أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - الرؤيا/قصة قصيرة















المزيد.....

الرؤيا/قصة قصيرة


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 2985 - 2010 / 4 / 24 - 00:01
المحور: الادب والفن
    



افاق من نومه مفزوعا ،العرق يتصبب من كل انحاء جسده ،صرخ مناديا "أغيثوني ...دثروني ...دثروني."لم يجبه احد،فهو يعيش وحيدا،لا انيسا ولا جليسا،عندئذ تعوذ من الشيطان الرجيم،وبسمل باسم الرحمن الرحيم. جذب الغطاء وحاول الخلود للنوم مجددا،لكن دون جدوى،فالرعب قد تملكه.قرر ان يتوضأ ويصلي، مع انه انقطع عن الصلاة منذ اكثر من عشرين عاما، لعل الصلاة تهدىء من جزعه.لكن الصلاة وان اراحته قليلا الا ان الوجس تملكه.
اشرقت الشمس والنوم قد جانبه،وخوفا من التفكير فيما حدث معه ليلا قرر الخروج من المنزل والتسكع في الشوارع لعل ذلك يفيد في تسكين روعه. منذ الصباح و حتى المساء جال في كل ارجاء المدينة،رجع الى المنزل وقد انهكه التعب،لكنه كان قد نسي كل ما ارعبه ليلا.اندس في الفراش سريعا ولم تمض بضعة ثوانى حتى كان شخيره يهز غرفة النوم.فجأة انتفض من النوم والرعب قد تملكه،فالحلم عاوده من جديد،لم يدر ما يفعل...نهض من الفراش وتشاغل بامور عدة حتى انبلج الصباح،خرج مسرعا من المنزل واعاد سيرة الامس.وهكذا مر عليه 99 ليلة،وفي كل ليلة يعاوده الحلم اللعين بكل حذافيره،حتى التفاصيل المملة تتكرربدقة.احتار في الامر ولم يعد الهروب من التفكير بمغزى تكرار الحلم مفيدا،خاصة ان الحلم انقطع في الليلة المائة.هل الامر مجرد صدفة ام ان في الآمر اشارة لشيء اكبر من ان يقدر على تفسيره؟هل هو وحي يوحى له؟لكن الوحي انقطع بوفاة سيد الانبياء.اذا لا بد انها رؤيا تتكرر ولها مغزى مهما،لكن الرؤيا لا تتجلى لاي كان،ولا بد ان تتوفر شروطا في من تتجلى له.جلس يفكر في الامر مقلبا اياه من كل الاوجه،وكلما اجتهد في التفكير كان يزداد قناعة ان الآمر هو رؤيا تجلت له،ولم لا؟
تذكر انه منذ صغره لم يفعل الكبائر أو اي من الموبقات السبع،حتى انه لم يسىء لاي انسان،حتى الذين أساءوا اليه كان سريعا ما يسامحهم،الم يسامح تلك.....والدين معاملة،كما يقولون،وهو سيد المعاملة الحسنة كما كانوا يصفونه منذ الصغر.
وهكذا من نقطة الى اخرى ،كان يزداد قناعة ان ما تجلى له كان رؤيا.لكن وليطمئن قلبه لا بد ان يستشير امرء ما،ولكن لمن يلجأ؟احتار في الامر كثيرا،فهو يعيش وحيدا منذ ان هجرته زوجته قبل اكثر من عشرين عاما.تذكر الآن الآمربرمته كأنه حدث قبل لحظات قليلة.تذكر انها هجرته فجأة دون ان يعرف لماذا فعلت ذلك،وطيلة هذه السنوات لم يجد تفسيرا لما فعلته.
كما انه لا ولد له ولا تلد ، فلمن يلجأ؟لا مفر من عرض الآمر على صديق ما.استعرض جميع من يعرفهم،هاله ما اكتشفه:لا صديق لديه،طيلة سنين حياته التي تجاوزت الخمسون لم يكن لديه صديق واحد،كل من يعرفهم ليسوا الا معارف ،ليس اكثر.
