الصحراء الشرقية : جبر الضرر الجماعي أجندة وطنية

العيرجي المبروك

الحوار المتمدن-العدد: 2991 - 2010 / 4 / 30 - 14:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

أنهت هيئة الإنصاف والمصالحة مهمتها وخلصت إلى ضرورة جبر الضرر في شقيه الفردي والجماعي ، فعوض من عوض ، وبقي من ينتظر .. وفي أمر القضية الوطنية وحين وصل الصراع إلى انبثاق ذلك المخرج الذي اعتبرته الدول الوازنة في مجلس الأمن مخرجا واقعيا ، قبلت الأطراف بفكرة تبادل الزيارات بين الأقارب في الصحراء المغربية مع الذين وجدوا أنفسهم في خضم هذا المشكل المفتعل محتجزين بتند وف ، وهكذا أقلعت الطائرات وانطلقت السيارات من هنا وهناك ، فتعانق الأحبة وسالت الدموع مدرارا ...فواكب الإعلام هذا الحدث... لكن لا احد أثار في يوم من الأيام المشكل ذاته لمواطني سبتة ومليلية ، ليجد ولو على سبيل المقارنة أن الاستعمار قد يكون أرحم أحيانا إذ ظل الأقارب وسكان المدن المتاخمة للثغرين يتنقلون فقط ببطاقة التعريف !ولم يتحدث أي شخص عن سكان الحدود في الجنوب الشرقي للمملكة والجنوب الغربي للجزائر والذي تقطنه قبائل كثيرة ، وجدت نفسها موزعة لأول مرة في التاريخ بعد 1962 ونقصد بالضبط : دوي منيع ، أولاد جرير ، لعمور ، الشعانبة وغيرهم ، فهؤلاء منذ أن وجدوا وعاشوا فوق هذه الأرض الطيبة لم يفرق بيتهم لا العثمانيون ولا الفرنسيون ولا العوامل الطبيعية ...إلى أن نالت الجزائر استقلالها ، فمنذ ذلك التاريخ انتصبت الأسلاك الشائكة وزعت الألغام وشيدت أبراج المراقبة ووظفت جيوش جرارة من المخبرين والوشاة والعيون ، فشددت الحراسة على الحركات والسكان : فكم انتهكت حقوق ، وكم سجن الناس ، وضربوا وعذبوا بسبب وشاية كاذبة أو اصطناع قصة خيالية : فمذياع شخص أضحى لاسلكيا ، وخيمة أعرابي في الصحراء صارت مقرا لاجتماعات مشبوهة ، وتتواصل مقامات بديع الزمان المنيعي ليحدث – بدون سجع ولا قافية – عن ذلك الأب الذي مات في بشار ، أو العبادلة ، أو القنادسة ، وشاهدنا الأبناء يقيمون العزاء بالرشيدية أو أرفود أو بوذنيب ... والعكس مقبول كما يقف الإنسان كالمصعوق حين يعلم أن الأخ لم ير أخته ولا الأب ابنه منذ 1962 ، وحين فتحت الحدود في سنة 1989 تقاطر الناس على ذويهم ، بل قد يصاب المرء بما يشبه الصعقات الكهربائية لما يحدثه محدث أنه حين ذهب إلى نقطة الحدود لاستقبال قريب لم يره إلا في صور قديمة ، فيشرع أمام رجال الجمارك في تفرس الوجوه والسؤال بصوت عالٍ مسموع : أين فلان ؟ !أنا أخ فلان!! أو أب فلانة! أرجوكم حين يصل فلان اخبروه أني أخوه أو أبوه أو ابن عمه ...!! بل يذكر الناس في هذه الربوع كيف كانت بعض الأسر غنية بقطعانها من الإبل والأغنام وفي رمشة عين أضحت من المعدمين الفقراء لان هذا القطيع اجتاز في غفلة من راعيه الحدود وهي في عرف السكان لم تصبح "حدودا "إلا بعد 1962 !
إن السكان المنحدرين من الصحراء الشرقية والمستقرين أساسا بإقليم الرشيدية و فجيج يناشدون السلطات بتصحيح ما لم تنتبه إليه هيئة الإنصاف والمصالحة ، فهذه الأخيرة كانت محكومة بأجندة حقوقية ذات طابع سياسي ، في حين أن وضعية هؤلاء السكان تحكمها أجندة وطنية ذات طابع جيوسياسي !!

#العيرجي_المبروك (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات