أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إسكندر منصور - في التراث والحداثة















المزيد.....

في التراث والحداثة


إسكندر منصور

الحوار المتمدن-العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 22:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


أدونيس ـ فواز طرابلسي: اثنان في كتابة الوعي العربي. الاول يرى الشمس غاربة ولن تشرق. الثاني يرى الضوء في اشد الليالي حلكة. والعرب بينهما، اما في سفور نسبي او ضمور نهائي. والواقع يشي بما يعطي مصداقية لأدونيس، فيما القبس المقاوم، يعطي صدقية للأمل. والمسألة جديرة بأن تبقى حية، كي لا ننقرض، وتصح رؤية ادونيس.

كلمة «الانقراض» لها دلالات كثيرة ـ منها اللاوجود والعدم والزوال والموت والخروج من التاريخ والغياب الدائم والأبدي ـ لكنها في كل ما تعنيه تحمل هما وجودياً ـ دائم الحضور ـ يؤرقنا دوما وأبداً؛ فلا «الانتصارات» العسكريّة تحجبه ولا «الإنجازات» العلميّة والماديّة ان كان هناك من انتصارات او انجازات، في الواقع العربي، تخفف من وطأته وهوله. الانقراض يطرق باب الوجود وليس باب العدم. نخشى على شيء كائن وموجود من الانقراض؛ ولا نخشى انقراض اللاشيء. ما اراده ادونيس من اختيار كلمة «الانقراض» هو الايحاء بأننا لسنا فقط في «طور الانقراض» بل انّ هذا الطريق سالك باتجاه واحد ولا امل في ايقاف فعل الانقراض والعودة الى الحياة والعطاء والمشاركة والفعل والمساهمة في «التقدم والانفتاح والمشاركة في بناء العالم، وفي خلق حضارة انسانيّة، اكثر غنى واكثر عدالة واكثر ايغالاً في السيطرة على الكون وفي كشف اسراره»، كما جاء في ردّ ادونيس على فواز طرابلسي.
هل بلغ اليأس مرحلة متقدمة من ادونيس فالتجأ الى علاج الصدمة؟ هل اراد ان يثير الذعر والقلق والخوف في العرب افراداً ومثقّفين فرمى في مستنقع الثقافة العربيّة «الراكد» حجراً ليذكّرنا بأن الثقافة العربيّة المعاصرة وخاصة المهيمنة منها لا علاقة لها بالعصر بل هي حضور الماضي الديني المستمر في الحاضر؟ العربي بالنسبة الى ادونيس «مسكون بماضيه الديني و«إذا كانت بنية الذهن العربي ماضويّة فماذا يعني له المستقبل»؟ اذا كان ذلك ما اراده ادونيس ـ وهذا ما عبر عنه سابقا في كتابات قديمة وجديدة ـ اذاً فالمشكلة تكمن في المكان ـ كردستان العراق ـ عند البعض وفي مضمون الردّ عند البعض الآخر. يبقى السؤال: لماذا حذّر ادونيس الاكراد من ان يحلّ بهم ما حلّ بالعرب وثقافتهم. هل حقا انّ الحالة الكرديّة متقدمة عن الحالة العربيّة ثقافيا وسياسيا؟ هل الحياة في ظلّ الاحتلال ـ الذي نهب بغداد ومتاحفها ومكتباتها واغتال علمائها وباحثيها وهجّر مبدعيها وفي مرحلة سابقة اباح ارض الاكراد لطغاتها ـ تشكل حالة ثقافيّة حيّة يخشى عليها ادونيس من ان تتأثر بجارتها العربيّة التي هي في «طور الانقراض»؟ كم كان الكاتب الكردي نزار اغري محقاً حين كتب أنّ وصف الثقافة العربيّة من قبل ادونيس بأنها «مؤسساتيّة وليست مستقلة ...و تخدم السلطة» صحيح في جانب كبير منه... ولكن هل يعرف ادونيس شيئا عن الحالة الكرديّة؟ هل يعرف ان كردستان غارقة تحت هيمنة الذهنيّة العشائريّة والسلوك الابوي واحتقار المرأة؟ هل يعرف انّ السلطة السياسيّة الكرديّة الحاكمة تحاول، كالسلطات العربيّة، احتقار الفهم الجمعي وترسيخ طقوس عبادة الزعيم الاوحد وتدجين المثقف»؟ ( الاخبار 16 ايار 2009). طبعاً ادونيس يعرف كل ذلك وربما يعرف اكثر عن اوضاع كردستان الاجتماعيّة والسياسية وعن مكانة المرأة والفرد وحريّة التعبير ومكانة الثقافة الكرديّة الراهنة. اكثريّة المثقفين العرب يحملون ديناً نحو الاكراد؛ فلقد لزموا الصمت حين كان الطاغيّة يعمل قتلا وتنكيلا ـ باسم الرسالة الخالدة ـ بشعبه وخاصة الاكرد منهم.
