أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس بيضون - حديث متأخر عن الشعر مع محمود درويش [














المزيد.....

حديث متأخر عن الشعر مع محمود درويش [


عباس بيضون

الحوار المتمدن-العدد: 2787 - 2009 / 10 / 2 - 19:38
المحور: الادب والفن
    



كان يتلفن لي من وقت الى وقت ليحدثني طويلاً عن الشعر واحسب ان محمود درويش كان يخرج من وحدته بهذه التلفونات الطويلة التي يتواصل بها مع أصدقاء وغير أصدقاء. كلما التقينا في بيروت او باريس كان أيضاً يحدثني عن الشعر، وقدّر لي ان أحاوره حول الشعر في حديثين نشرا في «الوسط» المحتجبة وفي «السفير». حديث الشعر قد يختصر صلتي بل صداقتي لمحمود درويش، أحسب انها تحت هذا العنوان كانت صداقة جزئية. مع ذلك قد أكون شاهداً مناسباً على انشغاله العميق بالشعر وبالأعمال الشعرية. اشهد ان محمود كان متابعاً حصيفاً لما يصدره وله رأي ثاقب في كل ما يقرأه. يفاجئ من يظنون هذا انه في نجوميته لم يكن يلتفت الى صنيع زملاء في الظل او في الضوء الجانبي. بلى كان يلتفت وكان يكترث وكان يحسب حساباً لكل راي في شعره ويقلق عند صدور كل ديوان. لعل تفكير محمود درويش في الشعر كان يتزايد بتقدمه في السن الا انه لم يكتب في هذا الباب كما فعل شعراء آخرون. لا اعرف سر تحفظه. كان سؤال الشعر بالتأكيد يملأ حياته لكنه فضل ان يترك شعره بلا رديف نظري، لعله شاء أين يحرر النقاد والقراء من هذه التبعة وان يخلي لهم الطريق فيدخلوا الى شعره بمفاتيحهم هم ومنطلقاتهم. لكن هذا لا يسعف كثيراً نقاداً او قراء يفضلون اقصر الطرق وهي ان يدخلو الى شعره بمفاتيحه وان يقرأوه بعينيه، لم يقدم محمود درويش هذه الخدمة لكن أكثر قرائه لم يبادروا. جعلت الشعبية الكبيرة لمحمود درويش قراءته تقف أحياناً عند ابسط المعارج وأكثرها عامية، او جعلتها ذات مستويات عدة قد يكون أدناها قريباً من الكليشيه والعمومية. أما قراء النخبة فأحجموا غالبا عن النبش في العمل الشعري وعن هيكليته وكشف لعبه وحيله. لقد أخذوا هم الآخرون تقريــباً بفتــنة هذا الشــعر واكتــفوا بدفـئه وحميميــته.
استسهل الجميع الدخول الى شعر محمود درويش ولم يبالوا بأن هذه السهولة خادعة وقفزوا عن الفخاخ المنصوبة على الطريق. تجاوزوا الانزياحات العميقة والدقائق والتباينات التي غدت فن محمود درويش الاثير، تباينات وانزياحات فيما يبدو واحداً ومتصلاً ومندمجاً. كان هنا بالتأكيد أكثر من السهولة الممتنعة. كان هنا فن مركب ولعبة من دقائق وظلال لافتة وظاهره، لكن الذين يستعجلون الوصول الى النهايات الخادعة أيضاً كانوا يمرون عليها ولا يبالون بارادة الشاعر الصريحة بأن يقفوا بل وان يتحيروا. ان يتأملوا هذه الفوارق الخفية، والتي هي عذاب مكتوب، الفوارق بين المرء ونفسه، بينه وبين آخره، بينه وبين جسده وموته واقامته، بينه وبين عدوه العالق معه في ذات الحفرة. لم يكن أحد ليستصعب القفز على هذه الكسور او تجاوزها. لقد تم غالباً تجاهل النداء الصريح للشاعر بأن لا يصدقوا، فما هو امامهم ليس سوى مناظر متحركة متغيرة الى حد الخداع. ما أمامهم هو في الغالب شيء لا يلبث ان ينفي نفسه او يكذبها او ينكسر باتجاه معاكس. كان نداء الشاعر صريحاً لكنه لا يستفز. اعمت الكثيرين الإلفة فلم يفهموا ما فيها من الحاح فعلي. كان الشاعر في هذه المطارح يتوسلهم ان يتوقفوا. ان يروا لعبة الظلال او محنة المعنى، ان يفهموا ان الالتباسات هي مفاصل النص وان بقع اليقين القليلة ليست سوى استــراحات عرضية. انها في النص الدرويشي من تقلبات النفــس جوعــها وكسلها وهي استراحات لا تلبث ان تأكلها الظلال.
