أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بكر خلدون عبد الحق - ليس دائماً 1+1=2















المزيد.....

ليس دائماً 1+1=2


بكر خلدون عبد الحق

الحوار المتمدن-العدد: 3010 - 2010 / 5 / 20 - 21:54
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


منذ نعومة أظافرنا ننشأ على فكرة "الحقيقة المطلقة" التي يلقنها لنا الأب أو الأم أو الأكبر سناً أو معلم المدرسة... ولكن مع تقدم العمر، تثار العديد من التساؤلات ونغوص في العديد من التجارب، لنكتشف ما يناقض ما تمّ بناءه في عقلنا بطريقة تبدو وكأنه قطعة مركبة في دماغنا مع اللحم والعظم والشرايين. فنحن معتادون على فكرة ان هناك امور صحيحة لاتقبل الخطأ وان هناك امور خطأ لا تقبل الصحة. في جميع مناحي حياتنا نتعامل مع الامور بتلك الثنائية المطلقة، و لا نقبل جدالا او نقاش بهذا الموضوع. مما يعطل قدرتنا على سماع الاخر و تقبل الافكار التي تخالف المسلمات الراسخة في عقولنا، فكل من يخالفنا الرأي يعتبر مخطىء.
ومن أبرز التجارب العملية التي أود الاستشهاد بها هو البحث الذي قدمته لنيل درجة الدكتوراة والذي كان بشأن المشكلات التي ليس لها حلاً تحليلياً بسيطاً ولا يمكن تمثيلها باستخدام نماذج رياضية، ولكن يمكن أن نضع لها نماذج حاسوبية رياضية لحلها. هذا النوع من المسائل يتعامل مع الكميات الفيزيائية أو الاقتصادية أو غيرها من الكميات الموجودة في الحياة. وقد أفردت جانباً من بحثي حول تمثيل تلك البيانات في الحاسوب متناولاً قدرة الحاسوب في تمثيل الحياة. هل يمكن أن نمثل الحياة باستخدام الحاسوب الذي لا يوجد به إلا رقمين 0 أو 1؟ وقد تبين لي أنّه لا يمكننا تمثيل الحياة بالدقة المطلقة في الحاسوب لأن الحياة لا تخضع للتبسيط المطلوب في أرقام الحاسوب. ولهذا كان الحل عندي أن لا نبحث عن الدقة المطلقة لأنها مثل السراب فإمّا غير موجودة أو ليس من السهولة أن نجدها أو من المستحيل الوصول إليها ضمن المعطيات ومستوى التكنولوجيا المتوفر لنا في الوقت الراهن. كما استخلصت في بحثي أنه لا بأس من أن نقلل من الدقة لكي نصل إلى حلّ معقول وليس حلّ مطلق او الامثل.
وقد تستغرب أنّ الحاسوب ليس وحده القاصر عن وصف الحياة بالدقة المطلقة بحكم بنائه الثنائي (0، 1). فهناك امثلة يمكن ان نسوقها من الرياضيات اكثر العلوم انضباطا. درستنا في الصفوف الابتدائية والاعدادية انه يمكننا تقسيم العناصر الى مجموعات، فنقول مثلا ان القلم ينتمي الى مجموعة ادوات الكتابة و ان السيارة تنتمي الى مجموعة وسائل المواصلات و ان القلم لا ينمتمي لمجموعة وسائل المواصلات في حين ان السيارة لا تنتمي لمجموعة ادوات الكتابة ونسمي تلك المجموعتين بالمجموعات المنفصلة لعدم وجود تقاطع بينها، و هذا ما سميناه نظرية المجموعات التي تعتبر من النظرات العامة في الرياضيات وكثيرا من الامور يمكن ضبطها ضمن قوانين تلك النظرية. لكن نظرية المجموعات(set theory ) في الرياضيات لا يمكنها أن تصف الحياة بأكملها. حيث لا يمكننا أن نصنف جميع العناصر إما أن تنتمي إلى المجموعة أو لا تنتمي. فهناك أشياء تنتمي إلى مجموعة ما إلى حد ما بينما لا تنتمي إليها بشكل مطلق، وتنتمي