أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - فريدريك انجلز - أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة















المزيد.....



أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة


فريدريك انجلز

الحوار المتمدن-العدد: 6748 - 2020 / 11 / 30 - 08:55
المحور: الارشيف الماركسي
    


الفصول الواردة أدناه هي، إلى حد ما، تنفيذ لوصية. فإن كارل ماركس بالذات هو الذي كان قد اعتزم أن يعرض نتائج أبحاث مورغان بالارتباط مع معطيات دراسته - و أستطيع أن أقول، ضمن حدود معينة، دراستنا- المادية للتاريخ و أن يوضح على هذا النحو و حسب كل أهميتها. ذلك أن مورغان قد اكتشف من جديد في أميركا و على طريقته المفهوم المادي عن التاريخ، الذي سبق و اكتشفه ماركس منذ أربعين سنة، و على هذا توصل، في النقاط الرئيسية، عند مقارنته البربرية و الحضارة، إلى نفس النتائج التي توصل إليها ماركس.
سنة النشر:
1884
شهر النشر:
مايو
الكاتب:
فريدريك أنجلز
مترجم:
أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة
مقدمة الطبعة الأولى عام 1884

الفصول الواردة أدناه هي، إلى حد ما، تنفيذ لوصية. فإن كارل ماركس بالذات هو الذي كان قد اعتزم أن يعرض نتائج أبحاث مورغان بالارتباط مع معطيات دراسته - و أستطيع أن أقول، ضمن حدود معينة، دراستنا- المادية للتاريخ و أن يوضح على هذا النحو و حسب كل أهميتها. ذلك أن مورغان قد اكتشف من جديد في أميركا و على طريقته المفهوم المادي عن التاريخ، الذي سبق و اكتشفه ماركس منذ أربعين سنة، و على هذا توصل، في النقاط الرئيسية، عند مقارنته البربرية و الحضارة، إلى نفس النتائج التي توصل إليها ماركس. و كما أن اقتصاديي ألمانيا الرسميين استنسخوا "رأس المال" بجهد يوازي عنادهم في لزوم الصمت حوله، كذلك بالضبط سلك ممثلو علم "ما قبل التاريخ" في إنجلترا حيال "المجتمع القديم" لمورغان*[1].

و كل ما يستطيعه عملي، هو أن يعوض، بصورة ضعيفة، عما لم يكتب لصديقي الراحل القيام به. و لكنه توجد عندي في عداد ملخصاته المسهبة من مورغان (1) ملاحظات انتقادية أوردها هنا بقدر ما تتعلق بالموضوع.



حسب المفهوم المادي، يشكل إنتاج و تجديد إنتاج الحياة المباشرة، في آخر تحليل، العامل الحاسم في التاريخ. و لكنه هو ذاته، مع ذلك، ذو طبيعة مزدوجة، فمن جهة، إنتاج وسائل الحياة: سلع التغذية، الألبسة، المسكن، و الأدوات الضرورية لهذا، و من جهة ثانية، إنتاج الإنسان نفسه، مواصلة النوع. و إن النظم الاجتماعية التي يعيش في ظلها أهل عهد تاريخي معين و بلد معين يشترطها مظهراً الإنتاج: درجة تطور العمل من جهة، و درجة تطور العائلة من جهة ثانية. فبقد ما يكون العمل أقل تطوراً و كمية منتوجاته، و بالتالي ثروة المجتمع، أضيق حدوداً، بقدر ما تتجلى تبعية النظام الاجتماعي للعلاقات العشائرية بمزيد من القوة. هذا مع العلم أن إنتاجية العمل تتطور أكثر فأكثر على الدوام في نطاق بنية المجتمع هذه، والقائمة على علاقات العشائرية، و معها تتطور الملكية الخاصة، و التبادل، و الفوارق في الممتلكات، و إمكانية الاستفادة من قوة عمل الغير، و يتطور بالتالي أساس التناقضات الطبقية: العناصر الاجتماعية الجديدة التي تحاول على مر الأجيال أن تكيف النظام الاجتماعي القديم للظروف الجديدة إلى أن يؤدي، في آخر الأمر، التنافر بين القديم و الجديد، إلى انقلاب تام. فإن المجتمع القديم، القائم على الاتحادات العشائرية، يتفجر بفعل اصطدام الطبقات الاجتماعية المتشكلة حديثاً، و مكانه يحل مجتمع جديد، يتشكل في دولة، و لم تبق الاتحادات العشائرية حلقاته الدنيا، بل أصبحتها الاتحادات الإقليمية، مجتمع يخضع فيه النظام العائلي كلياً لعلاقات الملكية، و تتطور فيه بكل حرية من الآن و صاعداً التناقضات الطبقية و النضال الطبقي التي تؤلف مضمون التاريخ المكتوب كله حتى أيامنا هذه.



و مأثرة مورغان الكبرى أنه اكتشف هذا الأساس من قبل التاريخ لتاريخنا المكتوب و بعثه بخطوطه الكبرى، ووجد في العلاقات العشائرية للهنود الحمر في أميركا الشمالية المفتاح لفض أهم ألغاز التاريخ القديم، الإغريقي والروماني والجرماني، غير المفضوضة حتى الآن. ومؤلفه ليس عمل يوم واحد فقط. فقد درس مادته زهاء أربعين سنة إلى أن استوعبها تماماً. ولكن كتابه جاء بالمقابل واحداً من مؤلفات زمننا القليلة التي تشكل عهداً.



و في العرض الوارد أدناه، من السهل تماماً و كلياً على القارئ أن يميز بين ما يخص مورغان و بين ما أضفته أنا. ففي القسمين التاريخيين عن اليونان و روما، لم أكتف بمعطيات مورغان، بل أضفت ما كان تحت تصرفي. أما القسمان عن السلت و الجرمان، فهما يخصاني أساساً، فإن مورغان كان يملك هنا مواد أخذا كلها تقريباً من مصادر أخرى، و لم يكن يملك عن الجرمان - باستثناء تاقيطس- إلا تزييفات اليد فريمان (2) الليبرالية الرديئة. و التعليلات الاقتصادية التي كانت كافية للأهداف التي ابتغاها مورغان، و غير كافية أبداً للأهداف التي ابتغيتها أنا، إنما أعدت صياغتها كلها من جديد. و أخيراً، بديهي أني مسؤول عن جميع الاستنتاجات التي عرضتها دون الرجوع مباشرة إلى مورغان.



كتبت نحو 26 أيار 1884 في كتابF. Engles. " Der Ursprung der Familie, des Privateigenthums und des Staats" Hottingen-Zürich,1884تصدر حسب نص الطبعة الألمانية الرابعة.







الهوامش:


1. المقصود هنا " ملخص كتاب لويس هـ.مورغان "المجتمع القديم"" الذي وضعه كارل ماركس.


2. المقصود كتاب E.A.Freeman,"Comparative Politics". London, 1873 (فريمان . "السياسة المقارنة". لندن، 1873).







--------------------------------------------------------------------------------

[1] "Ancient Society,´-or-Researches in the Lines of Human Progress from Savagery through Barbarism to Civilization". By Lewis H.Morgan .London,Macmilla and co,1877.


"المجتمع القديم، أو البحث في خطوط التقدم البشري من الوحشية عبر البربرية إلى الحضارة". بقلم لويس هـ.مورغان. لندن، ماكميلان و شركاه، سنة 1877. صدر الكتاب في أميركا، و من الصعب للغاية الحصول عيه في لندن. توفي مورغان منذ بضعة أعوام.

مقدمة الطبعة الألمانية الرابعة لعام 1891.. مساهمة في تاريخ العائلة البدائية (باهوفن، ماك- لينان، مورغان)

الطبعات السابقة من هذا الكتاب التي صدرت بأعداد كبيرة قد نفذت كلياً منذ حوالي نصف سنة، و من زمان ، طلب مني الناشر*[1] أعداد طبعة جديدة. و حتى الآن حالت دوني و القيام بذلك أعمال عاجلة. و منذ صدور الطبعة الأولى، تصرمت سبع سنوات، و في هذه السنوات تحققت نجاحات كبيرة في دراسة الأشكال البدائية للعائلة . و لهذا كان من الضروري إدخال إصلاحات و إضافات دقيقة هنا خصوصاً و إن نية طبع النص الحالي نقلاً عن الكليشهات تحرمني لفترة من الوقت إمكانية إجراء التعديلات اللاحقة.



و هكذا أعدت النظر في النص كله بدقة و انتباه، و أدخلت جملة من الإضافات أخذت فيها بالحسبان بقدر كاف، كما آمل، حالة العلم في الوقت الحاضر. ثم أني أورد أدناه، في هذه المقدمة، لمحة موجزة عن تطور النظرات إلى تاريخ العائلة، ابتداء من باهوفن حتى مورغان، و إني أفعل ذلك بصورة رئيسية لأن مدرسة التاريخ البدائي الإنجليزية ذات الميول الشوفينية تبذل كل ما في وسعها، كما من قبل، لكي تلزم الصمت حول الانقلاب الذي حققته اكتشافات مورغان في حقل النظرات إلى التاريخ البدائي، دون أن تستحي، مع ذلك، من أن تنسب لنفسها النتائج التي توصل إليها مورغان. ناهيك بأنهم هنا و هناك في البلدان الأخرى يتبعون هذا المثال الإنجليزي بفائق الحمية.



لقد ترجم عملي إلى مختلف اللغات الأجنبية. بادئ ذي بدء إلى الإيطالية: "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة"، ترجمة باسكواله مارتينييتي و مراجعة المؤلف، دار بينيفنتو، عام 1885. ثم إلى الرومانية: "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة"، ترجمة يون نيد يجده، صدرت الترجمة في مجلة ياسي "Contemporanul" من أيلول 1885 إلى أيار 1886، ثم إلى الدانماركية: "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة"،و قد أعد غرسون ترير الطبعة. كوبنهاغن، عام 1888، و الترجمة الفرنسية بقلم هنري رافه، نقلاً عن هذه الطبعة الألمانية، هي قيد الطبع.



***



قبل بداية الستينيات، لم يكن من الممكن أن يتناول الكلام تاريخ العائلة. فإن علم التاريخ في هذا الميدان كان لا يزال بعد بكليته خاضعاً لتأثير أسفار موسى الخمسة (التوراة). فإن شكل العائلة البطريركي، الموضوف هناك بإسهاب أكثر مما في أي مكان آخر، لم يعتبروه قطعاً أقدم شكل و حسب، بل اعتبروه أيضاً مماثلاً تماماً- باستثناء تعد الزوجات- لشكل العائلة البرجوازية المعاصرة، و عليه لم يطرأ حقاً و فعلاً، حسب زعمهم، أي تطور تاريخي على العائلة. و أكثر ما أجازوه ، هو إمكان وجود مرحلة من العلاقات الجنسية غير المنظمة في الأزمنة البدائية.-صحيح أنهم كانوا يعرفون أيضاً، علاوة على شكل الزواج الأحادي، شكل تعدد الزوجات الشرقي و شكل تعدد الأزواج الهندي التيبتي، و لكنه كان من المستحيل وضع هذه الأشكال الثلاثة في تعاقب تاريخي، فظهرت بعضها إلى جانب بعض دون أي صلة متبادلة. أما أن النسب عند بعض شعوب العالم القديم، كما عند بعض الشعوب المتوحشة التي لا تزال موجودة، لم يكن إلى الأب بل إلى الأم، و أن خط الأم كان يعتبر بالتالي الخط الوحيد الذي له شأن ، و أن الزواج ممنوع عند كثير من الشعوب المعاصرة داخل جماعات معينة، كبيرة إلى هذا الحد أو ذلك، لم تتناولها الدراسة بعد بإسهاب و تفصيل، و إن هذه العادة لا تزال قائمة في جميع مناطق الدنيا، - فإن هذه الوقائع كان ، حقاً , فعلاً، معروفة، و كانت الأمثلة من هذا الطراز تتراكم أكثر فأكثر. و لكن أحداً لم يكن يعرف كيف يتناولها و يدرسها، بل إنها تظهر ببساطة، حتى في "أبحاث في تاريخ البشرية البدائي، الخ.." لمؤلفه أ.ب. تايلور 1865 (3)، بمثابة "عادات غريبة" إلى جانب تحريم بعض المتوحشين للمس حطبة مشتعلة بأداة حديدية، و غير ذلك من الترهات الدينية.



إن دراسة تاريخ العائلة تبدأ منذ عام 1861، عندما صدر عمل باهوفن "حق الأم"(4). فقد تقدم المؤلف في هذا العمل بالموضوعات التالية:



1. في البدء كانت توجد عند البشر علاقات جنسية غير محدودة، أطلق عليها التعبير غير الموفق "الهيتيرية" ("Hétérisme").



2. إن هذه العلاقات تنفي كل إمكانية لتقديم الدليل الأكيد على الأبوة، و لهذا لم يكن من الممكن تقرير النسب إلا حسب خط الأم- بموجب حق الأم،-كما كان الحال في البدء عند جميع شعوب الأزمنة الغابرة.



3. من جراء هذا، تمتعت النساء، بوصفهن أمهات، بوصفهن الوالدات الوحيدات المعروفات بكل ثقة و تأكيد للجيل الفتي، بقدر كبير من الاحترام و التقدير، بلغ، برأي باهوفن، حد سيادة النساء التامة("لجينيكوقراطية" Gynécocratie أي "حكم النساء").



4. إن الانتقال إلى الزواج الأحادي الذي تخص المرأة بموجبه رجلاً واجداً لا غير كان ينطوي على مخالفة لوصية دينية متقادمة العهد (أي على مخالفة عملية لحق الرجال الآخرين المزمن في هذه المرأة)، مخالفة كان ينبغي التكفير عنها أو كانت تجاز بشرط التعويض عنها، أي أنه كان ينبغي على المرأة في خلال فترة معينة أن تضاجع غير زوجها من الرجال.



و الأدلة على هذه الموضوعات يجدها باهوفن في استشهادات عديدة، مجموعة بفائق الدقة و العناية، من أدب الأزمنة الغابرة الكلاسيكي. و أن التطور من "الهيتيرية" إلى أحادية الزواج، و من حق الأم إلى حق الأب يجري، برأيه، - و لا سيما عند الإغريق،- أثر تطور التصورات الدينية المطرد، أثر تنصيب آلهة جدد، يمثلون المفاهيم الجديدة، في مجموعة الآلهة التقليدية التي تمثل المفاهيم القديمة، الأمر الذي يؤدي إلى زحزحة هذه المفاهيم القديمة أكثر فأكثر إلى المؤخرة من قبل المفاهيم الجديدة. و عليه، ليس تطور الظروف الفعلية لحياة الناس، بل الانعكاس الديني لهذه الظروف في رؤوس هؤلاء الناس بالذات هو الذي أفضى، برأي باهوفن، إلى التغيرات التاريخية في وضع الرجل و المرأة الاجتماعي المتبادل. و تبعاً لذلك، يفسر باهوفن ثلاثية "أوريستية" المسرحية لإسخيلوس على إنها تصور درامي للصراع بين حق الأم الهالك و حق الأب الذي انبثق في العهد البطولي و انتصر. فإن كليتمنسترا، إرضاء لعشيقها إيغيست ، قد قتلت زوجها أغممنون بعد عودته من حرب طروادة، و لكن أوريست، ابنها و ابن أغممنون، يقتل أمه انتقاماً لمقتل أبيه. و نظراً لذلك، تطارده الإيرينيات (Erinnyes) الحاميات الشيطانيات لحق الأم، الذي يعتبر قتل الأم أفدح جريمة، و جريمة لا تغتفر. و لكن أبولون الذي أقنع أوريست، بوسيط الوحي باقتراف هذا العمل، و أثينا التي يدعونها للقضاء في هذه المسألة ، - و هذا الإله و هذه الآلهة يمثلان كلاهما هنا النظام الجديد القائم على حق الأب، -يحميان أوريست، و تستمع أثينا إلى الطرفين. إن كل موضوع النزاع وارد بإيجاز في المناقشات التي تجري بين أوريست و الإيرينيات. فإن أوريست يستند إلى كون كليتمنسترا قد ارتكبت إثماً مزدوجاً بقتلها زوجها هي و والده هو في الوقت نفسه. فلماذا تلاحقه إذن الإيرينيات و لم يلاحقنها هي المذنبة أكثر منه بكثير؟ الجواب مذهل:



"لم تكن مع الزوج الذي قتلته في قرابة الدم"**[2]



إن قتل امرئ لا تربطه بالقاتل رابطة الدم، حتى و إن كان زوج المرأة التي قتلته، تمكن فديته، و لا علاقة أبداً للإيرينيات بهذا الأمر. فشأنهن ألا يلاحقن جريمة القتل إلا عندما تقع وسطع الأقرباء بالدم، و جريمة قتل الأم هي، في هذه الحال، بموجب حق الأم، أفدح جريمة لا يمكن افتداؤها بشيء. و لكن هاهو ذا بولون يأخذ جانب الدفاع عن أوريست ، و تطرح أثينا المسألة على التصويت أمام أعضاء "الأريوباغ"- أي أمام المحلفين الأثينيين، فانقسمت الأصوات قسمين متعادلين، قسم يؤيد التبرير و قسم يؤيد المعاقبة، آنذاك صوتت أثينا بوصفها رئيسة المحكمة في صالح أوريست و أعلنت براءته. و هكذا انتصر حق الأب على حق الأم ، و تغلب "آلهة الجيل الأصغر"، كما تسميهم الإيرينيات ذاتهن، على الإيرينيات، و في آخر المطاف، تنتقل الإيرينيات أيضاً إلى خدمة النظام الجديد آخذات على أنفسهن واجبات جديدة.



إن هذا التفسير الجديد ، و لكن الصحيح تماماً لثلاثية "أوريستية" المسرحية هو من أروع و أحسن الأماكن في كل كتاب باهوفن، و لكنه يثبت في الوقت نفسه أن باهوفن يؤمن على الأقل بالإيرينيات و أبولون و أثينا كما كان يؤمن بهم إسخيلوس في زمنه أي أنه يؤمن بأنهم اجترحوا معجزة في العهد البطولي الإغريقي: فقد دكوا الحق الأمي و أحلوا محله الحق الأبوي. و واضح أن هذا المفهوم الذي يقول أن الدين يقوم بالدور الفاصل في تاريخ العالم يؤدي في آخر المطاف إلى الصوفية الصرف. و لهذا كانت دراسة كتاب باهوفن- و هو عبارة عن مجلد ضخم كبير القطع- عملاً صعباً و أبعد من أن يكون دائماً مثمراً. و لكن هذا لا يقلل من منزلة باهوفن بوصفه بحاثة شق سبيلاً جديداً. فهو أول من نبذ الكلام الفارغ عن الحالة البدائية المجهولة المرفقة بعلاقات جنسية شاذة، و قدم البرهان على وجود شواهد كثيرة في الأدب الكلاسيكي القديم تؤكد أن الإغريق و الشعوب الآسيوية قد عرفت بالفعل قبل الزواج الأحادي حالة لم يكن فيها الرجال و حسب يدخلون في علاقات جنسية مع بضع نساء بل كانت فيها النساء أيضاً يدخلن في علاقات جنسية مع بضعة رجال، دون أن يشكل ذلك مخالفة للعادة، سواء من جانب الرجل أو المرأة. وأثبت أن هذه العادة قد خلف زوالها أثراً تجلى في واجب المرأة، المحصور ضمن إطار معين، بافتداء حقها في الزواج الأحادي بمضاجعة رجال آخرين، و أنه، لهذا السبب، لم يكن من الممكن في البداية حساب الأصل إلا تبعاً للخط النسائي ، أي من أم إلى أم، و إن أهمية الخط النسائي الاستثنائية هذه قد بقيت زمناً طويلاً حتى في مرحلة الزواج الأحادي، عندما أصبحت الأبوة ثابتة أو عندما صارت، على كل حال، تلقى اعترافاً، و أثبت أخيراً أن وضع الأمهات الأولي هذا بوصفهن الوالدات الوحيدات الأكيدات لأولادهن قد كفل لهن، و للنساء على العموم في الوقت نفسه، منزلة اجتماعية عالية لم يشغلنها قط مذ ذاك. صحيح أن باهوفن لم يضع هذه الموضوعات بمثل هذا الوضوح، فقد أعاقته عن ذلك نظرته الصوفية إلى العالم. و لكنه قدم البرهان عليها، و كان هذا في عام 1861 بمثابة ثورة كاملة.



كتب باهوفن كتابه الضخم باللغة الألمانية أي بلغة أمة كانت في ذلك الحين تهتم ، أقل ما تهتم ، بما قبل تاريخ العائلة الحديثة. و لهذا بقي الكتاب مجهولاً. بل أن أقرب وريث لباهوفن تناول الموضوع ذاته في عام 1865 لم يسمع به.



هذا الوريث كان ج.ف. ماك –لينان، النقيض المباشر السافر لسلفه. فعوضاً عن الصوفي العبقري، نجد أمامنا حقوقياً جافاً، و عوضاً عن الخيال الشعري الجامح ، نجد مطالعات محام أمام المحكمة مبنية و موزونة بدقة و إمعان. فإن ماك-لينان يجد عند كثير من الشعوب المتوحشة و البربرية و حتى المتمدنة في الزمن القديم و الجديد شكلاً لعقد الزواج كان يترتب بموجبه على العريس أن يتصرف كأنما يخطف بالقوة، هو وحده أو مع أصدقائه، العروس من عند أهلها. و هذه العادة ، على ما يبدو، هي بقية عادة أقدم عهداً، كان بموجبها رجال إحدى القبائل يخطفون فعلاً بالقوة لأنفسهم الزوجات من خارج قبيلتهم، من عند القبائل الأخرى. فكيف ظهر إذن هذا "الزواج – الخطف"؟ طالما كان في مستطاع الرجال أن يجدوا ما يكفي من النساء في قبيلتهم بالذات، لم يكن ثمة داع لمثل هذا الزواج. و لكننا نجد في عدد كبير مماثل من الحالات أنه توجد عند الشعوب غير المتطورة جماعات معينة (في عام 1865 كانوا لا يزالون يعتبرونها في أحيان كثيرة من عداد القبائل) كان الزواج في داخلها ممنوعاً، و لذا كان الرجال مضطرين إلى أخذ نساء لهم، و النساء مضطرات إلى أخذ رجال لهن، من خارج الجماعة المعنية، ناهيك بأنه توجد عند شعوب أخرى عادة تقضي بألا يأخذ الرجال من جماعة معينة نساء لهم إلا من داخل جماعتهم بالذات. و يسمي ماك – لينان الجماعات الأولى بجماعات "الزواج الخارجي" Exogamos و الجماعات الثانية بجماعات "الزواج الداخلي" Endogamos، و لكنه سرعان ما يشير ، بدون أي تعليل، إلى التناقض الحاد بين "قبائل" الزواج الخارجي و "قبائل" الزواج الداخلي. و رغم أن دراسته الخاصة بالذات للزواج الخارجي تقوده إلى الاصطدام رأساً بالواقع التالي، و هو أن هذا التناقض لا يوجد في كثير من الحالات ، أن لم يكن في أغلبيتها أو حتى في جميعها ، إلا في مخيلته، فإنه يبني مع ذلك كل نظريته على أساسه. و حسب نظريته، لا يستطيع رجال قبائل الزواج الخارجي أن يأخذوا زوجات لهم إلا من القبائل الأخرى، و هذا لم يكن من الممكن تحقيقه في حالة الحرب الدائمة بين القبائل في مرحلة الوحشية إلا عن طريق الخطف.



و بعد هذا، يتساءل ماك-لينان: من أين جاءت عادة الزواج الخارجي هذه؟ إن التصورات بصدد القرابة بالدم و الاختلاط بالدم لا تمت إلى ذلك بأي صلة، فهما عبارة عن ظاهرات لم تظهر و تتطور إلا بعد حقبة كبيرة. أما عادة قتل الأولاد من الإناث فور ولادتهن- و هي عادة واسعة الانتشار بين المتوحشين- فهي مسألة أخرى. فمن جراء هذه العادة، يظهر في كل قبيلة بمفردها فيض من الرجال تكون عاقبته الأولى، بصورة لا ندحة عنها، تشارك بضعة رجال في امتلاك زوجة واحدة، أي شكل تعدد الأزواج. و من هنا، برأي ماك-لينان، ينجم أن أم الولد كانت معروفة بينا كان أبوه غير معروف ، و لهذا لم يكن يجري حساب القرابة إلا بموجب الخط النسائي، لا بموجب الخط الرجالي. و هذا ما كانه الحق الأمي. أما العاقبة الثانية لنقص النساء داخل القبيلة- و هو نقص يخفف منه تعدد الأزواج و لكنه لا يزيله- فقد كانها خطف نساء القبائل الأخرى بالقوة باستمرار.



"و بما أن الزواج الخارجي و تعدد الأزواج يظهران بفعل السبب الواحد نفسه- أي عدم تساوي الجنسين عددياً- فإنه ينبغي لنا أن نقر بأن تعدد الأزواج كان موجوداً في البدء عند جميع العروق ذات الزواج الخارجي... و لذا يجب أن نعتبر مما لا جدال فيه أن أول نظام للقرابة بين العروق ذات الزواج الخارجي كان ذلك النظام الذي لم يعرف علاقات الدم إلا من جانب الأم" (ماك-لينان "دراسات في التاريخ القديم"، الزواج البدائي").(5)



و مأثرة ماك-لينان أنه أشار إلى الأهمية الكبيرة لما أسماه هو بالزواج الخارجي و إلى انتشاره في كل مكان. أنه لم يكتشف على الإطلاق واقع وجود جماعات الزواج الخارجي ، و هو ، على كل حال، لم يفهمه. و فضلاً عن مختلف الملاحظات التي أدلى بها قبل ذلك كثيرون من المراقبين- و هم بالذات الذين كانوا مصادر ماك-لينان- وصف ليتام ("الإتنولوجيا الوصفية"، هام 1859)(6) بصورة دقيقة وصحيحة هذه المؤسسة عند الماغار الهنود و أعرب عن رأي مفاده أن هذه المؤسسة منتشرة في كل مكان و أنها موجودة في جميع مناطق العالم- و هذا ما يستشهد به ماك لينان نفسه. ثم أن صاحبنا مورغان ذاته سبق له في عام 1847 في رسائله عن الإيروكوا (المنشورة في "أميريكان ريفيو"- "المجلة الأمريكية" –("American Review") و في عام 1851 في عمله "عصبة الإيروكوا" (7) أن قدم الدليل على وجود مؤسسة مماثلة عند هذه المجموعة من القبائل و أعطى وصفاً صحيحاً عنها، في حين أن عقل المحامي عند ماك-لينان، كما سنرى ، قد أدخل هنا من التشوش أكثر بكثير مما أدخله الخيال الصوفي عند باهوفن في ميدان الحق الأمي. و مأثرة ماك-لينان الأخرى أنه اعتبر نظام الأصل حسب الحق الأمي هو الأول، رغم أنه اعترف بنفسه فيما بعد بأن باهوفن قد سبقه في هذا الصدد. و لكننا نجد هنا أيضاً بعض الغموض عنده، فهو يتكلم على الدوام عن "القرابة حسب الخط النسائي وحده"(Kinship through female only)، و يستخدم دائماً هذا التعبير الصحيح، بالنسبة لدرجات أبكر، كذلك لدرجات لاحقة في سلم التطور، عندما كان الأصل و حق الوراثة لا يزالان يحسبان بموجب الخط النسائي بوجه الحصر، بينما كانت القرابة تحدد و يعترف بها بموجب الخط الرجالي أيضاً. و هذه محدودية الحقوقي الذي يخلق لنفسه تعبيراً حقوقياً ثابتاً و يواصل استعماله بشكل لا يتغير و يطبقه على ظروف لم يعد يلصح لتطبيقه عليها.



و لكن نظرية ماك-لينان، رغم كل متانتها و رسوخها، بدت لصاحبها نفسه، على ما يظهر ، غير معللة تعليلاً كافياً. و هو ذاته، على كل حال، لفت الانتباه إلى:


"ذلك الواقع الواسع الدلالة و هو أن الشكل الأوضح تعبيراً لخطف النساء"(الظاهري)"منتشر على وجه الدقة عند الشعوب التي تسود بينها القرابة الرجالية"(أي الأصل حسب الخط الرجالي).


ثم قال: "من الغريب أن قتل الأولاد ، بقدر ما نعرف ، لا يمارس أبداً بدأب و انتظام حيث يوجد جنباً إلى جنب الزواج الخارجي و أقدم شكل للقرابة".


هذان الواقعان يتناقضان بكل لجلاء مع طريقة تفسيره بالذات ، فلا يسعه أن يعارضهما إلا بفرضيات جديدة، أكثر غموضاً و تشوشاً.


و مع ذلك حظيت نظريته في بريطانيا بحار التحبيذ و واسع الصدى، و كان الجميع هنا يعتبرونه مؤسس تاريخ العائلة و الحجة الأولى في هذا الميدان. و إن معارضته "قبائل" الزواج الخارجي بـ "قبائل" الزواج الداخلي قد بقيت، رغم ثبوت بعض الاستثناءات و التغيرات، أساساً معترفاً به من الجميع للمفاهيم السائدة، و تحولت إلى غمامة حالت دون أي دراسة غير متحيزة للميدان المدروس ، و حالت بالتالي دون أي خطوة حازمة إلى الأمام. و خلافاً لاستعظام مآثر ماك-لينان في بريطانيا، و كذلك في بلدان أخرى اقتداء ببريطانيا، تجدر الإشارة إلى أنه، بمعارضته "قبائل" الزواج الخارجي بـ"قبائل" الزواج الداخلي، الناجمة عن مجرد سوء فهم، قد أحدث من الضرر أكثر مما جلب من النفع بدراساته.


و لكنه سرعان ما أخذت تتكشف أكثر فأكثر وقائع لا تتوضع في إطارات نظريته الأنيق الضيق. ذلك أن ماك –لينان لم يعرف سوى ثلاثة أشكال للزواج: تعدد الزوجات، و تعدد الأزواج، و الزواج الأحادي. و لكن بما أن الانتباه قد وجه إلى هذه الناحية، فقد شرعوا يجدون أكثر فأكثر من الأدلة على أنه كانت توجد عند الشعوب المتخلفة أشكال للزواج كان بضعة رجال في ظلها يملكون بضع نساء بصورة مشتركة. و قد أقر ليبوك ("أصل الحضارة"، عام 1870)(8) بهذا الزواج الجماعي (Communal marriage) كواقع تاريخي.


و بعد ذلك، أي في عام 1871، تقدم مورغان بمادة جديدة و فاصلة في كثير من النواحي. فقد اقتنع بأن، نظام القرابة الطريف الساري المفعول عند الإيروكوا كان ملازماً لجميع السكان الأصليين في الولايات المتحدة و بأنه كان بالتالي منتشراً في عموم القارة، رغم أنه كان يناقض مباشرة درجات القرابة ، النابعة عملياً من نظام الزواج المعمول به هناك. و قد دفع مورغان الحكومة الاتحادية الأميركية إلى جمع المعلومات عن أنظمة القرابة عند مختلف الشعوب حسب الجداول و مجموعة الأسئلة التي وضعها بنفسه، فتبين له من الأجوبة :



1. أن نظام القرابة المعمول به عند الهنود الحمر في أميركا موجود كذلك عند عدد كبير من القبائل في آسيا، و بشكل مختلف نوعاً في أفريقيا و أوستراليا.


2. إن هذا النظام يحدد تفسيراً كاملاً له في ذلك الشكل من الزواج الجماعي، الذي هو على وجه الدقة في طور الاضمحلال في جزر هاواي و في الجزر الأوسترالية الأخرى.


3. إنه يوجد مع ذلك، إلى جانب هذا الشكل من الزواج، و في الجزر نفسها، نظام آخر للقرابة لا يمكن تفسيره إلا بشكل أقدم للزواج الجماعي لم يبق له وجود في الوقت الحاضر.


و قد نشر مورغان المعلومات المجموعة مع استنتاجاته منها في مؤلفه "أنظمة القرابة و النسب"، الصادر في عام 1871(9)، و بذلك نقل النقاش إلى مجال أرحب بما لا يقاس. و على أساس أنظمة القرابة، بعث ما يناسبها من أشكال العائلة ، و بذلك فتح طريقاً جديداً أمام البحث، و وفر إمكانية النظر بمزيد من التعمق إلى ما قبل تاريخ البشرية. إن انتصار هذه الطريقة كان من شأنه أن يبدد تلفيقات ماك-لينان البديعة هباء.


و لهذا هب ماك-لينان إلى الدفاع عن نظريته في الطبعة الثانية لمؤلفه "الزواج البدائي"("دراسات في التاريخ القديم"،عام 1876). و هو يبني تاريخ العائلة بصورة مصطنعة إلى أقصى حد، معتمداً على الفرضيات و حسب، و يتطلب في الوقت نفسه من ليبوك و مورغان لا البراهين على كل من أقوالهما و حسب، بل أيضاً براهين دامغة قاطعة كالتي لا يقبل غيرها في المحكمة الإسكوتلندية. هكذا بالذات يسلك ذلك الرجل الذي يستند إلى وجود صلة وثيقة بين أخ الأم و ابن الأخت عند الجرمان (تاقيطس، "جرمانيا"، الفصل 20) و إلى حكاية قيصر القائلة أن لكل عشرة رجال أو اثني عشر جلاً من البريطانيين (Bretons) زوجات مشتركات و إلى حكايات الكتاب القدامى الأخرى عن شيوعية النساء عند البرابرة، فيستنتج ، دون أي تردد، أن تعدد الزواج هو الذي كان سائداً عند جميع هذه الشعوب! يخيل للمرء أنه يسمع مدعياً عاماً مستعداً لأن يسمح لنفسه بالتصرف على هواه عند توجيه التهمة، و لكنه يطالب جهة الدفاع بأن تقدم برهاناً قاطعاً على كل كلمة له قوة البرهان القانوني.



إن الزواج الجماعي مجرد تلفيق. هكذا يقول ماك-لينان، فيبدو بالتالي بعيداً وراء باهوفن. و برأي ماك- لينان أن نظام القرابة عند مورغان هو عبارة عن قواعد بسيطة للتهذيب الاجتماعي، و هذا ما يثبته الواقع التالي و هو أن الهنود الحمر يخاطبون الغرباء أيضاً- أي البيض – بكلمة: أخ أو والد. و هذا يعني كما لو أن أحداً يحاول أن يزعم أن أسماء الأم و الأم و أخ و الأخت هي مجرد أشكال للمخاطبة لا تعني شيئاً، لأن رجال الدين الكاثوليك و رئيسات الأديرة الكاثوليكية يسمونهم بالآباء و الأمهات، و لأن الرهبان و الراهبات و حتى الماسونيين و أعضاء الجمعيات الحرفية البريطانية يخاطبون بعضهم بعضاً في الجلسات الاحتفالية بكلمتي: أخ و أخت. و هكذا كان دفاع ماك- لينان في أقصى الضعف.


و لكنه بقيت هناك نقطة كان فيها منيعاً لا يطال. فإن التضاد بين "قبائل" الزواج الخارجي و "قبائل" الزواج الداخلي، الذي ارتكز عليه كل نظامه، لم يتزعزع، و ليس هذا و حسب، بل حتى أنه اعتبر أيضاً في كل مكان حجر الزاوية في كل تاريخ العائلة . صحيح إنهم قالوا أن التفسير الذي حاول ماك-لينان أن يعطيه عن هذا التضاد غير مقنع كفاية، و أنه يناقض الوقائع التي أوردها بنفسه. و لكن هذا التضاد ذاته ، أي وجود نوعين ينفي أحدهما الآخر من قبائل منعزلة و مستقلة كانت قبائل أحد النوعين تأخذ لنفسها زوجات من داخل القبيلة، بينما كان ذلك ممنوعاً منعاً باتاً على قبائل النوع الثاني،كان يعتبر بمثابة حقيقة إنجيلية لا تدحض. قارن، مثلاً، جيرو طولون، "أصل العائلة"(1874)و حتى ليبوك،"أصل الحضارة"(الطبعة الرابعة،1882)(10).


و ضد هذه النقطة، وجه مورغان مؤلفه الرئيسي "المجتمع القديم"(1877)(11)- و هذا المؤلف اتخذناه أساساً لعملنا هذا. فإن ما حزره مورغان بغموض و حسب في عام 1871، معروض هنا الآن بوضوح تام. فإن الزواج الخارجي و الزواج الداخلي لا يشكلان أبداً تضاداً ، و وجود "قبائل " الزواج الخارجي لم يعط عنه حتى الآن البرهان في أي مكان كان. و لكن عندما كان الزواج الجماعي لا يزال سائداً- كانت القبيلة منقسمة إلى جملة من جماعات و عشائر مرتبطة بعضها ببعضها بقرابة الدم حسب خط الأم- و الزواج في داخلها ممنوع منعاً باتاً، و لذا كان الرجال من عشيرة معينة يستطيعون أن يأخذوا زوجات لهم من داخل القبيلة، و كانا على العموم يفعلون ذلك، و لكنه كان يتعين عليهم أن يأخذوهن من خارج عشيرتهم. و عليه، إذا كانت العشيرة خاضعة تماماً لنظام الزواج الخارجي، فإن القبيلة التي تشمل مجمل العشائر كانت هي أيضاً خاضعة تماماً لنظام الزواج الداخلي. و هذا ما دحض نهائياً آخر بقية من تلفيقات ماك-لينان المصطنعة.


