أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - رسالة الى بيكاسو















المزيد.....

رسالة الى بيكاسو


بديع الآلوسي

الحوار المتمدن-العدد: 2906 - 2010 / 2 / 3 - 01:58
المحور: الادب والفن
    


سلاما ً أيها ألأسباني المحب لمصارعة الثيران .

ماذا يجول في بالك يا بابلو الأن ؟ ربما أشياء كثيرة وربما لا شيء . لكني شغلت منذ يومين قي تأمل قرية الجورنيكا التي دُمرَت وأيقظتها من الرماد ، مناخ الحربين الكونيتين أرعبت الزمان وتربص بك ،،،وتجلدت بالحكمة والصبر .

قبل سبعة عقود دمر الفاشيون آثار طفولتك ،، وبدأ مفتاح الهواجس يغلي .

قال لك الضابط الألماني : انت من رسم الجورنيكا .

قلت له بصوت ساخر وعفوي : لا انتم .

نعم يا بابلو عبرّت بتجريد واضح ومجازي عن ألمك اللامحدود . وكانت اللوحة كالنهر الهائج لكنها حملت اسقاطاتك الشخصية والمبدعة،،هكذا صرخت صرختك المدوية ، نعم يا بابلو ان لوحتك عبرت عن ويلات الحرب في كل زمان ومكان .

ملحمتك ( الجورنيكا ) يا صديقي : تجريدية ، تعبيرية ،، واقعية ، سردية ،من خلالها أخبرتنا بما تُشيعه الفاجعة من وحشية لها سطوة العدم .

توجت لوحتك الهدف ودافعت عن مصير وتأريخ النوع ( الإنساني ) يا بابلو ،،فكم هي من محاولة تستحق الثناء والعرفان .

الجورنيكا يا معلمي قالت لي : عليك أن تعرف أين تمضي .ارجعتني الى جادة الصواب في مقاومة الحرب ولو كنت وحدي .

أحدق في سوادات اللوحة فأزداد اصرارا ً،، اتلصص على البياضات اشعر بالفرح وأتنفس بريق الأمل المسكون بالخلود .

يا معلمي : كلنا متطفلون على الجورنيكا ،، يسكننا الجوع في التأمل الذي يمتد نحو الأشراقات ، الأرتجال صعب يا بابلو ،، تسألني حبيبتي ماذا ارى ؟ .

قلت لها : الجورنيكا مسكونة بالخيال الخصب ، وبالألم الخشن ، والحرية الجذابة ،، والأمل الأبدي ،،والمعنى العاصف ،، والجرأة النادرة .... الخ .

قالت : لكن اين الدم ؟ .

قلت : نعم إنها بلا دماء ولا طائرات ولا رقصات تمجد الحرب وبلا سماء واضحة ،،لكنها بفواصل تنفسية جنائزية الجوارح .

نعم يا بابلو لوحتك تشع بالضوء وتداخل فيها الباطن والظاهر ،،وشحنت بالأستعارات الجزلة والمختزلة .

الكل يسأل بما فيهم أهلي : لماذا رسمت اللوحة باللونين الأسود والأبيض ؟

لكن أصدقائي يشكرون بلاغتك وعواطفك البدائية التي تجلت بإظهار بذاءة العنف الذي ما زال يعصف بنا .

عزيزي بابلو لك بعض اخباري : ما زال ثقل الموت يعصف بالعراق ،،وما زال الأحياء يموتون واقفين ،، الفناء ليس هبة السماء فقط بل هو عصارة الغازات المشعة على أجسادنا . بشع هو المحتل يا صديقي ،،فقد أباح لنفسه أن يقتل الحب في سماء العراق ولكنه كان متحضرا ً فترك لنا الخيار بين الألم الرمادي والدم الفاسد.

حبيبتي يا عزيزي أغتابتك وتسألني :لماذا لم يرسم الجورنيكا ببساطة اخرى ليفهما ابي الفلاح ؟.

قلت لها : حين يصير النزيف كثيفا ً والجروح مسكونه بالرهبة والمستعمرون يضربون بلا رحمة وتصبح الحياة بلا معنى والتأريخ يتقهقر ،،والجوهري يصبح ثانويا ً وطبيعة الجمال تتحول الى كينونة فجة ...الخ ،يصبح الأسترسال بالشكل القديم تنكرا ًلرسالة الفن المقدسة .

اعرف إنك لا تبالي بتساؤلاتنا المحفوفة بالخطأ ..نعم ياصديقي علينا ان نطيل النظر في اللوحة ففيها يكمن الجواب المختصر والمشاكس .

قلت يوما ً : الجمهور لا يهمني ،،وأرسم ما أراه مناسبا ً .

كم كنت صادقا ًحين صدمتنا وأدخلتا في فضاء التأويل .

معلمي العزيز : الأثار البابلية التي تئن من وجع المحتل تبعث لك بالتحايا ،،اطفالنا الذين لا يحبون القمل حين يكبرون سيكنون لك المودة والمحبة لأنك لم تخدعهم ودافعت عنهم ذات يوم ،،فردوس الأرض ( العراق ) ياصاحبي تنتمي لك كما إنك تنتسب لها لسبب بسيط هو إنك وضعت الأشارات وأزحت القناع وأوحيت لأهلي بغد افضل .

بابلو الغالي : الشرفاء والأبرياء يعلمون إن الأرهاب امريكي الهوية ،وان العدو بذيء لا يبالي لجثثنا التي تتعفن في قلب الفوضى . المحتل لايعرف الجمال ، لكن المفارقة انهم يمتلكون وثائق رسمية انيقة لموتاهم . المؤلم انهم لا يذكرون ضحايانا ويضحكون قائلين : العراقيون يتوالدون كالأرانب .