ضاقت به الدنيا،خرج مسرعا الى الشارع،هائما على وجهه لا يدري اين يذهب،فالمدينة بات يحفظها عن ظهر قلب،رغم ذلك حث الخطى متسكعا من حي الى اخر حتى أنهكه التعب،حينما لم يعد قادرا على التقدم خطوة واحدة،قرر التوقف والجلوس على قارعة الطريق.تلفت ذات اليمين وذات اليسارليجد نفسه مقابل المسجد،اعتبر ذلك اشارة الهية،دخل ليرتاح قليلا وليناجي ربه لعله يهديه الى الصواب،انتبذ ركنا قصيا ناويا الراحة للحظات ثم الصلاة والدعاء.لم ينتبه الا على يد حنونة تهزه برفق وصوتا دافئا يخاطبه:"هل يمكن أن أمد لك يد المساعدة يا بني؟".التفت صوب مصدر الصوت فوجد وجها باشا مرحبا،لم يكن امامه سوى امام المسجد،استجمع قواه مقررا البوح بما يؤرقه،لعل الله اراد له ان يبوح بسره في هذا المكان المقدس تأكيدا على البشارة.بدأ بسرد الرواية وحينما قارب على النهاية خاطب الشيخ قائلا:"ما رأيك يا مولاي بما يتجسد لي في المنام،هل هو وحي أم رؤيا؟." انتبه الى أن ملامح الشيخ قد بدأت في التبدل.أكفهر وجه الامام واختفت البشاشة منه وبدت ملامحه قاسية لدرجة الرعب.أما الآمام فقد قفز صارخا:"ثكلتك أمك يا هذا،من تظن نفسك ايها الزنديق الكافر؟ اتظن ان الوحي يهبط على امثالك؟الا تعرف ان زمن الوحي قد ولى،وهل أنت شيخا ورعا تقيا لتزف لك البشارة والرؤيا؟،لا والله لست الا مدعيا كافرا افاقا،لا والله انت الاعور الدجال".ثم نادى بأعلى صوته على أتباعه:"اسرعوا يا اخوان،لتلقوا بهذا الزنديق الكافر خارج هذا المكان الطاهر حتى لا يدنسه،لعل الله يهبكم الثواب ويجعل مثواكم الجنة بفعلكم هذا."اخر ما يذكره ان عشرات الأيدي،بل حتى الأقدام، قد تسابقت لتتطاول عليه ،اما بالصفع أو الركل، علها تنال الثواب بمعاقبة هذا الوغد الكافر.
حينما أفاق وجد نفسه ملقيا على قارعة الطريق الى جانب حاوية للقمامة،قفز هاربا خوفا من ان يعود المريديون اليه هادرين دمه.اصابه القنوط،لعله لم يستطع ان يشرح الأمر جيدا !أو لعل الشيخ الجليل اساء فهمه،والا ما سبب ثورته المفاجئة والغير مفهومة؟ولماذا لم يفسرله الشيخ الآمر.
من جديد هام على وجهه لكنه بات مصرا على التحدث مع أيا كان.لم يجد أمامه الا ماخورا وبيتا للدعارة فولجه،لا ليفعل الموبقات، لا سمح الله،انما ليتحدث في الأمرمع أي كان.أوقفه القواد على المدخل طالبا منه دفع المعلوم ثم له الحق بساعة فقط من الخلوة مع الفتاة التي يختارها.بحث في جيوبه ولم يجد الا القليل من الدراهم لا تشفي رمق القواد،حاول ان يفهم الآخير انه يريد فقط من يتحدث معه،من يستمع اليه،لكن لا جدوى.اخيرا سمح له الرجل بنصف ساعة فقط من الخلوة،على ان يتم ذلك مع مومس بلغت من العمر عتيا،رضخ للقرار مرغما، فجل ما ينشده كائنا ما يستمع اليه أيا كان جنسه او نوعه او عمره،المهم ان يجد من يفسر له ماذا يحدث معه.
سبقه القواد متسلقا السلالم ،الغريب ان ذلك اللئيم قد تسلق السلالم بثوان معدودة،بينما استغرق الأمر معه ردحا من الوقت خاله دهرا من الزمن.تبع القواد حتى وصل الطابق الأخير،حينما اقترب كان لهاثه مسموعا والعرق يتصبب منه،قاده الرجل الى ممر طويل معتم،ينتهي بباب غرفة منزوية.حينما ولج الغرفة انتابه كرب عميق،بل احس أن قلبه يكاد أن يتوقف،ضوء شاحب،ستائر قديمة مهترئة،سرير تفوح منه رائحة العفونة والمني والغائط ،بقع من الدم المتيبس في وسط الغطاء،عجوز شمطاء،لا يستر جسدها الا قطعة من الدانتيل كريهة الرائحة،لدرجة ان عظامها البارزة اصابته بالرعب والغثيان ، فكر مليا ان يولي الأدبار،لكنه تذكر انه قد دفع كل ما يملكه لذلك القواد اللعين،وان لا مجال الأن للتراجع.عزى نفسه قائلا،ما الضير في هذا كله،انا ابغى الحديث فقط،اشارت له المومس بالأقتراب بحركة بذيئة من فخذيها.احتار ماذا يفعل،انتبهت الى تردده الواضح،ظنت عندئذ انه يحجم عن الاقدام نتيجة لكبر سنها أو دمامتها ، حضته على الاقتراب منها مستعينة بكل خبراتها،لكنه تسمر في مكانه متخشبا،أخيرا استجمع قواه وقرر أن يخبرها عن السبب الحقيقي لقدومه.
