أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جان كورد - صوب معالجة تاريخية جادة للأوجلانية (8)















المزيد.....



صوب معالجة تاريخية جادة للأوجلانية (8)


جان كورد

الحوار المتمدن-العدد: 3075 - 2010 / 7 / 26 - 23:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأوجلانية والقضية الكوردية (3-4)

"الذين انفصلوا عنا، يمكنهم توجيه النقد لي ولأفكاري" (الزعيم المعتقل عبد الله أوجالان)
‏الخميس، 20‏ - حزيران‏ 2010
في البداية سأستخدم كما في المقالات السابقة، ضمن هذه السلسلة، عبارة "السيد (آبو)" للاختصار، عوضاً عن الاسم الكامل للزعيم المعتقل عبد الله أوجالان، وأنبّه إلى أن الموضوع سيطول قليلاً بسبب أهميته وتشعبه... وأستعين في معالجتي التاريخية بمقولة للفيلسوف البريطاني الشهير جورج برنارد شو: ((إن قول الحقيقة هي أعظم نكتة في هذا العالم!.))
يقول السيد (آبو) في كتابه "مسألة الشخصية في كوردستان" بعبارة واضحة: ((إذا لم نكشف النقاب عن حقيقة أولئك الشياطين الذين يتقنون فن الظهور بمظهر الملائكة البريئة القادمة من السماء، فإن آمال شعبنا الغارق في دياجير الظلام منذ مئات السنين، ستكون قد تلقت الضربة الأخيرة نتيجة لعدم كفاءتنا نحن بالذات.)) (عبد الله أوجالان، مسألة الشخصية في كوردستان، الطبعة العربية 1986، ص 12) وحقيقة لايختلف معه في هذا المجال أي عاقل على وجه الأرض، فهذا ضروري للغاية في قضايا الشعوب التي تناضل من أجل حريتها وضمان مستقبلها، ولامجال للمزاح والمساومة والترقيع هنا... ولذا فإن مهمة الناقد في المجتمع هي وضع الحقائق على الطاولة دون رتوش وتورية، بل الحقائق ساطعة ومتناسقة، مهما كانت ثقيلة على النفس... وهذا الموقف الصحيح هو الذي يشجعنا على التوغّل عميقاً في الغابات الكثيفة، ذات الأظلال المعتمة، التي نراها أمامنا، وبدون الوصول إلى كبد الحقيقة لايمكن معالجة الجسد السقيم لحراكنا السياسي في سائر أنحاء كوردستان.
وحيث أننا لازلنا بصدد الموقف الأوجلاني من القضية الكوردية، هذا الموقف الذي تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض جوانبه، فإننا نورد مقتطفات من أقواله الأخيرة حول "القضية الكوردية" قبل الانتقال إلى مواقف الأوجلانية حيال القضية الكوردية في شرق وغرب كوردستان.
إن السيد (آبو) يجد للكورد دوراً تاريخياً سلبياً للغاية، يصل إلى حد الخيانة والعمالة، تجاه الشعوب المجاورة لهم، فهو يقول: ((إن وضع الكرد في هذه اللوحة أشبه ما يكون بالكابوي، حيث سيكون الآلة الأكثر استخداماً من غيرها من قبل كافة صنوف المستعمرين، وسيلعب الكرد الذين سيتم استخدامهم كملقط، اعتباراً من بداية القرن التاسع عشر، دور الرافعة من أجل ربط الحكام الأتراك والعجم والعرب بالإنكليز بشكل خاص، ويتم تطبيق سياسة "أطعم الكلب للكلب" أو سياسة إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن جهة يكسبون عملاء كرد ومن جهة ثانية يعززون تبعية الحكام الأتراك والعجم والعرب...)) (عبد الله أوجالان، من دولة الكهنة السومرية، نحو الحضارة الديمقراطية، المرافعات المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ص 376 على شكل دينا 4)
وهذه لم تكن زلّة لسن عابرة، فهو يتابع بعد ذلك قائلاً: ((بالرغم من أن الكرد كانوا على رأس ضحايا المصيدة، فقد أوقعوا كافة شعوب المنطقة في المصيدة، مبرهنين على المثل القائل "ما تفعله بجارك ستراه في ديارك"، وقد أدى افتقار الكرد إلى الإمكانات الإستراتيجية، والانقسام المتطرف وعدم قدرتهم على توحيد قواهم إلى أن يكونوا أداة رخيصة لهذه اللعبة، إن المواقف الرأسمالية للركض وراء الربح الذي لا يعرف أية قاعدة ـ وقد اتبعت سياسات مشابهة في التاريخ ـ كل ذلك أدى إلى وقوع الشعوب في مواقع سلبية جداً...)) (المصدر نفسه، ص 376)
ويتابع قائلاً:((إذا تمرد الكرد وبحثوا عن حقوقهم، كان ينتهي الى نتائج مؤلمة، وإن لم يبحثوا عن حقوقهم وراوحوا في مكانهم كان يتعرضون الى ما هو الأسوأ منه، وهذا ما نقصده بالوقوع في المصيدة...)) (المصدر نفسه، ص376)
وعليه، فإنه يصف ثورات الشيخ عبيد الله نهري في شرق كوردستان والبدرخانيين والشيخ سعيد بيراني في شمال كوردستان، والشيخ محمود الحفيد البرزنجي في جنوب كوردستان ب"التمرّد" أي "العصيان" لصالح المستعمرين الانجليز... فيقول:((ومع الوصول إلى أعوام 1850، كانت قد تمت ممارسة الفصل الأول من اللعبة بنجاح بالتمرد الذي حدث في ظل قيادة "بدرخان بك"، وحقق الاستعمار الإنكليزي تقدماً كبيراً، بينما فقدت السلطة التركية قوتها بنسبة كبيرة...)) (المصدر نفسه، ص 376)
ويقول: ((أما في النصف الثاني للقرن التاسع عشر، انتقلت اللعبة إلى إيران هذه المرة مع "التمرد النهري" الذي بدأ بقيادة سيد طه، وتحققت النتيجة نفسها، حيث اقترب نظام الشاه في إيران من نظام الإنكليز الاستعماري، ووصل الآشوريون إلى مرحلة أصبحوا فيها عالة على غيرهم، وأما الكرد فقد وصلوا إلى نهاية مؤلمة وتعرضوا للسحق من جهة، ومن جهة أخرى وصموا بالمتوحشين ليحلوا محل المجرمين.)) (المصدر نفسه، ص 376)
ثم يقول: ((وأما الحادثة الأكثر إيلاما، فقد تمثلت في التمرد الذي قام بقيادة الشيخ سعيد عام 1925، فقد أرادت إنكلترا أن تبقي منطقتي الموصل وكركوك خارج الميثاق الملي، بينما تسعى الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال إلى إبقائهما ضمن حدود الميثاق الملي ولا تتخلى عن حقها في المنطقة، كان الأتراك والكرد يرغبون بتطبيق ما يقتضيه الميثاق الملي، في هذه الأثناء تدخل اللعبة الاستعمارية الإنكليزية ذاتها، وكانت كافة الترتيبات جاهزة لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، إذ يُعلن الإنكليز عن رغبتهم بدعم الكرد الذين شعروا بقربهم منهم، ويروجون لآمالٍ مزيفة، ليثق الكرد بهم إذا أرادوا القيام بتمرد محتمل، ويتفقون من جهة أخرى مع الحكومة الكمالية، وبذلك تتحقق أعمق التجزئة في تاريخ الكرد وكردستان)) (المصدر نفسه، ص 377)...