بيد أن مورغان لم يكتف بهذا. فإن عشيرة الهنود الحمر الأميركيين أعطته فيما بعد أساساً للقيام بالخطوة الحاسمة الثانية إلى الأمام في الميدان الذي يدرسه. ففي هذه العشيرة المنظمة حسب الحق الأمي، اكتشف الشكل الأولي الذي نشأت منه و تطورت فيما بعد العشيرة المنظمة حسب الحق الأبوي- أي تلك العشيرة التي نجدها عند الشعوب المتحضرة في الزمن القديم. فإن العشيرة اليونانية و الرومانية التي كانت قبل ذاك لغزاً على جميع المؤرخين، قد وجدت تفسيراً لها في عشيرة الهنود الحمر، و وجد بالتالي أساس جديد لكل التاريخ البدائي.


إن هذا الاكتشاف الجديد للعشيرة الأولية، المرتكزة على الحق الأمي، بوصفها مرحلة سبقت العشيرة المرتكزة على الحق الأبوي عند الشعوب المتحضرة، يتسم بالنسبة للتاريخ البدائي بنفس القدر من الأهمية الذي تتسم به نظرية داروين حول النشوء و الارتقاء بالنسبة للبيولوجيا و الذي تتسم به نظرية ماركس حول القيمة الزائدة بالنسبة للاقتصاد السياسي. و قد أتاح هذا الاكتشاف لمورغان أن يرسم للمرة الأولى لوحة عن تاريخ العائلة كانت تحتوي، بقدر ما سمحت المادة المعروفة حتى الآن، الخطوط الكبرى لدرجات التطور، المثبتة مسبقاً، الكلاسيكية على الأقل. و واضح لكل امرئ أن عهداً جديداً في دراسة التاريخ البدائي ينفتح بذلك. فإن العشيرة المرتكزة على الحق الأمي أصبحت ذلك المحور الذي يدور حوله كل هذا العلم، و منذ اكتشافها، صار مفهوماً في أي اتجاه يجب توجيه الدراسة و ما تنبغي دراسته و كيف يتعين تصنيف النتائج الحاصلة. و تبعاً لذلك، يحرزون الآن النجاحات في هذا الميدان بصورة أسرع بكثير مما قبل صدور كتاب مورغان.


و في بريطانيا أيضاً اعترف الآن جميع مؤرخي المجتمع البدائي باكتشافات مورغان أو، بالأصح، استأثروا بها. و لكننا لا نجد عند أي منهم تقريباً اعترافاً صريحاً بأنهم مدينون لمورغان بالذات بهذه الثورة في النظرات. و في بريطانيا يلزمون الصمت المطبق قدر الإمكان حول كتابه، و لكنهم يتخلصون منه بمجرد مديح متعال على أعماله السابقة، و ينقبون ببالغ الجهد في مختلف تفاصيل عرضه، و لكنهم يلزمون الصمت بعناد حول اكتشافاته الكبيرة حقاً و فعلاً. لقد نفدت الطبعة الأولى من كتابه "المجتمع القديم"، أما في أميركا، فإن أمثال هذه الأشياء لا تجد ما يليق بها من التصريف، و في بريطانيا، تجاهلوا على الدوام هذا الكتاب، حسبما يبدو، و الطبعة الوحيدة التي لا تزال قيد البيع لهذا لمؤلف الذي يشكل دهراً، هي ترجمة ألمانية.


فأين يكمن سبب هذا التحفظ الذي يصعب عدم استشفاف مؤامرة الصمت فيه، خصوصاً إذا لم يغب عن البال ما يبرقش مؤلفات خبرائنا المعترف بهم في التاريخ البدائي من استشهادات عديدة يوردونها بدافع اللطف و التهذيب و من أدلة أخرى على احترام الزملاء؟ ألا يكمن في أن مورغان أميركي و أنه من غير المستطاب أبداً لمؤرخي المجتمع البدائي البريطانيين أنهم، رغم كل ما بذلوه من جهود تستحق كل تقدير من أجل جمع المواد، قد اضطروا إلى الاقتباس من أجنبيين عبقريين هما باهوفن و مورغان عندما تعلق الأمر بالموضوعات الأساسية العامة الضرورية لأجل تصنيف و تبويب هذه المواد، أي بإيجاز، عندما تعلق الأمر بالأفكار الضرورية لهم؟ لقد كان من الممكن القبول بالألماني، أما بالأميركي! فحيال الأميركي، يصبح كل بريطاني وطنياً متحمساً، و لقد رأيت في الولايات المتحدة أمثلة مضحكة عن ذلك. ناهيك بأن ماك-لينان كان، كما يقال، معترفاً به رسمياً مؤسساً و رئيساً لمدرسة التاريخ البدائي البريطانية. و في هذا الميدان، أصبح من المستحسن نوعاً التكلم فقط بأعظم الإجلال عن بنائه التاريخي المصطنع، الذي يؤدي من قتل الأولاد عبر تعدد الأزواج و الزواج – الخطف إلى العائلة المرتكزة على الحق الأمي، و كانوا يعتبرون أقل شك في وجود "قبائل" الزواج الخارجي و "قبائل" الزواج الداخلي التي تنفي بعضها بعضاً بصورة مطلقة ، ضرباً من الهرطقة الوقحة، و على هذا لنحو، اقترف مورغان، بتبديده كالدخان جميع هذه العقائد المقدسة، ضرباً من التدنيس و التنجيس للقدسيات. ناهيك بأنه بددها بحجج كان حسبه أن يدلي بها حتى تصبح على الفور جلية للجميع، و هكذا كان لا بد لمداحي ماك- لينان العاجزين حتى الآن عن الخلاص من التناقض بين الزواج الخارجي و الزواج الداخلي، من أن يلطموا جباههم أو يكاد يهتفوا: كيف أمكننا أن نكون أغبياء إلى حد أننا لم نكتشف هذا بأنفسنا من زمان بعيد!


و إذا كانت حتى هذه الجرائم غير كافية لكي تقف المدرسة الرسمية من مورغان موقفاً غير موقف الانصراف عنه ببرودة و جفاء، فقد جعل الكأس يطفح بكونه لم يقتصر على انتقاد الحضارة- أن مجتمع الإنتاج البضاعي، الشكل الأساسي لمجتمعنا المعاصر- انتقاداً يحمل على تذكر فوريه، بل تحدث أيضاً عن التحولات المقبلة التي ستطرأ على هذا المجتمع بتعابير كان من الممكن أن يلجأ إليها كارل ماركس. و لهذا نال مورغان ما يستحقه عندما لامه ماك-لينان بسخط على "نفوره التام من الطريقة التاريخية" و عندما أكد البروفسور السيد جيرو-طولون من جينيف هذا اللوم في عام 1884 أيضاً. مع أنه سبق لهذا السيد جيرو –طولون نفسه أن ضل في 1874 ("أصل العائلة") ، عاجزاً، ضعيفاً، في متاهات الزواج الخارجي الماك-ليناني التي لم يخرجه منها إلا مورغان!


و لا داعي إلى البحث هنا في النجاحات الأخرى التي يدين بها التاريخ البدائي لمورغان، فكل ما يلزم بهذا الصدد يمكن إيجاده في الأماكن المناسبة من كتابي. ثم أن السنوات الأربع عشرة التي تصرمت منذ صدور عمل مورغان الرئيسي، قد أغنت كثيراً ما لدينا من مواد في تاريخ المجتمعات البشرية البدائية ، فإلى الانتروبولوجيين و الرحالة و مؤرخي المجتمع البدائي المحترفين انضم الحقوقيون الذين يهتمون بالحق المقارن و الذين أعطوا جزئياً مادة جديدة و تقدموا جزئياً بوجهات نظر جديدة. و هذا ما أدى إلى زعزعة بعض من فرضيات مورغان و حتى إلى دحضها. و لكن المادة المجموعة حديثاً لم تؤد في أي مكان إلى ضرورة الاستعاضة عن موضوعاته الجوهرية بموضوعات ما أخرى. إن النظام الذي حمله إلى التاريخ البدائي لا يزال حتى الآن يحتفظ بقوته من حيث خطوطه الكبرى. بل أنه يمكن القول أنه يظفر أكثر فأكثر بالاعتراف العام، و ذلك بنفسن القدر الذي يحاولون به أن يخفوا أنه هو واضع الحجر الأساسي لهذا التقدم العظيم***[3].


لندن، في 16 حزيران 1891


فريدريك إنجلس



صدرت في مجلة "Die Neue Zeit" ("دي نويه زايت") المجلد 2، العدد 41، 1890-1891 و في كتاب Friedrich Engles. " Der Ursprung der Familie, des Privateigenthums und des Staats", Stuttgart, 1891 .تصدر حسب نص الكتاب بعد مقارنته بنص المجلة. تمت الترجمة نقلاً عن الألمانية.



الهوامش:


(3) E.B.Tylor "Research into the Early History of Manking and the Development of Civilization". London, 1865 (تايلور. "أبحاث في تاريخ البشرية البدائي و نشوء الحضارة". لندن، 1865).


(4) J.J.Bachofen. "Das Mutterrecht.Eine Untersuchung über die Gynaikokratie der alten Welt nach ihrer religiösen und rechtlichen Natur". Stuttgart, 1861. (باهوفن. "حق الأم. بحث في حكم النساء في العالم القديم على أساس طبيعته الدينية و الحقوقية". شتوتغارت، 1861).


(5) J.F.Mac-Lennan "Studies in Ancient History comprising a Re---print--- of "Primitive Marriage. An Inquiry into the Origin of the Form of Capture in Marriage Ceremonies"". London and Newyork, 1886. (ماك-لينان "دراسات في التاريخ القديم تشمل إعادة طبع "الزواج البدائي. بحث في أصل طقس الخطف في حفلات الزواج". لندن و نيويورك، 1886).


(6) R.G.Latham "Descriptive Ethnology". Vol I-II, London,1859. (ليتام "الإثنولوجيا الوصفية". المجلدان الأول و الثاني. لندن، 1859).



(7) L. H. Morgan "Leage of the Ho-dé-no-sau-nee´-or-Iroquois". Rochester, 1851. (مورغان. "عصبة هو-دي-نو-سي-ني أو الإيروكوا" روتشستر، 1851).



(8) J. Lubbock. "The Origin of Civilization and the Primative Condition of Man. Mental and Social Condition of Savages". London - 1870. (ليبوك. "أصل الحضارة و حالة الإنسان البدائية. أوضاع المتوحشين الفكرية و الاجتماعية". لندن، 1870).



(9) L. H. Morgan "Systems of Consanguinity and Affinity of the Human Family". Washington, 1871. (ل. هـ. مورغان. "أنظمة القرابة بالعصب و المصاهرة في العائلة البشرية". واشنطن، 1871).



(10) A. Girard- Teulon . "Les origines de la famille" Genève, Paris, 1874. J. Lubbock. "The Origin of Civilization and the Primative Condition of Man. Mental and Social Condition of Savages". 4th Ed . London 1882. (جيرو-تولون. "أصل العائلة". جينيف و باريس 1874. ليبوك. " أصل الحضارة و حالة الإنسان البدائية. أوضاع المتوحشين الفكرية و الاجتماعية". الطبعة الرابعة، لندن، 1882).



(11) L. H. Morgan . "Ancient Society,´-or-Researches in the Lines of Human Progress from Savagery through Barbarism to Civilization" . London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم، أو البحث في خطوط التقدم البشري من الوحشية عبر البربرية إلى الحضارة" . لندن، 1877).







--------------------------------------------------------------------------------

[1] ي.ديتس. الناشر.


[2] إسخيلوس."أوريستية.الإيرينيات". الناشر.


[3] في طريق عودتي من نيويورك، في أيلول 1888، التقيت بنائب سابق في الكونغرس عن دائرة روتشستر الانتخابية، كان يعرف لويس مورغان. و مع الأسف، لم يستطع أن يحدثني عنه إلا قليلاً. كان مورغان يعيش في روتشستر كفرد عادي منصرفاً إلى عمله العلمي فقط. و كان أخوه كولونيلاً يخدم ي وزارة الحربية في واشنطن، و بمعونة أخيه، استطاع أن يثير اهتمام الحكومة بأبحاثه و أن يصدر بعض مؤلفاته بأموال الدولة، ثم أن محدثي، كما قال لي، سعى هو أيضاً غير مرة نم أجله عندما كان نائباً في الكونغرس.


1 ـ أطوار ما قبل الحضارة

كان مورغان أول من حاول، عن علم و معرفة بالأمر، أن يدخل على ما قبل تاريخ البشرية نظاماً معيناً، و مادام اتساع المادة الكبير لا يجبر على إدخال تعديلات، فإن التقسيم المرحلي الذي اقترحه سيبقى، بلا ريب ساري المفعول.



و غني عن البيان أن ما يشغل باله من العهود الرئيسية الثلاثة – الوحشية، و البربرية، و الحضارة- إنما هما فقط الأولان و الانتقال إلى الثالث. و هو يقسم كلاً من هذين العهدين إلى درجة دنيا و متوسطة و عليا وفقاً للتقدم في إنتاج وسائل العيش، و ذلك، كما يقول ، لأن "للمهارة في هذا الإنتاج الأهمية الفاصلة بالنسبة لدرجة تفوق و سيطرة البشر على الطبيعة، فبين جميع الكائنات الحية، كان الإنسان وحده هو الذي أفلح في إحراز سيطرة غير محدودة تقريباً على إنتاج المادة الغذائية. إن جميع العهود الكبرى في التقدم البشري تصادف إلى هذا الحد أو ذاك عهود توسع مصادر العيش" (12).



و إلى جانب ذلك، يجري تطور العائلة، و لكنه لا يعطي مثل هذه العلائم المميزة لأجل الفصل بين المراحل.



1-الوحشية


1-الطور الأدنى: طفولة النوع البشري. كان الناس لا يزالون بعد في أماكن إقامتهم الأولية، في الغابات الاستوائية أو شبه الاستوائية. كانوا يعيشون، على الأقل جزئياً، على الأشجار ، و بهذا وحده يمكن تفسير بقائهم بين وحوش كاسرة كبيرة. و كانت الثمار و الجوز و الجذور غذاءهم. و الإنجاز الرئيسي في هذه المرحلة هو نشوء النطق. و من بين جميع الشعوب التي أصبحت معروفة في المرحلة التاريخية، لم يبق أي منها في هذه الحالة البدائية. و رغم أن هذه الحلة استمرت، أغلب الظن، الآلاف و الآلاف من السنين، إلا أننا لا نستطيع أن نثبت وجودها بأدلة مباشرة ، و لكنننا إذ نعترف بنشوء الإنسان من مملكة الحيوان، لا بدّ لنا أن نفترض و نقبل هذه الحالة الانتقالية.



2-الطور المتوسط: يبدأ باستعمال الغذاء السمكي ( و في عداده نصنف كذلك السراطين و الرخويات و سائر الحيوانات المائية) و باستعمال النار. و هذا و ذاك مترابطان، لأن الغذاء السمكي لا يصبح صالحاً تماماً للاستهلاك إلا بفضل النار. و لكن البشر أصبحوا ، بفضل هذا الغذاء الجيد، مستقلين عن المناخ و المكان، و بالسير مع تيار الأنهر و على سواحل البحار كان في وسعهم أن ينتشروا حتى في الحالة الوحشية على القسم الأكبر من سطح الأرض. فإن الأدوات الحجرية غير المصقولة، المشغولة بفظاظة، من العصر الحجري الباكر، المسماة بالأدوات الباليوليتية palaioslithos (أدوات العصر الحجري القديم) و التي تعود بكليتها أو بأغلبها إلى هذه المرحلة، منتشرة في جميع القارات، و هي دليل بليغ على هذه التنقلات. إن الإقامة في أماكن جيدة، و السعي النشيط الدائم إلى البحث و التفتيش، بالإضافة إلى امتلاك النار عن طريق الحك، كل هذا أوجد وسائل جديدة للتغذية، هي الجذريات و الدرنيات التي تحتوي على النشاء، و المشوية في الرماد الحار أو في الأفران المحفورة في الأرض، و كذلك الطريدة التي أصبحت ، بفضل اختراع الأسلحة الأولى، الهراوات و الرماح، غذاء إضافياً يمكن الحصول عليه حسب الصدف، بين الفينة و الفينة. و لم توجد قط شعوب صيادة بوجه الحصر، كما توصف في الكتب ، أي شعوب تعيش من الصيد فقط, فلم يكن من الممكن أو يكاد التعويل على حاصل الصيد لأجل العيش. و نظراً لاستحالة تأمين موارد دائمة للتغذي، ظهر في هذا الطور، أغلب الظن، أكل البشر، و استمر مذ ذاك زمناً طويلاً. و أن الأوستراليين و كثيرين من البولينيزيين لا يزالون اليوم أيضاً في هذا الطور المتوسط من الوحشية.



3-الطور الأعلى: يبدأ مع اختراع القوس و السهم، اللذين بفضلهما غدت الطريدة طعاماً دائماً، و الصيد أحد فروع العمل العادية. و أخذ القوس و الوتر و السهم تشكل الآن أداة معقدة جداً يفترض اختراعها خبرة مكدسة زمناً طويلاً كفاءات فكرية أكثر تطوراً، و تفترض بالتالي الإطلاع في الوقت نفسه على كثرة من الاختراعات الأخرى. و عندما نقارن بين الشعوب التي صارت تعرف القوس و السهم، و لكنه لم تعرف بعد الفن الفخاري ( و يعتبره مورغان بداية الانتقال إلى البربرية)، نجد بالفعل بعض العلائم الأولى للسكن في القرى، و درجة معينة لامتلاك ناصية إنتاج وسائل العيش: الآنية و اللوازم المنزلية الخشبية، و الحياكة اليدوية (بدون أداة حياكة) من ألياف الشجر، و السلال من الألياف اللبية أو من القصب، و الأدوات الحجرية المصقولة (النيوليتية- من العصر الحجري الحديث neoslithos). كذلك أخذت النار و الفأس الحجرية تتيحان عادة صنع الزوارق من شجرات كاملة ، كما أخذتا تتيحان في بعض الأنحاء أعداد جذوع مشذبة و ألواح لأجل بناء المساكن. و نحن نجد جميع هذه المنجزات، مثلاً، عند الهنود الحمر في شمال غربي أميركا الذين كانوا يعرفون القوس و السهم و لكنهم كانوا يجهلون صنع الفخار. إن القوس و السهم قد كانا بالنسبة لعهد الوحشية نفس ما أصبحه السيف الحديدي بالنسبة لعهد البربرية، و السلاح الناري بالنسبة لعهد الحضارة، أي السلاح الحاسم.



2-البربرية


1-الطور الأدنى: يبدأ مع ظهور الفن الفخاري. و في الوسع تقديم البرهان على أنه مدين بظهوره، في كثير من الحالات، و أغلب الظن، في كل مكان، لطلي الآنية المجدولة أو الخشبية بالطين بغية جعلها قابلة لمقاومة الحرارة. و سرعان ما وجدوا أن الطين المقولب يؤدي الغرض نفسه دون حاجة إلى إناء داخلي.



حتى الآن، استطعنا أن ننظر في سير التطور بوصفه سيراً ذا طابع شامل تماماً، ساري المفعول في مرحلة معينة بالنسبة لجميع الشعوب، بصرف النظر عن مكان إقامتها. و لكننا مع حلول عهد البربرية، وصلنا إلى درجة يكتسب فيها الفرق بين الأحوال الطبيعية في القارتين الكبيرتين شأنا و وزناً. و في مرحلة البربرية يشكل تدجين الحيوانات و تربيتها و تربية النباتات عنصراً مميزاً موصوفاً. و كانت القارة الشرقية، أي ما يسمى بالعالم القديم، تملك تقريباً جميع الحيوانات التي يمكن تدجينها و جميع أصناف الحبوب الصالحة للتربية باستثناء صنف واحد، أما القارة الغربية، أي أميركا، فكانت تملك من بين جميع الحيوانات الثديية القابلة للتدجين، اللاما فقط، و في قسم واحد فقط من الجنوب، و من بين جميع الحبوب الزراعية، صنفاً واحداً فقط و لكنه أفضلها هو الذرة. و بسبب من هذا الفرق في الأحوال الطبيعية، أخذ سكان كل من نصفي الكرة الأرضية يتطورون مذ ذاك بسبيلهم الخاص، و أخذت علامات الحدود بين مختلف درجات التطور تختلف في نصف من الكرة الأرضية عما في نصفها الآخر.



2-الطور المتوسط: يبدأ في الشرق بتدجين الحيوانات البيتية، و في الغرب بتربية النباتات الصالحة للأكل بواسطة الري و باستعمال "الآدوب" (الآجر الطري المجفف في الشمس) و الحجارة لأجل البناء.



و نبدأ بالغرب لأن الناس هنا لم يتجاوزوا هذه الدرجة في أي مكان قبل استيلاء الأوروبيين على أميركا.



فإن الهنود الحمر الذين كانوا في الطور الأدنى من البربرية ( و إليهم ينتسب جميع من كانوا يعيشون شرقي نهر الميسيسيبي)، كانوا يعرفون، قبيل زمن اكتشافهم ، وسيلة لتربية الذرة في المباقل، و كذلك، أغلب الظن، لتربية القرع و الشمام و غيرهما من النباتات البقلية التي كانت تشكل جزءاً كبيراً جداً من غذائهم، و كانوا يعيشون في بيوت خشبية و في قرى مسيجة بالأوتاد. و كانت القبائل الشمالية الغربية و لا سيما منها الساكنة في حوض نهر كولومبيا، لا تزال بعد في الطور الأدنى من الوحشية و لم تكن تعرف لا الفن الفخاري و لا أي طريقة لتربية النباتات. أما الهنود الحمر، الذين ينتسبون إلى ما يسمى البويبلو في المكسيك الجديدة (13)، و المكسيكيون و سكان أميركا الوسطى و سكان البيرو، فقد كانوا، على العكس، قبيل زمن فتح أميركا، في الدرجة المتوسطة من البربرية: كانوا يعيشون في بيوت من "الآدوب" أو الحجارة تشبه الحصون، و يربون في أحواض مروية الذرة و نباتات أخرى صالحة للأكل، تختلف حسب اختلاف المكان و المناخ، و تشكل موارد غذائهم الرئيسية، بل إنهم كانوا قد دجنوا بعض الحيوانات: فالمكسيكيون دجنوا الديوك الهندية و غيرها من الطيور، و سكان البيرو اللاما. و فضلاً عن ذلك كانوا يعرفون معالجة المعادن، باستثناء الحديد، و لهذا كانوا لا يزالون غير قادرين على الاستغناء عن الأسلحة و الأدوات الحجرية. و جاء الفتح الإسباني يقطع حبل تطورهم المستقل.



أما في الشرق، فقد بدأ الطور المتوسط من البربرية بتدجين الحيوانات التي تعطي الحليب و اللحم، في حين أن تربية النباتات ظلت هنا، على ما يبدو، زمناً طويلاً جداً غير معروفة في سياق هذه المرحلة. و يبدو أن تدجين الماشية و تربيتها و تشكيل قطعان كبيرة منها كانت سبب تميز الآريين و الساميين عن سواد البرابرة. ثم أن أسماء الحيوانات البيتية كانت مشتركة عامة عند الآريين الأوروبيين و الآسيويين، أما النباتات الزراعية فلم تكن لها أسماء مشتركة تقريباً.



أدى تشكيل القطعان إلى حياة الرعي في الأماكن الصالحة لهذا الغرض: عند الساميين في السهوب المعشبة عل طول نهري الفرات و دجلة ، و عند الآريين في الأودية المعشبة في الهند و كذلك على طول أنهر جيحون و سيحون و الدون و الدنيبر. و يبدو أن تدجين الحيوانات قد تحقق للمرة الأولى على حدود مثل هذه المناطق الصالحة للرعي . و لذا خيل للأجيال اللاحقة أن شعوب الرعاة نشأت في أنحاء لم يكن من الممكن بالفعل أن تكون مهد البشرية، و ليس هذا وحسب، بل كانت على العكس غير صالحة تقريباً للعيش بالنسبة لأجدادها المتوحشين و حتى بالنسبة للناس الذين بلغوا الطور الأدنى من البربرية. و لكن الحال بالعكس. فإن هؤلاء البرابرة الذين بلغوا الطور المتوسط، بعد أن اعتادوا حياة الرعي، لم يكن من الممكن إطلاقاً أن يخطر في بالهم العودة بملء اختيارهم من الأودية النهرية المعشبة إلى المناطق الغابية التي كان يسكنها أجدادهم. و حتى عندما أقصي الساميون و الآريون إلى أبعد باتجاه الشمال و الغرب، لم يكن بوسعهم بلوغ الأنحاء الغابية في أوروبا و في آسيا الغربية قبل أن توفر لهم تربية الحبوب إمكانية إطعام ماشيتهم، و لا سيما في الشتاء، في هذه التربة التي هي أقل ملاءمة. و من المؤكد تقريبا أن تربية الحبوب إنما استدعتها هنا قبل كل شيء الحاجة إلى أعلاف من أجل الماشية و لم تصبح مصدراً هاماً لغذاء الناس إلا فيما بعد.



و إلى غذاء الآريين و الساميين الوفير من اللحم و لألبان، و لا سيما إلى تأثيره الملائم في نمو الأطفال، يجب، أغلب الظن، أن نعيد نمو هذين العرقين بمزيد من النجاح. فإننا نجد بالفعل أن الدماغ عند الهنود الحمر البويبلو في المكسيك الجديدة المضطرين إل الاغتذاء بالمأكولات النباتية وحدها تقريباً هو أقل مما عند الهنود الحمر الذين بلغوا الطور الأدنى من البربرية و الذين يقتاتون أكثر ما يقتاتون باللحم و السمك. و على كل حال، يزول تدريجياً أكل البشر في الطور الثاني من البربرية و لا يبقى إلا بوصفه طقساً دينياً أو بوصفه طقساً سحرياً – و الأمران سيان تقريباً هنا.



3-الطور الأعلى، يبدأ بصهر فلز الحديد و ينتقل إل عهد الحضارة نتيجة لاختراع الكتابة الحرفية و لاستعمالها لأجل تسجيل الإبداع الكلامي. إن هذا الطور الذي لم يجر بصورة مستقلة إلا في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، كما قيل أعلاه، هو أغنى بالنجاحات في ميدان الإنتاج من جميع الأطوار السابقة مأخوذة معاً. و إليه ينتسب اليونانيون من العهد البطولي، و القبائل الإيطالية من قبل تأسيس روما بفترة قصيرة، و جرمان تاقيطس، و النورمنديون من زمن الفيكينغ.



و قبل كل شيء، نجد هنا للمرة الأولى المحراث ذا السكة الحديدية و الماشية البيتية كقوة للجر ، و بفضل هذا، أصبح من الممكن ممارسة الأعمال الزراعية على نطاق كبير، أصبح من الممكن حراثة الحقول، و غدا من الممكن في الوقت نفسه زيادة الاحتياطيات من المؤن الغذائية زيادة غير محدودة عملياً في أحوال ذلك الزمن، ثم استئصال الغابات و تحويلها إلى أراض محروثة و مروج ، الأمر الذي كان يستحيل القيام به على مدى واسع بدون الفأس الحديدية و الرفش الحديدي. و في الوقت نفسه ، أخذ عدد السكان كذلك ينمو بسرعة ، و يزداد كثافة في مساحات غير كبيرة. و قبل ظهور حراثة الحقول، كان لا بد أن تتجمع ظروف استثنائية تماماً لكي يستطيع نصف مليون من الناس أن يتحدوا تحت قيادة مركزية واحدة، إلا أن هذا، أعلب الظن، لم يحدث البتة.



إن ذروة ازدهار الطور الأعلى من البربرية تتكشف أمامنا في قصائد هوميروس، و لا سيما في "الإلياذة". الأدوات الحديدية المتقنة و منفاخ الحدادة، و الطاحونة اليدوية، و دولاب الفاخوري، و صنع الزيت و النبيذ، و شغل المعادن المتطور و بسبيل التحول إلى حرفة فنية، العربة البضاعية و العربة القتالية، و بناء السقف من الجذوع و الألواح الخشبية ، و بداية المعمار بوصفه فناً، و المدن المحاطة بأسوار مسننة و أبراج، و الملحمة الهوميرية، و الميثولوجيا كلها، ذلك هو التراث الرئيسي الذي نقله اليونانيون من البربرية إلى الحضارة. و إذا أجرينا مقارنة بين هذا و بين الوصف الذي أعطاه قيصر و حتى تاقيطس عن الجرمان (14) الذين كانوا في بداية طور الثقافة الذي كان يستعد اليونانيون الهوميريون للانتقال منه إلى درجة أعلى، لرأينا أي غنى من المنجزات في حقل تطور الإنتاج يشمله الطور الأعلى من البربرية.



إن اللوحة التي رسمتها هنا، استناداً إلى مورغان، عن تطور البشرية عبر عهد الوحشية و عهد البربرية إلى منابع الحضارة، غنية كفاية بخطوط جديدة ناهيك بأنه لا جدال فيها، لأنها مأخوذة مباشرة من الإنتاج. و مع ذلك تبدو هذه اللوحة شاحبة و حقيرة بالقياس إلى اللوحة التي تتكشف أمام أنظارنا في آخر مطافنا، و عند ذلك فقط سيكون بالمستطاع توضيح الانتقال من البربرية إلى الحضارة و التضاد المدهش بينهما توضيحاً تاماً. أما الآن، ففي وسعنا أن نعمم كما يلي تقسيم مورغان للمراحل: الوحشية، المرحلة التي يهيمن فيها امتلاك المنتوجات الطبيعية الجاهزة، المنتوجات التي يصنعها الإنسان تشكل أساساً أدوات تساعد في هذا الامتلاك. البربرية، مرحلة بداية تربية الماشية و الزراعة، مرحلة تحصيل الطرائق لزيادة إنتاج المنتوجات الطبيعية بفضل النشاط البشري. الحضارة مرحلة استمر فيها تعلم معالجة المنتوجات الطبيعية، مرحلة الصناعة بالذات و مرحلة الفن.







الهوامش:


(12)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(13)البويبلو، اسم مجموعة من قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية كان تعيش في أراضي المكسيك الجديدة (حالياً المنطقة الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة الأميركية و المنطقة الشمالية من المكسيك) و كانت تجمع بينها وحدة التاريخ و الحضارة. هذا الاسم، المشتق من الكلمة الإسبانية pueblo (شعب، قوم، مشاعة)، أطلقه عليهم الفاتحون الإسبان نظراً للطابع الخاص لمقاماتهم التي كانت عبارة عن بيوت –قلاع مشاعية كبيرة يبلغ ارتفاعها في حدود ارتفاع بيت من 5 أو 6 طوابق و يسكنها عدد من الناس في حدود ألف شخص، كذلك أطلق هذا الاسم على مقامات هذه القبائل.



(14)يقصد إنجلس كتاب غايوس يوليوس قيصر "مذكرات عن حرب الغال" و كتاب بوبليوس كورنيليوس تاقيطس "جرمانيا".


2 ـ العائلة

إن مورغان الذي أمضى القسم الأكبر من حياته بين الإيروكوا الذين لا يزالون يعيشون اليوم في ولاية نيويورك، و الذي تبنته إحدى قبائلهم (قبيلة سينيكا)، قد اكتشف عندهم نظاماً للقرابة يتناقض مع علاقاتهم العائلية الفعلية. فقد كان يسود عندهم ذلك الزواج الأحادي، الذي يسهل على كل من الطرفين المعنيين حله، و الذي يسميه مورغان "العائلة الثنائية". و لهذا كانت ذرية هذين الزوجين معروفة و معترف بها من الجميع: فلم يكن من الممكن أن يقوم أي شك فيما يتعلق بالأشخاص الذين ينبغي إطلاق أسماء الأب و الأم و الابن و الابن و الأخ و الأخت عليهم. و لكن استعمال هذه التعابير في الواقع يناقض هذا الأمر. فإن الإيروكوي لا يسمي أولاده بالذات و حسب بأبنائه و بناته، بل أيضاً أولاد أخوته، و هؤلاء يسمونه بوالدهم. أما أولاد أخواته، فيسميهم بأبناء و بنات أخواته، و هؤلاء يسمونه بخالهم. و على العكس تسمي الإيروكوية أولاد أخواتها، مثل أولادها بالذات، بأبنائها و بناتها، و أولاد أخواتها يسمونها بأمهم. أما أولاد أخوتها، فتسميهم بأبناء و بنات أخوتها، و تسمى هي عمة. و أولاد الأخوة يسمون بعضهم بعضاً بالأخوة و الأخوات، شأنهم شأن أولاد الأخوات. و على العكس، يسمي أولاد المرأة و أولاد أخيها بعضهم بعضاً " بالأخوة و الأخوات من المرتبة الثانية" (أي بأبناء و بنات الخال و العمة) و ليست هذه مجرد أسماء لا معنى لها و لا أهمية، بل تعابير عن النظرات القائمة فعلاً إلى القرابة و البعد، و إلى المساواة وعدم المساواة في قرابة الدم، و هذه النظرات تشكل أساس نظام للقرابة موضوع بصورة كاملة، و بوسعه أن يعكس بضع مئات من مختلف علاقات القربى لدى فرد واحد. و فضلاً عن ذلك، لا يسري مفعول هذا النظام كلياً عند جميع الهنود الحمر الأميركيين و حسب ( و حتى الآن لم يظهر أي استثناء له) بل يسود أيضاً بدون تغيير تقريباً عند أقدم سكان الهند، أي عند قبائل ديكان الدرافيدية و قبائل غاوورا في هندوستان. إن أسماء القرابة عند قبائل تاميل في الهند الجنوبية و عند الإيروكوا من قبيلة سينيكا في ولاية نيويورك لا تزال حتى الآن متماثلة فيما يتعلق بأكثر من مائيتين من مختلف علاقات القرابة. و علاقات القرابة ، الناجمة من شكل العائلة القائم ، تناقض كذلك نظام القرابة سواء عند هذه القبائل الهندية أم عند جميع الهند الحمر الأميركيين.



فكيف نفسر هذا؟ نظراً للدور الحاسم الذي تضطلع به القرابة في النظام الاجتماعي عند جميع الشعوب المتوحشة و البربرية، لا يمكن بمجرد الجمل إزالة أهمية هذا النظام المنتشر هذا الانتشار الواسع. و أن نظاماً يسود في كل مكان من أميركا و يوجد كذلك في آسيا عند شعوب من عرق آخر تماماً، و يقوم بكثرة بأشكال معدلة إلى هذا الحد أو ذاك في كل مكان من إفريقيا و أوستراليا، إن نظاماً كهذا يتطلب تفسيراً تاريخياً، و لا يمكن التهرب منه بالكلمات، كما حاول أن يفعل ذلك، مثلاً، ماك-لينان (15). إن أسماء الأب و الولد و الأخ و الأخت، ليست مجرد ألقاب فخرية، بل تستتبع واجبات متبادلة محددة تماماً، و جدية جداً، يشكل مجموعها قسماً جوهرياً من النظام الاجتماعي عند هذه الشعوب. و قد وجد التفسير. ففي جزر السندويتش (هاواي)، كان لا يزال يوجد في النصف الأول من القرن الحالي، القرن التاسع عشر، شكل للعائلة يقوم فيه آباء و أمهات و أخوة و أخوات و أبناء و بنات و أخوال و خالات و أعمام و عمات و أبناء و بنات أخ أو أخت كالذين يقتضيهم نظام القرابة في أميركا و في الهند القديمة. و لكن، يا للغرابة! فإن نظام القرابة الساري المفعول في جزر هاواي لم يكن يتطابق هو أيضاً مع شكل العائلة الموجودة هناك فعلاً. فالواقع أن جميع أولاد الأخوة و الأخوات بلا استثناء يعتبرون هناك أخوة و أخوات و أولاد مشتركين لا لأمهم و أخواتها و حسب أو لوالدهم و أخوته، بل أيضاً لجميع أخوة و أخوات والديهم بلا تمييز. و لذا، إذا كان نظام القرابة الأميركي يفترض شكلاً للعائلة أكثر بدائية لم يعد له وجود في أميركا و لا نزال نجده بالفعل في جزر هاواي، فإن نظام القرابة الهاوايي يشير، من جهة أخرى، إلى شكل للعائلة أقدم عهداً من ذاك، لم يعد بإمكاننا في الوقت الحاضر، و الحق يقال، أن نجده في أي مكان، و لكنه كان من كل بد موجوداً و إلا لما كان من الممكن أن ينشأ نظام القرابة المناسب.



يقول مورغان:



"إن العائلة عنصر نشيط، فعال. فهي لا تبقى أبداً كما هي عليه بدون أي تغيير، بل تنتقل من شكل أدنى إلى شكل أعلى بقدر ما يتطور المجتمع من درجة دنيا إلى درجة عليا. أما أنظمة القرابة، فهي ، على العكس، خاملة، غير نشيطة. و هي لا تسجل، إلا بعد مرور حقبات طويلة من الزمن، ذلك التقدم الذي تحققه العائلة في خلال هذه الحقبات، و لا تطرأ عليها أي تغيرات جذرية إلا عندما تكون العائلة قد تغيرت بصورة جذرية" (16).



و يضيف ماركس قائلاً:



"كذلك هي الحال بالضبط فيما يتعلق بالأنظمة السياسية و الحقوقية و الدينية الفلسفية على العموم"(17).



فبينا العائلة تواصل تطورها، يتحجر نظام القرابة، و بينا هذا الأخير يظل قائماً بحكم العادة، تتجاوز العائلة حدوده. و لكن بنفس اليقين الذي استطاع كوفيه أن يستنتج به من عظام جرابية الشكل لهيكل حيوان وجدها في ضواحي باريس بأن هذا الهيكل هو هيكل حيوان جرابي و بأنه كانت تعيش هناك فيما مضى حيوانات جرابية انقرضت بعد ذاك،بنفس هذا اليقين نستطيع نحن أن نستنتج من نظام القرابة الذي وصل إلينا عبر التاريخ، أنه كان يوجد شكل للعائلة زال اليوم من الوجود و كان مناسباً له.



