أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد مسلم الحسيني - دهاء المالكي والصراع على السلطة















المزيد.....

دهاء المالكي والصراع على السلطة


محمد مسلم الحسيني

الحوار المتمدن-العدد: 3123 - 2010 / 9 / 12 - 01:06
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


من يراقب سيرة السيد نوري المالكي السياسيّة في كسب السلطة والحفاظ عليها منذ أن تولى المنصب الأول في الحكومة العراقية والى هذه الساعة، يجدها سيرة لا تخلو من الدهاء والحنكة. لم يكن المالكي معروفا في الأوساط العامة في بدايات التغيير في العراق، فهو ليس عضوا في مجلس الحكم ولا منافسا على المركز الأوّل في الدولة، حيث لم يكن مكان خشية السياسيين المتنافسين على السلطة. إنما في الحقيقة كان الشخصيّة الثانية في السلّم التنظيمي لجناح من أجنحة حزب الدعوة الإسلامية الذي كان يقوده الدكتور إبراهيم الجعفري، وكانت حصة هذا الجناح من المقاعد البرلمانية خمسة عشر مقعدا حسب تقسيمات ومحاصصة الإئتلاف العراقي الموحد أنذاك. ففي الإنتخابات البرلمانية التي تمخضت عن أول برلمان عراقي عام 2006م كان الدكتور الجعفري مرشحا عن كتلة الإئتلاف العراقي الموحد لرئاسة الوزراء، إلاّ أن رفع الأكراد للفيتو بوجهه جعله يتنازل عن هذا المنصب للشخصيّة التي تليه أي للسيّد المالكي الذي حاز على الرضا والتأييد من دون ضجيج وممانعات .

هنا لعب الحظ دوره في تسلّق المالكي قمة الهرم أو ربما الأمور كانت أكبر من ظواهرها في كيفية حصوله على هذا المنصب. لم يكن حكم العراق في تلك الظروف نزهة جميلة للسيد المالكي، بل كان عليه أن يتدبر أمره أمام الكثير من التحديات والمصاعب. أهمها : الأمن المتردي، حالة عدم الإستقرار في كل الأوجه: السياسية والإدارية والإقتصادية والإجتماعية والنفسية وغيرها، إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، الموازنة بين متطلبات وأهواء الأطراف الخارجية المتناقضة، وأخيرا الحفاظ على كرسي الوزارة من الوقوع بسبب الهزات الأرضية القوية التي تعرض لها. النجاح السياسي الأول للمالكي هو أن أستطاع وبسرعة نسبيّة أن يشكل حكومة مشاركة وطنية تضم غالبية الأحزاب والكتل المعروفة على الساحة وهي مهمة ليست سهلة أمام أول تجربة بهذا المضمار. هذا التآلف في صياغة الحكومة سرعان ما أنفرط حينما انسحبت غالبية الكتل المتآلفة، فخرج التيار الصدري بثقله منه وخرج حزب الفضيلة وهما مكونان من مكونات الإئتلاف العراقي الموحد، إضافة الى إنسحاب الأحزاب والتكتلات الأخرى كحركة الوفاق الوطني وجبهة التوافق وغيرها من الكتل والأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة أنذاك، حتى بلغ العدد الكلّي للوزراء المنسحبين السبعة عشر وزيرا.

التفتت الذي حصل في حكومة المالكي كان قياسيّا ولو حصل ما يشابهه في أي حكومة ديمقراطية في العالم لسقطت منذ اليوم الأول، لكن نواميس السياسة في العراق غريبة وإستثنائية. لم يتزحزح المالكي من موقعه بل بقي متمسكا فيه رغم إنسحاب نصف وزرائه. فرغم هذا الإهتزاز بقى المالكي يتحدى تمرد الآخرين بمختلف صوره ولم يتردد بإستخدام كلّ الوسائل والسبل في الحفاظ على السلطة والإمساك بزمام الأمور. حارب على الصعيدين السياسي والعسكري بكل ما أوتى من قوّة، فقد وقف بوجه من تمرد من الصدريين بمعركة دموية شرسة حصلت في جنوب العراق سماها صولة الفرسان. وحارب القاعدة والمجاميع المسلحة بمساعدة أرتال قوات الصحوة التي شجع على تأسيسها وتمويلها رغم الإعتراضات الكثيرة عليه. لم يتهاون مع كلّ من يهدد سلطته، كرديّا كان أم عربيّا، سنيّا كان أم شيعيا، علمانيا كان أم إسلاميّا، حتى خفت حدّة النعرات الطائفية وأنحسرت ظاهرة القتل على الهوية في زمنه وتمت السيطرة على الأحياء التي كانت تسيطر عليها الجماعات المسلحة وأوقفت عملية التهجير القسري ورجع بعض الناس الى مساكنهم مما أوحى بتحسن واضح في الحالة الأمنية العامة وإن كان ذلك دون مستوى الطموح.

