أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - أبو رائطة التكريتي















المزيد.....

أبو رائطة التكريتي


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 3005 - 2010 / 5 / 15 - 19:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



إنه حبيب بن خدمة/حديثة/حديبة؟ المعروف بأبي رائطة (بار رائيطا) التكريتي اليعقوبي السرياني، ملفونو، معلم لاهوتي أرثوذكسي وفيلسوف (ت. حوالي ٨٣٥م.) ومترجم مشهور، وترى الكنائس الشرقية، لا سيما القبطية، أنه كان مطرانا. وقد وصفه ديونوسيوس التلمحري بأنه “متبسّط في علم المنطق والفلسفة”. كان أبو رائطة من أوائل كتاب العربية عن الإيمان المسيحي ومع هذا لا نعرف عن حياته وشخصيته إلا القليل جدا. نقول عن الإيمان المسيحي لأن بوادر التراث العربي الذي أنتجه عرب مسيحيون تعود إلى أواخر القرن السادس وأوائل السابع، عدي بن زيد (ت. ٥٨٧) وقسّ بن سعد الإيادي (ت. ٦٠٠). وكان المستشرق الألماني جورج غراف (George Graf)، ذو الأيادي البيضاء في خدمة التراث العربي المسيحي، قد نشر أعمال أبي رائطة عام ١٩٥١ وترجمها للألمانية. أخذ أبو رائطة على عاتقه الإجابة والرد على أسئلة أثارها المسلمون حول طبيعة الديانة المسيحية في نصوص عديدة شاع بعضها. وهو الذي قام بنقل قرابة ثمانين آية أو شاهدا من العهد القديم إلى العربية لاستخدامها في هذه الأغراض اللاهوتية الدفاعية.

أكثرية سكان العراق في عهد أبي رائطة كانت مسيحية وكانت صاحبة العِلم في الطب والفلسفة والترجمة وأقلية مسلمة كانت صاحبة السلطة. ولقد هدفت كتاباته، رسائله الإحدى عشرة وخمس منها رد على الإسلام والباقية رد على الملكيين، إلى زرع بذور الثقة لدى إخوته في العقيدة اليعاقبة بأن ايمانهم وتقاليدهم مبنية على أرضية صلبة، الإيمان الصحيح وذلك عبر الأدلة من الكتاب المقدس من ناحية وعن طريق التفكير المنطقي من أخرى. وفضّل أبو رائطة استخدام التفكير العقلي المنطقي الذي برّز فيه لدحض ادعاءات المسلمين بأن الكتاب المقدس الذي بأيدي اليهود والمسيحيين قد حرّف. ومن ردوده التي ما زالت تتكرر في أيامنا ما ورد في رسالته “الثالوث المقدس” حيث يقول ما ملخّصه كيف من الممكن أن تكون نسخة أعدائنا اليهود للكتاب المقدس مماثلة للتي في أيدينا في كل بقعة من بقاع العالم؟ ومن الآيات التي يُدرجها أبو رائطة برهانا على الثالوث المقدس ما يلي: سفر التكوين ١: ٢، ١٩: ٢٤؛ سفر الخروج ٣٤: ٥، ٦؛ المزامير ٤: ٨، ، ٣٣: ٦، ٥٦: ١٠، ٦٨: ٢، ١٠٧: ٢٠؛ دانيال ٧: ٩-١٠، ١٣-١٤؛ زكريا ٦: ١٢؛ حبقوق ٣: ٤؛ ميخا ١: ٣. ويبدو أن الترجمة العربية للكتاب المقدس اعتمدت على الترجمة السريانية القديمة، البشيطتا أي البسيطة وهي النص الرسمي السرياني للتوراة لدى كنيسة الشرق ويعود تاريخها إلى القرن الثاني للميلاد. وفي تفسيره لسرّ الثالوث والعلاقة بين الآب والابن والروح القدس يقول “إنما وصفنا أنه متّفق في الجوهر، مفارق في الأقاينم، بمنزلة أضواء ثلاثة في بيت واحد” (ينظر مثلا في رسالة يوحنا الأولى ٥: ٧).

على ضوء مؤلفات أبي رائطة يمكن تجميع بعض الملامح في شخصيته مثل سعة علمه في اللاهوت والمنطق والفلسفة الأرسطوطالية والإسلام من ناحية وتواضعه اللافت للنظر من أخرى. ففي بداية رسالته في “الثالوث المقدس” يذكر عجزه عن بحث موضوع التثليث والتوحيد الشائك جدا. أضف إلى ذلك، نعلم أيضا أنه تجادل عن طريق ابن أخيه مع ثيودرس أبي قرّة أسقف حرّان بشأن الاختلاف بين السريان والملكية وكان ذلك بدعوة من الأمير الأرمني أشوط سنباط مساكر (ت. ٨٢٦م.) في أرمينيا. ونعلم أيضا عن سجنه في العراق ولكن دون معرفة سبب ذلك.

عاش أبو رائطة في فترة هامة تبلورت فيها المصطلحات اللاهوتية والفلسفية في اللغة العربية مثل: أبويّة، انبثاق، بعديّة، جنس، جوهرية، علّة، قبْلية، كوْن، ماهية، هيولي (لاحظ اللاحقة يّة للتعبير عن معان مجردة وقابلها قي عبرية القرون الوسطى بتأثير العربية اللاحقة וּת وتأتي معظم هذه الألفاظ مذكرة)، وفي بداية القرن التاسع للميلاد كانت العربية لغة رسمية في الإمبراطورية العربية وفي الفترة ذاتها ظهرت بدايات الترجمة العربية المنتظمة للكتاب المقدس. ومن المعروف أن الخليفة عبد الملك بن مروان (٦٨٥-٧٠٥م.) كان قد عرّب لغة الدواوين، لا سيما ديوان الخراج، وعرّب العملة عام ٦٩٤ وقام بتنظيم شؤون البريد. ودار جدال واسع في الأوساط البحثية حول موضوع بوادر الترجمة العربية لأجزاء معينة من الكتاب المقدس ومدى انتشارها. على ضوء ما لدينا من أدلة يمكن القول إنه ليس من المحتمل أن تكون هناك ترجمات عربية ذات شأن قبل ظهور الإسلام. ما وجد قبل الإسلام عبارة عن بعض النقوش العربية المقدسة. إن أقدم الترجمات العربية لنصوص من الكتاب المقدس هي تلك الموجودة في مخطوطات ديري مار سابا والقديسة كاترينا ويمكن تأريخها إلى مستهل القرن التاسع للميلاد. في هذه الفترة ترجمت بعض النصوص من العهد القديم للعربية مثل مزمور ٧٩ أما العهد الجديد برمته تقريبا كان مترجما للعربية وذلك لأغراض ليتورجية ودفاعية تبريرية.

في عصر أبي رائطة واجه المسيحيون هجوما وتحدياتٍ شنّها وأثارها مفكرون مسلمون حول مفاهيم مسيحية جوهرية: التوحيد والتثليث؛ التجسد؛ الفداء؛ الصلب والقيامة؛ التنزيل والوحي، الطبيعتان، اللاهوت والناسوت وهما سببا انقسام الكنيسة عام ٤٥١، والاتحاد. وقد تكون إضافة “إله واحد” في الابتهال “باسم الآب والابن والروح القدس، إله واحد، آمين” ردا لدرء الشرك في وحدانية الله، هذه الإضافة لا وجود لها مثلا في اللغات الأوروبية. ما وصلنا من مؤلفات لأبي رائطة هو إحدى عشرة رسالة أو مقالة قصيرة، خمس ترد على الإسلام وست ردّ على المسيحيين الملكيين. ومن سمات منهاجه في الجدال والحوار الديني المثمر توفر شروط معينة منها العلم والمحبة والمعرفة والاحترام المتبادل والإنصاف. وهو الذي قال “فنحن وأنتم في الكلام سواء” وكان هدفه في الحوار هذا التعرف على الآخر وإيجاد لغة مشتركة مع المسلمين. وفي مقالته في التوحيد والتثليث خاطب المسلمين قائلا: “...مع أننا، وإن كنا وافقناكم في مقالتكم بأن الله واحد، فما أبعد ما بين القولين، فيما تظنون ونصفُ! والشاهد على ما ذكرتُ: مخالفة صفتكم لوحدانيته صفتنا إياه”.

وفي مقالة له، عشرة أسطر فقط، برهن أبو رائطة فيها صحة المسيحية (مخطوط سباط ١٠١٧ بحلب، نسخ في القرن الخامس عشر):
١) “لا تخلو النصرانية من أن تكون: إمّا حقا، إما باطلا
٢) والذين قبلوها من أن يكونوا: إمّا عقلاء وإما جهلاء.
٣) والعقلاء لا يقبلون ما لا يصحّ بالقياس المعقول إلا بالقهر؛
٤) والجهّال لا يمتنعون من الانهماك في اللذات الدنيوية، إلا بالقهر.
٥) والقهر قهران: إما قهر بالسيف وإما قهر من الله بالآيات.
٦) ولم نر العقلاء ممن قبِل دين النصرانية قُهر بالسيف فيقبلون ما لا يصحّ بالقياس المعقول؛
٧) ولا الجهّال قُهروا بالسيف فيمتنعون من الانهماك في لذات الدنيا،
٨) وقد قبلها العقلاء بما لا يصحّ بالقياس المعقول؛
٩) وقبلها الجهال وهي تصدّ عن الانهماك في لذات الدنيا.
١٠) فقد قُهر الجميعُ بالآيات لا بالسيف.
١١) والآيات أدلّ دليل على أن الدين الذي تكون فيه هو الدين الصحيح عند الله، عزّ وجلّ”.
والشريعة المسحية تطابق هذه المقدّمات
جوهر الفكرة هنا، الإيمان بما قد يكون غير معقول والتمسك بالفضيلة قولا وفعلا وينظر رومية ١: ١٤.




مراجع مختارة

أبو رائطة التكريتي ورسالته في الثالوث المقدس، دراسة ونص بقلم الأب سليم دكاش اليسوعي. حلب ١٩٩٦.
الخوري، بولس، مواد لدراسة المجادلة المسيحية الإسلامية في العصر الوسيط: الكلمة المتجسّدة عند المسيحيين. المكتبة البوليسية، جونيه ـ لبنان، طبعة أولى، 2004
جزء أول: 428 صفحة وجزء ثانٍ: 372 صفحة.
دكاش، سليم، أبو رائطة التكريتي ورسالته في الثالوث المقدس.دار المشرق ١٩٩٦
قنواتي، جورج، المسيحية والحضارة العربية. دار الثقافة ١٩٩٢

Bibliographie du dialogue islamo-chrétien, dir. Caspar, Islamochristiana, Pontificio Istituto di Studi Arabi e d’Islamistica, Roma.
http://alkindi.ideo-cairo.org/controller.php?action=SearchRequest&typeSearch=auteurOuvrage&id=9178&lang=ar
Georg Graf, Die Schriften des Jacobiten Ḥabib Ibn Ḥidmah Abū Ra iṭa, coll. (Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium ). Louvain 1951



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة في‏ ‬ذكرى مارتن لوثر كنچ
- نافذة على الروما (النَّوَر أو الغَجَر)
- حول الحروف في العبرية ومعانيها
- ثلاثة مخطوطات سامرية في مكتبة المعهد الألماني البروتستانتي ل ...
- عبد المعين صدقة، الكاهن الأكبر، في ذمّة الله
- “جرزيم ” وسلامة العربية
- فدية الابن البكر في اليهودية
- بن يهودا وإحياء اللغة العبرية الحديثة
- إليعزر بن يهودا، أبو اللغة العبرية الحديثة
- -أنا من اليهود- وعربيته
- خلّيه في القلب يجرح ولا يطلع لبرّا ويفضح
- حول ترجمة شعر عبري حديث إلى العربية
- العربية في الغرب
- عيّنة من الأمثال في اللغة الفنلندية
- حول تأثير العربية على عبرية “سيفر هعولام” تأليف ابن عزرا
- أنت إسرائيلي؟
- كنيسة الجسمانية
- ومضات حول التفكير العلمي
- حول بعض القيم الأخلاقية
- النقد الموضوعي ضروري جدا


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - أبو رائطة التكريتي