أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد عدنان - عناد غزوان في موقف له














المزيد.....

عناد غزوان في موقف له


سعيد عدنان
كاتب

(Saeed Adnan)


الحوار المتمدن-العدد: 3067 - 2010 / 7 / 18 - 18:56
المحور: الادب والفن
    



كانت الشمس تجنح نحو المغيب، وتلقي بأشعتها الصفراء على الرملة المنبسطة فتزيدها كآبةً ووحشةً، وكنّا خلف نعشه نعثر بالذكريات ونبتدر مغرب الشمس، ويمضّنا أنّه الوداع الأخير، وما كنّا نحسب أن نُعجل فيه، وأن تُطوى صفحة كريمة من صحائف الفضل، ما أقربَ المنتهى من المبتدأ!! وما أسرعَ مرَّ السنين!! وما أقوى كرَّ الأيّام على طيّ حياة كانت واسعة المدى، قوية الأثر في الثقافة، والمجتمع، والجامعة.
وطفِقتْ صور شتى تلتئم، وتفترق على أنحاء مختلفة، ولكنّها يشدّها ناظم خفيّ، ويضعها في نسق واحد، ويشهد على ائتلافها أنها تنبثق من معنى ((الأستاذ))! وإنه لمعنى رحيب الجنبات، متسع النواحي.
إنّه ((أستاذ)) في قاعة الدرس، وإنه ((أُستاذ)) خارجها، وإنه ((أُستاذ)) في كلِّ ما يزاول من شأن؛ خرج بمعنى ((الأستاذية)) إلى الصحافة إذ كتب فيها وخرج به إلى المحافل إذ شهدتْه خطيباً جهير الصوت، غزير المعنى. و((الأستاذية)) معنى سامٍ من معاني الحضارة، يبدأ بالصدق، والإخلاص، والسعي نحو الحقيقة، والجهر بها، وأن يستقيم الظاهر على الباطن فلا نفرةَ بينهما، ومن حقّها ألاّ تُتخذ سُلّماً إلى ما سواها، والمعنى برسومه هذه قديم عرفتْ الحضارة العربية الإسلامية مصاديق له رفيعةً، ثم وجد في هذا العصر موئلاً له في ((الجامعة))، أو هذا ما ينبغي أن يكون.
وقد شهدتْ ((الجامعة)) في العراق منذ نشأتها من تمثّل فيه هذا المعنى على خير ما يكون التمثُّل، فلم ينحرف بهم عنه مغنم، أو مغرم فصانهم، وأحاط كيانهم كما صانوه، وأحاطوه؛ وصفحتهم مضيئة مشرقة، وسجلهم حافل، والحديث عنهم حلو عذب مستفيض.
ومضتْ الفكَرُ يدعو بعضها بعضاً متلاحقةً، سريعةً، لا تُريَد أن تتلبّث، وكلُّ منها يرى أنه الأَولى في التقدُمة، وكلُّها محتشد في وداع الفقيد العزيز، فلقد أذهلها أنها أُعجلتْ به، وما بلغ من العمر حدّه الأقصى، غير أن منها ما أخذ الصدارة، وطفِق يتراءى، ولا يُريد أن ينأى: كان البلد في محنةٍ من محنه الكثيرة، وكان أصحاب القلم والفكر على مركب زلِق، فلقد قامت الحرب في سنة 1980م، وأخذتْ السلطة تحشد لها الجيش، وما يتصل به على حدِّ البلد الشرقي، وتحشد الأقلام، والأصوات في الداخل، وكان حشداً مُفزعاً في جَلَبة الأصوات ونعيقها، وقلَّ من لاذ بالصمت، واعتصم به، وكانت السلطة تبتكر احتفالاتها، وتزيد منها، وتدعو إليها أصنافاً شتى من الناس من أجل أن يُمجّدوا، وأن يُبهرجوا، وأن يُزيّنوا الباطل، وقد وقع كثيرون في أحبولتها هذه من العراقيين، ومن سواهم، من