مريم مهدي إحدى ضحايا الشركات الأجنبية بالجزائر

أميمة أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 08:50
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    

الجزائر 22 أغسطس 2010

لأول مرة في الجزائر تثار قضية العمال الجزائريين لدى الشركات الأجنبية في الجزائر حيث تعمل المهندسة مريم مهدي في قسم الصيانة منذ 2007 مع شركة بريتش غاز البريطانية العاملة بالجنوب الجزائري ، وبعد فترة تجريبية وقعت مريم مهدي عقدا مفتوحا يقضي استمرارها بالعمل مادام مشروع الشركة قائما بالجزائر ، وتقول نوارة بوكريف عضو لجنة الدفاع عن العمال الجزائريين في الجنوب الجزائري في حديث خاص " إن قضية مريم مهدي أظهرت بما لايدع مجالا للشك حجم التجاوزات التي ترتكبها الشركات المتعددة الجنسيات بالجزائر، وهي الاستعمار الجديد الذي جعل الجزائريين عبيدا في بلدهم المستقل " ، ومن جهتها نصيرة غزلان رئيسة لجنة المرأة في النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية وهي عضوة في لجنة مساندة عمال الجنوب صرحت بحديث خاص " ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها العمال الجزائريون في الجنوب إلى تعسف الشركات المتعددة الجنسيات بالجزائر ، لذا تأسست لجنة وطنية لمساندة عمال الجنوب الجزائري، تتكون من النقابات المستقلة ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني ونواب في البرلمان وأحزاب " وأكدت غزلان على دعم قضية مريم مهدي لأنها حسب رأيها تعتبر " قضية رأي عام ". ومريم مهدي عاملة في قسم الصيانة لدى شركة بريتش غاز البريطانية ، طردتها بصورة تعسفية لأسباب غير منطقية كما تقول النقابية غزلان .

وقمنا بزيارة العاملة مريم مهدي المضربة عن الطعام ، وبدت مرهقة وشاحبة ، فشرحت الطبيبة سارة فرح المشرفة على حالتها الصحية وقالت " إن حالة مريم مهدي الصحية تتدهور يوما بعد يوم، وانخفض السكر لدرجة يهدد بتلف بالدماغ ، وتتقيأ عصارة المرارة ويختلط القيء بخيوط دم نتيجة جفاف المريء ولعدم عمل الجهاز الهضمي" وتحذرالطبيبة فرح من سوء حالة مريم الصحية " إذا استمرت بالإضراب لخمسة أيام أخرى قد تصاب بغيبوبة " وبالفعل دخلت غيبوبة استدعت دخولها العاجل إلى المستشفى .

وعن الخطوة القادمة في ظل عدم رد شركة بريتش غاز قالت الزهراء عضوة اتحاية النقابات المستقلة وعضوة لجنة المساندة لعمال الجنوب " إن اللجنة قررت تنظيم اعتصام بدار الصحافة ، حيث نتلولائحة تنديد بقرار شركة بريتش غاز لفصل مريم مهدي تعسفيا من العمل" وأضافت " قررنا أن توجه وفد عن اللجنة إلى شركة بريتش غاز في حاسي مسعود في الجنوب الجزائري للوقوف على أوضاع العمال الجزائريين في الشركة ومطالبة مسئولي الشركة بإعادة مريم مهدي إلى عملها " .
وبالعاصمة سوف ترفع مريم مهدي دعوة قضائية ضد شركة بريتش غاز لإعادتها للعمل والتعويض عن الضرر الذي أصابها جراء الفصل ، وتطوع عدة محامين للدفاع عن حقوق مريم مهدي .

وتعود قصة مريم مهدي مع شركة بريتش غاز إلى نوفمبر الماضي حين أوقفتها فجأة عن العمل بحجة إعادة هيكلة الشركة رغم أن عقد مريم مهدي دائم ، ويقضي بعملها مادام مشروع الشركة قائما بالجزائر ( عقد مفتوح – Open contract) .

