أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم المسعودي - إنه يوسف الصائغ فكن موضوعياً















المزيد.....

إنه يوسف الصائغ فكن موضوعياً


كريم المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 3067 - 2010 / 7 / 18 - 18:57
المحور: الادب والفن
    


إنَّه يوسف الصائغ فكن موضوعيًّا!!
كريم المسعودي
منذ كنت طالباً في الثانوية، وأنا لا أدع شيئاً يفوتني مما يكتبه الأديب الراحل يوسف الصائغ، وكنّا- أنا وعدد من زملائي- نتنافس على كسب ودِّ صاحب( كشك) صغير لبيع الصحف قرب مدرستنا لنضمن حجز نسخة من الملحق الأسبوعي الذي يكتب فيه الصائغ مقالته!!
وبقيت على هذا حتى منتصف الثمانينيات، والحرب تأتي على كل شيء، ورفضها علامة الوعي، والانتماء للإنسان، و...فجأةً يطالعنا يوسف الصائغ بمقالته التي كانت صدمة مرعبة تركتْ في قلوب المثقفين الحقيقيين وخزة ألم ممض، إنه يسوّغ الحرب، ويتحدث- شأن مسعِّريها- عن الدفاع المقدَّس عن الوطن!!
وانقلب إعجابي نفوراً، وصارت محبتي(حقداً)..نعم !..لقد حقدت على الصائغ، ولم أعد أطيق أن أسمع به، فهل أقرأ له؟!
وصار مديراً عامًّا، وبات يقيم المهرجانات، بل أخذ ينافس( الصدّاميّين)في ذالك، فهل كان يريد أن يثبت أن(ولاءه) الجديد صادق؟!
وماذا تنفع قصيدة( المعلم)؟ لقد اختار- برأي المحبين- أن يكون( مسماراً) في آلة نظام وحشي موكَّل بالقتل, وسحق كرامة الإنسان، ولا همَّ له غير أن يأتي على(معنى) الحياة، و(روح) الجمال، وصار وطن الآفاق المفتوحة سجناً تختنق بين جدرانه الضحكة، والدمعة، والفكرة!!
هل أشتطُّ كثيراً إذا قلت: إنني أجد للدكتاتور القاتل عذراً، لأنه يريد السلطة، هي (معنى) حياته الأوحد، فإذا كان طريقها قتل الناس، وتدمير الوطن ، فليكن..!، ولكن هل أجد للشاعر الكاتب الرسام المثقف المنتمي عمراً لقيم الحق، والعدالة الإنسانية، هل أجد لإنسان-بهذه المعاني كلها- عذراً حين(يختار) الانحياز لسلطة القتل، و تدمير الناس؟؟
- وأين أنت من موضوعية الأكاديمي؟ أ تطلب من الأدباء أن يتبنوا قناعاتك، وإلاّ فهم لا يستحقون أن يُقرؤوا؟ ثم أليست للضرورة أحكام؟ هل تطلب من المثقفين أن يتقدموا للموت كي تكتب عنهم ممجِّداً مواقفهم العظيمة؟! لقد كان يوسف الصائغ يخشى الموت، أ فلا يكفي هذا؟؟
- أ تريد الموضوعية حقّاً ؟! فليكن، ولندع(الكره)، و( الحب) جانباً، وليكن الصدق هو الرائد، وقول الحق هو المبتغى!!
لنلتمس- إذن- عذراً لمن ساروا على نهج الطغاة جميعاً، ولنكفَّ عن الكلام على شرف( الموقف)، وتبجيل من اختاروا الوقوف بوجه (الريح)، ولم ينحنوا خاضعين!!
