أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الأحمد - العقل المريض بجماله















المزيد.....

العقل المريض بجماله


محمد الأحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 19:47
المحور: الادب والفن
    



بعد أن ضحكنا بعمق، قلت:
- هكذا هرهرتنا سنواتنا العجاف..
لكنه لم يعطني فرصة متجاهلا سؤالي عن أحواله الحالية، فبقي يتكلم عما اختاره هو من كلام، مواصلا:
- حسبما تعرف العلوم العصبية حققت تقدّما هائلا منذ مطلع عقد الثمانينات الماضي.. ولكن هناك مفارقة كبيرة يعرفها هذا الميدان وهي أن التقدم الكبير الذي جرى تحقيقه على صعيد معرفة أسرار الدماغ وآليات عمله لم يتواكب أبدا مع تقدّم مماثل على صعيد التخلّص من أمراض عقلية معروفة منذ عدة قرون.
كان يريد القول:
- أصغ إلي يا صاحبي ودعك من كل ما تريد..
فأنا التقيت به مصادفة من بعد فراق طويل، وبقيت اسأل نفسي ربما قد غيرته السنين.. إذ بقيت مصغيا إليه أتابع عيناه الحمراوتان وكأنهما تغوصان في عمق ما وتغرف إلي بالكلام المتوازن الذي يعطيني معلومة تلو الأخرى، ففي السابق عندما دخل في أول أزماته يومها قد كان انفصل عن زوجته و أولاده.. تصير يومها صامتا في صحبة أصحابه، ولم يكن يتكلم بموضوع متصل أبدا، بدا آنذاك الأمر عليه أشبه بأعراض مرض الذهان، فهو يصمت طويلا، وما يبدأ الكلام حتى يتكلم بأمر آخر لا يمت بصلة إلى أوله، فلم أتوقع منه ان يفلت من تلك الأزمة التي عصفت به وجعلته إنسانا آخرا غير الذي اعرفه، كنا نعرف أشياء قليلة عما آلت إليه الأمور ولكن مقربيه قالوا : - امرأة حكمت عليه بالفراق عن زوجته ذات يوم.. ادعت أمام الناس بأنها مرضعته ومرضعة لزوجته، فحدث ما حدث..
إذ فارق زوجه ولا احد ينكر ما عليها من حضور، وعليه كزوج من سطوة.. كان هائما به، لكنهما افترقا للأمر ذاك، ولم أتابع التفاصيل، كنت أتعاطف معه لأنه إنسانٌ مبدعُ متفانّ مع أصدقائه وأهله، فمرّ بأزمة كبيرة لم يفصح لأحد عنها. كنت قلقا عليه أكثر مما اسمعه منه، يومها كان شارد الذهن لا يقدر على مواصله جملة واحدة على عكس ما اسمعه واراه اليوم... إذ بدت جمله مترابطة وغير متوترة.. لكن حركات رأسه يمينا ويسارا جعلتني أخاف عليه أكثر، قلت مع نفسي حتما سأعرف لاحقا ما حلّ به، خلال العشرين عاما التي أفرقت عنه.. أردت أن اسأله ليكشف اليوم لي عن اهتمامه الدقيق بتخصصي، كأنه يريد أن يفرض علي بأنه لا يقل اهتماما عن أي متخصص بهكذا الموضوع: (بالتأكيد أنت تعرف الباحث ومؤرخ العلوم الفرنسي (بيير هنري كاستل) قد كرّس كتابا لهذه المسألة اسمه (العقل المريض)، باحثا في الموضوع ذاته عبر نهج شيق)، فقلت:
- سبق لي أن قرأت له:
- (الدفاع وأشكال الجنون، والأفراد)؟..
نظر الي مستفهما كأنه قال بعينه لم أعرفك مهتما بهكذا أمر من قبل، لأنك حسب علمي قد درست في مادة الفيزياء.. فتداركت مردفا قبل ان ينطق:
- سنحت لي فرصة أخرى فاقتنصتها كي ادرس مادة أخرى..
- نعم عرفت ذلك لقد صادفني أكثر من صديق لينقلوا لي أخبارا طيبة عنك..
اخذ نفسا عميقا وواصل القول بارتياح:
- ذات مرة على إحدى صفحات الويب وجدت احد أبحاثك وأرسلت إليك مفندا ما كنت تطرح جملة بجملة ولكنك لم تلق لي بالاً، فقد حدثني عنك أكثر من صديق فأصبحت عازما على ان أراك ولم استطع.. بودي التحدث عن أبحاثك الكثيرة، كم أنا مهتم بما تطرح، وتستنتج.. كم أنا فخور بك..
رجوته في قراره نفسي أن لا يشعرني بالزهو أكثر وان يواصل حديثه في موضوع سيوصلني حتما إلى ما أريد
- (حدث تطوّر هائل جرى تحقيقه على صعيد معرفة توصيف الدماغ ودراسة آليات عمله، وتشريحه لتقييم فعالية العلاج في مجال الأمراض التي تصيبه. وأدى هذا التطور إلى تغيير كبير في المفاهيم النفسية التقليدية وإلى (تطبيع) استخدامها. فأصبح الحكم على (الحالات العقلية) بأنها بوابات أساس علم الأحياء العصبي (البيولوجيا العصبية)، وعلم الإحصاء الطبي..
بقي مواصلا القول، كأنه لا يجرأ أن ينظر الى عمق عيني:
- وأي منهج لا يستعرض النظريات الكبرى السائدة حتى اليوم في مجال الأمراض العقلية يبقى قاصرا لأنه سيكون غير متواصل مع ما بداته كتب دراسة العقل الحديث.
أصغي إليه بانتباه وحرص، وهو يعي ما يقول على الرغم من محاولته برفع بؤبؤي عينه إلى أعلى من دون أن ينظر إلي، فيسبب لي إحساسا بعدم الارتياح، كأنه ليس هو من يتكلم؛ عيناه أحيانا تغوران عميقا وأنا لا اعرف لهما قرار، ولكن صوته ثابت القرار، يدل على ثقة عالية بالنفس، فبقيت تفاحة ادم، تصعد وتنزل بتوازن، وبقي يواصل لي القول:
- قرأت مرة عن منهجين يقول أحدهما إن الجنون هو نتيجة لخلل في آليات عمل الجهاز العصبي، ويرى الآخر أن الجنون هو نتاج لميزان قوى على صعيد السلطة ومقابل هذين المنهجين يتبنّى (طريقا ثالثا) لشرح أشكال الهذيان الحديثة والاكتئاب العصبي ولغز (المجرمين المجانين) وغير ذلك من ظواهر الأمراض العقلية.
فأردفت قائلا، كأني وجدت فسحة ما لأقول قولي:
- يرى (كاستل وضع مسائل فلسفة العقل على طاولة عمل المحللين النفسانيين).
قاطعني مواصلا:
- فما هو (عقلي) له مكوناته النظرية والعملية الناتجة عبر التوفيق والتداخل بين ما هو دماغي وبين ما هو اجتماعي لدى كل فرد.. بهذا المعنى يغدو من الخطأ القول أن (العقل) يعني (الدماغ) حصرا.. ومن الخطأ القول إن نشاطات العقل هي (فوق الواقع) وأنها منفصلة تماما عن الآليات العصبية- البيولوجية.
اخذ نفسا عميقا وانطلق قائلا:
- ونتيجة للتداخل بين ما هو دماغي وما هو اجتماعي تجتهد تحليلات هذا الكتاب للإحاطة بـ (طرفي السلسلة المتمثلة من جهة بالمحددات المتعقلة بالخلايا والمورثات ومن جهة أخرى بالعلاقات بين البشر).
أضاف بعد أن ابتلع ريقه، وكأنه يشكو من أعراض مرض السكري:
- انوي أن أكرس فصلا كاملا لمتابعة (النماذج الحيوانية) في دراسة سأكتبها ذات يوم متناولا أشكال الجنون، أي تلك التي يتم فيها الاستبعاد الكامل لمكوّن العلاقات مع الآخرين في المرض العقلي..
نظر بعمق إلى أعلى فروه راسي، وحاذر أن تلتقي أعيننا، ككل مرة. وكأنه يريد استدراك شيء ما، ثم واصل القول:
- مثل تلك المحاولة سوف ترمي إلى الكشف عن الأصول العضوية البحتة في بعض الأمراض العقلية البشرية.
بقي يتكلم ولاحظت آثار رذاذ تطاير من فيه على قميصه وتذكرت (ملاحظة هذا السياق تتمثّل الأعراض الرئيسية لهذه الحالة بعدم قدرة المصاب بها على منع نفسه من كيل السباب والشتائم (القبيحة) للآخرين، وبصورة لا إرادية)، اذ هو لم يكل شتيمة لأحد بل على العكس بقي متماسكا، قائلا وكأنه قرأ أفكاري على حين غرة:
- أن البعض يرون في هذا (العقل المنتج للشتائم، الشتّام) كيانا منفصلا عن صاحبه، والخلايا العصبية هي المريضة تحديدا و(كما لو أن الدماغ نفسه هو الذي يقوم بالشتيمة، وليس الإنسان صاحب ذلك الدماغ، فهذا الإنسان ليس هو الذي يوجه الشتائم إلى إنسان آخر). وهنا ينتمي الخلل العقلي إلى الأمراض ذات الأسباب المادية البحتة التي تعيد الاضطرابات العقلية إلى خلل آليات العمل العصبية، أي إلى خلل في الجهاز العصبي الذي قد تصل أسبابه إلى الجذور الأولى البعيدة لمورثات الأشخاص المعنيين فيه.
لا ادري أحسست بان لساني قد ثقل وأنا انظر إليه، أريد أن اعرف كيف يتواصل معي بأفكاره، دون أن يسمعني لحظة واحدة، ويريد أن يقول قوله، فحسب.
- وهذا ما يسميه (مجتمع الأفراد- الأدمغة).. معالجة الإنسان لدماغه من أجل إمكانية الاندماج في الحياة الاجتماعية)... مثل هذه العلاقات بين (أدمغة) وليس بين بشر يرى، أضاف:
- أنها تتحقق بالصيغة الأكثر شيوعا في عالم السياسة.
(أن الجنون يطرح إشكالية على العقل من خلال محاولة (نفسه) والاقتراب أكثر من الحالة الطبيعية، بمعنى البعيدة عن الفعل الثقافي من حيث دلالته الأصلية المتمثلة في تدخل الإنسان لتغيير طبيعة الوسط المحيط فيه. والبرهان الذي يجسده (العقل المريض) لا يطرح مسألة نظرية كبيرة فقط، ولكنه يطرح مسألة فعالية العلاج وأخلاقيته)، إن اعتبار الألم النفساني كمجرّد مظهر خارجي لخلل الجهاز العصبي، إنما يعني اختزال المجنون لدماغه فقط والنسيان، أو التناسي، الكامل الاستماع إلى (لغته).. بالمقابل لا تتم رؤية سوى (مناورات ذات علاقة بالسلطة) في مظاهر الجنون.. هل تعرف ما أراده (ميشيل فوكو)، وقبل أن أهمّ عليه بجواب قال متعجلا:
- ذاك باحث جميل ألا ينبغي عليك معرفته؟ لأنه صاحب معرفة عريضة وبحوث منطقية لا أظنك ستعرفه يوما مثلما أنا قد عرفته..
أحسست بأنه يريد إعلان تفوقه علي، و ربما سأرى منه ما لا يُحمد عقباه إن لم أعطه فرصة ليقول بها ما يريد..
- (يركز على القول إن المرضى بـ(عقلهم) يشكلون أحد ظواهر التراث الإنساني في كل العصور وهم قبل كل شيء (يفكّرون) ويحسّون ويتألّمون وبالتالي ينبغي محاولة فهمهم وفهم عالمهم).
تأكدت باني لن أوفق بمقاطعته، وسيبقى يُسمعني ما يريده دون أن يسمع مني..

Friday, August 20, 2010



#محمد_الأحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسائل قرة العين
- كنت شيوعياً
- فليم حسن ومرقص
- كونشيرتو النسيان
- المثقف العربي في زمن الانحطاط العربي: على أي جانبيه يميل..؟
- علم الاجتماع الآلي
- الترفع غربة المثقف العراقي المقصي
- خسارة متأزمة بالفقدان
- النص
- التعددية محنة الاعلام الثقافي العراقي
- قصة قصيرة: ربيبة السيد المسؤول
- عام قاس بعد رحيل البعقوبي (ياسين أبو ظفار)
- عباس الأموي.. عام على رحيل قاس
- العمة دوريس أديبة نوبل
- هل مات اديب ابو نوار
- الرماد الى المجد الزائف
- جثةٌ قد تأجل موتها
- جثة قد تأجل موتها
- الوعي الشعري ومسار حركة المجتمعات
- الطائفيةُ البغيضةُ سلاحٌ في المعركة البغيضة


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الأحمد - العقل المريض بجماله