إذا كان السر في محاضرة ادونيس يكمن في كلمة «الانقراض» ودلالاتها المرعبة والقلقة والمستفزِّة ، فسرّ ردّ فواز طرابلسي يكمن في كلمة «مقاومة». اراد فواز طرابلسي ان يقول لمهدي عامل وهو القائل خلال الغزو الاسرائيلي للبنان وبيروت «لست مهزوما ما دمت اقاوم»، بأنّ الثقافة العربيّة ليست في طريقها الى الانقراض ما دامت تقاوم وما دامت هناك مقاومة. فالمقاومة يا مهدي التي عشتها فعلاً وكتابة وابداعاً ونقداً ونقضاً لم تنهزم؛ الذي انهزم فكر الاستبداد بتجلياته القوميّة والقطريّة ـ «رئاسياً» /ملكياً كان ام ملكياً/ملكياـ الذي عاث فساداً في مجتمعاتنا منذ عقود فسجن العقل والحريّة ونهب ما اغدقت علينا به الطبيعة من ثروات وما انتجته ايادي المزارعين والعمال من خيرات فازدادت تبعيته السياسيّة والاقتصاديّة وفقد القدرة على القول والفعل فاستقال من الوجود؛ او الاصحّ اقيل من الوجود لإن الاستقالة ممارسة خيارات وفعل حريّة والإقالة من نصيب السائرين في «طور الانقراض».
لا اظنّ ان ادونيس وفواز طرابلسي يختلفان في تشخيص المرض. ما قاله ادونيس في رده هو ما اراد ان يقوله فواز وكثيرون قبله؛ لا بل قالوه وكتبوا وحاضروا في هذا الخصوص. قالو ا انّ العرب يعيشون حالة من التبعيّة الاقتصاديّة والسياسيّة وأنّ مجتمعاتهم قد تحولت الى مجمتمعات مستهلكة تعيش على هامش فعل الانتاج. ليس لهم ما يقدّمونه ليكونوا شركاء ـ ان كان في العلوم او في السياسة والاجتماع ـ في صنع العالم والمستقبل. الفرق بين ادونيس وفواز يكمن في النظرة الى «الأمل» في المستقبل. لقد فقد ادونيس الامل من «العرب» كل العرب ورأى أنهم اوغلوا في طريق اللاعودة والانقراض. اما فواز طرابلسي فلا يزال يتمسك بـ«الأمل» لأنّ الذي سيكون مستقبلاً في طريقه الى الانقراض هو ثقافة البرجوازيّات العربيّة وثقافة الفكر القومي الذي تربّع على عرش السلطة بكل مشاربه وثقافة التيارات الدينيّة القائمة على الالغاء ونشر الظلام بالإضافة الى ثقافة النفط المهيمنة عبر الاعلام المرئي والمكتوب. السؤال هنا : لماذا دائما يساء فهم ادونيس؟ او بلغة اوضح لماذا يعتبر ادونيس انّ القارئ / الناقد يسيء فهمه وقصده دائماً؟ فبنظره لقد اسيء فهمه حين القى محاضرته ـ في «مسرح المدينة» ـ «هل بيروت، اليوم، مدينة حقا، ام هي مجردّ اسم تاريخي؟». وكذلك اسيء فهمه حين دعا في غرناطة للحوار مع كتاب اسرائيليين؛ واليوم يساء فهمه حين يتكلم على «انقراض الحضارة العربيّة.» هل حقاً يساء فهم ادونيس ام انّ هناك كتابا ونقاداً استطاعوا ان يفهموا مقاصد النص الادونيسي اكثر مما يفهمه ادونيس او ان النصّ الادونيسي يفصح عن آرائه وهواجسه ومقاصده اكثر بكثير مما يريد ان يفصح عنه ادونيس. النصّ يفضح.