سأذكر شيئاً خطيراً- ومن الموضوعية، بل من النبل أن تقول كلمة الحق عن عدوك، وأنا مسؤول عمّا سأذكر، ومستعد لإثباته بأدلة من واقع ما زال شهوده بيننا- هو أنّ(صدام) لم يُكره أحداً على( أن يكتب) له...نعم..! كان يغري بهذه الكتابة، وكان يغدق على من يصطف معه، ويفتح له سبل عيش رغيد آمن في زمن عزَّ على الناس الرغد، والأمان!! وكان يمنع عطاءه عمّن لا يستجيب له، يحرمهم، وينغص عليهم عيشهم، يمنح من كانوا تلامذة فاشلين شهادات عالية، ليكونوا( عمداء) كليات يتحكمون بأساتذة كرام كبار، وكان...وكان..(وأساليبه باتت معروفة للجميع)، ولكنه أبداً لم يقتل شاعراً لأنّ ذلك الشاعر لم يمدحه بقصيدة، ولم يعدم روائيًّا لم يكتب له رواية تؤرخ(نضاله)، وقد كتب له عبد الأمير معلة( الأيام الطويلة)، وأخرجها له (مصري تقدمي) فلماً، ولم يكتف الشيخ جلال الحنفي بكتابة( المدائح الصدّامية)، بل ألف كتاباً ضخماً في العروض والقافية كل تطبيقاته على البحور الشعرية من هذه المدائح، وكتب عديد غيرهم، فأعطاهم!!..ولكن غيرهم لم يكتب، فلم يعدمهم، ومن سُجن، أو قُتل من الأدباء، فلسبب آخر، وبتهمة أخرى!!
ومن رفاق الصائغ( رشدي العامل) الذي ظلّ شعره- بالرغم من المعاناة- ينبض حبًّا للوطن، والإنسان واضحاً مشرقاً، ولم ينحدر- برغم أنف الحاجة، والمرض- حتى مضى شريف الموقف كريماً!!
وقبله( بلند الحيدري) الذي أدار الأمر بذكاء حين كتب- مع بداية تولّي(قائد البعث) السلطة – أنه لم يعد قادراً على كتابة قصيدة تليق بتجربته الشعرية، وسيكتفي بدواوينه السابقة، وصمت حتى تهيّأت له الفرصة، فغادر العراق محموداً !!
هل أذكر( سعدي يوسف)؟ وهل أنسى( غائب طعمة فرمان)؟..إن قائمة الأسماء من رفاق يوسف الصائغ أنفسهم طويلة..
وكيف أنسى عناد غزوان، وعلي عباس علوان، وجلال الخياط من النقاد، وهؤلاء لم يكونوا منتمين حزبيًّا، ولكنهم ينتمون لقيم الثقافة الوطنية التي لا تمجِّد طاغية، ولا تسمح للكلمات أن تمالئ دكتاتوراً بغيضاً!!
وفرص مغادرة( عراق صدّام) كانت مهيَّأة ليوسف الصائغ، لو عزَّ عليه الصمت، ولم يشأ أن يوقف هدير الإبداع في ذاته، ولكنه آثر البقاء، و(اختار) المال، والأضواء، وليس غيره- وفيهم من لا يساوي شيئاً أمام موهبته- بأحق منه بها!! وفاته- وهو الحصيف- أن شرف الموقف أعظم من كل ما في الدنيا من متاع، وأضواء، ولقد عاش، ورأى بعينيه كيف انتهى حقيراً ذليلاً من ملك الدنيا كلها؟!
وإذا كان الصائغ خائفاً، وقد ذاق مرارة السجن سنوات، وهذا مسوّغ لموقفه، ومن( الموضوعية) أن نلتمس له عذراً، فليكن ذلك شأننا مع الجميع!! فلم لا نقبل ( عبد الرزاق عبد الواحد)؟ ولقد كان الرجل يساريًّا، ومجموعته الشعرية الأولى(أوراق على رصيف الذاكرة) تنبئ بذلك، وهل ينكر ناقد براعته شاعراً؟! وما الضير في أن يكون(شاعر السيد الرئيس)- وهذا لقبه في الوسط الثقافي البعثي- فلربما دفعه الخوف إلى ذلك؟!!
أ فكان(عيسى حسن الياسري) عنترة زمانه حين رفض الكتابة للقائد؟؟ لقد عُزل هذا الشاعر، ورضي أن يكتب( العرائض) أمام محكمة الأعظمية- وهو الشاعر الرائع، والإنسان النبيل- بل إنه كان يقطع المسافة من بيته إلى المكان الذي اختار هذا العمل فيه سيراً على القدمين بمدَّة لا تقلّ عن ساعتين، ولم يُهن شعره، ولم يقبل أن يدنّس براءة الكلمات، وظل طائر الجنوب المحلِّق في سماوات الحب، والجمال!! وهل أذكر- نعم..!، فذلك من مصاديق شرفه، وثرائه!!- أن ولده( ياسر)- وهو أكاديمي معروف الآن- كان يذهب مع أخته إلى الجامعة سيراً على القدمين في حر الصيف، وبرد الشتاء، لأن أباهما لا يستطيع أن يوفر لهما أجرة الباص؟؟ والعجيب المذهل في الموقف أن مشاركة الياسري بقصيدة في مهرجانات المربد تكفي لحصوله على السيارة، والمال، ولكنه آثر(الفقر) شرطاً لاحترام إنسانيته، وشعره، على ترف العيش ملاحقاً بعذاب الضمير، ولعنة التاريخ!!
