كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3147 - 2010 / 10 / 7 - 15:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال العقدين المنصرمين تسنى لقوى الإسلام السياسية الإرهابية التي رعتها وغذتها وطورتها ثلاث دول أساسية خلال العقد التاسع من القرن العشرين هي الولايات المتحدة الأمريكية, التي مدتها بالسلاح والتدريب والمعلومات, والمملكة العربية السعودية التي مدت تلك القوى بالتعليم والفكر الديني المتطرف والمال والأفراد, وباكستان التي احتضنت ودعمت لوجستيا ووفرت لها الحماية وعززت تعاونها وتشابكها مع أجهزة الأمن الباكستانية وساعدت على فتح المزيد من المدارس الدينية ذات النهج الحنبلي الوهابي فيها, لكي تنزل الهزيمة بقوات الاتحاد السوفييتي في افغانستان. وقد كان لها ولغيرها من الدول الغربية والعربية ما أرادت فعلاً. ولكن ماذا بعد الاتحاد السوفييتي الذي انتهى أمره في بداية العقد الأخير من القرن العشرين؟ لقد انقلب السحر على الساحر, وكأن المثل الشعبي العراقي ينطبق على هذه الدول حين يقول:
"يا حافر البير لا تغمج مساحيها, خاف الفلك يندار وانت التگع بيها", انقلب على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وباكستان, ولكنه لم يقتصر عليها بل امتد إلى الكثير من دول العالم. وكان ما كان قبل وبعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 من العمليات الإرهابية الدامية لهذه القوى في مناطق كثيرة أخرى من العالم.
إلا أن نشاط هذه القوى قد تركز في السنوات الأخيرة في كل من أفغانستان والعراق, وسقط بسبب الساحر القديم وسحره مئات الوف الضحايا قتلى وجرحى ودمار واسع وخسائر مالية لا حصر لها. ولم يتوقف عن مناطق أخرى في ذات الوقت. وإذا كانت الولايات المتحدة قد استطاعت إبعاد عمليات الإرهابيين عن بلادها, فإنها عجزت إلى الآن عن إنهاء هذه الحرب ضد الإرهاب, وهي تعلن بين فترة وأخرى عن اكتشاف خلايا جديدة ومحاولات جديدة جادة لعمليات دموية حقاً.
لم يعد تنظيم القاعدة الإرهابي كما كان عليه في السابق, إذ تلقى ضربات قاسية حقاً في كل مكان, ولكنه, ورغم تلك الضربات, لا يزال يمتلك إمكانيات مهمة قادرة على إنزال ضربات شديدة ومتواصلة في كل من أفغانستان والعراق, ومن ثم في اليمن, كما أنه عمد إلى تهديد العالم الغربي بضربات قاسية تنزل أفدح الخسائر بتلك الدول من خلال تحريك بعض خلاياه النائمة فيها او المرسلة إليه بعد إنجاز تدريبها في افغانستان وباكستان. لقد فشلت تلك المحاولات بفضل وعي أجهزة أمن تلك الدول ونشاطها الداخلي في داخل تلك التنظيمات الإرهابية, ولكنها في ذات الوقت تقود إلى عدة عواقب سلبية, نشير إلى بعضها:
1. توجيه المزيد من الموارد المالية لأغراض حماية سكان الدول الغربية التي تبقى في قلق دائم من احتمال ضربات موجعة تنزل بها.
2. زيادة الإجراءات الأمنية التي تمارسها تلك الدول الغربية بهدف الحماية, ولكنها تعتبر مقيدة جداً لحرية حركة ونشاط الإنسان وتزيد من متاعب السفر والتنقل والتدخل في شؤون الأفراد.
3. تسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين والمسلمات, وهي سيئة عموماً في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها, كما ترفع من مستوى الخشية والقلق لدى تلك الشعوب من المسلمات والمسلمين المقيمين في هذه الدول, مما يزيد ويعقد من التفاهم المتبادل والحياة المشتركة في بلد واحد, ويدفع بها إلى اتخاذ إجراءات إضافية ضد الهجرة والإقامة والمراقبة.
4. وهذه الظاهرة تحرك المزيد من القوى اليمينية في عدائها لا ضد الأجانب عموماً, بل ضد المسلمين من العرب وغير العرب بشكل خاص, وترفع من الكراهية وتنشط الفكر الشوفيني فيها.
5. وقد وجدت هذه الحالة تعبيرها الواضح في الموقف من إقامة المساجد والجوامع أو من الحجاب في أوروبا, خاصة وأن القوى الإسلامية السياسية قد حولت الكثير من تلك المساجد والجوامع إلى مواقع للخطب السياسية ضد المسيحية وزيادة الكراهية الدينية أو الحجاب وكأنه قضية إسلامية, في حين انها اصبحت سياسية لا غير.