لكنهم غالباً ما كانوا يستريحون هنا ويحسبون انهم بلغوا الغاية. في حين ان القصيدة الدرويشية تظل تقشّر الحقيقة حتى لا يبقى في النهاية واقع مشوب بالوهم او وهم مشوب بالواقع. كان محمود درويش يرسم بخطوط منكسرة يرونها او يريدونها مستقيمة. كان يحيّر الاشياء، يجذبها الى لغة فوق طبيعتها او يجرها الى ضد وسلب داخلي، مع ذلك كان يبدأ من الأشياء قبل ان يحولها باشارة لطيفة يتراءى أحياناً انها من وجنسها ويعود الى الأشياء. كان يقيم في التباين والتفارق لا في التضاد وأشياؤه تتعذب بطبيعتها وتتحول من نفسها، طالما احب المثنى الذي كان في الغالب بورخسيا فهو اننا الأنا واثنا النفس، ثم انه اثنا كل شيء. طالما جعل لكل شيء قريناً وتكلم هو كقرين ورديف.
كان محمود درويش يتلفن من وقت الى وقت ليتكلم عن الشعر، مع ذلك لم يكتب عن الشعر لأنه فهم ان الشعر يُفكّر كحيرة لا تترك محلها شيئاً. القصيدة الناجزة هي كل برهاننا على الشعر وبدونها لا يكون موجوداً، وقد اعطانا محمود نماذجه ورحل. لم يكتب عن الشعر حتى حين كتب. تلك قصيدته الى شاعر شاب هل المثل، لم يقل فيها الا ما يقال. وحتى في مقاطع اكثر خصوصية ظل حذراً، لكننا نجده يتكلم كثيراً عن الشعر حين لا يكون الشعر هو العنوان. كان الشعر هو السر في كلامه عن أي شيء. بل يخطر لي ان أواخر قصائده كان الشعر موضوعها الأول. ما كان يتكلم عن الحب او الموت او الطبيعة او الحياة الشخصية الا والشعر هو الخلاصة. الشعر يرث العالم والشعر هو الذي يبقى. انه في التباس الاشياء وتفاوتها وتباينها وفروقاتها المعذبة وانكساراتها انه بين الجلد واللحم بين الكلام والشفة، بين الأنا والأنا، انه أيضاً في توتر الأشياء وكسوفها وتبددها، في علاقاتها الخفية ومستقبلها، تكلم درويش كثيراً على الشعر في أواخره، وكان الشعر فيها استعارته الكبرى، وإذا أصغينا على هذا النحو فسنسمع كثيراً.
[ كلمة معدة للتلاوة في الجزائر في احتفال تكريمي لمحمود درويش نظمته دار البرزخ بمساعدة وزارة الثقافة الجزائرية.

عن السفير






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتذار غويتسولو
- جرائم بلا روايات
- ثلاثة وجوه لعسف واحد
- محمود درويش الأب الثاني
- رواية «المخابرات»
- ليس قمرنا
- «المثقفون» الآن
- الشاهد، المستبطن الرائي
- العودة إلى الشيخ إمام
- التعذيب
- بين أدونيس وطرابلسي.. السياسة لا تكفي
- أنا شامت لأن الولايات المتحدة تهاجم حلفاءها فأميركا تتكلم في ...


المزيد.....




- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...
- الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج ...
- تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن ...
- اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير ...
- كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس بيضون - حديث متأخر عن الشعر مع محمود درويش [