وبعيداً عن موقف التاريخ الذي لم يلتفت إليه من تربّى في مدرسة وعي التاريخ، واحترامه، فإن الشرفاء لا يريدون أن يسقطوا أمام ذواتهم التي طهرتها قيم الإنسانية النبيلة، ولا يفكرون بتدنيس هذه القيم مهما يكن من شأن الإغراءات، أو هواجس الخوف!
يقول(رجب)-بطل رواية(شرق المتوسط) لعبد الرحمن منيف الذي وقَّع ورقة الاعتراف على رفاقه، والبراءة من انتمائه الحزبي :" رجب إسماعيل سقط.هذه هي الكلمة الوحيدة التي تفسر النهاية التي وصلت إليها، ولا يجدي أن يقال الآن ظل رجب خمس سنين بأيامها ولياليها وراء الجدران، وإنه مر على سبعة سجون لم يضعف، ولم يعترف..الإنسان محكوم عليه بنهايته..الصمود، الإرادة، كل كلمات المجد المتوردة الوهاجة تسقط في لحظة النهاية البائسة."..وهذا صحيح، ولقد ضحّى الصائغ بأمجاد ماضيه كلِّها بالنهاية التي اختارها!!..ألم يهرب خارج العراق خوف الموت، وقد شارف على السبعين من عمره حينها، بعد نهاية صدام؟ فلماذا لم يفعل ذلك شأن العديد من رفاقه في ذلك الوقت، وهو المبدع الكبير المرحَّب به حتماً؟؟ وما موقف الشاعر الكبير مظفر النواب عنّا ببعيد !!
لا ألعنَ من قاتلٍ إلاّ من يسوِّغ له القتل، ولا جريمة أبشع من تزيين القتل للقاتل بمدحه، وإعلاء شأنه، وإدامة سلطته، ولا أفظع من اتخاذ(الجمال) وسيلة لتشويه الحقيقة، وخداع الناس البسطاء..وهكذا فعل من كتب لصدام شعراً، أو نثراً!!
- ألستُ موضوعيًّا في هذا؟؟
- بلى !..ولكنك حادّ، وكان بإمكانك أن تقول ما تريد بشيء من الشفافية، والإيحاء أبلغ من التصريح!!
- لقد أطمعَتْهم هذه المداراة يا صاحبي !!
- كيف؟ !!
- لقد عاد كثير منهم ليملؤوا المهرجانات شعراً يتغنّى بـ(الوطن)، ويترنَّم بحب(الشعب العظيم)؟! وهم معروفون، فأسماؤهم ليس مما يسقط من الذاكرة بالرغم من ثقوبها التي أحدثتها سنوات الرماد!
- أيعقل هذا؟؟...ألا يستحون؟؟
- تحلَّ بالموضوعية يا صديقي، ولا تقع في ما لمتني فيه من حدّة !! واستحضر(شفافية) المتحضرين كلَّها لتستوعب أن منهم اليوم مسؤولين يقودون(الثقافة)، بل يتحكمون بالمثقفين، وهم يضحكون من أمثالنا سرًّا، أو علناً، فقد ربحوا في ذلك العهد، ولم يخسروا اليوم شيئاً، والشاطر من يضحك أولاً، وأخيراً!!.



#كريم_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سطور من أوراق الذكريات/مع الأستاذ الدكتور علي عباس علوان
- لغة القصيدة وشعرية المعنى
- إقبال والليل والبحث عن وطن الذات


المزيد.....




- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم المسعودي - إنه يوسف الصائغ فكن موضوعياً