رغم ذلك تساءلت : لماذا السرطان تضاعف في العراق المثقوب الذاكرة .

لا جديد يا فنانا الرائع ،،الحرب الملعونة تغير ملامحها ولكنها مستمرة ..تضيق وتتسع ، تنخفض وتتصاعد ،،وتخمد وتستعر .

لو كنت رئيسا ً للجمهورية يابابلو لأعطيت لكل العراقين الفرصة للخروج من الوطن ولو لمرة واحدة ليتسنى لهم فرصة تأمل الجريمة المقصودة ضدهم ، بعيدا ً عن قرقعة الموت الفاجر .

هكذا يا بابلو وكما ترى ... سقط من سقط ،و البقية من الأحياء يرقبون مصباح (الجورنيكا ) وينضجون بالدفء والطمأنينة .

انت تعرف الحرب اكثر منا جميعا ً ، ولكن بودي ان ابوح لك بأن الألهة تخلت عنا في غفلة من الزمن ،، وأن الأنبياء خذلونا بصمتهم العصي على الفهم .

نعم أخطأنا كنا نعتقد إنها حرب تسلية وكومبيوترات وبعدها سيعم السلام ،،لكننا لم نتوقع ان الزرع والضرع والهواء والأرض والماء سيدخلان في حساب الفاجعة .

أعود لتأمل لوحتك التي لقنت العالم درسا ًعن معنى المراوغة في الجمال ،وعلمتنا جميعا ًبأن الظلم لا يدوم وأنه سيمر كخاطرة بلا ايقاع وبلا روح .

بابلو : يا ثائرا ً على الشر والشكل والجمال ،، ليس مصادفة ً ان ألتقي بك وأتعرف عليك ،، نعم يا صاحبي اننا نتنفس من فضاء سري واحد ،وعيوننا تتطلع الى افق افتراضي يتجلى بالحظور في الوقت المناسب .

ضغطت حواسي يابابلو وتجاهلت السؤال : هل من فائدة ترجى من الحرب ؟ وكأن الأمر لا يعنيني ، لسبب بسيط لأن الدليل لا يكفيني .

انصرفت مستغرقا ً في عيون الجورنيكا و راجعت التخطيطات الأولية ، وجدتها تنبض بالحيويه ومشحونة بالعاصفة والذكريات وفيها صوت مغامر وحلم ازلي ..وجدت في نهاية التجربة اشياء كثيرة منها : الموت في الأم وطفلها ،،والألم في الحصان والأشتغاثة في المرأة التي تحمل الضوء والأنهيار في المحارب ،،وجدت الشجاعة في الثور، والألم في الحصان الصارخ ،، وجدت تراجيديا الحرب وهولها ، لكني حين أمعنت النظر جيدا ً في كل هذة الأستعارات برؤية منتبهة عثرت وعرفت إن الجورنيكا تصب في نهر الحياة الخالد وإنها تبشر بالأمل المنسجم والموسيقى الدافئة ،،قلت :إنها تعبر عن المبهم الواضح في لعبة الوجود .

العزيز بابلو : المطر في بلادي احمر وشحيح والقتلة يصبون الزيت على النار ويملأون المقابر بالدماء ،،رغم كل ذلك فأن قرانا أنثوية الهوى متفائلة بالغد ،،مدننا نافذة على الشعر والتشكيل ،،اماعن أهلي فأنهم صاروا يمقتون محرريهم ويحنون ويتبارون في كتابة القصيدة والأغاني التي تبعدنا عن الحرب الأهلية .

أهلي يابابلو اقوياء كثورك ولا يموتون بسهولة ،فتجد في شارع واحد مأتما ًيقابله عرس لتعويض الهزيمة .

الحديث طويل يا صديقي ... ورغم إغتيال الحقيقة لكني متفائل يا بيكاسو إن الأساطير ستنهض في بلادي وسيعم السلام يوما ً.

تذكر كلماتي يابابلو ولا تنساها .

قبلاتي ومحبتي ...............................صديقك العراقي



#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا ً : تداعيات في البئر
- ( بول كلي ) وموسيقى اللون
- تباريح الشوق
- حكابة ( الخنجر )
- اربع قصص قصيرة جدا
- موعد ألإمبراطور مع الذباب
- تأملات في ما قبل النصب وما بعد الحرية
- المنحوته المنحوسة
- بين الحلم والواقع شعرة
- حيرة الغرانيق
- تشكيل اللوحة انصار للعقل
- آه ...جورنيكا
- قراءة في عيون وفاء سلطان


المزيد.....




- كيف استغلت مواهب سوريا الشابة موسيقى الدراما التصويرية في ال ...
- -فنان العرب- محمد عبده يعلن إصابته بالسرطان
- ترام الإسكندرية و-أوتوبيس- القاهرة..كيف يستكشف فنان الجمال ا ...
- تردد قناة بطوط كيدز Batoot Kids 2024 بجودة HD وتابع أجدد الأ ...
- مسلسل المتوحش الحلقة 32 على قصة عشق باللغة العربية.. موت روي ...
- اخيرا HD.. مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 ( مترجمة للعرب ...
- مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر قناة الفجر الج ...
- -من أعلام الثقافة العربية الأصيلة-.. هكذا وصف تركي الفيصل ال ...
- خطوة جرئية من 50 فناناً امريكياً وبريطانياً لدعم فلسطين!
- الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - رسالة الى بيكاسو