ميثم لعيبي اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 2915 - 2010 / 2 / 12 - 20:44
المحور:
الادارة و الاقتصاد
شريط الإخبار أو ما يعرف بالسبتايتل، ظاهرة رافقت ظهور القنوات الفضائية، وتطورت بتطورها. وهذه الظاهرة صارت تحتل أهمية متزايدة في الفضائيات، وهذا الشريط يخدم إغراضا متعددة، ففضلا عن دوره ألتعزيزي في تكثيف الخبر المصور بصورة مقروءة، نجد إن هذا الشريط صار يستخدم لجذب انتباه المتلقي من خلال خدمة الخبر العاجل (باللون الأحمر، ذي الدلالات الخطرة والمثيرة، عادة) هذا بالإضافة إلى استخدامه في الإعلانات التجارية وعروض البيع، وطلبات الاستماع إلى الأغاني، والشعر والغزل والتصويت.... واغلب هذه الاستخدامات تدر إيرادات مالية على تلك الفضائيات.
السبتايتل نوع جديد من البصري المقروء، وهو ينافس هنا المصوَر المسموع، فكلما كان تأثير احدهما أقوى استأثر بعين المتلقي ، وأُهمِل الآخر، الخبر العاجل مثال مثالي للاستئثار هنا.
فكرة السبتايتل هي كالعادة ليست أصيله بامتياز من لدن العالم العربي، حالها حال الكثير من الأفكار الجاهزة التي يستوردها العربي الشغوف بالتقليد والمحاكاة. على الرغم من ذلك، والحق يقال، فإن عالمنا الفضائياتي يجيد استخدام شريط الإخبار بطريقة ذكية أحيانا، ربما يكون السبب نابعا من فكرة شريط الإخبار ذاتها، والقائمة على مبدأ التكثيف تارة والإثارة أخرى، والذي يواجه معضلة التبسيط في أحيان كثيرة، وهي طينة لا تبتعد كثيرا عما يبحث عنه العقل العربي. فكرة التكثيف، من جهة أخرى، هي فكرة بلاغية بالمعنى الأدبي، وهو فن صعب وقائم على أسس متينة، سأبحث هنا في الخبر الاقتصادي وقواعده "البلاغية" إن صح لي القول. الخبر الاقتصادي، ابتداءاً يظهر بثلاث صيغ في مجمل أشرطة الأخبار، فثمة فضائيات تقسم أشرطتها الإخبارية (أخبار سياسية، رياضية، اقتصادية..)، من الواضح هنا فان الخبر الاقتصادي يظهر بصيغة منفصلة، حيث تبث مجموعة من الأخبار الاقتصادية دفعة واحدة، الصيغة الثانية هي ظهور الخبر الاقتصادي ممزوجا مع بقية الأخبار، وهي طريقة تستخدمها الفضائيات التي تبث أشرطتها الإخبارية بشكل منوع. الصيغة الثالثة هي تلك التي تستخدمها الفضائيات الاقتصادية المتخصصة، والأخيرة تكون أشرطتها الإخبارية جميعها اقتصادية.
للخبر الاقتصادي قواعد راسخة، هذا ما نلحظه في الكثير من الفضائيات، سواء العربية أم الأجنبية، والمتتبع يمكن أن يميز قواعد مشتركة في اغلب تلك الأخبار، نلاحظ أولاً انه يجري استخدام لمفردات تشير إلى اتجاهات المتغيرات الاقتصادية صعودا وهبوطا، مثل ارتفاع، انخفاض، تراجع، تقلص، نمو، هبوط، تذبذب.... وهذه الاتجاهات هي في الحقيقة من صلب ما هو اقتصادي، في بعض الفضائيات يجري استخدام هذه الاتجاهات بشكل مكثف، وذلك باستخدام نظام الرموز، لاحظ : سامبا ? 0.50 ، هذا يعني إن سهم شركة سامبا انخفض بنسبة 0.50 %.
