أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هوشنك بروكا - عن بيتي الأجنبي وأشجاري المكتومة!














المزيد.....

عن بيتي الأجنبي وأشجاري المكتومة!


هوشنك بروكا

الحوار المتمدن-العدد: 3146 - 2010 / 10 / 6 - 18:13
المحور: المجتمع المدني
    


يصادف اليوم(الخامس من أوكتوبر)، يوم تشريدي، أنا الأجنبي السوري المكتوم، عن إسمي الممنوع من الهوية ونحوها، فضلاً عن تشريد مكاني عن أسمائه(والعبارة للكبير سليم بركات).

اليوم، هو يوم "اجنبيتي" المحروسة، في مسقط إسمي، أي مكان ولادتي(ولادتي في هويتي، وهويتي في ولادتي) المستثناة من كل الإقامة في المواطنة، بل من كلّ المواطنة في كل الإقامة.

الخامس من أكتوبر من كل عامٍ(سوريٍّ بالطبع)، هو يوم الإعلان الإستثنائي، لإستثناء حوالي ثلاثمئة ألف مواطنٍ كردي، مثلي، عن المواطنة السورية، وعن كل الحقوق المدنية والسياسية، فضلاً عن الحقوق الثقافية والإقتصادية.

الخامس من أكتوبر، بحسب المفكّرة السورية، المصنّعة خصيصاً لأكراد الشمال، هو مناسبةٌ ٌأجنبية جدّ خاصة، ل"أكرادٍ أجانب" سوريين، شاء الإحصاء الإستثنائي(الذي جرى في الخامس من أكتوبر 1962)، أن أكون واحداً من بين ثلاثمئة ألف وجودٍ كرديٍّ، ممنوعٍ من النحو والصرف، والقيد والدرس، في كل دوائر النفوس الرسمية، لسوريا الرسمية.

اليوم، يصادف الذكرى الثامنة والأربعين لدخولي "الإستثنائي"، ك"كرديٍّ ممنوعٍ"، أو "كرديٍّ مكتومِ القيد"، في التاريخ الإستثاني "الأجنبي"، على سنّة "الجمهورية العربية السورية"، الطائرة منذ أكثر من ستة عقودٍ ونيف، إلى "الأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة"، فضلاً عن زحفها البعثي، إلى "الوحدة والحرية والإشتراكية".

سوريتئذٍ، دخلتُ على سنّة "الإحصاء الإستثنائيّ"، "الإستثنائيةَ الأجنبية"، من أوسع أبوابها، حتى صار وجودي أجنبياً، وإسمي أجنبياً، وبيتي أجنبياً، وأشجار حديقتي أجنبيةً، وحقول قمحي أجنبيةً، وحروفي أجنبيةً، وكتابي أجنبياً، وقيامي وقعودي أجنبياً، وعاداتي أجنبيةً، وأعيادي أجنبيةً، ولباسي أجنبيةً، محجوبةً عن كل ما يمكن أن يمتّ إلى وطنٍ بصلةٍ.

هكذا بجرّة "قلمٍ إستثنائيّ"، في "إحصاءٍ إستثنائي"، سقطت دفاتر وعناوين إسمي، عن تاريخ السجل المدني السوري وأحواله، فانتهيت مع الآخرين الكثيرين، من أبناء "أجنبيتي الكردية الحمراء"، إلى مجرد "رقمٍ مكتومٍ" "، أو "خانةٍ مكتومةٍ"، مدونةٍ ب"الأحمر العريض الخطر على أمن الدولة وسلامة أراضيها"، أو إلى مجرد "رقمٍ أجنبيٍّ طارئٍ"، خارجٍ على كل سوريا التاريخ والجغرافيا والإجتماع والسياسة، وسواها من "السوريات الرسميات".

أنا "الأجنبيّ" الإسم والجهة والمولد والمنشأ والزمان والمكان واللسان، متهمٌ في مسقط رأسي السوري، أباً عن جد، منذ ما يقارب النصف قرنٍ، بالتورط مع "اعداء خارجيين"، والإنتماء إلى جهاتٍ أجنبيةٍ "خطيرةٍ جداً"، لم أعرفها بعدُ، ولم أتشرّف بمعرفتها حتى اللحظة.

أنا هناك، حيث الجمهورية "عربيةٌ أكيدةٌ" لا غبار على ضاد(ها)، أجنبيُّ "برّانيّ"، لأن إسمي أعجميٌ، ولسان أمي أعجميّ، وكلامها أعجميّ، ونيران نوروزها أعجمية، وكوفيتها أعجمية.

أنا السوري الأعجمي "الأجنبي"، إسمي الذي يساوي الآن ما يقارب الثلاثمائة ألف "رقمٍ كرديٍّ أجنبيٍّ"، أو "مكتومٍ"، هو إسمٌ "ممنوعٌ" من البَوح، ك"مواطنٍ" في سجلات القيد المدني، ومقفّلٌ عليه المواطنة كلها، من أولها إلى آخرها، بالشمع الأحمر الأكيد، منذ حوالي خمسة عقودٍ من الزمان.

