الشطرنج تاريخاً وعِلْماً... خامساً

رياض الحبيّب

الحوار المتمدن-العدد: 2942 - 2010 / 3 / 12 - 16:35
المحور: عالم الرياضة
    

لا أزال مسترسلاً في الحديث عن تاريخ الشطرنج الحديث نقلاً عن ويكيپـيديا، الموسوعة الحُرّة- القسم الإنگليزي فوصلتُ بالسِّيَر إلى اللاعب الأمريكي پاول مورفي Paul Charles Morphy 1837 – 1884 الذي وُصِف بأنّه "كبرياء الشطرنج وحُزنه" وأعظم أستاذ شطرنج في عصره وأوّل معجزة استثنائية في الشطرنج وفوق العادة إذ ظهرت موهبته في وقت مبكر- دون سنّ التاسعة- أمام أبيه وعمّه اللذين كانا يلعبان وقد أثبت مورفي لهما- بعدما أعاد ترتيب القِطع- أنّ المباراة التي خسرها عمّه كانت في صالحه لو عرف كيف يلعب، لم يخطر في ذهنيهما أن هذا الصغير يعرف النقلات الشطرنجية وستراتيجية كلّ منها، بل لم يتعلّم مورفي اللعبة من أحد، إنما تعلّمها من خلال مشاهدة مباريات الآخرين. وقد تقاعد أحد قادة الجيش الأمريكان (من المخضرمين برتبة جنرال) ونفيلد سكوت Winfield Scott من وظيفته بسبب خسارته مرتين أمام ذلك الصغير ذي التسع سنوات، مورفي الذي أصبح واحداً من أقوى لاعبي ولاية نيو أورليانز قبلما أصبح في ما بعد بطل العالم (غير الرسمي) إذ فاز على جميع مُنافسيه باستثناء أستاذ الشطرنج الإنكليزي المخضرم هوارد ستاونتن Howard Staunton الذي كان أقوى لاعب للفترة من 1843 إلى 1851 ويعود له فضل تنظيم أولى الدورات العالمية للشطرنج سنة 1851 التي جعلت من إنگلترا مركزاً رائداً للشطرنج العالمي والذي اعترف العالم من خلاله بالأستاذ الألماني أدولڤ أندرسُن كأقوى لاعب في العالم- وقد تحدّثت عنه في الحلقة السابقة- أمّا السبب ببساطة وراء عدم فوز مورفي على ستاونتن فهو رفض الأخير الإشتراك بالمنافسة والتحدي بعدما شاهد طريقة لعب مورفي في إنكلترا وسيأتي الحديث عن ذلك الرفض بعد قليل.

كان مورفي واحداً من شابّين يُعَدّان الأصغر سنّاً حتى تاريخ اللعبة آنذاك واللذين يرجع الفضل إليهما في النظرة الأعمق إلى طبيعة الشطرنج؛ لقد حقق مورفي خلال مسيرته القصيرة في الشطرنج ما بين 1857 و 1863 نجاحه بالحدس الذي وُهِب للجمع بين هجوم رائع وستراتيجية سليمة؛ في سنّ الثانية عشرة تغلّب ثلاث مرّات- في مناسبتين- على أستاذ الشطرنج الهنغاري المحترف يوهان لوڤنثال Johann Löwenthal الذي كان في زيارة إلى نيو أورليانز والذي صرّح عقب المباراة (إني مقتنع بهزيمتي أمام قوّة مورفي المتفوّقة) حتى أصبح صديقاً لمورفي. لم يلعب مورفي كثيراً بل تفرّغ بعد عام 1850 لدراسة الرياضيات والفلسفة وتالياً القانون، إلى حين تلقى دعوة للإشتراك في أولى المسابقات الأمريكية للشطرنج American Chess Congress والتي انعقدت في نيويورك خريف عام 1857 ففاز على جميع منافسيه وكان منهم اللاعب الألماني لويس باولسن Louis Paulsen الذي كان يُعَدّ أحد أقوى خمسة لاعبين في العالم. وقد رفض مورفي استلام جائزة المسابقة المالية مكتفياً بالهدايا الرمزية، في وقت روت إحدى المجلات الشهرية عن أخلاق مورفي واصفة إيّاه: جنتلمان؛ تصرف لطيف، تواضع، مجاملة، ممّا أكسبته تقديراً من جميع معارفه، علماً أنّ تلك المسابقات عبارة عن سلسلة من تسع حلقات امتدت من العام المذكور الذي فاز به مورفي فأصبح بطل أمريكا الأول (والذي لم يُحتسَب التعادل فيه بين لاعبين بنصف نقطة كما هو الآن في قانون الشطرنج الدولي) حتى عام 1923 الذي كانت بطولته مناصَفة بين الأمريكي فرانك مارشال Frank Marshall أقوى لاعبي العالم في مطلع القرن العشرين والذي تربع على عرش أمريكا الشطرنجي في الحقبة 1909-1936 وبين الأمريكي أبراهام كوپچيك Abraham Kupchik الذي هاجرت عائلته من روسيا البيضاء (بيلاروسيا) إلى الولايات المتحدة سنة 1903 ولم يُسَنّ آنذاك قانون ينصّ على كسر التعادل في حالة إحراز لاعبَين (أو أزيد) فوزاً بعدد متساوٍ من النقاط.

