أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محفوظ أبي يعلا - زَيد الرُومَانْتيكي وَ عَمْرو العَقْلاني














المزيد.....

زَيد الرُومَانْتيكي وَ عَمْرو العَقْلاني


محفوظ أبي يعلا

الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 03:40
المحور: الادب والفن
    


أنا " زيد " رجل رومانتيكي جدّا , كان لي صديق يدعى " عمرو " و هو رجل عقلاني مترفع موضوعي لدرجة لا تحتمل . يقرأ قصائدي فيحللها تحليلا نفسيا , ثم يقول لي بكل برودة دم : أحسنت , و لكن , اعلم أنك قمت بعملية نفسية يطلق عليها اسم " التسامي " أو " الاعلاء " و هذه العملية تعني تحويل غريزة ما إلى هدف اخلاقي ابداعي ثقافي , إنها حيلة من الحيل الدفاعية التي تمارسها النفس الإنسانية في صراعها مع الكبت .

كنت مؤمنا بجوهرين للإنسان جوهر النفس و جوهر المادة . أما صديقي " عمرو " فكان مؤمنا بجوهر واحد هو جوهر المادة . كان يقول لي في أكثر من مرة أن الجنة نستطيع أن نحققها على هذه الأرض عن طريق العلم . كان يأله العقل . أما أنا فقد كنت كافرا بإلهه . كنت ادافع عن المشاعر و الانفعالات و الحدّس . كنت أحبّ العيش في خطر , نعم .. كنت أحب ذلك بصدّق . أحبّ المغامرات و الطبيعة و الحرّية . أمّا هو فكان كمعظم العقلانيين يحبّ الأمان و الراحة و النظام .

عشق صديقي " عمرو " المدينة الحديثة بضجيجها و مصانعها و معاناتها . أما أنا فكنت أعشق الطبيعة , لقد كانت تبدو لي المكان الوحيد القادر على احتوائي و تخليصي من بشاعة المدن الصناعية . كنت أحلم أن أمتلك مزرعة صغيرة أحيا فيها حياة بسيطة , كانت صورة " تولستوي " و مزرعته تحضرني دائماً . أمّا المدينة فلم أكن أطيقها . حتى انسانها المتحضر لم أحتمله رأيته انسانا فاسداً لا يحمل الفضيلة التي يحملها الانسان الهمجي النبيل .

كرهت الأعراف الخانقة . احتقرت الأفكار التقليدية الساذجة . كنت متمردا حرّا أعيش و جودي بالشكل الذي أختاره أنا لا بالشكل الذي يختاره لي مجتمعي . و هذه الصفة هي احدى الصفات القليلة التي أتشاركها مع صديقي " عمرو " و لكن اختلافي الكبير معه كان في مسألة " المثالية " أستطيع القول أن صراعي مع صديقي صراع بين المثالية و الواقعية المادية . كنت أتبع انفعالاتي و عواطفي . أما صديقي فكان أشبه ما يكون بالآله . كان يعتبر القدرة الذهنية من خلق العالم المادي , فليس هناك ربات الشعر و لا إلهام و لا وحي .. كل شيء ينتجه العالم المادي .

ارتكز نظري في الحياة على الجمال , و خصوصا , ذلك الجمال العنيف الذي نبصره في الطبيعة . أستحضر " جبران خليل جبران " و مزاجه الرومانتيكي . أستحضر كل الشعراء الرومانسيين .. شعراء الطبيعة و الكآبة و الحرّية . أستحضر أيضا " سارتر " ففي أحيان كثيرة كنت أحمل تقزز و غثيان رجل وجودي المذهب , و في أحيان أخرى كنت أتقمص شخصية " برجسون " و ايمانه بالحدس . كنت أرى أن العقل يضللنا و يقدم لنا صورا مشوهة عن العالم , و أنه يخنق غرائزنا الطبيعة و بالتالي يسلب منا الحرية . أحببت " برجسون " لأنه يعارض العقل العلمي بالحدس الذي يعتبره وسيلة لادراك الواقع في عمقه النابض بالحياة و المعنى . " عمرو " في هذه المسألة كان يعارضني بشدة , يعتبر أن العقل قوة تحقق لنا التحرر و التقدم . كان صديقي كما بدا لي يحارب الأفكار المستبدة بالعقل , إلا أنه لم يفطن لأمر مهم و هو أنه كان مستبدا بدوره , ايمانه بالمستبد ـ العقل ـ كان وهما كلفه الكثير .

في الدين , كنت مؤمنا بوجود الله , و لم أكن أحتاج لبراهين وجوده . كان ايماني ينبع من قلبي , لم أكن أفسح المجال للعقل في هذه النقطة . كنت أتعبد , بل أتصوف أحيانا . أما " عمرو " فقد أدار ظهره للدين و رجاله لم يكن يحب أقوال الشيوخ , بل كان يعتبر كل قصة دينية محض اسطورة أو خرافة . بدا لي مثل عضو في جماعة " الموسوعة " لأن العقل بالنسبة له كان مثل النعمة بالنسبة للمسيحي . كان " عمرو " يعشق ترديد كل الاعلانات المنادية بالغاء الدين , قرأ لنيتشه .. أعجب بديدرو .. بدوركايم .. فرويد و حتّى ماركس مع أنه لم يكن شيوعيا .

في الحقيقة , لم يكن صديقي يرفض تصوفي بل كان يتمنى أن يكون كل المؤمنين مثلي . ببساطة عدوة " عمرو " هي المؤسسة الدينية الرسمية . كان يعتبرها أضحوكة أو خدعة . و رأى مما رأه أن المؤسسة الدينية تخدم المصالح الخاصة للحكام و رجال الدين . ردد كثيرا عبارة قالها ماركس ذات يوم " الدين أفيون الشعوب " .

أين صديقي " عمرو " الآن ؟ لقد مات .. انتحر في احدى الليالي الشتائية الباردة . قتل نفسه لأنه لم يعثر على مبرر لبقائه . شعر أن الوجود عبثي فوضوي لا قيمة له . " عمرو " رجل أخذه عقله إلى الهلاك . لقد مات صديقي لأنه أفرط في العقلانية . رحمه الله فقد كان انسانا مفكراً .



#محفوظ_أبي_يعلا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبْجَدِيّة الحَيَاة أنْتِ !!.


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محفوظ أبي يعلا - زَيد الرُومَانْتيكي وَ عَمْرو العَقْلاني