علينا أن نؤكد هنا ومن جديد ما أشرنا إليه في مقالات أخرى ما يلي: لا يمكن تصور وجود تنظيمات إرهابية على نطاق واسع تتحرك بحرية وحيوية وتوجه ضربات قاسية وتهدد الدول العظمى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى وتقلق شعوبها ووتنغص حياة البعض منها وتثير حفيظة تلك الشعوب ضد الإسلام والمسلمين القاطنين في بلدانها, دون أن تتسلم دعماً مالياً ولوجستياً متنوعاً وتتزود بمزيد من الإرهابيين الملتحقين بتلك القوى الإرهابية من بعض الحكومات في الدول العربية والإسلامية, ومن منظمات وجوامع ومساجد ومدارس دينية وشخصيات مسلمة غنية تعيش في الدول الأوروبية أو في الدول الغربية عموماً. فإلى الآن تجد قوى الإرهاب الإسلامية السياسية في هذه الجهات المعين غير الناضب في تزويدها بما تريد لممارسة إرهابها على الصعيد العالمي. إذ لو توقف ذلك المعين المجهز بكل شيء, لتقلصت ثم توقفت واندحرت تلك القوى الإرهابية المقيتة.
من المفيد هنا إيراد بعض النماذج في هذا الصدد:
نموذج 1, السعودية: في الوقت الذي تقوم المملكة العربية السعودية بمحاربة الإرهابيين في بلادها وتطاردهم وتقتل البعض المهم من المنظمين منهم من جهة, تقوم قواها الإسلامية السياسية ومدارسها الدينية والكثير من شيوخ الدين فيها وشخصيات كثيرة من أغنيائها وشركاتها بتقديم مختلف أشكال الدعم لتنظيمات القاعدة الإرهابية من خلال التعليم والتثقيف الفكري والسياسي في المدارس السعودية في المملكة وفي شتى بقاع العالم أو التبرع بالأموال أو تجنيد الأفراد من جهة أخرى, وبالتالي فأن القوى الأخيرة تساهم في تكوين وتوفير إرهابيين جدد تعمل في المملكة وترسل إلى دول أخرى لممارسة النشاط الإرهابي في آن واحد.
نموذج 2, باكستان: في الوقت الذي تتعاون باكستان مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي بمكافحة الإرهاب في باكستان, تقوم أجهزتها الأمنية والكثير من العاملين في الجهاز الحكومي بدعم مباشر وغير مباشر لقوى الإرهاب عبر العلاقات القديمة التي نشأت بينها وبين قوى الإرهاب سابقاً وحافظت على تلك العلاقات وجددتها وفق قواعد عمل مشترك جديدة, لأنها أصبحت مرتبطة بها بعلاقات قوية وفساد مالي متفاقم في البلاد. فهم يمدون القوى الإرهابية بمعلومات قيمة عن التحركات المشتركة وعن المواقع التي يمكن ضربها بعيداً عن اعين الشرطة. كما يمكن تزويدهم بالكثير من السلاح والعتاد والمتفجرات من ترسانة النظام الباكستاني لسيادة نظام الفساد في كل البلاد الباكستانية. وبالتالي فأن باكستان تحارب بيد اليمنى, وتمد باليد اليسرى ما تحتاجه قوى الإرهاب الدولي لمواصلة نشاطها. ولم يعد هذا الأمر خافياً على أحد.
نموذج 3, إيران: قوى الإرهاب السياسية الإسلامية على الصعيد العالمي هي قوى تنتمي إلى المذهب الإسلامي الحنبلي الوهابي عموماً, وهو مناوئ للمذهب الشيعي الصفوي السائد في إيران. ولكن لإيران أجهزتها الإرهابية التي تعمل في دول أخرى كالعراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين وباكستان وافغانيتان وغيرها أولاً, وتتعاون ثانياً مع القوى الإرهابية الأخرى التي تلتزم بالمذهب السني الحنبلي الوهابي بأمل تنشيط العداء للولايات المتحدة الأمريكية وتعقيد الأمر عليها في الدول الأخرى, كما يحصل في العراق حيث يوجد مثل هذا التعاون وبصيغ مختلفة, وكذلك في غزة مثلاً, إذ أن القوى الإسلامية السياسية (حماس) تشكل جزءاً من الأخوان المسلمين الأكثر تطرفاً في العالم العربي, كما يبرز ذلك في التعاون الكبير مع قوى إيران في لبنان, قوى حزب الله.
وفي الوقت الذي تقيم قوى افسلامية عموماً الدنيا ولا تقعدها بسبب منع بناء منارة لجامع في سويسرا أو في أي مكان آخر من الدول الغربية تنسى هذه الدول العربية والإسلامية أنها تمنع إقامة كنائس فيها, كما في السعودية, أو تسكت عن حرق الكنائس فيها أو لا تعلن عن تحقيقاتها بهذا الصدد, كما في العراق.
وهناك نماذج كثيرة أخرى يمكن إيرادها في هذا الصدد أصبحت واضحة لمن يحاول متابعة نشاط قوى الإرهاب في دول "العالمين العربي والإسلامي", أو في الجاليات العربية والإسلامية في الدول الغربية.
إن المهمة المركزية التي تواجه القوى المدنية والديمقراطية في الدول العربية والإسلامية وفي إطار الجاليات الإسلامية والعربية في الدول الغربية هو النضال المكثف ضد فكر وسياسات وممارسات ونشاطات قوى الإرهاب والدول والقوى والجماعات الإسلامية الأخرى التي تدعم نشاطها وتمدها بما يساعدها على البقاء واستمرار قتل البشر والتخريب وتشديد الصراع بين اتباع الديانات المختلفة في العالم.
7/10/2010 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