أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( 16 ) وعظ السلاطين: زياد ابن أبيه الواعظ السفاح :















المزيد.....



( 16 ) وعظ السلاطين: زياد ابن أبيه الواعظ السفاح :


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3001 - 2010 / 5 / 11 - 07:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


( 16 ) وعظ السلاطين: زياد ابن أبيه الواعظ السفاح :
أولا : زياد المستبد السفاح
1 ـ بمجرد أن ألقى زياد بن أبيه خطبته البتراء فى البصرة بعد أن ولاّه معاوية عليها والتى أعلن فيها أحكامه العرفية بادر بتطبيق تهديداته ، فاستعمل على شرطته عبد الله بن حصن ، وأعطى مهلة للناس قبل فرض حظر التجول ليلا ، فكان يؤخر صلاة العشاء ، ثم يصلي صلاة العشاء، وبعد الصلاة يأمر رجلًا أن يقرأ سورة البقرة أو مثلها ، وهويرتل القرآن بتأن، فإذا فرغ من تلاوته المتمهلة انتظر زياد مدة أخرى بقدر ما يرى أن إنسانًا يبلغ أقصى مدينة البصرة . بعدها يكون موعد حظر التجول . أى نتصور موعد حظر التجول قبل منتصف الليل بساعتين تقريبا ، عندها يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج فلا يرى إنسانًا فى الطريق إلا قتله مهما كان عذره ، فقد أخذت الشرطة ذات ليلة أعرابيًا جاء للبصرة غريبا فأتى به زيادًا فقال‏ له :‏ هل سمعت النداء ؟ فقال‏:‏ لا والله‏!‏ قدمت بحلوبة لي (أى ناقة ليبيع حليبها ) وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع وأقمت لأصبح ، سسولا علم لي بما كان من الأمير‏.‏ فقال‏:‏ أظنك والله صادقًا ولكن في قتلك صلاح الأمة‏.‏ ثم أمر به فضربت عنقه‏.‏ ) أى لم يدع حجة أو عذرا لأحد حتى يطبق حظر التجول بكل دقة.
2 ـ. وشأن كل مستبد حرص زياد على تأمين نفسه فكان يسير بالحرس حوله ، وهو أول أمير فعل ذلك ، وأقام فى المسجد الكبير بالبصرة خمسمائة من الحرس لا يفارقونه . وكانت خراسان تابعة لولاية البصرة ،أى داخلة فى حكم زياد . وقد قام زياد بتقسيمها أرباعا ، وجعل لكل قسم واليا من عنده ، .
3 ـ وبسبب نجاحه فى البصرة أضاف اليه معاوية حكم الكوفة بعد موت واليها المغيرة بن أبى شعبة عام 50 هجرية ، فكان زياد أول وال حكم البصرة و الكوفة معا. ومن طريف ما حدث أنه لما جاءه الأمر من معاوية بولايتها ـ وكانت فى حالة التمرد المعهود فلما وصل الكوفة (خطبهم ، فحصبوه وهو على المنبر، ) أى رموه بالحصى والطوب ، ( فجلس حتى أمسكوا ، ثم دعا قومًا من خاصته فأمرهم فأخذوا أبواب المسجد . ثم قال‏:‏ ليأخذ كل رجل منكم جليسه ولا يقولن لا أدري من جليسي . ثم أمر بكرسي فوضع له على باب المسجد، فدعاهم أربعةً أربعةً يحلفون‏:‏ ما منا من حصبك ، فمن حلف خلاه ومن لم يحلف حبسه حتى صار إلى ثلاثين وقيل‏:‏ إلى ثمانين ، فقطع أيديهم على المكان‏.‏) وبعدها اتخذ زياد المقصورة فى المسجد حتى لا يحصبوه . ‏.‏
4 ـ واعتاد زياد أن يقيم فى البصرة ستة أشهر وبالكوفة ستة أشهر . ويولى نائبا عنه ، فلما سافر الى الكوفة استخلف فى البصرة نائبا عنه هو سمرة بن جندب . وفى نيابته على البصرة أسرف سمرة بن جندب فى قتل الناس ، حتى قال ابن سيرين ‏:‏ قتل سمرة في غيبة زياد هذه ثمانية آلاف‏.‏ أى قتل هذا العدد خلال ستة أشهر فقط . ‏ وركب سمرة يومًا فلقي أوائل خيله رجلًا فقتلوه فمر به سمرة وهو يتشحط في دمه فقال‏:‏ ما هذا فقيل‏:‏ أصابه أوائل خيلك‏.‏ فقال‏:‏ إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا‏.‏ .
وحين رجع زياد وعلم باسراف نائبه فى القتل لم يزد أن سأله :‏ أتخاف أن تكون قتلت بريئًا فقال‏:‏ لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت‏.‏.
ثانيا : ولنا ملاحظات :
1 ـ توسع زياد ونائبه فى القتل ( السياسى ) بمجرد الظن والتخمين وافتراض العداء لدى الخصوم . وكان هو القاضى و المشرع والجلاد ، شأن كل حاكم مستبد . لذلك قيل فى سيرة زياد : (وكان زياد أول من شدد أمر السلطان ، وأكد الملك لمعاوية ، وجرد سيفه ، وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة ) أى كان يقتل الناس بمجرد الشبهة ومجرد الاتهام دون دليل ودون أخذ بعذر للمتهم.
