أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (2) إرتِبَاكاتُ حَلْبِ التُّيوسْ!















المزيد.....


حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (2) إرتِبَاكاتُ حَلْبِ التُّيوسْ!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 2977 - 2010 / 4 / 16 - 09:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 5-11 أبريل 2010
(8)
أتاحت لنا الفسحة الزمنيَّة الممتدة ما بين الحلقتين الأولى والثانية من هذه الرُّزنامة، أن نتقصَّى المآلات النهائيَّة لمواقف قوى الإجماع الوطني، الثابت منها والمرتبك، إزاء الانتخابات العامَّة الرَّاهنة التي بدأت مرحلة الاقتراع فيها صباح الأحد 11/4/2010م.
وكنا أنهينا الحلقة الأولى بالتعرُّض النقدي لموقف (حزب الأمَّة القومي)؛ فقد شارك، مساء الخميس 1/4/2010م، في الاجتماع الذي أعلنت، من خلاله، المفردات الرئيسة لهذه القوى، باستثناء (المؤتمر الشعبي)، مقاطعة الانتخابات الرئاسيَّة، مستهدفة نزع (الشرعيَّة) عن محاولة البشير للفوز بفترة رئاسيَّة جديدة، بل وأعلن بعضها مقاطعة هذه الانتخابات حتى في مستوياتها الأدنى. لكن (حزب الأمَّة القومي)، وبدلاً من أن يأخذ في اعتباره تآكل الزمن المتبقي على ميعاد الاقتراع، أرجأ تحديد موقفه النهائي إلى اليوم التالي؛ ثمَّ عاد وأمهل (الجَّماعة ديل) إلى الثلاثاء 6/4/2010م، لإحقاق ثمانية "شروط" كان من رأينا أن طرحها، في هذا الوقت بالذات، غير مجدٍ، بل وقد يكون مضرَّاً جدَّاً، بالنظر، من جهة، لسهولة توقع موقف السُّلطة منها، وبالنظر، من جهة أخرى، لحالة البلبلة التي يمكن أن يخلقها لدى الناخبين، ولمَّا يتبق سوى بضعة أيام على التاريخ المحدَّد للاقتراع في 11/4/2010م.
وقد فاقم، بالفعل، من هذه البلبلة إعلان السَّيِّد الصادق المهدي، قبيل ساعات من صدور قرار المكتب السِّياسي للحزب، عن استجابة السُّلطة لـ 90% من تلك "الشروط"، فاتحاً الباب، على مصراعيه، أمام تكهُّنات بلا حدود، وشائعات لا أوَّل لها ولا آخر، في بيئة سياسيَّة ملغومة أصلاً بما يكفي وزيادة من التكهُّنات والشَّائعات الضَّارة!
أخيراً، وفقط بانتهاء المهلة المذكورة، بل بعد يوم إضافي من نهايتها، وقبل أربعة أيام، فحسب، من تاريخ الاقتراع، أصدر المكتب السِّياسي، بالأربعاء 7/4/2010م، قراره بمقاطعة الانتخابات في كلِّ مستوياتها. وما كان أجدر ذلك القرار المجيد بالصدور ضمن قرار المقاطعة الجَّماعي المعلن مساء الخميس 1/4/2010م، كونه الوحيد الصائب بكلِّ الحسابات، بدلاً من إضاعة ستة أيَّام غاليات في جدال لا يكاد يرشح منه شئ يطمئن جماهير الحزب، دع حلفاءه وعموم الناخبين!
وبالحقِّ، ورغم أن ديناميكيَّة المؤسَّسيَّة الحزبيَّة مرغوب فيها، إلا أنَّ سؤالاً مهمَّاً ما ينفكُّ ينطرح هنا بإلحاح: هل كان هذا الحزب الجَّماهيري، الكبير، الخبير، المتمرِّس، المفترض فيه أن الحادثات الجِّسام قد عركته، وأن التجارب التاريخيَّة قد جمَّرته، محتاجاً، أصلاً، ولو لساعة واحدة، كي يحسم موقفه، مشاركة أو مقاطعة، في وجود ما لا حصر له مِن الحقائق التي راكمها، على قفا مَن يشيل، مخضُ الصِّراع العنيف، مع (الجَّماعة ديل)، حول عدالة النزال الانتخابي، ووفرتها، بما يكفي ويفيض، معطيات التجاذب الذي لم يهدأ، طوال أربعة أشهر، مع (المفوَّضيَّة)، حول أبجديَّات إدارة الانتخابات بالحدِّ الأدنى من (الحُرِّيَّة والنزاهة والشفافيَّة)؟!