إن أنظمة القرابة و أشكال العائلة ، التي ذكرناها آنفاً، تختلف عن الأنظمة و الأشكال السائدة حالاً بوجود عدة آباء و أمهات للولد الواحد. فبموجب نظام القرابة الأميركي الذي تناسبه العائلة الهاوايية، لا يمكن للأخ و الأخت أن يكونا والد و أم الولد نفسه. و لكن نظام القرابة الهاوايي يفترض عائلة كان فيها ذلك، بالعكس، هو القاعدة. و هنا نواجه جملة من أشكال العائلة تناقض مباشرة الأشكال التي كانت تعتبر عادة حتى الآن الأشكال الوحيدة. إن المفهوم التقليدي لا يعرف غير الزواج الأحادي، إلى جانبه تعدد زوجات الرجل، و بالإضافة إليه عند اللزوم، تعدد أزواج المرأة، و لكنه، فضلاً عن ذلك، يلزم الصمت، كما يليق بالتافه الضيق الأفق الواعظ، حول أن الممارسة تتعدى الحدود التي يرسمها المجتمع الرسمي، و تتعداها خلسة، و لكن بدون تكلف. و على العكس، تبين لنا دراسة التاريخ البدائي ظروفاً يعيش فيها الرجال في حالة تعدد الزوجات و تعيش فيها زوجاتهن في الوقت نفسه في حالة تعدد الأزواج، و يعتبر فيها، لهذا السبب، أولاد هؤلاء و أولئك أولاداً مشتركين لهم جميعهم، ظروفاً طرأت عليها بدورها سلسلة كاملة من التغيرات قبل أن تندمج نهائياً في الزواج الأحادي. و هذه التغيرات هي على نحو بحيث أن الحلقة التي تشملها عرى الزواج المشتركة، و التي كانت في البدء واسعة جداً، أخذت تتقلص أكثر فأكثر إلى حد أنه لم يبق، في آخر المطاف، غير الزوج المتميز الذي يهيمن في الوقت الحاضر.



إن مورغان، و قد بعث على هذا النحو تاريخ العائلة بتسلسل معكوس، يخلص إلى القول، بالاتفاق مع غالبية زملائه، بأنه كان يوجد وضع بدائي كانت فيه العلاقات الجنسية غير المحدودة تسود داخل القبيلة بحيث إن كل امرأة كانت تخص كل رجل و بحيث إن كل رجل كان يخص كل امرأة. و منذ القرن الماضي، أخذوا يتحدثون عن هذا الوضع البدائي، و لكنهم كانوا يكتفون بالجمل و التعابير العامة، إلا أن باهوفن وحده- و هنا تقوم إحدى مآثره الكبيرة- نظر إلى هذه المسألة نظرة جدية و شرع يبحث عن آثار هذا الوضع في الحكايات التاريخية و الدينية (18). و نحن نعرف الآن أن هذه الآثار التي وجدها لا تعود بنا البتة إلى طور اجتماعي من علاقات جنسية غير منظمة، بل إلى شكل ظهر بعد ذلك بوقت كبير، إلى الزواج الجماعي. أما الطور الاجتماعي البدائي المنوه به هنا، هذا إذا كان قد وجد فعلاً، فإنه يعود إلى عهد بعيد عنا إلى حد أنه يستحيل علينا تقريباً أن تأمل بأننا سنجد بين الدفائن الاجتماعية، و بين المتوحشين المتخلفين، براهين مباشرة على وجوده فيما مضى. و مأثرة باهوفن تتلخص على وجه الضبط في كونه طرح بحث هذه المسألة في المرتبة الأولى*[1]
و في الآونة الأخيرة، أصبح من الدارج إنكار هذا الأطوار الأولية من حياة الناس الجنسية. فالمقصود إنقاذ البشرية من هذا "العار". و لهذا الغرض، لا يستشهدون بعدم وجود أي برهان مباشر و حسب، بل يركزون أيضاً بوجه خاص على مثال بقية العالم الحيواني، و في هذا الميدان، جمع ليتورنو ("تطور الزواج و العائلة"، 1888) (19) وقائع كثيرة تبين أن العلاقات الجنسية غير المنظمة إطلاقاً تلازم، هنا أيضاً ، درجة دنيا من التطور. و لكن كل ما أستطيع استخلاصه من هذه الوقائع، هو أنها لا تثبت أي شيء على الإطلاق فيما يخص الإنسان و ظروف حياته البدائية. فإن المساكنة الزوجية الطويلة الأمد عند الفقاريات تفسرها بصورة كافية الأسباب الفيزيولوجية: فعند الطيور ، مثلاً، تفسرها حاجة الأنثى إلى المساعدة و الحماية في مرحلة حضانة البيض و الأفراخ، و أن أمثلة على متانة أحادية الزواج عند الطيور لا تثبت شيئاً فيا يتعلق بالناس لأن الناس لا يتحدرون من الطيور. و إذا كانت أحادية الزواج الصرف ذروة كل فضيلة، فإن قصب السبق في هذا لمجال يعود عن حق و استحقاق إلى الدودة الشريطية التي يوجد في كل من عقدها أو مفاصلها الـ 50 إلى 200، جهاز تناسلي كامل للذكر و الأنثى، و التي تقضي حياتها كلها في مضاجعة نفسها بنفسها في كل من عقدها هذه. أما إذا اقتصرنا على الضرعيات، فإننا نجد عندها جميع أشكال الحياة الجنسية: العلاقات غير المنظمة، و أشكالاً مماثلة للزواج الجماعي، و تعدد الزوجات، و الزواج الأحادي، و لا ينقص غير تعدد الأزواج، الذي لم يستطع أن يبلغه غير البشر. و حتى عند أقرب أقربائنا القرود، يظهر تجمع الذكور و الإناث بجميع الأشكال الممكنة، و إذا أخذنا نطاقاً أضيق، و إذا لم نأخذ بالحسبان غير الأنواع الأربعة من القرود الشبيهة بالإنسان، فإن كل ما يستطيع ليتورنو أن يقوله لنا في هذا الصدد، هو أننا نجد عندها أحادية الزواج تارة و طوراً تعدد الزوجات ، في حين أن سوسور يؤكد، بالاستناد إلى جيرو-طولون، أنها أحادية الزواج. ثم أن تأكيدات فسترمارك الحديثة ("تاريخ الزواج البشري"، لندن، 1891)(20) حول أحادية الزواج (21) عند القرود الشبيهة بالإنسان هي أيضاً أبعد من أن تشكل برهاناً و بكلمة ، إن المعطيات المتوفرة لعلى نحو بحيث أن الفاضل و النزيه ليتورنو يعترف بأنه:
"لا توجد أبداً، مع ذلك، عند الضرعيات، مطابقة دقيقة بين درجة التطور العقلي و شكل العلاقات الجنسية"(22).



أما إيسبيناس ("في المجتمعات الحيوانية"، 1877) فيقول صراحة:



"القطيع هو أعلى جماعة اجتماعية يمكننا أن نراقبها عند الحيوانات. و هي تتألف ، على ما يبدو، من عائلات، و لكن العائلة و القطيع في تناحر منذ بادئ بدء، و كل منهما يتطور باتجاه معاكس لتطور الآخر"(23).



و هكذا، كما يتبين مما قيل أعلاه، نحن لا نعرف تقريباً أي شيء دقيق عن الجماعات العائلية و غيرها من المجموعات العائشة معاً من القرود الشبيهة بالإنسان، و المعطيات المتوافرة يناقض بعضها بعضاً تماماً. و لا غرابة. فما أشد التناقض حتى بين المعطيات المتوافرة لنا عن القبائل البشرية في طور الوحشية و ما أكثر ما تحتاج إلى التحليل و الدراسة و الغربلة بعين نقادة! و الحال، أن مراقبة مجتمعات القرود أصعب بكثير من مراقبة المجتمعات البشرية. و لذا ينبغي لنا أن ننبذ كل استنتاج مستخلص من هذه المعطيات المشكوك فيها إطلاقاً ، طالما لم نحصل على معطيات أوضح و أوسع.



أما فكرة إيسبيناس التي استشهدنا بها آنفاً، فإنها، على العكس، تعطينا نقطة ارتكاز أمتن. فإن القطيع و العائلة عند الحيوانات العليا لا يكملان بعضهما بعضاً، بل يناقض بعضهما بعضاً. و يبين إيسبيناس جيداً جداً كيف تضعف غيرة الذكور، أثناء فترة الهيجان، لحمة القطيع أو تقضي عليها مؤقتاً. "حيث العائلة و ثيقة اللحمة، لا يتشكل القطيع إلا بصورة استثنائية جداً. و لكن القطيع يتشكل ، على العكس، من تلقاء نفسه تقريباً حيث تسود إما المجامعة الجنسية الحرة و إما تعدد الأزواج... و لكي يتشكل القطيع، كان لا بد أن تضعف الروابط العائلية و أن يستعيد الفرد حريته. و لهذا نادراً جداً ما نرى أسراباً منظمة عند الطيور ... أما عند الضرعيات، فإننا نجد ، على العكس، مجتمعات منظمة إلى درجة ما، و ذلك على وجه الضبط لأن الفرد هنا لا تبتلعه العائلة ... و لهذا لا يمكن أن يجابه الشعور بجماعية القطيع لدن نشوئه عدواً أكبر من الشعور بجماعية العائلة. و نقول صراحة: إذا كان قد قام و تطور شكل اجتماعي أعلى من العائلة، فإن ذلك لم يحدث إلا لأن هذا الشكل قد أذاب في داخله العائلات التي طرأت عليها تغيرات جذرية، مع العلم أنه ليس من المستبعد أن يكون ذلك على وجه الضبط ما أتاح فيما بعد للعائلات أن تتشكل من جديد في ظروف أكثر ملائمة إلى ما لا حد له". (إيسبيناس. المرجع المذكور. فقرة أوردها جيرو –طولون في مؤلفه "أصل الزواج و العائلة"، عام 1884).



و من هنا نرى أن للمجتمعات الحيوانية قيمة ما بالنسبة للاستنتاجات التي يجب استخلاصها منها بصدد المجتمعات البشرية، و لكن هذه القيمة سلبية فقط. فعند الفقاريات العليا، حسبما نعرف، لا يوجد غير شكلين من العائلة: تعدد الزوجات، و المعايشة أزواجاً منفردة، و كل من الشكلين لا يجيز سوى ذكر راشد واحد، سوى زوج واحد. إن غيرة الذكر التي تشد عرى العائلة الحيوانية و تحدها في آن واحد تجعل العائلة مضادة للقطيع. و إذا القطيع، هو شكل أعلى للمعاشرة، يزول أحياناً بسبب هذه الغيرة و أحياناً يفقد لحمته أو ينحل أثناء فترة اليهجان، أو يتوقف تطوره، في أفضل الأحوال. و هذا وحده يكفي لتقديم البرهان على أن العائلة الحيوانية و المجتمع البشري البدائي شيئان لا يتفقان، و أن الناس البدائيين الذين تخلصوا من الحالة الحيوانية (بفضل العمل)، إما أنهم لم يعرفوا العائلة على الإطلاق و إما أنهم، في أفضل الأحوال، عرفوا عائلة غير موجودة عند الحيوانات. فإن الحيوان غير المسلح، كما كان عليه الإنسان بسبيل التكون، كان بوسعه ، أغلب الظن، أن يبقى بعدد غير كبير حتى في حالة العزلة التي كان أعلى شكل للمعاشرة فيها هو شكل المعايشة أزواجاً كالذي تعيش فيه ، على حد قول فسترمارك بالاستناد إلى حكايات لصيادين، قرود الغوريللا و الشمبانزي. و لكن لأجل الخروج في سياق التطور من الحالة الحيوانية لأجل تحقيق التقدم الأكبر الذي تعرفه الطبيعة، كان لا بد من عنصر آخر: كان ينبغي إحلال قوة القطيع الموحدة و أعماله الجماعية محل نقص قدرة الفرد على الدفاع. و أنه ليستحيل إعطاء تفسير للانتقال من هذه الظروف التي تعيش فيها حالياً القرود الشبيهة بالإنسان إلى الحالة البشرية. فإن هذه القرود تظهر بالأحرى بمظهر خطوط جانبية منحرفة محكوم عليها بالاندثار تدرجياً و بسبيل الانحطاط و الزوال على كل حال. و هذا وحده يكفي للامتناع عن إجراء أي مقارنات بين أشكل العائلة عندها و عند الإنسان البدائي. ذلك أن التساهل المتبادل بين الذكور الراشدين و انعدام الغيرة كانا الشرط الأول لنشوء جماعات أكثر اتساعاً و أطول عمراً لم يكن من الممكن أن يتحقق تحول الحيوان إلى إنسان إلا في وسطها. و بالفعل ، أي شيء نجده بوصفه أقدم و أبكر شكل للعائلة، بوصفه الشكل الذي نقدم الدليل المفحم على وجوده في التاريخ و الذي يمكننا أن ندسه في الوقت الحاضر أيضاً هنا و هناك؟ الزواج جماعات جماعات (الزواج الجماعي) ، شكل الزواج الذي كانت بموجبه جماعات كاملة من الرجال و جماعات كاملة من النساء تخص بعضها بعضاً بصورة متبادلة و الذين كان يترك مجالاً صغيراً جداً للغيرة. و فيما بعد، في درجة لاحقة من التطور، نجد شكلاً استثنائياً كما هو عليه شكل تعدد الأزواج الرجال الذي يناقض، تناقضاً صارخاً، بالتأكيد، كل شعور بالغيرة، و الذي هو بالتالي غير معروف عند الحيوانات. و لكن الأشكال التي نعرفها من الزواج الجماعي تقترن بشروط متشابكة و معقدة إلى حد أنها تشير بالضرورة إلى أشكال للمعاشرة الجنسية أبكر عهداً و أكثر بساطة، و تشير في الوقت نفسه، في آخر المطاف، إلى مرحلة من العلاقات الجنسية غير المنظمة تناسب الانتقال من الحالة الحيوانية إلى الحالة البشرية، و لهذا تعود بنا الاستشهادات بأشكال الزواج عند الحيوانات إلى نفس النقطة التي كان يجب أن تبعدنا عنها مرة واحدة و إلى الأبد.



فماذا يعني تعبير: العلاقات الجنسية غير المنظمة؟ إنه يعني إن القيود المانعة السارية المفعول في زمننا أو في زمن أسبق لم تكن سارية المفعول آنذاك. و قد سبق لنا و رأينا سقوط القيد الذي تشترطه الغيرة. و من الثابت أن الغيرة شعور تطور في مرحلة لاحقة نسبياً. و يمكن قول الشيء نفسه بصدد مفهوم سفاح القربى. فإن الأخ و الأخت كانا في المرحلة البدائية زوجاً و زوجة، و ليس هذا و حسب، بل أن شعوباً كثيرة لا تزال في الوقت الحاضر تجيز العلاقة الجنسية بين الآباء و الأولاد. و يشهد بانكروفت ("العروق الأصلية في ساحل المحيط الهادئ من أميركا الشمالية"، عام 1875، المجلد الأول (24)) على وجود مثل هذه العلاقات عند الكافياك المقيمين عند سواحل مضيق بيرينغ و عند سكان جزيرة كادياك في جوار ألاسكا و عند التينّه المقيمين في القسم الداخلي من أميركا الشمالية البريطانية، و يعطي ليتورنو موجزاً لمثل هذه الوقائع عند الهنود الحمر الشيبيوي و عند الكوكوس في التشيلي، و عند الكاراييب و عند الكارين في شبه جزيرة الهند الصينية، هذا بالإضافة إلى حكايات قدماء اليونانيين و الرومانيين عن البارثيين و الفرس و السقيتيين و الهون و غيرهم. و قبل اكتشاف سفاح القربى (و هذا اكتشاف حقاً و فعلاً، بل هو اكتشاف فائق القيمة) ، لم يكن من المكن أن تثير العلاقة الجنسية بين الآباء و الأولاد نفوراً أكبر من ذاك الذي تثيره العلاقة الجنسية بين أشخاص آخرين ينتمون إلى أجيال مختلفة، و الحال، لا يزال يحدث هذا الآن في أكثر البلدان تفاهة و ابتذالاً دون أن يثير شديد الاشمئزاز، فحتى "الآنسات" العوانس ممن تجاوزن الستين من العمر يتزوجن أحياناً، إذا كن غنيات، من شبان في الثلاثين من العمر. أما إذا طرحنا عن أبكر أشكال العائلة، التي نعرفها، مفاهيم سفاح القربى المقرونة بها – و هي مفاهيم تختلف تماماً عن مفاهيمنا، و تناقضها كلياً أحياناً كثيرة- لوجدنا شكلاً من العلاقات الجنسية لا يمكن نعته إلا بأنه غير منظم. غير منظم، لأن القيود التي فرضها العرف و العادة فيما بعد لم تكن قد ظهرت بعد. و لكنه لا ينجم أبداً من هنا أن التشوش التام في ممارسة هذه العلاقات يومياً كان أمراً محتماً. فإن المعايشة المؤقتة بين بعض الأزواج لم تكن أبداً مستبعدة إذ أن حالاتها غدت الآن أغلبية الحالات حتى في ظل الزواج الجماعي. و إذا كان فسترمارك، و هو أحدث البحاثة الذين ينكرون مثل هذا الوضع البدائي، ينعت بالزواج كل حالة يبقى فيها الجنسان (الرجل و المرأة ) متحدين في مساكنة زوجية حتى ولادة نسل منهما، فإنه ينبغي القول أنه كان من الممكن أن يقوم مثل هذا النوع من الزواج في ظل العلاقات الجنسية غير المنظمة، دون أن يناقض أبداً حالة انعدام التنظيم، أي حالة انعدام القيود التي يفرضها العرف و العادة على العلاقات الجنسية. صحيح أن فسترمارك ينطلق من النظرة القائلة أن:



"انعدام التنظيم يفترض خنق الميول الفردية"، و لذلك "كان البغاء (25) أصح أشكاله".



أما أنا، فيخيل إلي، على العكس، أنه يستحيل فهم الظروف البدائية طالما ينظرون إليها حسب مفهوم بيوت الدعارة. و سنعود إلى هذه المسألة عند دراسة الزواج الجماعي.



الهوامش:


(15)استخدم إنجلس، عند إعداد الطبعة الأولى من مؤلفه، كتابي ماك-لينان التاليين: "Primitive Marriage. An Inquiry into the Origin of the Form of Capture in Marriage Ceremonies" Edinburgh, 1865- "Studies in Ancient History comprising a Re---print--- of "Primitive Marriage. An Inquiry into the Origin of the Form of Capture in Marriage Ceremonies"". London- 1876 و فيما بعد، أخذ إنجلس كذلك بالحسبان، عند إعداد الطبعة الرابعة من كتابه (عام 1891)، الطبعة الجديدة لكتاب ماك- لينان الأخير الصادرة في لندن و نيويورك عام 1886.



(16)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(17)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(18)المقصود هنا كتاب J.J.Bachofen. "Das Mutterrecht.Eine Untersuchung über die Gynaikokratie der alten Welt nach ihrer religiösen und rechtlichen Natur". Stuttgart, 1861. (باهوفن. "حق الأم. بحث في حكم النساء في العالم القديم على أساس طبيعته الدينية و الحقوقية". شتوتغارت، 1861).



(19)Ch. Letourneau. "L évolution du mariage et de la famille". Paris, 1888 (ش. ليتورنو. "تطور الزواج و العائلة". باريس، 1888).



(20)E.Westermarck. "The History of Human Marriage". London and New York 1891. (فستر مارك. "تاريخ الزواج البشري" لندن و نيويورك ، 1891).



(21)رأي سوسور هذا ورد في كتاب. A. Girard- Teulon . "Les origines du mariage et de la famille" Genève, Paris, 1884. (جيرو-تولون. "أصل الزواج و العائلة". جينيف و باريس 1884.



(22)Ch. Letourneau. "L évolution du mariage et de la famille". Paris, 1888 (ش. ليتورنو. "تطور الزواج و العائلة". باريس، 1888).



(23)A.Espinas. "Des sociétés animales". Paris, 1877 ( أ. إيسبيناس. "في المجتمعات الحيوانية" باريس، 1877 ). يستشهد إنجلس بإيسبيناس نقلاً عن الصفحة 518 من كتاب جيرو طولون (الملاحظة رقم 20) الذي ورد فيه مقطع من هذا البحث كملحق.



(24)H.H. Bancroft. "The Native Races of the Pacific States of North America" Vol I-V, New York, 1875. (هـ. هـ. بانكروفت. "العروق الأصلية في ساحل المحيط الهادي من أميركا الشمالية" المجلدات1-5، نيويورك، 1875).



(25)E.Westermarck. "The History of Human Marriage". London and New York 1891. (فستر مارك. "تاريخ الزواج البشري" لندن و نيويورك ، 1891).





--------------------------------------------------------------------------------

[1] لقد بين باهوفن، بتسميته هذا الوضع البدائي بـ "الهيتيرية" أنه قلما فهم ما اكتشفه هو نفسه ، أو بالأصح ، ما حزره. فإن اليونانيين كانوا يقصدون بـ "الهيتيرية" عندما استنبطوا هذا التعبير، العلاقات بين الرجال ، العازبون منهم و العائشون في زواج أحادي، و بين نساء غير متزوجات، إن هذا التعبير يفترض دائماً وجود شكل معين للزواج تقوم خارجه العلاقات المنوه بها، و يفترض وجود البغاء، على الأقل بوصفه أمراً ممكناً. ثم أن هذا التعبير لم يستعمل أبداً بمعنى آخر، و بهذا المعنى أستعمله أنا و يستعمله مورغان. إن باهوفن قد أضفى على اكتشافاته الفائقة الأهمية هالة من الصوفية جعلتها غير معقولة لأنه يتصور بأن مصدر العلاقات التي نشأت بين الرجل و المرأة خلال التاريخ إنما كانته على الدوام تصورات الناس الدينية، و ليس ظروف حياتهم الفعلية.

2/1 عائلة قربى الدم- الطور الأول من العائلة

و إليكم، حسب مورغان، أي تطور طرأ في زمن باكر جداً، حسب كل احتمال، على هذه الحالة البدائية للعلاقات غير المنظمة:





هنا تنقسم الجماعات الزواجية حسب الأجيال: فإن جميع الجدود و الجدات في نطاق العائلة هم أزواج و زوجات فيما بينهم، شأنهم شأن أولادهم، أي الآباء و الأمهات، و على النحو نفسه، يشكل أولاد الأخيرين الحلقة الثالثة من الأزواج المشتركين، و يشكل أولادهم، أي أولاد أحفاد الأولين الحلقة الرابعة. و في هذا الشكل من العائلة، لا تنتفي الحقوق و الواجبات الزوجية المتبادلة (إذا تكلمنا بغلة عصرنا) إلا بين الأسلاف و الأخلاف، بين الآباء و الأولاد. أما الأخوة و الأخوات من الدرجة الأولى و الثانية و الثالثة و ما يليها، فإنهم جميعاً أخوة و أخوات فيما بينهم، و هم لهذا السبب بالذات أزواج و زوجات فيما بينهم. و في هذا الطور من العائلة تشمل علاقة القربى بين الأخ و الأخت العلاقة الجنسية فيما بينهما كشيء بديهي.*[1] ولذا يتألف الشكل المثالي لهذه العائلة من ذرية زوج واحد (رجل و امرأة) يكون الجميع فيها في كل جيل من الأجيال المتعاقبة أخوة و أخوات فيما بينهم، و بالتالي أزواج و زوجات فيما بينهم.



و قد زالت عائلة قربى الدم. و حتى عند أوحش الشعوب التي ذكرها التاريخ، يستحيل إيجاد مثال و احد لا مراء فيه. و لكنه كان لا بد لهذه العائلة أن تكون موجودة، و هذا ما يحملنا على الإقرار به نظام القرابة الهاوايي الذي لا يزال حالياً ساري المفعول في عموم بولينيزيا و الذي يعرب عن درجات من قرابة الدم لا يمكن ان تنشأ إلى في ظل هذا الشكل من العائلة . كذلك يحملنا على الإقرار بذلك كل تطور العائلة اللاحق الذي يفترض وجود هذا الشكل بوصفه درجة أولية لا غنى عنها.
ــــــــــ



(26)رسالة ماركس هذه لم تصل إلينا. و يشير إليها إنجلس في رسالة إلى كاوتسكي بتاريخ 11 نيسان 1884.



(27)المقصود هنا نص الرباعية الأوبيرالية "حلقة نيبيلونغ" التي كتبها الموسيقار فاغنر بنفسه استناداً إلى الملحمة السكاندينافية "إيدا" و الملحمة الألمانية "أغنية نيبيلونغ". راجعوا R. Wagner. "Der Ring des Nibelungen, erster Tag, die Walküre", zweiter Aufzug (ر. فاغنر. "حلقة نيبيلونغ، اليوم الأول، فالكيريا"، الفصل الثاني).



"أغنية نيبيلونغ"- أكبر أثر للملحمة البطولية الشعبية الألمانية، أنشئ على أساس الأساطير و الحكايات الجرمانية القديمة من مرحلة ما يسمى بهجرة الشعوب الكبرى. (من القرن الثالث إلى القرن الخامس). اتخذت هذه القصيدة الملحمية شكلها الذي وصلت به إلينا حوالي عام 1200.



(28)"إيدا" مجموعة من الحكايات و الأغاني البطولية و الميثولوجية للشعوب السكاندينافية. بقيت بصورة محظوظة من القرن الثالث عشر اكتشفها في عام 1643 الأسقف الأسلندي سفينسون ("إيدا الكبرى") و بصورة بحث في شعر السكالد وضعه في مستهل القرن الثالث عشر الشاعر و المؤرخ سنوري ستورلوسون ("إيدا الصغرى"). صورت أغاني "إيدا" حالة المجتمع السكاندينافي في مرحلة تفسخ النظام العشائري و هجرة الشعوب. و هي تتضمن شخصيات و مواضع من إبداع قدماء الجرمان الشعبي.



"أوغيسدريكا"- إحدى لأغاني "إيدا الكبرى"، و هي تعود إلى نصوص للمجموعة مكتوبة في زمن أكثر تأخراً. و هنا يورد إنجلس مقتطفات من المقطعين 32 و 36 من هذه الأغنية.



(29)آس و فان، مجموعتان من الآلهة في الميثولوجيا السكاندينافية.



"ساغا إينغلينغ" – الساغا الأولى (حكاية، أسطورة) – من كتاب عن الملوك النروجيين (منذ غابر الأزمنة حتى القرن الثاني عشر) للشاعر و المؤرخ الأسلندي سنوري ستورلوسون من القرون الوسطى، "Heimskringla" ("الحلقة الأرضية") موضوع في النصف الأول من القرن الثالث عشر على أساس الأخبار التاريخية عن الملوك و النروجيين و الساغات العشيرية الأسلندية و النروجية. و هنا يورد إنجلس مقتطفاً من الفصل الرابع من هذه الساغا.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] أعرب ماركس في رسالة كتبها في ربيع 1882 (26) بأحد التعابير عن رأيه في نص "Nibelungen" ("نيبيلونغ") لفاغنر، الذي يشوه كلياً العصر البدائي. "هل سمع يوماً أن الأخ يعانق أخته كأنها زوجته؟ (27)". و بصدد هذه "الآلهة الشهوانية" الفاغنرية التي تضفي بطريقة عصرية تماماً على مساعيها الغرامية قدراً أكبر من الحرافة و اللذع برشها ببعض من سفاح القربى، لاحظ ماركس قائلاً: في العصر البدائي كانت الأخت زوجة، و كان ذلك أمراً أخلاقياً مشروعاً". (ملاحظة إنجلس لطبعة 1884).


إن واحداً من أصدقاء فاغنر الفرنسيين (بونيه) و من المعجبين به لم يوافق على هذه الملاحظة و أشار إلى أننا نجد في "إيدا الكبرى" التي يستند إليها فاغنر أن لوكي يوجه في "أوغيسدريكا" إلى فريا اللوم التالي: "لقد عانقت أخاك بالذات بحضور الآلهة". فكأنه ينجم من هنا أن الزواج بين الأخ و الأخت كان آنذاك محرماً. و لكن "أوغيسدريكا" تعكس ذلك الزمن الذي كان فيه الإيمان بالأساطير القديمة قد تحطم تماماً، فهي تسخر بالآلهة على طريقة لوقيانوس تماماً. و إذا كان لوكي يوجه هنا، على غرار مفيستو، مثل هذا اللوم إلى فريا، فإن هذا يشكل بالأحرى دليلاً ضد فاغنر. ناهيك بأن لوكي يقول لنيوردر بعد بضعة أبيات: "مع أختك ولدت أنت ابناً (كهذا)" (vidh systur thinni gaztu slikan mög (28)) صحيح أن نيوردر ليس آساً Ase بل فاناً Vane و أنه يقول في "أونغلينغا ساغا" Junglinga Saga أن الزواج بين الأخوة و الأخوات أمر عادي في بلاد الفان Vanaland، بينا لم يكن كذلك عند الآس Ases (29). قد يدل هذا على أن الفان آلهة أقدم من الآس. و على كل حال، يعيش نيوردر بين الآس على قدم المساواة، و لهذا تثبت "أوغيسدريكا" بالأحرى أن الزواج بين الأخوة و الأخوات، عند الآلهة على الأقل، في عهد ظهور الأساطير النروجية عن الآلهة، لم يكن يستثير بعد أي نفر و اشمئزاز. أما إذا كان المقصود تبرير فاغنر، فلعله من الأفضل الاستشهاد بغوته لا بـ "أيدا"، لأن غوته يقترف في قصيدته عن الإله و الراقصة الهندية خطأ مماثلاً فيما يتعلق بواجب المرأة الديني بالاستسلام و المضاجعة في المعابد، و يقرب هذه العادة كثيراً جداً من الدعارة العصرية". (إضافة إنجلس إلى طبعة 1981).


2/2 العائلة البونالوانية

إذا كانت الخطوة التقدمية الأولى في تنظيم العائلة قد تلخصت في تحريم العلاقة الجنسية بين الآباء و الأولاد، فقد تلخصت الخطوة الثانية في تحريم العلاقة الجنسية بين الأخوة و الأخوات. و قد كانت هذه الخطوة، نظراً للقدر الأكبر من المساواة في العمر بين ذوي العلاقة، أهم من الأولى بما لا حد له، و لكنها كانت أيضاً أصعب منها. فهي لم تتحقق دفعة واحدة، بل تدريجياً، بادئة، حسب كل احتمال، من تحريم العلاقة الجنسية بين الأخوة و الأخوات الأخياف (أي من ناحية الأم فقط)، و قد شمل هذا التحريم أولاً حالات منفردة ثم أصبح تدريجياً قاعدة (و في جزر هاواي، كانت لا تزال هناك شواذات على القاعدة في قرننا)، و انتهى بتحريم الزواج حتى في خطوط القربى المنحرفة، أي، حسب تعابيرنا الحالية، بتحريمه بين أولاد و أحفاد و أولاد أحفاد الأخوة و الأخوات. و هذا التقدم كان، برأي مورغان، "مثالاً بيانياً ممتازاً على الطريقة التي يسري بها مفعول مبدأ الاصطفاء الطبيعي" (30).



و لا ريب في أنه كان لا بد للقبائل التي كان فيها سفاح القربى محدوداً بفضل هذه الخطوة أن تتطور بصورة أسرع و أكمل مما تطورت القبائل التي بقي فيها الزواج نين الأخوة و الأخوات قاعدة و واجباً. أما أي تأثير قوي كان لهذه الخطوة، فتثبته المؤسسة التي نجمت عنها مباشرة و التي تجاوزت كثيراً غايتها الأولية، و هي مؤسسة العشيرة التي تشكل أساس النظام الاجتماعي عند أغلبية الشعوب البربرية في الأرض، إن لم يكن عند جميعها، و التي ننتقل منها مباشرة في اليونان و روما إلى عصر الحضارة.



و كان لا بد أن تنقسم كل عائلة بدائية بعد بضعة أجيال لا أكثر. فإن الاقتصاد المنزلي المشترك الشيوعي البدائي الذي ظل سائداً بلا منازع قبل ازدهار الدرجة المتوسطة من البربرية كان يعين أبعاداً قصوى للمشاعة العائلية تتغير تبعاً للظروف، و لكنها ثابتة إلى هذا القدر أو ذاك في كل مرحلة بعينها. و لكن ما إن ظهرت فكرة عدم جواز العلاقة الجنسية بن أولاد أم واحدة حتى اضطلعت بدورها بالضرورة عند انقسام المشاعات المنزلية القديمة و عند تأسيس مشاعات منزلية جديدة (كانت لا تتطابق حتماً مع الجماعة العائلية). فقد كانت مجموعة أو بضع مجموعات من الأدوات تصبح نواة مشاعية واحدة و كان أخوتهن الأخياف يصبحون نواة مشاعية أخرى. و على هذا النحو أو بنحو مماثل، نجم من عائلة قربى الدم شكل للعائلة أسماه مورغان بالشكل البونالواني. و حسب العادة الهاوايية، كان عدد معين من الأخوات هن أخوات من أم واحدة أو على علاقة قربى أبعد (بنات خالات و أخوال و أعمام و عمات من الدرجة الأولى و الثانية، الخ..) زوجات مشتركات لأزواجهن المشتركين، و لكن باستثناء أخوتهن، و لم يعد هؤلاء الرجال يسمون بعضهم بعضاً بالأخوة، فضلاً عن أنه لم يعد من الواجب أن يكونوا أخوة، بل "بونالوا" Punalua و كلمة بونالوا تعني رفيقاً قريباً أو associé *[1] إذا جاز القول. و على النحو ذاته، كانت مجموعة من الأخوة، أخوة من أم واحدة أو على علاقة قربى أبعد، تدخل في زواج مشترك مع عدد معين من النساء و لكن من غير أخواتهم، و كانت هؤلاء النساء يسمين بعضن بعضاً بالبونالوا. هكذا كان الشكل الكلاسيكي للتكوينة العائلة، و هذا الشكل طرأت عليه فيما بعد تغيرات و كان سمته المميزة الرئيسة الشراكة المتبادلة للرجال و النساء داخل حلقة عائلية معينة، و لكن هذه الحلقة لم تكن تشمل أخوة الزوجات، الأخوة الأخياف في البدء، ثم أيضاً الأخوة على درجات أبعد من القربى، و كذلك من الناحية المقابلة أخوات الأزواج.



إن شكل العائلة هذا هو الذي يقدم لنا بكامل الدقة درجات القرابة التي يعبر عنها النظام الأميركي. فإن أولاد أخوات أمي لا يزالون أولادها أيضاً، مثلما كان أولاد أخوة والدي لا يزالون أولاده، و جميعهم أخوتي و أخواتي. و لكن أولاد أخوة مي أصبحوا الآن أبناء و بنات أخوتها، و أولاد أخوات والدي أصبحوا أبناء و بنات أخواته، و جميعهم أصبحوا أخوتي و أخواتي من الدرجة الثانية أي أبناء و بنات أخوالي و عماتي. و بالفعل، بينا أزواج أخوات أمي لا يزالون أزواجها، مثلما زوجات أخوة والدي لا يزلن زوجاته، شرعاً إن لم يكن دائماً فعلاً، أدى تنديد المجتمع بالعلاقة الجنسية بين الأخوة و الأخوات من الدرجة الأولى إلى انقسام أولاد الأخوة و الأخوات إلى قسمين، مع إنهم كانوا قبل ذلك يعتبرون بلا تمييز أخوة وأخوات: فإن بعضهم يبقون فيما بينهم كما من قبل أخوة و أخوات (حتى و إن كانا على درجات أبعد من القرابة)، أما البضع الآخر، أي أولاد الأخ من جهة، و أولاد الأخت من جهة أخرى، فلم يبق بوسعهم أن يكونوا أخوة و أخوات، لم يبق بوسعهم أن يكون لهم آباء مشتركون، لا أب مشترك و لا أم مشتركة لا الأب و الأم معاً، و لهذا تظهر هنا للمرة الأولى الحاجة إلى فئة أبناء بنات الأخ و الأخت، و أبناء و بنات العم و الخال و العمة و الخالة (أو الأخوة و الأخوات من الدرجة الثانية)، أي إلى فئة لم يكن لها أي معنى في ظل النظام العائلي السابق. إن نظام القرابة الأميركي الذي يبدو أخرق تماماً في كل شكل للعائلة يرتكز على هذا النوع أو ذاك من الزواج الأحادي، إنما يجد لنفسه تفسيراً معقولاً و تعليلاً طبيعياً، بما في ذلك أقل تفاصيله، في العائلة البونالوانية. و بقدر ما انتشر نظام القرابة هذا، كان لا بد، على الأقل، أن توجد أيضاً العائلة البونالوانية أو شكل ما للعائلة مماثل.



