أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - آريين آمد - ملخص كتاب صدام الحضارات















المزيد.....



ملخص كتاب صدام الحضارات


آريين آمد

الحوار المتمدن-العدد: 2879 - 2010 / 1 / 5 - 21:07
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


إن جوهر ما جاء به صمؤيل هنتنغتون هو إن " الصراع في العالم الجديد لن يكون إيديولوجيا أو اقتصاديا بل سيكون ثقافيا أو حضاريا بالمعنى الأدق". والحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع الذي يضم الجماعات الثقافية مثل القبائل والجماعات العرقية والدينية والأمم وفيها يعرّف الناس أنفسهم بالنسب، الدين، اللغة، التاريخ، القيم، العادات، والمؤسسات الاجتماعية.
حادثتان أثارتا اهتمام الكاتب، الأولى وقعت أثناء اجتماع بين باحثين روس وأمريكيين في العام 1992 في قاعة احد المباني الحكومية في موسكو بعد أسبوعين من اختفاء الاتحاد السوفيتي من الوجود ليصبح الاتحاد الروسي دولة مستقلة ليختفي تمثال لينين الذي كان يزين منصة القاعة وليحل محله العلم الروسي الجديد الذي كان يرفرف على السور الخارجي للبناية والمشكلة الوحيدة هنا كانت ملاحظة احد الأمريكيين بان العلم الجديد كان معلقا بالمقلوب!!!! وأوضح ذلك للمضيفين الذين بادروا على الفور لتصحيح وضع العلم.
أما الثانية ففي الثامن عشر من ابريل عام 1994 تجمع ألفا مواطن في سراييفو وهم يلوحون بعلمي المملكة العربية السعودية وتركيا بدلا من أعلام الأمم المتحدة أو الناتو وبهذا فهم كانوا يعلنون توحدهم مع رفاقهم المسلمين ويقولون للعالم من هم أصدقاؤهم الحقيقيون وأصدقائهم غير الحقيقيين.
الأعلام المقلوبة والأعلام الإسلامية التي رفعت في قلب أوربا أشارتا إلى تشكيل جديد لعالم بدأ يتقسم وفق خطوط ثقافية.
في عالم ما بعد الحرب الباردة أصبحت للأعلام دورا في الاعتبار وكذلك الرموز الدينية مثل الصليب والهلال. فالثقافة لها أهميتها لان الهوية الثقافية هي الأكثر أهمية بالنسبة لمعظم الناس.
بعد قرن من النفاق العاطفي نكتشف اليوم بأننا إذا لم نكره بقوة لن نحب بقوة. نكره ما ليس نحن ونحب ما نحن.
الصراعات الثقافية تتزايد وهي الآن أخطر مما كانت عليه في أي وقت سابق في التاريخ. يقول جاك ديلوز الصراعات المستقبلية سوف تشعلها عوامل ثقافية أكثر منها اقتصادية أو إيديولوجية. واخطر تلك الصراعات تلك التي تقع على طول خطوط التقسيم الحضاري.
الشعوب التي تفصل بينها الايدولوجيا تجمعها الثقافة وتقرب بينها كما فعلت الألمانيتان والكوريتان وكما بدأ يحدث بين أكثر من صين.
المجتمعات التي اتحدت عن طريق الايدولوجيا أو الظروف التاريخية ولكنها منقسمة بسبب الحضارات ، أما تفتت كما حدث للاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا والبوسنة أو تتعرض لتوتر شديد كما هو الحال في أوكرانيا ونيجيريا والهند وسريلانكا وغيرها. الستار الحديدي الذي كان يفصل أوروبا هو نفسه اليوم الذي الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية والشعوب الإسلامية والارثوذكسية من ناحية أخرى. عمليات إحياء الدين تقوي من الفروق الثقافية بين الشعوب المنتمية إلى حضارات مختلفة.
النجاح الاقتصادي في شرق آسيا له جذوره الثقافية وكذلك الصعاب التي واجهتها المجتمعات هناك لإقامة أنظمة سياسية وديمقراطية.
الثقافية الإسلامية تفسر إلى حد كبير فشل قيام الديمقراطية في اماكن كثيرة من العالم الإسلامي.
التطورات في مجتمعات ما بعد الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق تتشكل طبقا لهوياتها الحضارية.
أفق النجاح في المجتمعات الإسلامية كئيبة. أفق النجاح في المجتمعات الأرثوذكسية غير مؤكدة.
الغرب حاليا أقوى الحضارات وسيظل لسنوات قادمة إلا أن قوته تتدهور بالنسبة إلى الحضارات الأخرى.
عالم ما بعد الحرب الباردة هو عالم مكون من سبع حضارات، العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل المصالح والخصومات وتقاربات الدول.
القوة تنتقل من الغرب الذي كانت له السيطرة طويلا إلى الحضارات غير الغربية. السياسة الكونية أصبحت متعددة الأقطاب ومتعددة الحضارات.
احد النماذج المغرقة في التفاصيل كان يقوم على افتراض إن انتهاء الحرب الباردة يعني انتهاء الصراع الكبير في السياسة الكونية وظهور عالم منسجم نسبيا. يقول فرانسيس فوكوياما " ربما كنا نشهد نهاية التاريخ بما هو نقطة النهاية للتطور الإيديولوجي للبشرية وتعميم الليبرالية الديمقراطية الغربية على مستوى العالم كشكل نهائي للحكومة الإنساني ، فقد تحدث بعض الصراعات في أماكن من العالم الثالث ولكن الصراع الكبير قد انتهى وليس في أوروبا فقط وبالتحديد في العالم غير الأوربي حيث حدثت التغيرات الكبرى خاصة في الصين والاتحاد السوفيتي . وقد يظل المؤمنون بالماركسية اللينينية موجودين في أماكن مثل مانجوا، بيونجيانج، كمبردج ، ماساشوستس ولكن الديمقراطية الليبرالية قد انتصرت وسوف يكون المستقبل مكرسا ليس من اجل الصراعات الكبرى الحامية حول الأفكار بل بالأحرى حول المشكلات الاقتصادية والفنية المعاشة ثم ينهي كلامه بأسف قائلا إن ذلك سيكون مضجرا.