أستطاع المالكي أن يتسلم رئاسة حزبه بعدما فشل الدكتور الجعفري في البقاء في منصبه كرئيس لهذا الحزب وغادر الأخير حزب الدعوة ليشكل حزبا آخرا أسماه " تيار الإصلاح" الذي لم يرق في شعبيته الى مستوى الطموح، بل بقي حزب الدعوة صاحب القدح المعلىّ بين رواده ومناصريه لأن قاعدة " البقاء للأقوى" هي شعار السياسة في العراق!. هذا على صعيد حزبه أما على صعيد المجتمع العراقي بشكل عام فقد نجح المالكي في إستمالة الكثير من رؤساء العشائر العراقية من أجل بناء قواعد شعبية له، إذ أن الولاء العشائري لا زال طاغيا في المجتمع العراقي بل زاد وتشجع بعد التغيير. وفوق هذا وذاك فإنه أجتهد في بناء مؤسسة أمنية وعسكرية موالية له ولم يتردد بإستدعاء أهل الخبرة والمعرفة من ضباط ومراتب الجيش المنحل.

أما على صعيد العلاقات الخارجية فأنه وازن في علاقاته بين الأقطاب الخارجية المهمة والمؤثرة في معادلة الهيمنة على الساحة العراقية وبالأخص القطبين الرئيسيين الأمريكي والإيراني. كان المالكي ذكيّا في مسك العصا من وسطها مما جعل نفسه غير مرفوضا من قبل هذين القطبين. ربما لم يكن يمثل طموح الإيرانيين أو الأمريكيين في شخصيته وسيرته، لكنه يعد مقبولا وحلاّ وسطا لكل منهما ان قورن بمن يتخذ أحد الأقطاب المتناقضة إماما له. فالأيرانيون يفضلونه على رئيس القائمة العراقية الدكتور أياد علاوي الذين يعتبرونه من الموالين لأمريكا، والأمريكيون من جهتهم يفضلونه إن قورن برؤساء الأحزاب الإسلاميّة الشيعيّة الكبيرة الأخرى كالتيار الصدري أو المجلس الأعلى الإسلامي. حافظ المالكي على التوازن بين مصالح القطبين الكبيرين، إذ كانت سياساته تستلطف مشاعر الأمريكين من جهة ولا تبغض الإيرانيين بشكل ملموس وواضح.

إستلطفته أمريكا حينما قاتل متمردي التيار الصدري وأبلى فيهم "بلاءا حسنا" وأستلطفته أيضا حينما ثار على السوريين وهدد وتوعد بعد أن إتهمهم بإيواء ومساعدة المسلحين والإرهابيين، حيث وصلت الأمور الى تقديم دعوى في المحكمة الدولية ضد سوريا. كما أن توقيعه على المعاهدة الأمنية بين العراق وأمريكا رغم إعتراضات الإيرانيين عليها كان برهانا واضحا للأمريكيين بأن عليهم أن يناموا مستلقين على ظهورهم، فمصالحهم محفوظة في ظل ولاية المالكي. أما الأيرانيون فيصعب عليهم التشكيك بنوايا المالكي وهو قائد لحزب إسلامي جعفري، وحتى إن وصلت الأمور الى حد الشك وسوء الظن فسيصعب عليهم التصريح بها على الأقل في الوقت الراهن. هكذا كسب المالكي لعبة الأطراف الخارجية مما جنبه ،على أقل تقدير، إعتراض هذه الأطراف عليه في التجديد لولاية ثانية.