و من المحتمل أننا كنا حصلنا في عموم بولينيزيا على المعلومات عن شكل العائلة هذا الذي أقيم البرهان على وجوده فعلاً في جزر هاواي، لو استطاع المرسلون الأتقياء مثلهم مثل القسس الإسبانيين الطيبي الذكر في أميركا، أن يروا في هذه العلاقات المناقضة للأخلاق المسيحية شيئاً غير "الرذائل"**[2]. و عندما يحكي لنا قيصر عن البريطانيين Bretons الذين كانوا في زمنه في الطور الأوسط من البربرية و يقول أن "عند كل عشرة رجال أو اثني عشر رجلاً زوجات مشتركات، ناهيك بأنهن في أغلب الأحوال مشتركات بين الأخوة أو بين الآباء و الأبناء" (33)، فإن خير تفسير لهذا الوضع إنما هو وجود الزواج الجماعي. ففي مرحلة البربرية، لم يكن لدى كل من الأمهات عشرة أولاد أو اثنا عشر ولداً بسن تتيح لهم أخذ زوجات مشتركات، بينا نظام القرابة الأميركي الذي يناسب العائلة البونالوانية يفترض عدداً كبيراً من الأخوة لأن جميع أبناء العم و الخال الأقربين و الأبعدين لكل رجل هم أخوته. أما فيما يخص "الآباء و الأبناء"، فمن الممكن أن يكون قيصر قد أخطأ. صحيح أنه ليس من المستبعد إطلاقاً في ظل هذا النظام أن ينتسب الأب و الابن أو الأم و الابنة إلى مجموعة زواجية واحدة، و لكنه من المستحيل بالمقابل وجود الأب و الابنة أو الأم و الابن في هذه المجموعة. كذلك بالذات يقدم هذا الشكل من الزواج الجماعي أو شكل مماثل له أسهل تفسير لأخبار هيرودوتس و غيره من قدماء الكتاب عن شراكة النساء عند الشعوب المتوحشة و البربرية. و هذا ما يصح أيضاً على ما يرويه وطسن و كاي ("سكان الهند" (34)) عن التيكور في أوذ (شمال نهر الغانج):



"إنهم يعيشون معاً" (و المقصود بذلك العلاقات الجنسية)"بغير نظام تقريباً، في نطاق جماعات كبيرة، و إذا كان اثنان منهم يعتبران زوجاً و زوجة، فإن علاقة الزواج هذه ليست إلا إسمية".



أغلب الظن أن مؤسسة العشيرة قد نشأت مباشرة من العائلة البونالوانية في معظم الحالات. صحيح أنه من الممكن أن يكون النظام الأوسترالي لطبقات الزواج (35) قد قدم هو أيضاً نقطة انطلاق لهذه المؤسسة: فعند الأوستراليين توجد عشائر و لكنه لا توجد بعد عندهم عائلة بونالوانية، بل شكل أكثر بدائية للزواج الجماعي.



و في جميع أشكال العائلة الجماعية، لا تمكن معرفة والد الطفل بدقة، و لكنه تمكن معرفة أمه بدقة. و إذا كانت تسمي جميع أولاد العائلة المشتركة أولادها، و تتحمل حيالهم واجبات الأمومة، فإنها مع ذلك تميز أولادها بالذات عن الباقين. و من هنا يتضح أنه ما دام الزواج الجماعي قائماً، لا يمكن إثبات الأصل إلا من ناحية الأم، و لا يمكن بالتالي الاعتراف إلا بخط الأم. و هكذا كان الحال فعلاً عند جميع الشعوب المتوحشة و عند جميع الشعوب التي بلغت الدرجة الدنيا من البربرية. و مأثرة باهوفن الثانية الكبرى، أنه كان أول من اكتشف ذلك. و هو يطلق اسم حق الأم على هذا الاعتراف بالأصل بموجب خط الأم بوجه الحصر، و على علاقات الإرث التي نشأت من هنا و تطورت مع مرور الزمن، و إني احتفظ بهذا الاسم لإيجازه، و لكنه غير موفق، لأنه لا يمكن بعد التحدث في هذه المرحلة من تطور المجتمع عن الحق بالمعنى الحقوقي.



و إذا أخذنا الآن من العائلة البونالوانية جماعة من جماعتيها النموذجيتين، و على وجه الضبط جماعة الأخوات من أم واحدة أو من درجات قرابة أبعد (أي متحدرات من أخوات من أم واحدة في الجيل الأول أو الثاني أو ما يليه)- مع أولادهن و أخوتهن- الأخياف أو من درجات قرابة أبعد من ناحية الأم (الذين ليسوا، حسب افتراضنا، أزواجهن) لرأينا على وجه الضبط تلك الحلقة من الأشخاص الذين يبرزون فيما بعد كأعضاء العشيرة بشكلها الأولي. فإن لجميعهم جدة واحدة مشتركة، و جميع ذريتها النسائية في كل جيل هن أخوات فيما بينهن بحكم تحدرهن منها. و لكنه لم يبق بمستطاع أزواج هؤلاء الأخوات أن يكونوا أخوتهن و لا يمكن أن يتحدروا بالتالي من هذه الجدة و لا يمكنهم بالتالي أن يدخلوا في قوام هذه الجماعة التي تربط بين أعضائها قرابة الدم و التي غدت فيما بعد العشيرة. و لكن أولادهم ينتمون إلى هذه الجماعة لأن النسب حسب خط الأم هو وحده الذي يضطلع بالدور الفاصل نظراً لأنه هو وحده ثابت لا ريب فيه. و مع إقرار تحريم العلاقات الجنسية بين الأخوة و الأخوات، و حتى بين أبعد أقرباء خط القرابة المنحرف من جهة الأم، تحولت الجماعة المعنية إلى عشيرة أي أنها تشكلت بوصفها حلقة ثابتة من أقارب بالدم حسب حبل النسل النسائي لا يستطيعون أن يتزاوجوا فيا بينهم، و هذه الحلقة أخذت مذ ذاك تتوطد أكثر فأكثر بفضل مؤسسات مشتركة أخرى، اجتماعية و دينية على السواء، و تتميز أكثر فأكثر عن العشائر الأخرى من القبيلة ذاتها. و سنتحدث عن هذا بمزيد من التفصيل فيما بعد. و لكن إذا وجدنا أن العشيرة تتطور من العائلة البونالوانية، لا بحكم الضرورة و حسب، بل أيضاً بصورة بسيطة بديهية، توفرت لنا الأسباب لكي نعتبر من المؤكد و الثابت تقريباً وجود هذا الشكل من العائلة فيما مضى عند جميع الشعوب التي يمكن إيجاد مؤسسات العشيرة عندها أي تقريباً عند جميع الشعوب البربرية و المتمدنة.



عندما كتب مورغان كتابه، كانت معلوماتنا عن الزواج الجماعي لا تزال محدودة جداً. كنا نعرف بعض التفاصيل عن الزواجات الجماعية عند الأوستراليين المنتظمين في طبقات، ناهيك بأن مورغان كان قد نشر في عام 1871 معطيات وصلت إليه عن العائلة البونالوانية الهاوايية (36). فإن العائلة البونالوانية قد أعطت ، من جهة، تفسيراً كاملاً لنظام القرابة السائد عند الهنود الحمر الأميركيين و الذي كان بالنسبة لمورغان نقطة انطلاق في جميع أبحاثه ، و كانت، من جهة أخرى، نقطة انطلاق جاهزة كان يمكن منها اشتقاق العشيرة المؤسسة على حق الأم، و كانت أخيراً درجة أعلى بكثير في سلم التطور من الطبقات الأوسترالية. و لهذا كان من المفهوم أن يعتبرها مورغان درجة من التطور سبقت بالضرورة الزواج الثنائي و أن ينسب إليها انتشاراً عاماً في الأزمنة السابقة. و مذ ذاك أطلعنا على جملة كاملة من أشكال الزواج الجماعي الأخرى، و نحن نعرف الآن أن مورغان تجاوز الحد هنا كثيراً جداً. و لكن الحظ حالفه مع ذلك و وجد في عائلته البونالوانية الشكل الأعلى، الشكل الكلاسيكي للزواج الجماعي، الشكل الذي يفسر بأبسط نحو، بالانطلاق منه، الانتقال إلى شكل أعلى.



أما الإغناء الجوهري في معلوماتنا عن الزواج الجماعي؟، فنحن مدينون به قبل كل شيء للمرسل البريطاني لوريمير فايسون الذي درس خلال سنوات عديدة هذا الشكل من العائلة في ميدانها الكلاسيكي، أي في أوستراليا (37). فقد اكتشف درجة التطور الدنيا عند الزنوج الأوستراليين في منطقة ماونت غامبير في أوستراليا الجنوبي. فإن القبيلة كلها هنا مقسومة إلى طبقتين كبيرتين، الكروكي و الكوميت. و العلاقات الجنسية في داخل كل من هاتين الطبقتين ممنوعة منعاً باتاً. و كل رجل من إحدى الطبقتين هو، على العكس، منذ الولادة، زوج كل امرأة من الطبقة الأخرى، و هذه المرأة هي زوجته منذ الولادة. فليس الأفراد، بل جماعات كاملة تتزاوج بعضها مع بعض، طبقة مع طبقة. و تجدر الإشارة إلى أن فارق العمر و القرابة بالدم لا يشكلان هنا أبداً عقبة أمام العلاقات الجنسية، و لا يوجد غير القيد الناجم عن الانقسام إلى طبقتين خارجيتي الزواج. إن كل امرأة من الكوميت هي بالنسبة لكل كروكي زوجته حقاً و شرعاً، و لكن بما أن ابنته بالذات بوصفها ابنة امرأة كوميت هي أيضاً من الكوميت بموجب حق الأم، فهي بحكم ذلك منذ الولادة زوجة كل كروكي و بالتالي زوجة والدها. و على كل حال، لا يقيم تنظيم الطبقات في الصورة التي نعرفه بها أي عقبة أمام ذلك. إذن، إما أن هذا التنظيم قد نشأ في حقبة لم ير فيها بعد الناس أي أمر رهيب بخاصة في العلاقات الجنسية بين الآباء و الأولاد، رغم كل سعيهم الغامض إلى الحد من سفاح القربى، في هذه الحال، ظهر نظام الطبقات مباشرة من حالة العلاقات الجنسية غير المنظمة، و إما أن العلاقات الجنسية بين الآباء و الأولاد كانت ممنوعة بحكم العرف و العادة عند نشوء الطبقات الزواجية، و في هذه الحال، يعود الوضع الحالي إلى وجود عائلة القربى بالدم قبل ذلك، و يشكل أول خطوة للخروج منها. إن الافتراض الأخير أكثر احتمالاً. و لا يذكرون، حسبما أعلم، أمثلة عن علاقات زواج بين الآباء و الأولاد في أوستراليا، ناهيك بأن الشكل اللاحق للزواج الخارجي، أي العشيرة القائمة على الحق الأمي، تفترض كذلك ، ضمناً، كقادة، منع مثل هذه العلاقات بوصفه واقعاً كان قائماً عند نشوئها.



و فضلاً عن منطقة ماونت –غامبير في أوستراليا الجنوبية، يقوم نظام الطبقتين أيضاً إلى أبعد في اتجاه الشرق، في حوض نهر دارلينغ، و في الشمال الشرقي، في كوينسلند، و هو بالتالي واسع الانتشار. و هو لا ينفي غير الزواج بين الأخوة و الأخوات، بين أولاد الأخوة و بين أولاد الأخوات حسب خط الأم، لأنهم ينتمون إلى طبقة واحدة، أما أولاد الأخت و الأخ، ففي مستطاعهم، على العكس، أن يتزاوجوا فيما بينهم. و نجد خطوة أخرى لاحقة لمنع سفاح القربى عند قبلية الكاميلاروي في حوض نهر دارلينغ في ويلس الجنوبية الجديدة، حيث انقسمت الطبقتان الأصليتان إلى أربع، و حيث كل من هذه الطبقات الأربع تتزوج بكليتها مع طبقة أخرى معينة. إن الطبقتين الأوليتين هما منذ الولادة متزوجة إحداهما مع الأخرى، و تبعاً لانتماء الأم إلى الطبقة الأولى أو الثانية منهما، ينتقل أولادها إلى الطبقة الثالثة أو الرابعة. و أولاد الطبقتين الأخيرتين اللتين تربط بينهما أيضاً علاقات الزواج، يدخلون في قوام الطبقتين الأولى و الثانية. و هكذا ينتمي دائماً جيل واحد إلى الطبقة الأولى و الثانية، و ينتمي الجيل التالي إلى الطبقة الثالثة و الرابعة، ثم ينتمي الجيل الثالث من جديد إلى الطبقة الأولى و الثانية. و تبعاً لذلك، لا يستطيع أولاد الأخ و الأخت ( من جهة الأم) أن يكونوا زوجاً و زوجة، و لكن أحفاد الأخ و الأخت يستطيعون ذلك. إن هذا النظام المعقد الأصيل يزداد تعقداً بفعل اندساس العشيرة الأمية (العشيرة حسب خط الأم) فيه، و إن ، على كل حال، في وقت لاحق. و لكنه لا يسعنا هنا أن نستغرق في بحث هذا الأمر. و هكذا نرى ، السعي إلى منع سفاح القربى يتجلى المرة تلو المرة، و لكن بشكل غريزي، عفوي، دون أي إدراك واضح الهدف.



إن الزواج الجماعي الذي لا يزال هنا، في أوستراليا، زواجاً بين طبقتين، زواجاً بالجملة بين طبقة كاملة من الرجال موزعة في كثير من الأحيان في عموم القارة و بين طبقة من النساء موزعة بالقدر نفسه، إن هذا الزواج الجماعي لا يبدو أبداً، حين النظر إليه عن كثب، فظيعاً بالقدر الذي يتصوره خيال التافهين المبتذلين الذي اعتاد على ما يجري في بيوت الدعارة. فلقد مرت، على العكس، سنوات و سنوات قبل أن يخطر في البال مجرد وجوده، فضلاً عن أنهم شرعوا لأمد قريب يجادلون من جديد في وجوده. إن المراقب السطحي يرى فيه زواجاً أحادياً واهي العرى، و يرى في بعض الأنحاء، نظاماً لتعدد الزوجات ترافقه الخيانة الزوجية بين الفينة و الفينة. و كان لا بد من تكريس سنوات كاملة ، كما فعل فايسون و هاويت، لأجل اكتشاف القانون الذي يضبط علاقات الزواج هذه التي يميل الأوروبي العادي إلى أن يرى في ممارستها شيئاً ما يشبه ما يوجد في وطنه، القانون الذي بموجبه يجد الزنجي الأوسترالي الغريب، على بعد آلاف الكيلومترات عن موطنه الأول، بين أناس يتكلمون لغة يجهلها، بل أحياناً كثيرة في كل مقام، في كل قبيلة، نساء على استعداد للاستسلام له بلا مقاومة و بلا استياء، القانون الذي بموجبه يتنازل الرجل الذي عنده عدة نساء، عن واحدة منهن لأجل ضيفه لقضاء الليل معها. و حيث يرى الأوروبي انعدام الأخلاق و القانون، يسود بالفعل قانون صارم. إن هؤلاء النساء ينتمين إلى طبقة الأجنبي الزواجية، و هن بالتالي زوجاته منذ الولادة. إن القانون الأخلاقي نفسه الذي يعدّهم بعضاً لبعض، يمنع، تحت طائلة العقاب المخزي، كل علاقة جنسية خارج الطبقتين الزواجيتين اللتين تخض إحداهما الأخرى. و حتى حيث يخطفون النساء، و هذا أمر يقع في كثير من الأحيان، و هو قاعدة في كثير نم الأنحاء، يطبق قانون الطبقات الزواجية بكل دقة.



و من جهة أخرى، تتبدى في خطف النساء علائم الانتقال إلى الزواج الأحادي، بشكل الزواج الثنائي على الأقل (بين اثنين): فعندما كان الشاب يخطف فتاة بمساعدة أصدقائه بالقوة أو بالإغراء، فإنهم جميعهم يضاجعونها بالدور، و لكنها بعد ذلك تعتبر زوجة ذلك الشاب الذي كان صاحب فكرة الخطف. و بالعكس، إذا هربت المرأة المخطوفة من زوجها و قبض عليها رجل آخر، فإنها تصبح زوجة هذا الأخير، و يفقد الأول حقه المفضل عليها. و إلى جانب و في قلب الزواج الجماعي الذي لا يزال قائماً على العموم، تبرز بالتالي علاقات تستبعد الآخرين، يبرز تزاوج، تجامع شخصين (رجل و امرأة) لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر، و إلى جانب ذلك، يقوم تعدد الزوجات، و عليه نرى الزواج الجماعي هنا أيضاً بسبيل الزوال، و تنحصر المسألة كلها في معرفة من ذا الذي سيغادر الحلبة قبل غيره تحت تأثير الأوروبيين، الزواج الجماعي أم أتباعه، الزنوج الأوستراليون.



إن الزواج بين طبقات بكاملها بالشكل الذي يسود به في أوستراليا، هو على كل حال شكل منخفض جداً، بدائي من أشكال الزواج الجماعي، بينما العائلة البونالوانية هي، حسبما نعرف، الدرجة العليا في تطوره. و يبدو أن الأول شكل يناسب مستوى التطور الاجتماعي الذي بلغه المتوحشون الرحل، بينما الثاني يفترض وجود مقامات ثابتة نسبياً لمشاعات شيوعية، و يؤدي مباشرة إلى الدرجة التالية العليا من التطور. و بين هذين الشكلين، نجد أيضاً، بلا ريب، بعض الدرجات الوسطية. و هذا ميدان للبحث انفتح أمامنا للتو و يكاد يكون غير مطروق.



الهوامش:


(30)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(31)J.J.Bachofen. "Das Mutterrecht. ". Stuttgart, 1861. (باهوفن. "حق الأم. ". شتوتغارت، 1861).



(32)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(33)يوليوس قيصر. "مذكرات عن حرب الغال". الكتاب الخامس. الفصول 14-45.



(34)"The People of India". Edited by J. F. Watson and J. W. Kaye. Vol. I-VI. London, 1868-1872. ("شعب الهند". منشورات ج.ف. وطسون وج.د.كاي. المجلدات 1-6. لندن، 1868-1872). هنا يورد إنجلس مقتطفاً من المجلد الثاني من هذه الطبعة.



(35)المقصود هنا طبقات الزواج أو الفروع و هي مجموعات خاصة كانت تنقسم إليها أغلبية القبائل الأسترالية, لم يكن بوسع الرجال في كل مجموعة أن يتزوجوا إلا من نساء مجموعة أخرى معينة. و كان عدد المجموعات في كل قبيلة يتراوح بين 4 و 8.



(36)L. H. Morgan "Systems of Consanguinity and Affinity of the Human Family". Washington, 1871. (ل. هـ. مورغان. "أنظمة القرابة بالعصب و المصاهرة في العائلة البشرية". واشنطن، 1871).



(37)نتائج البحوث التي أجراها فايسون مع هاويت وردت في كتاب L.Fison and A. W. Howitt. "Kamilaroi and Kurnai". Melbourne, Sydney, Adelaide and Brisbane , 1880. (ل.فايسون و أ. هاويت "كاميلاروي و كورناي". ملبورن و سيدني و أديلاييد و بريسبان، 1880).





--------------------------------------------------------------------------------

[1] شريكاً. الناشر.


[2] إن آثار العلاقات الجنسية غير المنظمة المسماة بـ "الحمل الأثيم" ("Sumpfzeugung") و التي يظن باهوفن (31) أنه هو الذي اكتشفها، تؤدي إلى الزواج الجماعي، و هذا أمر لم يبق من الممكن الآن الشك بصحته. "إذا كان باهوفن يعتبر هذه الزواجات "البونالوانية""غير شرعية"، لاعتبر إنسان من ذلك العصر أغلبية الزواجات في عصرنا بين أبناء و بنات الأعمام و الأخوال و العمات و الخالات، الأقربين و الأبعدين، زواجات زناء و سفاح كالزواجات بين الأخوة و الأخوات" (ماركس)(32) (راجع "أرشيف ماركس و إنجلس"، الطبعة الروسية، المجلد 9).

2/3 العائلة الثنائية

آن شكلاً معيناً من التزاوج الثنائي، من التجامع بين شخصين لمدة قد طول أو تقصر، كان موجوداً في ظروف الزواج الجماعي أو حتى قبل ذاك، فقد كانت للرجل زوجة رئيسية (و يكاد يكون من غير الممكن القول أنها الزوجة المفضلة) في عداد زوجات كثيرات، و كان بالنسبة لها الزوج الرئيسي في عداد أزواج كثيرين. و قد أسهم هذا الأمر بقسط كبير في خلق التشوش في رؤوس المرسلين الذين اعتبروا الزواج الجماعي، تارة مشاعية للنساء لا قاعدة لها و لا ضابط، و طوراً حرية مطلقة في انتهاك الإخلاص الزوجي. و لكن هذا الشكل للتجامع الثنائي، بين شخصين، الذي أصبح عادة مألوفة كان لا بد له أن ترسخ أكثر فأكثر بقدر ما كانت العشيرة تتطور و بقدر ما كانت تتزايد جماعات (الأخوة" و "الأخوات" التي غدا الزواج مستحيلاً فيما بينها. إن الدفعة التي بثتها العشيرة في اتجاه منع الزواج بين الأقرباء بالدم قد أدت إلى أبعد من ذلك. و هكذا نجد أن الزواج عند الإيروكوا و عند أغلبية الهنود الحمر الآخرين في الدرجة الدنيا من البربرية ممنوع بين جميع الأقرباء الذين يعددهم نظامهم، و أمثال هذا النظام بضع مئات من كل شاكلة و نوع. ونظراً لهذا التشوش المشتد في موانع الزواج، أخذت الزواجات الجماعية تستحيل أكثر فأكثر، و أخذت العائلة الثنائية تحل محلها. ففي هذا الطور، يعيش الرجل مع امرأة واحدة، و لكن تعدد الزواجات و الخيانة الزوجية بين الفينة والفينة لا يزالان من حق الرجل، رغم أن تعدد الزوجات نادر الوقوع بحكم الأسباب الاقتصادية أيضاً، بيد أن المرأة مطالبة في أغلبية الأحوال بأدق الأمانة طيلة مدة المساكنة، و تعاقب على خيانتها عقاباً قاسياً. و لكنه من السهل على كل من الطرفين أن يحل الرابطة الزوجية، فيعود الأولاد إلى الأم فقط، كما من قبل.



و في هذا الحصر الذي يضيق أكثر فأكثر و يستبعد الأقرباء بالدم من الرابطة الزوجية، يواصل الاختيار الطبيعي فعله. و حسب مورغان:



"كانت الزواجات بين أفراد العشائر التي لا تجمع بينها قرابة الدم تؤدي إلى نشوء سلالة أقوى سواء جسدياً أو عقلياً، و كانت قبيلتان بسبيل التقدم تندمجان في قبيلة واحدة، فتأخذ جماجم و أدمغة الأجيال الجديدة تتسع بصورة طبيعية إلى أن تبلغ مقاييس تناسب مجموعة خصائص القبيلتين"(38).



و عليه كان لا بد للقبائل ذات التنظيم القائم على العشيرة أن تتغلب على القبائل المتأخرة أو أن تجتذبها وراءها بمثالها.



إن تطور العائلة في العصر البدائي يتلخص إذن في استمرار تقلص تلك الحلقة التي كانت في البدء تشمل القبيلة كلها و التي كانت تسود في داخله مشاعية علاقات الزواج بين الجنسين. و بالاستمرار على استبعاد الأنسباء الأكثر قرابة بادئ ذي بدء، ثم الأنسباء الأكثر بعداً، و أخيراً، حتى الأنسباء بالمصاهرة، أخذ كل شكل من أشكال الزواج الجماعي يستحيل عملياً، و لم يبق في آخر المطاف إلا زوج من اثنين تجمع بينهما علاقات زواج غير متينة، لم يبق غير جزيئة يضع انشطارها حداً للزواج. و من هذا وحده يتبين مدى ضآلة ما يجمع بين ظهور الزواج الأحادي و بين الحب الجنسي الفردي بمعناه الحالي. و هذا ما تثبته بمزيد من القوة ممارسة جميع الشعوب التي لا تزال في هذه الدرجة من التطور. فبينا لم يكن الرجال ليشعرون أبداً بأي نقص إلى النساء في ظل الأشكال السابقة للعائلة، بل كان لديهم منهن بالأحرى أكثر من اللزوم، أصبحت النساء الآن أمراً نادراً يجب البحث عنه. و لهذا يبدأ خطف النساء و شراء النساء منذ ظهور الزوج الثنائي، و هما علامتان واسعتا الانتشار ، رغم أنهما ليستا أكثر من علامتي تغير أشد عمقاً بكثير، و من هاتين العلامتين اللتين كانتا لا تتعلقان إلا بأساليب الحصول على النساء، لفق الدعي الاسكتلندي ماك-لينان، مع ذلك، شكلين خاصين للعائلة: "الزواج بالخطف" و "الزواج بالشراء". و من جهة أخرى، ليس عقد الزواج عند الهنود الحمر الأميركيين و عند شعوب أخرى (لا تزال في درجة التطور نفسها) من شأن الذين سيتزوجون و الذين لا يأخذون رأيهم في عالب الأحيان، بل من شأن أمهاتهم. و هكذا لا يندر أن تتم خطبة شخصين لا يعرفان أبداً أحدهما الآخر، ناهيك بأنهم لا يطلعونهما على صفقة الزواج إلا متى اقترب موعد الزواج. و قبل العرس، يقدم الخطيب هدايا إلى أقارب الخطيبة في العشيرة ( أي إلى أقاربها من جهة الأم، لا إلى الأب و الأقارب من جهته)، و تعتبر هذه الهدايا ثمن الفتاة التي سيعطونه إياها. و من الممكن فسخ الزواج بناء على رغبة كل من الزوجين، و لكنه تكون تدريجياً عند كثير من القبائل ، و بينها مثلاً قبيلة الإيروكوا، رأي عام سلبي حيال فسخ الزواج. فحين تنشب الخلافات بين الزوجين، يقوم أقرباء الزوجة و أقرباء الزوج في العشيرة بدور الوساطة، و لا يتم فسخ الزواج إلا إذا أخفت الوساطة، مع العلم أن الأولاد يبقون للزوجة، و إنه يصبح من حق كل من الطرفين أن يتزوج من جديد.



إن العائلة الثنائية، التي هي بحد ذاتها على درجة كبيرة من الضعف و عدم الاستقرار بحيث أنها لا تجعل من الضروري أو حتى من المرغوب فيه قيام اقتصاد بيتي خاص، لا تقضي إطلاقاً على الاقتصاد البيتي الشيوعي الموروث من مرحلة سابقة. و لكن الاقتصاد البيتي الشيوعي يعني سيادة النساء في البيت، كما أن الاعتراف بالأم وحدها، نظراً لاستحالة معرفة الوالد بكل ثقة، يعني رفيع الاحترام للنساء أي للأمهات. و أن الرأي الزاعم أن المرأة كانت عبدة الرجل في بداية تطور المجتمع هو من أسخف الآراء التي تركها لنا عصور الأنوار في اقرن الثامن عشر. فإن المرأة عند جميع المتوحشين و عند جميع القبائل في الطورين الأدنى و الأوسط، و جزئياً في الطور الأعلى من البربرية، لا تتمتع بالحرية و حسب، بل تشغل أيضاً مركزاً مشرفاً جداً. أما ما هو هذا المركز في ظل الزواج الثنائي، فيمكن أن يفيدنا عنه أشير رايت الذي كان خلال سنوات عديدة مرسلاً بين الإيروكوا من قبلة سينيكا. فهو يقول:



"و فيما يخص عائلاتهم، عندما كانت لا تزال تعيش في بيوت طويلة قديمة" (و هي اقتصادات بيتية شيوعية لبضع عائلات)"... كان يهيمن دائماً فيها "كلان" clan ما" (عشيرة) "بحيث أن النساء كن يتزوجن من رجال "كلانات"" (عشائر)" أخرى"."... و عادة كان النصف النسائي يهيمن في البيت، كانت الاحتياطيات مشتركة، و لكن الويل للزوج المنحوس أو العشيق المنحوس الفائق الكسل أو الفائق الخرافة، فلا يسهم بقسطه في الاحتياطي المشترك. فمهما كان عدد أولاده في البيت و مهما كانت ملكيته الشخصية في البيت، فقد كان من الممكن أن يتلقى في كل لحظة أمراً بربط صرته و بالرحيل. و لم يكن ليجرؤ حتى للقيام بمحاولة لمقاومة هذا الأمر، فإن البيت كان يتحول بالنسبة له إلى جهنم، و لم يكن يبقى له غير العودة إلى "كلانه" (عشيرته) السابق، أو غير عقد زواج جديد في "كلان" أخر- الأمر الذي كان يحدث في أغلب الأحيان. و كانت النساء قوة كبيرة في الكلانات" (العشائر)، "و كذلك في كل مكان على العموم. و كن لا يترددن أحياناً عن عزل زعيم ما و إنزاله إلى مرتبة محارب بسيط"(39).



إن الاقتصاد البيتي الشيوعي الذي كانت فيه جميع النساء أو أغلبيتهن ينتمين إلى العشيرة نفسها، بينا الرجال ينتمون إلى عشائر مختلفة، هو الأساس الفعلي لتلك الهيمنة التي كانت تتمتع بها المرأة في الأزمة البدائية في كل مكان، و التي يشكل اكتشافها مأثرة باهوفن الثالثة. و أضيف أيضاً أن أخبار الرحالة و المرسلين حول العمل المرهق الملقى على عاتق النساء عند المتوحشين و البرابرة لا يتناقض أبداً ما قيل أعلاه. فإن تقسيم العمل بين الجنسين لا يشترطه وضع المرأة في المجتمع، بل تشترطه أسباب مختلفة تماماً. فإن الشعوب التي يجب عندها أن تشتغل النساء أكثر بكثير مما يترتب عليهن حسب تصوراتنا، تبدي في غالب الأحيان من الاحترام الحقيقي للنساء أكثر بكثير مما يبديه أوروبيونا. فإن "سيدة" عصر الحضارة، المحاطة بالتقدير و الإجلال الظاهريين، و الغريبة عن كل عمل حقيقي، تشغل وضعاً اجتماعياً أدنى إلى ما لا حد له من وضع المرأة في عصر البربرية، التي كانت تقوم بعمل مرهق و التي كانت تعتبر بنظر شعبها سيدة حقيقية (lady,frowa,Frau= سيدة) و التي كانت كذلك حقاً و فعلاً بحكم وضعها.



أما فيما يتعلق بمسألة معرفة ما إذا كان الزواج الثنائي في أميركا قد حل تماماً محل الزواج الجماعي، فينبغي أن توضحها دراسة أوسع و أعمق للشعوب الشمالية الغربية و لا سيما لشعوب أميركا الجنوبية، التي لا تزال في الطور الأدنى من الوحشية. ففي القصص عن هذه الشعوب الأخيرة، نجد من الأمثلة المتنوعة عن حرية العلاقات الجنسية ما يكاد يجعل من المستحيل هنا القول بزوال الزواج الجماعي القديم زوالاً تاماً. و على كل حال، لم تزل بعد جميع آثاره. فعند أربعين قبيلة في أميركا الشمالية على الأقل، يحق للرجل الذي يتزوج الأخت الكبرى أن يتزوج أيضاً جميع أخواتها ما أن يبلغن السن المقررة، و هذا أثر لمشاعية الرجل بالنسبة لمجموعة كاملة من الأخوات. و يروي بانكروفت عن سكان شبه جزيرة كاليفورنيا (الطور الأعلى من الوحشية) أنهم يقيمون احتفالات تجتمع فيها عدة "قبائل" بقصد المضاجعة غير المنظمة (40). و المقصود هنا، على الأرجح، العشائر التي كانت هذه الاحتفالات بالنسبة لها شكلاً يحتفظ بذكريات غامضة عن ذلك الزمن الذي كان فيه جميع رجال عشيرة واحدة أزواجاً مشتركين لنساء عشيرة أخرى، و العكس بالعكس. و مثل هذه العادة لا تزال سارية المفعول في أوستراليا. و حدث عند بعض الشعوب أن يستغل الشيوخ و الزعماء و الكهنة السحرة في مصلحتهم مشاعية النساء و يحتكروا أغلبية النساء لأنفسهم، و لكنه يتعين عليهم مقابل ذلك في أعياد معينة و في زمن الاجتماعات العشبية الكبيرة أن يجيزوا من جديد مشاعية النساء التي كانت قائمة من قبل و يسمحوا لنسائهم بالترفه مع الشبان. و يورد فسترمارك في الصفحتين 28 و 29 من كتابه جملة كاملة من الأمثلة على هذه "الساتورنالات" (41) الدورية التي كانت تقوم فيها من جديد لفترة قصيرة من الزمن العلاقات الجنسية الحرة السابقة: عند قبائل الهو و السانتال و البانجا و الكوتار في الهند، و عند بعض الشعوب الإفريقية، الخ .. و من المستغرب أن فسترمارك يستخلص من هنا استنتاجاً مفاده أن هذه ليست من بقايا الزواج الجماعي الذي ينكر وجوده، بل بقايا فترة الهيجان، المشتركة بين الإنسان البدائي و الحيوانات الأخرى.



و هنا نصل إلى الاكتشاف الرابع الكبير الذي حققه باهوفن، و هو اكتشاف شكل واسع الانتشار للانتقال من الزواج الجماعي إلى الزواج الثنائي. إن ما يصوره باهوفن بصورة تكفير عن مخالفة وصايا الألهة القديمة، و هو تكفير تشتري المرأة به الحق في العفاف، ليس في الواقع غير تعبير صوفي للتكفير الذي كانت به المرأة تفدي نفسها من مشاعية الرجال القائمة في الأزمنة السابقة و تكسب الحق في أن تكون لرجل واحد فقط. إن هذه الفدية تتلخص في عادة مضاجعة الغير، المحدودة بإطارات معينة: فقد كان ينبغي على النساء البابليات أن يضاجعن الرجال مرة واحدة في السنة في هيكل ميليتا، و كانت شعوب أخرى في آسيا الصغرى ترسل بناتها لسنوات بكاملها إلى هيكل أنايتيس حيث كان ينبغي عليهن ممارسة الحب الحر مع محظيين من اختيارهن قبل أن ينلن الحق في الزواج. و هناك عادات مماثلة مجلببة بجلباب ديني ملازمة لجميع الشعوب الآسيوية تقريباً التي تعيش بين البحر الأبيض المتوسط و نهر الغانج. ثم أن الكفارة التي تضطلع بدور الفدية تغدو أسهل فأسهل مع مر الزمن، كما سبق و لاحظ باهوفن:



"إن الكفارة المقدمة سنوياً تحل محلها الكفارة الواحدة الوحيدة، و هيتيرية السيدات المتزوجات تحل محلها هيتيرية الفتيات: و محل ممارستها أثناء الزواج تحل ممارستها قبل الزواج، و محل الاستسلام للجميع دون أي تمييز ، يحل الاستسلام لأشخاص معينين"("حق الأم").



و لا وجود للجلباب الديني عند شعوب أخرى، فعند بعضها، في الأزمنة القديمة، عند التراقيين و السلت و غيرهم، و في الأزمنة الحاضرة، عند كثيرين من سكان الهند الأصليين، و عند شعوب الملايو، و عند سكان جزر المحيط الهادي، و عند كثيرين من الهنود الحمر الأميركيين، تتمتع الفتيات قبل الزواج بكامل الحرية في العلاقات الجنسية. و هذا الوضع منتشر على الأخص في كل مكان تقريباً من أميركا الجنوبية، الأمر الذي يمكن أن يشهد عليه كل من تغلغل، و إن قليلاً، في أعماق هذه القارة. فإن أغاسيس ("رحلة في البرازيل"، بوسطن و نيويورك، عام 1886(42)) يروي لنا ما يلي عن عائلة غنية من أصل الهنود الحمر. فعندما تعرف على الابنة، سأل عن والدها مفترضاً أنه زوج أمها الذي اشترك آنذاك في الحرب ضد الباراغواي بوصفه ضابطاً، و لكن الأم أجابت بابتسامة:nao tem pai, é filha da fortuna - ليس لها أب ، إنها ابنة الصدفة.
"هكذا تقول دائماً النساء من الهنود الحمر و النساء الهجائن دون حياء و خجل عن أولادهن غير الشرعيين، و ليس هذا استثناء، بل العكس هو بالأحرى استثناء. إن الأولاد .. لا يعرفون في غالب الأحيان غير أمهم لأنها تتحمل كل الهموم و كل المسؤولية، و هم لا يعرفون شيئاً عن والدهم، ناهيك بأنه لا يخطر أبداً في بال المرأة، أغلب الظن، أنه يمكن أن يكون لها أو لأولادها أي حق عليه".



إن ما يبدو هنا غريباً بالنسبة لإنسان متحضر، هو القاعدة بكل بساطة بموجب الحق الأمي و في ظل الزواج الجماعي.



و عند بعض الشعوب، يمارس أصدقاء العريس و أنسباؤه أو الضيوف المدعوون إلى العرس، أثناء العرس بالذات، الحق على العروس الموروث منذ الأزمنة القديمة، مع العلم أن العريس يأتي الأخير في الدور، هكذا كان الحال في الأزمنة القديمة في جزر الباليار و عن الأوجليين الإفريقيين، و هكذا هو الحال في الأزمنة الحاضرة عند الباليار في الحبشة. و عند شعوب أخرى يمثل شخص رسمي –زعيم القبيلة أو العشيرة، الكاسيك أو الشامان أو الكاهن أو الأمير، أو أياً كان لقبه،- الجماعة المعنية و يمارس حق الليلة الأولى على العروس. و رغم جميع جهود الرومانطيقيين الجدد لتبييض صفحة هذا الواقع، لا يزال هذا jus primae noctis*[1] ساري المفعول في الوقت الحاضر، بوصفه أثراً من آثار الزواج الجماعي، عند أغلبية سكان ألاسكا (بانكروفت،"العروق الأصلية"، المجلد الأول) ، و عند التاهو في المكسيك الشمالية (المرجع ذاته)، و عند شعوب أخرى، و كان قائماً في جميع القرون الوسطى، - على الأقل في البلدان التي كانت في البدء سلتية، كما في أراغون مثلاً، و التي نجم فيها مباشرة من الزواج الجماعي. و بينا لم يكن الفلاحون يوماً في قشتالة أقناناً، كانت القنانة تسود بأبشع مظاهرها في أراغون حتى قرار فرديناند الكاثوليكي في عام 1486 (43). و قد جاء في هذه الوثيقة:
"إننا نقرر و نعلن أن السادة المذكورين أعلاه"(البارونات، senyors) "... لا يملكون كذلك الحق في قضاء الليلة الأولى مع المرأة التي يتزوجها الفلاح، و لا الحق في القفز، في ليلة العرس، كدليل على سيادتهم، فوق المرأة أو فوق السرير بعد أن تضطجع المرأة، كذلك لا يملك السادة المذكورون أعلاه الحق في استخدام ابنة الفلاح أو ابنه رغماً عنهما، سواء بأجر أو بدون جر". (النص الأصلي باللغة القطالونية وارد عند زوغنهيم، "القنانة"، بطرسبورغ، عام 1861 (44))



و يقيناً أن باهوفن على حق مرة أخرى حين يؤد بإلحاح أن الانتقال مما يسميه "الهيتيرية" أو "الحمل الأثيم" إلى الزواج الأحادي قد تحقق أساساً بفضل النساء. فبقدر ما كانت العلاقات بين الجنسين المتوارثة من قديم الزمان تفقد طابعها البدائي الساذج مع تطور ظروف الحياة الاقتصادية و بالتالي مع تفسخ و انحلال الشيوعية البدائية و تزايد كثافة السكان، بقدر ما كانت هذه العلاقات تبدو للنساء مذلة و مرهقة، و ما كان لا بد لهن من السعي بإلحاح مشتد أبداً إلى نيل الحق في العفاف أو في الزواج المؤقت أو الدائم من رجل واحد فقط، بوصفه سبيلاً للخلاص. و لم يكن من الممكن أن يحصل هذا التقدم بفضل الرجل، و ذلك لأسباب عديدة، منها أنه لم يخطر لهم قط في البال، حتى في أيامنا هذه أيضاً، التخلي عن ملذات الزواج الجماعي العملي. و بعد أن تحقق الانتقال إلى الزواج الثنائي بفضل النساء، بعد ذاك فقط استطاع الرجال إدخال نظام وحدة الزواج الصارم،- و طبعاً بالنسبة للنساء فقط.