على كلٍّ، وبرغم المزيد من الإرباك الذي سبَّبه التعارض بين البيان الذي تلته الأستاذة سارة نقد الله، رئيسة المكتب السِّياسي، والذي شدَّدت فيه على أن الحزب لن يكتفي بمقاطعة الانتخابات، فحسب، بل و"لن يعترف بنتائجها" (موقع بي بي سي على الشبكة، 7/4/10)، وبين التصريح اللاحق الذي تعهَّد السَّيِّد الصادق، من خلاله، "باحترام النتائج النهائية مهما كانت!" (أ ف ب، 9/4/10)، كنموذج بليغ لـ (حلب التيوس)، طبق المثل الشَّعبي السَّائر بدلالة التناقض المربك بين (المعطيات الأوَّليَّة) و(المطلوبات النهائيَّة)، إلا أن قرار المقاطعة، في حدِّ ذاته، مكن الحزب، مع ذلك، وبضربة واحدة، من أن يسجِّل لحسابه نقطتين على درجة عالية من الأهميَّة، إحداهما أساسيَّة والأخرى عرضيَّة:
فأما من جهة النقطة الأولى الأساسيَّة، فقد أبقى هذا القرار خيار الحزب مفتوحاً، في المديين القريب والمتوسط، إن لم يكن في المدى البعيد أيضاً، على مواصلة استمساكه بحُجَّته القديمة، المفحمة، والقائمة في كون رئيسه هو رئيس الوزراء (الشَّرعي)، وبكون الحزب هو صاحب الأكثريَّة البرلمانيَّة المنتخبة، قبل انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م، في مناخ من (الحُرِّيَّات الديموقراطيَّة)، وتحت إشراف حكومة (انتقاليَّة) لم تجابَه بهذا الحجم من المعارضة التي تجابه (حكومة الحزب الواحد) الحاليَّة، وبإجراءات لم يُطعن فيها بمثل هذا القدر الهائل من الطعون المثارة بشأن الانتخابات الرَّاهنة، وذلك بعد أن كاد (حلب التيوس) يهدر هذه الحُجَّة، تماماً، في ما لو كان الحزب قد (تورَّط) في هذه الانتخابات المثيرة للجدل، داخليَّاً وخارجيَّاً، والتي لطالما اعترض هو نفسه على إجراءاتها (الضَّامنة) لنتائجها (المضروبة) سلفاً، حالة كون حزمة من الشكوك القويَّة تحتوش (شرعيَّتها)، من كلِّ حدب وصوب، لجهة افتقارها لأبسط مقوِّمات (الحريَّة والنزاهة والشفافيَّة)، الأمر الذي كان من شأنه أن يقلب وضعيَّة رئيس الحزب ومرشحيه، عبر مشاركتهم فيها، واضطرارهم، من ثمَّ، وبالضرورة، لـ (الاعتراف) بنتائجها، إلى وضعيَّة (الهزيمة) المؤكدة، بعد أن يكونوا قد منحوا الحزب الحاكم (قوَّة الشرعيَّة)، بدلاً من (شرعيَّة القوَّة)، مِمَّا ظلَّ يتحرَّق شوقاً لنواله، طوال العشرين سنة الماضية، دون أن يستطيع إلى ذلك سبيلا!
