أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثامر مهدي - الشعر في ميزان مظفر النواب














المزيد.....

الشعر في ميزان مظفر النواب


ثامر مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 2969 - 2010 / 4 / 8 - 08:43
المحور: الادب والفن
    


إن القارئ الموضوعي والمتلقي الحصيف لشعر مظفر النواب لا يحتاج إلى جهدٍ كبير كي يعي الفرق بين شِعْرٍ محكوم عليه بالنسيان وَشِعْرٍ قُدّر له أن يصبح خالداً ومؤثراً تماماً كشأن الملاحم العظيمة التي أنشدها الزمن ولا يزال كالإلياذة والأوديسة والكوميديا الإلهية وقبل ذلك ملحمة جلجامش. وما يميز النواب في شعره عن الشعراء السابقين له أو المعاصرين أنه استطاع أن يوظف المعرفة والتاريخ بكل ما يحملانه من تناقضات، وتعامل مع العصر الذي يعيشه دون أن تحدّ أحداثه من عمق رؤيته وبصيرته النافذة حين اختار أن يكون في صف الإنسان أولاً ودون هوادة. وهذا هو السرّ الحقيقي الذي جعل شعر مظفر النواب مؤثراً في وجدان المتلقي وقريباً من الذائقة على اختلاف تكوينها ومصادرها. حيث أننا نرى وبوضوح أن قصائده تحتوي على عدة مستويات، فهي موجهة إلى الإنسان البسيط، والمثقف على حدَ سواء. فالعناصر الأساسية التي توفرت في أوابد النصوص، هي ذاتها موجودة في قصائد الشاعر مظفر النواب، الفنية العالية، واللغة البلاغية البسيطة مع العمق في التعبير، ودقة البناء النصي الذي فاق الأنماط المعهودة. كل هذه العناصر بالإضافة إلى تأريخ الحدث شعرياً والتعبير عنه بصورة مباشرة دون الإخلال ببناء القصيدة، جعلت من نصوص الشاعر مظفر النواب، نصوصاً مرجعية كغيرها من النصوص الخالدة.
ففي قصيدة (عروس السفائن) يستهل الشاعر قصيدته بهذه المقاطع:

فوانيسُ في عُنُقِ المُهرِ
علَّقَها الإشتهاءُ
ونجمٌ يضيءُ على عاتقِ الليلِ.. زيَّتَ نخلُ الهموم
وأعتقَ من عقدةِ الشاطئين رحيلَ السفينةِ
من سُفُنٍ لا تُضَاءُ
وناحت مزاميرُ ريحُ الفنارِ فأيقظْتَ رُبّانَها المُتّحيل
فذاقَ الرياحَ وأطرَبهُ الإبتلاء
وسادنُ روحي وقد أطْبَقَ الموج
حتى تَجرحَّها
أنها وحّدَت نفسها بالسفينة
من ينتمي هكذا الإنتماء
فنيتُ بعشقٍ وأفنيته بفنائي
لينبتَ من فانيين بقاءُ

هذا المقطع وما يليه من المقاطع الاستهلالية، أشبه بالبناء الأسطوري الذي يمكنه التعبير عن روح وكينونة أي إنسانٍ في العالم. حيثُ يجعل الشاعر المشهد العام كفيلاً بأن يصف لنا رموزه أولاً، ثم يتحدث عن ذاته الثائرة والمتفردة في المشهد. هذه الذات وبخلاف ما يقع فيه أغلب الشعراء ليست ذات الشاعر، ولكنها إطار يرسمه الشاعر لكل من يملك روح الثورة والتفرد.

.1 (نجمٌ) يضيءُ على عاتقِ الليلِ
2. رحيلَ (السفينةِ) من سُفُنٍ لا تُضَاءُ
3. فأيقظْتَ (رُبّانَها)

بدأ الشاعر بالنجم الذي يضيء، وبالسفينة التي اختارها من بين السفن، والربان الذي تذوق الرياح وخصه بالابتلاء دون غيره. هذه الصور المتعاقبة هي بناء دقيق وغير مشوش للحواس، يمكن لأي ذائقة أن تنسجم معه بسهولة، وتقف إجلالاً لسحر العبارات فيه وبلاغتها اللغوية والتصويرية. وهذه هي المعادلة التي عجز أكثر الشعراء وخصوصاً شعراء النثر في تطويعها والإمساك بزمامها. لذلك ظل شعرهم ملتبساً حتى بالنسبة لهم، فقلما نعثر على شاعر نثرٍ يحفظ جزء من نص كتبه قبل ليلتين. وسرعان ما ينسى وتكنسه ريح الجَدِيدَين. وهذا هو الفرق بين شعر مظفر النواب الذي يقرأ ويسمع ويحفظ بسهولة ويبقى في الذاكرة طويلاً. رغم ثراء بنائه اللغوي والمعرفي والجمالي. لذلك أستطيع الجزم وبموضوعية أن الشاعر مظفر النواب هو نصه أولاً، ومن ثم حضوره الشاعري الذي اعتبره البعض لأسبابٍ لا تمت إلى الموضوعية الفنية بأية صلة (إغواء). فهل أساء الشاعر حين تفوق على كل شعراء عصره في إلقاء شعره بحضورٍ متميز. حيث أنني حضرتُ للشاعر أمسيات عديدة، ووجدته يكتب قصيدته على المسرح، بحساسية عالية. ومما لا شك فيه أن الشاعر مظفر النواب بثقافته وشفافيته قادرٌ على بثّ اللحظة التي كتب فيها قصيدة وأن يُشْرِكُ المتلقي في تلك اللحظة. (أحمل من وسخ الدنيا .. أن النهر .. أن النهر .. أن النهر يظلّ لمجراه أمينا) ...

الإشكالية والمسائلة التي على المهتمين بالشعر معالجتها تكمن في أن شعر مظفر النواب لم يتطرق له النقاد بموضوعية وجدية، رغم ثراء نصوصه وتفردها. وذلك في اعتقادي يناط بأسباب أيدلوجية أولاً، (ليس حصراً) رغم أن الشاعر ومن خلال نصوصه هو أكبر من أي أيدلوجية. وقد وقع الكثيرون في خطأ التصنيفات، حيث وصف النواب أحياناً بأنه شاعر شيعي، وأكثر الكتاب أوغل في وصفه بالشيوعي، وذلك يبدو مناقضاً ومجحفاً في حقّه إذا رجعنا لنصوصه وبحثنا عن الأنساق الثقافية التي تكون شخصية النواب كما هي. أليس هو القائل (أن الثوار لهم وجه واحد عندي). ومن الطبيعي أن تكون للشاعر تكوينات ثقافية أساسية، لكن في حالة الشاعر مظفر النواب الذي استطاع أن يوسع من مفاهيمها لكي تتحول من أيدلوجيا إلى موضوع إنساني عام، هي نتيجة إيجابية وليست كما نوه البعض بأن الشاعر كان يخدم حزب معين أو طائفة بعينها. وفي الوقت الذي راح شعراء النثر والبتر يتناولون الهامشي ويبحثون عن ذواتهم في معارك لا تغني ولا تسمن من فن أو معرفة. راح الشاعر مظفر النواب يكتب نصه للجوهري والعميق في الإنسان بما أنطوى فيه من عالمٍ أكبر. وخلاصة القول، والتي من الصعب محاججتها، أن قصائد الشاعر مظفر النواب تبقى خالدة ومؤثرة في الشعر وتاريخ الشعر فنّاً وأسلوباً، إضافة إلى ما تقدمه من فهمٍ لما حدث وما سوف يحدث للإنسان المقهور.



#ثامر_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فارس الظل/إلى بشر يموتون
- مقطوعة للشاعر الخالد/ رعد عبد القادر
- نشوانا بما تبقى لديك من وجع المآذن
- للروح مطر ... لايكفي


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثامر مهدي - الشعر في ميزان مظفر النواب