كما يقول عن ثورة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي ما يلي: ((تنتهي كردستان العراق بقيادة محمود برزنجي إلى النتيجة ذاتها، إذا لم يتم التمكن من الوصول بالاستخدامات الموجودة في المجال التكتيكي الضيق إلى نتيجة تعتمد على القوة الذاتية، فلا يمكن التخلص من العواقب السلبية المنتظرة، نحن لا نوجّه الاتهام إلى قيادات التمرد ولا نغض النظر عن أعداء الشعب الذين هم المخططون الأساسيون، بل على العكس من ذلك، نؤكد على وجوب خطو خطوة إلى الأمام عن طريق المعرفة الجيدة لمنطق تأسيس المصيدة الكردية.)) (المصدر نفسه، ص 377).
وتأكيداً على رأيه هذا، فإنه يتابع قائلاً:((لقد لعبت قيادات "سمكو" في إيران ومحمود برزنجي في العراق والشيخ سعيد في تركيا دوراً فاشلاً في الحركات الكردية، حيث كانت تلك القيادات بعيدة عن تشكيل برنامج وتنظيم ديمقراطي متماسك مناهض للإمبريالية، على الرغم من أن كل الشروط كانت مناسبة لهذا التوجه في مرحلة الحرب العالمية الأولى وما بعدها، تحولوا إلى أدوات للألاعيب البسيطة بيد عملاء الإمبريالية...)) (المصدر نفسه، ص 386).
وعن ثورة الحزب الديموقراطي الكوردستاني بقيادة الملا مصطفى البارزاني، التي يعتبرها الكورد إحدى ثوراتهم الكبرى في التاريخ الحديث، فإن السيد (آبو) يقول للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان:((إن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يعد التعبير الحزبي عن النزعة القومية البدائية، يمثل آخر وأقوى المخربين الذين يعبرون عن هذا الموقف، ينتمي "الحزب الديمقراطي الكردستاني" إلى نوع من التشكيلات التي تعد أداة مثالية بأيدي القوى الخارجية لاستخدامها في سياسات المنطقة، حيث لم يتردد أية لحظة في تبني الأدوار الخطيرة ضد قوى الجماهير...)) كما يقول: ((إن الأضرار التي ألحقتها كافة الأحزاب التي تنطوي تحت اسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في كافة الدول بالشعب الكردي لا يمكن مقارنتها بأي ضرر تعرض له هذا الشعب في أي مرحلة من مراحل تاريخه، إن تحولهم إلى مؤسسات ولجوءهم إلى أسياد أقوياء كان عاملاً في توسيع نطاق الأخطار والسلبيات...)) (المصدر نفسه، ص 386)

ولذلك فإنه يرى نفسه بديلاً وحيداً لحالة (التمرّد) الكوردي في التاريخ، يرتأي حلاً يراه الأنسب لحل القضية الكوردية، فيقول السيد (آبو) تحت عنوان "كل كائن حي مرغم على الدفاع عن نفسه من أجل البقاء":((يجب معرفة خياري بشأن حل القضية الكردية. كان بإمكاني المضي في طريق تعميق الثورة الكردستانية، وتعميق الثورة الكردستانية يعني موت ملايين الناس كما حدث في الثورة الفيتنامية، ولكنني لم أختر هذه الطريقة، بل اخترت الحل على الطريقة الديموقراطية. بالطبع لي آرائي التي أوضحتها سابقاً بشأن الحل السلمي الديموقراطي للقضية الكردية، وهي معروفة. حيث يمكن جعل حل القضية ممكناً بترتيبات على محور دستور ديموقراطي، فمطلب الدستورالديموقراطي هو الأساس الذي ننتظره، ويمكن حل القضية حسب الترتيبات التي تجري على هذا المحور. وقبل إنشاء هذا الدستور الديموقراطي يمكن الابتداء بإلقاء بعض الخطوات عملياً، حيث يجب القيام بالتعديلات القانونية اللازمة ليكون ذلك نوعاً من التعبير عن حسن النية، وتكوين الأجواء النفسية. فيمكن القيام بإجراء ترتيبات وتحسينات قانونية في أمور تتعلق بتخفيض حاجز الانتخابات، وإلغاء "قانون مكافحة الإرهاب"، وحل مسألة الأطفال، وإطلاق سراح المعتقلين في عمليات KCK، وتطوير الديموقراطية الداخلية للأحزاب. ومع هذه التحسينات الجارية في هذه المواضيع يمكن إعداد دستور ديموقراطي في نهاية المطاف، فذلك هو الأسلوب الذي أرتأيه في حل القضية.)) (في لقائه مع محاميه في 30 حزيران 2010)
نعم، تحوّل هذا الزعيم الذي آمن بالكفاح المسلّح وقاد ثورة تحرر وطني، وهدد أعداءها الداخليين والخارجيين بممارسة العنف ضدهم بكل صراحة، إلى حمامة سلام ليس في كوردستان فحسب وانما لكل الشرق الأوسط، فهاهو يخاطب قضاة أوروبيين يرفضون العنف تماماً، فيقول: ((وعلى الجميع وفي مقدمتهم العرب وإسرائيل، وإيران والعراق والكرد أن يعترفوا بأن جميع مناهج العنف التي تمت تجربتها والمفاهيم التي تقف وراءها لم تنجح في حل التناقضات في هذا العصر. وأصبح لا مفر من مشروع اجتماعي مدني شامل يدرج على جدول أعماله في كل آن حق الدفاع المشروع، فلا يمكن حل مسألة القدس بمفهوم قومي، أما حل المسألة الكردية بهذا الشكل فقد يستغرق قرناً كاملاً، ولن تنتهي الحروب المذهبية والعشائرية. فالمجتمع الذي يتبنى العنف يكون في حالة تمرد دائم، كما لن تتخلى الدولة عن العصا، لان كل تلك الطرق تعمق المأزق وتبقى بعيدة عن العصر.)) (عبد الله أوجلان – دولة الكهنوتية: ص 320)