وأما النقطة الأخرى العرضيَّة التي سجلها الحزب لصالح صورته السِّياسيَّة، من خلال الحوارات المطوَّلة، والنقاشات الصبورة، وسائر الاجراءات التي اتبعها مكتبه السِّياسي، رغم رأينا الذي عبَّرنا عنه أعلاه بأنه ما كان مفترضاً فيه احتياجه، على أيَّة حال، إلى شئ من ذلك كله لأجل التوصُّل إلى القرار الصحيح، بحكم محايثته الوثيقة لوقائع السِّجال العقيم بين قوى الإجماع الوطني وبين الحزب الحاكم ومفوَّضيَّة الانتخابات، فهي هذا الانطباع القوي الذي يخلقه في أذهان الآخرين، عموماً، وعلى نحو أو آخر، وسواء قصد إلى ذلك أو لم يقصد، حين ينظرون إليه كحزب بلغ في مسار تطوُّره مثل هذا المستوى المتقدِّم من احترام المؤسَّسيَّة، وتوقير مشروعيَّة الاختلاف، ومراعاة حقوق الآراء المتباينة داخله في التعبير عن نفسها، على الأقل في مستوى حلقاته القياديَّة، بصرف النظر عن أيِّ رأي مغاير، حيث للحقيقة، دائماً، أكثر من وجه، الأمر الذي سيلقي على عاتقه بعبء جديد، إذ سيضحى من غير المقبول، يقيناً، أيُّ ارتداد منه، في المستقبل، عن هذه القيم التي ظلَّ غيابها يشكل، في العادة، مطعناً تقليديَّاً في أداء أحزابنا الوطنيَّة.

(9)
أما (الحزب الاتحادي الأصل)، أو (حزب الحركة الوطنيَّة) كما يحلو لعضويَّته ومناصريه أن يدعوه، والذي لم يكن، في البداية، جزءاً من قوى الإجماع الوطني التي تكوَّنت من خلال (مؤتمر جوبا، 26 ـ 30 سبتمبر 2009م)، بل أدرج نفسه ضمنها، بآخرة، في 27/3/2010م، فإنه، وبعد أن قطع شوطاً طويلاً في الاستعداد للمشاركة في الانتخابات، عاد وانضمَّ، في 1/4/2010م، إلى قرار هذه القوى بالمقاطعة الشاملة، في ما بدا، للوهلة الأولى، انتصاراً داخليَّاً للموقف الذي ظلَّ يدعو إليه، أصلاً، نائب رئيسه، الأستاذ علي محمود حسنين، والتيَّار الرَّاديكالي الذي يمثله. غير أن الحزب، وربَّما لكونه لم يلزم نفسه، على العكس من حزب الأمَّة القومي، بأيَّة شروط لإمكانيَّة تراجعه عن ذلك قرار، سرعان ما انقلب يتراجع عنه، عمليَّاً، وبطلاقة مدهشة، دون أن يحفل حتى بتقديم حيثيَّات مقنعة تؤسِّس، ولو بالحدِّ الأدنى، لهذا التراجع، ولمَّا تكن قد مضت على قرار المقاطعة سوى بضع سويعات، فلكأن من مهره بتوقيعه لم يكن مفوَّضاً فيه، بل محض فضولي! ثمَّ ما لبث الحزب أن أقبل يشارك، حثيثاً، في كلِّ المستويات الانتخابيَّة، وكأن شيئاً لم يكن، مشرعاً أبوابه ونوافذه لشتى أنواع التفسيرات السَّالبة، ومختلف صنوف الشَّائعات الضَّارة، والتي طرقت، بلا أدنى شك، آذان قياداته، تربط بين هذا الموقف المستجدِّ وبين (الجَّماعة ديل)، دون أن تبدي هذه القيادات أدنى اهتمام بدحض هذه الشَّائعات، على ما هي عليه من أثر وخطر! وحده حاتم السر، حسب علمي، هو من تصدَّى بالرَّد عليها، لكن، للأسف، بشكل مبتسر، حيث اقتصر خطابه أمام جماهير الحزب الغفيرة بمنطقة شندي على التعبير عن استيائه من الأحاديث عن (صفقة!) ما مع (المؤتمر الوطني) أعادته للمنافسة كي يعطي النظام (شرعيَّة) يحتاجها، مؤكداً على أنهم يخوضون الانتخابات من أجل الفوز بها (الأحداث، 10/4/10). غير أنه اكتفى بذلك، صامتاً عن بسط الحُجَّة السِّياسيَّة المقنعة وراء التجسير المفاجئ، خلال ساعات قلائل، للهوَّة الفاغرة بين (المقاطعة الشَّاملة) و(المشاركة الشَّاملة)!