لقد ظهرت العائلة الثنائية على التخوم بين الوحشية و البربرية، و ظهرت على الأغلب في الطور الأعلى من الوحشية، و هنا و هناك في الطور الأدنى من البربرية. و هي شكل العائلة المميز بالنسبة لعصر البربرية، مثلما الزواج الجماعي بالنسبة للوحشية، و أحادية الزواج بالنسبة للحضارة. و لكي تواصل العائلة الثنائية تطورها حتى تبلغ أحادية الزواج المتينة، كان لا بد من أسباب غير التي فعلت فعلها حتى الآن كما سبق و رأينا. في المساكنة الثنائية، جرى تقليص الجماعة حتى وحدتها الأخيرة، حتى جزيئتها من ذرتين، حتى رجل واحد و امرأة واحدة. و أنجز الاصطفاء الطبيعي عمله بتقلص حلقة العلاقات الزوجية بصرامة مشتدة أبداً. و لم يبق له ما يفعله في هذا الاتجاه. و لو لم تدخل الحلبة بالتالي قوى محركة جديدة، اجتماعية، لما كان ثمة أي أساس لنشوء شكل جديد للعائلة من المساكنة الثنائية. و لكن مثل هذه القوى المحركة أخذت تفعل فعلها.



و نغادر الآن أميركا هذه التربة الكلاسيكية للعائلة الثنائية. و ليس ثمة أي علائم تتيح لنا أن نخلص إلى القول بأنه تطور هنا شكل أعلى للعائلة، و بأنه كانت تقوم هنا في مكان ما أحادية زواج متينة قبل الاكتشاف و الفتح. أما الحال في العالم القديم، فآخر.



فهنا أدى تدجين الحيوانات و تربية القطعان إلى خلق مصادر للثروة لم يسمح بمثلها من قبل، و إلى نشوء علاقات اجتماعية جديدة تماماً. فحتى الطور الأدنى من البربرية، كانت الثروة الدائمة لا تتألف تقريباً إلا من المسكن و الألبسة و الحلي الخشنة و الأدوات للحصول على الطعام و تحضيره، أي الزوارق و الأسلحة و الآنية المنزلية البدائية. و كان ينبغي الحصول على الطعام من جديد، يوماً بعد يوم. أما من الآن و صاعداً، فإن شعوب الرعاة آخذت تتقدم أكثر فكثر: فإن الآريين في البنجاب و في وادي نهر الغانج، و كذلك في سهوب حوضي نهري جيحون و سيحون التي كانت آنذاك أغنى بكثير بالماء، و الساميين على ضفاف نهري الفرات و دجلة، قد وجدوا في قطعان الخيل و الجمال و الحمير و البقر و الغنم و الماعز و الخنازير ملكية كانت لا تتطلب غير المراقبة و غير أبسط صنوف العناية لكي تتكاثر بأعداد متنامية أبداً و تقدم طعاماً من الألبان و اللحوم وافراً للغاية. و هكذا تراجعت الآن جميع الأساليب السابقة للحصول على الطعام إلى المرتبة الثانية، و الصيد الذي كان من قبل ضرورة أصبح الآن بذخاً.



و لكن من ذا الذي كانت تخصه هذه الثروة الجديدة؟ في البدء، كانت ، بلا ريب، تخص العشيرة، بيد أنه كان لا بد للملكية الخاصة للقطعان أن تتطور باكراً. و من العسير القول ما إذا كان موسى ، مؤلف ما يسمى بالكتاب الأول، قد اعتبر البطريرك ابراهيم مالكاً لقطعانه بموجب حقه الشخصي بوصفه رئيس مشاعة عائلية، أم بموجب مركزه كرئيس يرث بالفعل عشيرة. هناك أمر واحد لا ريب فيه، هو أنه ينبغي لنا ألا نتصوره مالكاً بمعنى هذه الكلمة الحالي. و لا ريب أيضاً أننا نجد على عتبة التاريخ الذي نملك عنه الوثائق، أن القطعان كانت في كل مكان ملكاً خاصاً لرؤساء العائلات، شأنها تماماً شأن المنتوجات الفنية في عصر البربرية و الأدوات المنزلية المعدنية، و مصنوعات البذخ و الزينة، و أخيراً القطيع البشري، أي العبيد.



لأنه تم الآن اختراع العبودية أيضاً. فلم يكن للعبد قيمة أو نفع بالنسبة لإنسان الطور الأدنى من البربرية. و لهذا كان الهنود الحمر الأميركيون يعاملون الأعداء المغلوبين بغير الطريقة التي شرعوا يعاملونهم بها في درجة أعلى من التطور. فقد كانوا يقتلون الرجال أو يأخذونهم كأخوة لهم في قبيلة المنتصرين. و كانوا يأخذون النساء زوجات لهم أو يضمونهن كذلك بوسيلة أخرى إلى قبيلتهم مع أولادهن السالمين. و في هذه الدرجة من التطور كانت قوة عمل الإنسان لا تعطي بعد أي فائض ما ملحوظ يزيد على نفقات إعالته. و لكن الوضع تغير مع إدخال تربية الماشية و شغل المعادن و الحياكة، ثم الزراعة في آخر المطاف. فقد حدث لقوة العمل، و لا سيما بعد أن أصبحت القطعان نهائياً ملكية عائلية، نفس ما حدث للنساء اللواتي كان الحصول عليهن من قبل سهلاً للغاية اللواتي أصبحت لهن قيمة تبادل و غدون سلعة تباع و تشرى. و لم تكن العائلة تتكاثر بسرعة تكاثر القطيع. كذلك ظهرت الآن الحاجة إلى مزيد من الناس لأجل مراقبة القطيع. و لهذا الغرض، كان من الممكن استخدام العدو الأسير الذي كان بوسعه، فضلاً عن ذلك، أن يتكاثر بسهولة مثل المواشي.



و ما إن أصبحت هذه الثروات ملكية خاصة للعائلات و ما إن تنامت بسرعة، حتى سددت ضربة قوية إلى المجتمع المؤسس على الزواج الثنائي و العشيرة الأمية. لقد أدخل الزواج الثنائي إلى العائلة عنصراً جديداً. فإلى جانب الأم الحقيقية، الفعلية، وضع الأب الحقيقي ، الفعلي، الثابت، الذي كان كذلك، أغلب الظن، أكثر ثبوتاً من بعض "الآباء" الحاليين. و بموجب تقسيم العمل الساري المفعول آنذاك في العائلة، كان على الزوج أن يستحصل على الغذاء و على أدوات العمل الضرورية لهذا الغرض، و كان له بالتالي حق ملكية أدوات العمل هذه، و في حال فسخ الزواج، كان يأخذه معه، بينا كانت الزوجة تحتفظ بالآنية المنزلية. و بموجب العرف و العادة السائدين في المجتمع آنذاك، كان الزوج بالتالي مالكاً أيضاً لمصدر الغذاء الجديد، أي للقطيع، و مالكاً فيما بعد لأداة العمل الجديدة، أي العبيد. و لكن بموجب العرف و العادة السائدين في ذلك المجتمع، لم يكن بوسع أولاده أن يرثوه. ففيما يخص الإرث ، كان الوضع كما يلي:



بموجب الحق الأمي، أي طالما كان النسب لا يحسب إلا تبعاً لحبل النسل النسائي، و كذلك بموجب نظام الوراثة البدائي في العشيرة، كان العضو المتوفى في العشيرة يرثه أنسباؤه في العشيرة. و كان ينبغي أن يبقى الإرث في العشيرة. و بما أن الأشياء التي يتألف منها الإرث كانت زهيدة، فقد كانت ، على الأرجح، تنتقل بالفعل منذ غابر الأزمان إلى أقرب الأنسباء، أي إلى الأقرباء بالدم من ناحية الأم. و لكن أولاد الرجل المتوفى كانوا لا ينتمون إلى عشيرته، بل إلى عشيرة أمهم، فكانوا يرثون أمهم بادئ ذي بدء مع سائر أقربائها بالدم، و فيما بعد، في المقام الأول أغلب الظن. بيد أنه لم يكن بوسعهم أن يرثوا والدهم لأنهم كانوا لا ينتمون إلى عشيرته، فكان ينبغي أن يبقى ملك الأب في هذه العشيرة. و لذا بعد وفاة صاحب القطعان ، كان ينبغي أن تنتقل قطعانه في المقام الأول إلى أخوته و أخواته و إلى أولاد أخواته أو حتى إلى ذريات أخوات أمه. أما أولاده بالذات، فكانوا محرومين من إرثه.



و هكذا، بقدر ما كانت الثروات تتنامى ، كانت من جهة تعطي الزوج في العائلة مركزاً أهم من مركز الزوجة ، و كانت من جهة أخرى توالد السعي إلى الاستفادة من هذا المركز المترسخ لأجل تغيير نظام الوراثة التقليدي في مصلحة الأولاد. و لكنه لم يكن من الممكن أن يتحقق هذا طالما كان النسب يحسب تبعاً للحق الأمي. و لهذا كان ينبغي إلغاء هذا الحق ، فألغي. و لم يكن ذلك صعباً بالقدر الذي نتصوره الآن. فإن هذه الثورة، التي كانت من أهم الثورات التي عرفتها البشرية، لم تكن بحاجة إل مس أي من أعضاء العشرة الأحياء. فقد كان في وسعهم جميعهم أن يبقوا كما كانوا بالأمس. كان يكفي اتخاذ قرار بسيط يقضي بأن تبقى ذرية أعضاء العشيرة الرجال في المستقبل ضمن العشيرة و بأن تخرج ذرية أعضاء العشيرة النساء منها و تنتقل إلى عشيرة والدها. و هكذا ألغي الانتساب حسب جبل النسل النسائي و حق الوراثة حسب خط الأم، و أقر الانتساب حسب حبل النسل الرجالي و حق الوراثة حسب خط الوالد. و نحن لا نعرف شيئاً عن كيف و متى تحققت هذه الثورة عند الشعوب المتمدنة. فهي تعود بكليتها إلى عهد ما قبل التاريخ. أما أن هذه الثورة قد تحققت، فهذا ما أعطت عنه وفراً من البراهين و المعلومات التي جمعها باهوفن على الأخص عن آثار الحق الأمي العديدة. و نحن نرى بأي سهولة تتحقق من مثال جملة كاملة من قبائل الهنود الحمر حيث لم تتحقق إلا مؤخراً و حيث لا تزال تتحقق جزئياً من جراء تعاظم الثروة و من جراء التغيرات في نمط الحياة (للانتقال من الغابات إلى المروج)، و جزئياً من جراء تأثير الحضارة و المرسلين الأخلاقي. فإن ست قبائل من أصل ثماني قبائل في حوض نهر ميسوري تحسب النسب و تعترف بالإرث تبعاً لخط الرجال، بينا قبيلتان تحسبان النسب و تعترفان بالإرث تبعاً لخط المرأة. و عند قبائل الشاوني و الميامي و الديلاوار، ترسخت عادة تسمية الأولاد بأحد أسماء عشيرة والدهم لإدخالهم على هذا النحو إلى عشيرة الوالد، لكي يصبح بإمكانهم أن يرثوا والدهم.
"إن تغيير الأشياء بتغيير أسمائها، و السعي إلى إيجاد وسيلة تتيح مخالفة التقاليد مع البقاء في إطار التقاليد، حين تكون المصلحة المباشرة حافزاً كافياً هما سفسطة فطر عليها الإنسان!"(ماركس)(45)



و من هنا نجم تشوش مستعص كان يمكن القضاء عليه، و قد قضي عليه جزئياً، بالانتقال إلى الحق الأبوي.
"إن هذا الانتقال يبدو على العموم طبيعياً للغاية"(ماركس)(46).



أما ما يمكن أن يقوله لنا الحقوقيون ممن يلجأون إلى طريقة المقارنة، عن الشكل الذي تحقق به هذا الانتقال عند الشعوب المتمدنة في العالم القديم، - فإنه يقتصر كله تقريباً على الفرضيات بالطبع،- أنظر م. كوفاليفسكي "عرض موجز عن أصل و تطور العائلة و الملكية"، ستوكهولم، 1890 (47).



إن إسقاط الحق الأمي كان هزيمة تاريخية عالمية للجنس النسائي. فقد أخذ الزوج دفة القيادة في البيت أيضاً، و حرمت الزوجة من مركزها المشرف، و استذلت، و غدت عبدة رغائب زوجها، و أمست أداة بسيطة لإنتاج الأولاد. إن وضع المرأة المذل هذا، الذي يظهر ببالغ السفور عند يونانيي العصر البطولي و بسفور أشد عند يونانيي العصر الكلاسيكي قد طلي تدريجياً رياء و نفاقاً بالمساحيق، و أضيفت عليه أحياناً أشكال أخف و أرق، و لكن لم يقض عليه إطلاقاً.



و ما إن أقرت سلطة الرجال بوجه الحصر على هذا النحو، حتى أخذ مفعولها الأول يتبدى في شكل انتقالي ظهر آنذاك، هو شكل العائلة البطريركية (الأبوية). إن الميزة الرئيسية التي تتميز بها هذه العائلة ليست تعدد الزوجات، الذي سيتناوله الكلام فيما بعد، بل



"تنظيم عدد معين من الأشخاص، الأحرار و غير الأحرار، في عائلة تخضع للسلطة الأبوية لرئيس العائلة. ففي العائلة السامية، يعيش رئيس العائلة هذا في ظل تعدد الزواجات؟، و للعبيد زوجات و أولاد، و غاية التنظيم كله رعاية القطعان في حدود رقعة معينة من الارض"(48).



إن ضم العبيد إلى هذه العائلة و السلطة الأبوية هما العلامتان الجوهريتان اللتان تميزاه هذه العائلة. و لهذا كانت العائلة الرومانية النموذج النهائي الكامل لهذا الشكل من العائلة. إن كلمة familia لا تعني، في الأصل، المثال الأعلى للبرجوازي الصغير التافه المعاصر الذي يجمع في ذاته بين العاطفية و المشاجرات البيتية، بل إنها لا تعني بادئ ذي بدء عند الرومانيين الزوج و الزوجة و الأولاد، بل تعني العبيد فقط. إن كلمة famulus تعني العبد البيتي، و كلمة familia تعني مجموعة العبيد الذين يخصون رجلاً واحداً. و حتى في زمن غايوس، كانت familia, id est patrimonium (أي الميراث) تورث بالوصية. و قد استنبط الرومانيون هذا التعبير لأجل تعريف الهيئة الاجتماعية الجيدة التي كان رئيسها سيداً على المرأة و الأولاد و عدد معين من العبيد و كان يملك، بحكم السلطة الأبوية الرومانية، حق الحياة و الموت على جميع هؤلاء الأشخاص الخاضعين له.



"و عليه، ليس هذا التعبير أقدم من النظام العائلي المصفح الذي انبثق عند القبائل اللاتينية بعد إدخال الزراعة و العبودية الشرعية، و بعد انفصال الإيطاليين الآريين عن اليونانيين"(49).



و يضيف ماركس قائلاً:



" إن العائلة العصرية لا تنطوي على جنين العبودية (servitus) و حسب، بل أيضاً على جنين القنانة، لأنها مقرونة منذ بادئ بدء بفروض (خدمات) الزراعة. و هي تنطوي بشكل مصغر على جميع التناقضات التي تطورت فيما بعد على نطاق واسع في المجتمع و في دولته"(50).



إن شكل العائلة هذه يعني الانتقال من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. فلأجل ضمان أمانة المرأة، و بالتالي لأجل ضمان أبوة الأولاد، توضع الزوجة تحت سلطة زوجها المطلقة، فإذا قتلها، فإنه لا يفعل غير أن يمارس حقه.



مع ظهور العائلة البطريركية، ندخل في ميدان التاريخ المكتوب و ندخل في ميدان يستطيع فيه علم القانون المقارن أن يقدم لنا مساعدة كبيرة. و بالفعل، ساعدنا هذا العلم على القيام ها بخطوة كبيرة إلى أمام. فنحن مدينون لمكسيم كوفاليفسكي ("عرض موجز عن أصل و تطور العائلة و الملكية"، ستوكلهم، عام 1890) بالبرهان على أن المشاعة البيتية البطريركية التي نجدها الآن عند الصرب و البلغار باسم زادروغا zàdruga (و تعني تقريباً رابطة تعاونية) أو براتستفو Bratstvo (أخوية) و في شكل آخر عند الشعوب الشرقية قد شكلت الدرجة الانتقالية من العائلة التي انبثقت من الزواج الجماعي و قامت على الحق الأمي، إلى العائلة الفردية في العالم الحالي. و هذا، على ما يبدو، ثابت فعلاً على الأقل فيما يخص الشعوب المتمدنة في العالم القديم، فيما يخص الآريين و الساميين.



إن زادروغا سلافيي الجنوب هي خير مثال لا يزال حياً على هذا النوع من المشاعة العائلية. فهي تضم بضعة أجيال من أخلاف يتحدرون من أب واحد مع زوجاتهم، ناهيك بأنهم يعيشون معاً في بيت واحد و يحرثون حقولهم بصورة مشتركة و يأكلون و يلبسون من الاحتياطيات المشتركة و يملكون معاً الدخل الفائض. و تخضع المشاعة للإدارة العليا لرب البيت (domàcin) الذي يمثلها حيال العالم الخارجي، و يحق له أن يبيع الأشياء الصغيرة، و يدير الصندوق و يتحمل المسؤولية عن الصندوق و عن حسن سير الاستثمارة كلها. و هو ينتخب، و ليس من الضروري حتماً أن يكون أكبر الأعضاء سناً. و النساء يخضعن، مع ما يقمن به من أعمال، لقيادة ربة البيت (domàcica) التي هي عادة زوجة رب البيت. و هي أيضاً تضطلع بدور هام، غالباً ما يكون الدور الحاسم ، عند اختيار الأزواج لأجل فتيات المشاعة. و لكن السلطة العليا تنحصر في المجلس العائلي، في اجتماع جميع أعضاء المشاعة الراشدين، سواء منهم النساء أو الرجال. و أمام هذا الاجتماع يقدم رب البيت حساباً، و الاجتماع يتخذ القرارات النهائية و يحاكم أعضاء المشاعة و يقرر عمليات البيع و الشراء الهامة- و لا سيما عندما تتعلق بالأراضي – و الخ ...



و منذ نحو عشرة أعوام فقط، أقيم الدليل على أن مثل هذه المشاعات العائلية الكبيرة لا تزال قائمة في روسياً أيضاً (51). و من المعترف الآن من الجميع أنها تمد جذورها عميقاً في العادات الشعبية الروسية شأنها شأن المشاعة القروية. و هي ترد في أقدم المجموعات الروسية من القوانين، في "حقيقة" ياروسلاف (52)، تحت الاسم نفسه (Vervj *[2]) الذي ترد به في القوانين الداليماتية (53)، كما توجد أيضاً إشارات إليها في المصادر التاريخية البولونية و التشيكية.



و عند الجرمان كذلك، كما يقول هويسلر ("أسس الحق الجرماني"(54)، ليست الوحدة الاقتصادية ، في الأصل، العائلة الفردية بمعناها الحالي، بل "المشاعة البيتية" التي تتألف من عدة أجيال مع عائلاتها، و تشمل أيضاً العبيد في أحيان كثيرة. إن العائلة الرومانية تنتمي هي أيضاً إلى هذا النموذج، و لهذا كانت سلطة الأب المطلقة و حرمان سائر أعضاء العائلة من الحقوق حياله موضع جدال قوي في الآونة الأخيرة. فقد كانت توجد، على ما يبدو، مشاعات عائلية مماثلة عند السلت من سكان إرلنده. و في فرنسا، دامت هذه المشاعة في مقاطعة نيفرنيه حتى الثورة الفرنسية تحت اسم parçonneries ، بينا لم تزل بعد كلياً في أيامنا في مقاطعة فرانش –كونته. و في ناحية لووان (محافظة سون- أي- لوار)، تقع العين على بيوت فلاحية كبيرة فيها قاعة مركزية عالية بعلو السقف نفسه تحيد بها من كل جانب غرف للنوم يصعدون إليها بسلالم من 6 إلى 8 درجات، و تعيش فيها بضعة أجيال من العائلة ذاتها.



و لقد أشار نيازخ (55) في عصر الإسكندر الكبير إلى وجود مشاعية بيتية في الهند تقوم على أساس المشاركة في حراثة الأرض، و هذه المشاعة لا تزال موجودة الآن في المكان ذاته، أي البنجاب و في عموم القسم الشمالي الغربي من البلد. و استطاع كوفاليفسكي نفسه إثبات وجودها في القفقاس. و في الجزائر لا تزال قائمة في بلاد القبائل. و هي كانت موجودة، على ما يبدو، حتى في أميركا، و يعتقدون أنها موجودة في "calullis" بالمكسيك القديمة التي يصفها سوريتا (56). و بالعكس، أثبت كونوف ("Ausland" العدد 42-44، عام 1890 (57)) بما يكفي من الوضوح أنه كان يوجد في البيرو عند فتحها ، شيء ما يشبه نظام "المارك" (و من المدهش حقاً أن هذه "المارك" كانت تسمى كذلك marca) و يقوم على التقسيم الدوري للأراضي المحروثة، و بالتالي على الحراثة الفردية.



و على كل حال ، تكتسب الآن المشاعة البيتية البطريركية التي تقوم على الشراكة في ملكية الأرض و حراثتها، أهمية تختلف تماماً عن أهميتها السابقة. فلم يعد بوسعنا الآن أن نضع موضع الشك ذلك الدور الكبير الذي اضطلعت به عند الشعوب المتمدنة و بعض الشعوب الأخرى في العالم القديم عند الانتقال من العائلة المؤسسة على الحق الأمي إلى العائلة الفردية. و سنعود مرة أخرى في عرضنا إلى الاستنتاج الآخر الذي خلص إليه كوفاليفسكي و القائل أنها كانت كذلك درجة انتقالية نشأت منها المشاعة القروية أو المشاعة- المارك القائمة على حراثة الأرض بصورة فردية من قبل مختلف العائلات ، و على تقسيم الحقول و المراعي بصورة دورية أولاً ثم بصورة نهائية.



و فيما يخص الحياة العائلية في داخل هذه المشاعات البيتية، تجدر الإشارة إلى أنه من المعروف أن رؤساء العائلات في روسيا على الأقل يسيئون كثيراً استغلال مركزهم حيال النساء الشابات في المشاعة، و لا سيما حيال كناتهم و غالباً ما يشكلون منهن لأنفسهم حريماً ، و الأغاني الشعبية الروسية بليغة الدلالة في هذا الصدد.



و قبل الانتقال إلى أحادية الزواج التي تطورت بسرعة منذ سقوط الحق الأمي، نقول بضع كلمات أخرى عن تعدد الزوجات و تعدد الأزواج. إن شكلي الزواج هذين لا يمكنهما أن يكونا غير استثناء- غير منتوجي بذخ من منتوجات التاريخ، إذا جاز القول،- إذا لم يكونا كلاهما موجودين في البلد نفسه في آن واحد، و ليست الحال هكذا، كما هو معروف. و يما أنه لم يكن بالتالي في مقدور الرجال المفصولين عن شكل تعدد الزوجات أن يجدوا العزاء عند النساء اللواتي صرن زائدات بفعل شكل تعدد الأزواج، و بما أن عدد الرجال و النساء ظل حتى الآن متساوياً تقريباً، بصرف النظر عن المؤسسات الاجتماعية، فلم يكن من الممكن أن يتعمم هذا الشكل أو ذاك من أشكال الزواج من تلقاء نفسه. و بالفعل، كان تعدد الزوجات عند رجل واحد، بكل تأكيد ، نتيجة للعبودية و كان مقصوراً على من يشغلون مركزاً استثنائياً. و في العائلة البطريركية (الأبوية) السامية، كان البطريرك (الأب) وحده، و بعض من أبنائه في أفضل الأحوال، يعيشون في حالة تعدد الزوجات، بينما كان ينبغي للآخرين أن يكتفوا بزوجة واحدة. و لا يزال هذا الوضع قائماً في الوقت الحاضر في الشرق كله. فإن تعدد الزوجات هو امتياز الأغنياء و الأعيان، و يتحقق أساساً بشراء العبدات ، أما سواد الشعب فيعيش في حالة أحادية الزواج، كذلك يشكل تعدد الأزواج استثناء في الهند و التيبت، و لا ريب أن مسألة أصل هذا الشكل من الزواج الذي تجرد من الزواج الجماعي لا تخلو من الطرافة، و لا تزال تتطلب المزيد من الدراسة. و من جهة أخرى ، يبدو تعدد الأزواج، في ممارسته العملية، أكثر تساهلاً بكثير من تنظيم الحريم عند المسلمين القائم على الغيرة. ذلك هو الحال، مثلاً ، عند النايير في الهند على الأقل، رغم أن لكل ثلاثة رجال أو أربعة أو أكثر امرأة واحدة مشتركة، و لكن بمقدور كل منهم أن تكون له أيضاً بالمشاركة مع ثلاثة رجال أو أكثر زوجة ثانية و كذلك زوجة ثالثة و رابعة، الخ... و من المدهش أن ماك- لينان الذي وصف هذه النوادي الزواجية التي يمكن لأعضائها أن يكونوا في الوقت ذاته أعضاء في عدة نواد، لم يكتشف الفئة الجديدة من زواج النوادي. و لكن عادة النوادي الزواجية هذه ليست أبداً بالفعل شكل تعدد الأزواج، بل هي، على العكس كما أشار جيرو-طولون، مجرد شكل خاص من الزواج الجماعي، فالرجال يعيشون في حالة تعدد الزوجات و النساء في حالة تعدد الأزواج.



الهوامش:


(38)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(39)يستشهد إنجلس برسالة رايت حسب المقطع الوارد منها في كتاب مورغان (راجعوا L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877)) . و قد نشرت هذه الرسالة (و تاريخها الصحيح 19 أيار 1874، لا 1873 كما أورد مورغان) بنصها الكامل في مجلة "American Anthropologist", New Series, Menasha, Wisconsin, U.S.A, 1933 ("الإنتروبولوجي الأميركي". السلاسل الجديدة. ميناشا، وسكونسن. الولايات المتحدة الأميركية، 1933، العدد الأول).



(40)H.H. Bancroft. "The Native Races of the Pacific States of North America". Vol I, New York, 1875. (بانكروفت. "العروق الأصلية في ولايات أميركا الشمالية على المحيط الهادي". المجلد الأول، نيويورك، 1875.



(41)الساتورنالات، أعياد سنوية في روما القديمة كانت تقام تكريماً للإله ساتورن (زحل) في مرحلة الانقلاب الشمسي الشتوي لمانسبة نهاية الأعمال الزراعية. و في هذه الأعياد، كانت تقام المآدب و الطقوس العربيدة على نطاق جماهيري، و كان العبيد يشتركون في الساتورنالات و كانوا يسمحون لهم فيها بالجلوس إلى طاولة واحدة مع الأحرار. و في أيام الساتورنالات، كانت تسود حرية العلاقات الجنسية. و قد اتخذت كلمة "الساتورنالات" معنى يدل على مآدب العربدة و السكر و حفلات التهتك و الفجور.



(42)المقصود هنا الكتاب الذي كتبه أغاسيس مع زوجته Professor and Mrs.Louis Agassiz. "A Journey in Brazil". Boston and New York, 1886. (البروفسور و السيدة لويس أغاسيس. "رحلة في البرازيل". بوسطن و نيويورك، 1886).



(43)المقصود هنا ما يسمى بـ "قرار غوادالوب" الصادر في 21 نيسان 1486- أي قرار التحكيم الذي أصدره الملك الإسباني فرديناند الخامس الكاثوليكي تحت ضغط الانتفاضة الفلاحية في قطالونيا. و قد برز الملك في هذه المناسبة كحكم بين الفلاحين المنتفضين و بين الإقطاعيين. نص القرار على إلغاء ارتباط الفلاح بالأرض و إبطال عدد من أشد الأتاوات الإقطاعية مدعاة لكره الفلاحين، بما فيها حق الليلة الأولى، و نص بالمقابل على إلزام الفلاحين بدفع تعويضات كبيرة.



(44)S. Sugenheim. "Geschichte der Aufhebung der Leibeigenschaft und Hörigkeit in Europa bis um die Mitte des neunzehnten Jahrhunderts". St. Petersburg, 1861 (س. زوغنهايم. "تاريخ إلغاء حق القنانة و التبعية الشخصية في أوروبا حتى أواسط القرن التاسع عشر ضمناً". سانت بطرسبورغ، 1861).



(45)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(46)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(47)M. Kovalevsky. "Tableau des origines et de l évolution de la famille et de la propriété". Stockholm- 1890. (مـ. كوفالفسكي. "بيان عن أصل و تطور العائلة و الملكية". ستوكهولم، 1890).



(48)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(49)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(50)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(51)المقصود هنا بحث كوفالفسكي " الحق البدائي. الطبعة الأولى. العشيرة". موسكو 1866. في البحث يستشهد بمعطيات أوردها أروشانسكي في عام 1875 و يفيمنكو في عام 1878 عن المشاعة العائلية في روسيا.



(52)أطلق اسم "حقيقة" ياروسلاف على القسم الأول من الصيغة الأولى القديمة "للحقيقة الروسية" أي لمجموعة قوانين روسيا القديمة، التي ظهرت في القرنين الحادي عشر و الثاني عشر، على أساس حق العرف و العادة في ذلك الزمن، و التي كانت تعكس العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية في مجتمع ذلك الزمن.



(53)القوانين الدالماتية، مجموعة قوانين كانت سارية المفعول من القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر في بوليتسا (قسم من دالماتيا) ، و هي معروفة أيضاً باسم "نظام بوليتسا".



(54)A. Heusler. "Institutionen des Deutschen Privatrechts", B. II, Leipzig,1886. (هوسلر. "المبادئ الأساسية للحق الخاص الألماني ". المجلد الثاني. ليبزيغ، 1886).



(55)إشارة نيارخ المذكورة هنا تجدونها في مؤلف سترابون "الجغرافية"، الكتاب الخامس عشر، الفصل الأول.



(56)Calpullis (كالبوليس)، طوائف عائلية عند الهنود الحمر في المكسيك في مرحلة استيلاء الأسبان على هذا البلد. كل طائفة عائلية (Calpulli) (كالبولي) كان لجميع أعضائها الأصل واحد مشترك و كانت تملك قطاعاً مشتركاً من الأرض لا يجوز التنازل عنه و لا قسمته بين الورثة, وصف ألونسو سوريتا "Rapport sur les différents classes de chefs de la Nouvelle – Espagne , sur les lois, les mœurs des habitants, sur les impôts établis avant et depuis la conquête, etc..". ("تقرير عن مختلف فئات الزعماء في إسبانيا الجديدة و عن القوانين و عن أخلاق السكان و الضرائب المفروضة قبل الفتح و بعده، الخ"). المنشور للمرة الأولى في "Voyages, relations et mémoires originaux pour servir à l histiore de la découverte de l Amérique, publiés pour la première fois en français , par H. Ternaux – compans " .Vol 11, Paris, 1840. ("رحلات و تقارير و مذكرات أصلية تتعلق بتاريخ اكتشاف أميركا و نشرها للمرة الأولى بالفرنسية ترنو-كومبان". المجلد 11 . باريس ، 1840).



(57)المقصود هنا مقالة كونوف "Die altperuanischen Dorf- und Markgenossenschaften" ("المشاعات القروية و الماركية البيروانية القديمة ") المنشورة في مجلة "Ausland" في 20 و 27 تشرين الأول و 3 تشرين الثاني من عام 1890.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] حق الليلة الأولى. الناشر.


[2] فرف. الناشر.

2/4 العائلة الأحادية
إنها تنشأ، كما سبق و قلنا، من العائلة الثنائية، في المرحلة الواقعة بين الطورين الأوسط و الأعلى من أطوار البربرية. و انتصارها النهائي هو إحدى العلائم على بداية عصر الحضارة. إن هذه العائلة تقوم على سيادة الزواج مع الرغبة الصريحة في ولادة أولاد تكون أبوتهم ثابتة لا جدال فيها، و ثبوت الأبوة هذا ضروري لأن الأولاد سيملكون أموال والدهم ذات يوم بوصفهم ورثته المباشرين. و هي تمتاز عن الزواج الثنائي بكون عرى الزواج أمتن بكثير، و بأنه لم يعد من الممكن فسخ هذه العرى كلما طاب لأحد الزوجين. فالزوج وحده على العموم، هو الذي يسعه الآن أن يفسخ هذه العرى و يطلّق امرأته. ثم أن حق الخيانة الزوجية لا يزال مضموناً له في الوقت الحاضر أيضاً، و أن بحكم العرف و العادة على الأقل،( إن Code Napoléon *[1] تمنح الزوج هذا الحق بكل وضوح، شرط ألا يأتي بعشيقته إلى المنزل العائلي (58))، و هذا الحق يمارس على نطاق أوسع فأوسع بقدر ما يستمر التطور الاجتماعي. أما إذا تذكرت الزوجة الممارسة الجنسية القديمة و أرادت أن تستأنفها، فإنها تتعرض لعقاب أقسى مما في أي وقت مضى.



إن شكل العائلة الجديد يظهر أمامنا بكل صرامته عند الإغريق. فإن دور الآلهات أي الميثولوجيا، كما لاحظ ماركس (59)، يصور لنا عهداً أسبق كانت فيه النساء يشغلن مركزاً أوفر حرية و تقديراً و احتراماً، أما في العهد البطولي، فإننا نجد المرأة منحطة المقام من جراء سيادة الرجل و مزاحمة العبدات. حسبنا أن نقرأ في "الأوذيسة" كيف يقاطع تيليماك أمه و يجبرها على السكوت (60). و في مؤلفات هوميروس، تصبح النساء الشابات الأسيرات عرضة لأهواء المنتصرين الجنسية، فإن القادة العسكريين يختارون لأنفسهم بالدور و تبعاً لمراتبهم أجمل الأسيرات، و جميع أحداث "الإلياذة" تدور، كما هو معروف، حول النزاع بين أخيل و أغممنون على إحدى العبدات. و مع كل بطل هوميري على جانب ما من الأهمية، يرد اسم الفتاة الأسيرة التي يشاطرها خيمته و سريره. و هؤلاء الفتيات يأخذونهن أيضاً إلى الوطن و إلى البيت الزوجي، كما فعل مثلاً، عند إسخيلوس، أغممنون مع كاسندرا (61). و الأولاد الذين يولدون من هذه العبدات ينالون نصيباً صغيراً من إرث الوالد و يعتبرون مواطنين أحراراً. فإن توكر، مثلاً، ابن تيلامون غير الشرعي، يحق له أن يتسمى باسم والده. و المطلوب من الزوجة الشرعية أن تتحمل كل هذا، و أن تتقيد بكل دقة بواجب العفاف و واجب الأمانة الزوجية. صحيح أن المرأة اليونانية من العهد البطولي تتمتع باحترام يفوق احترام المرأة في عصر الحضارة، إلا أنها في آخر المطاف ليست بالنسبة لزوجها أكثر من أم ورثته الشرعيين المولودين في ظل الزواج، و المديرة العليا لبيته و المراقبة العليا لعبداته اللواتي يستطيع أن يجعل منهن، حسبما يطيب له، و يجعل منهن فعلاً، عشيقات له. و أن وجود العبودية إلى جانب أحادية الزواج، و وجود العبدات الجميلات الفتيات الخاضعات لمطلق تصرف الرجل، هو الذي أضفى على أحادية الزواج منذ البدء طابعها الخاص، إذ جعل منها أحادية زواج بالنسبة للمرأة فقط، لا بالنسبة للرجل. و هذا الطابع لا تزال تحتفظ به في أيامنا.