لذا قيل عنه ( وخافه الناس خوفًا شديدًا حتى أمن بعضهم بعضًا وحتى كان الشيء يسقط من يد الرجل أو المرأة فلا يعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه ، ولا يغلق أحد داره )أى حقق الأمن للناس بتلك القوانين الاستثنائية . وتوسع زياد فى مد منطقة الأمن خارج مدينة البصرة فى الصحراء وزاد عدد رجال الشرطة الى أربعة آلاف ، وفى نفس الوقت وفى بوعده فأعطى الناس اعطياتهم ، وبنى مدينة جديدة هى مدينة الرزق .
أى إن زيادا فى استبداده وقتله الناس ـ العوام والمتمردين ـ بمجرد الشبهة فقد حقق بعض الايجابيات منها حفظ الأمن ، وبتعبير عصرنا فأن الأمن السياسى لم يطغ على الأمن الجنائى ، كما أنه وفّى وعده باعطاء الحقوق المالية ـ أو العطاء أو الرواتب للناس ، وكان من الطبيعى ان يتخذ من المنح والاعطاء فرصة لاحكام سيطرته على زعماء القبائل .
2 ـ إن المقارنة مؤلمة بين وضع المصريين والعرب والمسلمين اليوم ـ فى عصر حقوق الانسان ، وبين العراقيين فى عصر زياد فى القرون الوسطى . لو قارنت زياد بن أبيه بمستبد عربى فى زماننا البائس لاضطررت لأن ترفع القبعة تحية لزياد ابن أبيه ، حتى لو لم تكن تلبس قبعة .
3 ـ إن زيادا فى تناغمه مع ثقافة العصور الوسطى كان ينظر للناس على أنهم ( الرعية ) أو الأنعام . وهذا وصف العصور الوسطى للشعب والعوام ، فلم يكن لأى فرد من العوام اى إعتبار أو تقدير ، موته وسجنه بمجرد كلمة من الوالى . ورأينا عدم الاهتمام بحياة عابر سبيل سقط قتيلا بين سنابك خيل الجند ، وكل ما استحق فى تأبينه هو قول نائب زياد : (إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا ). وكل المئات الذين قتلهم نائب زياد فى غيبته لم يستحقوا عند زياد إلا مجرد تساؤل عابر : (:‏ أتخاف أن تكون قتلت بريئًا فقال‏:‏ لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت‏.‏. ) لا استنكار ولا اعتراض ولا تأنيب ولا محاسبة على قتل نفس بريئة طبقا للشرع الاسلامى فى القرآن الكريم.
3 ـ إذن نحن أمام تطبيق لشرع جديد ، هو ( الشريعة السنية).
زياد من السابقين فى تطبيق الشرع السّنى :
1 ـ وهناك حقيقتان عن الشريعة السنية :
الأولى إن تطبيقها سبق التقنين و التأطير والكتابة فيها ، فكل ما ( فعله ) الصحابة من خروج عن الاسلام بعد موت خاتم المرسلين عليهم السلام تم صنع شريعة له فيما بعد بالأحاديث والتفاسير و الأقاصيص والفتاوى . أى سبق الفعل والتطبيق ثم جاء القول فى التشريع لما تم تطبيقه سلفا. يسرى هذا على بيعة السقيفة و الفتوحات و القتل السياسى ، وحصر الامامة والملك فى قريش . وحتى ما جرى فى سيرة زياد بن أبيه جرى فيه الخلاف التشريعى فى الاستلحاق بنسب أبى سفيان ، وتمت فيه صياغة روايات منها ما يدخل فى إطار وعظ السلطان..
والثانية :إن تطبيقها فى البداية استند على استخدام الشرعية الاجتماعية العربية البدوية ، وتلك الشرعية الاجتماعية العربية البدوية تستند بدورها الى ثقافة العصور الوسطى التى عاش بها الأمويون قبل نزول القرآن ، ثم أعادوا تطبيقها فى دولتهم . ونلمح هاتين الحقيقتين فى تاريخ زياد ابن أبيه .

