أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - عباس بيضون - حكاية ذيب الجسيم














المزيد.....

حكاية ذيب الجسيم


عباس بيضون

الحوار المتمدن-العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18 - 01:08
المحور: بوابة التمدن
    



15/09/2010

يبعد ساركوزي الغجر بعد أن أهانهم برلسكوني وسبق أن أهينوا في بلغاريا والمجر بلديهما الأسبقين. لن يدافع أحد عن الغجر، حتى الله لن يدافع عنهم. انهم انجاس بالنسبة إلى الكنيسة والدول والمجتمعات. اعتدي عليهم مراراً لكن هذا قلما يذكر. النازية على سبيل المثال عاملتهم كاليهود وحاملي السّفلس والمعوّقين. اعتبرتهم جزءاً من حربها على السامية، بالرغم من انهم في نظرية على الأقل ليسوا من أصل سامي. جعلتهم طعمة للسجون وأفران الغاز واختفى مليون منهم في هذا السبيل لكن من يذكر؟ ساركوزي يبعِد وبرلوسكوني يكافح لكن اللاسامية لا تزال بعيدة. انها فقط العداء لليهود اما الغجر والمعوّقون فيبقون على حدة. الغجر لن يجدوا مدافعاً. انهم اعداء المجتمع. يكفي انهم بلا هوية ولا بلاد. يكفي أن اقتصادهم وطرائق عيشهم غامضة. انهــم يتعاطون السحر والعرافة والتسول. انهم يتعاطون مع الشر والجن وهم بحد ذاتهم مخلوقات للشر، سراقون مختطفو اطفال يوقعون اللعنة حيث يحلون. لا يزال الغجر كما نظرت إليهم النازية عرقاً منحطاً. اما السبب فهو انهم بلا وطن. انهم لا يدينون لمجتمع ولا بلاد، ولا عجب اذاً اذا باعوا كل شيء. الآن لا يجرؤ أحد على وصم اليهودية لكن التراث النازي مع ذلك مستمر، هناك دائماً وصم المعوقين والغجر. والذين يتكلمون هكذا قلما يتذكرون ان هذا إرث الفاشية.
في بلادنا ينتشر في كل مكان الغجر الذين لم يصدر قانون بحقهم، ولكن الأهالي يتكفلون بإحراق خيمهم وطردهم من محيط القرية. لكن في بلادنا أقليات لا تقلّ عجزاً ومكروهية عن الغجر. الأكراد في لبنان، أشوريو العراق، الصابئة، الأزيديون، بقايا اليهود، الغجر. جميع هؤلاء موصومون، إن في انتمائهم وولائهم أو في معيشتهم وطرائق عيشهم. انهم دائماً في الطرف البعيد حيث يمكن التعامل مع العدو والشر والشيطان نفسه.
لا يتحدث أحد عن حقوق هذه الأقليات النادرة والموجودة كبقايا أثرية. لا نعرف حتى متى يبقى الأشوريون والأزيديون والصابئة في العراق. إن صراع القوميات لن يوفّرهم بالطبع، وفي كل محطة ستكون تهمة الخيانة جاهزة. على الأقل هناك تهمة السحر والعرافة والتعامل مع الشيطان. بالطبع لن يحرص عليهم أحد حرصه على الأنواع النادرة، سيكونون ضحايا الجميع. ولن يجدوا سبيلاً إلا الفرار...
من هم الغجر إذاً؟ انهم جماعة لا تنتمي إلى أي مكان ولا يرضى عنها أحد. لو حاولنا أن نجد شبيهاً لها في لبنان لأمكننا ان نجده في فلسطينيّي المخيمات. إنهم بلا أرض إذ نشكّ دائماً في أنهم يطمعون في أرضنا وفي كل أرض سواها. نراهم ضعافاً ومساكين لكننا لا نعرف متى يستذئبون ومتى يستقوون ومتى يقاسموننا أرضنا. نتظاهر بالإشفاق عليهم، لكننا نعرف أن لا دفع لشرهم المستقبلي الا بالترانسفير او الإبعاد.
هناك البدو الذين استقروا أخيراً في قرى جميلة، هؤلاء كنا نجدهم دائماً جاهزين. الرفيق ذيب الجسيم كان استاذ رياضيات في ثانوية صور. كان شديد السمرة لكن أيضاً ظليل العيون وحييّاً. كانت النار تأكل الحزب الشيوعي لكن الرفيق ذيب بقي أميناً. ورث حرب طبقات لم يعشها لا هو ولا أبوه، لكنها منصوص عليها في كتب كبيرة وتقارير. لم يدرك الجدّ الأخير الذي توقف عن الرعي ولم يرث قطيعاً لكنه تعلم الإنكليزية في مدرسة حكومية. الرفيق ذيب الجسيم خالط فتيات البدو واختار إحداهن زوجة، وحين كنا نزوره في بيته على النهر كنا نراها تشتل الخضــار، وكان يقول لنا بثقة: أيّ امرأة حضرية تستطيع أن تفعل هذا؟ الرفيــق جاءه الأمر من الرفيق جورج بأن يعيد بناء الحزب. كان الأمر واضحــاً والرفيق ذيب لم يردّه. الحزب في حال من الخراب لكن الرفيــق ذيــب بدأ يردّ العنزات الشاردة، ونقل أمر الرفيق جــورج إلى المتشــككين. لم يصدق أحد أن الرفيق ذيب سيعيد بناء التنــظيم، لكنه فعل. البدوي أستاذ الرياضيات صنع الكثير، لكنه كان بدوياً لا يترحّل ولا يغزو. كان يرعى نجوماً وأحلاماً على ضفة النهر. في يومٍ جاؤوا وحنّوا ماء النهر بدمه وطرطشوه على شتول الأزهار. لم يطالب أحد بدمه. كان بدوياً لا يترحل ولا يرعى ولا يغزو بالطبع، وأي دمٍ لبدوي عبَدَ النهر وهجر مراعيه؟
ذيب الجسيم لن يذكرك أحد. لقد قتلوا الرفيق جورج أيضاً. وهذه الحكاية ستبددها الرياح.