هكذا، لم تتبق، في تفسير انقلاب موقف (الاتحادي الأصل) هذا، سوى (ارتباكات حلب التيوس)، لجهة المنطق الداخلي للقرار، حيث سارت (المطلوبات النهائيَّة)، هنا أيضاً، في خط مناقض، تماماً، لـ (المعطيات الأوليَّة)، مِمَّا لا يورث أنصار الحزب، والجَّماهير عموماً، سوى المزيد من البلبلة! ذلك أن الكثير من رموزه الكبار ظلوا، برغم هذه المشاركة الحثيثة، يشككون في العمليَّة الانتخابيَّة برمَّتها، ويطالبون بتأجيلها، ويذمُّون المفوَّضيَّة، إلى ذلك، بأشنع النعوت؛ فلم يستنكف، مثلاً، السَّيِّد أحمد سعد عمر، أحد أبرز أركان الحزب الأساسيين، من التصريح بأن "المفوَّضيَّة غير محايدة، قدَّمنا إليها عدَّة مذكرات وملاحظات لم تأبه بها، لذا فنحن نطعن في نزاهتها وحيدتها! أما دارفور فغير آمنة، ولا يمكن إجراء الانتخابات فيها، ونحن لا نوافق على انتخابات جزئيَّة، لا بُدَّ من تأجيل هذه العمليَّة لستة أشهر!" (قناة الجزيرة، 3/4/10).

(10)
وأما الحركة الشعبيَّة، فيجدر التذكير، توخِّياً للأمانة، بموقفها المعترض، منذ البداية، على (التعداد) الذي جرى، بموجبه، رسم وتقسيم الدوائر الجغرافيَّة، بالأخصِّ في ولاية جنوب كردفان، وما إلى ذلك من قضايا خلافيَّة، كترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وترسيم حدود منطقة أبيي، فضلاً عن إعلانها أنها ستقاطع الانتخابات إذا لم تتوفر فيها شروط (الحُريَّة والنزاهة والشَّفافيَّة).
فمنذ أكتوبر من العام الماضي، عشيَّة انطلاق عمليَّة التسجيل، رهنت الحركة مشاركتها في هذه الانتخابات بتنفيذ ستة شروط، على رأسها إقرار حقِّ تقرير مصير الجنوب، وحلِّ مشكلة دارفور سلمياً، وتعديل القوانين المرتبطة بالتحول الديموقراطي. وحتى قبل تدشين حملتها الانتخابيَّة، عقد السَّيِّد جيمس واني إيقا، نائب رئيسها المسؤول عن ملف الانتخابات، مؤتمراً صحفيَّاً طالب، من خلاله، المفوَّضيَّة بـ "منع أيِّ تزوير"، كما توعَّد بمقاطعة الانتخابات ما لم تتم الاستجابة لشروط (إعلان جوبا) لقوى الإجماع الوطني، الصادر في 30/9/2009م، بما في ذلك تعديل القوانين المقيِّدة للحريات، مشيراً إلى أن هذه القوى ستلتقي مرة أخرى لإصدار قرار حاسم في هذا الشأن، على ضوء تعامل السلطة مع هذه الشروط (الحياة اللندنيَّة، (13/10/09).
وفي السِّياق نفسه عاد السَّيِّد دينق ألور، القيادي بالحركة، ووزير خارجيَّة السودان، إلى التصريح، على هامش اجتماعات للاتحاد الأفريقي بأديس أبابا، قبل ثلاثة أشهر، محذراً من أن عدم الاستجابة لمطالبهم "قد يهدِّد الانتخابات العامة المقررة في أبريل المقبل"، مومئاً إلى احتمال مقاطعتهم لها (رويترز، 30/1/10).
إذن، بقليل من المتابعة الدَّقيقة، نستطيع أن ندرك أن خيار المقاطعة لم يطرأ، لدى الحركة، كمستجدٍّ خلال الأيَّام الأخيرة التي سبقت عمليَّة الاقتراع، بل هو خيار قديم حذرت من مغبَّة دفعها إليه في أكثر من مناسبة، لولا أن (الجَّماعة ديل) لم يتعاملوا مع تلك التحذيرات بما يكفي من الجِّدِّيِّة!