و يجدر التمييز عند اليونانيين من مرحلة لاحقة بين الدوريين و الأيونيين. فعند الأوائل الذين كانت إسبرطة مثالهم الكلاسيكي، كانت علاقات الزواج في العديد من النواحي أكثر بدائية حتى من تلك العلاقات التي صورها هوميروس. و في إسبرطة، يسود الزواج الثنائي معدلاً حسب المفاهيم السبارطية عن الدولة، ناهيك بأنه يشبه الزواج الجماعي في كثير من الجوانب. و الزواج بلا أولاد يُحَلْ: فإن الملك أنكسندريداس (السنة 560 قبل الميلاد) اتخذ لنفسه زوجة ثانية بالإضافة إلى زوجته العاقر، و أسس اقتصادين بيتيين، و في الوقت نفسه تقريباً، اتخذ الملك أريستون، الذي كانت عنده زوجتان عاقران، زوجة ثالثة، و لكنه طلّق بالمقابل إحدى الزوجتين الأوليين. و من جهة أخرى، كان من الممكن أن يكون لبضعة أخوة زوجة واحدة مشتركة. و كان بوسع الرجل الذي تعجبه زوجة صديقه أن يشاطره إياها، و كانوا يعتبرون من اللائق أن يضع الرجل زوجته تحت تصرف "فحل" قوي، كما كان يقول بيسمارك، حتى و إن لم يكن هذا "الفحل" من عداد المواطنين. و عند بلوتارك مقطع ترسل فيه إسبرطية إلى زوجها محباً لها يحاول كسب حبها، و من هذا المقطع يمكن الاستنتاج، على حد قول شومان، أنه كانت تسود في الأخلاق حرية أوسع و أكبر (62). و لهذا كانت المخالفة الفعلية للأمانة الزوجية، أي خيانة الزوجة لزوجها، عملاً غريباً خارقاً. و من جهة أخرى، لم تعرف إسبرطة، في خيرة عهودها على الأقل،العبودية البيتية، و كان الهيلوت الاقنان يعيشون على حدة في العقارات، و لهذا كانت احتمالات إغراء نسائهم أقل عند الإسبرطيين (63). و بحكم جميع هذه الظروف، كان من الطبيعي أن تحظى النساء في إسبرطة بمركز مشرف أكثر بكثير مما عند اليونانيين الآخرين. و كانت النساء الإسبرطيات و خير قسم من الهيتيرات الآثينيات النساء الوحيدات في اليونان اللواتي كان الأقدمون يتحدثون عنهن باحترام و يعتبرون أقوالهن جديرة بالاستشهاد بها.



و الحال مختلف تماماً عند الأيونيين الذين كانت أثينا نموذجاً لهم. فقد كانت الفتيات لا يتعلمن غير الغزل و الحياكة و الخياطة، و كن في أفضل الأحوال يتعلمن أيضاً قليلاً من القراءة و الكتابة. و كن يعشن في عزلة تامة تقريباً، و لا يعاشرن غير نساء أخريات. و كان مخدع النساء في قسم خاص منعزل من البيت، في الطابق الأعلى أو في مؤخرة البيت، و لم يكن من السهل على الرجال، و لا سيما الغرباء منهم التسرب إلى هذا القسم، و إلى هذا القسم كانت تنسحب النساء عندما يزور الرجال البيت. و كن لا يخرجن بدون مصاحبة العبدات. و في البيت كن يخضعن لرقابة فعلية. و يتحدث أرستوفانس عن كلاب حراسة كانوا يستخدمونها لتخويف مخالفي الأمانة الزوجية (64)، و في المدن الآسيوية على الأقل، كانوا يستخدمون لمراقبة النساء الخصيان الذين كانوا يصنعونهم في زمن هيرودوتس في جزيرة خيوس لأجل المتاجرة بهم و الذين كان يشتريهم كما يقول فاكسموت، البرابرة (65) و غير البرابرة أيضاً. و ينعت أوريبيدس المرأة oikurema (66)، و تعني شيئاً ألأجل تدبير شؤون البيت (و الكلمة من الجنس المحايد**[2])، و علاوة على إنتاج الأولاد، لم تكن بالفعل بالنسبة للأثينيين إلا الخادمة الرئيسية. و كان الزوج يمارس تمارينه الرياضية و يقوم بشؤونه العامة التي كانت المرأة مقصية عنها، و فضلاً عن ذلك كانت عنده في كثير من الأحيان عبدات لتلبية رغائبه، كما كان يستفيد في زمن ازدهار أثينا من بغاء واسع الانتشار و موضوع على كل حال تحت حماية الدولة. و على أساس هذا البغاء بالذات، نشأت و تطورت نماذج ساطعة فريدة من نساء يونانيات كن، بذكائهن و ذوقهن الفني، أعلى من المستوى العام لنساء الأزمنة القديمة، مثلما كانت الإسبرطيات أعلى بطبعهن. و هكذا كان ينبغي للمرأة أن تصبح من الهيتيرات لكي تصبح امرأة حقيقية، و هذا الواقع كان أقسى حكم على العائلة الأثينية.



و مع مرور الزمن غدت هذه العائلة الأثينية نموذجاً أخذ يقلده، لا سائر الأيونيين و حسب، بل أيضاً و أكثر فأكثر، جميع اليونانيين سوءا أفي داخل البلد أم في المستعمرات، و يبنون بموجبه أوضاعهم البيتية. و لكن اليونانيات كن يجدن في أحيان كثيرة جداً، و رغم المراقبة و العزل، الفرصة لخداع أزواجهن و خيانتهم، و كان هؤلاء يخجلون من إبداء أي شعور من الحب لزوجاتهم، و يتلهون بشتى المغامرات الغرامية مع الهيتيرات، و لكن إذلال النساء ثأر لنفسه مع الرجال أنفسهم إلى حد أنه دفعهم إلى ممارسة اللواط مع الغلمان، و إلى الحط من كرامة آلهتهم و كرامتهم بالذات بأسطورة غانيميد.



و هكذا نشأت أحادية الزواج، بقدر ما يمكننا أن نتتبع نشوءها عند أكثر شعوب العالم القديم حضارة و أكثرها تطوراً. فلم تكن أبداً ثمرة الحب الجنسي الفردي، و لم يكن يجمع بينها و بينه أي جامع على الإطلاق، لأن الزواج ظل كما من قبل زواج انتفاع. و قد كانت أول شكل للعائلة لم يرتكز على الشروط الطبيعية، بل ارتكز على الشروط الاقتصادية، و نعني بها انتصار الملكية الخاصة على الملكية المشتركة البدائية و العفوية. سيادة الزوج في العائلة و ولادة أولاد لا يمكن أن يكونوا غير أولاده من دمه و صلبه، و لا بد لهم أن يرثوا ثروته في المستقبل، -ذلك كان الهدف الوحيد من الزواج الأحادي، كما نادى به اليونانيون بلا لبس و لا إبهام. و ما عدا ذلك، كان الزواج الأحادي عبئاً عليهم و واجباً حيال الآلهة و الدولة و أجدادهم بالذات، كان ينبغي أداؤه. و في أثينا كان القانون لا يفرض الزواج و حسب، بل و أداء الزوج الحد الأدنى مما يسمى بالواجبات الزوجية.***[3]



و عليه لا يدخل الزواج الأحادي إطلاقاً في التاريخ بوصفه اتحاداً اختيارياً بين المرأة و الرجل، و لا حتى بوصفه الشكل الأعلى لهذا الاتحاد. بل بالعكس. فهو يظهر كاستعباد جنس من قبل الآخر، كإعلان لتناقض بين الجنسين لم يعرفه التاريخ كله من قبل. و إني أجد في مخطوطة قديمة غير مطبوعة وضعتها أنا و ماركس في عام 1864 ما يلي:
"إن أول تقسيم للعمل كان بين الرجل و المرأة لأجل إنتاج الأولاد"(67).



و بوسعي الآن أن أضيف إلى هذا القول: إن أول تضاد بين الطبقات ظهر في التاريخ يصادف تطور التناحر بين الزوج و الزوجة في ظل الزواج الأحادي، و أول اضطهاد طبقي يصادف استعباد جنس النساء من قبل جنس الرجال. لقد كان الزواج الأحادي تقدماً تاريخياً كبيراً، و لكنه يدشن في الوقت نفسه، إلى جانب العبودية و الثروة الخاصة، تلك المرحلة التي لا تزال مستمرة حتى أيامنا، و التي يعني فيها كل تقدم تراجعاً نسبياً، و التي يتحقق فيها ازدهار و تطور البعض بآلام البعض الآخر و قمعه. إن الزواج الأحادي إنما هو هذه الخلية من المجتمع المتمدن التي تمكننا من دراسة طبيعة التناحرات و التناقضات المتطورة تماماً في قلب هذا المجتمع.



إن الحرية النسبية القديمة في العلاقات الجنسية لم تزل كلياً مع انتصار الزواج الثنائي أو حتى مع انتصار الزواج الأحادي.



"إن نظام الزواج القديم، الذي حُصِرَ ضمن حدود أضيق نتيجة لاندثار الجماعات البونالوانية تدريجياً، كان لا يزال تلك البيئة التي تطورت فيها العائلة، و ظل يعيق تطورها حتى عصر الحضارة الناشئة... و لقد زال في آخر المطاف بتحوله إلى شكل جديد للهيتيرية لا يزال يتبع الناس في عصر الحضارة أيضاً أشبه بظل أسود يخيم على العائلة"(68).



و يقصد مورغان بالهيتيرية العلاقات الجنسية خارج الزواج بين الرجال و النساء غير المتزوجات، القائمة إلى جانب الزواج الأحادي، و قد كانت هذه العلاقات، كما هو معروف، مزدهرة بأكثر الأشكال تبايناً في سياق عصر الحضارة كله و أخذت تتحول أكثر فأكثر إلى بغاء سافر. إن هذه الهيتيرية تنجم مباشرة من الزواج الجماعي، من مجامعة الغرباء التي كانت النساء يشترين بها حقهن في العفاف. لقد كانت المجامعة من أجل المال عملاً دينياً في البدء. و كانت تجري في معبد آلهة الحب، و كان المال يعود في البدء إلى خزينة المعبد. فإن الهييرودول (69)، خادمات أنايتيس في أرمينيا، و خادمات أفروديت في كورنثيا، و كذلك الراقصات الدينيات المحلقات بالمعابد في الهند، اللواتي يسمونهن بـ"البايادير"(و هذه الكلمة تشويه للكلمة البرتغالية bailadeira و تعني راقصة) كن أولى الباغيات. كانت مجامعة الرجال الغرباء في البدء واجب كل امرأة، ثم غدت من نصيب هؤلاء الكاهنات وحدهن، كأنما يقمن بها عوضاً عن جميع النساء الأخريات. و عند شعوب أخرى، تنجم الهيتيرية من الحرية الجنسية الممنوحة للفتيات قبل الزواج، و هي أيضاً بالتالي بقية من الزواج الجماعي، إلا أنها بقية وصلت إلينا بسبيل آخر. و مع ظهور التفاوت في الملكية، أي في الطور الأعلى من البربرية، أخذ العمل المأجور يظهر هنا و هناك إلى جانب عمل العبد، كما أخذ احتراف البغاء من قبل النساء الحرات يظهر في الوقت نفسه إلى جانب إكراه العبدة على مجامعة الرجال، بوصفه مرافقاً لازماً للعمل المأجور. و لهذا كان الإرث الذي تركه الزواج الجماعي للحضارة مزدوجاً، كما هو مزدوج، و ذو وجهين، و ذو حدين و مناقض كل ما تصنعه الحضارة: فمن جهة، أحادية الزواج، و من جهة أخرى الهيتيرية مع شكلها المتطرف، البغاء. إن الهيتيرية إنما هي أيضاً مؤسسة اجتماعية ككل مؤسسة أخرى، و هي تؤمن استمرار وجود الحرية الجنسية القديمة- في صالح الرجال. إنها تتعرض للشجب قولاً، مع إنها في الواقع لا تلقى التساهل و التغاضي و حسب، بل تمارس على نطاق واسع و لا سيما من قبل الطبقات السائدة. و لكن هذا الشجب لا يقصد إطلاقاً الرجال الذين يمارسونها، بل يقصد النساء فقط، فيعاملونهن باحتقار و ينبذونهن من المجتمع لكي ينادوا على هذا النحو مرة أخرى بسيادة الرجال المطلقة على جنس النساء قانوناً أساسياً من قوانين المجتمع.



و لكن تناقضاً ثانياً أخذ إلى جانب هذا يتطور في قلب أحادية الزواج نفسها. فإلى جانب الزوج الذي يرفه حياته بالهيتيرية، تعيش الزوجة المتروكة. إن أحد جانبي التناقض غير ممكن بدون الآخر، كما لا يمكن أن تكون في اليد تفاحة بكاملها بعد أكل نصفها. و لكن الرجال لم يكونوا، على ما يبدو، يرون هذا الرأي طالما لم تحملهم زوجاهم على أن يروه. فمع الزوج الأحادي يظهر على الدوام نموذجان اجتماعيان مميزان لا سابق لهما، هما عشيق الزوجة الدائم و الزوج المخدوع. لقد تغلب الرجال على النساء، و لكن المغلوبات هن اللواتي تسامحن و أخذن على عاتقهن بسخاء و كرامة وضع الأكاليل على رؤوس المنتصرين. فإن الزنى، الممنوع، المعاقب بصرامة، و لكن الذي يستحيل القضاء عليه، قد أصبح، إلى جانب الزواج الأحادي و الهيتيرية، مؤسسة اجتماعية راسخة. و كما من قبل، ظلت صحة الأبوة، صحة تحدر الأولاد من الوالد الشرعي، ترتكز، أكثر ما ترتكز، على القناعة الأخلاقية، المعنوية، و لأجل حل هذا التناقض المستعصي، نصت قوانين نابليون في المادة 312 منها على ما يلي:



"L enfant conçu pendant le mariage a pour père le mari" "الزوج هو والد الولد الذي تحبل به أمه أثناء الزواج".



تلك هي النتيجة الأخيرة لثلاثة آلاف سنة من الزواج الأحادي.



إن العائلة الفردية، -عندما تبقى أمينة لمنشئها التاريخي، و عندما يكتسب التناقض بين الرجل و المرأة فيها طابعاً واضحاً بحكم سيادة الرجل المطلقة،- تعطينا إذن صورة مصغرة عن تلك التناحرات و التناقضات التي يتحرك في داخلها المجتمع المنقسم إلى طبقات منذ بداية عصر الحضارة، و التي لا يستطيع هذا المجتمع لا حلها و لا التغلب عليها. و غني عن البيان أني لا أقصد هنا غير حالات الزواج الأحادي التي تطابق فيها الحياة الزوجية بالفعل الفروض النابعة من طابع هذه المؤسسة الأصلي، الأولي، و التي تثور فيها الزوجة مع ذلك على سيادة الزوج. أما أن الزواجات لا تجر على هذا النحو، فليس ثمة من يعرف هذا خيراً من التافة الضيق الأفق الألماني الذي يعجز عن أن يكون سيداً سواء في عائلته أم في الدولة. و لهذا تستأثر زوجته بكامل الحق بسلطة الزوج التي لا يستحقها. و لكنه بالمقابل يتصور أنه أعلى بكثير من رفيقه الفرنسي في التعاسة الذي يصطدم أكثر منه بكثير بمصاعب و منغصات أشد و أسوأ.



و من جهة أخرى، لم تتخذ العائلة الفردية إطلاقاً في كل مكان و كل زمان الشكل الكلاسيكي الصارم الذي اتخذته عند اليونانيين. فعند الرومان الذين كانوا يتحلون، بوصفهم فاتحي العالم العتيدين، بنظرة إلى الأمور أكثر اتساعاً و إن كانت أقل دقة، من نظرة اليونانيين، كانت الزوجة تتمتع بمزيد من الحرية و مزيد من الاحترام. و كان الروماني يعتقد أن الأمانة الزوجية مؤمنة كفاية بفضل ما يملكه من حق الحياة و الموت على زوجته. و فضلاً عن ذلك، كان بمقدور الزوجة هنا، مثلها مثل الزوج، أن تفسخ الزواج حين يطيب لها. و لكن أكبر تقدم تحقق في تطور الزواج الأحادي إنما تحقق، بلا ريب، مع دخول الجرمان حلبة التاريخ، لأن أحادية الزواج لم تكن بعد، على ما يبدو، قد تطورت في ذلك الوقت من الزواج الثنائي، و ذلك بسبب فقرهم على الأرجح. و نحن نخلص إلى هذا القول استناداً إلى ظروف ثلاثة ذكرها تاقيطس. أولاً، رغم كل قداسة الزواج، "كانوا يكتفون بزوجة واحدة، و كانت النساء يعشن محصنات بعفافهن"(70)،



و مع ذلك، كان تعدد الزوجات منتشراً عندهم بين الأعيان و زعماء القبائل، مثلما كان الحال عند الأميركيين الذين كان يوجد عندهم الزواج الثنائي. ثانياً، لا بد أن الانتقال من الحق الأمي إلى الحق الأبوي كان آنذاك حديث العهد ، لأن أخ الأم، - و هو أقرب نسب لها بين الرجال في العشيرة بموجب الحق الأمي- كان يعتبر تقريباً نسيباً أقرب إليها من والدها بالذات، و هذا ما يطابق كذلك وجهة نظر الهنود الحمر الأميركيين لفهم ماضينا بالذات. ثالثاً، كانت النساء عند الجرمان يتمتعن بقدر كبير من الاحترام و يؤثرن تأثيراً كبيراً في الشؤون العامة، الأمر الذي يناقض تماماً سيادة الرجال الملازمة لأحادية الزواج. و في كل هذا تقريباً، لا يتميز الجرمان عن السبارطيين الذين كان الزواج الثنائي عندهم لم يندثر بعد كلياً، كما سبق و رأينا. و من هذه الناحية أيضاً، أحرز إذن عنصر جديد تماماً، مع الجرمان، سيطرته على العالم. فإن أحادية الزواج الجديدة التي تطورت على أنقاض العالم الروماني في سياق تخالط الشعوب، أضيفت على سلطان الرجال أشكالاً أخف، و منحت النساء، و إن في الظاهر، وضعاً أوفر احتراماً و حرية لم تعرفه يوماً الأزمنة القديمة الكلاسيكية. و بذلك أنشئت للمرة الأولى المقدمة التي استطاع على أساسها أن يتحقق، إطلاقاً من أحادية الزواج، - في داخلها، أو إلى جانبها، أو رغما عنها، حسب الظروف،- أعظم تقدم أخلاقي نحن مدينون به لها، عنيت به الحب الفردي العصري بين الجنسين الذي كان العالم القديم كله يجهله.



و لكن هذا التقدم نجم على وجه الضبط من أن الجرمان كانوا لا يزالون يعيشون في مرحلة العائلة الثنائية و أنهم أدخلوا على أحادية الزواج، بقدر ما كان ذلك ممكناً، وضع المرأة الذي كان يطابق العائلة الثنائية. فإن هذا التقدم لم ينجم أبداً مما نسب إلى الجرمان من فطرة أسطورية عجيبة على نقاوة الأخلاق، تقتصر، من حيث جوهر الأمر، على كون الزواج الثنائي يخلو بالفعل من التناقضات الأخلاقية الحادة الملازمة لأحادية الزواج. بل بالعكس، فإن الجرمان قد انحطوا كثيراً من الناحية الأخلاقية في سياق هجراتهم، و لا سيما في اتجاه الجنوب الشرقي، إلى مستوى رحل سهوب ساحل البحر الأسود، و أخذو عن هؤلاء الرحل، فضلاً عن فن ركون الخيل، عيوبهم الشنيعة المنافية للطبيعة، الأمر الذي يشهد عليه بكل وضوح أميان فيما يتعلق بالتايفال و بروكوبيوس فيما يتعلق بالهيرول (71).



و لكن إذا كانت أحادية الزواج بين جميع لأشكال المعروفة من العائلة الشكل الوحيد الذي أمكن أن ينشأ منه و يتطور الحب الجنسي الحالي، العصري، فإن هذا لا يعني أن هذا الأخير قد تطور في قلب أحادية الزواج بوجه الحصر، أو حتى بصورة رئيسية بوصفه حباً متبادلاً بين الزوج و زوجته، فإن طبيعة الزواج الأحادي المتين ذاتها كانت تستبعد ذلك في ظل سيادة الزوج. و عند جميع الطبقات النشيطة تاريخياً، أي عند جميع الطبقات السائدة، بقي عقد الزواج كما كان عليه منذ الزواج الثنائي، أي صفقة يعقدها الآباء. و عندما ظهر الحب الجنسي للمرة الأولى في التاريخ بشكل عشق، و بوصفه عشقاً في منال كل فرد (من الطبقات السائدة على الأقل)، بوصفه أعلى شكل للغريزة الجنسية،- الأمر الذي يشكل طابعه الخاص المميز،- لم يكن هذا الشكل الأول، الحب الفروسي في القرون الوسطى، حباً زوجياً على الإطلاق. بل بالعكس. فإن الحب الفروسي بشكله الكلاسيكي، عند البروفنساليين، يسعى بكل أشرعته نحو انتهاك الأمانة الزوجية، و شعراؤه ينشدون هذا السعي. إن زهرة الشعر الغزلي (72) البروفنسالي هي أغاني "ألبا" albas، و بالإلمانية Tageliede (أغاني الصباح، التصبيحات). إن هذه التصبيحات تصور بألونا ساطعة كيف ينام الفارس في سرير حسنائه،- و هي امرأة رجل آخر،- بينا يقف في الخارج حارس ينبئه بأولى تباشير الصباح alba لكي يتمكن من التملص دون أن يراه أحد، ثم يلي مشهد الوداع، و هو ذروة الأغنية. إن سكان فرنسا الشمالية، و كذلك الألمان البواسل تبنوا هم أيضاً هذا الضرب من الشعر مع طرائق الحب الفروسية التي تناسبه، و قد ترك صاحبنا العجوز ولفرام فون إيشنباخ حول هذا الموضوع الحساس، ثلاث أغنيات رائعة تعجبني أكثر مما تعجبني قصائده البطولية الطويلة الثلاث.



في أيامنا يجري عقد الزواج في البيئة البرجوازية بطريقتين. ففي البلدان الكاثوليكية، يبحث الوالدان، كما من قبل، عن زوجة تليق بشاب ابن برجوازي، و هذا ما يؤدي بالطبع إلى تطور التناقض الملازم لأحادية الزواج أكمل التطور، أي إلى ازدهار الهيتيرية من جانب الزوج، و إلى ازدهار الخيانة الزوجية من جانب الزوجة. و إذا كانت الكنيسة الكاثوليكية قد حرمت الطلاق، فلسبب واحد فقط، كما ينبغي الظن، هو أنها اقتنعت بأنه لا مفر من الخيانة الزوجية كما لا مفر من الموت. أما في البلدان البروتستانتية، فالأمر بالعكس، فإن ابن البرجوازي يتمتع، على العموم، بحق اختيار زوجة له من بنات طبقته، بهذا القدر أو ذالك من الحرية، و لهذا يمكن أن يكون الحب، بقدر ما، أساساً لعقد الزواج، ناهيك بأنه ينبغي دائماً، بحكم اللياقة، افتراض وجوده تبعاً لروح الرياء البروتستانتي. و هنا يمارس الزوج الهيتيرية بأقل من الحمية، بينا خيانة الزوجة أقل حدوثاً. و لكن بما أن الناس يبقون في ظل الزواج، أياً كان شكله، مثلما كانوا من قبله، و بما أن البرجوازيين في البلدان البروتستانتية هم بمعظمهم تافهون ضيقوا الأفق، فإن أحادية الزواج البروتستانتية هذه، حتى في أفضل الأحوال، لا تؤدي مع ذلك، إلا إلى مساكنة زوجية مملة لا تطاق يسمونها بالسعادة الزوجية. و خير مرآة لهذين النوعين من الزواج هي الرواية، الرواية الفرنسية لآجل الزواج الكاثوليكي و الرواية الألمانية لأجل الزواج البروتستانتي. و في كل من الروايتين، "ينال الرجل نصيبه": في الرواية الألمانية ينال الشاب الفتاة، و في الرواية الفرنسية، ينال الزوج قرنين. ليس من الواضح دائماً في هذه الحال معرفة أي منهما أسوأ نصيباً. و لهذا يثير ملل الرواية الألمانية في نفس البرجوازي الفرنسي من الرعب و الذعر قدر ما تثيره "لا أخلاقية" الرواية الفرنسية في نفس البرجوازي الألماني التافه ضيق الأفق. و لكن في الآونة الأخيرة، أي منذ أن "أخذت برلين تصبح عاصمة عالمية"، طفقت الرواية الألمانية تتطرق بأقل من الارتباك و الوجل إلى ظاهرتي الهيتيرية و الخيانة الزوجية المعروفتين جيداً هناك من زمان بعيد.



و لكن الزواج في هذه الحالة و تلك يقوم على وضع الطرفين الطبقي، و لذا كان دائماً زواج انتفاع. و في كلا الحالين، ينقلب زواج لانتفاع هذا في أحيان كثيرة جداً إلى بغاء في منتهى القذارة و الخساسة من جانب الطرفين أحياناً، و في أحيان أكثر بكثير من جانب الزوجة التي لا تختلف عن البغية العادية إلا بكونها لا تؤجر جسدها بالقطعة كما تؤجر العاملة عملها، بل تبيعه دفعة واحدة و إلى الأبد كالعبدة. و على زواج الانتفاع بجميع مظاهره و أشكاله، تصح كلمة فوريه:
"كما أن نفيين في قواعد اللغة يعنيان تأكيداً، كذلك يعني بغاءان في قواعد الأخلاق فضيلة"(73).



إن الحب الجنسي لا يمكن أن يكون و لا يكون بالفعل قاعدة في العلاقات مع المرأة إلا في بيئة الطبقات المظلومة، أي، في أيامنا، في بيئة البروليتاريا، سواء أكانت هذه العلاقات مسجلة رسمياً أم لا. و لكن جميع أسس أحادية الزواج الكلاسيكية مهدومة هي أيضاً في هذه البيئة. فهنا لا وجود لأي ملكية أنشئت من أجل صيانتها و توريثها على وجه الضبط أحادية الزواج و سيادة الرجال، و لذا، لا وجود هنا لأي وسيلة لأجل تحقيق هذا الغرض: فإن الحق البرجوازي الذي يحمي هذه السيادة لا يوجد إلا من أجل المالكين و من أجل خدمة علاقاتهم مع البروليتاريين، و هو يكلف غالياً ، و لذا لا يصلح أبداً في علاقات العامل مع زوجته نظراً لفقر العامل. هنا تضطلع بالدور الحاسم ظروف خاصة و اجتماعية مختلفة تماماً. و هناك اعتبار آخر. فمنذ أن انتزعت الصناعة الكبيرة المرأة من البيت، و أرسلتها إلى سوق العمل و إلى المعمل و حولتها في كثير من الأحيان إلى معيلة للعائلة، زالت في المسكن البروليتاري كل تربة لآخر بقايا سيادة الرجل، اللهم إلا بعض الفظاظة في معاملة الزوجة متوارث منذ دهور أحادية الزواج. و هكذا لم تبق عائلة البروليتاري أحادية الزواج بمعنى الكلمة الصرف، حتى و إن سادها أحر الحب و أمتن الإخلاص من كلا الطرفين، و رغم جميع البركات الدينية و الدنيوية من كل شاكلة و طراز. و لهذا يضطلع هنا مرافقاً أحادية الزواج الدائمان، الهيتيرية و الخيانة الزوجية، بدور ضئيل و حين لا يبقى بوسع الطرفين أن يعيشا معاً، فإنهما يفضلان الانفصال. و خلاصة القول أن الزواج البروليتاري زواج أحادي بمعنى الكلمة الأصلي لا بمعناها التاريخي.



بيد أن حقوقيينا يعتبرون أن تقدم التشريع ينتزع أكثر فأكثر من النساء كل مبرر للشكوى. إن قوانين البلدان المتمدنة العصرية تعترف أكثر فأكثر، أولاً، بأنه ينبغي للزواج، لكي يكون صحيحاً، أن يكون عبارة عن عقد يعقده الطرفان بملء اختيارهما، و ثانياً، بأنه ينبغي أن يكون للطرفين خلال مدة الزواج كلها نفس الحقوق و الواجبات حيال أحدهما الآخر. فإذا ما تحقق هذان الشرطان بدأت و انسجام، لحصلت النساء على كل ما بوسعهن أن يرغبن فيه.



إن هذه المحاكم الحقوقية الصرف تطابق تماماً المحاكمة التي يلجأ إليها الجمهوري البرجوازي الراديكالي الذي يدعو البروليتاري بين الفينة و الفينة إلى التزام جانب النظام. إن عقد العمل يُعَدّ معقوداً بملء رضا الطرفين. و لكنه يعد معقوداً بملء رضا الطرفين لأن القانون يقرر على الورق المساواة بين الطرفين. أما السلطة التي يخولها اختلاف الوضع الطبقي لأحد الطرفين، و الضغط الذي يمارسه هذا الطرف بفضل ذلك على الطرف الآخر، أي وضع الطرفين الاقتصادي الفعلي، فإن القانون لا يذكرهما بأي كلمة. و أثناء مدة عقد العمل، يظل الطرفان متمتعين، حسب القانون، بالمساواة فيما بينهما طالما أن أحدهما لم يتنازل صراحة عن حقوقه. أما أن الوضع الاقتصادي يجبر العامل على التنازل حتى عن آخر مظهر من مظاهر المساواة في الحقوق، فلا شأن أيضاً للقانون بذلك.



و فيما يخص الزواج، يشعر القانون بأكمل الارتياح، حتى و إن كان أكثر القوانين تقدماً، إذا أعرب الطرفان المعنيان، حسب الأصول، عن موافقتهما طوعاً و اختياراً على الزواج. أما ما يجري ما وراء كواليس القانون حيث تجري الحياة الفعلية، و كيف تتحقق هذه الموافقة الحرة، فإن القانون و رجل القانون لا يأبهان لذلك. و مع ذلك، لا بد لأبسط مقارنة بين قوانين مختلف البلدان من أن تبين للحقوقي ما تعنيه بالفعل هذه الموافقة الحرة. ففي البلدان التي يكفل فيها القانون للأولاد نصيباً إلزامياً من تركة والديهم، و التي لا يمكن فيها بالتالي حرمانهم من التركة،- في ألمانيا و في البلدان التي تتبنى القانون الفرنسي، و في بعض البلدان الأخرى،- ينبغي على الأولاد أن يحصلوا على موافقة الوالدين لأجل عقد الزواج. أما في البلدان التي تتبنى القانون الإنجليزي، و التي لا يفرض فيها القانون موافقة الوالدين لأجل عقد الزواج، فإن الوالدين يتمتعان بكامل الحرية عند التوصية بتركتهما، و بوسعهما، كما يطيب لهما، أن يحرما أولادهما من التركة. و لكنه واضح أن حرية عقد الزواج في إنجلترا و أميركا ليست أبداً بالفعل، رغم هذا، و حتى بسبب هذا على وجه الضبط، عند الطبقات التي يوجد لديها ما تورثه، أكبر مما هي عليه في فرنسا و ألمانيا.



و ليست الحال أفضل فيما يخص المساواة القانونية بين الرجل و المرأة في الزواج. إن التفاوت في الحقوق بين الطرفين، الذي ورثناه من العلاقات الاجتماعية السابقة، ليس سبب اضطهاد المرأة في المضمار الاقتصادي، بل نتيجته. ففي الاقتصاد البيتي الشيوعي القديم الذي كان يشمل عدداً كبيراً من الأزواج مع أولادها، كانت إدارة هذا الاقتصاد المعهود بها إلى النساء ضرباً من النشاط الاجتماعي الضروري للمجتمع، شأنها شأن حصول الرجال على وسائل العيش. و لكن الوضع تغير منذ ظهور العائلة البطريركية، و بالأحرى منذ ظهور العائلة الفردية الأحادية الزواج. فقد فقدت إدارة الاقتصاد البيتي طابعها الاجتماعي. و لم تعد لها علاقة بالمجتمع. و أصبحت خدمة خاصة، و صارت الزوجة الخادمة الرئيسية، و أقصيت عن الاشتراك في الإنتاج الاجتماعي. إن الصناعة الكبيرة في أيامنا هي التي فتحت أمام المرأة –المرأة البروليتارية فقط- السبيل إلى الإنتاج الاجتماعي، و لكنها، إذا ما قامت بواجباتها الخاصة في خدمة العائلة، بقيت خارج الإنتاج الاجتماعي و عجزت عن تحصيل أي أجر مستقل، و إذا ما شاءت أن تشترك في العمل الاجتماعي و أن تحصل على أجر مستقل، عجزت عن أداء واجباتها العائلية. إن حال المرأة واحد في هذا الصدد، سواء في المصنع أم في جميع ميادين النشاط الأخرى، بما فيها ميدانا الطب و المحاماة. إن العائلة الفردية الحالية ترتكز على عبودية النساء السافرة أو المقنعة، و المجتمع الحالي إنما هو كتلة تتألف بوجه الحصر من عائلات فردية هي بمثابة جزيئاتها. و في الوقت الحاضر، يتعين على الزوج في أغلبية الأحوال أن يكون سند العائلة و معيلها، على الأقل في بيئة الطبقات المالكة، و هذا ما يضمن له سيادة لا تحتاج إلى أي امتيازات قانونية خاصة. فالرجل في العائلة هو البرجوازي بينا المرأة تمثل البروليتاريا. و لكن ميزة الاضطهاد الاقتصادي الذي ينيخ بكلكله على البروليتاريا في ميدان الصناعة لا تبرز بكل حدتها إلا بعد القضاء على جميع الامتيازات الخاصة التي يعترف بها القانون لطبقة الرأسماليين و بعد قرار المساواة التامة في الحقوق بين الطبقتين من الناحية القانونية. إن الجمهورية الديمقراطية لا تزيل التضاد بين الطبقتين، و هي، على العكس، لا تفعل غير أن تمهد التربة التي يحتم عليها الصراع من أجل حل هذا التضاد. كذلك ميزة سيادة الزوج على الزوجة في العائلة الحالية و ضرورة و طريقة إقرار المساواة الاجتماعية الفعلية بينهما لن تتجلى بكل سطوع إلا متى أصبح الزوج و الزوجة، من الناحية القانونية، متساويين تماماً في الحقوق. و آنذاك يتبين أن الشرط الأول لتحرر المرأة هو عودة جنس النساء بكليته إلى الإنتاج الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب بدوره زوال العائلة الفردية بوصفها وحدة اقتصادية في المجتمع.



هناك إذن ثلاثة أشكال رئيسية للزواج تناسب بالإجمال المراحل الرئيسية لثلاث من تطور البشرية. فالوحشية يناسبها الزواج الجماعي، و البربرية يناسبها الزواج الثنائي، و الحضارة تناسبها أحادية الزواج المقرون بالخيانة الزوجية و البغاء. و بين الزواج الثنائي و أحادية الزواج، تتسرب في الطور الأعلى من البربرية سيادة الرجال على العبدات و تعدد الزوجات.



إن أصالة التقدم الذي يتجلى في تعاقب الأشكال هذا تقوم، كما يتبين من كل عرضنا السابق، في حرمان النساء، أكثر فأكثر، لا الرجال، من الحرية الجنسية الملازمة للزواج الجماعي. و بالفعل، لا يزال الزواج الجماعي في الواقع قائماً في صالح الرجال في الوقت الحاضر أيضاً. و ما هو جريمة من جانب المرأة و يستتبع عواقب وخيمة، قانونية و اجتماعية، إنما هو بالنسبة للرجل أمر مشرف أو، في أسوأ الأحوال، لطخة أخلاقية طفيفة يحملها بسرور. و لكن بقدر ما تتغير الهيتيرية القديمة في أيامنا تحت تأثير الإنتاج البضاعي الرأسمالي و تتكيف له، و بقدر ما تتحول إلى بغاء سافر، بقدر ما يشتد تأثيرها المفسد. و هي تفسد أخلاق الرجال أكثر بكثير مما تفسد أخلاق النساء. و بين النساء، لا يفسد البغاء غير التعيسات اللواتي يصبحن ضحاياه، و لكنه يفسدهن أقل مما يعتقد عادة. بيد أنه بالمقابل يذل طبع جنس الرجال كله. فإن استطالة زمن العزوبة، مثلاً، هو في تسع حالات من أصل عشر، مدرسة إعدادية حقيقة للخيانة الزوجية.



و لكننا نسير الآن نحو انقلاب اجتماعي ستزول فيه حتماً الأسس الاقتصادية القائمة حتى الآن لأحادية الزواج شأنها شأن أسس مرافقها، البغاء. فقد نشأت أحادية الزواج من تمركز ثروات كبيرة في يد واحدة –هي يد الرجل- و من الرغبة في نقل هذه الثروات بالميراث إلى أولاد هذا الرجل بالذات، لا إلى أولاد رجل آخر ما. و لهذا الغرض، كانت تنبغي أحادية زواج المرأة لا أحادية زواج الرجل، و هكذا لم تكن أحادية زواج المرأة لتعيق أبداً تعدد زوجات الرجل، الظاهر و المستتر. و لكن الانقلاب الاجتماعي العتيد الذي سيحول على الأقل القسم الأعظم من الثروات الدائمة التي يمكن توريثها، أي وسائل الإنتاج- إلى ملكية عامة، اجتماعية، سيقلل إلى الحد الأدنى من جميع هذه الهموم المتعلقة بمعرفة الورثاء و كيفية نقل الإرث. و لكن هل تزول أحادية الزواج التي نشأت من الأسباب الاقتصادية إذا زالت هذه الأسباب؟



قد يمكن الجواب، و ليس دون مبرر، بأنها لن تزول، و ليس هذا و حسب، بل أنها، على العكس، لن تتحقق تماماً إلا آنذاك. لأنه مع تحويل وسائل الإنتاج إلى ملكية عامة، اجتماعية، يزول كذلك العمل المأجور و تزول البروليتاريا، و تزول بالتالي الضرورة التي تقضي على عدد يمكن إحصاؤه من النساء ببيع أجسادهن لقاء المال. إن البغاء سيزول، أما أحادية الزواج، فلن تزول، بل تصبح في آخر المطاف واقعاً بالنسبة للرجال أيضاً.