2 ـ إذ كان زياد حريصا على أن يكتسب شرعية اجتماعية من رءوس القبائل و من بقى حيا من الصحابة ، وأبنائهم (أى التابعين ). واستخدم زياد هذه الشرعية بالموافقة أو السكوت وعدم الاعتراض فى تأكيد وتثبيت كل ما يفعله من استبداد وتطبيق للطوارىء والأحكام العرفية ، والتى بموجبها قتل بعض العشرات من المفسدين كمقابل لقتل عشرات المئات من خصومه السياسيين ظلما وعدوانا. وفى حرص زياد على هذه الشرعية كان يستخدم أعيان الصحابة ـ ممن بقى على قيد الحياة حتى عصره . فقيل : ( واستعان زياد بعدة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم‏:‏ عمران بن حصين الخزاعي ولاه قضاء البصرة وأنس بن مالك وعبد الرحمن بن سمرة وسمرة بن جندب‏.‏ )
3 ـ أولئك الصحابة من رواة الأحاديث ، اشتهروا بعد موت النبى بعدة عقود ، لأنهم كانوا من بقى حيا ورأى النبى وسمعه وصحبه ،وجاء جيل جديد سمع بالنبى ولم يره ، فكان متشوقا لأن يتعرف أخباره ، فأصبح أولئك الصحابة فى عصر التابعين مرجعية ، يأتى اليهم الناس منبهرين بهذا الصحابى الذى رأى النبى وتكلم معه و لمسه بيده ، والذى أدرك أيضا أبا بكر وعمر وعثمان ..وحضر معهم الملاحم والوقائع .وقتها كان أولئك الصحابة قد بلغوا أرذل العمر ، وما يعنيه ذلك من ضعف فى الذاكرة و نسيان وتخبط عقلى ، ولكنهم استخدموا شهرتهم فى أن يحكوا عن النبى ما يشاءون ، دون رقيب أو حسيب ، وينقل عنهم الرواة من التابعين نقلا شفهيا للجيل التالى ( من تابعى التابعين ) ثم للجيل التالى ، وما بعده..الى أن تم التدوين فى العصر العباسى حسبما يرى وحسبما يشاء من قام بالكتابة والتدوين . وهكذا تم تدوين الدين السّنى وشرعه من حديث وسيرة ، وتمت نسبتها لأولئك الصحابة بعد تشتت الروايات الشفهية عبر الزمان وتعدد المكان .
والملاحظ أن صغار الصحابة الذين امتد بهم العمر فادركوا الدولة الأموية كانوا الأكثر فى الرواية من كبار الصحابة وأكثرهم ملازمة للنبى محمد . فالمرويات فى الأحاديث قليلة عن أبى بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعبيدة بن أبى الجراح و طلحة بن عبيد الله و سعد بن أبى وقاص ، بينما تجد صغار الصحابة الذين امتد بهم العمر وأدركوا الدولة الأموية تكاثرت عنهم الروايات مثل أنس بن مالك وأبى هريرة وابن عباس.
أولئك الصحابة المتأخرون زمنا هم الصناع الحقيقيون للدين السّنى فى فترة روايته الشفهية ، وقد عمل معظمهم فى خدمة السلطان الجائر مساندا لظلمه . يكفينا هنا الصحابى ( الجليل ) : أنس بن مالك الذى رأى النبى وهو صغير ، ولكن اكتسب شهرة عريضة بسبب حياته الممتدة بعد موت النبى ، والطريف أنه كان فى بدايته خادما للنبى فاصبح فى سيخوخته خادما لزياد ابن أبيه . من حق القارىء العاقل أن يطلق صرخة تعجب حين يكتشف أن أنس بن مالك ـ أحد الروافد الكبرى للدين السنى ـ كان خادما لزياد ابن أبيه . بالضبط كما كان أبو هريرة خادما ليزيد بن معاوية و مروان بن الحكم غلمان بنى أمية فى خلافة معاوية . والمستفاد من هذه الحقيقة التاريخية أن وظيفة الدين السّنى : أن يسير فى ركاب السلطان ، ليس أى سلطان ، ولكن السلطان الجائر . وإلا فلم نسمع أن أبا هريرة احتج على معاوية أو مروان ، ولم نسمع أن أنس بن مالك انتقد زياد بن أبيه . فهل كان الأمويون ملائكة أم كان صانعو الدين السّنى شياطين الإنس ؟ الاجابة فى قوله جل وعلا :(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(الأنعام 112)
ثالثا : قتل حجر بن عدى عام 51 فى ضوء التطبيق السّنى
1 ـ كانت بداية مرعبة لولاية زياد على الكوفة أن أمر بقطع أيدى من حصبه فى المسجد . لم يفهمها حجر بن عدى زعيم الشيعة فى الكوفة فانتهى أمره بالقتل . ولم يفهم حجر رسالة أخرى ، إذ قتل زياد أحد الخوارج بمجرد التهمة ، وهو أوفى بن حصن ، وكان أول قتيل قتله زياد بالكوفة ، وكان بلغه عنه شيء فطلبه فهرب فعثر عليه وقتله . ربما فهم حجر بن عدى أن زيادا لا يجرؤ على النيل منه وهو احد قادة الفتوحات وأكبر زعيم للشيعة وأحد الكبار فى قبيلة كندة .
لم يفهم حجر أن معاوية قد دخل فى تخطيط جديد وخطير هو التوريث ، ولا بد لنجاحه من ارهاب القادة قبل العوام . لذلك كان حجر وصحبة هم كبش الفداء للتوريث . كان الأمر مدبرا ضمن مخطط إنجاح التوريث .
2 ـ وكما قلنا فإن زيادا حرص على الحصول على شرعية اجتماعية أو موافقة مسبقة لكل ما يريد ارتكابه من جرائم ، وأهمها الايقاع بحجر وأصحابه حتى يتخلص من معارضته القولية وانكاره لقيام الأمويين بلعن (على ) على المنابر فى خطبة الجمعة .
