أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبد القادر الحوت - إنتحار شيوعي (قصة قصيرة)















المزيد.....

إنتحار شيوعي (قصة قصيرة)


عبد القادر الحوت

الحوار المتمدن-العدد: 2872 - 2009 / 12 / 29 - 06:28
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


إستيقظ الرفيق في هذا اليوم الأول من العام 2010. كانت الساعة تشير للثانية بعد الظهر، فقد كان الرفيق قد سهر للسادسة صباحًا في أحد المقاهى، يحتسي الفودكا كوبًا بعد كوب.
نظر حوله في الغرفة... هناك بعض زجاج القناني في الأرض، و بعض الثياب الغير مرتبة.
قام عن الكنبة التي نام عليها، و ذهب إلى المطبخ ليشرب شيئًا يجعله يستفيق. فتح البراد.
لم يكن الخيار كبيرًا، فجميع القناني هي قناني فودكا سوفياتية قديمة من العام 1988، كان قد إشتراها في رحلة له لموسكو في صيف العام 2009.
أخذ إحدى القناني و إكتساها سريعًا، قبل أن يغسل وجهه و يرتدي كنزة حمراء و جينز أزرق. ثم خرج إلى الشرفة و بدأ يستذكر ما حصل في ليلة رأس السنة.
توقف عن التفكير لحظة و صرخ "لا"، ثم وثب من الشرفة من الطابق السادس و سقط جثة هامدة.

في ليلة عيد الميلاد، في 24 كانون الأول من العام 2009، كان الرفيق في طريق عودته إلى المنزل بعد آخر يوم دراسة في الجامعة، حيث كان يدرس في كلية الفنون الجميلة.
كان مرهقًا و غاضبًا من كثرة الدروس التي أعطاه إياه أستاذه المتديّن، حيث طلب منه رسم لوحة زيتية لأحد الشخصيات المؤثرة. و كان الرفيق قد إختار رسم صورة لغيفارا، و لكن أستاذه رفض ذلك بحجة أن الإقتداء بمثل هذا الشخص يسيء للتعاليم الدينية.
لم تنفع إحتجاجات الرفيق، لا بل هدده الأستاذ بالطرد نظرًا لتاريخ الرفيق في الإحتجاجات المتكررة. فقبل أشهر، كان الرفيق قد نظم مظاهرة في حرم الجامعة إحتجاجًا على منع رسم الموديلات العارية من قبل إدارة الجامعة. وقتها، لجئ الرفيق إلى الإضراب عن الطعام لمدة أسبوع و الإكتفاء بشرب الفودكا.. و لكن هذا لم ينفع في إعادة السماح بالموديلات العارية.
وصل الرفيق إلى منزله، و إكتسى كوبًا من الفودكا، ثم إتصل بصديقته الرفيقة، و دعاها للسهر في ليلة رأس السنة في أحد مقاهي الحمرا.
ترددت الرفيقة قليلاً قبل أن توافق على طلب الرفيق.
في ليلة رأس السنة، وصل الرفيقان إلى المقهى، و هنا صدمهم ما رأوه.

كان المقهى ممتلأ بالكثير من الشباب و الشابات المتدينين من مختلف الطوائف اللبنانية، و هما اللذان عهدا المقهى شيوعيًا.
دخلا إليه و جلسا على الطاولة التي حجزاها.
كان جنبهما شاب و فتاة، الشاب يرتدي صليب يظهر بشكل واضح و إستفزازي، بينما الفتاة كان ترتدي نقابًا أسود يخفي حتى عيناها.
كانا يتناقشان حول الأديان و أفضلية المسيحية أو الإسلام.
إستفزّ المنظر الرفيق، و قرر أن يتدخل و طلب منهما بهدوء و لكن بحزم، التوقف عن النقاش الديني بصوتٍ عال.
لم يعجب الأمر الشاب الذي نهض مستعدًا للمعركة.. و لكن إصرار الرفيقة عل الرفيق كي يعود إلى كرسيه، أنهى المشكلة سريعًا.
بعد نصف ساعة، رحل الشخصان و إستراح الرفيق و قرر البدء بنقاش حول العلمانية مع الرفيقة.

