أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ابراهيم ميزر الخميسي - عبد الجبار عبد الله - دور متميز في البحث والتربية والتعليم (الجزء الثاني والأخير)















المزيد.....


عبد الجبار عبد الله - دور متميز في البحث والتربية والتعليم (الجزء الثاني والأخير)


ابراهيم ميزر الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2889 - 2010 / 1 / 15 - 02:42
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


الواجب الثالث

أما الواجب الثالث ، أي ألبحث العلمي، فقد إعتبره عبد الجبار عبد الله الواجب الرئيسي للجامعة. فبعد تخرج الطالب من الجامعة يكون مهيئاً لممارسة البحث العلمي حيث يكون قد بدأ بذلك إثناء دراسته. وقد قسّم البحوث العلمية إلى بحوث أساسية و بحوث تطبيقية.

وبالنسبة لعبد الجبار عبد الله [9] فأن ( البحوث الأساسية هي التي يتوخى منها الإضافة إلى معلوماتنا العلمية البحتة. وتحصل بتطوير النظريات القائمة وتقديمها وابتداع نظريات جديدة، واستخلاص النتائج الجديدة من النظريات القائمة ). ويتطرق د. عبد الجبار هنا إلى مسألة مهمة، وهي نسبية النظريات والحقائق العلمية، حيث يجري على الدوام تطوير النظريات إلى أخرى جديدة، تصبح النظريات القديمة معها حالة خاصة من تلك النظريات الجديدة. ولم يكن عبد الجبار عبد الله بعيداً تاريخيا عن ظهور ونشؤ نظرية النسبية ومن ثم ميكانيكا الكم كتطوير لنظرية الميكانيكا الكلاسيكي.

ويشير د. عبد الجبار في هذا الصدد [9] إلى ( إن ما نسميه بالحقائق العلمية ليست حقائق ثابتة مطلقة قد بلغت صفت الكمال النهائي. بل الصفة الغالبة عليها كونها حقائق نسبية معرضة للتغيير والتبديل. و لذلك كان لزاماً على الجامعة أن تفحص هذه الحقائق وتعرضها إلى التجارب الدقيقة ثم تحاول إصلاحها حينما يتضح الخطأ فيها، وتقديمها متى بان فيها الانحراف عن مستدلات التجارب العلمية).

ويبين عبد الجبار عبد الله أن النوع الثاني من البحوث، أي التطبيقية، هي ما ينبثق عن الاحتياجات والمتطلبات الناشئة في المجتمع، وذلك بعد الاستفادة من النظريات العلمية القائمة واعتبارها حقائق نسبية مفيدة. وتكمن أهمية البحوث التطبيقية من جهة أخرى كونها تشكل إختباراً جيداً لمدى صحة تلك النظريات.

و يرى د. عبد الجبار أن للبحوث التطبيقية ثلاث غايات رئيسية هي [9]:

(1. دراسة حاجات البلد ومشاكله القائمة ووصف أفضل الطرق العلمية لتأمينها ومعالجتها في ضوء النظريات العلمية المعروفة.

2. دراسة النظريات القائمة وتفهمها وفحصها والتأكد من مطابقتها النتائج التجريبية، فمتى تبين فيها شئ من الخطأ نبه إليه واقترح حذفها أو تبديلها أو تحويرها.

3. دراسة الظواهر الطبيعية والاجتماعية وفحصها ومحاولة اشتقاق القواعد التجريبية التي تخضع لها، ثم ربطها بالحياة العامة بغية الاستفادة منها).

كما يؤكد عبد الجبار عبد الله ( أن البحث العلمي أمر واحد لا حدود فاصلة بين نوعيه). وغالبا ما يتداخل هذان النوعان سوية. فالنظرية بحاجة إلى التجربة لتثبيتها و دعمها أو لتكشف نواقصها وعيوبها أو حتى فشلها. أما التجربة، فبحاجة إلى النظرية لتمنحها آفاقاً جديدة لكي تتم الاستفادة منها بشكل أكبر وأمثل. ويبين التطور العلمي الترابط والتداخل الكبيرين واللذين يزدادان يوما بعد الآخر بين البحوث الأساسية والتطبيقية. وما ذكره د. عبد الجبار قبل خمسة عقود ما يزال يتمتع بأهمية بالغة، وهو أن الباحث الأساس يجب ألا يشعر بنفسه غريباً في المختبر العلمي، كما أن الباحث التطبيقي ينبغي له أن يستوعب نظريات الباحث الأساس ويتفهمها. ( وكثيراً ما يمارس الباحث الواحد النوعين من البحوث في نفس الوقت).

ويشير د. عبد الجبار إلى أهمية التكنولوجي كونه يشكل حلقة الوصل بين الباحث الأساس والباحث النظري، فهو ألذي يبني الآلات والأجهزة التي بواسطتها يجري تنفيذ التجارب التي يصممها الباحث.

حينما يقوم الباحثون العلميون ببحوثهم، فإنهم يقدمون خدمات جليلة للعلم، إذ أن أبحاثهم هي الأساس في عملية تطور العلم. وبدون تلك الأبحاث يظل العلم يراوح في مكانه. و بدون العلم لا يمكن تطوير الحياة نفسها. و لذلك تدعم معظم الدول البحوث العلمية في شتى المجالات، ويخصص بعضها مبالغ كبيرة جداً لديمومة البحث العلمي والوصول به إلى آفاق أكثر رحابة.


مستلزمات النهوض بالبحث العلمي

و نتيجة لإدراك عبد الجبار عبد الله الدور ألذي يلعبه البحث العلمي في تقدم وازدهار البلد، أكّد كثيراً على دور الجامعة في تطوير البحث العلمي. وذكر أربع نقاط رئيسية [9] يجب توفرها إذا ما أرادت الجامعة النهوض بالبحث العلمي:

( 1. توفر العلماء المجربين الذين مارسوا البحث واعتادوا على طرقه وتطبعوا بطباعه. فالعالم كالعامل لا يأتيه العلم بطريقة الوحي والتجرد، بل يتعلمه ويعتاد عليه ويمارسه ويزداد رسوخاً به كلما ازداد ممارسة له.

2. توفر المختبرات و الأجهزة اللازمة للقيام بالبحث. و مختبرات البحث تختلف عن مختبرات التعليم، وأجهزته ليست أجهزة التعليم، بل إنها تتطلب الكثير مما لا تتطلبه أجهزة الدراسة.

3. توفر مراجع البحث في المكتبة وتداول المنشورات والمجلات التي تنقل نتائج ما توصل إليه العلماء في مختلف البلدان الأخرى إلى العالِم المحلي بحيث يكون على اتصال دائم بالتيارات الفكرية العالمية يتأثر بها ويؤثر فيها. فالعلم بطبيعته مظهر أممي شامل، والعالم الذي يعزل نفسه في برج عاجي لا يلبث أن يقضي على مواهبه ويقبر نفسه في برجه هذا.

4. توفر الجو العلمي الذي يساعد على البحث والإنتاج ويشجعه ويحث العالِم على شحذ مواهبه ).

لم يكن عبد الجبار عبد الله ذلك الإنسان والعالم الذي يكتفي بالطرح النظري للمهام التي على الجامعة أن تنهض بها، إنما كان يجسد ذلك على أرض الواقع بكل عزيمة وإصرار، رغم كل الصعوبات التي كانت تواجهها الجامعة الفتية. لقد استقطب
الأساتذة الأكفاء إلى الجامعة، سواء كانوا في داخل الوطن أو خارجه. وشجع على إرسال البعثات إلى الخارج، كما بدأ بالتهيئة والإعداد لدراسة الماجستير في بعض الفروع العلمية. و عمل جاهداً على خلق أجواء علمية وديمقراطية في رحاب الجامعة ومؤسساتها لإيمانه بأن ذلك يشكل أساساً مهماً للنهوض بعملية البحث العلمي.


خطوات ملموسة لحل المشاكل وتذليل التحديات التي تواجه البلاد

كان د. عبد الجبار مهتماً بتوجيه البحث العلمي نحو دراسة المشاكل والتحديات التي تواجه بلده العراق بغية إيجاد الحلول لها وكذلك من أجل تطوير البلد في مجالات مختلفة كالزراعة وغيرها. لقد ذكر أحد زملائه، وهو د.عبد الكريم الخضيري[6]، بأن عبد الجبار عبد الله ( كان يرى أن تنشيط البحث العلمي ينبغي أن يأتي بالتوافق مع حاجات البلاد الملحة. وكان أول معهد يُنشأ للبحث والدراسات العليا هو "معهد بحوث المناطق القاحلة" ليجري البحوث في النباتات العراقية المقاومة للجفاف والملوحة، ولدراسة التربة، وإيجاد الحلول لمشكلة الملوحة التي تهدد مستقبل الزراعة، ودراسة البيئة. و قد قبل عدد من الطلبة لدراسة الماجستير فيه، وتولت جامعة بغداد الإنفاق عليه وعين د. عبد الرسول كمال الدين مديراً له. وقد أصبح هذا المعهد من بعد نواة ل "مجلس البحث العلمي". ولأول مرة تفتح كلية الزراعة في أبي غريب أبوابها لطلبة الماجستير عام 1960 – 1961، غير أن هؤلاء الطلبة أُرغموا بعد شباط 1963 على ترك دراستهم العلمية، وأفلح بعضهم في إكمال دراساته العليا في الخارج ).

إن مسألة ربط البحث العلمي باحتياجات البلد، التي أكد عليها د. عبد الجبار، ما تزال تحتفظ بأهميتها اليوم أيضا. ً فبلادنا تواجه مشاكل عديدة ينبغي إيجاد الحلول لها. وتشمل هذه المشاكل مجالات كثيرة كالمخلفات النووية و اليورانيوم المنضب [17] والمياه والتلوث والبيئة والجفاف وغيرها الكثير. وما يزال العديد من الباحثين يعيرون اهتماماً خاصاً لهذه المسألة. فقد أشار، على سبيل المثال، د. عامر ياس القيسي [11] إلى أهمية (ربط الجامعات بالحياة من خلال الأبحاث التي تعالج المشكلات الحياتية للإنسان في مجالات التربية والتعليم وعلم النفس، ومشكلات الخدمات والمعيشة اليومية، والإنتاج ومعوقات العمل...الخ، وإيجاد الحلول المعتمدة على الدراسات الميدانية لتجاوزها...).

خلق أجواء علمية

إن تواجد ومشاركة عبد الجبار عبد الله في الاجتماعات واللقاءات والندوات والمؤتمرات العلمية لعدة سنوات في أمريكا وغيرها، إضافة إلى خبرته وحنكته، جعلته يدرك أهمية توفر الأجواء العلمية لتشجيع وتنشيط البحث العلمي، وخلق حركة علمية تستنهض الباحثين وتشحذ هممهم لمواصلة بحوثهم والانتقال بها إلى مجالات أرحب وأعمق. و كما أكد د. الخضيري[6] فإن عبد الجبار عبد الله كان (حريصاً على تحفيز البحث العلمي والنهوض بالحركة العلمية، لذلك بادر إلى تنظيم عقد المؤتمر الأول لجامعة بغداد، وعيّن د. صلاح تحسين رئيساً للجنة المنظمة للمؤتمر. وكنت أنا ضمن الأعضاء الثلاثة للجنة. إنعقد هذا المؤتمر وشمل مواضيع في الكيمياء والزراعة والهندسة والعلوم الصرفة والطبية. لقد كان المؤتمر تظاهرة علمية كبيرة لم يسبق أن شهد العراق مثلها من قبل، وكان كل من شارك فيه يحس بالفخر والاعتزاز. وقد نشرت خلاصات للأبحاث التي طرحت فيه، وكان حافزاً لتطوير البحث في الجامعة. وقد إفتتح د. عبد الجبار المؤتمر بكلمة مؤثرة كان لها صدىً بعيداً في المجتمع العراقي، وغدا البعض يردد ما أورده فيها من حكم، لاسيما استعارته للمثل الصيني عن شجرة الصفصاف وشجرة البرتقال للحث على التواضع العلمي الأصيل وتجنب روح التبجح. إن المتبجح كشجرة الصفصاف التي تتباهى بما تثيره حولها من ضجيج كلما هبّت نسمة ريح، فيما تظل شجرة البرتقال التي تقدم الإنتاج الحق هادئة لا تثير الإنتباه. لقد كان د. عبد الجبار عبد الله في كلمته تلك يعبر عن الطموح لدى العلماء العراقيين للنهوض بالعراق الجديد، كما كان يعبر عن حقيقته هو بوصفه عالماً غزير الإنتاج دون أن يثير الضجيج).


أهمية التنظيم والتخطيط

ولتنظيم عملية البحث العلمي اهتم عبد الجبار عبد الله بالتخطيط لها، ورسم البرامج الضرورية لذلك، والنظر إلى الآفاق المستقبلية للدور الذي يمكن للجامعة النهوض به من أجل إرساء الأسس والمقومات للبدء ومن ثم الاستمرار بمشاريع علمية واعدة. وبين أساليب عمل تلك المشاريع وكيفية إقامتها. وقد أشار إلى ذلك بقوله [9]: ( لابد من رسم الخطط العامة للبحوث العلمية، بحيث تنتظم في مشاريع علمية تؤلف وحدات قائمة بذاتها، ويعمل في كل مشروع نخبة من الأساتذة والطلاب على شكل فرقة متضامنة واحدة يساعد كل منهم الآخر ويشارك في إرشاده. و لهذا فإن الجامعة جادة في تأسيس مجلس علمي أعلى يقوم على وضع تلك الخطط وتحديد واجبات المشاريع وأعمالها ).


إستقلالية البحث العلمي

لقد أكد د. عبد الجبار على مسألة مهمة أخرى [9] وهي ( أن البحث العلمي عمل مستقل يتطلب الانصراف عن سائر الواجبات الأخرى. فمن أهم ما يتطلبه الباحث أن يتوفر له الوقت وأن لا يقاطع عليه سلسلة أفكاره واجبات جانبية يضطر إلى القيام بها لتطمين قوته اليومي). و فعلاً، نرى ذلك متوفراً في الدول المتطورة، إذ أدركت هذه الدول الحقيقة بحكم تجربتها الطويلة والغنية في هذا المجال. فالجامعات ومؤسسات البحث العلمي تتلقى الدعم والمساعدات والهبات سواء من الدولة أو الشركات والمؤسسات الأخرى أومن الأفراد، وذلك لإيمانهم العميق وثقتهم الكبيرة بما تقدمه البحوث العلمية من فائدة لا تقدر بثمن إلى سلامة وتطور وسعادة المجتمع. ونتيجة لذلك تتهيأ للباحث كل ما يحتاجه من متطلبات ومستلزمات للقيام ببحثه والتركيز عليه دون أن يكون مضطراً لتشتيت أفكاره وجهوده على أمور ثانوية أخرى.


عزم وتصميم على تحقيق الأهداف

ومن بين أهم ما تميز به هذا العالم الجليل هو عزمه وتصميمه الكبيرين في الإرتقاء بالبحث العلمي وقضايا التربية والتعليم وجامعة بغداد والمعاهد في عموم العراق إلى مستويات جديدة، بحيث تضاهي ما توصلت اليه البلدان المتطورة. وكانت جهوده الحثيثة وطاقته التي لا تنضب متوجهة لتحقيق ذلك الهدف رغم إدراكه أن المسيرة طويلة وإن الطريق غير معبدة، وقد قال [9]: (إن جامعة بغداد ما تزال طفلة لم يمض على ولادتها الحقيقية أكثر من سنتين، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها أهداف جسام لا يسهل تحقيقها بمجرد الرغبة وحسن النية، ولابد من الانتظار مدة قد تطول قبل أن تبلغ تلك الأهداف النبيلة، ولكن هذا لا يمنعنا من أن نسير على الطريق القويم المؤدي إلى بلوغها، وأن نزود أنفسنا بما تتطلب إليه من متاع. ومتى يتأكد لنا ذلك نستطيع أن نطمئن إلى أننا واصلون إلى تلك الأهداف إن عاجلاً أو آجلاً. و متى تستكمل الجامعة نواقصها وتبلغ سن الرشد تتقدم في توجيه هذا البلد نحو المدنية العلمية السعيدة).

بيد أن هذه الأهداف لا يمكن بلوغها، كما تبين العديد من التجارب لدول مختلفة، من دون أن يكون لمؤسسات البحث والتربية والتعليم استقلاليتها التامة ومن دون أجواء ديمقراطية تمارس فيها تلك المؤسسات نشاطها العلمي والأكاديمي.
لقد أكد الكثيرون من الباحثين والأساتذة الجامعيين على الأهمية الكبيرة لهتين المسألتين، أي الاستقلالية والديمقراطية، (انظر، على سبيل المثال، ما كتبه د. تيسير عبد الجبار اللآلوسي في [12]، د. ياسين الأنصاري في [13] و د. أسعد الخفاجي في [14] ).

وفي [18] تم التأكيد على أن البحث العلمي يتواصل ويزدهر فقط عند توفير مناخ ديمقراطي في مؤسسات البحث العلمي، ويؤدي فرض الوصاية والضغط على الباحثين وتسييرهم عنوة في اتجاه معين إلى خسائر كبيرة للمجتمع. فالكل يعلم كيف عانت العلوم من أوقات صعبة في أوربا بالعصور الوسطى، يوم كادت الكنيسة أن تعدم (غاليليو) لتأييده فرضية (كوبرنيك) التي قالت بدوران الأرض حول الشمس. كما بات واضحاً ما أصاب الحركة العلمية والثقافية والفكرية من أضرار بالغة جرّاء الحملة المكارثية في أمريكا، حيث لوحق العديد من الباحثين والعلماء بحجة ميولهم اليسارية. وكذلك ما لحق بالأتحاد السوفياتي من خسائر كبيرة في الزراعة نتيجة لمنع تدريس نظرية داروين والإطلاع على أبحاث مندل الوراثية بحجة معارضتهما للمادية الديالكتيكية.

أما في بلداننا العربية فقد تعرض العديد من رموز الحركة العلمية والفكرية للتصفية الجسدية أو للسجن والاعتقال أو للنفي إلى غربة طويلة. وكمثال على ذلك ما جرى للجواهري وعبد الجبار عبد الله وحسين مروة ومهدي عامل وصفاء الحافظ وصباح الدرة ومحمد باقر الصدر وغيرهم. لقد أدت السياسات القمعية والقسرية والإرهابية الدموية إلى نكبات وكوارث ثقافية وفكرية وعلمية أصابت بلدنا العراق الذي من المفروض بثرواته وحضارته وكوادره أن يكون مصدر إشعاع معرفي وتنويري لكل المنطقة.


الحرية والديمقراطية والأستقلال في البحث والتربية والتعليم قبل خمسين عاماً

قبل خمسة عقود أعار عبد الجبار عبد الله اهتماماً كبيراً إلى إشاعة أجواء ديمقراطية في مؤسسات البحث والتربية والتعليم العراقية. وبناء على شهادة تلميذه ومن ثم زميله د. عبد الكريم الخضيري [6] فإن ( الفقيد كان حريصاً على إشاعة التقاليد الديمقراطية في الجامعة. فقد منح عمداء الكليات ومجالسها صلاحيات كبيرة لتنظيم وتحسين مناهج الدراسة فيها وتطوير أبنيتها ومختبراتها واختيار أعضاء الهيئة التدريسية. وكان ما تتوصل إليه الكليات يناقش في مجلس الجامعة بكل ديمقراطية. وكان الأمين العام للجامعة يتولى، بالتعاون مع الرئيس، إعداد مناهج جلسات مجلس الجامعة. كذلك كان يُعنى بالجانب القانوني للقرارات وعيّن مستشاراً قانونياً للمجلس لتأتي قراراته متمشية مع قانون الجامعة ).

وقبل خمسة عقود أيضاً أكد د. عبد الجبار على أنه لا يمكن للجامعة أن تقوم بواجبها على أكمل وجه من دون أن تتمتع بالاستقرار والاستقلال. وقد جاء في [9] على لسانه ( إن الاستقرار من أهم ما تتطلبه الجامعة للقيام بواجباتها. ولا يتأتى الاستقرار إلا بالاستقلال. و إذن فلابد من ضمان استقلال الجامعة لتكون بعيدة عما قد يستجد من الأهواء والنزعات. أن أحكام العلم غالباًً ما تكون قاسية كثيراً حيث تقابل لأول وهلة بالاشمئزاز والاستهجان. فإذا تعرض العلماء إلى شيء من الضغط أو الأذى وجدوا أنفسهم في جو لا يشجعهم على التصريح بما يتوصلون إليه من النتائج، وضاعت الفائدة منهم وتحولوا إلى أتباع بعد أن كانوا قادرين مرشدين. و,إذن فالشرط الأساس لممارسة الحرية الفكرية هو الشعور بالحصانة القانونية واستمداد القوة والصلابة من ذلك الشعور...وإن الجامعة جادة في أن تتقدم بطلب سن قانون جديد يحقق لها هذا المطلب الأساس ).

ما أحوج بلادنا اليوم إلى الاستقرار وخاصة في الحياة الأكاديمية، وما أكثر ما تفتقر إليه جامعاتنا ومعاهدنا ومدارسنا من الاستقلال في ممارسة دورها ونشاطها في قضايا البحث والتربية والتعليم. فلا يمكن إرساء أسس صحيحة قابلة للتطور والارتقاء من دون حرية فكرية يتمتع بها العلماء و الباحثون و الأكاديميون وغيرهم من المبدعين. فتلك الحرية هي الأساس لكل عمليات الخلق والإبداع!

وكان عبد الجبار عبد الله، ذلك العالم الجليل والمربي الكبير والإنسان المتواضع، قد حدثنا عن ذلك الاستقلال وتلك الحرية ومارسهما فعلاً في الحياة العملية وذلك قبل خمسين عاماً!



المراجع

[1] د. ابراهيم ميزر الخميسي، "عبد الجبار عبد الله- الريادة في علم الأنواء الجوية" موقع " الحوار المتمدن" الإلكتروني بتأريخ 29-6-2009، الموقع الإلكتروني "لأتحاد الجمعيات المندائية في المهجر"، موقع "الناس" أو "صوت العراق".

[2] د. جمال العتابي، " عبد الجبار عبد الله ...شرف العلم والموهبة الفذة"، الصفحة الإلكترونية لموقع " إتحاد الجمعيات المندائية في المهجر". هذا المرجع عبارة عن عرض مكثف لكتاب د. ستار نوري العبودي بعنوان: " د. عبد الجبار عبد الله – سفير العراق العلمي"، من إصدار دار المرتضى في بغداد.

[3] كاظم حسوني، "د. عبد الجبار عبد الله سفير العراق العلمي...سيرة حافلة بالإنجازات والمواقف الوطنية"، جريدة (الصباح) العراقية 16 نوفمبر عام 2005 . المصدر المذكور هو قراءة قام بها كاظم حسوني لكتاب د. ستار نوري العبودي الذي ورد ذكره في المرجع [2].

[4] "عبد الجبار عبد الله"، مجلة (الراصد)، مجلة عراقية اسبوعية جامعة، العدد العاشر، السبت 2 آب 1969.

[5] أحمد عبد الرحمن الأسدي، سيناريو بعنوان "العالم العراقي المندائي الكبير الدكتور عبد الجبار عبد الله"، الصفحة الإلكترونية لسفارة جمهورية العراق في لاهاي – هولندا (نتاجات الجالية العراقية):
www.embassyofiraq.nl

[6] د. عبد الكريم الخضيري، "عبقري الجيل"، مجلة (الثقافة الجديدة) العراقية، الصفحة 124، العدد 261، عام 1994-1995.

[7] عربي الخميسي، "العالم الدكتور عبد الجبار عبد الله يوم التقيته"، موقع (الناس) الإلكتروني في 18-8-2009 أو موقع (اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر).

[8] قيس قاسم العجرش، "وجوه عراقية"، جريدة (الصباح) العراقية الصادرة في 17-05-2003.

[9] "مهام الجامعة كما رآها د. عبد الجبار عبد الله"، جريدة (طريق الشعب)، العدد 1159 الصادر في بغداد بتاريخ 21-07-1977. إن هذا المرجع هو قسم من كلمة لعبد الجبار عبد الله بعنوان "جامعة بغداد – واجباتها وأهدافها" كانت قد تصدرت دليل جامعة بغداد لعام 1959 1960.

[10] د. عبد جاسم كاظم الساعدي، "التعليم في العراق: الواقع والآفاق" – ورقة للمشاركة في المؤتمر الأول حول حق التعليم في البلدان المتأثرة بالأزمات الذي نظمته منظمة اليونسكو تحت عنوان "توقفوا عن تعريض مستقبل العراق للخطر" من 30 تشرين الأول (اكتوبر) ولغاية 1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 في باريس بفرنسا.

[11] د. عامر ياس القيسي، "التعليم العالي في العراق...الواقع والطموح"، صفحة (الطريق) الإلكترونية بتاريخ 10-06-2008.

[12] د. تيسير عبد الجبار الآلوسي، "آراء وملاحظات في تطوير التعليم العالي والجامعة في العراق"، صفحة (الطريق) الإلكترونية بتاريخ 22-03-2007.

[13] د. ياسين الأنصاري، "التعليم العالي والبحث العلمي العراقي بعد عام من سقوط النظام"، صفحة (موسوعة النهرين) الإلكترونية بتاريخ 27-04-2004.

[14] د. أسعد الخفاجي،"العراق...الأصلاح الجامعي وتحديات المرحلة الحالية"، صفحة (المجلة العلمية العراقية) الإلكترونية في 21-04-2004.

[15] د. حامد الحمداني، "من أجل إعداد جهاز تربوي جديد"، صفحة (الطريق) الإلكترونية في 14-08-2003.

[16] د. حامد الحمداني، "من أجل نظام تربوي ديمقراطي جديد"، صفحة (الطريق) الإلكترونية في 14-08-2003.

[17] د. كاظم المقدادي، "الأمم المتحدة تحث على مواجهة التلوث وبقايا اليورانيوم المنضب في العراق"، صفحة (الطريق) الإلكترونية في 14-08-2003.

[18] د. إبراهيم ميزر الخميسي، "الديمقراطية هي الأمل"، مجلة (الثقافة الجديدة) الصادرة في بغداد، الصفحة 69، العدد 329-330، عام 2009.



#ابراهيم_ميزر_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الجبار عبد الله - دور متميز في البحث والتربية والتعليم ( ...
- عبد الجبار عبد الله – الريادة في علم الأنواء الجوية *


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ابراهيم ميزر الخميسي - عبد الجبار عبد الله - دور متميز في البحث والتربية والتعليم (الجزء الثاني والأخير)