وتحدثت مريم مهدي معنا عن خلفيات قرار الشركة " بأن مسئولي الشركة كانوا يثنون على عملها الذي بدأته منذ مايو 2007 بعقد تجريبي لستة أشهر ، ثم حصلت على عقد دائم ، وبعد عدة أشهر بدأت المضايقات الإدارية بالتدخل في حياتها الخاصة ، وازدادت بعدما ارتدت الحجاب ، وعما إذا كان تحرشا جنسيا قالت كانوا أذكياء لم يقولوا صراحة ولكن بالإيحاء فيقول المدير " أنت جيدة بعملك ولكن علاقاتك الشخصية متعصبة ، ومنعزلة عن الآخرين، ولا تعرفين تعيشين حياتك ، لا تحبين الخروج " وكانت مريم تتجاهل قصده .
وتكبر المشاكل بين مريم والإدارة في تجاهلها وعدم تكليفها بأي عمل لأسبوعين وأكثر وكانت مريم تداوم بانتظام وتقول " كنت مصرة على الداوم بالشركة على أمل تغير الأوضاع ، ولكن فوجئت بتوقيفي عن العمل مع تعويض راتب 3 أشهر " . وترفض مريم مهدي القرار وتعتبره تعسفيا لأن مبرراته واهية ، فضلا أنه مخالف لشروط فسخ العقد المنصوص عليها بالعقد المبرم بينها وبين الشركة .
وفي مجلس الصلح الذي يسبق الدعوة القضائية رفضت الشركة إعادة مريم للعمل وعرضت تعويض راتب 5 أشهر ، وتقول مريم لقد أصبح الأمر مساومة وابتزاز لأن مستحقاتي عن العمل الإضافي لدى الشركة تزيد عن رواتب خمسة أشهر، يريدون دفعها بدل التعويض ".

حاولنا الاتصال بالشركة البريطانية بريتش غاز التي مقرها الإداري في العاصمة فلم نفلح في لقاء أي مسؤول يدافع عن موقف الشركة إزاء ما وصفه مساندو مريم مهدي " بالتعسف " ، وللوقوف على موقف الشركة اطلعنا على البريد الألكتروني بين مدير عام الشركة في حاسي مسعود وبين المهندسة مريم مهدي ، وقد تبين بالفعل أن عقدها ينص على بقائها بالعمل مادامت الشركة عاملة بالمشروع ، وتظهر المراسلات نوعا من التلاعب والتهرب من الالتزام بالعقد ، وفي رسالة يطلب المدير العام أن تأخذ رواتب ثلاثة أشهر وتنصرف من العمل دون أن يذكر أسباب التسريح ، فترفض مريم مهدي العرض فيرفع المبلغ لخمسة أشهر ، وهو ماعرضه ممثل الشركة في مجلس الصلح بين الطرفين ( الشركة ومريم مهدي بحضور مفتشية العمل )

وقد أوضح المحامي مصطفى بوشاشي ( مختص بالقانون الدولي وأستاذ القانون الجنائي بجامعة الجزائر ) ما وصفه " تحايل" الشركات على قانون العمل الجزائري الذي يحمي العمال الجزائريين والأجانب ، بأن تلجأ تلك الشركات إلى عقود محددة المدة ، فتحرم العامل من حقوقه القانونية ، التعويض والعطلة والضمان الصحي والحق النقابي للدفاع عن مصالحهم . ولكن " إذا كان العمل بطبيعته غير محدد المدة وتلجأ الشركة إلى طرد العامل على أساس أن العقد انتهت مدته الزمنية ، يمكن للقاضي أن يقرر أن العقد غير محدد المدة ويلزم الشركة بإعادته للعمل استنادا إلى المادة 12 من قانون العمل الجزائري " وهو ما استندت إليه مريم مهدي في رفع الدعوة القضائية ضد شركة بريتش غاز لتعود إلى عملها طالما بحوزتها عقد دائم .