في السنوات الخمس التي تلت سقوط حائط برلين كانت كلمة " المذبحة الجماعية " تتردد أكثر مما سبق على مدى أي خمس سنوات من الحرب الباردة ومن الواضح إن نموذج عالم واحد منسجم بعيد جدا ومنفصل عن الواقع لكي يكون دليلا مفيدا لعالم ما بعد الحرب الباردة.
في الوقت الذي تظهر فيه توقعات بعالم واحد في نهاية الصراعات الرئيسية إلا إن الميل للتفكير بعالمين كان يتردد دائما عبر التاريخ الإنساني. فالناس لديهم دائما ما يغريهم بتقسيم بعضهم إلى " نحن" و " هم" الجماعة التفضيلية والجماعة الأخرى.
في عالم اليوم نلاحظ اختفاء حروب التحرير وظهور الصراعات بين الشعوب المحررة.
إن العالم لعلى درجة كبيرة من التعقيد بحيث لا يمكن أن نقسمه ببساطة اقتصاديا إلى شمال وجنوب وثقافيا إلى شرق وغرب.
في عالم ما بعد الحرب الباردة الدول تحدد مصالحها على أسس حضارية تتعاون وتتحالف مع دول ذات ثقافات مشتركة وغالبا ما تكون في حالة صراع مع دول تنتمي لثقافات مختلفة. الدول تحدد الأخطار والتهديدات على اساس نوايا الدول الأخرى ، هذه النوايا وكيفية إدراكها تشكلها الاعتبارات الثقافية على نحو جلي. التهديد عادة تأتي من دول مختلفة عنا ثقافيا.
في عالم اليوم الدول تجد نفسها ناقصة السيادة بفعل شكل وأسلوب النظام العالمي ودور المنظمات الدولية ، وبسبب العولمة أصبحت حدود الدول مخترقة أمام تدفق رأس المال والأشخاص والتكنولوجيا.
اقل قليلا من نصف عدد الصراعات العرقية الثمانية والأربعين التي شهدها العالم في سنة 1993 كان بين جماعات من حضارات مختلفة.
استطاع الغرب أن يكسب العالم ليس فقط بسبب تفوق أفكاره أو قيمه أو دينه وإنما بسبب تفوقه في تطبيق العنف المنظم. ففي العام 1910 كان العالم قد أصبح وحدة سياسية واقتصادية أكثر من أي وقت آخر في التاريخ الإنساني.
الإيديولوجيات السياسية الكبرى في القرن العشرين تتضمن الليبرالية، الاشتراكية، الفوضوية، الاتحادية، الماركسية، القومية، الفاشية، الديمقراطية المسيحية، كلها تشترك في شيء واحد أنها جميعا من إنتاج الحضارة الغربية، ولم يتولد عن أي حضارة أخرى هذا الكم الكبير من الإيديولوجيات السياسية.
لكن الملاحظ في عالم اليوم إن صدام الأفكار السياسية بين الحضارات الذي أفرخه الغرب يحل محله اليوم صدام الثقافات والأديان بين الحضارات.
كل حضارة ترى نفسها مركزا للعالم وتكتب تاريخها وكأنه الدراما الرئيسية في التاريخ الإنساني.

التحديث والتغريب
إن الزعم بان انتشار ثقافة البوب والبضائع الاستهلاكية في أرجاء العالم يمثل انتصارا للحضارة الغربية يجعل الثقافة الغربية تبدو تافهة إن جوهر الحضارة الغربية هي في " ألماجنا كارتا " وليس في "ألماجنا ماك"
استجابة القادة والمفكرون السياسيون في المجتمعات المختلفة للتحديث والتغريب كانت واحدة من بين ثلاث استجابات إما رفض التحديث والتغريب أو تبنيهما معا أو تبني الأول ورفض الثاني. وعلى العموم فان الرفض العام للتحديث والتغريب صعب جدا في عالم يتجه بشدة نحو التحديث وعلى مستوى عال من الاتصال المتبادل. وحدهم الأصوليون المتشددون الذين يرفضون التحديث والتغريب ويلقون بأجهزة التليفزيون في الأنهار ويحرمون ساعات المعصم ويرفضون ماكينة الاحتراق الداخلي . التعصب ليس خيارا قابلا للتطبيق لذلك دائما نرى اختفاء مثل هذه الحركات وترك اثر قليل مما يلخص مصير السياسات الشديدة التطرف.
الاستجابة الثانية هي قبول التحديث والتغريب لأنه أمر ضروري ومرغوب وان المجتمع لابد له من أن يتغرب لكي ينجح تحديثه مما يعني التخلص من الثقافة المحلية التي تتعارض مع ذلك.
العلم الحديث والتكنولوجيا يتطلبان استيعابا للعمليات الفكرية التي تصاحبهما ونفس الشيء بالنسبة إلى المؤسسات الفكرية لان المضمون يجب أن يحاكي الشكل فلابد من الاعتراف بهيمنة الحضارة الغربية حتى يمكن التعلم منها.
عندما يقبل المسلمون بالنموذج الغربي صراحة سيكونون في وضع يمكنهم من استخدام التقنية ومن ثم أن يتقدموا... منطلقين من مبدأ رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
هذا الفهم دفع بمصطفى كمال إلى محاولة خلق تركيا جديدة من بين أنقاض الإمبراطورية العثمانية رافضا كل الماضي الإسلامي لهذا البلد من خلال عملية تغريب وتحديث بواسطة نخبة حاكمة.
الخيار الثالث هو الجمع بين التحديث والمحافظة على القيم الأساسية والممارسات والمؤسسات الثقافية الموجودة في المجتمع. هذا الخيار هو المتبع في الصين تحت شعار " المعرفة الصينية من اجل المبادئ الأساسية، المعرفة الغربية من أجل الاستخدام العلمي ".
أما اليابان فقد رفع الشعار " الروح اليابانية .... التكنيك الغربي ".





لاحظ " لي كوان يو " في 1994 إن حجم الإزاحة الذي أحدثته الصين في العالم يصل إلى درجة يكون على العالم أن يجد توازنا جديدا وفي خلال 30 أو 40 سنة لا يمكن أن ندعي إنها مجرد لاعب كبير آخر انه اكبر لاعب في تاريخ الإنسانية.
الهيمنة الصينية سوف تقلل من عدم الاستقرار والصراع في شرق آسيا كما ستقلل من النفوذ الأمريكي والغربي هناك وتجبر الولايات المتحدة على قبول ما كانت تحاول أن تمنعه على مر التاريخ، سيطرة قوة أخرى على منطقة مهمة من العالم. مدى تهديد هذه الهيمنة لمصالح الدول الأسيوية الأخرى أو الولايات المتحدة الأمريكية يتوقف في جزء منه على أية حال على ما يحدث في الصين.
ربما يكون ماضي أوروبا هو مستقبل آسيا. كما يقول فرايد بيرج الخيار أمام آسيا هو بين قوة متوازنة على حساب الصراع أو سلام مضمون على حساب الهيمنة. المجتمعات الغربية قد تختار الصراع والتوازن، التاريخ والثقافة وحقائق القوة توحي بان أسيا سوف تختار السلام والهيمنة. الصين تستأنف مكانها كمهيمن إقليمي والشرق يعود إلى نفسه.
أوروبا وروسيا مجتمعات ناضجة ديموغرافيا وذات معدلات مواليد منخفضة وسكان طويلة العمر، مجتمعات كتلك ليس لها حمية الشباب لتكون ذات توجهات توسعية وعدوانية.
التحدي الحضاري
العودة إلى الأصول وأحياء الدين ظاهرة عالمية، وقد تبدت في أوضح صورها في التوكيد الثقافي وتحديات الغرب التي جاءت من آسيا ومن الإسلام، وهي الحضارات الديناميكية في الربع الأخير من القرن العشرين.
ويتجلى التحدي الإسلامي في الصحوة الثقافية والاجتماعية والسياسية العامة للإسلام في العالم الإسلامي، وما يصاحبه من رفض لقيم الغرب ومؤسساته الاجتماعية. كما يتجلى التحدي الآسيوي في كل الحضارات الشرق آسيوية ـ الصينية، اليابانية، البوذية، الإسلامية ـ ويؤكد على الاختلافات الثقافية بينها وبين الغرب، وأحيانا على ما هو مشترك فيما بينها هي والذي يتحدد غالبا بالكونفوشية. كل من الآسيويين والمسلمين يؤكد على تفوق ثقافته على الثقافة الغربية. الناس في الحضارات غير الغربية الأخرى ـ الهندوسية، الأمريكية اللاتينية، الإفريقية ـ قد يؤكدون على الشخصية المتميزة لثقافتهم ولكنهم منذ منتصف التسعينات أصبحوا يترددون في إعلان تفوقهم عل ثقافة الغرب. الحضارتان الآسيوية والإسلامية تقف كل منهما منفردة في ثقتها المتزايدة وتأكيد نفسها بالنسبة إلى الغرب. وأحيانا تقفان معا.
التوكيد الآسيوي جذوره في التفوق الاقتصادي أما التوكيد الإسلامي فهو نابع إلى حد كبير من التعبئة الاجتماعية والنمو السكاني.
كل من هذه التحديات له وستبقى له آثاره على عدم استقرار السياسية العالمية في القرن الواحد والعشرين ولكن طبيعة تلك الآثار تختلف فيما بينها.
التنمية الناجحة تولد ثقة بالنفس لمن يحققونها ولمن يستفيدون منها والثروة مثل القوة يفترض أنها دليل على الأفضلية واستعراض للتفوق الأخلاقي والثقافي.
يلاحظ اليوم بان المجتمعات الآسيوية واثقة من نفسها فأصبحت اقل استجابة لطلبات الغرب والمجتمعات الأخرى وأكثر قدرة على مقاومة تلك الطلبات والضغوط.
في نهاية السبعينات كان فشل الشيوعية في إحداث تقدم اقتصادي ونجاح الرأسمالية في اليابان ومجتمعات آسيوية أخرى قد أدى بالقيادة الصينية الجديدة إلى أن تبتعد عن النموذج السوفيتي. انهيار الاتحاد السوفيتي بعد عقد من الزمان زاد من تأكيد فشل تلك الواردات وهكذا واجه الصينيون قضية الخيار بين التوجه غربا أو التوجه داخليا.
اختارت القيادة الصينية شكلا جديدا للقيادة تتضمن الرأسمالية والاشتراك في الاقتصاد العالمي من جانب مع سلطوية سياسية وإعادة التزام بالثقافة الصينية التقليدية من جانب آخر وبدلا من الشرعية الثورية في الماركسية اللينينية جاء النظام بشرعية الأداء الناتجة عن النمو الاقتصادي والشرعية القومية الناتجة عن توسل السمات المميزة للثقافة الصينية. لذلك فقد صرح احد قادة الصين في العام 1994 " نحن الصينيين نشعر بالقومية كما لم نشعر بها من قبل ونشعر بالفخر لذلك". هذه العودة الحماسية إلى القيم الصينية تجعل من الديمقراطية سيئة السمعة تماما مثل اللينينية. ففي بداية القرن العشرين كان المثقفون الصينيون يعتبرون الكونفوشية مصدر التخلف الصيني، في أواخر القرن العشرين القادة السياسيون بالتوازي مع علماء الاجتماع الغربيين يحتفون بالكونفوشية كمصدر للنهضة الصينية. في الثمانينات بدأت الحكومة الصينية تنمي الاهتمام بالكونفوشية وكان قادة الأحزاب يعلنون إنها "الاتجاه الرئيسي" للثقافة الصينية.