رغم كلِّ ذلك واصلت الحركة إعداد نفسها لخوض الانتخابات في مستوياتها كافة، حيث كانت قد أعلنت، في 15/1/2010م، ترشيح الأستاذ ياسر عرمان للمنافسة على رئاسة الجمهوريَّة؛ وهو الترشيح الذي يبدو أن المؤتمر الوطني فوجئ به، فأثار حفيظته، ودفعه لارتكاب حماقة سياسيَّة غير محسوبة، بل ومثيرة لكثير من الاستغراب، خاصة وقد ربطتها المصادر بالأستاذ علي عثمان طه، أكثر رموز نخبة الحكم دربة، وحنكة، وحكمة، وهدوء أعصاب عند الملمَّات، حيث أقدم، في اجتماع للجنة السِّياسيَّة المشتركة بين شريكي اتفاقيَّة السَّلام، والتي يترأسها هو ود. رياك مشار، على طلب سحب ترشيح ياسر لرئاسة الجُّمهوريَّة! لكنه، عندما ووجه طلبه بالرفض، أعلن، في ما لا يمكن وصفه بغير التوتر، عن فضِّ الاجتماع، ولمَّا تكد تنقضي دقائق معدودات على انعقاده، بل وتجميد عمل اللجنة نفسها إلى ما بعد الانتخابات، الأمر الذي استنكرته الحركة، وعدَّته نكوصاً عن اتفاقيَّة السَّلام، وأبلغت بذلك مجموعة الإيقاد. لكن، وبعد قطيعة دامت أسابيع، تمَّت تسوية الأمر في لقاء جمع طه إلى سلفا كير، بجوبا، في مطلع فبراير 2010م، حيث اتفقا على مواصلة العمل المشترك تنفيذاً للاتفاقيَّة. ومع ذلك حرص رئيس الحركة على التصريح، عقب اللقاء، بأن الحوار تعدى علاقات الشريكين إلى الملفات التي تهمُّ الوطن، مثل "كيفيَّة إجراء انتخابات تنأى عن العنف، وتتوفر فيها شروط النزاهة والحريَّة" (الشرق الأوسط، 2/2/2010م).
الشاهد أن الحركة بقيت ثابتة على موقفها من تحقيق المطلوبات الأساسيَّة لضمان حُريَّة ونزاهة الانتخابات، كشرط لاستمرارها في خوضها، وذلك عبر كلِّ بياناتها، وإفصاحات قادتها المتواترة، منذ ذلك الحين، وحتى إعلانها، في مؤتمر صحفي مخصوص، عقده د. رياك مشار، نائب رئيسها، وبثته معظم أجهزة الإعلام، مساء الأربعاء 31/3/2010م، بعد أن طفح كيل التجاوز والاخفاق في تحقيق أبسط قدر من تلك المطلوبات، عن مقاطعتها لانتخابات رئاسة الجُّمهوريَّة، وسحبها ترشيح الأستاذ ياسر عرمان من المنافسة على المنصب، فضلاً عن مقاطعة الانتخابات، في دارفور، بكلِّ مستوياتها.

(11)
غير أن موقف الحركة هذا نفسه لم ينجُ، على اتساقه، من لعنة (حلب التيوس)! ففي حين نأي د. رياك مشار ببيانه الذي اتسم بالتأتأة والارتباك، في مؤتمره الصَّحفي المذكور، عن التركيز على حديث انعدام الحُرِّيات، والتزوير .. الخ، محيلاً دوافع القرار إلى الأوضاع المتردِّية في الإقليم فحسب (قناة الجزيرة، 31/3/10)، أرجع الأستاذ ياسر الأمر، بوضوح، في تصريحات شديدة الصَّرامة، إلى جملة عوامل، من ضمنها تردِّي الأوضاع في دارفور، لكن في مقدِّمتها انعدام الحُرِّيَّات، والتزوير، والتعداد، والتسجيل، وطباعة البطاقات الانتخابيَّة في مطبعة العملة الحكوميَّة، وما إلى ذلك (المصدر).