أما في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة فقد رفض المالكي منذ بدء الحملة الإنتخابية الإنضمام الى تكتل الإئتلاف الوطني العراقي رغم الدعوات والصرخات، مما أوحى للاخرين بوجود إنشقاق في الصف الإسلامي الشيعي. في الحقيقة ليس هناك إنشقاقا، إنما كان المالكي يعتقد إعتقادا موثقا بأنه سيحصل على كم كبير من أصوات الناخبين في الإنتخابات الأخيرة يجعل تكتله السياسي "إئتلاف دولة القانون" أكبر من أي تكتل سياسي آخر وهذا ما سيضعه في موقع الإقتدار والقوة لتمرير نفسه مرة أخرى لولاية ثانية. أما إن إنضم منذ البداية الى الإئتلاف الوطني العراقي فهذا يعني ضياع الأصوات وضياع فرصة ترشيحه للولاية الثانية، خصوصا بوجود أعداء كثيرين له في هذا الإئتلاف. أصر المالكي أن يكون خارج الإئتلاف وأوحى بأنه سيتآلف معه بعد إعلان نتائج الإنتخابات، أي يتآلف وبيده مفاتيح الخزينة كي تبقى له حصة الأسد في تشكيل الحكومة. فعلا أعلن رسميّا إئتلافه وإنضمامه الى الإئتلاف الوطني العراقي مباشرة بعد الإنتخابات كي يفوّت الفرصة أمام القائمة العراقية التي أحرزت النسبة الأكبر من أصوات الناخبين والتي على أساسها وحسب الدستور تمنح إستحقاق التكليف بتشكيل الحكومة. وهكذا خفّف من حدّة وتعدد الصراعات التي حوله وجعلها مقتصرة على دائرة التحالف الوطني الذي يضم إئتلاف دولة القانون والإئتلاف الوطني العراقي.

صراعه مع الإئتلاف الوطني العراقي بدأ بعد إعلانه بأنه المرشح الوحيد في دولة القانون لرئاسة الوزراء وهذا يعني، أولا : عدم تشتيت أصوات قائمته بترشيح شخصا آخرا للمنصب وعدم المجازفة بتضييع فرصة توليه مقاليد الحكم مرة ثانية إن جعل منافسا له من حزبه. ثانيا : لقد أغلق الباب أمام أعدائه من الصدريين وغيرهم في كسب أو إستمالة شخصيّات من حزبه أو من أحزاب متآلفة مع حزبه حيث حافظ على كيان إئتلافه ومنعه من الإنفراط والتشتت رغم المرغبات والمنشطات والإستهواءات التي عرضت على أعضاء وأحزاب هذا الإئتلاف من قبل الأطراف الأخرى. ثالثا: أن إصراره على التمسّك بالسلطة رغم الضغوطات الكبيرة المسلطة عليه من الداخل والخارج، جعل الكتل الأخرى عاجزة عن إيجاد حلول تستطيع من خلالها تجاوز المالكي أو السير بموازاته. فقد نجح بتمرير شعاره " أما المالكي وأما لا حكومة من بعده...".

بعد هذا النجاح السياسي في أداء المالكي لكسب السلطة والحفاظ عليها، ستبقى عيون المراقبين تنتظر نتيجة الإمتحان الأكبر الذي يعتبر الأهم في سيرة حياة هذا الرجل السياسيّة. فإن نجح في مسعاه وكسب ولاية ثانية فهذا يعني تربعه على سدة الحكم الى أجل غير مسمّى! وإن فشل فيه فهذا يعني بأنه سيرحل عن وجه السياسة الى الأبد ويصبح في ذمة التأريخ!. ومهما كان من أمر فقد يتمتم العراقيون مع أنفسهم ولسان حالهم يقول : لو كان لدينا سياسيون أقوياء وأذكياء في تطوير بلدهم وإصلاحه، كقوتهم وذكائهم في الحفاظ على كرسي الحكم، لأخذ العراق يقفز قفزات متوالية نحو الرفاه والعلى.....



#محمد_مسلم_الحسيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسيون وعقد الشخصيّة
- بلدان بلا حكومة : أوجه التشابه والإختلاف.
- لماذا يصرّ المالكي على رئاسة الحكومة؟
- ورود في قائمة الانتخابات
- دموع تحت أغصان الصفصاف
- بواعث الإحساس عند الإنسان
- سيناريوهات تشكيل حكومة عراقية جديدة
- مذكرات رحلتي الى العراق
- أنصفونا قبل أن - تدمقرطونا-
- أوربا صار لها رئيسا ،فمن هو...؟
- تركيا والسلوك السياسي المزدوج.
- الإنتخابات العراقية وصراع الأقطاب
- عطش في وادي الرافدين!
- دكتوراه في سن السادسة والسبعين! : معاني ودلالات....
- أزمات العالم جذورها تكمن في فلسطين...
- جنون العظمة: مرض عقلي أم داء إجتماعي؟
- ماذا سيحصل لو هوجمت إيران؟
- السلم في الشرق الأوسط هدف من اهداف العالم المتحضر
- إنفلونزا الخنازير وباء جديد يدق ناقوس الخطر
- الأوربيون والملف النووي الإيراني


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - محمد مسلم الحسيني - دهاء المالكي والصراع على السلطة