النمو الاقتصادي الناجح في اليابان يتناقض مع الفشل والتدهور الملحوظ في الاقتصاد والنظام الاجتماعي الأمريكيين وأدى ذلك باليابانيين وبشكل متزايد إلى أن يصبحوا اقل انبهارا بالنماذج الغربية ويزداد اقتناعهم بان مصادر نجاحهم لابد أن تكون موجودة في ثقافاتهم. الثقافة اليابانية التي أدت إلى كارثة عسكرية في العام 1945 وبالتالي كان لابد من رفضها هي التي أنتجت انتصارا اقتصاديا بحلول عام 1985 وبالتالي كان لابد من تبنيها.
النمو الاقتصادي يثير بين المجتمعات الآسيوية شعورا بالقوة وتأكيدا لقدرتها على التصدي للغرب، ففي سنة 1993 صرح صحفي ياباني بارز " لقد ولت الأيام عندما كانت الولايات المتحدة تعطس فتصاب آسيا بالزكام " ، ويضيف مسؤول ماليزي إلى هذا المجاز الطبي " حتى الحمى الشديدة في أمريكا لن تجعل آسيا تسعل".. ويقول زعيم آسيوي آخر " الآن الآسيويين في نهاية حقبة الرهبة وبداية حقبة الرد بقوة".
المقارنة الواضحة بين القيم الآسيوية والقيم الغربية تشير بوضوح إلى اختلافات كبيرة فنجد في ثقافة المجتمع الآسيوي تفشي قيم النظام، الانضباط، مسؤولية الأسرة ، العمل الجاد، الجماعية، الاعتدال أما في الغرب فنجد قيم الانغماس الذاتي، الكسل، الفردانية، الجريمة، التعليم الهابط،عدم احترام السلطة، التحجر العقلي. هذه القيم تعد هي المسؤولة عن انهيار المجتمع الغربي. فإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تنافس الشرق فعليها أن تعيد النظر في نظمها الاجتماعية والسياسية وأثناء ذلك عليها أن تتعلم شيئا من الشرق الآسيوي. هذا النجاح وكما يعتقد الآسيويون يأتي نتيجة لتأكيد الشرق الآسيوي الجماعية بدلا من الفردية.
يقول رئيس وزراء ماليزيا إن أخلاقيات العمل السائدة في الشرق الآسيوي تتكون في الأساس من الانضباط والإخلاص والعمل الجاد وهي تمثل القوة الدافعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي وهي نابعة أصلا من الفلسفة التي تعلن إن الجماعة والدولة أهم من الفرد.
إن الرخاء الاقتصادي الذي تشهده دول شرق آسيا دليل على التفوق الأخلاقي. فالتوكيد الثقافي يتبع النجاح المادي. القوة الصلبة تولد القوة اللينة.
الصحوة الإسلامية
المسلمون بأعدادهم الغفيرة يتوجهون إلى الإسلام كمصدر للهوية والمعنى والاستقرار والشرعية والأمل، ذلك الأمل الذي يعبر عنه شعار: "الإسلام هو الحل". هذه الصحوة الإسلامية باتساعها وعمقها هي أحدث مرحلة في تكيف الحضارة الإسلامية مع الغرب، وسعي لإيجاد حل ليس في الإيديولوجيات الغربية وإنما في الإسلام وهي تجسد قبول الحداثة ورفض الثقافة الغربية والعودة إلى الالتزام بالإسلام كدليل حياة في العالم الحديث. الأصولية الإسلامية التي ينظر إليها على إنها الإسلام السياسي ليست سوى إحدى المكونات في عملية الإحياء الواسعة للأفكار والمعتقدات والدعوة وإعادة الإخلاص للإسلام الذي تمارسه جماهير المسلمين. أما مؤشرات الصحوة الإسلامية فهي كثيرة ويمكن ملاحظتها من خلال الاهتمام المتزايد بالطقوس الدينية ( الذهاب إلى المسجد، الصلاة، الصوم)، نشر البرامج والمطبوعات الدينية، تركيز كبير على الملبس والقيم الإسلامية، إعادة الحياة للصوفية، هذا التجديد بقاعدته العريضة يصاحبه تأكيد لحضور الإسلام في الحياة العامة ، زيادة في عدد الحكومات والمؤسسات والقوانين والبنوك والخدمات الاجتماعية والمؤسسات التعليمية ذات التوجه الإسلامي. الحكومات والحركات المعارضة اتجهت إلى الإسلام لتقوية سلطتها وحشد الدعم الجماهيري .... معظم الحكام والحكومات بما فيها الدول الأكثر علمانية مثل تركيا وتونس أصبحت على دراية بالقوة المحتملة للإسلام وأظهرت حساسية وقلقا بخصوص القضايا الإسلامية.
التعميمات المطلقة خطرة وخاطئة غالبا. إلا أن إحداها له ما يبرره ، في سنة 1995 كانت كل دولة ذات أغلبية مسلمة ما عدا إيران قد أصبحت أكثر إسلاميا وتأسلما ثقافيا، اجتماعيا، وسياسيا عما كانت عليه قبل ذلك بخمسين عاما.
يقول فؤاد عجمي " في المجتمعات الإسلامية تعد الكتابة عن الليبرالية أو عن تقاليد برجوازية وطنية يعني انك تكتب شهادة وفاة أناس اختاروا المستحيل وفشلوا". الفشل العام للديمقراطية والليبرالية في أن تترسخ في المجتمعات الإسلامية ظاهرة متكررة ومستمرة على مدى قرن كامل. هذا الفشل له مصدره في جزء منه على الأقل في طبيعة الثقافة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الرافضين للقيم الغربية الليبرالية.
في أوقات الحرب الباردة كانت حكومات كثيرة بما فيها تلك في الجزائر وتركيا وأردن ومصر وإسرائيل تشجع وتدعم المتأسلمين كإجراء مضاد للحركات الشيوعية أو الحركات الوطنية المعارضة. لهذا فقد نمت قدرة الجماعات المتأسلمة في السيطرة على المعارضة وكان يذكي ذلك اغلب الأوقات قمع الحكومات للمعارضة العلمانية. وبصورة عامة كانت المعارضة العلمانية في الدول الإسلامية أكثر عرضة للقمع من المعارضة الدينية.
إن الإحياء الإسلامي هو نتيجة انهيار قوة وهيبة الغرب ... فمع فقدانه لسطوته فقدت مثله ومؤسساته بريقها. وبتحديد أوضح فان الطفرة النفطية التي حدثت في السبعينيات حفزت على الصحوة الإسلامية وزودتها بالوقود هذه الطفرة زادت لدرجة كبيرة من ثروة وقوة كثير من الدول الإسلامية ومكنتها من أن تعكس اتجاه علاقة السيطرة والتبعية التي كانت بينها وبين الغرب . الثروة المتحققة من مبيعات النفط استخدمت في عملية الأحياء الإسلامي والثروة الإسلامية أدت بالمسلمين إلى أن يتحولوا بسرعة عن الافتنان بالثقافة الغربية إلى الانغماس العميق في ثقافتهم والاستعداد لتوكيد مكانة وأهمية الإسلام في الدول غير الإسلامية. ومثلما كان ينظر في السابق إلى الثروة الغربية كدليل على تفوق ثقافة الغرب أصبح ينظر إلى الثروة النفطية كدليل على تفوق الإسلام. واليوم يمثل النمو السكاني المتزايد في المجتمعات الإسلامية قوة دافعة باستمرار لقوة الإسلام.
الكثرة السكانية تحتاج إلى موارد أكثر ومن هنا فان الناس الذين ينتمون إلى مجتمعات تتزايد أعدادها بكثافة و/ أو بسرعة يميلون إلى الاندفاع نحو الخارج، يحتلون أرضا، يبسطون ضغوطهم على المجتمعات الأخرى الأقل نموا من الناحية الديموغرافية. وهكذا يكون النمو السكاني الإسلامي عاملا مساعدا ومهما في الصراعات على طول حدود العالم الإسلامي بين المسلمين والشعوب الأخرى.
الضغط السكاني المصحوب بالركود الاقتصادي يؤدي إلى هجرة المسلمين إلى المجتمعات الغربية ومجتمعات أخرى غير إسلامية ويجعل من الهجرة قضية في تلك المجتمعات.
سياسة الهوية
السياسة الكونية يعاد تشكيلها الآن على امتداد الخطوط الثقافية مدفوعة بالتحديث. الشعوب ذات الثقافات المتشابهة تتقارب، والشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة تتباعد. الانحيازات التي تعتمد على الإيديولوجية والعلاقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الإيديولوجية والعلاقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الثقافة والحضارة. الحدود السياسية يعاد رسمها لكي تتوافق مع الحدود الثقافية، العرقية، الدينية، والحضارية. المجتمعات الثقافية تحل محل تكتلات الحرب الباردة، وخطوط التقسيم الحضاري بين الحضارات تصبح هي خطوط الصراع الرئيسية في السياسة العالمية.
أثناء الحرب الباردة كان يمكن أن تكون هناك دولة غير منحازة كما كان عدد كبير بالفعل أو كان بإمكانها كما فعل كثيرون أن تغير انحيازها من جانب إلى آخر. كان يمكن لقادة تلك الدول أن يختاروا على ضوء إدراكهم لمصالحهم الأمنية وحساباتهم لموازين القوى وخياراتهم الإيديولوجية. ففي العالم الجديد أصبحت الهوية الثقافية هي العامل الرئيسي في تحديد صداقات دولة ما وعداواتها. فبينما كانت دولة ما تستطيع أن تتجنب الانحياز أثناء الحرب الباردة إلا إنها لا يمكن لها أن تفقد هويتها.
في عالم ما بعد الحرب الباردة يمكن أن يكون الخيار أكثر صعوبة بين طاغية صديق وديمقراطية غير صديق. الافتراض الغربي السهل بان الحكومات المنتخبة ديمقراطيا سوف تكون متعاونة وموالية للغرب .. لا نحتاج لان نعتبره صحيحا في المجتمعات غير الغربية حيث يمكن أن تأتي الانتخابات إلى السلطة بقوميين وأصوليين معاديين للغرب.
الانتخابات التنافسية في دول عربية كثيرة بما في ذلك السعودية ومصر من المؤكد إنها ستفرز حكومات اقل تعاطفا بكثير مع المصالح الغربية عن الحكومات غير الديمقراطية السابقة عليها.
قادة الغرب يدركون إن العمليات الديمقراطية في المجتمعات غير الغربية غالبا ما تأتي بحكومات غير صديقة فهم يحاولون التأثير على تلك الانتخابات كما يفقدون حماسهم كذلك لتنمية الديمقراطية في تلك المجتمعات.
الإسلام والغرب
يقول بعض الغربيين بما فيهم الرئيس كلنتون إن الغرب ليس بينه وبين الإسلام أي مشكلة وإنما المشكلات موجودة فقط مع بعض المتطرفين الإسلاميين. أربعة عشر قرنا من التاريخ تقول عكس ذلك. العلاقات بين الإسلام والمسيحية سواء الأرثوذوكسية أو الغربية كانت عاصفة غالبا. كلاهما كان "الآخر" بالنسبة إلى للآخر. صراع القرن العشرين بين الديمقراطية الليبرالية والماركسية اللينينية ليس سوى ظاهرة سطحية وزائلة إذا ما قورن بعلاقة الصراع المستمر بين الإسلام والمسيحية. أحيانا كان التعايش السلمي يسود، غالبا كانت العلاقة علاقة تنافس واسع مع درجات مختلفة من الحرب الباردة. عبر القرون كانت خطوط العقيدتين تصعد وتهبط في تتابع من نوبات انبعاث مهمة، فوقفات، وانتكاسات. الاكتساح العربي الإسلامي في اتجاه الخارج من بداية القرن السابع إلى منتصف القرن الثامن أقام حكما إسلاميا في شمال إفريقيا وايبريا والشرق الأوسط وفارس وشمال الهند، ولمدة قرنين تقريبا كانت خطوط التقسيم بين الإسلام والمسيحية مستقرة. بعد ذلك في أواخر القرن الحادي عشر أكد المسيحيون سيطرتهم على البحر المتوسط الغربي، غزوا صقلية واستولوا على طليطلة، بدأت المسيحية الحملات الصليبية ولمدة قرن ونصف القرن حاول الحكام المسيحيون مع نجاح متناقص أن يقيموا حكما مسيحيا في الأرض المقدسة والمناطق المجاورة في الشرق الأدنى، وخسروا آخر موضع لقدم هناك في عام 1291 في نفس الوقت كان الأتراك العثمانيون قد ظهروا على المسرح. اضعفوا بيزنطة في البداية ثم غزوا معظم البلقان بالإضافة إلى شمال إفريقيا واستولوا على القسطنطينية في عام 1453 وحاصروا فيينا في 1529 . ويلاحظ"برنارد لويس" لمدة ما يقرب من ألف سنة منذ أول رسو موريسكي في اسبانيا وحتى الحصار التركي الثاني لـ "فيينا" كانت أوروبا تحت تهديد مستمر من الإسلام". الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضع شك وقد فعل ذلك مرتين على الأقل.
وبحلول القرن الخامس عشر بدأ المد ينقلب المسيحيون بالتدريج استعادوا أيبريا مكملين المهمة حتى غرناطة في عام 1492 في نفس الوقت مكنت الابتكارات الأوروبية في الملاحة البحرية البرتغاليين ثم غيرهم من تطويق الأراضي الإسلامية وشق طريقهم في المحيط الهندي وما وراءه وفي نفس الوقت كان الروس قد انهوا قرنين من حكم التتار. العثمانيون وبالتالي قاموا باندفاعة أخيرة إلى الأمام ليحاصروا فيينا مرة ثانية في عام 1683.
فشلهم هناك كان بداية تراجع طويل متضمنا كفاح الشعوب الأرثوذوكسية في البلقان لتحرير أنفسهم من الحكم العثماني، وتوسع إمبراطورية هابسبورج والتقدم الدرامي للروس نحو البلقان والقوقاز.
بانتهاء الحرب العالمية الأولى أطلقت بريطانيا وفرنسا وايطاليا رصاصة الرحمة وأقاموا حكمهم المباشر أو غير المباشر على الأراضي العثمانية الباقية ما عدا مساحة الجمهورية التركية. وبحلول سنة 1920 لم يكن هناك سوى أربعة دول مستقلة على نحو ما عن الحكم غير الإسلامي وهي تركيا، السعودية، إيران، وأفغانستان.
أسباب الصراع بين المسيحية والإسلام لا تكمن في ظاهرة انتقالية مثل العاطفة المسيحية في القرن الثاني عشر أو الأصولية الإسلامية في القرن العشرين أنها تتدفق من طبيعة الديانتين والحضارتين المؤسستين عليهما. الصراع كان من ناحية نتيجة الاختلاف خاصة مفهوم المسلمين للإسلام كأسلوب حياة متجاوز ويربط بين الدين والسياسة، ضد المفهوم المسيحي الغربي الذي يفصل بين مملكة الرب ومملكة قيصر. كما كان الصراع نابعا من أوجه التشابه بينهما. كلاهما دين توحيد ويختلف عن الديانات التي تقول بتعدد الآلهة ولا يستطيع أن يستوعب آلهة آخرين بسهولة. وكلاهما ينظر إلى العالم نظرة ثنائية "نحن" و "هم". كلاهما يدعو انه العقيدة الصحيحة الوحيدة التي يجب أن يتبعها الجميع. كلاهما دين تبشيري يعتقد إن متبعيه عليهم التزام بهداية غير المؤمنين وتحويلهم إلى ذلك الإيمان الصحيح.
الإسلام منذ البداية انتشر بالفتح والمسيحية كانت تفعل نفس الشيء عند توفر الفرصة مفهوما "الجهاد" و "الصليب" المتوازيان لا يشبهان بعضهما الآخر فقط وإنما يميزان العقيدتين عن الأديان العالمية الأخرى.
مستوى الصراع بين الإسلام والمسيحية عبر الزمن كان يتأثر دائما بالنمو الديموغرافي وهبوطه وكذلك بالتطورات الاقتصادية والتحول التكنولوجي وشدة الالتزام الديني. انتشار الإسلام في القرن السابع كان مصحوبا بهجرات كثيفة من الشعوب العربية لم يسبق لها مثيل من ناحية الحجم والسرعة إلى أراضي الامبراطوريتين البيزنطية والساساني. بعد ذلك بقرون قليلة كان الصليبيون إلى حد كبير نتاجا للنمو الاقتصادي والتوسع السكاني في أوروبا القرن الحادي عشر والتي جعلت من الممكن تعبئة أعداد كبيرة من الفرسان والفلاحين من اجل المسيرة نحو الأرض المقدسة مما حدا بأحد البيزنطيين أن يقول " يبدو الأمر كأن الغرب بأكمله بما فيه من قبائل البربر الذين يعيشون في ما وراء البحر الادرياتيكي حتى أعمدة هرقل قد بدأوا هجرة جماعية وحثوا الخطى مسرعين متدفقين باتجاه آسيا في كتلة متراصة وبكل أمتعتهم ".
في القرن التاسع عشر أدى النمو السكاني الهائل إلى انفجار أوروبي مرة أخرى وأخذت اكبر عملية هجرة في التاريخ تدفقت في أراضي المسلمين وفي أراضي أخرى.
مجموعة من العوامل زادت من الصراع بين الإسلام والغرب
1. خلف النمو السكاني الإسلامي أعدادا كبيرة من الشبان العاطلين والساخطين الذين أصبحوا مجندين للقضايا الإسلامية ويشكلون ضغطا على المجتمعات المجاورة ويهاجرون إلى الغرب.
2. أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم المتميزة مقارنة بتلك التي لدى الغرب.
3. جهود الغرب المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته من اجل الحفاظ على تفوقه العسكري والاقتصادي والتدخل في الصراعات في العالم الإسلامي تولد استياء شديدا بين المسلمين.
4. سقوط الشيوعية أزال عدوا مشتركا للغرب والإسلام وترك كلا منهما لكي يصبح الخطر المتصور على الآخر.
5. الاحتكاك والامتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساسا بهويته الخاصة وكيف أنها مختلفة عن هوية الآخر.
انتهاء الاستعمار الغربي للأراضي وغياب التوسع الإسلامي احدثا نوعا من العزلة الجغرافية لدرجة إن التجاور المباشر بين مجتمعات غربية وإسلامية لا يوجد إلا في مناطق قليلة في البلقان. وهكذا فان تركيز الصراع بين الغرب والإسلام على الأراضي اقل مما هو على قضايا التداخل الحضاري الأوسع مثل نشر الأسلحة وحقوق الإنسان والتحكم في النفط والهجرة وإرهاب الإسلاميين والتدخل الغربي. شدة هذا العداء التاريخي المتزايد كانت أمرا معترفا به قبل أبناء المجتمعين في أعقاب الحرب الباردة.
تأكيد الإسلام مهما كان شكله المذهبي يعني رفض المؤثرات الأوربية والأمريكية على المجتمع المحلي وعلى السياسة والأخلاق.
كان زعماء المسلمين في الماضي يقولون لشعوبهم أحيانا " لابد أن نتغرب" ولو قال ذلك أي قائد في الربع الأخير من القرن العشرين لابد أن يكون حالة فردية. والحقيقة من الصعب أن تجد عبارات مديح للقيم والمؤسسات الغربية على لسان أي مسلم سواء من السياسيين أو الرسميين أو الأكاديميين أو رجال الأعمال. إنهم بدلا من ذلك يؤكدون على الاختلافات بين حضارتهم والحضارة الغربية وعلى تفوق ثقافتهم والحاجة إلى الحفاظ على ثبات تلك القيم ضد الهجوم الغربي. المسلمون يخشون ويمتعضون من القوة الغربية وما يمثله ذلك من خطر بالنسبة لمجتمعاتهم ومعتقداتهم.
وهم يرون الثقافة الغربية ثقافة مادية فاسدة متفسخة ولا أخلاقية كما يرونها مغوية، ومن هنا يؤكدون أكثر فأكثر على الحاجة لمقاومة تأثيرها على أسلوب حياتهم. ويهاجم المسلمون الغرب بدرجة متزايدة لا لان الغرب يتبع دينا غير كامل أو خاطئ رغم انه دين كتاب بل يهاجمونه لأنه لا يتبع أي دين بالمرة.
في كتابها الإسلام والديمقراطية تقول فاطمة المرنيسي " الغرب مادي امبريالي والحق أذى بالأمم الأخرى من خلال الرعب الكولونيالي، الفردانية، السمة الدامغة للثقافة الغربية هي مصدر كل المتاعب. القوة الغربية مخيفة. الغرب منفردا هو الذي يقرر إذا كانت الأقمار الصناعية سوف تستخدم لتعليم العرب أو لإلقاء القنابل عليهم انه يسحق إمكانياتنا ويغزو حياتنا بمنتجاته المستوردة وأفلامه المتلفزة التي تغرق موجات الأثير الغرب قوة تسحقنا تحاصر أسواقنا وتتحكم في اقل مواردنا ومبادرتنا وقدراتنا هكذا كنا نتخيل موقعنا ثم جاءت حرب الخليج لتحول هذا التخيل إلى يقين.
الغرب يصنع قوته من خلال البحث العسكري ثم يبيع منتجات هذا البحث إلى الدول المتخلفة، " المستهلك السلبي" لها. ولكي يحرر نفسه من هذا الخنوع لابد أن يقوم الإسلام بتخريج مهندسيه وعلمائه وصنع أسلحته (سواء النووية أو التقليدية ) وتحرير نفسه من الاعتماد العسكري على الغرب.
الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال مباشرة كانت غربية عموما في إيديولوجيتها وسياستها وموالية للغرب في سياستها الخارجية مع استثناءات جذرية مثل الجزائر واندونيسيا، حيث كان الاستقلال نتيجة ثورات وطنية. إلا إن الحكومات الموالية للغرب راحت واحد تلو الأخرى تخلي الطريق لحكومات اقل توحدا مع الغرب أو معادية له، في العراق ، ليبيا، اليمن، سوريا، إيران، السودان وأفغانستان.
الحليفان الرئيسيان للولايات المتحدة في سنوات الحرب الباردة هما تركيا وباكستان، واقعتان تحت ضغط سياسي إسلامي في الداخل وروابطهما مع الغرب عرضة لتوتر متزايد. أصدقاء الغرب المقربون الآن هم إما إنهم مثل الكويت والسعودية ومشيخات الخليج المعتمدة على القوة العسكرية الغربية، أو مثل مصر والجزائر يعتمدون عليها اقتصاديا. في أواخر الثمانينات انهارت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عندما أصبح واضحا إن الاتحاد السوفيتي لم يعد قادرا أو لن يكون قادرا على تقديم العون الاقتصادي والعسكري لهم. وإذا اتضح إن الغرب لن يكون قادرا على المحافظة على توابعه من الأنظمة الإسلامية فالمرجح أنهم سيلقون نفس المصير.
العداء الإسلامي المتزايد للغرب يمكن مقارنته بالقلق الغربي المتزايد من "الخطر الإسلامي" المتمثل في التطرف. إنهم ينظرون إلى الإسلام كمصدر للانتشار النووي والإرهاب، والى المسلمين كمهاجرين غير مرغوب فيهم في أوروبا. هذه المخاوف تشترك فيها الجماهير والقادة.
يزعم القادة الأمريكيون إن المسلمين المتورطين في عمليات إرهابية ضد الغرب قلة صغيرة ترفض أكثرية المسلمين المعتدلين سلوكها وقد يكون ذلك صحيحا ولكن لا يوجد دليل يؤيده. الاحتجاجات ضد العنف المعادي للغرب غائبة تماما في الدول الإسلامية. الحكومات الإسلامية حتى الحكومات المحصنة الصديقة للغرب والمعتمدة عليه تصمت لدرجة مثيرة عندما يكون عليها أن تدين الأعمال الإرهابية ضد الغرب. من الناحية الأخرى نجد إن الحكومات والشعوب الأوربية كثيرا ما أيدت ونادرا ما انتقدت الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة ضد خصومها المسلمين بشكل يتناقض مع المعارضة الشديدة التي كانوا يبدونها بالنسبة للإجراءات الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة. في الصراعات بين الحضارات على خلاف الصراعات الإيديولوجية الأقارب يقفون إلى جانب بعضهم البعض.
المشكلة المهمة بالنسبة للغرب ليست الأصولية الإسلامية بل الإسلام فهو حضارة مختلفة شعبها مقتنع بتفوق ثقافته وهاجسه ضآلة قوته.
المشكلة المهمة بالنسبة للإسلام ليست المخابرات المركزية الأمريكية ولا وزارة الدفاع المشكلة هي الغرب حضارة مختلفة شعبها مقتنع بعالمية ثقافته ويعتقد إن قوته المتفوقة تفرض عليه التزاما بنشر هذه الثقافة في العالم. هذه هي المكونات الأساسية التي تغذي الصراع بين الإسلام والغريب.
يظل السؤال لماذا والقرن العشرون يوشك على الانتهاء نجد المسلمين هم الأكثر تورطا في مزيد من العنف بين الجماعات من شعوب الحضارات الأخرى. وهل كانت تلك هي الحال دائما؟.
يمكن تفسير ذلك بأسباب القرن العشرين التي لم تكن موجودة في القرون السابقة.
1. هناك محاجة إن الإسلام كان دينا للسيف منذ البداية، وانه يمجد فضائله القتالية. الإسلام نشأ بين "قبائل بدوية رحل متناحرة" هذه النشأة مطبوعة في أساس الإسلام. يذكر عن محمد (ص) انه كان مقاتلا عنيفا وقائدا عسكريا ماهرا. لا احد يستطيع أن يقول ذلك عن المسيح أو عن بوذا. تعاليم الإسلام تنادي بقتال غير المؤمنين به. وعندما تراجع التوسع الأول للإسلام كانت الجماعات الإسلامية على عكس ما تقول به التعاليم تحارب بعضها البعض. القران وغيره من الإفادات في المعتقدات الإسلامية يحوي القليل مما يحض على تحريم العنف، كما إن مفهوم اللاعنف غائب الفكر والممارسة الإسلاميين.
2. منذ نشأته في الجزيرة العربية فان انتشار الإسلام عبر شمال إفريقيا ومعظم الشرق الأوسط وفيما بعد إلى آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية والبلقان، وضع المسلمين في احتكاك مباشر مع شعوب مختلفة شتى هزمت وتحولت ويظل ميراث هذه العملية موجودا بها. في أعقاب الفتوحات الإسلامية في البلقان تحول السلافيون الشماليون المدنيون غالبا إلى الإسلام بينما لم يتحول فلاحو الريف وهكذا ولد التمييز بين مسلمي البوسنة والصرب الارثوذوكس وبالعكس فان توسيع الإمبراطورية الروسية إلى البحر الأسود والقوقاز وآسيا الوسطى وضعها في صراع مستمر العداء مع شعوب إسلامية مختلفة. رعاية الغرب في قمة قوته في مواجهة الإسلام لوطن يهودي في الشرق الأوسط وضعت الأساس لعداء عربي إسرائيلي مستمر. التوسع الإسلامي وغير الإسلامي عن طريق البر نتج عنه معيشة المسلمين وغير المسلمين في تقارب فيزيائي وثيق في اوراسيا. على العكس من ذلك توسع الغرب عن طريق البحر لم يؤد إلى معيشة الشعوب الغربية في تقارب مكاني مع شعوب غير غربية.
3. مصدر ثالث ممكن للصراع بين المسلمين وغير المسلمين يتضمن ما يقوله رجل دولة بالإشارة إلى بلاده ويسميه "عدم القابلية للهضم لدى المسلمين". الدول الإسلامية لها مشكلات مع الأقليات غير الإسلامية تشبه تلك التي عند غير الإسلامية بالنسبة للأقليات المسلمة. "الإسلام عقيدة استبدادية أكثر من المسيحية".
4. النزعة القتالية، عدم القابلية للهضم ولفكرة القرب من جماعات غير إسلامية كل ذلك ملامح مستمرة للإسلام ويمكن أن تفسر الميل الإسلامي للصراع عبر التاريخ.
5. غياب دولة مركز في الإسلام يجعل صعوبة السيطرة على الصراعات داخل وخارج المجتمع الإسلامي. الإسلام مصدر عدم استقرار لأنه ينقصه وجود مركز مسيطر.
6. الانفجار الديموغرافي في المجتمعات الإسلامية ووجود أعداد كبيرة من الشباب الذكور بين 15 ـ 30 سنة والعاطلين غالبا عن العمل. هذه البطالة مصدر طبيعي لعدم الاستقرار والعنف سواء داخل الإسلام أو ضد غير المسلمين.



#آريين_آمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادين البدير المراة التي تقود ثورة لوحدها
- نظرة موضوعية لخطاب اوباما في جامعة القاهرة يوم 4 يونيو 2009
- سلاما ياكردستان العراق والقادمات احلى


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - آريين آمد - ملخص كتاب صدام الحضارات