ثمَّ كان أن اتخذت الحركة، لاحقاً، قراراً آخر تلاه أمينها العام، فاقان اموم، على أجهزة الصحافة والإعلام، بحضور ومشاركة نائبه المسئول عن قطاع الشمال، ياسر عرمان، وفحواه مقاطعة الحركة للانتخابات، بكلِّ مستوياتها، في 13 ولاية شماليَّة، واستثناء ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، عازياً أسباب ذلك إلى "عمليَّات تزوير واسعة" شابت الانتخابات (وكالات وقنوات، 6/4/10). سوى أن الفريق سلفا كير، نائب رئيس الجُّمهوريَّة ورئيس الحركة، صرَّح، بعد يومين كاملين من ذلك، وفي سياق مخاطبة سياسيَّة باستاد بانتيو، بأن "ما صدر عن الأمين العام للحركة موقف شخصي، و(المكتب السِّياسي لم يقرِّر) مقاطعة الانتخابات في الشمال، بل (قرَّر سحب ياسر) من انتخابات رئاسة الجُّمهوريَّة، و(قلنا إننا سنستمر) في الانتخابات في المستويات الأخرى" (أقواس التشديد من عندنا ـ قناة الجزيرة، 9/4/10).
وكان السَّيِّد أتيم قرنق، القيادي بالحركة، ونائب رئيس المجلس الوطني، قد استبق تصريحات سلفا، بأن شنَّ، من جانبه، هجوماً عاصفاً على فاقان، متهماً إياه "بتجاوز (التفويض) الذي منحه سلفا لـ (اللجنة المكلفة) بتقييم الموقف من الانتخابات، و(التقرير) بشأنه .. واعتبر المقاطعة (المنفردة)، (بعيداً) عن موقف (باقي القوى) السِّياسيَّة، (بلا معنى)، سيَّما وأن الحركة (مرتبطة بالأحزاب في الشمال) على (المدى البعيد) .. !" (أقواس التشديد من عندنا ـ الأحداث، 8/4/10).
عقب فاقان على التصريحات المتشككة في تجاوزه لحدود (التفويض) الممنوح له من القيادة، مؤكداً على "أن (لجنته مفوَّضة)، بشكل (كامل)، من رئيس الحركة، في اتخاذ (القرار) ..!" (أقواس التشديد من عندنا ـ الأحداث، 8/4/10)؛ كما عقب عرمان، مبدياً، من جهة، حرصه على نفي أيِّ تباين في المواقف داخل الحركة، لكنه شدَّد، من جهة أخرى، على "أن (التكليف) بإعلان مقاطعة الانتخابات في الشمال (صدر إلينا)، فاقان وشخصي، من (قيادة الحركة). أما التصريحات التي صدرت مؤخراً، (فسنبحثها في أقرب اجتماع) للقيادة!" (أقواس التشديد من عندنا ـ قناة الجزيرة، 9/4/10).
قد تبدو هذه التناقضات، للوهلة الأولى، بل لقد بدت، بالفعل، في كثير من التعليقات وأشكال التناول الصَّحفي، كمجموعة كثيفة من (الكلمات المتقاطعة). لكن المدهش، حقاً، ألا يكون ثمَّة سبيل إلى فضِّها، في الوقت الرَّاهن، سوى بالتحليل المدقق في نفس تصريحات رئيس الحركة، من جهة، وتصريحات أتيم قرنق، من جهة أخرى؛ خصوصاً وأن سلفا نفسه، باعتباره القائد الأعلى، أردف بتصريحاته في استاد بانتيو، ثلاث إضافات غاية في الأهميَّة، وإن تعسَّر التقاطها من مصدر واحد، حيث انتثرت بين أكثر من مصدر، بقوله أوَّلاً: "مع ذلك (لا يوجد أيُّ انقسام) في الحركة!" (قناة الجزيرة، 9/4/10)، وبقوله ثانياً: "إن عرمان (سيبقى في موقعه) نائباً للأمين العام لقطاع الشمال!" (الأخبار، 9/10/10)، وبقوله ثالثاً: "إن ما أعلنه الأمين العام عن انسحاب قطاع الشمال من الانتخابات (ما يزال قائماً حتى يُراجع) في وقت لاحق" (أقواس التشديد من عندنا ـ الأحداث، 10/4/10).
ويجدر أن نشير أيضاً إلى أن الأيَّام التالية شهدت صدور تصريحات أخرى من السَّيِّد مالك عقار، نائب رئيس الحركة، يؤازر فيها الشكوك المثارة حول صحَّة قرار مقاطعتها الشَّاملة للانتخابات في الشمال، والذي أعلن أمينها العام.