وكانت لجنة المساندة قد راسلت أعلى هيئة في منظمة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لإعادة مريم مهدي إلى عملها ، ويرى بوشاسي أن الأمر لا يعدو عن تنديد ، فليس هناك آلية قانونية في هيئات الأمم المتحدة على المستوى الدولي لإرغام هذه الشركات على إعادة عامل طردته، ولكن الجزائر كدولة عضو في هذه المنظمات الدولية تستطيع الضغط على هذه الشركات باحترام قانون العمل الجزائري .

ونفت وزارة العمل علمها بقضية مريم مهدي ووعدت في تصريح خاص أن تهتم بالموضوع، و حول ما إذا كان عمال الجنوب تابعين لوزارة العمل ؟ قال مصدر الوزارة " إنهم عمال جزائريون وسوف نقوم ما بوسعنا لحماية حقوق هؤلاء العمال الخاضعين لعقود خاصة مع تلك الشركات وليس لنا حق التدخل فيها لأنه اتفاق بين طرفين .

ونددت النقابات المستقبلة بموقف وزارة العمل ووزارة الطاقة لأنهما " تركا الحبل على الغارب للشركات المتعددة الجنسيات " . كما أعربت تلك النقابات عن استيائها من المركزية النقابية ووصفت موقفها " بالمتفرج على مآسي العمال " . ولم يعلق ممثل المركزية على اتهام النقابات المستقلة ، واكتفى بالقول " نحن لانوظف مآسي العمال لأغراض سياسية " .

وقد أوضحت الأحصائيات التي قامت بها نقابة موظفي الإدارة العمومية (سناباب ) أن نحو 20 ألف عامل جزائري وأجنبي يعملون في الشركات الأجنبية العاملة في ولاية وهران وحدها ( وتقع وهران بالغرب الجزائري ) ، هؤلاء العمال عاجزون عن المطالبة بحقوقهم ومطالبهم الاجتماعية والمهنية أمام أصحاب ومدراء الشركات الأجنبية كما قال محمد عامل في شركة أجنبية في وهران ، وأضاف " رغم أن كل شركة تعمل بالجزائر ملزمة بتطبيق القوانين الجزائرية بشأن حقوق العمال والالتزام بالمطالب الاجتماعية والمهنية عبر نشاط نقابي داخل تلك الشركات ، لكن تلك الشركات تمنع النشاط النقابي " وقال رئيس النقابة الوطنية المستقلة لمستخدمي الإدارة العمومية رشيد لعلاوي " إننا كنقابة مستقلة نطالب الحكومة بإلزام الشركات الأجنبية بتطبيق قانون العمل الجزائري ، والحكومة تتحمل مسؤولية التعسف الذي يلحق العمال في تلك الشركات " وأضاف لعلاوي " نحن كنقابة مستقلة راسلنا مسؤولي هذه الشركات لفتح فروع نقابية للعمال الجزائريين والأجانب فلم نتلق جوابا " . لكن عمال الشركات الأجنبية يعتزمون فتح فروع نفابية لهم داخل الشركات الأجنبية للدفاع عن حقوقهم وقال حمو طارق من عمال الشركات النفطية بالجنوب الجزائري " إن العمال الجزائريين يتعرضون للطرد التعسفي من عملهم في الشركات الأجنبية بسبب غياب التمثيل النقابي " ويعتزم حمو مع زملائه العمال فتح نقابة داخل الشركات الأجنبية كما تنص القوانين الجزائرية للدفاع عن حقوقهم وحماية العمال من تعسف المستثمرين الأجانب .

أيا كانت المواقف إزاء عمال الجنوب لدى الشركات المتعددة الجنسيات ، وأيا كانت نتيجة الدعوى التي ترفعها مريم مهدي ضد إحدى الشركات المتعددة الجنسيات العاملة بالجزائر فهي سابقة منذ انفتاح السوق الجزائرية على الاستثمار الأجنبي ، وفتحت الباب أمام العمال للمطالبة بحقوقهم دون خوف بعدما علموا أن قانون العمل الجزائري يحمي العامل الجزائري والأجنبي على حد سواء .

#أميمة_أحمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات