أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - بول ماري دو لا غورس - سوريا تحت الضغط















المزيد.....

سوريا تحت الضغط


بول ماري دو لا غورس

الحوار المتمدن-العدد: 886 - 2004 / 7 / 6 - 04:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


منذ اندلاع الحرب الاميركية على العراق اقتنعت دمشق بأن أحد الأهداف الرئيسية لتلك الحرب هو إكمال تطويق المجموعة المكونة من سوريا ولبنان وفلسطين بعد أن كان هذا الحصار قد بدأ مع الشراكة الاستراتيجية المبرمة بين تركيا وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة. بعد مرور عام لا يزال الاقتناع هو نفسه: إن سوريا محاصرة. ومن هنا تأتي السياسة التي يتبعها الرئيس بشار الأسد وحكومته كما القرارات المتخذة لتفادي مواجهة وشيكة وفي الوقت نفسه لضرورة الثبات على مواقف تعتبر أساسية من اجل تأمين استقلال البلاد.

قبل أن تنتهي الحرب اتضحت هذه التهديدات. وكان وزير الدفاع الاميركي أول من اتهم في 28 آذار/مارس، سوريا وإيران بتوفير الدعم للجيش العراقي. وبعد أيام، جددت مستشارة الأمن القومي السيدة كوندوليزا رايس هذه الاتهامات والتحذيرات لكن بتوجيهها هذه المرة إلى سوريا وحدها. وفي 3 أيار/مايو حضر وزير الخارجية السيد كولن باول إلى دمشق لعرض هذه المآخذ.

ابتداء من هذا التاريخ راح المسؤولون السوريون يأخذون في الاعتبار احتمال حصول مواجهة مباشرة مع الاميركيين. وقد تحولت هذه الإمكانية إلى قاعدة لنظرتهم إلى مستقبل المنطقة والمخاطر التي تتهدد بلدهم. ومهما بلغ بهم الحذر في التصريحات فإنهم لا يستبعدون أن تدفع الإدارة الاميركية الأمور نحو مواجهة تؤدي إلى إطاحة النظام الحالي واستبداله بحكومة متعاونة مع الولايات المتحدة.

وتأكيداً لتشخيصهم هذا، يذكر المسؤولون السوريون أن واشنطن، بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، كانت قد ساوت بين الدول المتهمة بإيواء المنظمات الإرهابية الدولية ومساعدتها أو التساهل في نشاطها وبين تلك التي تملك أو تستعد لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وتستمر الدبلوماسية الاميركية، في هذا السياق، في وضع سوريا على قائمة الدول المتواطئة مع النشاطات الإرهابية كما تكرر انتقاداتها لبرامج التسلح السورية. انطلاقا من هنا وبعد تحليلها للتهديدات، اعتمدت دمشق سياسة تساعدها على تفادي المخاطر.

منذ انتهاء المعارك في العراق بدأ المسؤولون السوريون يتساءلون حول احتمال رؤية الحكومة الاميركية، مهما كانت الذرائع، توجه قواتها ضد سوريا في سياق عملياتها داخل الأراضي العراقية. كانت تصريحات السيد رامسفيلد والسيدة رايس تنذر بالخطر إزاء الانتصار العسكري السريع في العراق الذي أعطى، في دمشق وفي العالم أجمع، انطباعا بأن الجيش الاميركي لا يُغلَب.

لكن سرعان ما تبين أن هذا الجيش الذي بقي عديده محدوداً كان منشغلاً بصورة كاملة في مهام الاحتلال والإدارة والقمع في العراق خصوصا مع بروز أولى عمليات المقاومة. في الوقت نفسه، استمر تهديد واشنطن لسوريا بالعقوبات إذا لم تعدل سلوكها، فدخلت سوريا مرحلة من الضغوط المتزايدة والتي يمكن أن تؤدي إلى أزمة حادة ولو أنها تترك لزعماء دمشق الفرصة لإعادة ترتيب سياستهم.

