أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مؤيد سامي - المأزق الأخلاقي للمثقف















المزيد.....

المأزق الأخلاقي للمثقف


مؤيد سامي

الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 00:28
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يبدو أنه لا يوجد مجتمع يخلو من المثقفين أو من يقوم بدورهم ؛ وللبرهنة على ذلك نستطيع أن نضع تعريفاً مقبولا للمثقف يصلح معياراً في تفحص هذا الأمر . فالمثقف هو شخص رأسماله أفكاره .. أي أن العمل الذي يقوم به هو عمل فكري ، ذهني بالدرجة الأولى ويقوم بإنتاج سلع رمزية لمجتمعه لها علاقة بقيم وأفكار يتبناها المجتمع .. لذلك تتعدد صوره وأدواره وأعماله عبر الأزمات المختلفة والمجتمعات المختلفة إلاّ أنه وبشكل ثابت يجد نفسه أمام خيار محدد بـ( أمّـا ... أو ..) وهو بما يتمتع به من قابلية ذهنية ومعرفية يواجه ضغطاً كبيراً من الجماعات المختلفة لكي يمثلها .. وغالباً ما تكون السلطات المركزية هي الأقدر من غيرها على توظيف المثقف للدفاع عن قيمها السائدة وتبريرها .. وذلك لأن المثقف كإنسان قبل كل شيء معني بالحصول على المال والجاه أيضاً .. وفي هذه النقطة غالباً ما يبدأ الإحساس بالمأزق الأخلاقي الذي يواجهه .. فقبل أن تكون السلطة ظالمة أو عادلة ، يكون السؤال هو هل أن على المثقف أن يعبر عن قيم فكرية وعقلية موضوعية أم عليه أن يدافع عن قيم غيره ؟ وهنا نجد أنفسنا قريبين جداً من مفهوم ( المثقف العضوي ) للمفكر الايطالي (أنطونيو غرامشي ) فالمثقف ينتمي إلى جماعة محددة ويدافع عن قيمها ويبرر أعمالها وهو قادر على تغيير مواقعه باستمرار بما يتناسب مع انتمائه .. وبالتالي فإنّ الصورة المقابلة التي يطرحها المفكر ( جوليان بندا ) تبدو مغرقة في المثالية ؛ فهو يرى في المثقف فرداً منعزلاً مستغلاً لا يعرف في الحق لومة لائم وهو لا يعترف بوجود قوة لا يمكن انتقادها .. هذه الصورة رغم جمالها لا وجود لها في الواقع ولكن يمكن القول أن المثقف المنتمي يحتاج دائماً إلى قدر كبير من النزاهة والموضوعية والشجاعة لقول الحق وإظهار الحقيقة باعتبار أنّ موقف جماعته مهما كانت يجب أن لا يتعارض مع هذا العمل؛ والمثقف العضوي بهذا المعنى يكون أمام المأزق الأخلاقي مجدداً . فالجماعات ( حتى المعارضة منها ) التي لابد أن ينتهي إليها الأفراد .. لا يمكن أن تنجو من تحيزات ومن تطرفات فيها مجانبة للحق أحياناً .. إنّ المسؤولية الأخلاقية للمثقف يجب أن تجعله قادراً على تخطي التحيز والانتماء الضيق .. والانتماء للحق فذلك هو الموقف النموذجي الوحيد الذي يفترض أنّ الجميع متـفـقون عليه .. إلاّ أن الواقع ليس بمثل هذا الوضوح .