فتح فمه متحدثا لكن لم يصدر منه الا تأتأة غير مفهومة،ضجرت المومس منه،ادارت ظهرها متبرمة،منزعجة،لاعنة حظها العاثر،فقد انطبق عليها المثل القائل:"صام صام وافطر على بصلة"،فهي منذ اسابيع عدة لم يطرق بابها أي زبون،وحينما ظنت أن الحظ ابتسم لها لم تجد أمامها الا هذا المعتوه. تمددت على السرير المتعفن مديرة لها ظهرها،حينها توجه الى حافة السرير وجلس منكمشا على نفسه،منتظرا الفرصة المواتية للكلام،وعندما لم يأنس منها أية حركة اعتقد أن الوقت أزف والفرصة سانحة ليتكلم.
بدأ في الحديث،ودون أن ينتبه وجد نفسه يسترسل أكثر فأكثر، وصوته يعلو تدريجيا،استغرب من البلاغة التي هبطت عليه فجأة،بدأ الغرور يتسرب اليه، خاصة عندما لاحظ أن المومس لم تنبس ببنت شفه،غروره هيء له انها توافقه الرأي حتى الأن .في منتصف الرواية فتح الباب بعنف،دخل القواد مزمجرا:"لقد انتهى وقتك يا افندي."
ماذا يحصل؟لم يستوعب الأمر.كيف انتهى الوقت وهو لم ينه حديثه،وهي لم تقل له شيئا؟.من المستحيل ان يكون الوقت قد انتهى.لابد أن هذا القواد الحقير يمازحه ،من المؤكد أن هذه هي الحقيقة،أو لعله يبتغي المزيد من النقود.اصطنع الابتسام وتوجه للرجل قائلا:"لكن لم ألبث هنا الا برهة يا استاذ."نظر اليه القواد بازدراء ورفع يده مهددا:"اما أن تخرج حالا من هنا ايتها الحشرة اللعينة أو القي بك من النافذة".
لم يدر ما حل به،فالدم بدأ يصعد الى رأسه ،وأحس بثقل في كافة انحاء جسده،وبدأت تمر أمام عينيه لقطات سريعة من حياته........الثقل على صدره يزداد،لم يعد قادرا على التنفس عيناه تجحظان..أخر صورة مرت امامه كانت لشارع طويل ،اعمدة رخامية على جانبي الطريق الصق عليها صور، جموع من الناس تصطف على الجانبين خاشعة،هذه الصورة يعرفها جيدا لكنها لم تكن بهذا الوضوح ونقاء الصوت،تذكر الان،انها حلمه اللعين ،الصور على اعمدة الطريق لم تكن الا صوره،صوت القران يسمعه جيدا الان ،فهو يملآ المكان ،لكن الغريب ان منتصف الطريق لم يشغله سوى اربعة اشخاص يحملون شيئا على اعناقهم،وتسير خلفهم امرأة عجوز ترتدي اسمال بالية،الصورة اتضحت اكثر،ما كان محمولا لم يكن الا هو،والعجوز لم تكن الا تلك المومس اللعينة.عندئذ فقط فهم الحلم،لكن الوقت قد انقضى حيث سقط على الأرض ميتا،بعد ادراكه أن كل ما رأه لم يكن وحيا أم رؤيا،بل هي جنازته البائسة. .



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حظ
- رائحة الموت ما زالت ترافقني
- سيد العالم /وهم دفين
- شخص اخر
- بارد كسمكة
- دونكيشوت‏/تقاسيم مجنون
- غواية طابعة /اقصوصة
- الشهيد/القاتل-قصة قصيرة
- شهريار يتحدى موسوعة غينيس/قصة قصيرة
- همسات عاشق مجنون
- حصان ابيض/قصة قصيرة
- رعب/قصة قصيرة


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد ابو حطب - الرؤيا/قصة قصيرة