سعد سامي نادر
الحوار المتمدن-العدد: 3017 - 2010 / 5 / 28 - 00:01
المحور:
كتابات ساخرة
يوميات هولندية -4 : - حديث في السياسة والنار -
زمن المحرمات والكبت هو ذاته زمن التعليقات المدوية والتندر الساخر من السلطة والتسلط. وهي أنيس وبسمة اليائسين وتنفيس المضطهدين والمحرومين الصابرين. المكوي بنار الفاشية يختلف عن الملسوعة أحد أطرافه بـلهيب ألسنتها وأذرعها المتعددة، رغم تقارب موقفيهما من السلطة. الاول لديه حساسية مفرطة من خوض غمارها أو حتى سماع أي تعليق سياسي. هذا إذا لم تصل لحد ال "فوبيا". فهو تعلـَّم حتى شم عفن رائحتها عن بعد. ومَلَّ قرف علك (قات) مفرداتها التي صمـّت طبلة أذنه. أما الثاني فالشكوى والتظلم مفتاحه ومدخله للحديث والتندر. ومثلنا العراقي يبسط حاليهما: (يِنـْهَد حيل الماشايفهَ.. والشايفهَ يلف اعمامَه)..
كونك عراقي، مجرد الحديث في أي موضوع سواء كان اقتصادي، طبي، ثفقافي، رياضي، اجتماعي وبالاخص ديني!!.. سنقحم نفسك عنوة لمعترك سياسي من أضيق أبوابه. وأنا المكوي (المكرود) في غنى عن أذى توابع سماعه.
في الاماكن الخاصة!! والعامة سواء، تسمع وبلهجة مصلاوية محببة: ( يا جماعة.. إقلبونو- ن...ك) .. من أجمل همساتنا الساخرة لقلب أحاديثنا السياسة الى (سكس)، ولـَصْم الموضوع وصاحبه بأدب!. لكن دائما ما يصاحب قلبنا للمواضيع من سياسة الى سكس ، سرعة بديهة لسخرية سياسية ألعن من سابقتها وأسرع في توصيلنا لحبل المشنقة!!. بعدها نترحم على الموضوع الـ(قلبنانو) لهرب نصف الشلة من الحضور!!. لكنها تتكرر في جلساتنا.. أظن، ثمة متع لضحكة مخنوقة أو تعليق ملتاع مكبوت يساوي الاعدام، تحررها لحظة سكر ونشوة مقدامة. وضحاياها كثر، كتاب وشعراء واطباء في عصر "هبل الأحمق".
هروبا من هذه الورط الغير محسوبة، يجد بعض منـّّا حكايات المغامرات العاطفية والجنسية مخرجا لرفع التهمة والرقيب عنهم!. تجد سحر وعذوبة هذه الحكايات، آذاناً صاغية منا، يطيب لنا سماع تفاصيلها بلهفة وشغف. خاصةً حين تحكي لنا التفاتات لذكريات ماض ٍ تعدَّ فيه معظمنا عتبة الخمسين وأكثر.
ذات أمسية ممتعة لمَّتنا فيها صحبة زمالة قديمة. لم يصدق الدكتور سلام سماع (إقلبونو ...) حتى أستلم زمام الامسية ليمتعنا بوقائع بطولاته ومغامراته العاطفية أيام دراسته في باريس، عابراً بمغامراته الكثيرة، من دولة لأخرى. وبمهارة أستاذ جامعي، بدأ يستعرض خبرته في معرفة أصناف النساء وميزة كل منهن وصولاً لسلم أولويات ودرجات الجمال الأوربي. حيث سلسلها حسب مذاق! تجربته الشخصية. وأخيرا لم تسلم من لسانه الطويل جداً!! فاتنات"بولندا" الساحرات، حسب وصفه طبعاً!.
راح الدكتور بعدها يوغل بالشرح والوصف، وأخذ يصور لنا بتفصيل دقيق طرق ممارسات جنسية منها ما هو مثير ومنها ما يثير القرف. لكنها إجمالا كانت تغرينا بمتابعة خفايا حكاياته الشيـّقة حتى نهاياتها. حينها، كنا نصغي له بلهفة صبية تستمع لحكواتي يقص لهم عن الجن وسحر الأساطير. وكان هو بالمقابل، يستغل محاضرته العاطفية بأبشع صورة. يحكي لنا بشغف وحسرة مستنفذا كل إمكاناته الأكاديمية وكل أحاسيس وتعبيرات وجهه ولسانه وعينيه المحفزة لشدِّ انتباه الجميع إليه. في حين راحت يداه تقدمان لنا عروضاً لوسائل إيضاح ساخرة تثير الضحك، ووصفا لعروض "سَكسْ" مثيرة، أعادت لنا حسرة بعض ما فات شبابنا ودنيانا من متع سفر و حياة شبابيه. ببساطة، كان الدكتور أشبه بساحر راح يوغل بالوصف والإثارة كي يملي علينا ما يريده بالتمام والكمال. أخيراً، من اجل أن ينهي قصص مغامراته الطويلة المؤنسة العذبة. رفع كأسه عاليا مطالبا الجميع ملأ كؤوسهم وصاحَ: " ( جيرز ) نخب الجمال البولندي الربّاني الأخّاذ!!". وما كان منه بعد نخبه الثالث إلا أن ينهي كأسه بقَسَمٍ قاطع لا يحيد: " والله العظيم!.. إن الله بولندي الأصل !!".
هنا ، حلت علينا اللعنة وصَحّت علينا الرحمة. زلزلت الأرض وانهارت على سامريه الأشاوس، أعمدة معبد "شمشوم" الجامعي المؤنس اللطيف. وانتهكت قدسية! أحاديث سهراتنا الرائعة وتشتـَّت شمل صحبةً ودودة لمـّتنا عقود طوال.
كـُفـِّرَ الدكتور سلام لاستخلاصه "فائض القيمة" الإلهية!! عند تقيمه الجمال الرباني البولندي!!. لكن حقيقة تكفيره المبهمة تكمن في إن البعض منا!! كان يعرف تمام المعرفة، إن الدكتور سلام خريج "السوربون" بالاقتصاد. كما إنه أحد تلامذة البروفسور " شارل بتلهايم"، وهذا برأي الشخصي يعني الشيء الكثير!!.
ذكرني قَسَم الدكتور سلام واختياره صيغة مبالغة كانت حسب يقينه طبعا، هي أنسب وأقرب كلمة تلخص لنا وتختصر بدقة، لمسة العناية الإلهية! في نصرة الـ "جمال البولندي". وهو قَسَمْ وليد تجربة شخصية. والتجربة مفتاح العقل كما يقولون. والحياة مجموعة تجارب إنسانية. وثباتها يعني بالضرورة هناك حقيقة!!، وهي بدورها جاهزة للنقض على الدوام!!.
ها هي تجربة أخرى وربما حقيقة؟؟ اخرى لكن بلا حلفان ودون قَسَم. تخص شأنا جماليا من صنف آخر لا يتعلق "ببولندا". تجربتي بل ربما الحقيقة الاخرى إكتشفتها في مكان آمن بلا "تكفيريون"!. بحيث أعلنت جهارا دون تردد وبلا خوف : "إن الله لم يكن بولندي الأصل وإن الدكتور سلام كان ملحدا!! فعلا. لك أن تقرأ ما حصل معي في: " نحيب من الجنـّة".
*********
#سعد_سامي_نادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