فالحق والحقيقة غالباً ما تكون مسألة نسبية وبشكل مبالغ فيه أحياناً وأمثلة التاريخ ليست قليلة ..فالكثير من العقول الألمانية وقفت ودافعت وتبنت الفكر النازي . رغم أننا ندرك الآن أن الأدلة كلها تدحض الفكر النازي ، والأدلة من الوفرة بحيث يصعب علينا أن نصدق كيف أن هذه الأدلة والحقائق الكثيرة عجزت أو فشلت في تقديم أوبناء معرفة صحيحة تمنع الألمان ( ومثقفيهم خصوصاً ) من السير في طريق الكارثة النازية .. وهذا هو ما يشير إليه المفكر الأمريكي ( نـعـوم تشومسكي ) ( بمشكلة اورويل ) ، حيث أنّ أول من أشار لها وأوضحها هـو الروائـي المعروف (جورج اورويل ) مؤلف رواية ( 1984 ) ، والتي يتنبأ فيها بسيادة الأنظمة الشمولية في العالم .
ولعل أغرب ما في الأمر أنّ تشخيص هذه المشكلة من قبل تشومسكي ومن محاولته الدائية من حلها عبر أعماله السياسية والاقتصادية المختلفة .. إنّ كل هذه الجهود لم ولن تمنع من تكرر الموقف مرة بعد أخرى .. وإن كان هذا لا يجب أن يمنع المثقف من القيام بدوره أو بالأحرى القيام بواحد من واجباته وهو عرض أكبر قدر ممكن من الحقائق لكشف التناقض في المعرفة السائدة ومحاولة بناء معرفة صحيحة بالمقابل .. ولعل من أقسى الأمثلة التي نحياها الآن وأمرّها هو ما يحدث للفلسطينيين. فرغم كل الوثائق الدامغة على الجرائم الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بفئاته المختلفة ، فإنّ الرأي العام الغربي يجد نفسه حتى الآن أقرب إلى الظالم منه إلى الضحية .. وإن كانت هناك علامات تحول واضحة وكبيرة إلاّ أنها لا تتناسب أبداً مع قسوة وحشية الأدلة الدامغة .. ولقد أشار إلى مثل هذا التحول الروائي المعروف ( ميلان كونديرا ) الذي استلم جائزة القدس في إسرائيل عام 1985، حيث قال ، وعلى لسان أحد أبطال روايته (خِفّة الكائن التي لا تحتمل)(4)، ما معناه : لقد كان المثقفون الأوربيون يساندون اليهود لأنهم ضحية في وقت ما ، أمّـا الآن فيبدو أن الضحية أصبحت شعب فلسطين .. وهذا بلا شك من نتاج انتفاضة الحجارة . أي بعبارة أخرى إنّ قوة الأدلة استطاعت أن تبني ولو ببطء معرفة جديدة قائمة على أدلة كثيرة وإن كان عدم التناسب ما زال واضحاً من حيث ضخامة الأدلة المتوفرة وضآلة المعرفة الناتجة عنها .. ولعل الوجه الآخر لهذه المشكلة أي مشكلة اورويل هو ما نراه من كثرة وضخامة حجم المعرفة المتيسرة لدى البشر وقلة الأسس التي تقوم عليها هذه المعرفة وهذا ما أسماه تشومسكي بـ ( مشكلة إفلاطون ) (5).. وهو ما دفعه إلى تفحص الأسس التي تقوم عليها بعض المعارف البشرية وخاصة مجال اللغة .. لعل ذلك يساعد على التعرف على إمكانية إنشاء معرفة صحيحة تناسب الأدلة المتوفرة .. وبلا شك فإنّ الحس الأخلاقي لتشومسكي يجعله يتفحص الأسس التي تقوم عليها المعرفة وذلك بغية الوصول إلى أحكام صائبة حول ما يجري في العالم .. وإن المأزق يتكرر مرة بعد أخرى ، فعلى المثقف أن يظهر الحقائق باعتبارها الطريقة المنطقية الوحيدة لإمكانية بناء معرفة صحيحة .. رغم أن بعض هذه الحقائق قد تتعارض مع انتمائه ومع مصالح جماعته .. إنّ أية محاولة لإخفاء الحقائق أو حتى التلاعب بها يعتبر عملاً لا أخلاقياً يضع المثقف في مأزق نفسي ووجودي كبير .. وكما قلنا سابقاً فإن الواقع لا يتمتع ببرود وهدوء الأفكار المجردة .. فالمثقف لا يجد أمامه خياراً سهلاً ؛ فهو مهدد