أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف المساتي - الآخر في الدولة الإسلامية : جدلية القرب و النبذ















المزيد.....

الآخر في الدولة الإسلامية : جدلية القرب و النبذ


يوسف المساتي

الحوار المتمدن-العدد: 2965 - 2010 / 4 / 4 - 09:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اتجه القراء الجذريون للتاريخ الإسلامي نحو اعتبار القرن 06هـ/12م، لحظة مفصلية أرخت لدخول الأمة الإسلامية في مرحلة انتحار نهضوي، مرجعين ذلك بالأساس إلى التحالف التاريخي الذي تم بين الحكام و بين بعض المرتزقة من رجال الدين، بهدف أسر المجتمعات الإسلامية داخل بنى صلبة و رجعية، و ذلك عبر شن حرب ضروس على المعرفة العلمية و العقلية، تمثلت في عمليات السجن و الصلب و الإحراق التي تعرض لها العديد من رجال الفكر و العلم. كما جاء في المقال: "الجذور التاريخية للاستبداد السياسي" المنشور بمنتدى الأحداث يومي الأربعاء و الخميس 19-20 نونبـر 2008.
و رغم أن هذا الأمر لا يخلو من حصافة، إلا أنه ثمة سؤال أساسي لازال إلى الآن بلا جواب، و هو الذي نطرحه اليوم بالصيغة التالية: لماذا وقع العامة و الغوغاء (الشعب) أسرى لهذا التحول الخطير؟ ألا يؤشر هذا الأمر على أنه ثمة تحولات عميقة قد مست البنية الذهنية لهذه المجتمعات جعلتها تقع فريسة سهلة لتحالف الأمراء و الحكام؟. فإذا كانت هذه الفترة قد عرفت تغييرات مست جميع الأنماط و الأنساق، فإنه من الطبيعي أن يكون المستوى النفسي من أهمها على اعتبار أنه المحدد الرئيسي للعلاقة مع باقي الأنماط، التي اهتزت ليهـتـز معها التصور الجمعي للمعرفة العلمية و العقلانية، و هو ما استغله بذكاء التحالف السابق الذكر لينشر "حقده" على العقل و كل ما يمت له بصلة، و سنخصص هذه المساهمة للتحولات التي عرفها تمثل الآخر في البنية الذهنية الإسلامية و أثرها على المعرفة العلمية داخلها.
عرف توسع الدولة الإسلامية خلال العصر الأموي أوجه، بيد أن هذا التوسع كان بحد السيف، و هو ما جعل العلاقة مع الآخر تتخذ شكلا توتريا، سيساهم فيه بشكل كبير ذلك الاستعلاء الأموي تجاه العناصر غير العربية (الفرس، البربر...). من هنا ستتمثل البنية الذهنية للمجتمعات الإسلامية "الآخر" بشكل سلبي، و كان أحد الأسباب الرئيسية لسقوط دولة بني أمية. و بالتأكيد أنه داخل بنية ذهنية كهذه يستحيل بناء أي معرفة علمية أو عقلية، لأن الشرط الأساسي لبنائهما يتطلب تمثل التجارب السابقة و المعاصرة للآخر (تمثل تجارب الحضارات السابقة و المعاصرة)، فكيف الحال إذا كان الوضع على ما هو عليه، إذ أن رفض الآخر ذهنيا يعني قطيعة معرفية معه، ورفضا كليا لإنتاجه المعرفي. و هذا ما يفسر لماذا غابت خلال هذا العصر أي معرفة علمية أو عقلانية، و كل ما تم إنتاجه على مستوى علم الكلام أو الفقه لا يخرج عن دائرة الصراعات الإيديولوجية التي عرفها المجتمع الإسلامي منذ الفتنة الكبرى.
بيد أن سقوط الدولة الأموية و قدوم بني العباس على أكتاف الفرس بصفة خاصة، سيفرز تحولات مهمة إذ سيصبح الآخر الذي كان ينظر إليه "باستعلاء أو بعداء" شريكا على عدة مستويات، بحيث أصبح عنصرا مؤسسا للدولة، و شريكا اقتصاديا حيث لبني العباس، كما عرف هذا العصر بعثات دبلوماسية متبادلة بين المسلمين و غيرهم، و هو ما سينعكس على البنية الذهنية للمجتمعات الإسلامية و على تمثلها للآخر. و انطلاقا من هذا الأساس سيشهد هذا العصر إقبالا على العلوم "الدخيلة"، و على مصنفات الآخرين في شتى المجالات، مع نشاط لحركة المعتزلة و الفرق الكلامية الذين وظفوا تراث الأمم السابقة، و هو الشيء الذي مكنتهم منه عملية الترجمة التي انتشرت على نطاق واسع في أرجاء الدولة الإسلامية.