بل إنه مع استخدام مصطلح "الشعب الديموقراطي من دون دولة!" فكيف تكون جماعة قومية ما شعباً ديموقراطياً بدون دولة ديموقراطية؟ فها هو يقول:((على الأكراد أن يحققوا تنظيم صفوفهم على أساس ديموقراطي، كنت قد استخدمت سابقاً مصطلح "الشعب الديموقراطي من دون دولة"، أعتقد أن أفكاري في هذا الموضوع متابعة وتُناقش بشغف، الدولة القومية هي سبب وجود الرأسمالية. والرأسمالية لا يمكنها أن تكون بدون دولة قومية، ولا تستطيع أن توجِدَ نفسها من دون الدولة القومية. فمقابل ذلك قمت بتطوير مصطلح "الحداثة الديموقراطية". لقد أصبحت الدولة القومية نهاية الحرية والديموقراطية. (أنظر:
http://de.mg40.mail.yahoo.com/dc/launch?.gx=1&.rand=2gd61nmhbgj1i
الأوجلانية حول شرق كوردستان:
في كتاب "كوردستان والثورة" الذي يضّم جملة من خطب ومداخلات الشيخ الجليل أحمد مفتي زاده حول "الجهاد" ضد نظام الشاه العميل، هذا الجهاد الذي اعتبرالشيخ زاده الإسلام بدونه كالنار بلا حرارة، والنهار بلا ضياء، نقرأ عن تضحيات الشعب الكوردي في شرق كوردستان (غرب ايران) مايلي: ((كان النظام الشاهنشاهي البالي الهارىء المتذعّر من شنآن وغضب الناس بما فيه الشعب الكردي يصبغ وجوه شوارع المدن بدماء الشباب. ولكن لم تكن المجازر لتغيّر اتجاه الشعب المسلم،ولم تكن لتصرف أهل كوردستان المؤمنين الشجعان عن مواصلة السير...)) (كوردستان والثورة، الجزء الأوّل، ص 79)
ويقول الشيخ الكوردي الذي كان يسمّي نفسه بحاكم الشرع في كوردستان، والذي بدأ يتلّمس التفرقة بين الشعوب الايرانية بسبب مذاهبها الدينية، منذ بداية الثورة الخمينية: ((أما بشأن القومية: فإن الإسلام قد جعل القوميات كلها متساوية في الحقوق، ولسنا نطالب نحن إلآّ بهذا التساوي...وأما بشأن المذهب: فإن أهل ايران المسلمين اليوم هم جمع من أكبر فرقتين مسلمتين –أهل السنة وأهل التشيّع – من الفرق التي فرّق سقوط حكومة الشورى على أيدي الملكية المسلمين إليها، وكلا المذهبين إسلامي. فطبيعي – من ثمة – أن يكونا في الاعتبار والحقوق متساويين، لا أن يعتبر التسنن أقلية كالأقليات الدينية غير المسلمة (كما هو في الدستور). فإن نواصل نحن السير – والله المستعان – في اتجاهنا الثوري واعين ولا نخدع بدسائس ودعايات الأعداء، فسنقيم ما قد أمرنا بإقامته القرآن من نظام "حكومة الشورى"...)) (المصدر نفسه، ص134)
ورأى الشيخ أن الأجواء تتعكّر والقوافل تسير نحو بناء نظام قائم على الأساس الطائفي وليس الإسلامي العادل، فقال بعد التوجه بالنداء إلى الإخوة والأخوات، أهل السنة في جميع ايران: ((إنكم واقفون أني إنما ناضلت النظام الشاهنشاهي طوال خمسة وعشرين عاماً لتحقيق هذه الأهداف الإٍسلامية مائة في المائة، نفس الأهداف التي ناضل من أجلها المسلمون في جميع أنحاء ايران، لا لاقامة نظام مفرّق معادٍ للناس مكبّل للحرية كالذي يريده العملاء والمنفذّون لسياسات الشرق والغرب الاستعمارية...)) (المصدر نفسه، ص 135)
من خلال ما اقتبسناه من هذا الكتاب، نرى بأن أحد أهم العارفين في شرق كوردستان بالأوضاع السياسية – الدينية في ايران "الثورة"، وأحد الذين جاهدوا في صفوف "الثورة الإسلامية" وليس ضدها أو حولها، يؤكّد على نقاط أساسية هي أن:
- الشعب الكوردي في شرق كوردستان ضحّى مثل سائر الشعوب الايرانية الأخرى من أجل الثورة على نظام الشاه المستبّد العميل.
- لايجوز أن يعتبر الشعب الكوردي بسبب كونه من (أهل السنة) أقلية كالأقليات الدينية الوارد ذكرها في الدستور الايراني السابق للثورة.
- الشيخ سيواصل النضال في اتجاهه الثوري - رغم نجاح ما يسمى بالثورة الإسلامية - من أجل تحقيق نظام "مجلس الشورى الإسلامي".
- الشيخ يتوجس خيفةً من أن النظام سيكون"مفرّقاً ومعادياً للناس ومكبّلاً للحرية كالذي يريده العملاء والمنفذون لسياسات الشرق والغرب الاستعمارية !.