بعيشه وعائلته ومستقبله وربما حياته أيضاً ، لذلك ليس غريباً أن نجد أن النموذج الواقعي للمثقف هو المثقف المنحاز لانتمائه ولمصالحه .. أمّا القلة القليلة الباقية فهي لا تجد أمامها التزامها الأخلاقي خياراً سوى السكوت أو الانسحاب من الحياة الثقافية وهجرها إلى عوالم أخرى .. وتظل هناك إمكانية ضئيلة لنوع من ( أضعف الإيمان ) هو العمل الفكري والثقافي في مسائل إختصاصية شديدة التعقيد وتتطلب تطويراً في أساليب الخطاب وفي طرق تغبير المثقف عن نفسه وعن حسه الأخلاقي وعن انتماءاتـه .. ويبدو أنه لا نستطيع أن نتخلص نهائياً من ازدواجية النظرة إلى المثقف فهو عليه أن يوازي دائماً بين كونه فرداً مستقلاً يمتاز بقدرته على العمل والإنتاج الفكري كما يرى وبين كونه لا يستطيع التخلص من انتماءاته بل أن قدره أن يكون مؤدلجاً يدافع عن مصالح محددة كما يرى غرامشي .. وربما كانت التجارب أو الصورة التي يذكرها إدوار سعيد في كتابه صور المثقف تقدم نوعاً من الحل الايجابي لهذه الازدواجية ؛ فعلى المثقف أن يمتاز بحس نقدي سليم وبقدرة على ممارسة النقد دائماً على نفسه وأفكاره ومسلماته أولاً ثم على كل الأفكار والقوالب الجاهزة التي تحاول أن تصادر الحقيقة ومعرفتها وتحد من عقله كما يرى علي حرب في كتابه أوهام المثقف ..فهو معني أساسا بالانتباه إلى أنّ ما قد يعتبره مفاهيماً لا يمكن المساس بها ما هي إلاّ أوهاماً لا تطرح على أرض الواقع إلاّ نقائضها .
ليس على المثقف أن يمنح ولاءً نهائياً لجهة ما فليس ثمة ما لا يمكن توجيه النقد لـه .. ولعل في تجارب الأنظمة الشمولية في أوربا أمثلة ساطعة على ذلك .. وعليه أن يلتزم دوماً بقول الحقيقة وبالقدرة على ذلك وليس ذلك بالأمر السهل بغض النظر عن الأنظمة الاجتماعية والسياسية التي يحيا في ظلها المثقف . لذلك لا يمكن اختزال دور المثقف إلى مجرد اختصاصي منعزل يمارس عملاً فكرياً أو ذهنياً لتحقيق مصلحة جهة ما ، كما لا يجب إعطاء المثقف دوراً رسولياً يضعه فوق الآخرين بصفته يعرف ويمتلك الحقيقة ويستطيع أن يدل أو يقود الآخرين إليها .. بل يبدو أن دور المثقف في الحقيقة هو أن يوضح أنه ليس هناك مثل هذه الحقائق التي يمكن امتلاكها واعتبارها نهائية ؛ بل إنّ سمة الحياة والواقع هي التغير والحركة سواءً على الصعيد المادي أو الفكري .. فالمجتمعات عندما تتغير قيمها المادية فإنّ قيمها الفكرية لن تظل ثابتة أو جامدة ؛ ومن يتصور هذه القدرة لأفكاره فإنه ، وكما يرى ( د. علي حرب ) بحق ، يجني عليها أولاً قبل أن يجني على نفسه والآخرين ..
!

المصادر
1- صور المثقف / ادوارد سعيد
2- المعرفة اللغوية / نعوم تشومسكي
3- خفّة الكائن التي لا تحتمل / ميلان كونديرا
4- أوهام النخبة ونقد المثقف / د. علي حرب



#مؤيد_سامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غاستون باشلار.. من العقل إلى المخيلة
- غسق الكراكي: قراءة تأويلية في العنوان


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مؤيد سامي - المأزق الأخلاقي للمثقف