تأكل معنا ، تستخدم اشياءها الخاصة من صابون ومنشفة ، ومعجون وفرشاة اسنان ، وحين نضحك على موقف لاخ او ابن اخ ، تضحك معنا ، حين تبكي امي على لقطة حزينة في مساسل عربي ، تبكي مع امي ، حين تظهر صورة صدام حسين قبل اعتقاله على الشاشة ، تصرخ منال فرحة وفخورة احيانا تقفز وتجرنا من ثيابنا الى التلفاز ، بعد اعتقال صدام ، وظهوره بهيئته التعيسة و المحزنة ، كانت منال تشد شعرها وتطلق صيحات استنكار وحسرة ، وتدفن راسها تحت اللحفاف احتجاجا ، مغمغمة بلغة لا نعرفها نحن البشر ، ، لا يمر يوم دون ان تتنفس منال فيه دوائرها ، وخطوطها الحزينة و الغريبة ، محملا باوراق بيضاء كثيرة واقلام حبر زرقاء سائلة ، اعود الى البيت مساء كل يوم ، تنتظرني منال على الباب ، تصفق او ترقص ، اسلمها خبزها اليومي ، تتلقفه ، تسرع الى غرفتها ، هناك على سريرها ، يمشي قلم منال على الورق ، مشية كائن يعرف من اين اتى ، و الى اين هو ذاهب ، مشية بنت كانت ستصير امراة سمراء وطويلة ، جميلة ومثقفة ، لو لم يتوقف فجأة مشروع الجمال الخاص المقرر ، في سنة من السنوات فرض منع تجول على المخيم ، وانقطع الورق ، وجفت الاقلام ، جن جنون اختي ، راحت تمزق ثيابها ، وتكسر اواني المطبخ وتنهض في الليل فزعة ، وتهذي بكلمات غير مفهومة كأنها تخاطب احدا غير مرئي ، فاهتديت الى طريقة مبتكرة لتهدئتها ، اعطيتها سطل فحم ، واشرت لها بيدي على الحيطان ، ابتسمت و راحت ترسم دوائرها المجنونة هناك بخط اسود كبير وثقيل ، كنت احيانا اجلس قبالتها ، اراقب يدها القوية وعينيها المشغولتين الضائعتين في متاهات عالم غريب ، من صنعها، من نسيج روحها ، قالت لي مرة صديقة : ان هذه الكائنات الرائعة لا تنتمي لعالمنا ، هي متورطة بوجودها على الارض نتيجة خطأ ما ، ولها عالمها الخاص ولغاتها وحضارتها ، وتقاليدها ، صدقت صديقتي ، صرت اتصرف مع اختي منال ، وكأنها ضيفة عزيزة على عالمنا، اتحمل نزقها ومزاجها ، ومطالبها ، واعتقدت انها ذات ليل هاديء ، ستتسلل من فراشها ودوائرها الى وطنها البعيد ، لماذا ترسم اختي دوائرها ناقصة ؟؟ لماذا تترك ثغرة ما ، في الدائرة؟ ارقني هذا السؤال طويلا ، وما زلت منشغلا به ، حتى اللحظة .
مرة من المرات ، وضعت يدي فوق يدها ، ومشيت بيدها في منحنيات دائرة كبيرة ، وحين اوشكت الدائرة على الانغلاق ، شعرت بيد اختي توقف يدي بقوة مجنونة ، وندت عنها صرخة مرعبة اطاحت بي بعيدا عنها ، خرج من فمها زبد ، واشتعل في عينيها حريق كبير ، وصلت السنته الى وجهي ، لم استطع ان اكمل الدائرة ، بقيت ثغرة ضيقة جدا ، مشت يدها الى دائرة اخرى ، ستتركها ناقصة ، وهكذا امتلات غرف بيتنا باوراق بيضاء مرسوم عليها هذه الدوائر الغامضة ، في احدى الليالي ، حلمت بدائرة مرعبة و ضخمة مرسومة بالنار ، مترافقة مع اصوات حيوانات بشعة ، تقترب من سريري ، فجأة تذكرت الثغرة قفزت من فراشي ، وانا اصيح : الثغرة ، الثغرة ، اين الثغرة يا منال ، اخرجيني من النار يا اختي ، اخرجيني ، اخرجيني ،
في صباح صيفي ، فوجيء بيتنا بدوائر ناقصة عل كل الحيطان ، حيطان المطبخ ، وغرفة الضيوف ، والشرفة ، والمرحاض ، وبعد عدة صباحات قليلة ، تذمرت حارتنا كلها ، من وجود دوائر غير مكتملة مرسومة بخطوط متعرجة على ابواب بيوتها وحيطانها ، وعلى زجاج شرفاتها ايضا ،
ماذا تريد منال من الثغرات ؟ التتسلل منها الى وطنها ؟؟ ام لتحتج على المشروع الناقص لجمالها؟؟؟ ام لانها عرفت ان الاكتمال موت ونهاية ، والنقصان حياة ؟ ؟؟ ، ام لمعنى اخر لا ادركه بذهني البشري المحدود ،
ارسمي دوائرك يا اختي - الضيفة ، ارسميها ايتها الحرة الجميلة ، المشاغبة ، يا اختي ، يا دائرتي الناقصة .
فالاكتمال موت موت موت ،



#زياد_خداش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح جديدة في صورة المراة العربية
- قصة قصيرة : حشرة عمياء يقودها طفل
- نساء فلسطينيات مكللات بالتعب والبياض
- في مديح المراة الطفلة


المزيد.....




- هتتفرج بدون اشتراك… رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 ب ...
- “باقة من البرامج والمسلسلات وأفلام السينما”عبر تردد قناة CBC ...
- “ابنك هيدمنها” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ج ...
- مايكل دوغلاس يزور مستوطنة إسرائيلية ويصف المتضامنين الأمريكي ...
- بتهمة -الفعل الفاضح-.. إحالة سائق -أوبر- بواقعة التحرش بفنان ...
- عز وفهمي وإمام نجوم الشباك في موسم أفلام عيد الأضحى 2024
- فرويد ولندن.. أتاها نجماً هارباً فجعلته أسطورة خالدة
- الروسي بيفول يهزم الليبي مالك الزناد بالضربة الفنية القاضية ...
- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان
- إدارة أعمال الفنان جورج وسوف تكشف عن حالته الصحيه بعد أنباء ...


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد خداش - دوائر اختي الناقصة