ولربَّما حقَّ، أوَّل الأمر، لكلُّ من لديه أدنى إلمام بأساليب ومناهج عمل هذا النوع من التنظيمات، أن يرفع حاجبيه دهشة، إزاء هذه التصريحات، خصوصاً الصادرة عن الفريق سلفا، ونائبه عقار، ويتساءل متعجِّباً: إن صحَّ أن فاقان وياسر قد (ارتكبا)، بالفعل، تصرُّفاً منفرداً ومعزولاً، في أمر جلل كأمر الانتخابات، بغير ما استئذان، ودون الرُّجوع للقيادة العليا، وبالتجاوز للمهام الموكلة إليهما، وبالاستناد، فحسب، إلى محض تقديرات ذاتيَّة بحتة، وهما، بعدُ، يشغلان منصبي الأمين العام ونائبه، في تنظيم ما يزال يحتفظ بطبيعته الثوريَّة، وبجبلته العسكريَّة، وبحديديَّة مزاجه التنظيمي العام، بحيث لا يكون ثمَّة مجال لأن يتغاضى عن أدنى خطأ، أو أن يصرف النظر عن أصغر هفوة، فكيف تأتى لردِّ فعل القيادة العليا أن يتأخَّر كلَّ ذلك التأخير، بل وأن يجئ، عندما جاء، بمثل هذا القدر من (التسامح) غير المتصوَّر حتى داخل أكثر التنظيمات المدنيَّة ليبراليَّة واسترخاءً وفضفضة؟!
عند هذا الحدِّ، وبوضع جملة هذه المعطيات في الاعتبار، يثور، ولا بُدَّ، التساؤل المركزي حول حقيقة موقف الحركة بين أمرين لا ثالث لهما: فإما أن هذه المواقف المتقابلة ترهص بانشقاق عميق داخلها، وهو أمر محتمل، دون أن يكون ضاراً بالضرورة، أو أنها محض تقسيم للأدوار متفق عليه، وإن أصابه الارتباك عند التنفيذ، وهو احتمال ضعيف، وإن كان غير مستبعد تماماً!
(نواصل)
***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل (1 2) الاِسْتِكْرَاد!
- مَنْ يَرقُصُ لا يُخفي لحْيَتَه!
- بَرَاقشُ .. الأَفريقيَّة!
- السَّيْطَرَةُ الهجْريَّة!
- رَدُّ التَحيَّة بأَحْسَن منْهَا!
- لَيْلَةُ البَلاَلاَيْكَا!
- الهُبُوطُوميتَر!
- عَودَةُ العَامل والفَلاَّحَة!
- آخرُ مَولُود لشُرطيّ سَابق!
- طَبْعَةُ وَاشنْطُنْ!
- إشكَاليَّةُ القَاوُرْمَة!
- مَنْ يُغطّي النَّارَ بالعَويش؟!
- أيَّامٌ تُديرُ الرَّأس!
- مَحْمُودٌ .. الكَذَّاب!
- يَا وَاحدَاً في كُلّ حَالْ! (2)
- يَا وَاحدَاً في كُلّ حَالْ!
- عَتُودُ الدَّوْلَة (الأخيرة)
- عَتُودُ الدَّوْلَة (13) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ...
- عَتُودُ الدَّوْلَة (12) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ ...
- عتود الدولة (11) ثَوابِتُ الدِّينِ أَم مُتَحَرِّكاتُ التَّدَ ...


المزيد.....




- شاهد تطورات المكياج وتسريحات الشعر على مدى الـ100 عام الماضي ...
- من دبي إلى تكساس.. السيارات المائية الفارهة تصل إلى أمريكا
- بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل: ما هي الدول المنخرطة؟
- السفارة الروسية: طهران وعدت بإتاحة التواصل مع مواطن روسي في ...
- شجار في برلمان جورجيا بسبب مشروع قانون - العملاء الأجانب- (ف ...
- -بوليتيكو-: شولتس ونيهمر انتقدا بوريل بسبب تصريحاته المناهضة ...
- من بينها جسر غولدن غيت.. محتجون مؤيدون لفلسطين يعرقلون المرو ...
- عبر خمس طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني
- هاري وميغان في منتجع ليلته بـ8 آلاف دولار


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (2) إرتِبَاكاتُ حَلْبِ التُّيوسْ!