الرفيق - العلمانية هي الحل في لبنان.. تصوري أنني لم أستطع إختيار غيفارا لرسمه في الجامعة!
الرفيقة - هلأ المشكلة في الجامعة قد تكون لأن الأستاذ لا يريد تسييس الحصّة.
الرفيق - و لكنه سمح لطالب برسم المسيح و لآخر برسم الخميني! لا أيتها الرفيقة، المشكلة في طائفية الأستاذ و الجامعة اللبنانية.
الرفيقة - يلاّ، بسيطة أيها الرفيق..
الرفيق - لأ، مش بسيطة.. أنا أريد رسم غيفارا، هذا حقي.
الرفيقة - إنسى أيها الرفيق، إنسى.. هذا لبنان هيك، و سيبقى هيك.
الرفيق - لا، لن يبقى هيك.. قريبًا سنقوم بالثورة ضد الإقطاع الرأسمالي و الطائفية في البلد.
الرفيقة - و لكن متى؟ صرلنا خمسين سنة نردد أننا سنقوم بالثورة، و لكن لم نتفق بعد على برنامج سياسي موحد.
الرفيق - عيب أيها الرفيقة، عيب... نحن لدينا برنامج سياسي و إقتصادي... المشكلة في باقي الحركات اليسارية و الإشتراكية. هم لا يريدون أن يتفقوا معنا على البرنامج.
تنهدت الرفيقة قليلاً ثم قالت - يمكن المشكلة في برنامجنا...
الرفيق - ماذا تقصدين؟ قال الرفيق متفاجًأ و مندهشًا.
الرفيقة - أقصد، ربما أن الإشتراكية السوفياتية لم تعد صالحة، خصوصًا بعد فشلها و سقوطها في روسيا.
الرفيق - الإشتراكية لم تسقط أيتها الرفيقة! قال بغضب ثم أكمل - الإشتراكية هي ما نسعى إليه و هي مستقبل البشرية. إنظري إلى الصين، التنين الذي يستيقظ، كل هذا بفضل الإشتراكية.
الرفيقة - لا تنسى أيها الرفيق أن الصين أصبحت دولة رأسمالية، رغم إحتفاظها بشيوعية سياسية.
"لا.. لا.." تمتم الرفيق... "حتى أنتِ يا رفيقة!"، ثم خرج من المقهى غاضبًا.


سار الرفيق في شارع الحمرا و هو يفكر كيف أن الرفيقه قد أغرتها الرأسمالية الطائفية، و هو ينتقد النساء وصفًا إياهم بناقصات العقل و الإشتراكية.
تمشى في الشارع و هو ينظر حوله و يرى كل شيء مختلف.. المحلات جميعها أصبحت محلات تبيع الذهب و الملابس بأسعار جنونية للسواح الخليجيين، بينما الشارع يمتلأ بأصحاب اللحى و الأنقبة و الصلبات الذهبية.
هل إنتهى حلم الإشتراكية في لبنان؟ هل العلمانية هي مجرد حلم يقظة، وهمٌ لن يتحقق و السما زرقا؟
إذا كانت الرأسمالية الطائفية قد إستولت على معقل اليساريين، فما بالك في باقي المناطق؟

شعر الرفيق بالإحباط، و قرر الذهاب إلى الضاحية الجنوبية. فهناك، حسب الرفيق، هناك أمل في نهضة شيوعية. فبينما تغلق جميع مقاهي بيروت و تتوقف عن تقديم الفودكا، فهناك، في الضاحية الغامضة، شخصًا قد إفتتح بارًا، رغم أنف حزب الله.
وصل الرفيق إلى الضاحية، و إستدلّ طريقه حتى وصل إلى البار.
دخله و طلب كوب من الفودكا. سأله صاحب المحل إن كان شيوعيًا، فأجاب نعم.
بعد أن تأكد البائع من أن الزبون يستطيع شرب الفودكا شرعًا، حين أنه شيوعي كافر ملحد و إذن غير معني بتحريمات الدين، قدّم له قنية فودكا كاملة و حبة مسك.
أمضى الرفيق الليلة يشرب الفودكا، كوبًا بعد كوب، كان يتخللها بعض الرقص مع إحدى الرقاصات التي إستوجب عليه أن يتزوجها متعة نظرًا لأن البار شرعي.
خرج من البار في الساعة الخامسة صباحًا، و بينما هو عائد إلى منزله، إستغرب مشهد مألوف لإمرأة ترتدي الشادور. إقترب منها. إستدارت الفتاة.. و هنا كانت المفاجأة أعظم.
إنها الرفيقة! الرفيقة ترتدي الشادور الأسود.
ماذا يحصل... ضاع الرفيق في تفكيره، خصوصًا بعد أن شرب العشرات من أكواب الفودكا.
كاد أن يجنّ بعدما رأى أن كل علامات الشيوعية في لبنان تختفي الواحدة تلو الأخرى، حتى الرفيقة!

صرخ الرفيق و إبتعد راكضًا كالمجنون في شوارع بيروت، حتى وصل إلى منزله مواصلاً الصراخ.
حمل قنينة فودكا، و ضرب رأسه بها في موجة جنون جديدة، فأغمي عليه.
بعد ساعات، حينما إستيقظ، وثب من الشرفة و إنتحر.




#عبد_القادر_الحوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صدق المنجمون و إن كذبوا
- أختاه...
- لا لإختيارية الزواج المدني
- دروس كوريا الشمالية
- وهم إلغاء الطائفية السياسية
- الحركات الإسلامية، نقاط الخلاف الأساسية
- إلى اليسار اللبناني... إقتراحات


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - عبد القادر الحوت - إنتحار شيوعي (قصة قصيرة)