عاد مورفي إلى ولايته ليتلقى دعوة لحضور بطولة الشطرنج الدولية التي ستعقد في برمنغهام (إنكلترا) صيف عام 1858 في وقت أصبح عمره 21 عاماً ولا زال صغيراً ليبدأ نشاطه في مهنة القانون. فقبـِلَ التحدي وسافر الى إنكلترا ليفوز بسلسلة من المباريات على جميع أسياد الريادة الإنگليزية وبسهولة أذهلت المخضرم هوارد ستاونتن ليرفض تحدّي مورفي في نهاية المطاف. ثمّ عبر مورفي القناة الإنجليزية (بحر المانش) إلى فرنسا بحثاً عن خصوم جدد؛ في العام 1858عينه وفي مقهى دي لا ريجنس الپاريسي (مركز الشطرنج في فرنسا- وقد مرّ الحديث عنه في الحلقة الرابعة) تمكن مورفي من الفوز على أستاذ الشطرنج الألماني دانيال هارويتش Daniel Harrwitz (المولود في پروسيا German: Preußen; Latin: Borussia والمقيم في إنكلترا قبل انتقاله إلى باريس) بنتيجة ½5 - ½2 ثمّ أصيب بإنفلونزا معوية وهو في پاريس. علماً أنه في كل من انكلترا وفرنسا قدّم عرضاً باللعب معصوب العينين وهزم ثمانية خصوم في وقت واحد. وهكذا أصبح مورفي أشهر لاعب شطرنج في العالم وهو في سنّ ال 21 عاماً.

وفور عودة مورفي إلى أمريكا تهافتت عليه الصحافة ليكتب في صفحاتها أعمدة شطرنجية. ولكنّه- من المؤسف- انقطع عن الشطرنج وتعطّل حتى عن ممارسة مهنة القانون وذلك بسبب اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية (بين الولايات) سنة 1861–1865 كان يعارض الانفصال ولم يخدم في الجيش فعاش خلال الحرب جزئيّاً في ولايته وجزئيّاً في الخارج، تحديداً پاريس وهاڤانا- عاصمة كوبا. وبَقِيَ منقطعاً- على رغم دعوات المعجبين به للعودة- وعاش بقيّة حياته بفضل ثروة أسرته وفي التسيّب، حتى انتهت حياته فجأة نهاية مأساوية، إذ وجد في حوض الاستحمام ميتاً- عن سبعة وأربعين عاماً- وقد كشف التشريح إصابته بسكتة دماغية نجمت عن دخول الماء البارد بعد فترة طويلة من المشي في حرارة النهار- كما ورد في سيرته. وقد سُمّي باٌسْمه أحدُ افتتاحات الشطرنج، كذلك أحد أندية البيسبول baseball الأمريكية. وقد اخترت للقرّاء الكرام هذه المباراة للتعرّف على جانب من أسلوب لعب مورفي (الذي أعتُبـِر أوّل لاعب للشطرنج الحديث) هي تلك التي فاز بها أمام أدولڤ أندرسن سنة 1858
http://www.chessgames.com/perl/chessgame?gid=1019060

واخترت أيضاً مباراة الأوپرا الشهيرة التي فاز بها مورفي سنة 1958 أيضاً في دار الأوپرا الإيطالية في باريس أمام اثنين من اللاعبين وقد تعاونا في مباراة استعراضية أمامه، هما الدوق الألماني كارل الثاني Duke Karl of Brunswick والأرستقراطي الفرنسي كونت إسوارد Count Isouard وعبر الرابط التالي
http://www.chessgames.com/perl/chessgame?gid=1233404

أمّا الشاب الصغير الثاني الذي يعود إليه الفضل في النظرة الأعمق إلى طبيعة لعبة الشطرنج فكان التشيكي ولهلم شتاينتز Wilhelm Steinitz الذي أصبح البطل الأول الرسميّ في الشطرنج- ممّا يأتي في حلقة قادمة

#رياض_الحبيّب (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات