أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد عدنان - عبد الباقي الشواي














المزيد.....

عبد الباقي الشواي


سعيد عدنان
كاتب

(Saeed Adnan)


الحوار المتمدن-العدد: 3092 - 2010 / 8 / 12 - 02:46
المحور: الادب والفن
    


عبد الباقي الشواي
سعيد عدنان
لا أعرف سنة ميلاده، ولا أعرف سنة وفاته، ولكنّي أجعلها، على نحو من التقدير، في أُخريات الثمانينيات، ولم أرَ من كتبَ عنه أو تحدثَ في شأن من شؤونه، ولم أقرأ له كتاباً أو مقالاً، ولم أشهده إلاّ في قاعة الدرس.
أكان قليل الشأن حتى يُغفل هذا الإغفال؟!
أدركتُه في كلية الآداب في سنة 1975م شيخاً قد استوى الشيب على رأسه يدرّس مادة: ((الكتاب القديم)) ولم أشهده درّس مادةً سواها حتى ارتبطت به، وارتبط بها، وكأنّ غيره لا يقدر أن يؤديها على الوجه الذي برع بأدائها عليه! وكأنّه لا يريد أن يدرّس مادة أخرى، ولِمَ! وهذه مادة يلتقي فيها النحو والصرف والبلاغة والعروض، وأصوات الحروف ومخارجها، وأشياء من خفي العربية في أدبها وتاريخها، فإذا قلت إنها العربية كلّها لم تبعد عن الصواب!
لم أشهده يدرّس مادة غيرها، وعسير أن تتصوّره في درس آخر فكأنّه ما وجد إلاّ لتدريس ((الكتاب القديم))!! وكان قد اختير من الكتب القديمة الجديرة بالدراسة: ((البيان والتبيين))، وجُعل مناط ما يتعلق بهذا الدرس.
وتسأل ما تخصصه؟ ويأتيك الجواب على وجه من الوجوه إنه نال الدكتوراه من النمسا في سنة 1959م بشيء عن ابن المعتز، لكنّك لم تسمعه يجرى ذكر ابن المعتز على لسانه، لا يذكره شاعراً، ولا يذكره ناقداً، ولا يذكره خليفة، أو أميراً، وهذا عجب آخر من أمره!! وبقيت رسالته التي نال بها الدكتوراه في اللغة الألمانية، لم يترجمها الى العربية، ولم يتحدث عنها، ولم يذكرها أحد من عارفي الألمانية بشيء، فكأنّها أُنسيتْ، وكأنه أنسيها!!
كان يدخل قاعة الدرس، وهو يحمل ((البيان والتبيين)) يضمه إلى صدره، ويأخذ مجلسه، ثم يفتح الكتاب على أوله ويُقرئ الطلبة، ويصحح قراءتهم، ويشرح، ويعلق، وربما انقضى الدرس كله بسطر أو سطرين من الكتاب، كان لا يغادر ((الجملة)) حتى يُحسن الطلبة قراءتها على أصول القراءة الصحيحة الفصيحة، فإذا رضي القراءة، واطمأن إلى سلامتها مضى يُبيّن ما في ((الجملة)) من نُكت النحو، ودقائق اللغة في المبنى، والمعنى، وما فيها من مجاز، وحقيقة، ثم يستعيد القراءة، ولا يرضى أن يزلّ لسان، أو يلتوي، أو تخفى في نطقه حركة من الحركات، أو تأتي على غير جهتها. كان سمعه يلتقط الزلل، فيستعيد القراءة، ويظل يستعيدها، لا يمل حتى تلين الألسنة شيئاً وتأخذ في مجرى اللغة الفصيحة.
وربّما مضت به ((جملة)) في ((الكتاب)) إلى التاريخ، فيمضي معها شارحاً مقتصداً في الشرح منبّهاً على المغزى بلحن من القول لا يريد به التصريح كلّه، ولا يريد أن ينبهم المقصد، وربما اكتفى بالحوقلة! وقلّ من يفهم ما يرمي إليه في ملاحنه!
وإذا جرى الحديث إلى الجاحظ مؤلف الكتاب الذي يُقرئ الطلبة فيه، بدا أنه لا يميل إليه كلَّ الميل، وكأنّ شيئاً ما يحجزه عنه؛ هو عنده، كما عند غيره، أديب كبير، وكاتب منشئ من طراز رفيع، وآثاره جمّة الفوائد لكنّه على هذا كلّه لا يجد من نفسه كلَّ الصغو إليه، وكأنَّ شيئاَ فيه يدفعه عنه، ولا يستطيع الطلبة أن يدركوا علّة ذلك، وهو بعيد عن التصريح عما يشين الجاحظ عنده كأنّه يخفيه في قرارة نفسه، ويخشى أن يبوح به.