يتكلم ادونيس على الثقافة العربيّة كأنه مشاهد من بعيد. ربما كان عن حق مشاهداً من بعيد. يتكلم عن «العرب» و«العربي» بصيغة الغائب والتعميم كأنه خارج هذه الثقافة التي اعطاها الكثير الكثير واعطته اكثر. لهذا كان ولا يزال التعميم او قل مع شوقي بزيغ «التعميمات المفرطة» ميزة النصّ الادونيسي. فالبنسبة الى ادونيس كما ذكرت «العربي» مسكون بماضيه الديني» وانّ «بنية الذهن العربي ماضويّة» و«هكذا حين كان العربي يواجه شيئاً من خارج تراثه، يحاول اولاً ان يفهمه بالمقارنة معه، اي مع ما يفهمه، وحين لا يكون ثمة مجال للمقارنة، فقد كان هذا الشيء يبدو مشوشا ومخيفا وخطراً» ( ج1 ص 59)، حاول ادونيس ان يستدرك الامر قائلاً انه يتكلم عن ذهنيّة العربي في فترة تاريخيّة معينة؛ وليس عن ذهنيّة مطلقة تلازم العربي في كل زمان ومكان. لكن قراءة جيدة للنصّ الادونيسي يميط اللثام عن وجه الفترة الزمنيّة المقصودة المنتصرة فيها ذهنيّة الاتباع على ذهنيّة الابداع وهي فترة طويلة لا تزال مستمرة في زمننا الحاضر. فزمن الحاضر بالنسبة الى ادونيس هو هو زمن الغزّالي المستمر والمهيمن عابراً فوق الزمن واحداثه ومصالح لاعبيه وتناقضاتهم الاجتماعيّة والسياسيّة ـ كما جاء في محاضرته عن «التخلف الفكري» في ندوة فكريّة في الكويت عن «التطور الحضاري في الوطن العربي» والتي عقدت في مطلع السبعينيات من القرن الماضي بمشاركة نخبة من الكتاب والمفكرين العرب منهم فؤاد زكريا وزكي نجيب محمود وانور عبد الملك ومحمود امين العالم وادونيس»؛ وشكلت هذه الندوة موضوع الدراسة النقديّة ـ «أزمة الحضارة العربيّة ام ازمة البرجوازيات العربيّة» ـ التي كتبها مهدي عامل.
لا شك في انّ مهمة ادونيس في النقاش الدائر كانت اسهل من مهمة فواز طرابلسي. فحالة العرب ماضيا وحاضراً منذ فجر النهضة حتى اليوم قصة فشل بجميع الميادين ان كان قياسا مع الغرب او مع العصر او حتى قياسا مع ماضيهم في بيت الحكمة وقرطبة وسائر مدن العرب والإسلام. مهمة فواز اصعب لأنه كان عليه ان يقول لنا لماذا لسنا في طريق الانقراض. هل فقط لأنّ الثقافة العربيّة ما زالت «تقاوم» وكيف؟ لماذا فشل مشروع النهضة؟ لما فشل مشروع التنوير العربي ـ الاسلامي؟ هناك كتاب كثيرون ومبدعون اعطوا الكثير لكن عطاءهم بقي ضمن دائرة ضيقة. لماذا لم يتحول فكر كل من طه حسين وعلي عبد الرازق وقاسم امين وشبلي شميل وفرح انطون وجرجي زيدان وكثيرين غيرهم الى فكر سائد ولم يصبحوا جزءاً من الثقافة العربيّة السائدة؟ اين انتهت وأصبحت المقاومة ـ مقاومة «معركة الكرامة» ومثقفيها ـ التي قيل فيها انها رد على هزيمة 1967؟ اين اصبحت المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة التي شكلت ولفترة قصيرة حلما للتحرير والتغيير؟ اما مقاومة اليوم ـ المقاومة الاسلاميّة في لبنان ـ التي حققت انتصارات حقيقيّة في مواجهة اسرائيل وخاصة اثناء عدوان تموز 2006 ـ هل هي حقا تحمل مشروعاً نهضويا بديلاً وثقافة عربيّة جديدة مقاومة؟ وكذلك بالنسبة الى المقاومة الاسلاميّة في فلسطين ـ هل حقا تحمل مشروعا لتحرير فلسطين نهضويا بديلاً وثقافة عربيّة جديدة مقاومة؟
[ كاتب لبناني مقيم في الولايات المتحدة الاميركيّة



#إسكندر_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار: بين الترميم وإعادة التأسيس
- محمود أمين العالم : اليساري العربي-2
- محمود أمين العالم: اليساري العربي -1


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إسكندر منصور - في التراث والحداثة