|
قصص قصيرة جدا ً : تداعيات في البئر
بديع الآلوسي
الحوار المتمدن-العدد: 2865 - 2009 / 12 / 22 - 15:01
المحور:
الادب والفن
تداعيات في البئر
هدأتُ بعض الشيء حين تذكرت طفلي وزوجي ، أبتسمت لهما من عزلتي ، آه ..كم تغير الزمن وتغيرت ،عرفت الأن ماذا يعني الجوع والوحدة ، غرقت في تجارب الخطأ والصواب ولم يختل توازني ، فاجأني الألم الغامض كشبح مارد ،تذكرت زوجي الذي يردد : شرارات الحب غذاء وضوء .
أنا الأن ماذا افعل بأختياراتي المحدودة ؟ كل شيء تبدد ، الجدران تعرت من الحلم ، يتوجب ان اتعلم فن الأصرار على الصمت ،الفجيعة ان يلتهم الرعب شغاف قلبي . راحتي المثلى حين اتخيل الشمس المتثائبة ، يجب ان لا أترك الذكريات تقطعني بوحشية .
تعلمت خلال الأشهر المنصرمة إن الأنهيار لا يأتي من سطوة الخارج ، بل يأتيٍ من لحظة الخذلان التي تستوطن مع الرهبة الداخلية . رغم ذلك والى حد الأن اخاف السقوط في الكآبة والغم والأنهيار .
اشعر ان كل ذلك يقوض إيماني ، سحقا ً للأضطراب العصبي المذل . تهاويت في الفخ لكني مازلت اسيطر على زمام امري، أدركت أشياء كثيرة منها إن العجز والتيه يجعلان كرامتي تسقط في الوحل .
حالة الندم تنبثق من دمي بعض الأحيان ، اشعر إن الشيطان يريد ان يكتم أنفاسي يأجنحته المهلكة ...علي َ ان اقاوم وحدي ، وأن لا استسلم الى هذة الغربة القاسية .
ـ نعم ..نعم الصمود خلود .
سمعت صوتا ًعصاميا ً يستفيق من طيات أضطرابي ، قلت : هذا لا يعني إن الغمة قد أنقشعت ، لكن قلبي بصورة غير إرادية صار ينبض بالحياة ، حاولت ان أغذي ذاكرتي بأي شيء ، وجاء صدى حنجرتي يردد بثقة وفرح وإنتصار نشيد الطفولة عن الوطن .................هاجس غير محايد قادني الى معنى وجودي . قلت ربما طفلي الأن يصرخ : تعالي يا ماما .
ليس لي ما ارد عليه غير : تعال في الحلم يا حبيبي فأنهم منعوني ان أبرح المكان.
ـ هل لك موعد مع أحد ؟
ـ نعم إني في خلوة سرية مع القلق .
سيهدأ طفلي حتما ً حين يعلم أني أبحث عن حلمه الذي يسليني وعن فراقه الذي يغتالني .......
داهمني التساؤل القاتل : هل سيثمر تمردي عن أمل جديد ؟
ليس من مجيب ،غلبني ذلك التساؤل المتطفل ،لأجهش بعفويه في بكاء غامض وطويل ، أوقف تداعياتي وأنساني اني في بئر مظلمة يسمونه السجن الأنفرادي للسجينات الهالكات .
****************************************************************************** حفار القبور
في عز الظهيرة لم تر النساء غير كومة التراب وهي تكبر، وضجر يتثاءب على وجة الحفار ، اردن َ أن يقلن َ له أشياء عن الحرب والوطن والحب او الدين ، لكنه امتص الزمن بالصمت وردد : لا نأخذ من الدنيا شيئا .
ذرفن َ دموع كثيرة لكنه لم يجد المزاج لكي يتعاطف معهن ،رغم ذلك لم يتردد من أن يقول لأحداهن : ما ذنب الطفل ؟ .
ذهبن َ تباعا ً ،،واصل الحفار مشاغله وكأن الحياة تحاصره بوتيرتها .
تسللت من بين القبور طفلة تحمل مرآة لتسأله : هل تحب الموت ياعم ؟
ـ لا .
ـ هل تكرهه ؟
ـ لا ، الموت حق لكنه لا يرحم في بعض الأحيان .
لم تكترث للجوابين رغم استغرابها .
ـ يمكنني مساعدتك َ ؟
خرج من القبر وأرتمى على كتلة التراب لاهثا ً.
سألته : لمن هذا القبر ؟
حينها فقط أغمض عينيه ولم يقو على كتم السر ،، وأجهش مختنقا ً بدموع الاسى.
ـ هل هذا القبر لصديق عزيز؟ .
ـ لا انه لطفلي الوحيد
**********************************************************
تلة المواعيد
القرنفلة طريق هدايتي في هذا المنفى والتي قالت لي : طريق الكراهية مقرون بالعلامات وإن كانت السماء صافية .
متيقظا ً الى صباحاتي ، لكن الزمن توقف عند تلة المواعيد ، ارشدني وعيي الى الفرق بين الغواية والأحلام الممكنة .
لو اتت بنت الجيران ذلك النهار لكان للذكرى معنى مغاير ، ورغم انشغالي وأنتظاري ومللي لكن طيفها لم يشرق .
وحان المساء ، يبدو أن لي حظا ًمع القمر .. وجاءت رائحة النعاس ، خبأت في المكان ذكريات بنجوم ودموع ولم انس من دفن خاتم العرس والأحلام .
ـ لا اعرف لماذا لم تحترم المواعيد ؟ .
عدت على عجل الى البيت بلا أمل . هكذا عبثية المصادفات لا تتركنا أنقياء ،دخلنا في الفوضى وضاع الهوى ،،،بعد هذا التأريخ بسنين ، وفي يوم ممطر قادني الحنين الى خزائني الذاتية بحثا ً عن جواهري التي قد نسيتها .
صعدت الربوة ، متمعنا ً شحوب تلك التلة المقفرة . عندما نكون بلا مواعيد يعني إننا نعاني العزلة ، تساءلت :عن ماذا تبحث يا هذا ؟.
ـ ربما هو لمراجعة أثر الحب الآفل ، أو هو ألأهتدء الى الهاجس الحارق .
كانت بنت الجيران غائبة حاضرة ،هبوط ضحكتها أنعش حواسي المتعلقه بالمسامرة .
كنت ضيفا ً على تلة المواعيد ،بحثت عن ما خبأت من أشياء مقدسة .
لم اجد سوى عوسجة ترقص مع الريح والرذاذ الناعم ، انحنيت متأملا الشوك .
سمعتها تسرني بهمس ووقار : الحب علامات وان كانت السماء مدلهمة حائرة .
............................... جنوب فرنسا / تموز /2009
#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( بول كلي ) وموسيقى اللون
-
تباريح الشوق
-
حكابة ( الخنجر )
-
اربع قصص قصيرة جدا
-
موعد ألإمبراطور مع الذباب
-
تأملات في ما قبل النصب وما بعد الحرية
-
المنحوته المنحوسة
-
بين الحلم والواقع شعرة
-
حيرة الغرانيق
-
تشكيل اللوحة انصار للعقل
-
آه ...جورنيكا
-
قراءة في عيون وفاء سلطان
المزيد.....
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
-
-الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم -
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|