وتم الحصول على تلك الشرعية الاجتماعية بشهادات زور وقعها كبار القوم أو (الملأ ) المعبر عن المجتمع العربى ، لذا تقول الروايات أن زيادا بعد أن اعتقل حجرا واثني عشر من أصحابه استدعى رءوس القبائل ، وكانوا أربعة ، كل منهم يسيطر على ربع من أرباع مدينة البصرة ، وهم يومئذ ‏:‏ (عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة وخالد ابن عرفطة على ربع تميم وهمدان وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة وأبو بردة بن أبي موسى الأشعرى على ربع مذحج وأسد ) وطلب منهم شهادة زور يتم بها قتل حجر بن عدى ، ( فشهد هؤلاء أن حجرًا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب ووثب بالمصر وأخرج عامل أمير المؤمنين وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه وأن هؤلاء النفر الذين معه هم رؤوس أصحابه على مثل رأيه وأمره‏.) أى طبقا لهذه الشهادة فان حجر تزعم حركة مسلحة ضد الأمويين ، وطالما تم القبض عليه فمصيره القتل .
على أن زيادا لم تكفه شهادة الزور من اولئك فقط ، فطلب تدعيمها بشهادات أخرى من كبار التابعين وأبناء الصحابة المشاهير ، تقول الرواية : (‏ ونظر زياد في شهادة الشهود وقال‏:‏ إني لأحب أن يكونوا أكثر من أربعة فدعا الناس ليشهدوا عليه فشهد إسحاق وموسى ابنا طلحة بن عبيد الله والمنذر ابن الزبير وعمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم ). ثم بعث بحجر وأصحابه الى معاوية ومعهم تلك الشهادات الزور الكفيلة بقتلهم . ( وكانوا‏:‏ حجر ابن عدي الكندي والأرقم بن عبد الله الكندي وشريك بن شداد الحضرمي وصيفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسي وكريم بن عفيف الخثعمي وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلي وكدام بن حيان وعبد الرحمن بن حسان العنزيين ومحرز بن شهاب التميمي وعبد الله بن حوية السعدي التميمي فهؤلاء اثنا عشر رجلًان وأتبعهم زياد برجلين وهما‏:‏ عتبة بن الأخنس من سعد بن بكر وسعد بن نمران الهمداني فتموا أربعة عشر رجلًا‏.‏ ).
3 ـ هنا جريمة تزوير على الملأ ، تؤكد على طبيعة أن الدين السّنى يقوم على الكذب والتزوير ، ليس فقط فى كذب مخضرمى الصحابة على النبى بعد موته ، ولكن ايضا فى الكذب علنا وعلى رءوس الأشهاد فى قضية المتهم فيها لا يزال حيا يتنفس ، وهوبرىء مما ينسبونه اليه ، ويشهد بهذا الزور علية القوم فى البصرة من رءوس القبائل و أبناء الصحابة المشهورين ، ويترتب على جريمة التزوير هذه قتل أنفس بريئة .
4 ـ والموافقة هنا تؤسس سابقة تشرع التزوير كما تشرع القتل طبقا لهوى السلطان . والسلطان هنا وهو زياد بدأ حكمه بالوعظ فى خطبته البتراء ، وارتكب جرائم منها لعن (على ) فلما وعظه حجر محتجا عليه اعتقله و اعتقل اصحابة و ألزم كبار القوم بكتابة شهادة زور لقتلهم . ولم يجد واعظا يقول له ( عيب يا واد ) (..أين وعظك يا أنس بن مالك ؟ وأين أنت يا عمران بن حصين الخزاعي و أين أنت ياعبد الرحمن بن سمرة ويا سمرة بن جندب‏.‏ ..! ). ربما كان حجر بن عدى وصحبه يقولون ذلك وهم فى ظلمة الأسر ينتظرون القتل.!
5 ـ وبعد قتل حجر وأصحابه اشتد زياد فى اضطهاد ومطاردة الشيعة وقتل المثقفين منهم ( وكانوا وقتها يلقبون بالقرّاء ، اى من يداوم على قراءة القرآن ) . قال أبو السوار العدوي‏:‏( قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلهم قد جمع القرآن‏. ) وسمرة هو نائب زياد على البصرة. ولم يف زياد بعهد ولا وعد ، تقول الرواية : ( فأتي بقبيصة بن ضبيعة العبسي بأمان فحبسه ) أى أعطاه الأمان لو سلّم نفسه ، فلما سلّم نفسه للشرطة وجىء به اليه ،أمر زياد ليس بالافراج عنه طبقا للامان ، ولكن بسجنه.
أى شمل الاضطهاد الاعتقال لجميع الشيعة ، تقول الرواية (وجد زياد في طلب أصحاب حجر فهربوا وأخذ من قدر عليه منهم‏.‏ ) . ومن بقى منهم كاتما أنفاسه منعهم زياد من اجتماعهم فى بيوتهم : ( وهدد عمرا بن الحمق ـ زعيم الشيعة بعد مقتل حجر بن عدى ـ ومنعه من اجتماعه بالشيعة فى بيته ، وقال له : (‏ما هذه الجماعات عندك ؟ من أردت كلامه ففي المسجد ) ، أى تحت مراقبة الحراس فى المسجد ، أى منع الاجتماعات الخاصة فى البيوت ، فكان إماما للمستبدين العرب فى أيامنا السوداء.!