و هكذا سيتغير وضع الرجال، على كل حال، تغيراً عميقاً. و لكن وضع النساء، جميع النساء، سيطرأ عليه هو أيضاً تغير كبير. فمع تحول وسائل النتاج إلى ملكي عامة، اجتماعية، لا تبقى العائلة الفردية وحدة المجتمع الاقتصادية. فإن الاقتصاد البيتي الخاص يصبح فرعاً من فروع النشاط الاجتماعي. و تغدو العناية بالأطفال و تربيتهم من شؤون المجتمع:فإن المجتمع سيعنى بالقدر ذاته بجميع الأطفال، سواء أكانوا شرعيين أم غير شرعيين. و بفضل هذا، يزول همّ "العواقب" الذي يشكل في الوقت الحاضر أكبر سبب اجتماعي، أخلاقي و اقتصادي، يمنع الفتاة من الاستسلام بلا تحفظ للرجل الذي تحبه. ألن يكون هذا سبباً كافياً لكي يقوم تدريجياً مزيد من الحرية في العلاقات الجنسية، و لكي يتكون بالتالي رأي عام أكثر تساهلاً حيال شرف العذارى و حشمة النساء؟ أو لم نر، أخيراً، أن أحادية الزواج و البغاء هما في العالم الحالي متضادان حقاً و فعلاً، و لكنها متضادان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، و قطبا وضع اجتماعي واحد؟ و هل يمكن أن يزول البغاء دون أن يجر معه أحادية الزواج إلى الهاوية؟



هنا يدخل الحلبة عنصر جديد لم يكن موجوداً في أفضل الأحوال إلا بصورة جنين، نواة، في عهد نشوء أحادية الزواج، و هذا العنصر هو الحب الجنسي الفردي.



قبل القرون الوسطى، لم يكن من الممكن حتى الكلام عن الحب الجنسي الفردي. و غني عن البيان أن الجمال البدني، و العلاقات الودية، و الميول المتماثلة، الخ.. ، قد أيقظت على الدوام عند أفراد الجنسين المختلفين الرغبة في الاتصال الجنسي، و أن الرجال و النساء على السواء لم يكونوا أبداً غير مبالين في معرفة أولئك الذين سيقيمون معهم هذه الاتصالات الحميمة. و لكن الشقة بين هذا و بين الحب الجنسي الحالي كبيرة إلى ما لا حد له. ففي سياق الأزمنة القديمة كلها، كان الآباء هم الذين يعقدون زواج المعنيين بالأمر، و كان هؤلاء يتكيفون للأمر بكل هدوء. و ذلك النصيب الطفيف من الحب بين الزوجين الذي عرفته الأزمنة القديمة، ليس ميلاً ذاتياً، بل واجب موضوعي، ليس أساس الزواج، بل تابع له. إن علاقات الحب بمعناها الحالي لا تقوم في الأزمنة القديمة إلا خارج المجتمع الرسمي. فإن الرعاة الذين ينشد لنا ثيوكريتوس و موسخوس و كذلك دفنيس و كلويا عند لونغ (74) مسرات و آلام حبهم، إنما هم بوجه الحصر عبيد لا يشتركون في تصريف شؤون الدولة الذي هو المجال الحيوي للمواطن الحر. و لكن، إلى جانب العلاقات الغرامية بين العبيد، لا نجد هذه العلاقات إلا كنتاج لتفسخ العالم القديم المحتضر، ناهيك بأن هذه العلاقات تقام مع نساء يعشن هن أيضاً خارج المجتمع الرسمي،- أي مع الهيتيرات، أي مع أجنبيات أو مع معتقات، في آثينا عشية سقوطها، وفي روما في عهد الإمبراطورية. و إذا كانت قد قامت بالفعل علاقات غرامية بين مواطنين أحرار و مواطنات حرات، فإن ذلك لم يكن إلا من باب الخيانة الزوجية. بل أن العجوز أناكريونت، الشاعر الغزلي الكلاسيكي في الأزمنة القديمة، كان لا يبالي بالحب الجنسي حسبما نفهمه الآن بقدر ما كان لا يبالي حتى بجنس الكائن المحبوب.



إن الحب الجنسي الحالي يختلف اختلافاً جوهرياً عن مجرد الرغبة الجنسية، عن "إيروس" eros الأقدمين. فهو، أولاً، يفترض عند الكائن المحبوب حباً متبادلاً، و المرأة في هذا الصدد مساوية للرجل، في حين أن موافقتهما لم تكن دائماً مطلوبة في "إيروس" eros القديم. ثانياً، يبلغ الحب الجنسي قوة و مدة تجعلان الطرفين يتصوران الانفصال و استحالة الوصال بلية كبيرة إن لم تكن أفدح البلايا، فيقدمان على مجازفة ضخمة، بل أنهما يعرضان حياتهما للخطر لمجرد أن يملك أحدهما الآخر، الأمر الذي لم يحدث في الأزمنة القديمة إلا في حال الخيانة الزوجية. و أخيراً، يظهر معيار أخلاقي جديد لأجل شجب أو تبرير العلاقة الجنسية، فلا يسألون فقط ما إذا كانت قائمة على الزواج أو خارج الزواج، بل يسألون أيضاً ما إذا كان الحب متبادلاً أم لا. و مفهوم أن هذا المعيار لا يلقى من الاحترام في الممارسة الإقطاعية و البورجوازية أكثر مما تلقاه جميع المعايير الأخلاقية الأخرى، فهو لا يؤخذ بالحسبان. و لكنه لا يعامل أسوأ مما تعامل المعايير الأخرى: فهو معترف به مثله مثل غيره- نظرياً، على الورق. و الآن لا تمكن المطالبة أكثر من ذلك.



و لقد انطلق القرون الوسطي من النقطة التي توقف عندها العالم القديم مع بوارده في مضمار الحب الجنسي، أي من الزنى. و قد وصفنا آنفاً الحب الفروسي الذي خلق أغنية الصباح. و بين هذا الحب الساعي إلى هدم الزواج و بين الحب الذي يجب أن يصبح أساس الزواج، لا تزال تقع طريق طويلة ينبغي قطعها، و لكن عصر الفروسية لم يقطعها قط إلى النهاية.و حتى عندما ننتقل من اللاتين المستهترين إلى الألمان الفاضلين، نجد في "أغنية نيبيلونغ" إن كريمهيلدا التي تحب زيغفريد سراً بقدر ما يحبها زيغفريد، تجيب غونتر بكل بساطة عندما يخبرها أنه خطبها لفارس لا يذكر اسمه:



"لا داعي لك أن ترجوني، كما تأمرني، كذلك سأعمل على الدوام. و من تعطني إياه زوجاً، يا سيدي، أكن خطيبته بكل سرور" (75).



بل أنه لا يخطر في بال كريمهيلدا أنه يمكن هنا على العموم أخذ حبها بعين الاعتبار. إن غونتر يخطب برونهيلدا، و إيتسل يخطب كريمهيلدا، مع أنهما لم يريهما قط، كذلك في "غودرون" Gudrun (76)، يخطب الإرلندي زيغيبانت النروجية أوتا، و يخطب هيتل من هيغلنغن الإرلندية هيلدا، و أخيراً يحاول كل من زيغفريد من مورلند و هارتموت من أورمان و هرفيغ من زيلنده أن يخطب غودرون. و في هذه الحالة الأخيرة وحدها، تقرر غودرون، بكل حرية في صالح هرفيغ. إن والدي الأمير الشاب هما، على العموم، اللذان يختاران خطيبة ابنهما، إذا كانا لا يزالان حيين، و إلا اختار بنفسه خطيبته بعد استشارة كبار أتباعه الذين لرأيهم دائماً وزن كبير في الموضوع. ناهيك بأنه لم يكن من الممكن أن يكون الحال آخر. فإن الخطبة هي بالنسبة للفارس أو البارون، و كذلك بالنسبة للأمير نفسه، عمل سياسي، و فرصة لزيادة بأسه بمساعدة حلفاء جدد. إن مصالح البيت، لا الرغائب الشخصية، هي التي يجب أن تكون لها الكلمة الفاصلة في الموضوع. فكيف يمكن في مثل هذه الأحوال أن تكون الكلمة الأخيرة للحب عند عقد الزواج؟



و كان الحال نفسه عند بورجوازي الحرف في مدن القرون الوسطى. فإن الامتيازات التي كانت تحميه، و الأنظمة الداخلية الحرفية التي كانت تفرض شتى القيود، و الحدود المصطنعة التي كانت تفصله قانوناً، هنا عن الحرف الأخرى، و هناك عن رفاقه بالذات في الحرفة، و هناك أيضاً عن صناعه و أجرائه، كانت تقلص بصورة ملحوظة الحلقة التي كان بوسعه أن يبحث ضمنها عن زوجة مناسبة له. و في هذا النظام المشوش، كانت مصالح العائلة، لا رغائبه الشخصية، هي التي تقرر أي خطيبة تناسبه أكثر من غيرها.



و عليه بقي عقد الزوج في عدد لا يحصى من الأحوال، حتى نهاية القرون الوسطى بالذات، ما كان عليه في البداية بالذات، أي قضية لا يحلها العازمون على الزواج أنفسهم. ففي البداية، كان الناس يولدون متزوجين، متزوجين من جماعة كاملة من أفراد الجنس الآخر. و في آخر أشكال الزواج الجماعي، بقي الوضع نفسه، أغلب الظن، و لكن الجماعة أخذت تتقلص أكثر فأكثر. و في ظل الزواج الثنائي، تتفق الأمهات، على العموم، بصدد زواجات أولادهن، و هنا أيضاً يعود الدور الفاصل إلى اعتبارات بشأن علاقات النسب الجديدة ينبغي لها أن تضمن للزوج و الزوجة الشابين مركزاً أثبت و أقوى في العشيرة و القبيلة. و عندما بدأ عهد سيادة الحق الأبوي و أحادية الزواج مع انتصار الملكية الخاصة على الملكية العامة و مع ظهور المصلحة في نقل الملكية بالوراثة، أصبح عقد الزواج آنذاك رهناً بكليته باعتبارات اقتصادية. إن شكل الزواج بالشراء يزول، و لكن هذا الزواج يجري، من حيث جوهر الأمر، على نطاق أوسع فأوسع، بحيث أنه صار للرجل أيضاً، علاوة على المرأة، سعر يحدد حسب ثروته لا حسب صفاته الشخصية. إن تغلب ميل الطرفين المتبادل على جميع الاعتبارات الأخرى عند عقد الزواج كان منذ البداية بالذات أمراً لا سابق له في ممارسة الطبقات السائدة. و لم يكن يحدث شيء من هذا القبيل إلا في عالم الروايات أو في أوساط الطبقات المظلومة التي لم يكن يحسب لها أي حساب.



ذلك كان الحال الذي وجده الإنتاج الرأسمالي عندما أخذ يستعد، بعد الاكتشافات الجغرافية، للسيطرة على العالم بفضل تطوير التجارة العالمية و المانيفاكتورة. كان يمكن الظن أن هذا الأسلوب لعقد الزواج سيكون أنسب أسلوب له، و هكذا كان بالفعل. و لكن- و سخرية التاريخ العالمي لا ينضب لها معين- الإنتاج الرأسمالي بالذات هو الذي كان مكتوباً له أن يشق هنا الثغرة الحاسمة. فبتحويله كل شيء إلى بضاعة، قضى على جميع العلاقات القديمة، التقليدية، و أقام الشراء و البيع و العقد "الحر" مقام العادات المتوارثة و الحث التاريخي. و ها هو ذا الحقوقي البريطاني ه.س.ماين يظن أنه حقق اكتشافاً في غاية الأهمية حين قال أن كل تقدمنا بالنسبة للعصور السابقة يتلخص في الانتقال [4]*from status to contract، أي من الشروط المتوارثة إلى الشروط المقررة بموجب عقد حر (77)، الأمر الذي قيل في "البيان الشيوعي"(78) بقدر ما هو صحيح على العموم.



و لكنه ينبغي لأجراء العقد أناس بمقدورهم أن يتصرفوا بحرية بأشخاصهم و أعمالهم و أملاكهم، و متساوون في الحقوق بعضهم حيال بعض. و لقد كان صنع هؤلاء الناس "الأحرار" و "المتساوين" شأناً من أكبر شؤون الإنتاج الرأسمالي. صحيح أن ذلك لم يحدث في البدء إلا بصورة نصف واعية و تجلبب خارجياً بجلباب ديني، و لكنه منذ الإصلاح اللوتري و الكلفيني ثبت المبدأ القائل أن الإنسان لا يتحمل كامل المسؤولية عن أعماله إلا إذا قام بها و هو متمتع بكامل حرية التقرير، و أن مقاومة كل إكراه على القيام بمسعى غير أخلاقي هي واجب أخلاقي. و لكن كيف كان يمكن أن يتوافق هذا المبدأ مع الممارسة السابقة لعقد الزواج؟ لقد كان الزواج، حسب المفهوم البرجوازي، عقداً، صفقة قانونية، له أهم الصفات لأنها كانت تقرر مصير جسد و روح شخصين مدة حياتهما بكاملها. من حيث الشكل، كانت هذه الصفقة تعقد آنذاك، و الحق يقال، طوعاً و اختياراً، فلم تكن تتم بدون موافقة الطرفين. و لكنه كان معلوماً جيداً جداً كيف كان يتم الحصول عل هذه الموافقة و من كان يعقد الزواج في الواقع. و فضلاً عن ذلك، إذا كانت تنبغي حرية التقرير الفعلية لإجراء العقود الأخرى، فلماذا لا تنبغي هذه الحرية في هذه الحالة، لأجراء عقد الزواج؟ ترى، ألم يكن للشاب و الشابة اللذين كان ينبغي الجمع بينها الحق في التصرف بحرية بشخصيهما، بجسدهما و أعضائه؟ ترى، ألم يكن الحب الزوجي حيال الحب الفروسي المقترن بالزنى، شكله البرجوازي الحقيقي؟ و لكن إذا كان واجب الزوجين أن يحب أحدهما الآخر، ترى، ألم يكن بالقدر نفسه واجب المحبين أن يتزوج أحدهما الآخر لا من أي ثالث؟ ترى، ألم يكن حق المحبين هذا يعلو على حق الوالدين و الأقارب و سماسرة و وسطاء الزواج العاديين الآخرين؟ و إذا كان حق الاختيار الشخصي الحر يقتحم بلا تكلف و لا انزعاج ميدان الكنيسة و الدين، فهل كان بوسعه أن يتوقف أمام ادعاءات الجيل الأكبر سناً التي لا تطاق بالتصرف بجسد الجيل الأصغر سناً و روحه و ماله و سعادته و بؤسه؟



و هذه الأسئلة كان لا بد أن تثار في زمن ضعفت فيه جميع عرى المجتمع القديمة و تزعزعت فيه جميع التصورات الموروثة عن الماضي. و قد كبر العالم دفعة واحدة زهاء عشر مرات، فعوضاً عن ربع نصف واحد من الكرة الأرضية، ظهرت الآن الكرة الأرضية كلها، أمام أنظار الأوروبيين الغربيين، فأسرعوا يستولون على الأرباع السبع الباقية. و مع الحواجز القديمة التي تعيق أسلوب التفكير التقليدي في القرون الوسطى منذ آلاف السنين. و أمام عين الإنسان و بصيرته، انفتح أفق أوسع بما لا حد له. فأي أهمية كان يمكن أن تتسم بها السمعة بالاستقامة و الامتيازات الحرفية المشرفة المتوارثة من جيل إلى جيل بالنسبة لشاب كانت تجتذبه و تسحره ثروات الهند و مناجم الذهب و الفضة في المكسيك و بوتوسي؟ كان ذلك، بالنسبة للبرجوازية، عهد الفرسان التائهين. و لقد كانت للبرجوازية أيضاً رومانطيقيتها و أحلامها و تأوهاتها الغرامية، و لكن على الطريقة البرجوازية و بأهداف برجوازية في آخر المطاف.



و هكذا أخذت البرجوازية الصاعدة- و لا سيما في البلدان البروتستانتية حيث تزعزع النظام القائم أكثر مما في البلدان الأخرى- تعترف أكثر فأكثر، بحرية إجراء العقد فيما يتعلق بالزواج أيضاً، و تمارس هذه الحرية بالطريقة الموصوفة أعلاه. لقد ظل الزواج زواجاً طبقياً، و لكن الطرفين المعنيين نالا في حدود طبقتهما حرية معينة في الاختيار. و على الورق، في الأخلاق النظرية و في الوصف الشعري، لم يقرر أي مبدأ بنحو أثبت و أرسخ من المبدأ القائل بلا أخلاقية كل زواج لا يقوم على الحب الجنسي المتبادل و على موافقة الزوجين الحرة حقاً و فعلاً. و بكلمة، نودي بزواج الحب من حق الإنسان، و ليس فقط من [5]** droit de l`homme ، بل أيضاً و على سبيل الاستثناء من ***[6] droit de la femme.



و لكن حق الإنسان هذا كان يختلف من ناحية عن جميع الحقوق الأخرى المسماة بحقوق الإنسان. و بما أن هذه الحقوق لم تشمل أيضاً في الواقع غير الطبقة السائدة،-الطبقة البرجوازية،- و لم تطبق مباشرة أو بصورة غير مباشرة بالنسبة للطبقة المظلومة، -البروليتاريا،- فإن سخرية التاريخ تبرز هنا من جديد. فإن الطبقة السائدة لا تزال خاضغة لسلطان مؤثرات اقتصادية معينة، و لهذا لا تقع في بيئتها زواجات معقودة فعلاً بحرية إلا بصورة استثنائية، بينا هذه الزواجات، كما رأينا، هي القاعدة في بيئة مظلومة.



و عليه، لا يمكن للحرية التامة في عقد الزواج أن تتحقق بصورة تامة و عامة إلا بعد أن يقضي إلغاء الإنتاج الرأسمالي و علاقات الملكية التي خلقها الإنتاج الرأسمالي، على جميع الاعتبارات الثانوية، الاقتصادية، التي لا تزال تؤثر الآن تأثيراً كبيراً في اختيار الزوج و الزوجة. و آنذاك لن يبقى أي دافع غير دافع الميل المتبادل.



و بما أن الحب الجنسي هو بطبيعته حب فردي صرف لا منازع فيه،- مع أنه لا يراعيه الآن بطبيعته هذه غير المرأة،- فإن الزواج القائم على الحب الجنسي هو إذن، بطبيعته، زواج أحادي. و لقد رأينا كم كان باهوفن على حق حينما اعتبر الانتقال من الزواج الجماعي إلى الزواج الأحادي خطوة تقدمية قامت بها النساء أساساً. إلا أن الخطوة التالية من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج كانت هي وحدها من صنع الرجال. و من حيث جوهر الأمر، أدت هذه الخطوة تاريخياً إلى تردي وضع المرأة و إلى تسهيل الخيانة الزوجية من جانب الرجال. و لذا، ما أن تزول الاعتبارات الاقتصادية التي كانت النساء يحتملن بسببها هذه الخيانة العادية الأليفة من جانب الرجل (الاهتمام بمعيشتهن بالذات و لا سيما بمستقبل أولادهن)، حتى تؤدي مساواة المرأة في الحقوق، المحقق بفضل ذلك، إلى الأمر التالي، إذا أخذنا بالحسبان كل الخبرة السابقة، و هو أنها ستيسر حقاً و فعلاً أحادية الزواج عند الرجل أكثر إلى ما لا حد له مما تيسر تعدد الأزواج عند النساء.



و لكنه في هذه الحال ستزول بكل تأكيد من أحادية الزواج تلك السمات المميزة التي طبعها بها نشوؤها من علاقات الملكية، و هذه السمات هي، أولاً، سيادة الرجل، و ثانياً، استحالة فسخ الزواج. إن سيادة الرجل في الزواج هي مجرد نتيجة لسيادته الاقتصادية، و ستزول من تلقاء ذاتها مع هذه الأخيرة. أما استحالة فسخ الزواج، فهي جزئياً عاقبة للظروف الاقتصادية التي نشأت في ظلها أحادية الزواج، و جزئياً تقليد من ذلك الزمن الذي لم تكن قد فهمت فيه بعد الصلة بين هذه الظروف الاقتصادية و أحادية الزواج فهماً صحيحاً و الذي كان فيه الدين يفسر هذه الصلة تفسيراً مشوهاً. إلا أن استحالة فسخ الزواج الاستحالة الظاهرية تنتهك في الوقت الحاضر في آلاف الأحوال. و إذا كان الزواج القائم على الحب هو وحده الزواج الأخلاقي، فإنه وحده يبقى كذلك ما دام الحب قائماً. و لكن مدة شعور الحب الجنسي الفردي تختف كثيراً باختلاف الأفراد، و لا سيما عند الرجال، و حين يستنفد كلياً أو يحل محله حب متأجج جديد، يغدو الطلاق عمل خير سواء بالنسبة للطرفين أم بالنسبة للمجتمع. و لكنه ينبغي فقط تجنيب الناس ضرورة الغوص في وحل دعوى الطلاق.



و لذا، إن ما يمكننا أن نفترضه الآن فيما يتعلق بأشكال العلاقات بين الجنسين بعد القضاء العتيد على الإنتاج الرأسمالي، يتسم على الأغلب بطابع سلبي، و يقتصر في أكثرية الأحوال على ما سيزول. و لكن أي عناصر ستحل محل العناصر الزائلة؟ إن هذا سيتقرر عندما ينمو الجيل الجديد، أي جيل من رجال لن يتأتي لهم أبداً في الحياة أن يشتروا المرأة بالمال أو بوسائل اجتماعية أخرى من وسائل السلطة، و جيل من نساء لن يتأتى لهن أبداً في الحياة أن يستسلمن لرجل بدوافع غير دافع الحب الحقيقي، و أن يمتنعن عن معاشرة الرجل المحبوب، خوفاً من العواقب الاقتصادية. و حين يظهر هؤلاء الناس، فإنهم لن يأبهوا أبداً لما ينبغي عليهم أن يفعلوا حسب الاعتبارات الحالية، فإنهم سيعرفون بأنفسهم ما ينبغي عليهم أن يفعلوه، و سيرسمون وفقاً لذلك رأيهم العام في سلوك كل فرد بمفرده، و هذا كل ما في الأمر.



و لكن لنعد إلى مورغان الذي ابتعدنا عنه كثيراً. إن دراسة المؤسسات الاجتماعية التي تطورت في مرحلة الحضارة دراسة تاريخية تتجاوز نطاق كتابه. و لهذا لا يتناول إلا بإيجاز مصير أحادية الزواج في سياق هذه المرحلة. و هو يرى كذلك في تطور العائلة الأحادية الزواج تقدماً، خطوة نحو المساواة التامة في الحقوق بين الجنسين، بيد أنه لا يعتبر أنه تم بلوغ هذا الهدف. و لكن، كما يقول،-



"إذا اعترفنا بأن العائلة قد مرت على التوالي بأربعة أشكال و بأنها الآن تمر بالشكل الخامس، واجهنا السؤال التالي:هل يمكن لهذا الشكل أن يدوم زمناً طويلاً في المستقبل؟ الجواب الممكن واحد وحيد، هو أنه لا بد لهذا لشكل أن يتطور بقدر ما يتطور المجتمع، و يتغير بقدر ما يتغير المجتمع، مثلما كان الحال فيما مضى. و بما أنه نتاج نظام اجتماعي معين، فنه سيعكس حالة تطوره. و بما أن العائلة الأحادية الزواج قد ترقت منذ بداية عصر الحضارة و لا سيما في العصر الحديث، ففي الوسع الافتراض، على الأقل، أن بمقدورها أن تترقى مستقبلاً، إلى أن تتحقق المساواة بين الجنسين. أما إذا تبين في مستقبل بعيد أن العائلة الأحادية الزواج غير قادرة على تلبية حاجات المجتمع، فمن المستحيل التنبؤ سلفاً بطابع العائلة التي ستليها" (79).



الهوامش:


(58)المقصود هنا المادة 230 من القانون المدني، الصادر في عهد نابليون عام 1804.



(59)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(60)هوميروس . "الأوذيسة". النشيد الأول.



(61)إسخيلوس. "أوريستية. أغممنون".



(62)بلوتارك. "أمثال الإسبرطيات". الفصل الخامس. راجعوا كذلك G.F. Schoemann. "Griechische Alterthümer" , Bd. I, Berlin, 1855. (غ. ف. شومان. "الأزمنة القديمة اليونانية" . المجلد الأول، برلين، 1855).



(63)الإسبرطيون، مواطنون كاملو الحقوق في إسبرطة القديمة. الهيلوت، سكان إسبرطة القديمة المحرومون من الحقوق، و المربوطون بالأرض و الملزمون بتقديم أتاوات معينة في صالح ملاكي الأراضي الإسبرطيين. لم يختلف وضع الهيلوت في شيء عن وضع العبيد.



(64)أرستوفانس. "النساء في عيد فسموفوريا".



(65)هيرودوتس. "التاريخ". الكتاب الثامن. الفصل 105. راجعوا كذلك W.Wachsmuth, "Hellenische Alterthumskunde aus dem Gesichtspunkte des Staates", Th. II Abth. II, Halle , 1830. (و. فاكسموت. "دراسة الأزمنة القديمة الهيللينية على صعيد أنظمتها السياسية". القسم الثاني، الباب الثاني، هالة، 1830).



(66)أوريبيدس. "أوريست".



(67)يورد إنجلس فكرة ظهرت في مؤلف ماركس و إنجلس "الإيديولوجية الألمانية".



(68)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(69)الهييرودول Hiérodule، في اليونان القديمة و المستعمرات اليونانية، العبيد و العبدات التابعون للهياكل. في كثير من لأنحاء، و لا سيما في مدن آسيا الصغرى و في كورنثيا، كانت النساء الهييرودول يتعاطين الدعارة في الهياكل.



(70)تاقيطس. "جرمانيا"، الفصلان 18 و 19.



(71)أميان مرسيللان. "التاريخ في 31 كتاباً". الكتاب الحادي و الثلاثون، الفصل التاسع. بروكوبيوس من قيصرية. "الحرب ضد القوط"، الكتاب الثاني، الفصل الرابع عشر. (الكتاب السادس من "تاريخ حروب بوسطينيانوس ضد الفرس و الفندال و القوط").



(72)المقصود شعر التروبادور (المغنين الجوالين) في فرنسا الجنوبية أواخر القرن الحادي عشر حتى أوائل القرن الثالث عشر).



(73)هنا يحور إنجلس مقطعاً من مؤلف شارل فوريه "Théorie de l unité universelle":Vol: III-2-em éd. Oeuvres complètes, t. IV, Paris, 1841.(شارل فوريه."نظرية وحدة الكون"، المجلد الثالث. الطبعة الثانية. المؤلفات الكاملة، المجلد الرابع، باريس، 1841). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف تحت اسم "Traité de l association domestique- agricole", T. I-II, Paris- London, 1882 ("بحث في الرابطة البيتية الزراعية". المجلدان الأول و الثاني، باريس، 1822).



(74)دفنيس و كلويا- بطلا رواية يونانية من القرنين الثاني و الثالث. لم تبق عن مؤلفها لونغ أي معلومات.



(75)"أغنية نيبيلونغ". الأغنية العاشرة.



(76)"غودرون" (أو "كودرون") – قصيدة ملحمية ألمانية من القرن الثالث عشر.



(77)H.S. Maine. "Ancient Law: its Connection with the Early History of Society, and its Relation to Modern Ideas"(هنري سامنر ماين. "القانون القديم: صلته مع التاريخ الباكر للمجتمع، و علاقته بالمفاهيم القانونية العصرية")، صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن عام 1861، المقطع الذي أشار إليه إنجلس ورد في الصفحة 170 من هذه الطبعة.



(78)كارل ماركس و فريدريك إنجلس. "بيان الحزب الشيوعي". الفصل الأول.



(79)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).





--------------------------------------------------------------------------------

[1] قوانين نابليون. الناشر.

[2] في اللغة اليونانية، ثلاثة أجناس: المذكر و المؤنث و المحايد. المعرب.

[3] الجملة الأخيرة أضافها إنجلس إلى طبعة عام 1891. الناشر.


[4] من الأمر الواقع إلى العقد. الناشر.


[5] بالفرنسية في النص الأصلي. و هنا، لعب على الكلام. فإن تعبير droit de l`homme يعني "حق الإنسان" و كذلك "حق الرجل". الناشر.

[6] حق المرأة. الناشر.

3 ـ عشيرة الإيروكوا

ننتقل الآن إلى اكتشاف آخر لمورغان يتسم على الأقل بنفس القدر من الأهمية الذي يتسم به بعث الشكل البدائي للعائلة على أساس أنظمة القرابة. فقد أثبت مورغان أن جماعات الأقرباء بالدم، المسماة بأسماء الحيوانات، في داخل قبيلة من الهنود الحمر الأميركيين، مماثلة من حيث الجوهر لـ genea اليونانيين و لـ gentes الرومانيين، و أن الشكل الأميركي هو الشكل الأولي، و أن الشكل اليوناني الروماني هو الشكل اللاحق، المشتق، و أن لتنظيم اليونانيين و الرومانيين الاجتماعي كله في الأزمنة البدائية في عشيرة و "فراترية" phratria و قبيلة، مقابلاً دقيقاً في تنظيم الهنود الحمر الأميركيين، و أن العشيرة هي (بقدر ما تسمح لنا مصادرنا الحالية بالحكم عليها) مؤسسة مشتركة بين جميع الشعوب حتى دخولها في عهد الحضارة بله في مرحلة لاحقة.إن هذا البرهان قد أوضح على الفور أصعب أقسام التاريخ اليوناني و الروماني و أعطانا في الوقت نفسه تفسيراً غير متوقع للسمات الأساسية للنظام الاجتماعي في الأزمنة البدائية، قبل نشوء الدولة. و مهما بدا هذا لاكتشاف بسيطاً بعد الاطلاع عليه و معرفته، فإن مورغان لم يكتشفه مع ذلك إلا في الآونة الأخيرة، ففي كتابه السابق الذي صدر في عام 1871 (80)، لم يكن قد تسرب بعد إلى هذا السر الذي أجبر اكتشافه مذ ذاك الخبراء الإنجليز في التاريخ البدائي، الواثقين عادة فائق الثقة بأنفسهم، على لزوم الصمت فترة من الوقت.



إن الكلمة اللاتينية gens ("جنس") التي يستعملها مورغان في كل مكان ليعني بها هذه الجماعة العشيرية، تنحدر مثلها مثل الكلمة اليونانية المناسبة genos، من الأصل الآري الواحد gan (بالألمانية kan، إذ أن الحرف الآري g يتحول حسب القاعدة العامة في الألمانية إلى k) الذي يعني "ولد"، "نسل". إن gens، genos، و dschanas السنسكريتية و kuni الغوطية (بموجب القاعدة المذكورة آنفاً)، و kyn السكاندينافية القديمة و الأنجلو سكسونية، و kin الإنجليزية، و künne بالألمانية- العليا الوسطى، تعني جميعها "نسب"،"أصل". و لكن gens اللاتينية و genos اليونانية تستعملان خصيصاً لتسمية جماعة عشيرية تعتز بأصلها المشترك (و هنا، من جد واحد مشترك) و تشكل بحكم مؤسسات اجتماعية و دينية معينة، جماعة خاصة متميزة لا يزال أصلها و طبيعتها مع ذلك غير واضحين حتى الآن بالنسبة لجميع مؤرخينا.



و قد سبق و رأينا، عند دراسة العائلة البونالوانية، تركيب العشيرة بشكلها الأولي، البدائي، فهي تتألف من جميع الأشخاص الذين يشكلون، عن طرق الزواج البونالواني و بموجب التصورات السائدة حتماً في ظل هذا الزواج، الذرية المعترف بها لجدة واحدة معينة، هي مؤسسة العشيرة. و بما أنه لا تمكن في ظل هذا الشكل للعائلة معرفة الأب بدقة و ثبوت، فلا يؤخذ بالحسبان إلا خط المرأة، حبل النسل النسائي. و بما أنه لا يحق للأخوة أن يتزوجوا أخواتهم، و بما أنه لا يحق لهم أن يتزوجوا إلا من نساء من أصل آخر، من خط آخر، فإن الأولاد الذين تلدهم هؤلاء النساء الغريبات عنهم يكونون، بحكم الحق الأمي، خارج العشيرة المعنية. و لذا لا يبقى داخل الجماعة العشيرية غير أخلاف بنات كل جيل، أما أخلاف الأبناء فإنهم ينتقلون إلى عشائر أمهاتهم. و ماذا يحدث لهذه الجماعة من أقرباء الدم بعد أن تتشكل في جماعة خاصة، متميزة، بالنسبة للجماعات المماثلة الأخرى في داخل القبيلة.؟



و يأخذ مورغان العشيرة عند الإيروكوا، و على الأخص عند قبيلة "سينيكا" كشكل كلاسيكي لهذه العشيرة البدائية. ففي هذه القبيلة توجد ثماني عشائر مسماة بأسماء حيوانات: 1- الذئب، 2- الدب، 3- السلحفاة، 4- القندس، 5- الأيل، 6- دجاجة الأرض، 7- مالك الحزين، 8- الصقر.



و لكل عشيرة العادات التالية:



1.تنتخب العشيرة "ساخماً" sachem (شيخاً في زمن السلم) و زعيماً (قائداً عسكرياً). و كان ينبغي انتخاب "الساخم" من قوام العشيرة بالذات، و كانت وظيفته تنتقل بالوراثة داخل العشيرة، لأنه كان ينبغي، في حال فراغها، إملاؤها من جديد على الفور. و كان يمكن انتخاب القائد العسكري من غير أعضاء العشيرة أيضاً، و كان يمكن أحياناً الاستغناء عنه تماماً. و كان ابن "الساخم"السابق لا ينتخب أبداً "ساخما"، لأن الحق الأمي كان السائد عند الإيروكوا، و لأن الابن كان بالتالي ينتسب إلى عشيرة أخرى، و لكن أخ "الساخم" السابق أو ابن أخته هو الذي كان ينتخب في أحيان كثيرة. و كان الجميع، رجالاً و نساء، يشتركون في الانتخابات. و لكن الاختيار كان يخضع لمصادقة العشائر السبع الأخرى، و بعد هذا فقط كان المختار ينصّب باحتفال في وظيفته من قبل المجلس المشترك لاتحاد الإيروكوا العام. و فيما يلي من البحث، ستتضح أهمية هذا الواقع. فقد كانت سلطة "الساخم" داخل العشيرة سلطة أبوية، ذات طابع معنوي صرف، و لم تكن لديه أي وسائل للإكراه. و فضلاً عن ذلك كان بحكم وظيفته عضواً في مجلس قبيلة "سينيكا" و عضواً في المجلس المشترك لاتحاد الإيروكوا العام. و لم يكن بوسع الزعيم العسكري أن يصدر الأوامر إلا في زمن الحملات الحربية.



2.تقيل العشيرة بملء إرادتها "الساخم" و الزعيم العسكري. و هذا الأمر أيضاً يقرره الرجال و النساء معاً. و بعد الإقالة، يصبح المقالون محاربين عاديين، أفراداً عاديين، مثلهم مثل الآخرين. و من جهة أخرى، يستطيع مجلس القبيلة أيضاً أن يقيل "الساخم" حتى رغم إرادة العشيرة.



3.لا يحق لأي من أعضاء العشيرة أن يتزوج في داخل العشيرة. و هذه هي القاعدة الأساسية في العشيرة، و العروة التي تشد لحمتها، و هي تعبير سلبي عن تلك القرابة بالدم المحددة تماماً و التي هي وحدها تجعل من الأفراد الذين تشملهم عشيرة. و باكتشاف هذا الواقع البسيط، اكتشف مورغان للمرة الأولى جوهر العشيرة. أما ما أقل ما كانوا يفهمون قبل ذاك هذا الجوهر، فتبينه القصص السابقة عن المتوحشين و البرابرة حيث المجموعات التي تشكل عناصر العشيرة تختلط بدون تفهمن و تمييز تحت أسماء: قبيلة و "كلان" و "توم" thum، الخ.، و حيث يقال أحياناً كثيرة أن الزواج ممنوع داخل هذه أو تلك من هذه المجموعات. و هذا ما خلق ذلك التشوش المستعصي الذي استطاع السيد ماك-لينان أن يقوم فيه بدور نابليون لكي يبسط النظام بحكم مبرم: جميع القبائل تنقسم إلى قبائل الزواج ممنوع في داخلها (القبائل الخارجية الزواج) و إلى قبائل الزواج مسموح في داخلها (القبائل الداخلية الزواج). و بعد تشويش المسألة على هذا النحو انصرف إلى أبحاث في منتهى العمق ليعرف أياً من هاتين المقولتين السخيفتين أقدم عهداً، مقولة الزواج الخارجي أم مقولة الزواج الداخلي. و قد تبددت هذه السخافة من تلقاء ذاتها عند اكتشاف العشيرة القائمة على قرابة الدم و عند اكتشاف استحالة الزواج بين أعضاء العشيرة بسبب هذه القرابة- و بديهي أن تحريم الزواج داخل العشيرة في الطور الذي نجد فيه الإيروكوا لا يزال ساري المفعول بكل صرامة.



4.كانت أموال الموتى تنتقل إلى أعضاء العشيرة الباقين، و كان ينبغي أن تبقى داخل العشيرة. و بما أن الأشياء التي كان يمكن أن يخلفها الإيروكي بعد موته زهيدة جداً، فإن أقرب أقربائه كانوا يتقاسمونها فيما بينهم، فإذا توفي رجل، تقاسم التركة أخوته و أخواته من أمه و خاله، و إذا توفيت امرأة، تقاسم التركة أولادها و أخواتها من أمها، دون أخوتها. و لسبب نفسه، لم يكن بإمكان الزوج و الزوجة أن يرث أحدهما الآخر، و كذلك لم يكن بإمكان الأولاد أن يرثوا أباهم.