عرب، ومسلمين طمعا،ً ورغبةً في دنيا. وزادت السلطة من ابتكار الاحتفالات، فاتخذت مما يتصل بالدين ميداناً لها، فألقى إليها ملقٍ: أن ميلاد الإمام الحسين قد أطلّ، وأنها فرصة سانحة أن يقام حشد كبير، وأن يُدعى له ناس كُثر من العراق، ومن غيره من العرب، ومن سواهم، وأن يُتخذ من جلال الميلاد، ومكانة الإمام ما يرغّب المدعوين بالحضور، وكان أن أُقيم الحفل الكبير في سنةٍ لعلها أواخر 1983م، أو أوائل 1984م في مدينة كربلاء، ونقله التلفزيون نقلاً مباشراً.
كان الحفل مهيباً، كثيرَ الحاضرين، محفوفاً بالسلطة وأعوانها، فما بدأ حتى اختلف الخطباء والشعراء على المنبر، وكلُّهم يمجّد صاحب السلطان، ويُضفي عليه ما ليس له ويصل كذباً بينه وبين الإمام الحسين بكلام يقطر النفاق من أطرافه، ثم دعا الداعي الأُستاذ الدكتور عناد غزوان لإلقاء كلمته فوجف قلب صاحبي- وكان يرقب الحفل على التلفزيون- وداهمته خشية لا يعرف مأتاها، وأشفق أن يُفجع، فماذا يقول مدعوٌّ إلى حفل في ميلاد الحسين تقيمه السلطة!
مضى إلى المنبر واثق الخطو كالمعهود فيه، وبسط أمامه أوراقه، وشرع يقرأ، وما رأيته قبل اليوم يخطب قارئاً في ورقه، فلقد كان لا يستعصي عليه كلام متى أراده، وكانت الفصحى تطيعه إذا دعاها، لكنّه اليوم يقرأ في ورقة!! أيريد أن يضبط ما يقول، فلا يأتي على لسانه حرف لا يريده!!
بدأ كلمته، ومضى فيها- وصاحبي واجف القلب، قلق النفس- متنقلاً من موردٍ إلى آخر، وكلُّ مورد لا يُبين إلاّ عن فضيلة من فضائل السبط الشهيد، أو يعرب عن سجية من كريم سجاياه ولا يجتاز ذلك إلى شيء آخر مما كان من غاية مقيم الاحتفال حتى بلغ نهايتها بلغة صافية رائقة عذبة الإيقاع قريبة من الشعر، كلُّ ذلك ولم يزد حرفاً على ما ينبغي أن يقال في ميلاد الحسين، وهدأت نفس صاحبي، ونديتْ عيناه، فلقد بقي أستاذه في أُفقه السامي لم يُغره بالنزول عنه مغنم، أو مغرم.
ولم يَسلمْ من مزلقة الكلام أحدٌ غيره في ذلك اليوم!!
- ومن تكلّم في الحفل من العراقيين أيضاً؟
- لسنا من ذلك الآن، وإنما نريد استذكار موقف نخشى عليه النسيان، ولا نريد أن نتذكر ما يُراد له أن يُنسى!!
ولا تقر الذِكَرُ، والصور على حال، فلقد تضاءل قرص الشمس، وانسحبت أشعتها قليلاً قليلاً من الرملة الممتدة، وشرعت تنتشر عليها ظلال من العَتَمة، وكان طريق الرجوع أشدّ كآبة، ووحشةً ولم يخلُ- على ذلك- من صور أخرى حيّةٍ نابضةٍ تستعيدها الذاكرة لهذا الذي أُسكنَ جدثاً نائياً في هذه الرملة الصفراء، وكلّها مشرق مضيء بمعاني الحق، والخير، والجمال.



#سعيد_عدنان (هاشتاغ)       Saeed_Adnan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رشدي العامل(1934-1990) ودربه الحجري


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد عدنان - عناد غزوان في موقف له