ستساهم هذه العملية (ترجمة تراث الآخر) في بناء المعرفة العلمية و العقلية للمجتمعات الإسلامية، و سيصبح المناخ الفكري منفتحا على الاجتهاد و على تحرير عقال العقل، و هو الأمر الذي سيلقي بظلاله على الفكر الديني، حيث ستظهر المذاهب الفقهية الكبرى، و تعطى الأهمية للقياس العقلي و المنطقي. إلا أن هذه المرحلة لن تدوم طويلا فسرعان ما ستتم العودة لعصر القطيعة الذهنية مع الآخر "العصر الأموي"، و التي ستبلغ أوجها خلال القرن 5-6هـ/11-12م.
قبيل القرن 5هـ/11م بقليل ستدخل المجتمعات الإسلامية في حالة من التصدع السياسي، و ستحدق الأخطار بها من كل جانب، و هو ما سيؤدي إلى تحول ذهني خطير داخلها – المجتمعات الإسلامية- فيما يخص تمثلها للآخر، إذ سيتحول من "ند أو شريك"، إلى عدو مرفوض يجب نبذه و "محاربته"، و هكذا يمكننا الحديث عن حركة ارتدادية نحو عصر القطيعة الذهنية مع الآخر، و هو ما سيلتقي مع تحالف تاريخي خطير تم بين الحكام و بعض المرتزقة من رجال الدين لشن حرب كبرى على المعرفة العقلية و العلمية، الأمر الذي سيؤدي إلى توقف شبه تام للفكر الفلسفي و العلمي بفعل افتقاد العلماء لأي حماية أو قاعدة شعبية تحميهم من بطش التحالف الحاكم.
لقد تحولت البنية الفكرية للمجتمعات الإسلامية إلى بنية جامدة و متحجرة ترفض بشكل قطعي أي معرفة مرتبطة بالآخر، أو أي أسئلة حول المستقبل، لقد أصبحت -المجتمعات- محتاجة إلى الإطلاق، و إلى الأجوبة النهائية، فالأزمة في عمقها كانت أزمتين، الأولى وجودية مرتبطة بمستقبل الذات الإسلامية في ظل تحولات موازين القوى، و الثانية أزمة تمثل للآخر و تصور للعلاقة معه.
و من أجل ترسيخ القطيعة مع الآخر، و الانغلاق على الذات أكثر، سيلجأ تحالف الحكام و الفقهاء إلى حيلة تبدو في ظاهرها بريئة إلا أنها في الواقع عكس ذلك تماما، إذ ستنشط في هذا العصر حركة ترجمة الأعلام و الصحابة منهم بصفة خاصة، و قد عمدت هذه المؤلفات إلى رسم صورة مثالية للصحابة تكاد ترتفع بهم إلى درجة التقديس، متجاوزة عن صفاتهم البشرية و مصنفة إياهم ضمن مقدسات الأمة، و نعتقد أن هذه الحركة قد جاءت بهدف أساسي هو تغييب الآخر من البنية الذهنية الإسلامية و بالتالي إلغاء تراثه المعرفي معه، أما الهدف الثاني لعمليات ترجمة الأعلام على النحو الذي ذكرناه فكان هو إضفاء المشروعية على الحاكم و الفقيه، باعتبارهما استمرارية للصحابة، و للرعيل الأول من "الصادقين المقدسين"، و هو ما يفسر كيف ارتفع مجموعة من العلماء و الحكام إلى مصاف المقدسات الكبرى.
لقد شهد ذلك العصر صعودا صاروخيا للمقدس بمختلف أشكاله، و تقوقعا على الذات الفردية، فيما يمكن أن نسميه "بديكتاتورية الفرد"، و البحث عن ذلك الخلاص الفردي، فكان انهيار المعرفة العلمية داخل المجتمعات الإسلامية.



#يوسف_المساتي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جذور التطرف الإسلامي


المزيد.....




- أوباما: الولايات المتحدة -قريبة بشكل خطير- من الاستبداد
- نتنياهو: لدينا القدرة على ضرب كل المنشآت النووية الإيرانية و ...
- ترامب يُحدد المدة الزمنية قبل اتخاذ قراره بشأن التدخل العسكر ...
- من الصين وروسيا إلى باكستان.. هل تصمد تحالفات طهران أمام الح ...
- صاروخ سجيل.. ما مميزات السلاح الذي أطلقته إيران لأول مرة على ...
- ترامب لبوتين: -توسط في شؤونك الخاصة-.. ردا على عرضه التوسط ب ...
- إسرائيل وإيران: هل تتّسع دائرة التصعيد بعد الضربات الأخيرة؟ ...
- تحرك طائرة -يوم القيامة- الأمريكية
- وفق القانون الدولي - تنسيق أوروبي أكبر لمكافحة -أسطول الظل- ...
- صحة غزة: 84 شهيدا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف المساتي - الآخر في الدولة الإسلامية : جدلية القرب و النبذ