ولم يتورع عن استخدام التعذيب . والتعذيب أساس الاستبداد ، فهو الطريقة الوحيدة لارهاب الناس حتى يتنازلوا عن حقوقهم ولارغامهم على قبول ما يرفضون . وقد أرهب زياد الشيعة بالتعذيب ليلزمهم بلعن ( على ) . وكانت عيونه وجواسيسه تتبع وتراقب الشيعة ، تقول الرواية : ( وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له‏:‏ إن امرًءا منا يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حجر) وبناء على هذه الوشاية جىء بالمسكين ابن فسيل الى زياد . وننقل الحوار بينهما : (‏.‏فبعث زياد فأتي به . فقال‏:‏ يا عدو الله ما تقول في أبي تراب ؟ قال‏:‏ ما أعرف أبا تراب‏.‏ فقال‏:‏ ما أعرفك به‏!‏ أتعرف علي بن أبي طالب ؟ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فذاك أبو تراب‏.‏قال‏:‏ كلا‏.‏ ذاك أبو الحسن والحسين‏.‏ فقال له صاحب الشرطة‏:‏ يقول الأمير هو أبو تراب وتقول لا‏!‏ قال‏:‏ فإن كذب الأمير أكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد . فقال له زياد‏:‏ وهذا أيضًا ؟ علي بالعصا .! فأتي بها فقال‏:‏ ما تقول في علي قال‏:‏ أحسن قول‏.‏قال‏:‏ اضربوه . فضربوه حتى لصق بالأرض ثم قال‏:‏ أقلعوا عنه . وسأله : ما قولك في علي؟ قال‏:‏ والله لو شرحتني بالمواسي ما قلت إلا ما سمعت مني‏.‏ قال‏:‏ لتلعننه أو لأضربن عنقك‏!‏ قال‏:‏ لا أفعل‏.‏ فأوثقوه حديدًا وحبسوه‏.‏ )
نقولها مرة أخرى : ( أين وعظك يا أنس بن مالك ؟ وأين أنت يا عمران بن حصين الخزاعي و أين أنت ياعبد الرحمن بن سمرة ويا سمرة بن جندب‏.‏ ..! ). ربما كان ذلك الشيعى الشجاع ـ مجهول الاسم ـ (صيفي بن فسيل ) يقول ذلك وهو ينزف دما رافضا لعن على بن أبى طالب .!
رابعا : أصداء قتل حجر
1 ـ وجدير بالذكر أن معاوية استخدم كل دهائه لاحتواء الغضب الناتج عن قتل حجر . ومنها ما كان نذيرا بنشوب حرب أهلية . فلقد كان مالك بن هبيرة السكونى ممن تشفع فى حجر لدى معاوية فلم يقبل معاوية شفاعته ، فكان أن جمع مالك قومه وسار بهم الى مرج عفراء لينقذ حجرا وأصحابه ، وفى الطريق قابله الجند الذين أتموا مهمة قتل حجر وأصحابه ، فلما علموا أنه جاء لينقذ حجرا قالوا له أن حجرا قد تاب و أنقذ نفسه من القتل ، وانهم فى طريقهم الى معاوية ليخبروه بتوبة حجر. فأراد أن يتأكد من قولهم فاستمر فى سيره فوصل الى مرج عذراء وعرف بقتل حجر وأصحابه ، فرجع بقومه ليطارد القتلة ، ولكنهم كانوا قد سبقوه الى معاوية وأخبروه بموقف مالك . كانوا يتوقعون أن يرسلهم معاوية لحرب مالك بن هبيرة السكونى وقومه ، ولكن معاوية ( قال لهم : " إنما هي حرارة يجدها في نفسه وكأنها طفئت ".). وفعلا . عاد مالك إلى بيته وهدأ ، إلا إنه لم يأت الى مجلس معاوية كعادته . فلما تغيب فى تلك الليلة أرسل إليه معاوية بمائة ألف درهم (وقال‏:‏ ما منعني أن أشفعك إلا خوفًا أن يعيدوا لنا حربًا فيكون في ذلك من البلاء على المسلمين ما هو أعظم من قتل حجر‏.‏ فأخذها وطابت نفسه‏.‏ ).
2 ـ قتل حجر أثار عاصفة من الانكار ، وتوالت رسالات الوعظ واللوم لمعاوية ، فاستقبلها استقبالا حسنا ، فقد حقق ما يريد ، ولن يخسر سوى بعض الكلمات الطيبة التى يهدىء بها النفوس . إذ حين بلغ خبر حجر عائشة أرسلت عبد الرحمن بن الحارث إلى معاوية للتشفع فيه وفي أصحابه، فقدم عليه عبد الرحمن بن الحارث بعد أن قتلهم ، فقال له عبد الرحمن‏:‏ أين غاب عنك حلم أبي سفيان ؟ قال‏:‏ حين غاب عني مثلك من حلماء قومي وحملني ابن سمية فاحتملت‏.‏) . وبهذه الكلمة الخادعة المادحة استرضى الواعظ .
3 ـ وقالت عائشة‏:‏ لولا أنا لم نغيّر شيئًا إلا صارت بنا الأمور إلى ما هو أشد منه لغيّرنا قتل حجر ، أما والله إن كان ما علمت لمسلمًا حجاجًا معتمرًا‏.‏ ). وهذا القول يعكس حالة نفسية شملت معظم المسلمين وقتها . كانوا لا يزالون يعانون من آلام الحرب الأهلية فى جمل وصفين ، ولا يريدون استرجاعها بسبب مقتل حجر أو غير حجر . ولقد أجاد معاوية العزف على هذا الوتر بالتخويف من عودة الحرب مرة أخرى .