اليوم، ستمشي أشجار حديقتي "المكتومة"، الواقفة أمام بيتنا منذ عقودٍ طويلةٍ مضت، في الذكرى الثامنة والأربعين لعبورها "أجنبيتها" المختومة، ب"الأحمر الإستثنائي"، والتي استثناها الديكتاتور بختمه، من كل المكان السوري، بإعتبارها أشجاراً "مشكوكٌ بها أبداً"، "عميلةً"، "مدسوسةً"، "خارج ـ وطنيةً"، "متآمرةً" مع الخارج، و"خطرةً" على الوحدة والأمن الوطنيين!

اليوم، سيمشي بيتي، الواقف في "أجنبيته الإستثنائية"، السورية بإمتياز، منذ حوالي نصف قرنٍ من التشريد في اللامكان؛ المكان اللامنتمي الخارج على المكان؛ المكان المكتوم، في مسيرةٍ صامتةٍ معلومةٍ، مع البيوت الأجنبية الأخرى الجارة القريبة والبعيدة، إلى هويتها العاجلة أو الآجلة!

اليوم، سأشعل إسمي المكتوم في الأول من هذا المساء، كشمعةٍ معلومةٍ، مع ثلاثمئة إسمٍ كرديٍّ، سيشتعل في ثلاثمئة شمعةٍ، حداداً على مواطَنتي السورية المقتولة، والتي اغتالها الديكتاتور، منذ ما يقارب النصف قرنٍ!

اليوم، سأمشي مع بيتي "الأجنبي"، وأشجاري "المكتومة"، من الشمال إلى الشمال، بيتاً بيتاً، شجراً شجراً، وحجراً حجراً، حداداً على سوريا الميتة، منذ حوالي نصف قرنٍ، وعاصمتها الميتة، وأطرافها الميتة، من دمشق إلى القامشلي!

اليوم، سأمشي، في هويتي الحية الجديدة، التي هربتُ إليها منذ عقدٍ ونيف، لهويتي المقتولة العتيقة، وبيتي الأجنبي المقتول العتيق، وأشجاري المقتولة العتيقة، من برلين إلى القامشلي!

اليوم، سأمشي ثلاثمائة ألف مرةٍ، إلى ثلاثمئة ألف بيتٍ أجنبيٍّ، أو ما يقاربها من أشجارٍ مكتومةٍ، أو أسماء ممنوعةٍ!
اليوم، سأمشي ثلاثمائة ألف خطوةٍ، في هويتي لهويتي، ومن هويتي إلى هويتي!
اليوم، سأرسم بيتي الأجنبي العتيق، وأشجاري المكتومة العتيقة، التي لا تزال واقفة هناك، في العراء السوري، من دون هوية ولا هم يحزنون، مع أولادي، ثلاثمائة ألف مرة!
اليوم، سأمزق صورة الديكتاتور، مع أولاد الحارة، ثلاثمائة ألف مرة!
اليوم، سأصرخ لهوية أشجاري، ثلاثمائة ألف صرخة!
اليوم، سأشعل ل"سوريا بيتي"، ثلاثمائة ألف شمعة!



#هوشنك_بروكا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في -خرافة- صلاح بدرالدين
- سيد القمني: من عقل العقل إلى عقل النقل!
- في ركاكة مكتوب بارزاني الأخير أو بيان اللابيان
- إلى من يهمه العقل: وفاءً لوفاء سلطان
- ومات أبادير واقفاً..
- كل عام وأنا أكرهكَ!
- الحريري بين لبنانَين
- تركيا من الإنفتاح إلى الإنغلاق
- العلم السوري قاتلاً ومقتولاً
- القذافي فاتحاً للجنّة
- ما وراء منع المآذن
- نوبل أوباما -الشاعر-
- -فوضى- نوال السعدواي الخلاقة
- أكراد الشمال: بين فرضية الدولة والدولة المفترضة
- سوريا: تقتل العراق وتمشي في جنازته
- جلببة العلم على -سنّة- حماس
- عاشت سوريا -الضرورة-..يسقط لبنان!
- خروج أبطحي على -المخمل-
- ما لن يتغيّر في كردستان!
- كُتاب -التربية الوطنية-


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...
- حماس: لا نريد الاحتفاظ بما لدينا من الأسرى الإسرائيليين
- أمير عبد اللهيان: لتكف واشنطن عن دعم جرائم الحرب التي يرتكبه ...
- حماس: الضغوط الأميركية لإطلاق سراح الأسرى لا قيمة لها
- الاحتلال يعقد اجتماعا لمواجهة احتمال صدور مذكرات اعتقال لعدد ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - هوشنك بروكا - عن بيتي الأجنبي وأشجاري المكتومة!