أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد سامي - غرفة مظلمة















المزيد.....

غرفة مظلمة


مؤيد سامي

الحوار المتمدن-العدد: 2981 - 2010 / 4 / 20 - 22:15
المحور: الادب والفن
    



القصة التي سأرويها لكم لا يهمني ان صدقتموها ام لا بل لا يهمني ان كانت وهماً توهمته ام حقيقة رهيبة من مسرح الحياة .. لم يسبق لاحد ان سمعها مني … وحيث أني الشاهد الوحيد فيها فلقد كتمتها طوال عمري وحاولت ان ادفنها في الأعماق المظلمة دائماً .. لقد وقعت إحداثها منذ زمن بعيد جداً كأنه لم يكن .. او أتمنى لو انه لم يكن … وما كنت لارويها الآن لو لم تقع أحداث جديدة .
عندما كنت صغيراً كنت اذهب الى بستاننا البعيد في اغلب الليالي وحيداً ..
وكانت الليالي المقمرة جميلة جداً .. وكنت استمتع كثيراً بالعزلة والوحدة ..
وغالباً ما اقضي أوقاتا طويلة وأنا احدث أو أراقب القمر والنجوم وتأخذني
الأفكار بعيداً بينها … وفي ليلة بلا قمر لم يكن يرصع الظلام فيها غير عدد بلا حد من نجوم تتلألأ .. في السماء .. كنت انتظر مثل هذه الليلة لاحاول عدّ النجوم فاقسّم السماء الى أربعة أقسام واقسم الربع الى أربعة أقسام أخرى حتى اصل الى جزء صغير يمكن عدّ نجومه ثم اضربه في عدد الأقسام … كانت محاولات فاشلة … فالأعداد الهائلة من النجوم الصغيرة في درب التبانة لم يكن ممكناً عدها .. كما ان هناك الكثير من النجوم التي تختفي .. ثمة نجمة تمر .. أتابعها حتى تتلاشى .. وتتلاشى معها أفكاري في محاولة عد النجوم .. وبينما انا في عزلتي القصوى فإذا بصوت رفيع يقتلعني مع جذوري من عزلتي القصوى ؟ ثم يعود الصوت مرة أخرى .. كأنه صوت رضيع بل وليد يهبط تواً الى هذه الارض .. اتمالك نفسي .. هل هناك احد يريد ان يخيفني ليسخر مني ؟ .. كلا .. لا يوجد احد .. أتخلص من اوهامي وابحث عن
مصدر الصوت .. كانت في البستان غرفة طينية نستخدمها مخزناً للتمر أو للبرتقال وللعدد والادوات الزراعية … غالباً ماكنت اصعد على سطحها واجلس هناك بعيداً عن حشرات وزواحف الليل ..
كان الصوت ينبعث من داخل الغرفة …وانا على سطحها ..تعلقت بجذع امتد خارج السقف وقفزت الى الارض ..كنت اعتمد على ذاكرتي في معرفة الطريق اكثر من اعتمادي على الرؤيا الضعيفة في ظلام ليل لا تنيره الا النجوم البعيدة ..قررت ان أتخلص من مخاوفي واجازف بتفحص الغرفة …ربما كان صوتا لحيوان ما صدر مصادفة .. وقفت بباب الغرفة وأنا أحدق في ظلامها بلا جدوى .. درجة الرؤية صفر .. السمع صفر … انتظرت لاشيئ يحدث … هل ادخل .. مالفائدة ؟ هل جف الدم في عروقي لحظتئذ ؟ .. اعتقد . ولكن يجب ان لااستسلم لمخاوفي … كان عمق الغرفة عشرة امتار تقريباً وعرضها خمسة
امتار .. دخلت الغرفة .. عبرت منتصفها .. لاتوجد شبابيك في الغرفة . وان وجدت في نفعها في هذا الظلام ؟ .. كنت احسب خطواتي ، واحد ، اثنين ، ثلاثة ، اربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، ثمانية ، تسعة ، عشرة . ربما استغرقت عشرة دقائق او اكثر في هذه الخطوات العشرة .. لكن لاصوت سوى تكسر بعض العيدان اليابسة تحت قدمي ..
نظرت خلفي … هل أرى الباب ؟ كانت قطعة من الظلام افتح قليلاً .. في هذه اللحظة وخلفي مباشرة انطلق الصوت .. هل كان عواءاً نحيباً .. بكاءاً صراخاً ؟ لست ادري لحظتها ماذا كان انه الصوت الغريب نفسه .. ولكنه كان واضحاً جداً … لم احس بنفسي الا وانا خارج الغرفة على بعد بعيد منها وأنا اقفز حائط البستان الطيني .. وقد سقطت نعلي الاسفنجية ولست ادري اين .. وصلت البيت وانا الهث وقلبي يدق دقاً عنيفاً يكاد ينخلع من صدري .. كان الجميع نياماً .. القيت نفسي في فراشي ونمت .. نمت ولكن لست ادري كيف .. استيقظت في الصباح قبل الجميع .. وأنا لا أكاد اصدق ما حدث أمس .. ربما كان حلماً مزعجاً .. بحثت عن نعلي فلم أجده… كان الصباح جميلاً ملأته العصافير بزقزقتها والبلابل بتغريدها ذهبت إلى البستان ..
وجدت نعلي عالقاً بغصن قرب الحائط .. دخلت إلى الغرفة لم يكن ثمة شيء مريب أو غريب على الإطلاق .. أذن لقد غلبتني أوهام مرعبة ليلة البارحة… جعلتني اسخر من نفسي .. لن اخبر أحدا طبعا وسأعود هذه الليلة .. هكذا قررت .. ولم يكن ظلام هذه الليلة اقل .. أخذت كرسيا من السعف وضعته في آخر الغرفة وجلست انتظر … مر وقت طويل .. لابد ان ما حدث البارحة كان وهماً استغل ظلام الليل الدامس ليزرع الرعب في قلب هذا الفتى الذي هو أنا .. نهضت من الكرسي لاخرج فإذا بالصوت يصبح .. يبكي .. ينادي .. وإذا بشيئ يمسك بي يعيقني عن الخروج ركضت في الغرفة فقدت الاتجاه .. ارتطمت بالجدران وأنا أتخبط حتى لفحني تيار بارد من الهواء فأسلمت قدمي للريح … كدت أجن .. كدت افقد عقلي .. أذن هو حقيقي .. أو ربما أنا نائم
وما هذا الاكابوس .. ولكن مستحيل … انه حقيقي .. أتوقف قرب باب البستان لالتقط أنفاسي .. .. هل كان الصوت مخيفاً ؟أسأل نفسي … الحقيقة لم يكن كذلك .. كان غريباً .. غريباً جداً … هذا ما أخافني .. هل أعود ؟ .. كلا .. ذهبت الى البيت نمت مباشرة .. وحلمت به .. كان صوتاً حزيناً كأنه البكاء يناديني تعال .. تعال ولم تكن العين تلفظ بل كانت كانها تال .. تال .. كان صوتاً مستغيثاً يثير العطف والشفقة .. استيقظت من نومي .. مازال الليل في منتصفه او بعده بقليل .. سأذهب .. أتذكر الصوت .. كان صوتاً
لخائف ، لضعيف ، لم يكن يدل على خبث او شر .. اسأل نفسي هل أذهب ؟ سأذهب .. لاول مرة اشعر بنوع من التعاطف معه .. ذهبت الى البستان وانا غير مبال بتفاصيل الطريق التي حفظتها عن ظهر غيب .. دخلت الغرفة .. ومازلت غير قادر على التخلص من مشاعر الرعب التي جربتها هذه الليلة .. أمسكت بالكرسي وبقيت واقفاً .. وبأمان واقفاً على حافة الجنون ربما .. ومن الأرض .. من تحت قدمي انطلق الصوت واضحاً جداً .. إذا أردت أن أصفه أقول تصوروا طفلاً عمره يوم أو ساعات بتكلم … هكذا كان صوته .. وهكذا كان .. قال .. خلصني .. خلصني .. وامتد الصوت كأنه صدى .. ولم اعد استطع تميزه .. وتكاد الرؤية تتقدم تماماً في الغرفة .. وقدماي ما
عادتا قادرتين على حملي .. ولكن شجعت نفسي وتكلمت ..و تكلمت … تكلمت معه .. قلت : من أنت .. من أنت ؟ … خطر لي لحظتها ان من يسمعني الان سيظنني مجنوناً يكلم نفسه .. وخاصة واني اعتقد ان الصوت لم يكن يسمعه احد غيري ان وجد .. لم اسمع سوى صوت مبهم من الانين والبكاء تتلاشى مع الصدى .. أعدت سؤالي عليه .. فأجابني : فلانة .. فلانة .. فلانة … تساءلت مع نفسي مندهشاً ولكنها تبعد عنا الآن مئات بل ربما آلاف الكيلومترات أخذها زوجها وذهبا بعيداً ولم يعوداً أبدا … ثم سألته مرة اخرى وانا غير مصدق لنفسي اني أتحدث مع روح او شبح او أي شيئ لست ادري ما هو قلت له : كيف اخلصك .. أخلصك ؟ وبعد فاصل عميق من الصمت والظلام أجابني كأنه صدى … احفر … احفر .. ثم غمر صوته بكاء وانين يقطعان نياط القلب .. جلست على الكرسي وركبتاي ، تصطكان من الاعياء والخوف ربما .. بقيت جالساً حتى بداً ضوء الفجر يزحف واصبحت الرؤية ممكنة .. تناولت معولاً وبدأت احفر في مكان الصوت ..