ولكن السيد (آبو) يميل ميلاً شديداً إلى هذا النظام الايراني في خطبه وكتاباته السابقة، وينعته بأعذب صور "الثورية والتقدمية" التي وجدها في مكتبة الفكر الشيوعي الكلاسيكي، هذا النظام الذي أدخل ثورة الشعوب الايرانية في عباءة "الطائفية" المقيتة، وتنكّر لوعده بمنح الشعب الكوردي ال"خود موختاري – حكم الذات"، حيث وعد بذلك "روح الله الموسوي - آية الله الخميني"، قائد الثورة، بنفسه في خطاب وجهه إلى شعب كوردستان "البطل"...بل وشنّها حرباً مقدسة على شعب كوردستان، وأوصى جنوده وجلاديه بالبحث فيها عن "مفتاح الجنّة" لهم، وقضى على كثير من أبناء وبنات شعبنا المظلوم، كما غدر أتباع وأشياعه على طاولة الحوار في فيينا النمساوية عام 1989 بالقائد الكوردي الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الذي كان يجنح للسلم ويسعى للحوار والتواصل مع النظام، رغم كل سلبياته ودموية زبانيته من أمثال آية الله خلخالي، الذي قتل أكثر من 40.000 إنسان كوردي بتقديمهم إلى محاكم صورية غير عادلة أو ابادتهم دون محاكمات...
والسيد (آبو) يتطرّق بذكاء ودهاء إلى الموضوع، فيصوّر المذهب السني تصويراً مخنلفاً عن المذهب الشيعي، فيقول:(( ...في الوقت الذي كان المذهب السني المظهر الأيديولوجي للفئات الارستقراطية، كان الشيعي (العلوي) المظهر الديني للفئات المظلومة – المضطهدة التي تمتاز بالصمود والمقاومة.)) (عبد الله أوجالان، المختارات 2، ص 79)
وهو لايعتبر"الشيعة" مذهباً "شاذاً" كما يصفه الأتراك، بل يقول عنه:((نعتبرهم أصحاب الجوهر الثوري، وهذا ما لا يمكن تسميته بنهج الاسلام – التركي، بل هو البديل الجماهيري (الشعبي) الذي تشكّل في مجابهة نهج الاسلام – التركي الرسمي...)) (المصدر نفسه، ص 79) والمنهج الرسمي التركي هو (المذهب السني)... إلا أنه لا يوضّح لنا لماذا غالبية الشعب الكوردي المضطَهَد – المظلوم على مبدأ السنة، في حين أن أقلية منه فقط على مبدأ الشيعة أو (العلوية).
وهذه الأقوال الأوجلانية هي مقدمة لسؤال كبير يطرحه السيد (آبو)، ألا وهو: ((لماذا يتهجمون على العلوية بهذا القدر من العدوانية...لماذا يتهجمون على ايران؟)) (المصدر نفسه: ص 93) ويجيب بنفسه عن السؤال، فيقول: ((في الحقيقة يتهجمون على الجوانب الإيجابية لديهم. يفعلون ذلك لأنهم مستعمرون مستغلّون يحاولون اخفاء حقيقتهم.)) (المصدر نفسه: ص 93) وكأنه لا يرى أي جوانب إيجابية لدى المذهب السني، الذي هو مذهب غالبية الشعب الكوردي، وأنه يحاول اخفاء حقيقة أن الشعب الكوردي مظلوم – مضطّهد، سواءً في شمال كوردستان التي يحكمها النظام التركي – السني، أو في غرب وشرق كوردستان اللتين يحكمهما النظام الشيعي (العلوي)...
أما السبب في طرحه هذه الأفكار فليس كامناً في صحتها وانما في المصلحة التي كان يجنيها من النظام الشيعي (العلوي السوري) الذي آواه ودعمه ضد النظام التركي – السني فترة طويلة من عمر ثورته التي اندلعت في عام 1984 ولقيت تأييداً من كل من سوريا (العلوية نظامها) وايران (الشيعية نظامها)...
وينتقل السيد (آبو) بعد ذلك إلى مدح ايران، أي نظامها الإسلامي الشيعي، مباشرة، فيقول: (( يجب أن يغيب عن بالنا أن الدول الإٍسلامية تشهد انطلاقة اسلامية جديدة، حيث تتخذ الشعوب المسلمة مواقف مضادة للامبريالية تحت شعارات دينية ومواقف دينية. إيران هي أبرز مثال ونقطة الذروة في هذا الموقف الذي قد يحقق مزيداً من التطوّر عمقاً واتساعاً...)) (المصدر نفسه: ص 101-102)
السيد (آبو) لايعادي ايران وانما يتودد إليها ويطالبها بعقد صفقة معه، بل ويدّعي أنها منحت الكورد حقهم في "إدارة ذاتية!"، وهذا غير صحيح البتة. فإن كان صحيحاً فلماذا قتل الفرس الزعيم الكوردي الدكتور عبد الرحمن قاسملو، الذي كان حزبه حتى يوم اغتياله يطالب ب"الديموقراطية لايران والحكم الذاتي لكوردستان"، ولكن النظام الشيعي الحاكم في ايران كان يرفض مطالبه، بذريعة أن دولة الإسلام الثوري نسفت الحدود بين القوميات والشعوب؟
وأنا أتحدى أن يأتي السيد (آبو) أو أي نصير من أنصاره باثبات حول منح ايران الكورد أي لون من ألوان "الادارة الذاتية" التي تطرّق إليها السيد آبو في حواره مع الصحافي الدرزي السوري نبيل الملحم، حيث يقول: ((فإذا لم تقترب ايران من المسألة الكوردية وفق تصورنا للمسألة، ومن منظورنا، فإن الطريق سيكون مفتوحاً أمام المخطط الأردني – التركي، وستكون هذه القوّة مدعومة اسرائيلياً وأمريكياً...عليها أن تتفق مع الأكراد وتسيّر مخططاتها معهم وعليها أن تتخلّى عن سياسة الضغط والإنكار...)) (نبيل الملحم، سبعة أيام مع القائد آبو، ص 166) ثم يقول: ((إذا رضيت ايران بمبدأ حق تقرير المصير وعلى أساس الاستقلال والحرية للأكراد داخل وخارج ايران فسوف يصبح الأكراد قوّة كبيرة لها، وهي أصلاً قد أعطت للأكراد إدارة ذاتية منذ الآن.)) (المصدر نفسه، ص 167)
