|
مشايخ الجهل وقصر النظر
سعيد علم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2931 - 2010 / 3 / 1 - 17:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
متى نستيقظ من هذا الكابوس الذي اضحى لنا مصيبة العصر بعد ان اعمى البصيرة والبصر وعطل الرؤوس عن البحث والنقد والتفكير وحول الانسان المسلم المؤمن الى اداة طيعة بيد مشايخ الأمية الفكرية والصنمية العقائدية وقصر النظر والارهاب الدموي والتكفير؟ متى سيتم اخراس مشايخ آخر زمان الذين تحولت الفتوى بايديهم الى مهزلة من مهازل هذا الزمان: فشيخ يفتي بقتل ميكي ماوس الجبار، واخر يفتي بلا احساس بارضاع زميل العمل من ثدي المرأة يا للعار. ويأتي اليوم الشيخ السعودي المغوار عبدالرحمن البراك ليفتي بجواز تكفير وقتل من يبيح الاختلاط. وعلى موقعه الالكتروني الملطوش من منجزات روح العصر يمهد لفتواه الإرهابية بالقول: "فإن الاختلاط بين الرجال والنساء في ميادين العمل والتعليم ـ وهو المنشود للعصرانيين ـ حرامٌ؛ لأنه يتضمن النظر الحرام والتبرج الحرام" .... الخ والى آخر معزوفة المحرمات التي تحول الحياة من زهرة يشم الانسان عبيرها الفواح الى اشوك تنغص عليه حياته طيلة اليوم وتلاحقه في حله وترحاله فلا يرتاح. ويتابع الشيخ: "والباعث للعصرانيين الداعين إلى هذا الاختلاط أمران: الأول: النزعة إلى حياة الغرب الكافر، فعقولهم مستغرِبة، ويريدون تغريب الأمة؛ بل يريدون فرض هذا التغريب. الثاني: اتباع الشهوات، قال تعالى: ((وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا)) ويتابع باجتهاد: "ومن استحل هذا الاختلاط ـ وإن أدى إلى هذه المحرمات ـ فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله" نقاط كثيرة لا بد من التطرق اليها تستوقفنا عند فتوى البراك: اولا، حقدة الأعمى على الانسان واستباحة دمه. وكأن قتل الانسان عند مشايخ اخر زمان كشربة الماء. اهلا وسهلا بشيوخ الفتنة والإرهاب! على هذا المتخلف وامثاله ان يعرفوا بأن روح الإنسان هي قدس الأقداس، واغلى شيء في الحياة، وهي ليست لعبة في أيدي ذوي العقل المتحجر أعداء الإسلام المعتدل السوي ليزجوها بفتواهم المتطرفة في الهلاك. إن الدين الإسلامى الصحيح هو دين يسر و ليس عسر ولا يمكن ان يحارِبَ روح العصر. ومن يحاول كسر روح العصر فسينكسر وفي نهاية الامر سيندثر! ثانيا، في الوقت الذي يتهم به العصرانيين أي ابناء العصر المفلحين، نراه يغطس هو في روح العصر حتى بنات اذنية من الكمبيوتر الى السيارة الى الطيارة الى الكهرباء. واذا كان الشيخ الكريم صادقا ومنسجما مع نفسه وعقيدته فعليه ان يرفض الكهرباء التي اخترعها الغرب الكافر وعليه ان يكتب فتواه على ضوء الزيت ويرسلها على طريقة اهل السلف على الجمال وليس بالانترنت السريع الذي ابتكره للبشرية الغرب الكافر. هو هنا والكثير من امثاله يتناقضون مع انفسهم ودينهم واسلامهم. خاصة عندما يضعون رجل في العصر الحديث وابتكاراته ورجل اخرى في الماضي البعيد وترهلاته . فيضيعون ويضيع معهم المجتمع! الصادق مع نفسه صادق بكل شيء وليس نصف نصف. ولماذا لا تحارب الحركات الاسلامية المتطرفة بالسيف بدل البندقية؟ ثالثا، من يريد تطوير الامة والشعوب الاسلامية لتاخذ دورها الريادي في العالم عيب ان يتهمه شيوخ الظلام بالكفر والتغريب. على العكس ان هذا الشيخ وامثاله هم من يساهموا في تغريب الامة وتخلفها وتقهقرها وتمسكها بالقشور من الامور كمنع الاختلاط الصحي والحضاري بين الجنسين وفتح الشبابيك والابواب ليدخل الهواء الطلق الى المجتمع وينقي الرئتين. ولو ان الاختلاط محرم فلماذا في الحاج مسموح؟ هذه الفتوى وامثالها تضر بمصالح الناس، فماذا لو فُرض العمل على ام لاعالة اطفالها بعد موت زوجها. الا تسبب لها هذه الفتوى الفقر ولاطفالها الجوع؟ وماذا حققت هذه الفتاوي لمجتمعاتنا؟ لا شيء! فالفضيلة الى جانب الرذيلة، والعفة الى جانب الخفة، سيظلان موجودان ما دام هناك مجتمعات بشرية. وهكذا بين فترة واخرى ودون افادة تشتعل حرب الفتاوي بين مشايخ القوم الكبار منهم قبل الصغار، والثمن الغالي تدفعه المجتمعات العربية والاسلامية السائرة بسببهم في الطريق الحتمي الى الانهيار الخلقي والمعرفي والانساني وحتى الى الزوال اذا سارت مطيعة لهم على هذا المنوال، ولن يبقى عندئذ للمسلم الذي يريد ان يعيش بكرامة وراحة بال الا الهجرة والعيش في بلاد الكفار، حتى ان شيخ الازهر محمد عبده قبل اكثر من مئة عام اختلط عليه الامر عندما رأى في اوروبا اسلام ولم ير فيها مسلمين. هذا دليل اخر على قصر نظر الشيخ عبده الذي لم يستطع استيعاب الحضارة الغربية المستنيرة المتحفزة النشطة المتقدمة فراى من خلال حداثتها نور الاسلام المشع. مع ان تفسير ذلك وبكل بساطة هو خروج اوروبا يومها من نير الكنيسة بقرونها الوسطى وانطلاقها الى الحداثة بنور العلم والفلسفة ونقد الفكر الديني المترهل وصولا الى روح العصر الحديث الذي نتنعم نحن اليوم والشيخ البراك بمنجزاته واختراعاته. واذا نحن لم نخرج من نير مشايخ الجهل، ونبدأ بنقد الفكر الديني المترهل والمتراكم المعرقل لطريقنا فلن نستطيع الخروج من مستنقع الجهل والدخول نهائيا في روح العصر وانتصار العقل. وتسخر منا بقية الامم السائرة بانسجام مع روح العصر من اشتغالنا العميق بسوق الفتاوى الى هذا الحد وكانها قوانين من يخالفها يقوم عليه الحد الى حد التكفير والعقاب بالقتل. وكأن الانسان في نظر مشايخ الجهل هو عبارة عن ذبابة او حشرة قمل. والفتاوى كلها تترجم الى لغات العالم يا للفضيحة! مشايخ الجهل يأخذوا من روح العصر ومنتجاته ما يحلوا لهم ويحرموا على الآخرين ما لا يحلوا لهم او ما يرونه حراما! دين الاسلام المعتدل بأيديهم اسيرا بدل ان يكون سراجا منيرا. حيث تحول بقوة فتاوي هؤلاء الى سيف لقطع رؤوس من يخالفهم الرأي. وما أكثر المشايخ الظلاميين الجهلاء، المنتشرين في طول البلاد الاسلامية وعرضها كالوباء، يعيشون رغد العصر وما يخترعه العلماء الكفار ويبشرون بالعودة الحتمية الى قرون الوراء، وينشرون جهلهم في البيوت والحوانيت والحانات والازقة والزواريب وفي كل الأنحاء عبر الاعلام والانترنيت والاذاعات والفضائيات دون مشقة وعناء، وكأن ما يتفوهون به من كلام هو بلسم الحياة ونور البهاء. هؤلاء أصحاب فتاوي المساء التي لم تنبت من الارض مع الاعشاب ولم تهبط من السماء على اجنحة السحاب وانما نبتت في بيئة خصبة ساهمت في بعث حركات الاجرام والانتحار والارهاب. هؤلاء الذين يريدون بجهلهم المنقطع النظير الى آخر حدود الغباء للعرب التقهقر المستمر، والتخلف المزري، والضمور الفكري والثقافي والوجودي الى حد الفناء، لاعتقادهم الأرعن بأنهم يملكون الحقيقة كاملة من طقطق الحياة الدنيا الى السلام عليكم في الآخرة، وهم لا يملكون في حقيقة الأمر الا الهراء الهراء الهراء!
#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نبيه بري يكتسح التاريخ ونجاد المريخ
-
تهديد نصر الله أم صراخه ؟
-
نصر الله يتلقى الاوامر سمعا وطاعةً
-
الشاعرُ الثائرُ
-
انفلونزا عيد الحب يستنفر الهيئة
-
لماذا شعلة ثورة الأرز لن تنطفئ!
-
احسد الحيوانات
-
نعزي اهلنا أقباط مصر
-
الكويت تعلق وساما على صدر نصر حامد ابو زيد
-
عندما يفتخر بعض ساسة لبنان بخجلهم(2)
-
عندما يفتخر بعض ساسة لبنان بخجلهم(1)
-
لا أقول عقبال مئة عام
-
الإسلامُ السِّياسِيُّ والسُّقوطُ المدَّوي(6) الاخير
-
الإسلامُ السِّياسِيُّ والسُّقوطُ المدَّوي(5)
-
الإسلام السياسي والسقوط المدوي(4)
-
الإسلام السياسي والسقوط المدوي(3)
-
الإسلام السياسي والسقوط المدوي(2)
-
الإسلام السياسي والسقوط المدوي(1)
-
أين الدكتور زغلول النجار؟
-
شكرا يا بطل الممانعة اللبنانية
المزيد.....
-
المرشد الأعلى الإيراني يعين مسئولين سابقين في مجلس الدفاع ال
...
-
على خلفية رفض تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي.. الزعيم الروحي لل
...
-
قوات الاحتلال تعتقل 12 مواطنا من محافظة سلفيت
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع)
...
-
خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم
...
-
رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال
...
-
الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
-
دمشق.. انطلاق مجالس سماع -موطأ الإمام مالك- بالجامع الأموي
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|