السفير



#عباس_بيضون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد أركون: نهاية الفكر الاصلاحي
- حديث متأخر عن الشعر مع محمود درويش [
- اعتذار غويتسولو
- جرائم بلا روايات
- ثلاثة وجوه لعسف واحد
- محمود درويش الأب الثاني
- رواية «المخابرات»
- ليس قمرنا
- «المثقفون» الآن
- الشاهد، المستبطن الرائي
- العودة إلى الشيخ إمام
- التعذيب
- بين أدونيس وطرابلسي.. السياسة لا تكفي
- أنا شامت لأن الولايات المتحدة تهاجم حلفاءها فأميركا تتكلم في ...


المزيد.....




- هل قررت قطر إغلاق مكتب حماس في الدوحة؟ المتحدث باسم الخارجية ...
- لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في ...
- القضاء الفرنسي يستدعي مجموعة من النواب الداعمين لفلسطين بتهم ...
- رئيسي من باكستان: إذا هاجمت إسرائيل أراضينا فلن يتبقى منها ش ...
- -تهجرت عام 1948، ولن أتهجر مرة أخرى-
- بعد سلسلة من الزلازل.. استمرار عمليات إزالة الأنقاض في تايوا ...
- الجيش الإسرائيلي ينفي ادعاءات بدفن جثث فلسطينيين في غزة
- علييف: باكو ويريفان أقرب من أي وقت مضى إلى اتفاق السلام
- -تجارة باسم الدين-.. حقوقيات مغربيات ينتقدن تطبيق -الزواج ال ...
- لأول مرة.. الجيش الروسي يدمر نظام صواريخ مضادة للطائرات MIM- ...


المزيد.....

- حَمّاد فوّاز الشّعراني / حَمّاد فوّاز الشّعراني
- خط زوال / رمضان بوشارب
- عينُ الاختلاف - نصوص شعرية / محمد الهلالي
- مذكرات فاروق الشرع - الرواية المفقودة / فاروق الشرع
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 9 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة ,, العدد 8 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 7 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة الالكترونية , العدد 6 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة , العدد 5 / ريبر هبون
- صحيفة الحب وجود والوجود معرفة العدد 4 / ريبر هبون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - بوابة التمدن - عباس بيضون - حكاية ذيب الجسيم