حفرت على مهل ، كأني ابحث عن شيئ اخشى ان ينكسر ، وكنت اتلمس بيدي بين اونة وآخرى … واصبح التراب رخواً ولينا .. رميت المعول وحفرت بيدي وكانت القشعريرة تعتريني .. كلما لمست شيئاً غريباً .. عاد الصوت مرة اخرى .. كانت علامات الارتياح تبدو من نبرته كلما حفرت اعمق … وبدأت رائحة كريهة تنبعث في المكان .. رائحة ميت .. لامست بيدي شيئاً رطباً كتلة لزجة . وأوشكت أحشائي ان تقتلع وأنا أحاول ان أتقيأ وأنا اسحب الكتلة اللزجة .. لم اعد أقوى على البقاء خرجت من الغرفة مسرعاً الى نهير صغير يمر بالبستان غسلت يدي ووجهي شعرت بالارتياح وعدت .. وكان الصوت موجوداً ينتظر او كان ينتظر بفارغ الصبر .. عدت الى الغرفة … سحبت الكتلة اللزجة وانا أتفحصها .. كانت هيكلاً عظمياً صغيراً وهشاً كأنه هيكل غضروفي وكان ثمة رأس وبقايا شعر خفيف ، خفيف كشعر لمولود صغير .. وكان حول
الرقبة قطعة حبل من قماش مبروم .. فتحت الحبل الرث ورميته بعيداً .. لست ادري أين .. أخرجت الجثة الصغيرة خارج الغرفة … ودفنتها في حفرة جديدة .. قبر حقيقي .. كان الصوت تتبدل نبرته الى الفرح والسرور .. ولم اسمع منه الا .. شكراً .. شكراً .. وهو يتلاشى مبتعداً …
ظلت هذه القصة … لغزاً.. أفكر بفلانة وما علاقتها بالأمر لماذا أخذها زوجها .. واختفيا بعيداً بعيداً جداً .. هل يكون ابنها … ابنا غير شرعي … خنقته ودفنته لتتخلص من العار …أنها فكرة بشعة وفظيعة .. لا أستطيع تحملها او حتى التفكير بها … ولكن كيف سأعرف سر هذا اللغز .. ما علاقة فلانة بهذا الكائن البائس الذي دفنته عميقاً في التراب ودفنت قصته عميقاً في داخلي ؟
ولكن بعد عمر طويل ثلاثين او اربعين او خمسين سنة ربما تبدو ان الفرصة لكشف السر قد جاءت … فلانة مريضة وقد جاءوا بها الى مستشفى المدينة .. اخيراً عادت … قررت ان اذهب اليها … بعد ان بدأت اشك بنفسي … لاتأكد من أن قصتي هذه ليست وهماً من خيال مريض ومجنون … ذهبت اليها .. قلت لها : فلانة يافلانة اريد ان اسألك سؤالاً أرقني طوال عمري وانت الوحيدة التي تمتلك الجواب …اومأت برأسها معبرة عن استعدادها للجواب .
قلت : بعد شهر من رحيلك مع زوجك الى ذلك المكان البعيد .. رأيت حلماً ( ولم أقل لها الحقيقة مباشرة ) رأيت طفلاً وليداً وعلى رقبته حبل يخنقه وهو يبكي طالباً النجدة وقال لي انه ابنك …
قالت وهي ترفع جسدها في سريرها وقد علاها الشحوب : ماذا .. ماذا تقول .. ابعد كل هذا العمر والماضي لم يتركني .. وصرخت صرخة رهيبة مؤلمة اقشعر لها بدني ، يبدو لي ان كل من في المستشفى قد سمعها .. وعندما حضر بعضهم مسرعين الى غرفتها..كانت قد ماتت ..



#مؤيد_سامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- • في يوم ما
- رؤى قلقة
- المأزق الأخلاقي للمثقف
- غاستون باشلار.. من العقل إلى المخيلة
- غسق الكراكي: قراءة تأويلية في العنوان


المزيد.....




- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤيد سامي - غرفة مظلمة