أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخمليشي - سيدة المناديل














المزيد.....

سيدة المناديل


محمد الخمليشي

الحوار المتمدن-العدد: 3056 - 2010 / 7 / 7 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


في السوق الأسبوعي في يريفان: مسامير وصنابير ومخلفات أشياء، صور، مجسمات، لوحات ترسم العذراء وماركس، الحجم والفرغ وامتدادات الألوان.. كتب بالأرمينية والروسية تكاد تنطق، احتفالاً بالحجر. في السوق الأسبوعي لعاصمة الأرمن الأبدية؛، يبدو أن الحرف الأرميني هو سيد العلامات الخارقة، فهو الذي أضحى مجسماً بالحجر، ينفخ فيه ميسروب ماشطوط،، من روحه، بعد أن خلقهُ وسوَّاهُ، منذ أولى البدايات، بنحو قرنين من هجرة الرسول، محمداَ.
هنالك، في السوق الأسبوعي في يريفان، التقيت سيدة المناديل، خمسينية العمر، استقبلتني تقاسيم وجهها الودود الباسم، تنسدل بدفئ، تسريحة شعر تداعب كتفيها، وتنفتح على جبين، باغتته معالم أخاديد دقيقة، وكأنها تشي بامتداد لشرايين قلب، وهو يرتعد من هول فجيعة الأرمن، بداية المحارق الكونية. تنفلتُ معالم الأخاديد من صباغة قد تكون وضعت على عجل أو أن أشعة شمس الظهيرة، قد أذابت زينتها الأولى. حاجبين موظَّبَين بعناية، يرسمان هلالين يظللان عينين حالمتين. شفتين رقيقتين ترسم كل أنواع الحروف والكلمات..
تودَّدَت سيدة المناديل وأشارت عليَّ بأنني أضحيت في مملكة الحروف. كل حروف الأسماء مطرزة، تخيط تقاسيمها خيوط منسابة من حرير أو ذهب. تشكل الكائنات الأليفة، هيأة الحروف.
ألحت سيدة المناديل على شرائي، بعض المناديل، أطرت كثيراًً، في بيان رقة الأحرف والأشكال، برطانة إنجليزية، قليلة المعجم، لكنها مفعمة بالتودد والرقَّة.
أذعنت للأمر، فاخترت منها حرف الفاء، مجاملة. فقلت لنفسي:
علها تكون واو الوصل .
ناولتني سيدة المناديل هديتي.
فقلت لظلي المتعب؛. يستحيل على المنديل أن يكون واو الوصل!
آه، نعم، لعله يصيرالراية البيضاء! تشهرها في وجه الحب القديم، .. ولو للمرة ما قبل الأخيرة من العمر، ترفعها عالياً، ليشهدها من في الأرض والسماء، تقدمها وأنت مطأطأ الرأس خافت القلب، عند أعتاب القدر الجليل، في قداس الفجيعة، حيث تُطرَقُ الأجراس وتُنَكَّسُ الأعلامُ وتَنعي الفضائيات، هزيمتي.
في الواقع، تأسفت كثيراً، وحملقت فيما يشبه العدم، بجبين مقطب، كاد أن يشيَ بسر الهواجس التي كثيراً ما أحرص على كتمانها. قلت لعل الأمر مختلف من حالة لأخرى..خاصة، وأنا الأعجمي في بلاد تعبد أوثان الحروف من حجر، وفي حزيران المنسي فينا، وبالرغم من أن الهزائم متوالية، من أندلس لأندلس، إلا أنه يمكن الاستغناء عن حرف الفاء، بآخر من الحروف.
طلبت من سيدة المناديل- وأنا أبتلع ريق الحرج والخجل، والعرق يتصبب من جبيني من شدة الإجهاد في سبيل طرد آخر شياطين الهزيمة واليأس والإحباط..من دواخلي- أن تدلني على حروفها المطرزة، علها ترشدني إلى أسماء عزيزة أخرى، أقدمها ، عند عودتي ، هدية أو عربونا على قوة الشكيمة لمحبة أخرى..
أدركت سيدة المناديل شدة خجلي، فتحاشت، بمكر، النظر في عيني، مخافة إرباكي فشاحت برأسها وعينيها، وجهة المناديل المعلقة بحبل غسيل تشدُّ حدَّيه شجرتي توت بري، غير مباليتين بصبيب عرَقي النازف ولا بحَرَجي في اختيار الحرف.
التفت حوالي، فلم أجد غير سيدة المناديل تقرأ الحروف الأبجدية، الستة والثلاثون.. واحداً واحداً.
وأنا أكابر ظلي، تلقفت الحرف لحظة، صرخت قي السوق الأسبوعي في يريفان: وجدتها.. وجدتها! لعله حرف النون.. النون والقلم وما يسطرون..النون حلمي الجميل ذات يوم..هو ذا(Ն) منتصب القامة يشدو..أركض ..أركض..في كل الساحات والحدائق في يريفان..أصرخ...أصرخ..أُرَكبُ الحرف في كمياء الفؤاد، الولع، الحرقة، الوجع، والزفير، الشهيق، البكاء...أسقط.
أستفيق، وقطرات الندى تبلل وجهي، سيدة المناديل تمسح وجهي برفق، أحسست بمسام أصابعها من وراء منديل أبيض، تجفف كل ذلك الدمع المحتقن. أمدتني ظرفاً من ورق، مختوم بشمع لا يحترق، ومحفور عليه هذا الرسم: ՆԱԴԻԱ أوصت علي: هو ذا حرف النون، إحفظه يحفظك..إغمس منديله الحامل في محلول الزعفران الحرّ، والنادر من الزعتر البلدي، وما يعادله من الكونياك. أشرب بعضه كل مساء، وأحفظ حرف النون في قصب البردي، وأشهره كصليب الرهبان عند الحاجة.
انتشلتني سيدة المناديل من حلمي المستجد، لتضعني بعيداً، في منطقة الشرود، وحيداً.. التفتُّ إلى ظلي، فوجدته يشبه نفسي، فعجبت كيف صار ورقةَ توت في فصل الخريف، تلهو به نسائم الريح، وتذكرت، عندما، كنت قريباً من نفسي، فأحببت الشجر والحجر والأسماء..وأحببت كثيراً خجل الوجوه الباسمات، في كل الساحات والحدائق والحانات..
عدت أكابر، أعاند قدماي الساقطات.


يريفان-الرباط: يونيو 2010



#محمد_الخمليشي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديقة جبران
- في الحديقة
- أحداث 1958/ 1959 بالريف، بين الذاكرة والتاريخ
- هل يمكن التفاؤل بمصادقة المغرب على قانون المحكمة الجنائية ال ...
- لمن تدقُّ الأجراس في خاتين؟
- ضجر…
- ويستمر الحصار…
- الذاكرة والنسيان في العلاقة المغربية- الاسبانية
- الأمازيغية/ العروبة:مقالة في التسامح
- حركة اليسار الآن في المغرب، إلى أين؟
- الجهوية أو سكنى العالم ديموقراطياً
- انتخابات 12 يونيو 2009 أو انهزام المشروع المجتمعي


المزيد.....




- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخمليشي - سيدة المناديل