المعلوم أن نهج "الثورة المضادة للامبريالية!" هذا لم يتغيّر حتى الآن في ايران، بل ازداد حدّة وشدّة، منذ استلام نائب الامام الخميني، السيد خامنئي الولاية وأوجد له تابعين مخلصين من أمثال الرئيس الحالي محمود أحمدى نجاد، فلماذا انتفض حزب (بيجاك) الذي ليس إلا فصيلاً ايرانياً من حزب العمال الكوردستاني في وجه هكذا نظام معادٍ للامبريالية؟ هل يتطابق هذا التوجّه مع أفكار التحالف الاستراتيجي للثوار في العالم؟ أم أن السيد (آبو) لم يكن مؤمناً البتة بصب الماء في ساقية الطاحونة الفارسية – السورية، الشيعية (العلوية )؟ وكان مكرهاً أخاك لابطل؟ ... أم أن حزبه كان قومياً ولايزال بأردية آيديولوجية مستعارة؟ وما كان يطلقه رئيسه بين الحين والحين من مدح وثناء صوب "التجربة الايرانية" التقدمية – الثورية ضد الرجعية السنية والامبريالية، ومطالبته بتحويل المساجد إلى منابر للثورة على الظلم والاضطهاد التركي – السني وعلى الامبريالية واستخدام الدين كسلاح فعّال للقضاء على الرعية الكوردية وفي تغذية الثورة التقدمية لحزبه، لم يكن سوى مجرّد ارضاء لحكومتي طهران ودمشق في مرحلة هامة من مراحل الكفاح الوطني التحرري للشعب الكوردي؟
لم يقف السيد (آبو) في أي يوم من الأيام، بل في أية لحظة من اللحظات، مع نضال الشعب الكوردي في شرق كوردستان ضد نظام الخميني، بل أعلن على الدوام رفضه لفكرة "الحكم الذاتي" التي طالب بها الحزب الديموقراطي الكوردستاني – ايران بقيادة الشهيد الدكتور عبد الرحمن قاسملو، وانعكس هذا الرفض على برنامج "الجبهة التحررية الوطنية الكوردستانية – أرنك" أيضاً، هذه الجبهة التي كان من المفترض فيها أن تجمع مختلف الفصائل المؤمنة بتحرير الكورد وكوردستان، خلف الحزب القائد (حزب العمال الكوردستاني) والزعيم القائد (آبو)...ففي كتاب "قضية التحرر الوطني الكوردستاني وطريق الحل" نقرأ مايلي: ((إن الوضع الملائم الذي برز مع انهيار الشاهنشاهية انعكس بدوره على كوردستان وقامت انتفاضة البرجوازية الصغيرة والطبقات الكوردية المسيطرة الموجودة ضمن وحدة اقتصادية ووضعوا برنامج للحكم مستنداً على حكم ذاتي واسع لكوردستان. وبهذا الاتجاه دخلوا النضال بتنظيمهم داخل الحزب الديموقراطي تاكوردستاني – ايران عبر مجموعات مختلفة.)) (قضية التحرر الوطني الكوردستاني وطريق الحل، ص 202)...
وتتابع الجبهة نهجها الأوجلاني هذا على الصفحة التالية بهذا الشكل: ((إن الهيمنات الأجنبية القوية التي استمرت سيطرتها منذ مئات السنين، وكذلك البنية الاقطاعية العشائرية البالية التي تمنع التطوّر الاجتماعي وبالتالي التجزيء الحاصل في كوردستان لايمكن ازالته بتأمين بعض الحقوق كالحكم الذاتي أو الادارة المحلية أو بمجموعة اصلاحات لا تكسب الشعب الشيء الكثير...)) (المصدر نفسه، ص 203)
وتصل الأوجلانية بهذا إلى نقطة يمكن اعتبارها "بيت القصيد"، ألا وهي: ((إن البروليتاريا في كوردستان الجنوبية والشرقية الموجودة ضمن بنية اجتماعية متخلّفة لم تبرز قيادتها حتى في الحركة الوطنية بسبب ضعفها...من غير الممكن أن تقود كوردستان الجنوبية والشرقية حركة التحرر الكوردستانية بسبب امتلاكهم بنية اجتماعية متخلّفة وجغرافية صغيرة وسكان أقل...)) (المصدر نفسه، ص 206)
وفي الحقيقة فإن النضال الكوردي في شرق كوردستان من أجل الحكم الذاتي قد بدأ في ظروف سياسية، موضوعية وذاتية، أملتها أجواء الحرب العالمية الثانية، وليس لأن القيادات الكوردية كانت ذات بنية اجتماعية متخلّفة كما يحلو لبعض الماركسيين التغنّي به باستمرار. وبهذا الصدد يقول الدكتور حامد محمود عيسى في كتابه القيّم "المشكلة الكردية في الشرق الأوسط": ((ساءت أحوال كردستان في بداية الحرب العالمية الثانية مثلها مثل سائر أجزاء كردستان. وقد أدّى الغزو الروسي لشمال ايران إلى نتائج ملموسة في مسار الحركة الوطنية الكردية، فقد أحيى الآمال الوطنية الكردية في هذه المنطقة وتعاظمت حركة التحرر الكردية، خاصة بعد أن تقلّص نفوذ السلطة المركزية الايرانية في كردستان، وقد ترك عدد كبير من الايرانيين وحداتهم العسكرية، وكان في استطاعة عدد كبير من الأكراد أن يجمعوا أعداداً كبيرة من الذخيرة والأسلحة التي تركها الإيرانيون. كما أن عدداً كبيراً من الشيوخ الأكراد الذين كانوا منفيين في طهران أيام حكم الشاه رضا خان قد سمح لهم بالعودة إلى قبائلهم وقد أدت هذه الظروف وفي غياب السلطة الايرانية إلى اعتقاد الأكراد بأن لهم حق قانوني في حكم أنفسهم بأنفسهم، مما كان يعد تمهيداً لقيام جمهورية مهاباد بقيادة قاضي محمّد سنة 1946...)) ( الدكتورحامد محمود عيسى، المشكلة الكردية في الشرق الأوسط، مكتبة مدبولي،1992، ص 395-396)
وهذا الكلام هنا يذكّرنا بما حدث لكوردستان العراق عقب الهزيمة الماحقة للجيش العراقي في حرب تحرير الكويت في عام 1991، حيث تولّد فراغ إداري واضح في كوردستان بسحب صدام حسين لادارته من الاقليم الكوردي آنذاك. فالظروف الموضوعية والقوى الذاتية هي التي تحدد شكل ومستوى وامكانية طرح المطالب السياسية كما نعلم، سواءً أكانت الفئة القائدة للحركة السياسية ذات بنية اجتماعية تقدمية أو اجتماعية متخلّفة، بدليل أن حزب العمال الكوردستاني "التقدمي والثوري" وتحت ذات القيادة الأوجلانية يطرح الآن لاقليم شمال كوردستان الأكبر مساحة والأكثر سكاناً من الأقاليم الكوردستانية الأخرى أقل مما طرحته القيادات "الاجتماعية المتخلّفة!" في جنوب وشرق وغرب كوردستان.