ما هي المطالب الاميركية؟ أربع نقاط أساسية: حرية الحركة التي تؤمنها دمشق للمنظمات الفلسطينية المقيمة في العاصمة السورية والتي تعتبرها واشنطن إرهابية، الدعم الذي توفره سوريا إلى حزب الله اللبناني المصنف هو أيضاً منظمة إرهابية والمتهم بالسعي عندما تحين الفرصة لشن عمليات عسكرية ضد إسرائيل، إيواء الأفراد والمجموعات الموالية لصدام حسين والهاربة من العراق والتي يمكن أن تستأنف نشاطها عند الضرورة ضد الاحتلال الاميركي وأخيراً تطوير أسلحة الدمار الشامل إما في المعامل المحلية وإما عن طريق شرائها لدى دول أخرى.

ترتبط النقاط الثلاث الأولى بالوضع العام في المنطقة ووجدت دمشق فيها هامشاً للمناورة. أما النقطة الأخيرة فاعتبرت أنها متعلقة بحرية قرار سوريا وقدراتها الدفاعية وتمثل "خطاً أحمرً" على الولايات المتحدة أخذه في الحسبان.

فجاءت القرارات السورية كنتيجة منطقية: طلبت دمشق من المنظمات الفلسطينية الموجودة في العاصمة النزوح أو التخفيف من نشاطاتها العلنية. كذلك طلب من الشخصيات العراقية ومرافقيهم اللاجئين إلى الأراضي السورية مغادرتها. كما تقرر إعادة انتشار للجيش السوري في لبنان نحو البقاع بحيث لا يكون على أي تماس مع استئناف ممكن لنشاط حزب الله كما يتفادى التهمة بالتدخل في المشاكل السياسية الداخلية في لبنان. وأكثر من ذلك، أبلغ الأسد من يهمه الأمر أنه لن يعارض خيارات السلطة الفلسطينية في مفاوضاتها مع إسرائيل وأنه لن ينتقد هذه الخيارات ولن يعيرها اهتماماً. لكن هل كانت هذه الإشارات والتصرفات كافيةً لتغيير اللهجة والسلوك الاميركيين؟

ردود الفعل في واشنطن أتاحت معرفة الإجابة. وكان أهم هذه الردود يحصل في الكونغرس على مرحلتين. فقد أعلن في 15 تموز/يوليو 2003 أن مساعد وزير الخارجية جون بولتون سيقدم للكونغرس تقريراً شديد اللهجة حول سوريا يتضمن تهديدات غير واضحة المعالم. في الواقع تم تأجيل الإعلان عن هذا التقرير إذ اعتبرته أوساط وزارة الخارجية قاسياً مفضلة إبقاء هامش للتفاوض.

لكن صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت في 22 تموز/يوليو "تسريبات" حول تطوير سوريا المزعوم للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وعندما تقدم السيد بولتون بتقريره لم يُعرَف حجم التعديلات التي أُدخِلَت عليه. اتهم التقرير سوريا بعدم الاستجابة المرضية للمطالب الاميركية وبتشكيل مصدر محتمل لمساعدة الإرهاب الدولي وتهديد حقيقي لاستقلال لبنان وخطر مفترض على المنطقة إذا ما تابعت تنفيذ برامجها لأسلحة الدمار الشامل. كلها أسباب تبرر اتخاذ العقوبات بحقها. تلك كانت المرحلة الثانية: في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2003 صوت الكونغرس على القانون المعروف بقانون "محاسبة سوريا" والذي يعطي الرئيس الاميركي الحق في فرض عقوبات على سوريا تتناسب مع الخطر الذي تمثله في نظر واشنطن.

وصلت دمشق إلى الاستنتاج أن هناك تيارين داخل الإدارة الاميركية لم ترجح كفة واحد على الآخر بعد. الأول يدعو إلى استغلال أول فرصة لإثارة أزمة تضع النظام البعثي في وضع صعب قد يؤدي إلى سقوطه بفعل العقوبات الصارمة والضغوط العسكرية. أما التيار الثاني، والأكثر تأثيراً على الأرجح، فإن هدفه عزل سوريا وحرمانها أية قدرة على التأثير في مجرى الأحداث في المنطقة وبالتالي في الحلول التي يمكن أن تطرأ على المشاكل فيها.

في المحصلة، اعتبر المسؤولون السوريون أنهم حققوا هدفهم بإبعاد أي خطر عسكري داهم عن بلدهم، أما العقوبات التي صوَّتَ عليها الكونغرس فلم يصر بعد إلى وضعها موضع التنفيذ ويمكن لدمشق آن تبقى سيدة سياستها ووسائل دفاعها. مرت دمشق عندها بفترة قصيرة من التفاؤل. فالاميركيون الغارقون في العراق مع تنامي المقاومة ليسوا بالتأكيد مزمعين على زيادة أثقالهم في المنطقة من خلال الإقدام على مغامرات جديدة. وقد تم تأجيل إقرار العقوبات بحق سوريا مرتين في واشنطن: المرة الأولى بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين في 22 آذار/مارس 2004 والذي كان ينذر باضطرابات خطيرة في المنطقة كلها والمرة الثانية مع تدهور الأوضاع العسكرية للقوات الاميركية خلال معركة الفلوجة والتي كانت تهدد بإشعال الوضع بشكل شامل في العراق، هذا مع أن الناطق باسم القيادة المركزية الاميركية كان قد أعلن صراحةً أن المقاومة تتلقى الدعم عبر الحدود السورية. كل تلك الدلائل كانت تشير إلى أن التيار الأقل عداءً لسوريا لا يزال يتحكم بالموقف في واشنطن وأنه يمكن الوصول إلى تحقيق الاستقرار في العلاقات بين البلدين.

لكن ثلاث وقائع توالت في الاتجاه المعاكس. ففي آذار/مارس حصلت اضطرابات خطيرة في سوريا في المنطقة الكردية المحاذية للحدود العراقية يمكن في الظاهر ردها إلى ظروف محلية. لكن المسؤولين السوريين وفي إشارتهم إلى الدور التقليدي للأكراد في الحياة الاقتصادية والسياسية السورية توقفوا عند عنف التظاهرات التي أُحرِقَ خلالها العلم السوري ليحمّلوا المسؤولية إلى النشاط السري للأحزاب الكردية العراقية المتحالفة مع الولايات المتحدة أو العميلة للاميركيين.

بعد ذلك انتهى الأمر بالرئيس بوش في 11 أيار/مايو 2004 إلى إصدار العقوبات المنتظرة. فتلك المتعلقة بالطيران التجاري نظرية فقط لان ما من طائرة سورية تهبط فوق الاراضي الاميركية. اما التدابير المالية وخصوصا المتعلقة بنقل الودائع فيمكن ان تؤثر على التبادل التجاري وعلى الجاليات السورية في اميركا الشمالية.

أما الموقف الأكثر عدائيةً فقد تمثل في السلوك الاميركي تجاه اتفاقات الشركة المتوقعة بين سوريا والاتحاد الأوروبي. فالسوريون موقنون أن الولايات المتحدة تقف وراء موقف بعض الدول ـ في البدء بريطانيا وهولندا ولكن تبعتها أيضاً ألمانيا وفي النهاية دول الاتحاد جميعها في 25 أيار/مايو 2004 ـ برفض الاتفاق ما لم تتخلَّ دمشق عن برامجها لتطوير أسلحة الدمار الشامل. فهذا الشرط لم يكن وارداً في أي اتفاق شراكة مبرم بين الاتحاد الأوروبي وأية دولة أخرى. وقد اعتبرت دمشق ذلك إجراءً واضحاً ضد المصالح السورية وأيضاً برهاناً على فعالية الضغوط الاميركية على الاتحاد الأوروبي عبر الحكومات المؤيدة تقليدياً أو ظرفياً للولايات المتحدة الاميركية.

