أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الكلاف - قراءة افتراضية لرواية: -رجال وكلاب- للكاتب مصطفى لغتيري.















المزيد.....

قراءة افتراضية لرواية: -رجال وكلاب- للكاتب مصطفى لغتيري.


محمد الكلاف

الحوار المتمدن-العدد: 2906 - 2010 / 2 / 3 - 23:45
المحور: الادب والفن
    



تعتبر الرواية من أكثر الأجناس الأدبية تداولا للواقع الاجتماعي وخصائصه وتحولاته، فهي أداة تعبير عن الواقع عبر الغوص في أعماقه، وفضح خباياه، حيث تبرز زيف التقاليد، وفساد العلاقات الإنسانية..
بداية، لابد من الإشارة إلى أن هذه القراءة السوسيو ميتافيزيقية التي سأقدمها لرواية "رجال وكلاب"، لا تدخل في إطار النقد الجمركي المعتاد لدى النقاد الأكاديميين، بل هي قراءة افتراضية، بمثابة إشباع فضول، وحب استطلاع، وغوص في أعماق الذاكرة الإبداعية للسارد، الذي أتاح لنا الفرصة لنعيشها ونتعايش معها، حتى نتمكن من معالجة ما يمكن معالجته، تلبية لرغبته الملحة.

"رجال وكلاب".. حالة مرضية مفترضة أو "الوسواس القهري" على حد قول الراوي، الوسواس الذي يتجلى في عدة مواقف صادمة من الرواية التي تتناسل بداخلها عدة حكايات، ينتقل من خلالها الراوي بكل حرية من الحقيقة إلى الخيال والعكس، كحالة اختطاف صاحب الدكان من قبل شخصين مجهولين، والأوهام التي كانت تساور السارد، وأوجه الشبه التي كانت تصدمه في شخصية صاحب الدكان الذي تحول إلى سائق طاكسي، ليصدم ثانية بتواجده في دكانه كالعادة، وليست عليه أية آثار للاختطاف.. أو قصة الجد الذي كانت تشده إلى الكلب علاقة حب جارف، لم يتخيل أبدا مرضه، ولم يتحمل صدمة موته، حتى أصبح يتمثله حيا، يكلمه، ويقدم له الطعام (في الخيال طبعا)، بل أصبح يتمقص شخصية الكلب، فيضع حبل الكلب حول عنقه، ينتقل حبوا على أربع، يتناول الطعام ويعلق الماء بالفم (سلوكات كلبية) قد لا تصدق، مادام الكاتب نفسه قال: قد يكون في الأمر بعض الصحة... ص: 23 السطر الأخير).

أو حالة العمة التي أصبحت تتفوه بكلام مبهم غير مفهوم، وتهيم على وجهها في الخلاء، تحيى في صمت، وتعيش الشرود المطلق، وتقوم بسلوكات المجانين، فكان مصيرها الموت غير المعلن بضريح: "بويا عمر" مهملة كما حدث مع الجد، بعدما تخلى عنها كل الأحباب... أو الأحداث التي كانت تعاكس حياة الراوي منذ طفولته، حيث كانت تأتي الأحلام بما لا يشتهي الواقع، مما جعله يعيش حياة غير مستقرة، بدءا بالفقر والانتقال إلى العيش في وسط مغاير، لا هو بالقروي ولا بالحضري، في ضواحي الدار البيضاء، على الهامش، الذي تعذر على العائلة التأقلم معه...

ثم فشله في ربط علاقة مع أنثى، بعدما أحس بكيانه، وشغفه بإحداهن، قانعا بلقائها في الأحلام، أحلام اليقظة وأحلام المنام، يمارس عليها شبقه ورجولته، بل يكتفي كباقي مراهقي جيله، في إفراغ الكبت بممارسة العادة السرية لتعويض الحرمان.

وقد تكون اللعنة الكلبية التي تطارده كباقي العائلة، هي التي جعلته يتمسك برغبته في امتلاك جرو الحلم، لكن الأب رفض ذلك، خوفا من أب يعيد تاريخ الجد نفسه مع الإبن، فرمى بالكلب خارجا، فكان ذلك سببا في كرهه لوالده... حتى أنه رأى الكلب يطارد أباه (في الحلم)، ينهشه بشراسة حتى الموت (رغبة انتقام الإبن من الأب تمثلت له في ذلك الحلم)... لكن رغبة امتلاك كلب ترسخت في الذاكرة فانعكست في رسوماته..

كما أن رغبته في التحرير من كل القيود، هي التي جعلته يشعر بالاستقلالية غداة تخرجه من الجامعة، وحصوله على عمل قار، حتى أنه قرر العزوف على الزواج، رغم تعلق إحدى زميلاته في العمل به، حتى لا يشاركه في حياته أحد، تجنبا لأية مسؤولية، ربما خوفا منها...

ورغم كل ما سبق من أحداث، فلا يمكن لأحد أن يجزم بأن الراوي أو (علال) مريض نفسيا...

فلو كان كذلك لما روى ما حصل بكل هذه الدقة وهذه التفاصيل... بل يمكن اعتباره ولو اعتباطيا، مصابا بالأوهام أو الوسواس القهري على حد قوله... ومهما يكن فإن رواية الأحداث في حد ذاتها، تعتبر انتصارا للذات عما يساورها من أوهام.

البعد الآخر للرواية:

الرمزية حاضرة وبحدة، ويتجلى ذلك في عنوان الرواية "رجال وكلاب" حيث نجد الربط المقصود وبكل إصرار بين الإنسان والحيوان، رغم أن وجود الرابط (الواو) كعدمه... عنوان يعالج وبشكل صريح الحياة اليومية المعاشة، والعلائق الإنسانية، والتي تشكل هاجسا قويا، سواء لدى الفرد أو الجماعة، بعدما تخلى الإنسان عن إنسانيته... لكن لم الرجال دون النساء...؟ قد تكون تجسيدا للقوة الجسمانية... للقسوة للغدر والخيانة...

لكنها في ذات الوقت تقسط عن الكلاب صفة الوفاء والإخلاص... إذا لم الكلاب تحديدا؟ ولم لم يقل الكاتب: "رجال وذئاب" حتى ينطبق الوصف على الموصوف؟!.

وقد يكون العنوان مقتبسا عن رواية الكاتب العربي الكبير المرحوم: نجيب محفوظ "اللص والكلاب" وافتراضا... فكلتا الروايتين متقاربتين في البنية السردية التي تطرح علاقتين: علاقة تنافرية ضدية، وعلاقة تقاربية، رغم تناقض كل منهما مع الأخرى، وفي كلتا الحالتين لا يمكن مقارنة: "رجال وكلاب" ب "اللص والكلاب" لأن هذه الأخيرة لا تطرح إلا علاقة واحدة: علاقة تنافرية ضدية، مادام اللص لم ولن تكون له أية علاقة تقاربية مع "الكلاب" مادام يختار التسلل للبيوت في حلكة الظلام، ابتغاء السرقة وإلحاق الضرر... أما في "رجال وكلاب" فتجوز العلاقتان، علاقة حميمية تقاربية، على اعتبار أن "الكلاب" كانت دوما صديقة للإنسان منذ الأزل: "أهل الكهف" ومازالت، وتتجلى في العلاقة القوية والحميمية التي كانت تجمع بين الجد والكلب، حيث كان لا يفارقه إلا لماما، حتى في مرضه (مرض الكلب) غير آبه بالمرض، ولا بما قد يترتب عنه، وهذا في حد ذاته يعتبر عقدة كلبية...

فلو سقط سهوا ذلك الرابط "الواو" مادام هو ليس برباط مقدس، ومادام سوى رباط في عنق "كلاب"... أية كلاب... وقد يصير واوا للمقارنة أو الإقرار، بمعنى أن: رجال هم في ذات الوقت: "كلاب"... حالة الجد حين طغت عليه السلوكات الكلبية، وأصبح يتصرف وكأنه كلب حقيقي... تناوله الطعام بواسطة الفم، ولعقه للماء... فصفة: "رجال" أو الرجولة بمعناها الواسع، تعبيرا عن الشهامة وعزة النفس، وقد يكون: "الواو" واو المقارنة بين نقيضين: "رجال من الرجولة و: "كلاب" بكل ما تحمله الكلمة من أوصاف خسيسة، إذا ما جردنا "الكلاب" من الحميمية والوفاء والإخلاص، حتى تنطبق التسمية على المسمى...

فنجيب محفوظ جرد "اللص" من صفة الرجولة لحقارته وتسلله خلسة وفي حلكة الظلام لبيوتات الناس للسرقة، ولو كان رجلا شهما لما اختار اللصوصية... وقد تكون للكاتب الكبير مصطفى لغتيري، غاية وبعدا إيديولوجيا في وضع العنوان بصيغة الجمع، "رجال وكلاب"، ربما ليقي بأن هناك: "رجال" رغم وجود في المقابل "كلاب"... بمعنى أن المجتمع لا يخلو من أناس صالحين، في وجود أغلبية فاسدة، والأغلبية تتجلى في "كلاب" وما للكلمة من قوة في النطق أو في الشراسة لحظة الهيجان: الممارسة القاسية للأستاذ له حتى نعته بالمعلم الوحش... أو حالة التوتر التي طبعت العلاقة العائلية، أو عجرفة أبناء العم، المقيمين بفرنسا... أو قد تكون كلمة: "كلاب" في صيغتها الجمعية كناية على الذين كانوا يتجاهلون الجد في محنته الكلبية، حين قاموا بإقصائه، ووضعه بين أربعة جدران درءا لأية فضيحة... أو تنكرهم وتملصهم من مسؤولية الاهتمام بالعمة، ورميها بين أحضان الحمق والموت البطيء بضريح "بو ياعمر" حتى قضت نحبها...

بل هنا الكثير من المواقف التي تنطبق على أصحابها هذه التسمية، "كلاب"... وإلا فماذا قصد الكاتب حين وضع العنوان بصيغة الجمع: "رجال وكلاب في وجود رجل واحد (الجد) وكلب واحد...؟!.

بنية الرواية:
النص الروائي "رجال وكلاب" يميل وبشدة إلى الترميز والأسطورة أي تحويل الأحداث إلى أسطورة، تبرز السير الذاتية لشخوص الرواية (سيرة العائلة في تداخلها)، في إطار الفردانية، كل ذات مستقلة ومجردة في النهاية إلى سيرة السارد، فالكاتب اعتمد في روايته على الذاكرة في سرد الأحداث في حبكة روائية ممزوجة بالخيال، حيث أبدع في تطريزها بالواقع، حتى وإن كان مرا، لينير وجدان القارئ بأسلوبه المشوق، لتأخذه الحبكة القصصية الروائية، في رحلة التيه منذ البداية، فلا ينتبه من غفوته إلا وهو في النهاية.. يفتح له باب الرواية على مصراعيه ليلجها بدون استئذان، يغوص في أغوار متاهتها، عبر صدق وصراحة الكاتب المتفردة.
لغة الرواية:

اللغة المعتمدة في رواية "رجال وكلاب"" من البساطة بمكان، قادرة على إمتاع القارئ.. لغة مصقولة ومزخرفة بالاستنباطات البلاغية، التي تعفي النص الروائي من كثير من الإيضاحات.. لغة شفافة رشيقة، سلسلة وإنسيابية، تجعل القارئ يحس بالمتعة، فيرتبط بالرواية ارتباطا وثيقا، تجعله يتجانس معها، وينخرط في البحث عن الدواء لمعالجة الحالة الافتراضية التي طرحها الكاتب والروائي المتميز والكبير: مصطفى لغتيري..

إن رواية "رجال وكلاب" تستحق أكثر من قراءة.. لأنها حقا رواية..



#محمد_الكلاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعة نقدية في المجموعة القصصية ” ذكريات من منفى سحيق ” للق ...


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الكلاف - قراءة افتراضية لرواية: -رجال وكلاب- للكاتب مصطفى لغتيري.