إن الأوضاع السياسية التي نجمت في شرق كوردستان قبيل الاعلان عن تأسيس "جمهورية كوردستان" في مهاباد عام 1946، هي شبيهة للغاية بما حدث قبيل انهيار النظام الايراني ونجاح الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني. ويقول الدكتور حامد محمود عيسى بهذا الصدد: (( لقد عمّت الثورة الإسلامية إيران وساهمت الجماهير الكردية بنشاط في المظاهرات المعادية للشاه وخاصة في كرمنشاه وسنندج ومهاباد، كما ساهم الأكراد مساهمة مشهورة في مقاومة الطغيان في اورميه وكانت المظاهرات الكردية عموماً بقيادة عناصر سياسية وحزبية، فقد أصدرت القيادة المؤقتة للحزب الديموقراطي الكردستاني عدة بيانات تدين نظام الشاه منها البيان المؤرّخ 20 أكتوبر سنة1978 والذي دعا إلى مناصرة الثورة...)) (المصدر نفسه، ص 418) ويتابع الكاتب المصري بعد قليل: ((أصبحت الثورة في كردستان ايران عنصراً ذا شأن يحسب له الحساب في تقديرات الوضع في ايران سواء أكان سياسياً أو عسكرياً، فقد أصبحت حقيقة مادية ملموسة.)) (المصدر نفسه، ص 419-420)
على كل حال، لم يكن الكورد، أحزاباً وأفراداً، يظنون بالثورة وقائدها ظن السوء إلى درجة عدم التعامل معهما، بل كما يقول الدكتورحامد محمود عيسى: (( لقد رحب الأكراد بالسلطة الجديدة معتقدين لأنها قد تعني التحرر من تعسّف الحكومة المركزية وتوقّعوا أن يفوزوا بدرجة من الاستقلال الذاتي من نظام الحكم الجديد، وقدبدأوا يتحركون بسرعة فقد ملأوا الفراغ الناجم عن سقوط النظام البهلوي...)) (المصدر نفسه، ص 419)
والأسباب عديدة لرفض النظام الجديد مطالب الكورد (السنّة)، ومنها سبب جدير بالذكر ألا وهو الخوف من "الاستقلال الكوردي". ويقول الدكتور حامد محمود عيسى بصدد ذلك: ((على أي الحالات فقد أضاعت الحكومة الايرانية الفرصة برفضها الاستجابة للمطالب الكردية فقد كان الايرانيون يعتقدون أنمطالب الأكراد محاولةلاستدراج نظام الخوميني لانفصال كردستان عن ايران. وقد نشط الكثير من أعضاء الحكومة الايرانية للعمل على رفض مطالب الأكراد وكانوا يعتبرون الأكراد بمثابة تهديد أساسي للجمهورية الاسلامية...)) (المصدر نفسه، ص 422)
وهذا يذكّرني هنا بما قاله لي الصديق الراحل، الدكتور مظفر بارتوماه، المستشار السياسي للرئيس الايراني الأسبق محمد بني صدر للشؤون الكوردية، والذي أصبح فيما بعد أميناً عاماً للحزب الإسلامي الكوردستاني المطالب بدولة كوردية مستقلّة وموحدة تضم كل الأقاليم الكوردية، حيث ذكر أن آية الله رفسنجاني استدعاه مرّة للحوار حول الانتفاضة العارمة في كوردستان، بعد الفشل في التقارب بين الحكومة المركزية وقيادة الحزب الديموقراطي الكوردستاني – ايران، وكان الدكتور مظفر بارتوماه أحد أعضاء اللجنة المكلّفة بالحوار الحكومي – الكوردي، فسأله السيد آية الله رفسنجاني عما يريده الكورد حقاً، فقال الدكتور مظفر بارتوماه - رحمه الله - بأن الكورد يطالبون ب"خود موختاري – حكم الذات" حسب سائر مناهج أحزابهم السياسية، ضمن ايران موّحدة، فقال له السيد رفسنجاني آنذاك بما معناه: ((لو أنني كنت واثقاً من ذ لك لعملت كل ما في وسعي من أجل تحقيق هذا المطلب، ولكن كل الأكراد متفقون ضمناً على الاستقلال والانفصال.)) وهذه الحقيقة البسيطة، إضافة إلى حقيقة أن المطلب المشترك لسائر أبناء وبنات الأمة الكوردية هو مطلب الحرية والاستقلال، هي التي دفعته فيما بعد للانضمام إلى جهود البروفيسور دكتور محمد صالح كابوري لبناء حركة إسلامية كوردستانية مستقلّة عن نفوذ الإخوان المسلمين والوهابيين وزعماء الشيعة على حد سواء.
ومعلوم أيضاً أن القائد الكوردي الشهير، الشهيد عبد الرحمن قاسملو، كان اشتراكياً ديموقراطياً، وكان متحرراً وأستاذاً في جامعة السوربون، ودرس قبل ذلك في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية، قبل أن يقود الانتفاضة الثورية في شرق كوردستان، وكان يتمتّع بعلاقات جيدة مع عموم اليسار الايراني، ومع اليسار العربي، والأوروبي أيضاً... ولاندري لماذا كان الجفاء بين حزب العمال الكوردستاني وزعيمه السيد (آبو) اليساري وبين هكذا زعيم يساري آخر، إن لم يكن الحسد ومحاولة دفعه بعيداً عن الساحة لانتزاع مكانه في قيادة الشعب الكوردي...! وفي أسوأ الأحوال: قد تكون هناك علاقات سرّية بين حزب العمال الكوردستاني والحكومة الايرانية آنذاك كالتي كانت بينه وبين أجهزة الاستخبارات العراقية والمثبتة بوثائق وباعتراف بها على لسان السيد عثمان أوجلان، شقيق السيد (آبو)، والذي كان يتعامل مع تلك الأجهزة بالاسم الحركي (فرهاد) ومعه السيد جميل بايق الذي يحمل الاسم الحركي (جمال) في تلك الوثائق.
تغيّرت الأحوال والمطالب الأوجلانية بصدد شرق كوردستان قليلاً، ولكن صوب الأقل والأبسط، كما هي احوالها ومطالبها في شمال كوردستان، بعد اعتقال السيّد (آبو) والزجّ به في سجن عمرانلي البغيض، فلقد كتب القليل جداً عن ايران والشعب الكوردي فيها بالنسبة إلى القضية الكوردية في شمال كوردستان ومواقفه الصارخة المتناقضة باستمرار حيال قيادة جنوب كوردستان، فعلى الرغم من أن السيد (آبو) يعتبر نفسه قائداً لكل الأمة الكوردية، ويشبّه دوره بدور مصطفى كمال نسبياً وأن جناحاً (بيجاك) من أجنحة حزبه العديدة يقود كفاحاً مسلّحاً في شرق كوردستان، فإنه في كتابه المفروض فيه أن يكون حسب تسميته "دفاعاً عن شعب" الذي كتبه في معتقله قد أهمل ما يتعلّق بشرق وغرب كوردستان إهمالاً شديداً، وهذا يثير عدة أسئلة حول كونه قائداً لكل الأمة الكوردية أم قائداً لحزب سياسي من أحزابها العديدة. وعلى كل حال فإنه يقيّم نفسه في كتابه هذا الذي كتبه في سجن الحجرة الانفرادية – مودانيا – بورصة، كالتالي: ((دوري يشبه نسبياً الكمالية الكردية، إلا إنه يحتوي فوارق مختلفة. إذ يبرز إلى المقدمة كوني ديمقراطياً، لا دولتياً. فرغبتي في الوصول بالكرد إلى حركية وسلطة ضمن نموذج الشعب الديمقراطي، لا حسب نموذج الدولة المللية؛ هي الأساس والأهم على الإطلاق. وبينما ابتدأت الكمالية بالعصر الوطني في الشرق الأوسط وجسَّدَته، فنحن نبتدئ بالعصر الديمقراطي في الشرق الأوسط ونجسده. قد لا يكون الفارق بينهما كجبل القاف، ولكنهما ليسا متطابقين أيضاً.)) (عبد الله أوجالان، دفاعاً عن شعب، ص 325 على شكل دينا 4).
يأمل السيد (آبو) من نظام الملالي في ايران، الغارقين في بحر من دماء الشعوب الايرانية، والذين يعدمون الشباب الكوردي دون أن يرّف لهم جفن، بل يتلذذون بتعذيب البشر دون تردد، بأن يصبحوا "إسلاميين ديموقراطيين!"، تماماً مثلما يرجو المرء من الذئب أن يغيّر طبائعه الافتراسية ويتحوّل إلى حمامة ناعمة الريش ومسالمة... فها هو يقول: ((عندما تبحث الثورة الإيرانية عن مخرج لها بالإسلام الديمقراطي فان دور الكرد أيضاً لا مثيل له في هذا التوجه، ومصير الديمقراطية الإيرانية يكمن في ممارسة الكرد ويتبرعم في يقظة الكرد وأشكال حياتهم الجديدة...)) (عبد الله أوجالان، من دولة الكهنة السومرية، نحو الحضارة الديمقراطية، المرافعات المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ص 577 على شكل دينا 4)
ويؤكّد على هذا في مكان سابق من دفاعه فيقول: ((سيكون الكرد من خلال مهمتهم التاريخية أصحاب خطوات التحول الديمقراطي المتين في إيران تحت لواء الجمهورية الإسلامية الديمقراطية أو الفيدرالية الإيرانية الديمقراطية الأكثر عصرية.)) (عبد الله أوجالان، من دولة الكهنة السومرية، نحو الحضارة الديمقراطية، المرافعات المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ص 317 على شكل دينا 4)
ويقول مادحاً الايرانيين بصراحة في دفاعه الشهير، الذي يكاد يكون بحراً واسعاً في علوم التاريخ والفلسفة والدين والآيديولوجية: ((...وتسعى إيران الى القيام بأكبر حملة بهذا الاتجاه من خلال تكوين الإسلام الديمقراطي في يومنا هذا.)) (المصدر نفسه، ص 424)
وعليه، فإن السيد (آبو) ينصح بأنه: ((يجب تقييم تجربة الإسلام الديمقراطي لبنية الدولة والمجتمع الإيراني بدقة، من قبل جميع دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية، ونرى انطلاقات ديمقراطية تقليدية كثيرة في المجتمع الإيراني،)) و((يمكن أن تحمل الحملة التي يتم القيام بها باسم الإسلام الديمقراطي معنىً كبيراً، ويمكن أن تلعب دوراً هاماً في نهضة الشرق الأوسط إذا طورت إيران النقاش الموجود في هذا الصدد...)) و((من الضروري القيام بتركيب من خلال التفسير الأكثر حداثة للديمقراطية والظروف الإيرانية...)) (المصدر نفسه، ص 424)
في حين أنه يقول هذا عن الحركة الوطنية الكوردية في شرق كوردستان وعن الحزب الديموقراطي الكوردستاني – ايران: ((كانت الحركة الكردية الإيرانية تحمل الطابع الإقطاعي العشائري حتى تجربة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتواصل خاصيتها هذه منذ الميديين...)) (المصدر نفسه، ص 425)
وكان قد طرح السيد (آبو) في دفاعه الشهير مشروعاً بصدد شرق كوردستان، وطالب بأن يقوم حزب الحياة الحرّة (بيجاك)، الذي يشكّل فرعاً ايرانياً لشجرته الباسقة (حزب العمال الكوردستاني)، بتطبيقه، وفحواه هو، كما ورد في ذلك الدفاع: ((ترتبط كل مشكلة بقيام الحركة الكردية في إيران بقراءة أصالة إيران بشكل صحيح واستوعابها للمقاييس الديمقراطية الحديثة بشكل متين، وتقديمها على خطوات بشكل متواضع من خلال تبنيها للجوانب الإيجابية الموجودة، إن معرفة الوقوف ضد المواقف القومية البدائية والحكم الذاتي والألاعيب الخارجية، ستؤدي إلى تفهم السلطات الإيرانية للمشكلة، كما ان تطوير الحوار الموجود وجعل الآخرين يشعرون بقرب الروابط الثقافية للكرد، وإعطاء المعنى اليومي الصحيح للأخوة التقليدية سيساهم في الحل بشكل أكثر، وتمتلك المرحلة الجديدة المعتمدة على تركيب التحول الديمقراطي للإسلام والديمقراطية الحديثة، فرصة من أجل نجاح الحل بدلاً من مرحلة المفهوم القومي البدائي والحكم الذاتي، ويمكن لحركة الحرية لكردستان إيران تجديد نفسها ضمن هذا الإطار، ويمكن أيضاً أن تؤدي إلى الدخول إلى مرحلة جديدة مركزة ومنتظمة بذاتها كقوة منسجمة ومؤثرة، ويمكن أن تصبح ممثلاً له طموحاته في المرحلة الجديدة إذا استطاعت استخلاص الدروس من تجارب الحركة الكردية في الأجزاء الأخرى...)) (عبد الله أوجالان، من دولة الكهنة السومرية، نحو الحضارة الديمقراطية، المرافعات المقدمة إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، ص 425) وفي 30 حزيران عام 2010 جاءت منه رسالة تعرّض فيها بجمل قصيرة إلى وضع شعبنا في كل من ايران والعراق وسوريا، إذ يقول بصدد ايران مايلي فقط: ((أبعث بتحياتي إلى شعبنا في إيران . يمكن تناول حلٍ على محور الدستور في إيران أيضاً مثلما في تركيا. حيث يجب على إيران أن تنصاع للحل ، فذلك سيكون لصالح إيران أيضاً)) (عبد الله أوجالان، كل كائن حي مرغم على الدفاع عن نفسه من أجل البقاء، لقاء مع المحامين في 30 حزيران 2010) فماذا يقول الدستور الايراني عن شعب كوردستان وحقوقه؟ وكيف يطرح حل المسألة القومية في ايران؟ وإذا كان هذا كافياً وشافياً، فلماذا لاينتقل حزب (بيجاك) المتفرّع عن الأصل الأوجلاني إلى تنظيم نفسه كحزب سياسي في ايران، بدلاً عن القيام بثورة مسلّحة، والحاق الأذى من خلال استناده إلى جبال جنوب كوردستان بشعب وحكومة الاقليم الكوردي هناك؟
فهل يعني هذا كلّه أن الآلة القتالية لحزب العمال الكوردستاني في شرق كوردستان خارجة عن أيدي الأوجلانيين؟ أم أن ما يقوله ويطالب به السيد (آبو) هو فقط لاقناع المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأنه رجل سلام يرفض الحرب والقتال، وليس له هدف سوى اقناع مستعمري كوردستان بضرورة فتح أبوابهم للديموقراطية التي ستمنح الكورد حقوقهم القانونية؟
ويمكن استخراج المزيد من المقتطفات الأوجلانية من العديد من الرسائل والكتب المنشورة تحت اسم السيد (آبو)، والتأكيد من خلالها على أن هناك تناقضات كبيرة في فكر هذا الزعيم السياسي، أدّت وتؤدي إلى أن تقع شجرته التنظيمية المتفرّعة في شتى أنحاء كوردستان في أخطاء جسيمة، وتحتار قياداتها بصدد متابعة أفكاره في حيز التطبيق العملي، فهل تحارب أعداء الكورد وكوردستان أم تلقي السلاح، هل هناك أصلاً أعداء للكورد وكوردستان سوى أحزابهم وشيوخهم وزعمائهم التاريخيين؟ هل النضال التحرري القومي للشعب الكوردي أداة رخيصة بيد المستعمرين حقاً؟ كيف يمكن دفع ايران المتشنجة عقائدياً نحو "الإسلام الديموقراطي" وكيف يمكن بناء جسر بين نضالات الشعب الكوردي وأفكار المجرم الأكبر مصطفى كمال، حسب ما كان ينعته السيد (آبو) بنفسه من قبل؟ وهل...؟ وهل...؟ أسئلة كثيرة يجدر بقيادات الأحزاب المتفرّعة عن حزب العمال الكوردستاني، وقيادته العسكرية – السياسية الإجابة عنها، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود... ولأننا أسهبنا في موضوع هذه الحلقة، فنتوقف هنا.... على أمل الاستمرار بجدية في هذه المداخلة ل"معالجة تاريخية" للفكر الأوجلاني، والانتقال إلى النقاط الأخرى، التي سأتطرّق إليها في الحلقات القادمة إن شاء الله:
-الأوجلانية وغرب كوردستان
-الأوجلانية والتعامل مع الرفاق.
-الأوجلانية والمرأة
وآمل أن يساهم الأنصار والمعارضون معاً في القاء مزيد من النورعلى "الأوجلانية" التي لعبت ولا تزال تلعب دوراً هاماً في صراع شعبنا ضد أعدائه من أجل الحرية والحياة الكريمة في سلام وأمن واستقرار على أرض وطنه كوردستان. وأن يصححوا أخطائي التي أقع فيها لدى الاستعانة بالنصوص والأقوال والمداخلات إن وجدت.
والله ولي التوفيق



#جان_كورد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصير مملكة الرعب الأسدية
- الدور التركي في الشرق الأوسط (1-3) من دولة الخلافة إلى وزير ...
- الدور التركي في الشرق الأوسط (2-3) من دولة الخلافة إلى وزير ...
- لماذا السكوت عن قصف أرياف وقرى كوردستان العراق؟
- رسالة بلا رتوش ديبلوماسية إلى فخامة الرئيس السوري
- صوب معالجة تاريخية جادة للأوجلانية (4) الأوجلانية والسياسة ا ...
- صوب معالجة تاريخية جادة للأوجلانية (3) : الأوجلانية والدين
- يمكن نقد -منظومة الشعب الكردستاني وقائدها...ولكن-!
- من سيعيدنا إلى العصر الحجري؟
- كفى صمتاً...أم كفى كلاماً!
- لماذا الخوف من فيدرالية كوردية؟ (2)
- لماذا الخوف من فيدرالية كوردية؟ (1)
- المجتمع الدولي واللغز السوري
- التملّق السياسي لنظام -غير ديموقراطي- جريمة بحق الانسانية
- حتى لا تذبل الديموقراطية في القلوب
- نظام دمشق والانتخابات البرلمانية العراقية
- هل الكورد السوريون أيضاً بحاجة إلى (گوران – التغيير)؟
- حتى لاتنتكس التجربة الديموقراطية في كوردستان
- كي لا تُجرَحَ الديموقراطية !
- وقفة مع السياسة الألمانية


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جان كورد - صوب معالجة تاريخية جادة للأوجلانية (8)