وله منحى في شرح الأشعار يبدأ بالكلمات الغريبة فيزيل غرابتها بأقرب المعاني وأيسرها، ثم يعرّج على التركيب إذا انطوى على خفي من الدلالة، أو غرابة في الصياغة، فيُبين عنه بألفاظ مقتصدة تقف عند طبقة المعنى الأولى، ولا تتعداها إلى شيء وراءها. وكذلك يصنع بالآيات القرآنية إذا وردت، يفسّرها، ولا يذهب إلى شيء من التأويل، ويصدّ عنك إذا سألته عن القراءات القرآنية، ويرغب عن الإجابة رغبة شديدة، ترى ذلك في ملامح وجهه، فتكفّ عن السؤال!
وعلمه علم العربية في أصوله المستقرة التي بناها بناته الأوائل لا يرى من مزيد عليها، ولا يظن بها حاجة إلى غيرها، والشعر عنده ما جاء على قالبه العربي القديم في البحر والقافية، وفي الصياغة الموسومة بالميسم العربي، ولا يُلقي بالاً إلى مستحدث فارق النهج القديم، ولا يقف عنده، ولا يسمع كلاماً فيه، فإذا أُكثر عليه بالقول فيه لا يملك إلاّ أن يحوقل ويسترجع، ويستعيذ بالله من الشرور!
وحبُّ العربية في سَنَنِها الرفيعة سجية فيه يسعى أن ينقلها إلى طلبته، ويسرّه أن يرى منهم من يحسن قراءة النص القديم على وجهه، فلا ينحرف لسانه عن مجرى البيان، ويسوؤه أن تضطرب الكلمات على الألسن، فتميل عن صراط اللفظ المستقيم.
وهو على علمه الجمّ لم يكتب بحثاً، ولم ينشر مؤلّفاً، ولم يسع إلى ((ترقية علمية))، فلقد بقي ((مدرساً)) حتى غادر الجامعة، وكان له من علمه ما يحوز به أرفع ((الترقيات))، وما يُتيح له أن يكتب عشرات البحوث، لكنّه لم يكتب بحثاً، أو ينشئ مقالةً، وذلك عجيب من أمره لا يجد المستفهم عنه جواباً.
وتشعر أنه كان مكتفياً بنفسه، مستغنياً بها، على غير كِبْر، لا يمالئ أحداً، ولا يقترب بسبب من أسباب الدنيا من أحد رجاءَ منفعةٍ، أو اتقاء أذى. وكأنّه لا يعرف إلاّ درسه يؤديه بما يرضاه، فإذا اكتمل الدرس انصرف إلى نفسه، وقلما كان للحوادث أثر بادٍ عليه، فكأنّه ليس مما يحيط به.
وربّما تهاونت به النظرة العجلى، وربّما خفّ عند من لا يُحسن استبار الآبار، فلا يدرك منها إلاّ ضحضاحها، وربّما أغفله من تتخطفه البروق، لكنّه ليس من هؤلاء في شيء لا يلتفت إليهم، ولا ينظر في ميزانهم، ولا يعلم بما يضمرون!
قال صاحبي: أيضيره أن لم يكتب، ولم يؤلف، ولم ((يترقّ)) وهو ذو العلم الناصع الساطع، وذو المنحى الرائع في تفهم الأدب القديم، وإفهامه، وإني على تقادم السنين ما قرأت في ((البيان والتبيين)) إلاّ أطل عليّ من بين الكلمات؟
قلت: لو كان كتب، وألف لامتد علمه بين الناس، ولانتفع به من لم يره!



#سعيد_عدنان (هاشتاغ)       Saeed_Adnan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحميد الراضي
- مرتضى فرج الله
- عبد الإله أحمد
- عبد الأمير الورد
- مهدي المخزومي 1917-1993
- محمد يونس
- صلاح خالص
- عناد غزوان في موقف له
- رشدي العامل(1934-1990) ودربه الحجري


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد عدنان - عبد الباقي الشواي