لذلك لم تلغِ الحكومة السورية نهائياً من حساباتها احتمال المواجهة. أما السيناريو المرجح والأسوأ احتمالاً فينطلق من الصدمة التي تلقاها الشيعة في المنطقة ولا سيما في إيران مع أخبار الهجوم الاميركي على النجف وكربلاء واستئناف المواجهات مع المقاومة الشيعية جنوب العراق. في هذه الحالة، يمكن لحزب الله اللبناني، سواءً بمبادرة منه أو بتحريض إيراني، الإقدام على الرد من خلال تقديم المساعدة المباشرة إلى المقاومة الفلسطينية. عندها سيكون رد فعل الحكومة الإسرائيلية متوقعاً بعد أن كان شارون قد كرر القول أنه يعتبر سوريا مسئولة عن أفعال حزب الله وأن الرد العسكري الإسرائيلي سيطال القوات السورية الموجودة في لبنان وربما المنشآت العسكرية والصناعية في الأراضي السورية. هذا هو الخطر الذي يرجح أن تتعرض له سوريا في حال اندلاع الأزمة.

في نهاية المطاف، إن الفضل يعود بشكل أساسي إلى المقاومة العراقية في إبعاد الولايات المتحدة عن التفكير في عمل واسع النطاق ضد الدول المجاورة للعراق، وكان السوريون أول من اعترف بذلك. كما أن قراراتهم ساهمت في درء الأخطار المباشرة لكنهم يدركون أن هامش المناورة أمامهم ضيق للغاية.

إن الثبات على حرية الخيارات السياسية والعسكرية ولا سيما رفض التخلي عن برامج التسلح ـ مهما كانت محدودة في الواقع ـ في مقابل الحرية المتوافرة لإسرائيل في تنمية قدراتها للتدمير الشامل من خلال أسلحتها النووية، كل ذلك يعني أن دمشق تغامر في التعرض لمزيد من الضغوط والمبادرات الاميركية الجديدة بحقها. أما الرضوخ للمطالب فيعني ضرب القاعدة التي يقوم عليها النظام منذ عقود من الزمن: الانحياز القومي الصارخ والتمسك الصريح بالاستقلال مع ما يؤمنه ذلك من نفوذ لهذا النظام في الخارج ولدى السوريين أنفسهم.

* صحافي، من مؤلفاته Dernier Empire, Grasset, Paris, 1996.

جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#بول_ماري_دو_لا_غورس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الوقائية، مفهوم استراتيجي خطير
- القصف من اجل احكام السيطرة


المزيد.....




- عباس: أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على منع إسرائيل من ال ...
- هل غيرت الضربات الصاروخية الإيرانية الإسرائيلية الشرق الأوسط ...
- كيف وصل مصريون قُصّر غير مصحوبين بذويهم إلى اليونان؟
- جهود دولية حثيثة من أجل هدنة في غزة - هل تصمت المدافع قريبا؟ ...
- وسائل إعلام غربية تكشف لكييف تقارير سيئة
- الرئيس السوري يستعرض مع وزير خارجية البحرين التحضيرات للقمة ...
- -ما تم بذله يفوق الخيال-.. السيسي يوجه رسالة للمصريين بخصوص ...
- روبوتات -الساعي- المقاتلة الروسية تقتحم مواقع العدو وتحيّد 1 ...
- روسيا.. قانون جديد يمنح -روس كوسموس- حق بيع بيانات استشعار ا ...
- اكتشاف صلة بين فيتامين الشمس والاستجابة المناعية للسرطان


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - بول ماري دو لا غورس - سوريا تحت الضغط