أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين الحسن - بائع اللبن















المزيد.....

بائع اللبن


زين الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2925 - 2010 / 2 / 23 - 19:02
المحور: الادب والفن
    


بينما كنت منتشياً في الغوص في ما بين يدي متقمصاً رحلة الأشخاص الذين رافقوني منتشياً مع ايقاعات قطرات المطر الساقط على زجاج نافذتي هزني عصف جديد ..
إنها هي !! هو ذات ايقاع طرقاتها الموسيقية على الباب ...
مستحيل أن تكون هي بعد كل هذه السنين ! اثنا عشر عاما وما زلت أذكر كلماتها .. كل همساتها
.. شعرها المنسدل على عينيها وهي تبعده باصبعها الأبيض الجميل .
هل من الممكن أن يعود الحلم من جديد ؟!.. ربما كنت متوهماً ؟! لا ! هاهي نفس طرقاتها تعود من جديد .
هرولت مسرعاً نحو الباب .. سأراها من جديد . سأُعوضها كل سنين الحرمان .
. أمسكت الباب وأنا أرى وجهها البديع وقسماتها الملائكيه حتى قبل أن أفتحه .. فتحت الباب ..
ولكن ؟! أين هي ومن هذا الذي يقف أمامي ؟!
لم يكن سوى بائع اللبن !. هل يعقل ألا تكون هي ؟! وكأن أناملها الحانية ذاتها هي من كان يطرق بابي
وكأن روحها كانت تسمعني نغماتها الشجية متحدية بعد الزمان والمكان .
وكيف لبائع اللبن هذا أن يحمل كل هذه النعومة وهو الشبية الذي لم يرسم الزمن على وجهه
سوى سطور من نشاز ؟!!..
لقد كنت منفعلا . وأي إنفعال يجد المرء نفسه فيه أكبر من أن يوقن ببعث من يحب ليراه يموت
أمامه مرةً أخرى !!.. حتى قبل أن يراه .. صحت في ذلك البائس الواقف أمامي .
-- من أنت ؟!
- بائع اللبن ياسيدي .
- أعرف أنك بائع لبن ام إنك تظن أني لا أرى كل هذه الإناء الذي زادك على أعباء العمر
عبئاً وأرهق جسدك الذي تستطيع الريح أن تعبث به كيفما تشاء .
أنا لا أريد لبناً .. يمكنك الإنصراف .
- ولم أنت غاضب هكذا يا سيدي ؟!
كانت كلماته المهذبة لا تنسجم مع هذا الوجة الذي يبدو أنه خاض كل عمليات الحقد وجدف
بمجاذيف الألم فلم ترمه معركة إلا على شاطئ القسوة والحرمان .
ومع أني تراجعت في حدة غضبي إلا أنني لم ارد أن أُشعره ببوادر الندم التي بدأت تتسلل إلى قلبي
لذا تصنعت الحدة,
- وما شأنك أنت ؟! . هيا انصرف . فأنا لا أشتري من الباعة المتجولين
استدار ببطء وقبل أن يكمل خطوتين استدركت قائلاً .
- هيه . أنت
ولكنه لم يلتفت اليّ بل قال
- هل تذكرت أهانة لم تهني إيها ؟؟! ام أنك تطمع أن أعود لإستجدي الصفح عن وقوفي على عتبة سيادتكم ؟؟!
إنها هي .. يا الهي . إنها نفس مفرداتها التي تستخدمها عندما تكون في ذروة الغضب وكيف عرف هذا البائع كلمة ( سيادتكم ) الذي دفن مع رحيل آخر اصدقائي ؟!
- أنت
كان قد ابتعد فصرخت فيه ,
- أنت توقف وتعال إلى هنا,
استدار بكل هدوء وعاد ولم تفارق تلك الإبتسامة محياه .. ذاتها الإبتسامة التي لا تفارق وجهه المليئ بالتجاعيد
وكأنه يرتدي قناعاً بلاستيكياً رديئاً
قلت له
- من أنت ؟!
فرد بلهجة لا تخلوا من التهكم
- وهل سأجيبك مرة أخرى على ذات السؤال ؟!
- اقصد ما اسمك ؟!
- يا سيدي .. إن اسم المرء هو ما يدعى به بين الناس وأنا منذ حملت هذا الإناء حتى
عرفت ببائع اللبن اسال من شئت عن بائع اللبن ستجد من يدلك علي .. اما ذلك الإسم الذي كان
مكتوباً على شهادة ميلادي فقد نسيته منذ زمن واما شهادة الميلاد فقد فقدت قبل أن تصدر ..