القاعدة الثانية المميزة للخبر السبتايتلي، هي استخدام النسب والأرقام، ففي اغلب الأخبار يتم تعزيز المعلومة الاقتصادية بالرقم، ثمة أمثلة كثيرة للإخبار الاقتصادية التي تتعامل مع الرقم ( وزارة التجارة الأميركية تعلن ارتفاع العجز التجاري بنسبة 16.3%. الناتج المحلي الإجمالي التركي يتقلص بنسبة 7% في الربع الثاني....). ثمة ملاحظات كثيرة لاستخدام الرقم في الخبر الاقتصادي فلغة الأرقام تهدف لاختزال الوصف الكلامي، كذلك يستخدم الرقم لإضفاء الدقة والموضوعية ، لكن لغة الأرقام وعلى الرغم من خصالها تلك فإنها قد تواجه بالابتسار وتشويه المعنى أحيانا، فالكثير من المؤشرات المستخدمة هي مؤشرات مقارنة، أي إن الرقم يكون أصم في بعض الأحيان في حال استخدم لحاله، ودون مقارنته بمؤشرات أخرى، فخبر اقتصادي يقول"بلغ عدد العاطلين عن العمل في المملكة 250 ألف شخص" يخبرنا بحقيقة مجردة، بيد إن هذه الحقيقة لا معنى لها إلا إذا تمت مقارنتها بفترة زمنية لاحقة أو سابقة، فهذا الرقم يبقى من دون دلالة، يمكن أن تعاد صياغة الخبر أعلاه ليكون"انخفض عدد العاطلين في المملكة إلى 250 ألف لهذا العام" ، يمكن هنا أن نفهم إن عدد العاطلين في العام السابق كان اكبر منه لهذا العام، مما يعني تقلص في حجم البطالة.
أما القاعدة الثالثة فهي احتواء الخبر الاقتصادي على الجهة ذات العلاقة (تراجع مبيعات العقار في دبي، جنرال موتورز تقرر بيع شركة اوبل، ارتفاع أسعار برميل النفط الخام إلى 72 دولار في آسيا).... لاحظ (دبي، جنرال موتورز، آسيا)، وكلها تشير إلى إن الخبر الاقتصادي يعزز عادة بجهة أو مؤسسة أو منطقة أو دولة يكون الخبر مادة لها.
كذلك تشكل المدة الزمنية علامة مميزة في الخبر الاقتصادي مما يرشحها لان تكون القاعدة الرابعة، فاغلب الأخبار الاقتصادية تستخدم جمل مثل نهاية 2009، الربع الثاني، منذ 3 أشهر، للأسبوع الرابع....ثمة أمثلة كثيرة هنا:"وكالة الطاقة الدولية تتوقع ارتفاع الاستهلاك العالمي للنفط 0.5 برميل يوميا، وزارة العمل الأميركية تعلن انخفاض عدد المصروفين عن العمل إلى 550 ألف خلال الأسبوع الحالي". لا يفوتنا أن نذكر هنا إن بعض الأخبار قد تفلت من القواعد أعلاه ، لكنها تبقى في صميم ما هو اقتصادي غالبا، التوقع مثال جيد هنا "البنك المركزي السعودي يتوقع تراجع معدل التضخم في الربع الثالث، الفاو تتوقع تفاقم الجوع للألفية المقبلة".
والتوقع في الاقتصاد مسألة ليست خاضعة لضروب من قراءات الطالع أو علوم الأبراج الفلكية ، وإنما هو تنبؤ مستقبلي مبني على الإحصاء والقياس المرتكز على تحليل المعلومات والبيانات الحالية والماضية.
يبدو إن الكثير من فضائياتنا، ربما بدوافع غريزية وبدون معرفة لتلك القواعد، تسعى إلى تعظيم أرباحها بأقل ما يمكن من كلمات، ففضلا عن بيع خدمات السبتايتل، فان بعض القنوات الاقتصادية المتخصصة صارت تحصل على جهة راعية لأشرطتها الإخبارية.
من البداهة أن نقول اخيراً، إن التكثيف في الخبر هو انعكاس لأشهر قوانين الاقتصاد (أعلى منفعة بأقل تكلفة).
#ميثم_لعيبي_اسماعيل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