4 ـ وأدلى الحسن البصرى برأيه معبرا عن فقهاء عصره: ( قيل‏:‏ ولما بلغ الحسن البصري قتل حجر وأصحابه قال‏:‏ صلوا عليهم وكفنوهم ودفنوهم واستقبلوا بهم القبلة قالوا‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ حجوهم ورب الكعبة‏!‏ ). أى اعترفوا باسلامهم وقتلوهم مسلمين ، وعاقبة قتل المسلم المسالم الخلود فى النار. وتلك هى حجة الضحايا المقتولين على قاتليهم .
وقال الحسن البصري‏:‏ أربع خصال كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة‏: انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة ، واستخلافه بعده ابنه سكيرًا خميرًا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير ، وادعاؤه زيادًا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الولد للفراش وللعاهر الحجر‏)‏ وقتله حجرًا وأصحاب حجر ، فيا ويلًا له من حجر‏!‏ ويا ويلًا له من حجر وأصحاب حجر‏!‏ )
5 ـ وأصبح قتل حجر أحد معالم بؤس الكوفة : ( قيل‏:‏ وكان الناس يقولون‏:‏ (أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر ودعوة زياد ).لأنه بموت الحسن ضاع أمل الكوفة فى أن تكون عاصمة بدلا من دمشق ، إذ كان مفترضا أن يتولى الحسن بن على الخلافة بعد معاوية فقتله معاوية بالسم . والكوفة كانت مستقرا للحسن . وكانت الكوفة أيضا مستقرا للشيعة ففقدت الكثير بقتل حجرو أصحابه . ثم يضاف الى ذلك استلحاق زياد.
6 ـ وقالت هند بنت زيد الأنصارية ترثي حجرًا وكانت تتشيع‏:‏
ترفع أيها القمر المنير تبصر هل ترى حجرًا يسير
يسير إلى معاوية بن حربٍ ليقتله كما زعم الأمير
تجبرت الجبابر بعد حجرٍ وطاب لها الخورنق والسدير
وأصبحت البلاد له محولًا كأن لم يحيها مزنٌ مطير
ألا يا حجر حجر بني عدي تلقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أردى عديًا وشيخًا في دمشق له زئير
فإن تهلك فكل زعيم قومٍ من الدنيا إلى هلكٍ يصير
خامسا : صنع روايات فى تاريخ زياد :
وبعض الروايات التى قيلت فى موضوع حجر يشوبها الشك ، ويبدو عليها الاختلاق و الصنع .
ونعطى منها أمثلة :
1 ـ ( قال ابن سيرين‏:‏ بلغنا أن معاوية لما حضرته الوفاة جعل يقول‏:‏ يومي منك يا حجر طويل‏!‏ ) فأين عرف ابن سيرين ـ وكان يعيش فى البصرة ـ بما قاله معاوية الذى كان يموت فى دمشق ؟ وابن سيرين لم يذكر الراوى الذى اخبره، على فرض حدوث هذه الرواية . ولقد ارتكب معاوية من الجرائم قبل صفين وبعدها ما يهون الى جانبه قتل حجر . فكيف يكون يومه طويلا بسبب قتل حجر فقط ؟
2 ـ وهناك رواية أخرى كاذبة تزعم أن عاملا لمعاوية على خراسان إسمه الربيع بن زياد الحارثى تأثر بقتل حجر فدعا الله جل وعلا قائلا : اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل، فلم يبرح من مجلسه حتى مات‏.‏ ) فهل كان هذا الوالى التابع لزياد رجلا صالحا مستجاب الدعوة الى درجة ان يستجاب له بسرعة ؟ ومعلوم ان الطيور على اشكالها تقع ،وأن الظالمين بعضهم اولياء بعض ، وأن الولاة على دين ملوكهم وإلا ما صاروا تابعين لهم.
3 ـ وترتب على هذه الرواية اسطورة أخرى تزعم أن حجر بن عدى كان مجاب الدعوة ، وصدق الناس هذه الرواية حتى أصبح قبره مشهورا بالتوافد اليه فى العصور اللاحقة ، وسجلت ذلك الكتابات المتأخرة فى ترجمة حجر ، كأن يقال فى (الاصابة ):( وكان حجر في ألفين وخمسمائة من العطاء، وكان قتله سنة إحدى وخمسين، وقبره مشهور بعذراء وكان مجاب الدعوة‏.‏ أخرجه أبو عمر وأبو موسى‏.‏ )
4 ـ وابن الجوزى زعيم القصّاص فى عصره كان ممن روّج لاسطورة ان حجر كان مستجاب الدعوة ، وكعادته فإنه كان يصنع اسنادا كاذبا لكل ما يورده من أخبار وروايات ، يقول فى ترجمة حجر : ( قال أحمد وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا يوسف بن يعقوب الواسطي وأثنى عليه خيراً قال حدثنا عثمان بن الهيثم قال حدثنا مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يقول وقد ذكر معاوية وقتله حجراً وأصحابه ويل لمن قتل حجر وأصحب حجر قال أحمد قلت ليحيى ابن سليمان أبلغك أن حجراً كان مستجاب الدعوى قال نعم وكان من أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ). ولو كان حجر مستجاب الدعوة كما يزعمون فكان يكفيه أن يدعو على القوم الظالمين بدلا من أن يتركهم يذلونه ويقتلونه وأصحابه .
سادسا : صنع روايات تنتقم من زياد وتعظ غيره
وتوجهت بعض الروايات المصنوعة نحو زياد تنتقم منه ، وتوجه وعظا خفيا غير مباشر لكل حاكم ظالم يسلك مسلك زياد ، وتحذره مما حاق بزياد عند الموت ـ حسب زعمهم .
1 ـ : فإحدى الروايات تجعل موت زياد بسبب دعاء بعض الصحابة عليه ، وتقول الرواية عن زياد ( بالكوفة في شهر رمضان‏.‏وكان سبب موته أنه كتب إلى معاوية‏:‏ إني قد ضبطت العراق بشمالي ويميني فارغة فاشغلها بالحجاز‏.‏ فكتب له عهده على الحجاز فبلغ أهل الحجاز فأتى نفرٌ منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب فذكروا ذلك فقال‏:‏ أدعو الله عليه ثم استقبل القبلة‏.‏ ودعا ودعوا معه وكان من دعائه أن قال‏:‏ اللهم اكفنا شر زياد‏.‏فخرجت طاعونةٌ على إصبع يمينة فمات منها‏) . أى دعوا عليه فأصابه الطاعون فمات . وتنتهى رواية أخرى بدعاء عبد الله بن عمر عليه : ( فلما بلغ موته ابن عمر قال‏:‏ اذهب ابن سمية لا الآخرة أدركت ولا الدنيا بقيت عليك‏.‏ ) وتقول رواية أخرى : ( قال أبو عمر‏:‏ روينا أن زياداً كتب إلى معاوية أني قد أخذت العراق بيميني وبقيت شمالي فارغة - يعرض له بالحجاز فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال‏:‏ اللهم اكفنا شمال زياد فعرضت له قرحة في شماله فقتلته، ولما بلغ ابن عمر موت زياد قال‏:‏ اذهب إليك ابن سمية فقد أراح الله منك‏.‏ )
2 : وبعض الروايات تجعل زيادا يتنبأ بموته قبل موته : ( أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن محمد بن عبد الكريم قال‏:‏ حدثنا الهيثم بن عدي قال‏:‏ حدثنا مجالد عن الشعبي قال‏:‏ حدَّثنا عجلان مولى زياد وحاجبه قال‏:‏ كان زياد إذا خرج إلى المسجد مشيت أمامه حتى يدخل وإذا دخل مشيت أمامه حتى يخرج وإذا دخل مجلسه فعلت ذلك به فدخل يومًا مجلسه فإذا ضوء في الحائط مثال ثلاثين فنظر إليه فقال‏:‏ يا عجلان هل يصل إلى هذا المجلس ضوء من موضع قلت‏:‏ لا قال‏:‏ فما هذا ثم قال‏:‏ هيه هذا والله أجلي نعيت إلى نفسي ثلاثين سنة والله ما أطمع فيها ثلاثين شهرًا والله يفعل ما يريد أثلاثون يومًا والله يفعل ما يشاء قال عجلان‏.‏ فمات والله في آخر يوم من الثلاثين يومًا‏.‏ ) وهى رواية تعلن كذبها فى سندها لأن الراوى هو الهيثم بن عدى أحد مشاهير الكذابين ، والذى كان يتفاخر بتأليف الروايات وصنعها .
3 : وانتهز رواة الشيعة موته ليؤلفوا روايات تجعل لعن (على ) هو سبب موت زياد . والهدف هو إخافة اى سلطان من ارغام الناس على لعن (على ) . وقد كان لعن (على ) السبب المباشر فى قتل حجر ، وكان الأمويون يعتبرون لعن (على ) بمثابة يمين الولاء لهم . تقول الرواية المصنوعة : (أخبرنا إسماعيل بن محمد أخبرنا محمد بن هبة الله العكبري أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا ابن صفوان حدًثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني أبي عن هشام بن محمد‏:‏ حدثني يحيى بن ثعلبة الأنصاري عن أمه عائشة عن أبيها عبد الرحمن بن السائب الأنصاري قال‏:‏ جمع زياد أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر ليعرضهم على البراءة من علي رضي الله عنه‏.‏ قال عبد الرحمن‏:‏ فإني لمع نفر من أصحابي من الأنصار والناس في أمر عظيم فهومت تهويمة فرأيت شيئًا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدب أهدل فقلت‏:‏ ما أنت فقال‏:‏ أنا النفاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر‏.‏ فاستيقظت فزعًا فقلت لأصحابي‏:‏ هل رأيتم ما رأيت قالوا‏:‏ لا فأخبرتهم وخرج علينا خارج من القصر فقال‏:‏ إن الأمير يقول ما كان منتهيًا عما أراد بنا حتى تناوله النفاد ذو الرقبه وأثبت الشق منه ضربة ثبتت كما تناول ظلمًا صاحب الرحبه .)
4 : ولم تترك الروايات زيادا فى فراش موته دون أن تضع على لسانه عبارات الندم بمثل ما فعلت مع معاوية ، تقول الرواية ( حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أبو بشر الدولابي حدثنا إبراهيم بن أبي داود حدثنا خريم بن عثمان حدثنا أبو هلال عن قتادة قال‏:‏ قال زياد لبنيه لما احتضر‏:‏ ليت أباكم كان راعياً في أدناها وأقصاها ولم يقع بالذي وقع به‏.‏ ). ولا يمكن لقتادة الراوى أن يكون حاضرا لزياد عند موته . ولكن يمكنه أن يصنع روايات كيف شاء.