والآن هل من خدمة أُقدمها لك يا سيدي ...؟
كان اسلوبه غريباً في الحدث وهدوئه كان يثير فيني مزيجاً غريباً من الشفقة والحنق في آن معاً ..
ولكنني سألته
- لماذا طرقت بابي ؟!
- ولماذ يطرق بائع متجول الأبواب .؟
قلت في حسم
- لماذا طرقت بابي بهذه الطريقه ؟!
- أني ادين لك بالاعتذار أن كانت طريقة طرقي الباب قد أغضبتك .. لقد حاولت أن أكون
مهذباً في طرقي لبابك .. ثم أن هذه الطريقه التي عرفني بها جميع زبائني منذ سنين خلت .. هل
يمكنني الإنصراف الآن يا سيدي ..؟
فسكتي طويله والدرب شاق وساعة الغروب لا تنتظر احداً .
- إنها ذات الكلمة التي ودعتني بها .. منذ سنوات كلمة . السكة طويلة والدرب شاق وساعة
الغروب لا تستأذن احداً.
- أنت هي . نعم أنت هي !!
لا أعرف كيف نطقت بهذه الكلمه ولأول مره أرى الرجل يقهقه ضاحكاً ولأول مره أرى معالم
وجهه تتحرك .
كانت قهقهته العالية جميلة فأنا أحب تلك الضحكات الرنانة التي نسمعها عادة من كبار السن كان
يحاول أن يحدثني ليسألني : أي ( هي ) تعسة تلك التي تشبهه إلى هذا الحد .؟ ولكن ضحكاته
كانت تقطع الكلمات إلى أوصال . فجأة قال !:
- سيدي بإمكانك أن تدخل لجلب نظارتك وسأنتظر هنا .
- ولماذا ؟! هل تريدني أن اقرأ لك خطاباً ؟!
- كلا ياسيدي . ولكن لترى أي عجوز يقف أمامك فلا تناديني بـ ( هي ) مرة أخرى .
وأستطرد .
- اسمع يا سيدي . أنا بائع متجول . وإن لم أذهب لبيع مالدي فلن أحصل على قوت يومي
وأنت لا تريد الشراء ولا تريدني أن أنصرف .
- حسناً . سأعطيك مالا فلا تمن على وقوفك .
- لست متسولاً, لا أقبل مالا من احد , ومعاذ الله أن أمُنّ عليك وقوفي .. ولكنه وقت عملي
- حسناً .. بكم هذا الإناء ؟
- لا أعلم فأنا لا أدري كم لتراً تبقى به , كما أني لم ابع إناء كاملاً سوى في مرات قليله
هل تريد شراء الإناء كاملاً ؟!
- نعم . رغم أني لا أشرب اللبن على الإطلاق .
- ولماذا تشتري كل هذا ؟!
لأنك أحييت في ذكريات ... وحتى يكون لي الحق في وقت عملك كاملاً فلابد أن تجيبني على اسئلتي .
- أنا بائع لبن بسيط ولست مهتما ومع ذلك لا بأس سأُجيبك إن كان في ذلك ما يريحك
والآن أين اسكب لك هذا اللبن ..؟
- تفضل :
ادخلته ليسكب اللبن وكأني دعوته للجلوس حتى قبل أن أعرف أين سأضع كل هذا
المقدار من اللبن فلم استطع صبراً فقد كانت الأسئله تلح عليّ .
- لماذا طرقت بابي بهذه الطريقه ؟ ومن علمك اياها ؟!
- تنفس ببطء . ثم أرجع رأسه إلى الخلف وبدأ يروي قصته التي تمنيت أنه لم يروها أو أنني لم
أسمعها قط . فقال :
- لعلك تذكرت يا سيدي أصوات الطائرات ودوي المدافع قبل ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً
.. كنت اسكن في بلدتي الهادئة تلك التي تعتلي صفحة الجبل.. كانوا يدعونه جبل الحسن
- اتسعت عيناي دهشة فقد كانت نفس البلدة التي كانت تسكنها . ولكنني لم أُقاطعة .. وقد شعر هو بإندهاشي
فصمت للحظات ثم استطرد :
- لقد أُحترقت كل أشجار الزيتون من عدو لا يعرف سوى النار ، والموت ، والعذاب !
كنا كلنا أهل قرية لا نعرف من الحرب إلا خوفها ولا نعرف من وسيلة تقينا شرها سوى الدعاء
وكل يوم تشرق شمسنا على عويل جديد .. وتتفجر من أعيننا دموع لا تنتهي .. وتروي أرضنا
بدماء شهداء قضوا .
ولا تغرب الشمس إلا على رعب الرحيل وخوف الفراق ، فلا تعرف من
سيموت ولا أي أُسرة ربما ستقضي نحبها . ولكننا كنا على يقين من أن يومنا كأمسنا أشلاء
تحت الحطام أو نعوش فوق الأكتاف .
وفي ظل بلدة كهذة كان كل بيوت البلدة يربطها ببعضها رباط القربى
هذا بيت أخي .. وهذا بيت عمي .. وهذا منزل أختي .. إلا بيت على أطراف البلدة لراقصة كانت
تدعى (سالين )
- راقصه ؟!
- نعم راقصة يا سيدي . كانت آية في الجمال رقيقة المشاعر وكان شعرها المنسدل على عينيها
يزيدها جمالا وهي تبعده بأصبعها الرقيق ..
في ظل القصف والموت المرسل من السماء والزاحف على سلاسل المجنزرات ، وبلدة يحجبها
عن نور الشمس أكوام الغبار المتصاعد من منازل مهدمة أو مساجد لفظ فيها النداء أنفاسه
الأخيرة ، كنا نجبر على حظر التجوال ، فالمرء لا يرغب أن يموت وحيداً وكأن دموع ذوي القرى
التي تبللنا عندما نفطر على أبداننا الساكنة لعلها ترحي أنفسنا .
لم يعد أحد قادراً على الخروج !.. ولم يعد من أب يسمح لإبنه بالخروج خوفا من لغم خفي أو قنبلة
عنقوديه لم تنفجر أو قصف مازال يتجدد كل حين وحين .
ولكن وكما أخبرتك كنا كلنا أهل تلك البلدة أسرة واحدة ، فما أن يحتضن الأب ابنه حت يفكر في
أخته التي تقطن على بعد خطوات منه ، وما تحتضن الأم أطفالها حتى يشغلها حال أم لها تعرف
ماذا حل بها ، ولذا كان بد من المستحيل !.
لا بد من الخروج .. ولا أحد قادر على الخروج . في قصف لا يرحم وعدو متربص وألغام لا
تفرق بين قدم طفل أو مزارع لا يطلب من الدنيا سوى أن يرى أبنائه ويقدم لهم قوت يومهم قبل
أن يموت .
في ظل هذا كان لابد من وجود شخص عارف بالمعابر والمداخل والمخارج ، شخص قادر
على التخفي ليدور ليلاً على كل بيت متفقدا أحوال الناس مطمئننا على كل ذويه ، قادر على أن
ينسل من بيت لبيت . وكنت أنا ذلك الشخص . فقد كنت أخرج متخفيا في جوف الليالي لا أسترشد
إلا بضوء القمر أو لمعان الأسلحة النارية . أو إشتعال الحرائق وكم من القذائف التي جاورتني
حيث إنفجارها ، فماتت ولم أمت . ولأن الخوف كان يسكن القلوب كان لابد من طريقة يعرفني
بها أهل البيت حتى لا يلتبس عليها الأمر بيني وبين جنود العدو فكنت أزور كل بيت حاملاً المون
والزاد أحيانا,, لم ضاقت بهم الأسباب أو تقطعت بهم السبل ، وكان آخر منزل أزوره هو منزل
تلك الراقصه التي كانت تسكن لوحدها ، وكنا في ظرف مثل ظروف الحرب نعدها واحدة منا ،
ولأنها كانت آخر منزل فقد كانت تدعوني لتناول بعض الطعام أو كأساً من الشاي ، كانت تحب
تقليدي في كل شيء أمثالي ، وضحكتي ، وحتى اسلوبي في طرق الباب ، وكنت أحب ذلك
وأشعر بالفخر فقد كان قلبي لا يقف عن الخفقان ساعة رؤيتها ، ثم أن منزلها كان آمناً بعض الشيء
عن بقية بيوت القرية وقد كنت أظن عندها أن سبب ذلك يعود لبعد منزلها قليلاً عن باقي البيوت ،
كنا نتسامر وأحيانا كنت أقضي الليل ساهراً حارس لباب بيتها متأملا القمر الذي ينظر إلينا
نحن أهالي القريه – نقتل ونذبح ولا يحرك ساكنا ، وكانت تسألني عن حال أهل القريه فأجيبها
وأبلغها سلامهم . حتى كانت تلك الليلة المظلمة ، كان القصف مركزاً كعادة العدو عندما يعد
لإنزال جوي ، وكان الرعب قد سيطر على الأعماق . كانت ليلة وحشية والقلق بدا يدب في القلوب
حاولت الخروج ولكن آثار الوعكة التي شعرت ببوادرها منذ ليلة أمس بدأت بالازدياد
لا أخفيك لقد اراحني المرض وغريب أن يريح المرض شخصاً
نعم لقد كنت خائفاً من ذلك اليوم واراح ضميري إحساسي بالمرض بل وجعل أمي تمنعني ذلك اليوم
من الخروج .
كان القصف يزداد حدة ولكن رغم دوي المدافع التي تصم الآذان كان هناك صمت رهيب !
صمت لا أعرف كيف أصفه لك . لا يقطعه إلا ذلك الكلام الدافئ من حبيب أو قريب . اقتربت الساعة
من الواحدة ، وخفت ذوي المدافع وسكنت السماء .
لعلك ستقول أنني شعرت بارتياح ؟! كلا . صمت المدافع نذير شؤم ، لقد أحسست أن
إنزالهم الجوي قد نجح .. بعد فترة . سمعت طلقات المسدسات الآليه !
لقد كان صوت أسلحة العدو .. فمن تمرس الحرب يستطيع أن يفرق جيداً بين سلاح وسلاح .. لقد
حلت الكارثة !.
العدو على أرضنا .
تحاملت على نفسي لإهم بالخروج إقتربت من الباب .
كانت أصواتهم عالية ,. كانوا يضحكون .. اختبأت وخبأت حتى أنفاسي ,.. تعلقت بأمي مثل الأطفال
وليس ذلك الرجل الذي يرى الموت كل يوم ولكنني سمعت صوتاً أقوى من كل قذائف
العدو .. أقوى من أسلحتهم
كانت طرقاتي أنا على بابنا !
لا أحد يستطيع تقليدي في القريه كلها فأنا أعزف هذه الطرقات لأني أجيد الايقاع جيداً .. من
يكون ؟!.. لا أحد سواها
إنها هي ..
نسيت كل خوفي .. نسيت كل آلامي وجريب لأفتح لها الباب .. لابد أنها جائت مستنجدة بي
إنها هي وعليها الرتبة العسكرية .. إنها من العدو ..
تراجعت إلى الوراء لرؤيتها فاطلقت النار . ولم يسمع بعد ذلك سوى صرير الباب الذي يعبث به الهواء يطارني صوته حتى الممات .
ولم ينفع كل بكاء الكون في رد الروح لأمي ولو للحظات
كان حزنا ؟!..ربما
كان حقدا ؟!.. ربما
لا تستطع أن تميز بين خليط المشاعر التي تنتابك في لحظة الوداع أو عندما تحس أنك خدعت,
وأن أمك قد فقدت برائتها نتيجة غفلتك.
كنت أحسب أن سيلا من الدموع سينزف ليبلل ثوب أمي الذي تفوح منه عبق الأرض .. ولكن
غريبة هي العين التي تستجدي الدموع عندما يكون الألم قد وصل إلى حد اللا نهاية .. فلا تشعر
إلا بحرقة الجفاف ومرارة الحدث,
لم أشعر كم من الزمان مر قبل أن يطلع الصباح ، ولأول مرة لا أستقبل الشمس .. ولأول مرة
اغيب عن الدنيا بأحزاني .. لم أكن أعلم ما يحدث في القرية .. نسيت أن لي أهل سوى هذه
المرأه التي تغرق بدمائها .
بدأت أفيق من صدمتي .. وكنت أسمع خطوات أهالي القريه وهم يقتربون
- أمي ماتت . ماتت أقولها بأعلى صوتي وكأني أريد أن أخبر العالم كله بمصابي !
تجمع حولي نساء الحي .. ولم اسألهم أين رجالهم .. ولم أفطن في ذلك الوقت أن كل شباب القريه بين مصاب وأسير أو مخضب بدماء الشهادة .
- أيها الخائن !.. كانوا يوجهون كلامهم لي .
- لا !.. لا يمكن !.. خالتي !.. عمتي !.. أختي .. ماذا تقولون ؟!..
- لقد بعت أرضك وأهلك أيها الخائن .. لقد أرشدت العدو إلينا لأنك تعلم أننا لا نفتح أبوابنا إلا لك
كما فتحنا قلوبنا من قبل ويا ليتنا لم نفعل .!!
غبت عن الدنيا .. إنها هي .. هي من صنع كل هذا
كنت أهرب من ضرباتهم ولكنني كنت أعيش عالم آخر
لم أكن أعلم مالذي حدث .. ولم أكن أعلم لماذا يحدث
ولم أكن أعلم حتى كيف استطعت الإفلات .. لقد حكم علي أن أتمنى الموت وكم هو شديد على النفس
أن تتمنى الموت ولا تجده .
- هذه قصتي يا سيدي .
كنت مندهشاً من تراكم هذه الأحداث .. ولأول مرة أكتشف أن الرجل الذي أمامي لم يكن عجواً للحد الذي تصورت ! ولكن مقدار ما يحمله من هم جعله يبدوا وكأنه في أرذل العمر.
سالته متلهفاً
- وأين سالين الآن ؟!.. وهل وجدتها ؟!.
- لقد رحلت سالين إلى حيث يجب أن يرحل أمثالها
اثنا عشر سنة لاهم لي فيها غير تتبع أخبارها ، وقد وجدتها أخيراً .. كانت تعيش في جحر لا
ترتاده حتى الكلاب الضالة . كنت أظن أني سأجدها تحمل أبهة الثروة والجاه خاصة بعد ما
اغداه عليها العدو .. لقد وجدتها !!.. لم تعد قادرة على تقليد طرقاتي .. لم تعد خصلاتها جميله كما كانت ..
ولم تعد عيناها تثيران إلا الشفقة..
سألته باندهاش ورعب
_ قتلتها ؟!
_ وهل يقتل الميت؟
فغرت
_ هل ماتت؟!
_كنت ندمت ما تبقى من ايام عمري ... ولكنها تعيش ملطخة بين الخيانة .. والعيش الذي لا تطيقه حتى الكلاب الضاله
... لن تعيش اكثر !!.. كم اتمنى لو انك رأيتها لحظة رؤيتها لي
لم تكن مثلك انت لقد عرفتني .! لقد رايت الفناء مرسوما على خديها الغائرين !
_ مثلي ؟!
_ نعم مثلك ايها العقيد!
_انا ؟
الم تعرفني ايها العقيد .. وانت من كانت ضحكاتك تطاول السماء على كل صرخة تصرخها عجوز تحتضر ... او طفل يموت. الم تعرفني وانت من كان يسقينا الموت اشكالا والونا كل يوم ؟ الم تعرفني وانت من قتل وشرد ودمر؟ .
تراجعت .... احسست ان العالم اصبح صغيرا الى درجة لا تطاق ... احسست انه اضحى عملاقا الى درجه لا يمكن ان اتصورها .
لأول مره ارى ابتسامه .. مرعبه وهو يقترب مني
_ اين اضع اللبن يا سيدى ؟!
لم اجبه .بل كنت اتراجع الى الخلف بدون هدى مني .. وهو يتقدم حاملا اناءة
_ ان وقت المغيب لا ينتظر احدا يا سيدي ... فهل لي ان اعرف اين اسكب هذا اللبن؟ .
سقطت .... وتوقف ينظر الى .
_اتعرف....! لم اكن احلم ان ارى هذه النظرات المرعوبه في عينيك ! لكم تمنيت ان ارى هذه النظرة.
فتح اناء البن .... وهو يضحك ضحكة هستيريه !
_اتعرف ما هو هذا اللبن ايها العقيد... انه شرابك المفضل الذي طالما سقيته للسجناء او قدفته على وجوههم لشويها
اعرفته ؟.....
كانت عيناي المدهوشتين تتوسلان بينا كان يواصل في تلذذ
_ نعم يا سيدي انه ماءالنار .... حمض الكبريتيك كما تسمونه انتم .... ساستمع به الآن وهو يشوي جسدك.. اعدك ياسيدي انك لن تموت .. مرة واحده .بل الاف المرات .. كما متنا تماما الاف المرات .
سكب اناءة وظل يتأمل في نشوه .... اما صوتي فقد عجز حتى عن الصراخ...



#زين_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليك حبيبتي حيفا
- محاكمة افلاطون مسرحية فلسفية من فصل واحد
- خاتم سليمان والمارد
- لأن الملائكة لا يكذبون


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زين الحسن - بائع اللبن