إلى مجموعة أخرى رغم انها تعتبر مكملة، أيضاً إلى حد ما ولكن ليس بشكل مطلق وقاطع. فمثلاً إذا قلنا أن فلاناً طويلاً؛ أي ينتمي إلى مجموعة أصحاب القامة الطويلة، فهذا لا يعني أنه يخلو تماماً من القصر. فهناك أناس أطول منه، وهناك أناس أقصر منه، وكل منهم ينتمي إلى مجموعة أصحاب القامات الطويلة بدرجة ما، وهناك أناس ينتمون إلى المنطقة الوسطى بين الطرفين. ففلان الذي قلنا عنه أنه طويل، يمكن أن ينعته بعض الناس أنّه صاحب قامة طويلة ولكن قد يكون هناك أناس آخرين يعتبرونه متوسط أو قصير القامة. من هنا جاءت النظرية المسماة نظرية المجموعات الضبابية (fuzzy sets) ويصاحبها علم المنطق الضبابي (fuzzy logic) لتقول أنّه لا يوجد هناك صح مطلق أو خطأ مطلق. فعبارة فلان طويل، التي تشير إلى أنه ينتمي إلى مجموعة أصحاب القامات الطويلة، لا تعتبر خطأ أو صح، بل هي بين الصحة والخطأ تحمل شيء من الصح و شيء من الخطأ.
ما أكثر الأمور في حياتنا التي نتعامل معها كمسلمات مطلقة، فلا نختلف فيها أبداً، ونتعامل معها بالمنطق الثنائي (صح أو خطأ). فمثلاً لا يمكن أن يكون شيء في مكانين في الوقت ذاته. هل منّا من يختلف مع هذه "الحقيقة المطلقة"؟ واستناداً إلى هذه المسلمة، نقوم ببناء برمجيات لكشف تضارب المواعيد مثلاً. فالمدرس لا يمكن أن يدرّس طلبة شعبتين في الوقت نفسه. وعلى هذا الأساس نبني برامج التدريس قبيل كل فصل. ولكن، حتى هذه "المسلمة"، التي تبدو بديهية وحقيقة مطلقة، هي ليست صحيحة بشكل مطلق، بل فيها شيء من الصحة وفيها كذلك شيء من الخطأ. منذ ثمانين عاماً، أثبت العلماء أنه يمكن أن تكون الأشياء في مكانين في الوقت ذاته على الأقل بالنسبة للذرات والأجسام تحت الذرية. فهناك تجارب تثبت أن الإلكترون يكون في ذرتين في آن واحد ، وأنه يستطيع المرور من فتحتين في الوقت ذاته(double slit experiment). وتحكم هذه الأجسام الصغيرة قوانين الفيزياء الكمية والتي لا تعترف بكثير مما نراه كمسلمات.
من واقع ما أسلفت أعلاه، يمكن القول أنّه لا أحد يمتلك الحقيقة مهما ادّعى بامتلاكها، ولا توجد مسلمات في العلم، كما لا توجد المسلمات في الشؤون الحياتية اليومية والسياسية والإدارية وغيرها من مناحي الحياة؛ أجل لا توجد حقائق مطلقة. فكل شيء قابل للنقد والنقص والبحث والتحري. لا يوجد شيء صحيح كلياً وشيء خطأ كلياً، فالأمور قد تحتمل الخطأ والصواب في آن واحد. فحتى أغرب الأفكار يمكنها أن تكون صحيحة، وحتى الأفكار التي تخرج عن المألوف وعن المعتاد أيضاً يمكن أن تكون صحيحة.
إذا اردنا ان ننشيء جيل قادر على تحمل اعباء العلم و النهوض بالامة و الصناعة و قادر على مواجه العدي المسلح بارقى الاسلحة التكنولوجية و العلمي والاقتصادية علينا ان نغير اسلوبنا في تدريس ابنائنا في المدارس والجامعات و ايضا اثناء قيامنا بواجب التربية في بيوتنا، إذ يجب أن نقر دوماً أن الأمور قد تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، وأنه لا يوجد صح مطلق وخطأ مطلق. فيجب أن نترك المجال للطالب ليفكر بطريقة خلاقة في فضاء واسع، وأن يبدي رأيه دون رهبة دون أن نفرض عليه ما نراه نحن صواب كأنه صواب مطلق وما يخالف رأينا هو الخطأ المطلق. علينا أن نبحث عن الصواب والخطأ في اراء ابنائنا في آن واحد، وعلينا أن نطرح المادة الدراسية والأفكار والمعلومات للطالب بطريقة يستطيع أن يرى من خلالها تعدد وجهات النظر وتعدد أطياف الإجابة، وأن نمكنه من أن ينقد تلك الوجهات ليتمكن من بناء وجهة النظر الخاصة به، لنرسخ هنا ثقافة تعددية حقيقية في التفكير وفي طرح وجهات النظر لتكون بديلاً عن الثقافة المتصلبة الجامدة المقيدة للإبداع والخطرة أحياناً.
هناك نظريات في علم النفس تقول أنّ الدماغ البشري يتكون من نصفين أيمن وأيسر؛ فالنصف الأيسر يتعامل مع الأمور بشكل منطقي جداً ( المنطق الثنائي) ومتسلسل جداً مرتب للغاية، لكن النصف الأيمن يفكر بطريقة شمولية إبداعية. والناس تستخدم كلا النصفين لكي تقوم بحل المشكلات اليومية، لكن هناك عادتا ميل الى استخدام أحد النصفين أكثر من غيره، وربما يفسر هذا أن بعض الناس يرفض المنطق غير الثنائي في الحياة. نحن نحتاج الى ان يعمل كلا نصفي ادمغتنا نحتاج الى التفكير المنطقي المتسلسل للقيام ببعض الامور و نحتاج الى الشمولية والابداع ايضا.
يقع على عاتقنا كأباء و كمدرسين ان نطلق ابداعات ابنائنا بافساح المجال لهم ان يفكروا بطريقتهم هم وليس بطريقتنا نحن. يجب ان نفسح المجال لهم بان يختلفوا عنا. يجب ان نتركهم يفكروا خارج القوالب الجاهزة المعدة سلفا. يجب ان لا نحول ابنائنا الى الات تعمل ضمن قواعد ثابتة لا تتغير. يجب ان لا نحول ابنائنا الى حواسيب لديها قدرة كبيرة على تخزين واسترجاع المعلومات دون فهم محتواها و دون القدرة على انتاج ما هوجديد وخلاق ومبدع. يجب ان لا نعلمهم ان واحد زائد واحد دائما و ابدا تساوي اثنين وان من يخالف البديهيات والقواعد الثابتة يعتبر سفيه او مجنون. يجب ان لانمارس على ادمغتهم سلطة تحدد لهم كيف يفكرون.
انطلاقا من هذه الفكرة لا يمكننا ان نقسم ابنائنا الى اذكياء و اقل ذكاءاً لا يجب ان نهمل الطالب المتأخر في دراسة الاكاديمية لان العيب ليس به. فقد يكون سبب عدم اهتمامه بالدراسة قلة قدرته على التفكير. يمكن ان تكون طريقة التدريس التي تستخدم في المدرسة و التي في كثير من الاحيان تحد من ابداعات المبدعين لاتباعها اساليب نمطية تعتمدعلى الحفظ والتكرار بدلا من الابداع و التميز هي ما يبعد بعض الطلبة الموهوبين من لن يحصلوا درجات علمية عالية. لو دققنا النظر الى كل ولد من اولادنا لوجدنا عنده موهبة في مجال ما و لوجدنا عنده الابداع في مكان ما.
نظامنا التعليمي لا يطلق ابداعات ابنائنا وهذا من اخطر ما قد نواجه. فوصول الطلبة المعتمدين على الحفظ الى المراتب العليا من الوظائف وقد يتحولوا الى مدرسين في الجامعات يفاقم المشكلة لانهم بالتاكيد سيقيسون طلابهم بنفس المقاييس التي قيسوا هم انفسهم بها. مما سنتج جيل اخر من من يعتقدون ان واحد زائد واحد دائما و ابدا يجب ان تساوي اثنين و ان من يخالف القواعد الراسخة يكون اما جاهل او مجنون.



#بكر_خلدون_عبد_الحق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساهمة في طريق وحدة اليسار في فلسطين


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - بكر خلدون عبد الحق - ليس دائماً 1+1=2