5 : ولحقت الروايات الساخطة سمرة نائب زياد . وكان قد ولاه معاوية البصرة بعد موت زياد ، ثم عزله ، فقال سمرة ( لعن الله معاوية‏!‏ والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذبني أبدًا‏.‏ ) ، وقالوا عنه ( وجاء رجل إلى سمرة فأدى زكاة ماله ثم دخل المسجد فصلى فأمر سمرة بقتله فقتل فمر به أبو بكرة فقال‏:‏ يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 14، 15‏]‏‏.‏ قال‏:‏ وما مات سمرة حتى أخذه الزمهرير فمات شر ميتة).
6 ـ واتجهت روايات أخرى للتخويف من قتل الوعّاظ
( قال أبو بكر القرشي‏:‏ حدثني زكريا بن يحيى عن عبد السلام بن مظهر عن جعفر بن سليمان عن عبد ربه أبي بن كعب الجرموزي‏:‏ أن زيادًا لما قدم الكوفة قال‏:‏ أي أهل البلد أعبد قالوا‏:‏ فلان الحميري فأرسل إليه فأتاه فإذا له سمت ونجو فقال زياد‏:‏ لو مال هذا مال أهل الكوفة معه فقال له‏:‏ إني بعثت إليك لأمولك وأعطيك على أن تلزم بيتك فلا تخرج قال‏:‏ سبحان الله والله لصلاة واحدة في جماعة أحب إلي من الدنيا كلها ولزيارة أخ في اله وعيادة مريض أحب إلي من الدنيا كلها وليس إلى ذلك سبيل‏.‏قال‏:‏ فاخرج فصل في جماعة وزر إخوانك وعد المريض والزم لسانك قال‏:‏ سبحان الله أرى معروفًا لا أقول فيه أرى منكرًا لا أنهى عنه فوالله لمقام من ذلك واحد أحب إلي من الدنيا كلها‏.‏ قال جعفر‏:‏ أظن الرجل أبو المغيرة فقال‏:‏ السيف فأمر به فضربت عنقه قال جعفر‏:‏ فقيل لزياد‏:‏ أبشر قال‏:‏ كيف وأبو المغيرة في الطريق‏.‏ ).أى إن زيادا قتل أحد العابدين ظلما وعدوانا ـ وكالعادة لم يذكروا لنا إسم ذلك العابد الضحية ، وجاء التركيز على تخويف السلطان من قتل الوعاظ ، فتجعل زيادا عند الموت يكتئب عند موته قائلا (كيف وأبو المغيرة في الطريق ) . أى أخيرا جعلوا لبطل القصة المصنوعة اسما .
وأخيرا
1 ـ بدأ زياد ولايته واعظا ذئبا يعظ الخراف و يخفى تحت ثياب الوعظ أنيابه وأظافره ، وتحت رداء الوعظ الخلقى ارتكب هو أفظع الجرائم خدمة للشيطان الأكبر معاوية الذى يخفى تحت ابتسامة الحلم والدهاء نفسا خبيثة تستحل كل الجرائم فى سبيل السلطة .
2 ـ وعلى هامش الاستبداد والظلم انبثق الكذب والزور والافتراء فعلا ورد فعل .
3 ـ ومنها جميعا نبتت شريعة السنيين . ولا تزال ثمارها السامة تغلى فى البطون كغلى الحميم ، واسألوا الخادم : أنس بن مالك .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا نبتغى الجاهلين !!
- ابن إياس مؤرخا
- (2 ) من دروس قصة موسى : - إن خير من استأجرت القوي الأمين -
- يسألونك عن ( الخلع )
- (16 ) وعظ السلاطين : رفع الإصر عن شعب مصر
- إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ
- ( 15):وعظ السلاطين : تغيير المناخ الثقافى بين معاوية ومبارك ...
- ( 13):وعظ السلاطين : تغيير المناخ الثقافى بين معاوية ومبارك ...
- بسبب هذا المقال تعرض موقعنا ( أهل القرآن ) لهجوم هكرز حسنى م ...
- (13):وعظ السلاطين : وعظ الرئيس ( محنط ) حسنى مبارك
- بيان بشأن إعدام مواطن لبنانى فى السعودية بتهمة السحر
- حوار مع موقع آفاق العربى الأمريكى
- السعودية تحتاج الى ( القاعدة )
- ( 12):وعظ السلاطين : معاوية وحسنى مبارك بين التجويع والتسقيع ...
- ( 11):وعظ السلاطين : معاوية وحسنى مبارك بين التجويع والتسقيع ...
- ( 10):وعظ السلاطين : كارثة التوريث بين معاوية وحسنى مبارك
- بمناسبة موت شيخ الأزهر : حديث مع جريدة ( اليوم السابع ) المص ...
- (9 ):وعظ السلاطين :زياد بن أبيه وقتل حجر بن عدى
- ( 8 ) وعظ السلاطين : زياد يعظ : زياد وإعلان الأحكام العرفية ...
- وعظ السلاطين : محطات تاريخية: زياد بن أبيه :( 7 ). زياد بين ...


المزيد.....




- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - ( 16 ) وعظ السلاطين: زياد ابن أبيه الواعظ السفاح :