5.كان أعضاء العشيرة ملزمين بعضهم حيال بعض بتقديم المساعدة و الحماية و لا سيما بالمساهمة في أخذ الثأر عن أذى ألحقه الغير. و كان كل فرد يتكل على حماية العشيرة فيما يتعلق بضمان أمنه و سلامته، و كان بوسعه الاعتماد عليها، فإن من كان يؤذيه إنما كان يؤذي بالتالي عشيرة بأسرها. و من هنا، من روابط الدم في العشيرة، نشأ واجب أخذ الثأر، الذي كان يعترف به الإيروكوا بلا قيد و لا شرط. فإذا قتل عضو من العشيرة شخصاً من عشيرة أخرى، فإن كل عشيرة القتيل كانت ملزمة بأخذ الثأر. في البدء كانت تجري محاولة للصلح. فإن مجلس عشيرة القاتل كان يجتمع و يعرض على مجلس عشيرة القتيل إنهاء المشكلة حبياً، معرباً في معظم الأحيان عن أسفه و مقدما هدية كبيرة. فإذا قبل العرض، اعتبر الخلاف مفضوضاً، و إلا، فإن العشيرة المتضررة كانت تعين شخصاً أو عدة أشخاص من أجل الانتقام، و كان هؤلاء ملزمين بأن يتتبعوا القاتل و يقتلوه. و إذا تم ذلك، فلم يكن يحق لعشيرة هذا الأخير أن تتشكى و تطالب، و كان الخلاف يعتبر مفضوضاً.



6.تملك العشيرة أسماء معينة أو مجموعات من الأسماء لا يحق لغيرها في القبيلة كلها أن يستعملها، و هكذا كان اسم كل فرد بمفرده يبين كذلك العشيرة التي ينتسب إليها. و كان كل اسم مقروناً بالضرورة بحقوق العشيرة التي يخصها هذا الإسم.



7.وسع العشيرة أن تتبنى أغراباً، و أن تقبلهم بالتالي كأعضاء في القبيلة بأسرها. و عليه كان أسرى الحرب الذين لا يقتلونهم يصبحون، بحكم تبنيهم في عشيرة ما، أعضاء في قبيلة سينيكا و ينالون بالتالي جميع حقوق العشيرة و القبيلة. و كان التبني يجري باقتراح من مختلف أعضاء العشيرة، باقتراح النساء اللواتي يأخذن الغريب كإبن، و للمصادقة على التبني، كان ينبغي إقامة احتفال خاص بالقبول في العشيرة. و في كثير من الأحيان، كانت بعض العشائر المستضعفة لأسباب قاهرة تقوى على هذا النحو عدداً بتبني أعضاء عشيرة أخرى بالجملة، بموافقة هذه العشيرة الأخيرة. و عند الإيروكوا، كان القبول الاحتفالي في العشيرة يجري أثناء جلس علنية لمجلس القبيلة، الأمر الذي كان يحول عملياً هذا الإجراء إلى احتفال ديني.



8.من العسير تقديم البرهان على وجود احتفالات دينية خاصة عند عشائر الهنود الحمر، و لكن احتفالات الهند الحمر الدينية ترتبط إلى هذا الحد أو ذاك بالعشيرة. و في أعياد الإيروكوا الدينية السنوية الستة، كان "الساخمات" و القادة العسكريون في كل عشيرة يعتبرون، بحكم وظائفهم، من عداد "حراس الإيمان" و يقومون بوظائف الكهان.



9.تملك العشيرة مدفناً مشتركاً. و قد زال هذا المدفن الآن عند الإيروكوا بولاية نيويورك الذين يضيق عليه البيض من جميع الجهات، و لكنه كان موجوداً من قبل. و هو لا يزال موجوداً عند الهنود الحمر الآخرين، و منهم مثلاً أقرباء الإيروكوا، التوسكارورا، فعند هؤلاء في المدفن، رغم أنهم مسيحيون، صف خاص بكل عشيرة، بحيث أنهم يدفنون الأم، لا الأب، قرب الأولاد في صف واحد. ناهيك بأن كل عشيرة المتوفى عند الإيروكوا تشترك في الدفن و تعني بالمدفن و كلمات التأبين، الخ..



10.للعشيرة مجلس هو عبارة عن جمعية ديموقراطية لجميع أعضاء العشيرة الراشدين، رجالاً و نساءً، و لجميعهم الحق نفسه في التصويت. كان هذا المجلس ينتخب و يقيل "الساخمات"، و القادة العسكريين، و كذلك "حراس الإيمان" الآخرين. و كان المجلس يتخذ القرارات بشأن فدية (vergeld، ثمن الدم) أو أخذ ثأر القتلى من أعضاء العشيرة، و كان يقبل الأغراب في قوام العشيرة. و بكلمة، كان المجلس السلطة العليا في العشيرة.



هذه هي وظائف العشيرة النموذجية من الهنود الحمر.



"جميع أعضائها أناس أحرار و ملزمون بحماية حرية بعضهم بعضاً، و متساوون في الحقوق الشخصية- فلا "الساخمات" و لا القادة العسكريون يدعون بأي أفضليات. و هم يشكلون أخوية تشد لحمتها روابط الدم. إن الحرية و المساواة و الأخوة كانت المبادئ الأساسية في العشيرة، رغم أنها لم تتبلور يوماً في صيغة معينة، و كانت العشيرة بدورها وحدة نظام اجتماعي كامل و أساس مجتمع الهنود الحمر المنظم. و هذا ما يفسر الشعور الثابت الذي لا يلين بالاستقلال و بالكرامة الشخصية، ذلك الشعور الذي يعترف به كل امرئ للهنود الحمر"(81).



في عهد اكتشاف أمريكا، كان الهنود الحمر في عموم أميركا الشمالية منظمين في عشائر حسب الحق الأمي. إلا في بعض القبائل، كقبيلة داكوتا، مثلاً، كانت العشائر قد زالت، و كانت عند بعضها الآخر، كما عند قبيلتي أودجيبفه و أوماها، منظمة حسب الحق الأبوي.



و عند عدد كبير جداً من قبائل الهنود الحمر التي تضم كل منها خمس أو ست عشائر، نجد ثلاث أو أربع عشائر أو أكثر متجمعة في جماعة خاصة يسميها مورغان فراترية phratria (أخوية fraternité)، مترجماً اسمها الهندي بكل أمانة إلى مقابله اليوناني. فعند قبيلة سينيكا، مثلاً، فراتريتان (أخويتان)، الفراترية الأولى تضم العشائر 1-4 و الفراترية الثانية تضم العشائر 5-8. و قد بين المزيد من البحث و الدراسة أن هاتين الفراتريتين تمثلان في معظم الحالات العشائر الأولية التي انقسمت إليها القبيلة للمرة الأولى. لأنه كان ينبغي بالضرورة على كل قبيلة أن تشمل عشيرتين على الأقل لكي تتمكن من العيش بصورة مستقلة، لأن الزواج كان ممنوعاً داخل العشيرة.و بقدر ما كانت القبيلة تنمو، كانت كل عشيرة تنقسم بدورها إلى عشيرتين أو أكثر كانت كل منها تظهر بأنها عشيرة مستقلة، بينا العشيرة الأولية التي تشمل جميع العشائر البنات تظل قائمة بوصفها فراترية. و عند قبيلة سينيكا و أغلبية الهنود الحمر الآخرين، تعتبر عشائر فراترية واحدة عشائر شقيقة،بينا عشائر الفراترية الأخرى تعتبر بالنسبة لها عشائر شقيقة من الدرجة الثانية، - و هذه تعابير لها في نظام القرابة الأميركي، كما سبق و رأينا، معنى فعلياً جداً و واسع الدلالة. ففي البدء، لم يكن بوسع أي عضو من قبيلة سينيكا أن يتزوج في داخل فراتريته، و لكن هذه العادة زالت من زمان بعيد، و لا يسري مفعولها إلا ضمن العشيرة. و تقول أساطير قبيلة سينيكا أن عشيرتي "الدب" و "الأيل" كانتا العشيرتين الأوليين اللتين تحدرت منهما العشائر الأخرى. و ما أن رسخ هذا التنظيم الجديد، حتى أخذ يتغير حسب الحاجة، فإذا اندثرت عشائر فراترية من الفراتريات، كانت عشائر بكاملها تنتقل إليها، على سبيل التعويض، في كثير من الأحيان، من فراتريات أخرى. و لهاذ نرى عند مختلف القبائل عشائر بالأسماء نفسها، متجمعة بصور مختلفة في فراتريات.



إن وظائف الفراتريات عند الإيروكوا هي اجتماعية جزئياً و دينية جزئياً:



1.تلعب الفراتريات في الكرة إحداها ضد الأخرى. و كل فراترية تنتدب خيرة لاعبيها، بينا الباقون يشاهدون اللعب، كل فراترية في مكان خاص بها، و يراهنون بعضهم بعضاً على انتصار لاعبيهم.



2.في مجلس القبيلة، يجلس ساخمات كل فراترية و قادتها العسكريون معاً، جماعة مقابل جماعة، و كل خطيب يخاطب ممثلي كل فراترية كأنما يخاطب فئة خاصة، متميزة.



3.إذا وقعت في القبيلة جريمة قتل، و إذا كان القاتل و القتيل لا ينتسبان إلى الفراترية ذاتها، فإن العشيرة المنكوبة كانت في كثير من الأحيان تستنجد بالعشائر الشقيقة، و آنذاك كانت تعقد مجلس الفراترية و تطلب من الفراترية الأخرى ككل أن تعقد هذه الأخيرة بدورها مجلسها لأجل تسوية القضية. و هكذا تظهر الفراترية هنا من جديد بوصفها العشيرة الأولية، البدائية،-و على هذا النحو كانت احتمالات النجاح تتوفر للفراترية أكثر مما للعشيرة المنفردة، الضعيفة، المتحدرة منها.



4.في حال وفاة الأشخاص البارزين، كانت الفراترية المقابلة تأخذ على عاتقها أمر الاهتمام بالدفن و مراسم الجنازة، بينا كان أعضاء فراترية المتوفى يشتركون في الدفن بوصفهم أقارب الراحل. و إذا توفي "الساخم"، كانت الفراترية المقابلة تنبئ مجلس الإيروكوا الاتحادي بفراغ المنصب.



5.و عند انتخاب "الساخم" كان مجلس الفراترية يدخل الحلبة أيضاً. فقد كانت مصادقة العشائر الشقيقة على الانتخاب تعتبر بمثابة أمر بديهي، و لكنه كان بوسع عشائر الفراترية الأخرى تقديم اعتراض. و في هذه الحالة، كان مجلس هذه الفراترية ينعقد. فإذا اعتبر الاعتراض صحيحاً، فإن الانتخاب يصبح باطلاً لا مفعول له.



6.من قبل، كان عند الإيروكوا أسرار دينية خاصة سماها البيض médicine- lodges *[1]. و هذه الأسرار الدينية كانت تحتفل بها عند قبيلة سينيكا أخويتان دينيتان تتبعان قواعد خاصة لإشراك الأعضاء الجدد في معرفة هذه الأسرار. و كان لكل فراترية من الاثنتين أخوية واحدة.



7.و إذا كانت الـ lineages (الأسباط) الأربعة التي كانت تسكن أحياء تلاسخالا الأربعة في زمن الفتح (82) أربع فراتريات،- و هذا أمر لا ريب فيه تقريباً،- فإن هذا يثبت أن الفراتريات كانت في الوقت نفسه وحدات عسكرية، شأنها شأن الفراتريات عند اليونانيين و شأن جماعة عشيرية مماثلة عند الجرمان. و هذه الـ lineages الأربعة كانت تدخل المعركة كل منها كفصيلة خاصة متميزة لها لباسها الخاص و رايتها الخاصة، و تحت أمرة زعيمها الخاص.



و كما أن بضع عشائر تؤلف فراترية، كذلك تؤلف بضع فراتريات قبيلة، إذا أخذنا بالحسبان الشكل الكلاسيكي. و في بعض الحالات، لا توجد عند القبائل المستضعفة جداً الحلقة الوسطية، أي الفراترية. فما الذي يميز إذن قبيلة الهنود الحمر في أميركا؟



1.الأرض الخاصة و الاسم الخاص. فكل قبيلة كانت تملك، عدا مكان إقامتها الفعلي، منطقة كبيرة من الأرض لأجل الصيد البري و المائي. و فيما وراء حدود هذه المنطقة كان يقع قطاع حيادي شاسع يمتد حتى حدود أرض أقرب قبيلة، و كان هذا القطاع أضيق بين القبائل التي تتكلم بلغات متقاربة، و أوسع بين القبائل التي تتكلم بلغات مختلفة. إن هذا القطاع هو مثل الغابة- الحد عند الجرمان، و الربع الخالي الذي كان suéves (سويف) القيصر ينشئونه حول أرضهم، و îsarnholt (بالدانماركية jarnved, limes Danicus) بين الدانماركية و الجرمان، و الغاب الساكسوني و branibor (بالسلافية:"الغابة الحامية")- التي جاء منها اسم براندنبورغ- بين الجرمان و السلاف. و كانت المنطقة المحددة على هذا النحو غير واضحة تشكل بلد القبيلة العام المشترك، و كانت القبائل المجاورة تعترف بها بهذه الصفة، و كانت القبيلة المعنية تحميها من الاعتداءات. و في معظم الأحيان ، لم يكن عدم وضوح الحدود يمسي في الواقع أمرً مزعجاً إلا عندما كان عدد السكان ينمو كثيراً جداً. – و يبدو أن أسماء القبائل كانت تنشأ في معظم الأحيان بفعل الصدفة أكثر مما كانت نتيجة اختيار مقصود. و مع مرور الزمن، كان يحدث أحياناً كثيرة أن تطلق القبائل المجاورة على القبيلة اسماً يختلف عن الاسم الذي اختارته هي لنفسها، مثلما أطلق السلت على الألمان اسمهن المشترك الأول في التاريخ، و هو اسم "الجرمان".



2.لهجة dialecte خاصة تتميز بها هذه القبيلة وحدها. و في الواقع تتطابق القبيلة و اللهجة من حيث جوهر الأمر. إن التشكل الجديد للقبائل و اللهجات من جراء الانقسامات كان لا يزال يجري لأمد قريب في أميركا، و من المؤكد أنه لم يتوقف بعد كلياً الآن. و حيث كانت تندمج قبيلتان ضعفتا عددياً في قبيلة واحدة، كان يحدث بصورة استثنائية أن يتكلموا في القبيلة نفسها بلهجتين متقاربتين جداً. إن متوسط عدد أفراد كل من القبائل الأميركية أقل من 2000 شخص، و لكن أفراد قبيلة تشيروكي 26000، و هذا أكبر عدد من الهنود الحمر في أميركا يتكلمون بلهجة واحدة.



3.الحق في الاحتفال بتنصيب "الساخمات" و القادة العسكريين الذين انتخبتهم العشائر.



4.الحق في إقالتهم، حتى رغم إرادة عشيرتهم. و بما أن هؤلاء الساخمات و القادة العسكريين هم أعضاء في مجلس القبيلة، فإن حقوق القبيلة هذه حيالهم تفسر نفسها بنفسها. و حيث كان يتشكل اتحاد من قبائل و حيث كانت جميع القبائل الداخلة فيه تتمثل في مجلس اتحادي، كانت هذه الحقوق تنتقل إلى هذا المجلس.



5.تصورات دينية مشتركة (ميثولوجيا) و طقوس دينية مشتركة.



"كان الهنود الحمر، على طريقتهم البربرية، شعباً دينياً"(83).



إن ميثولوجيا الهنود الحمر لم تكن أبداً حتى الآن موضع دراسة انتقادية، فقد كانوا يضفون على أغراض تصوراتهم الدينية- الأرواح من كل شاكلة و طراز-سيماء بشرية، و لكن الطور الأدنى من البربرية الذي كانوا قد بلغوه لا يعرف بعد التشخيصات الواضحة، الملموسة، المسماة بالأصنام. كانت تلك عبادة الطبيعة و عناصر تتطور نحو تعدد الآلهة. و كانت لمختلف القبائل أعياد منتظمة مرفقة بأشكال معينة من الطقوس، هي الرقصات و الألعاب. و كانت الرقصات على الأخص جزءً جوهرياً لا يتجزأ من جميع الاحتفالات الدينية. و كانت كل قبيلة تحتفل بأعيادها بمفردها.



6.مجلس القبيلة لبحث الشؤون المشتركة، العامة. و كان يتألف من جميع الساخمات و جميع القادة العسكريين لمختلف العشائر، أي من ممثليها الحقيقيين، لأنه كان يمكن دائماً إقالتهم. كان المجلس يعقد جلساته علناً، محاطاً بسائر أعضاء القبيلة، و كان لهؤلاء الحق في الاشتراك في المناقشة و في عرض آرائهم. و كان المجلس هو الذي يقرر. و على العموم، كان في وسع كل حاضر أن يعرب عن رأيه، إذا ما رغب في ذلك. كما كان في وسع النساء أيضاً عرض اعتباراتهن بواسطة الخطيب الذي ينتخبنه. و عند الإيروكوا، كان الإجماع ضرورياً لاتخاذ القرار النهائي، كما كان الحال في الماركات- المشاعات الألمانية لأجل حل بعض القضايا. و كانت صلاحيات مجلس القبيلة تشمل مثلاً تسوية العلاقات مع القبائل الأخرى. و كان مجلس القبيلة يستقبل السفراء و يرسل السفراء، و يعلن الحرب و يعقد الصلح. و إذا نشبت الحرب، فقد كان المتطوعون هم الذي يخوضون غمارها على العموم. و من حيث المبدأ، كانت كل قبيلة تعتبر في حالة حرب مع كل قبيلة أخرى لم تعقد معها معاهدة صلح حسب الأصول. و في معظم الأحوال، كان المحاربون البارزون ينظمون بصورة فردية الحملات الحربية ضد الأعداء من هذا النوع، فكانوا ينظمون الرقص الحربي، و كل من يشترك في هذا الرقص كان يصرح بالتالي بانضمامه إلى الحملة و على الفور كانت الفصيلة تنتظم و تبدأ العمل. كذلك الدفاع عن الأرض التي تخص القبيلة إنما كان يتأمن في معظم الأحوال بتعبئة المتطوعين. و دائماً كان ذهاب هذه الفصائل و عودتها من القتال مناسبة لاحتفالات عامة. و لم تكن ثمة حاجة إلى موافقة مجلس القبيلة على مثل هذه الحملات، و لم تكن هذه الموافقة موضع سؤال و عطاء. و هذا ما يشبه تماماً الحملات الحربية الخاصة التي كانت تقوم بها العصائب الجرمانية، كما وصفها لنا تاقيطس (84)، إلا أن هذه العصائب اكتسبت عند الجرمان طاباً أكثر دواماً، و هي تشكل نواة ثابتة تنتظم في زمن السلم و يلتف حولها في زمن الحرب المتطوعون الآخرون. و نادراً ما كانت هذه الفصائل الحربية تضم عدداً كبيراً من الأفراد، فإن أكبر حملات الهنود الحمر الحربية، حتى على مسافات كبيرة، كانت تقوم بها قوات حربية ضئيلة. و إذا اتحد بعض من هذه الفصائل للقيام بمشروع كبير إلى هذا الحد أو ذاك، فإن كلاً منها كانت لا تخضع إلا لزعيمها بالذات، أما وحدة خطة الحملة، فقد كان يؤمنها، بهذه الدرجة أو تلك، مجلس هؤلاء الزعماء. و بهذه الطريقة أيضاً، كان الألمان في أعالي الرين يخوضون غمار الحرب في القرن الرابع، حسبما جاء في وصف أميان مرسيللان.



7.عند بعض القبائل، نجد زعيماً أعلى، صلاحياته مع ذلك ضئيلة جداً. و هو واحد من "الساخمات" ينبغي عليه، في الأحوال التي تقتضي العمل الفوري، أن يتخذ إجراءات مؤقتة إلى أن يتمكن المجلس من الانعقاد و يتخذ القرار النهائي. و هنا نجد نموذجاً مسبقاً لموظف يتمتع بالسلطة التنفيذية، و لكنه نموذج لا يزال في أوائل عهده و لم يتطور فيما بعد في معظم الأحوال. إلا أن هذا، كما سنرى فيما بعد، قد ظهر في معظم الأحوال، إن لم يكن دائماً، نتيجة لتطور سلطة القائد العسكري الأعلى.



إن الأغلبية الساحقة من الهنود الحمر الأميركيين لم يتجاوزوا درجة الاتحاد في قبيلة. و كانت قبائلهم القليلة، التي تفصلها بعضها عن بعض رقع عريضة جداً من الأراضي، و التي أضعفتها الحروب الدائمة، تشغل، بعدد قليل من الناس، أرحاباً شاسعة. و هنا و هناك كانت القبائل التي تجمع بينها صلات القربى تعقد الاتحادات بحكم ضرورة مؤقتة، و كانت هذه الاتحادات تزول بزوال هذه الضرورة. و لكن القبائل التي كانت تجمع بينها أولاً صلات القربى، و التي تفرقت فيما بعد، تجمعت من جديد في بعض المناطق في اتحادات دائمة، و بذلك خطت الخطوة الأولى نحو تشكل الأمم. و في الولايات المتحدة نجد عند الإيروكوا الشكل الأكثر تطوراً لاتحاد من هذا النوع. فإن الإيروكوا قد نزحوا من مكان إقامتهم في غربي نهر الميسيسيبي حيث كانا يؤلفون، حسب كل احتمال، فرعاً من جماعة الداكوتا الكبيرة، و أقاموا بعد ترحلات طويلة في ولاية نيويورك الحالية، و انقسموا إلى خمس قبائل: سينيكا، كايوغا، أونونداغا، أونيدا، موهاوك. و كانوا يعيشون من صيد السمك و الصيد البري و البستنة البدائية. و كانوا يسكنون في قرى تحميها الأسيجة الوتدية في معظم الأحوال. و لم يبلغ عددهم أبداً أكثر من 20000 شخص، و كانت في جميع قبائلهم الخمس بعض عشائر مشتركة، و كانوا يتكلمون بلهجات متقاربة جداً من لغة واحدة، و يسكنون في رقعة متصلة من الأرض جرى تقاسمها بين القبائل الخمس. و بما أنهم كانوا قد استولوا على هذه لأرض من زمن غير بعيد، فإن الأعمال المشتركة ين هذه القبائل الظافرة ضد القبائل المطرودة أصبحت ظاهرة طبيعية و من حكم العادة. و على هذا النحو، تكون في مستهل القرن الخامس عشر على أبعد حد، "اتحاد أبدي"-اتحاد تعاهدي confédération ، أحس بقواه الجديدة، فاكتسب على الفور طابعاً هجومياً، و استولى في أوج بأسه، حوالي عام 1675، على رقعة كبيرة من الأراضي المحيطة به، طارداً السكان من بعضها و فارضاً الجزية على سكان بعضها لآخر. إن اتحاد الإيروكوا التعاهدي هو أرقى تنظيم اجتماعي توصل إليه الهنود الحمر قبل أن يتجاوزوا الدرجة الدنيا من البربرية (ما عدا، بالتالي، سكان المكسيك و المكسيك الجديدة (85) و البيرو). و فيما يلي سمات الاتحاد الأساسية:



1.الاتحاد الأبدي بين القبائل الخمس التي تجمع بينها قرابة الدم، على أساس المساواة التامة و الاستقلال في جميع الشؤون الداخلية للقبيلة. إن قرابة الدم هذه كانت تشكل الأساس الحقيقي للاتحاد. و كانت ثلاث من القبائل الخمس تسمى بالقبائل الأبوية، و كانت شقيقة فيما بينها. و كانت القبيلتان الباقيتان تسميان بالقبيلتين البنتين، و كانتا شقيقتين فيما بينهما. و كانت ثلاث عشائر- هي أقدمها- لا تزال تتمثل بأشخاص أحياء في جميع القبائل الخمس، و ثلاث عشائر أخرى في ثلاث قبائل. و كان أعضاء كل من هذه العشائر جميعهم أخوة فيما بينهم في جميع القبائل الخمس. و كانت اللغة المشتركة، التي لا تنطوي إلا على فوارق في اللهجات، تعبيراً عن الأصل المشترك و برهاناً عليه.



2.كان المجلس الاتحادي، المؤلف من 50 "ساخماً" متساوين في المنزلة و السلطة، هو هيئة الاتحاد. و كان هذا المجلس يتخذ القرارات النهائية في جميع شؤون الاتحاد.



3.عند تأليف الاتحاد، جرى توزيع مناصب هؤلاء "الساخمات" الـ 50 بين القبائل و العشائر، بوصفهم قائمين بوظائف جديدة أنشئت خصيصاً لأغراض الاتحاد. و في حال شغور المنصب، كانت العشيرة المعنية تملأه من جديد عن طريق الانتخاب. كذلك كان بوسع العشيرة أن تقيل "ساخمها" في أي وقت كان. و لكن تقليد المنصب كان من حق المجلس الاتحادي.



4.كان هؤلاء "الساخمات" الاتحاديون "ساخمات" أيضاً في قبائلهم و كان يحق لهم الاشتراك و التصويت في مجلس القبيلة.



5.جميع قرارات المجلس الاتحادي كان ينبغي اتخاذها بالإجماع.



6.كان التصويت يجري في كل قبيلة بمفردها بحيث أنه كان ينبغي على كل قبيلة و على جميع أعضاء المجلس في كل قبيلة أن يصوتوا بالإجماع لكي يعتبر القرار نافذ المفعول.



7.كان بوسع كل من مجالس القبائل الخمس دعوة المجلس الاتحادي إلى الانعقاد، و لكنه لم يكن بوسع المجلس الاتحادي أن ينعقد من تلقاء ذاته.



8.كانت الجلسات تجري بحضور الشعب المجتمع. و كان بوسع كل إيروكي أن يأخذ الكلام. و لكن المجلس وحده هو الذي كان يتخذ القرارات.



9.لم يكن للاتحاد أي رئيس، لم يكن فيه أي شخص يرأس السلطة التنفيذية.



10.و لكنه كان له زعيمان عسكريان أعليان يتمتعان بصلاحيات متساوية و سلطة متساوية (ملكان عند السبرطيين، قنصلان في روما).



هذا هو النظام الاجتماعي الذي عاش الإيروكوا في ظله أثر من أربعمائة سنة و لا يزالون يعيشون في ظله حتى الآن. و لقد وصفت هذا النظام بالتفصيل، حسبما وصفه مورغان لأنه تسنح لنا الفرصة هنا لدراسة تنظيم مجتمع لم يعرف بعد الدولة. فإن الدولة تفترض سلطة عامة منفصلة عن مجموع الأفراد الذين تتالف منهم. و إن مورير، الذي يرى، بدافع الغريزة الصادقة، أن نظام "المارك" الألماني هو مؤسسة اجتماعية صرف تختلف اختلافاً جوهرياً عن الدولة، رغم أنها كانت بمعظمها فيما بعد أساساً للدولة- إن مورير يدرس في جميع مؤلفاته نشوء السلطة العامة تدريجياً من النظام البدائي لـ "المارك" والقرية و العائلة و المدينة، و إلى جانبه (86). و من مثال الهنود الحمر في أميركا الشمالية نرى كيف أن قبيلة واحدة موحدة في البدء تنتشر تدريجياً في قارة شاسعة، و كيف أن القبائل تنقسم أقساماً و تتحول إلى شعوب، إلى مجموعات كاملة من قبائل، و كيف تتغير اللغات فلا تبقى مفهومة فيما بينها، و ليس هذا و حسب، بل تفقد أيضاً كل أثر تقريباً لوحدتها الأولية، و كيف ينقسم بعض العشائر داخل القبيلة إلى عدة عشائر، و كيف تبقى العشائر الأمية القديمة بصورة "فراتريات" مع العلم أن أسماء هذه العشائر الأولية تبقى مع ذلك هي هي عند قبائل بعيدة بعضها عن بعض من حيث المكان و منفصلة بعضها عن بعض من زمان بعيد،- إن "الذئب" و "الدب" لا يزالان اسمين عشيريين عند أغلبية جميع قبائل الهنود الحمر. و جميع هذه القبائل يلازمها على العموم النظام الموصوف أعلاه، مع فارق وحيد، هو أن عدداً كبيراً منها لم يصل إلى مرحلة الاتحاد بين القبائل التي تجمع بينها صلات القربى.



و لكننا نرى أيضاً أن نظام العشائر و الفراتريات و القبائل كله يتطور بضرورة محتمة لا مناص منها تقريباً ،- لأنها ضرورة طبيعية تماماً- من هذه الخلية الاجتماعية الأساسية التي هي العشيرة. فإن هذه المجموعات الثلاث كلها – العشائر و الفراتريات و القبائل- هي درجات مختلفة من قرابة الدم، مع العلم أن كلاً منها منطوية على نفسها و تصرف شؤونها بنفسها، و لكنها كذلك بمثابة مكملة للأخرى. و إن حلقة الشؤون التابعة لها تشمل مجمل شؤون الإنسان العامة، الاجتماعية، في الطور الأدنى من البربرية. و لهذا عندما نجد عند شعب من الشعوب العشيرة بوصفها الخلية الاجتماعية الأساسية، ينبغي علينا أن نفتش عنده عن تنظيم قبلي يشبه التنظيم الموصوف هنا، و حيث يتوفر ما يكفي من المصادر، كما عند اليونانيين و الرومانيين، لا نجده و حسب، بل نقتنع أيضاً بأن المقارنة مع النظام الاجتماعي الأميركي، حتى و إن كانت المصادر لا تكفي، تساعدنا في تفهم أصعب الشكوك و الألغاز.



و أي تنظيم عجيب هذا النظام العشائري مع كل سذاجته و بساطته! فبدون جنود و درك و شرطة، بدون نبلاء و ملوك و حكام و مدراء و قضاة، بدون سجون، بدون محاكمات، يسير كل شيء حسب النظام المقرر. و جميع المنازعات و المخاصمات يحلها معاً أولئك الذين تمسهم- تحلها العشيرة أو القبيلة، أو بعض العشائر فيما بينها، و لا يظهر التهديد بالثأر إلا بوصفه الوسيلة الأخيرة، الوسيلة التي نادراً ما تطبق، و إن عقوبة الإعدام عندنا ليست غير شكلها المتمدن الذي تلازمه جوانب المدنية، الإيجابية منها و السلبية على السواء. صحيح أن الشؤون العامة كانت أكثر بكثير مما هي عليه اليوم- فإن الاقتصاد البيتي تديره مجموع من العائلات بصورة مشتركة و على الأسس الشيوعية، و الأرض ملك للقبيلة بأسرها، ما عدا قطع صغيرة توضع مؤقتاً تحت تصرف مختلف البيوت – إلا أننا لا نجد أثراً لجهازنا الإداري المضخم و المعقد. و جميع الشؤون يحلها ذوو العلاقة بأنفسهم، و في معظم الأحوال، سوّت العادة المزمنة كل شيء سلفاً. و لا يمكن أن يكون ثمة فقراء و معوزون، لأن الاقتصاد الشيوعي و العشيرة يعرفان واجباتهما حيال الشيوخ و المرضى و مشوهي الحرب. الجميع متساوون و أحرار، بمن فيهم النساء. و لا وجود بعد للعبيد، و لا وجود بعد، على العموم، لاستعباد القبائل الغريبة. و عندما تغلب الإيروكوا حوالي عام 1651 على قبيلة يري و على "الأمة المحايدة"(87)، عرضوا عليهما الانضمام إلى اتحادهم بحقوق متساوية. و عندما رفض المغلوبون هذا العرض ، عند ذاك فقط، طردوهم من أرضهم. أما أي رجال و نساء يلدهم مثل هذا المجتمع، فهذا ما يبرهنه جميع البيض الذين عرفوا هنوداً حمراً غير مفسودين بإعجابهم بما يتصف به هؤلاء البرابرة من شعور بالكرامة الشخصية، و استقامة، و قوة طبع، و بسالة و جرأة.



و منذ وقت غير بعيد رأينا أمثلة على هذه البسالة في إفريقيا. فإن الكفر- الزولو، منذ بضعة أعوام، مثلهم مثل النوبيين، منذ بضعة أشهر- و هم قبيلتان لم تندثرا بعد عندهما المؤسسات العشائرية- قد فعلوا ما لا يستطيع فعله أي جيش أوروبي (88). كانا مسلحين بالرماح و المزاريق فقط، و لا يملكون أي سلاح ناري، و مع ذلك كانوا، تحت وابل من رصاص البنادق السريعة الطلقات لدى المشاة البريطانيين- الذين يعتبرهم الجميع الأوائل في العالم في القتال صفوفاً- يسيرون إلى أمام حتى حراب المشاة البريطانيين، و يزعزعون صفوفهم أكثر من مرة، بل كانوا يدحرونهم، رغم التفاوت الهائل في الأسلحة، و رغم أنهم يجلهون الخدمة العسكرية و لا يعرفون ما هو التدريب العسكري. أما ما يستطيعون احتماله و أداءه، فيشهد عليه الإنجليز أنفسهم حين يتذمرون من أن الكفر-الزولو يقطع في يوم واحد أكثر مما يقطعه الحصان، و بصورة أسرع. إن أصغر عضلاته قوي كالفولاذ، و يبرز مثل سير مجدول، كما قال رسام إنجليزي.



هذا جانب من المسألة. و لكن لا ننس أن هذا التنظيم كان مكتوباً له الزوال. فإنه لم يتخط نطاق القبيلة. إن تشكيل اتحاد القبائل كان يعني بداية تفسخ هذا التنظيم، كما سنرى فيما بعد، و كما رأينا في محاولات الإيروكوا لاستعباد القبائل الأخرى. فكل ما كان خارج القبيلة كان خارج القانون. و حيث لم تكن معاهدة صلح معقودة حسب الأصول، كانت الحرب تسود بين القبائل، و كانت هذه الحرب تخاض بالقساوة التي تميز الإنسان عن الحيوانات الأخرى و التي لم تخف حدتها إلا فيما بعد بتأثير المصالح المادية. إن النظام العشائري في أوجه، كما رأيناه في أميركا، كان يفترض إنتاجاً بدائياً جداً، و بالتالي، سكاناً قليلين جداً مبعثرين في رقعة شاسعة من الأرض، و من هنا خضوع الإنسان خضوعاً تاماً تقريباً للطبيعة المحيطة به التي تقابله بالعداء و التي لا يفهما، الأمر الذي ينعكس في تصوراته الدينية الساذجة الطفولية. و قد بقيت القبيلة بالنسبة للإنسان حداً سواء حيال ابن قبيلة أخرى، أو حيال نفسه بالذات: كانت العشيرة و القبيلة و مؤسساتهما مقدسة و منيعة لا يجوز المساس بها، و كانت سلطة عليا منحتها الطبيعة و ظل الفرد بمفرده خاضعاً لها بلا قيد و لا شرط في مشاعره و أفكاره و تصرفاته. و مهما بدا أناس ذلك الزمن مهيبين في عيوننا، فإنه لا يمكن تمييز بعضهم عن بعض، و لم ينفصلوا بعد، على حد قول ماركس، عن حبل المشاع البدائية السري. كان نبغي تحطيم سلطة هذه المشاعة البدائية، فحطمت. و لكنها حطمت بتأثيرات تبدو لنا من الوهلة الأولى، بمثابة انحطاط، بمثابة خطيئة أصلية بالمقارنة مع المستوى الأخلاقي العالي الذي بلغه المجتمع العشائري القديم. إن أحط الدوافع –الجشع الخشن، الولع الفظ باللذائذ، البخل القذر، السعي الأناني إلى نهب الملك المشترك- هي التي تدشن المجتمع الجديد المتمدن، المجتمع الطبقي، و أن أخس الوسائل – السرقة، العنف ، الغدر، الخيانة- هي التي تقوض المجتمع العشائري اللاطبقي القديم و تؤدي إلى هلاكه. أما المجتمع الجديد نفسه، فإنه لم يكن خلال الألفين و الخمسمائة سنة كلها من وجوده غير لوحة عن تطور الأقلية الضئيلة على حساب الأغلبية الهائلة من المستثمرين و المظلومين، و هو لا يزال الآن كذلك و لكن بقدر أكبر مما في أي وقت مضى.



الهوامش:


80)راجعوا الملاحظة رقم 36.



(81)يورد إنجلس الاستشهاد نقلاً عن "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"" لكارل ماركس.



(82)المقصود هنا استيلاء الفاتحين الإسبان على المكسيك في سنوات 1519-1521.



(83)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(84)هنا و فيما بعد، يقصد إنجلس كتاب تاقيطس "جرمانيا".



(85)المكسيكيون الجدد. راجعوا الملاحظة رقم 13.



(86)المقصود هنا مؤلفات غيورغ لودفيغ مورير "Einleitung zur Geschichte der Mark, Hof-, Dorf- und Stadt-Verfassung und der öffentlichen Gewalt". München, 1854. ("مقدمة لتاريخ نظام المارك و العائلة و القرية و المدينة و السلطة العامة". ميونيخ، 1856)، " Geschichte der Fronhöfe, der Bauernhöfe und der Hofverfassung in Deutsch-land". Bd. I-IV, Erlangen, 1862-1863 ("تاريخ دور الأسياد و دور الفلاحين و نظام العائلة في ألمانيا". المجلدات 1-4. أرلنغن، 1862-1863)، "Geschichte der der Hofverfassung in Deutsch-land". Bd. I-II, Erlangen, 1865-1866 ("تاريخ نظام القرية في ألمانيا". المجلدان الأول و الثاني. أرلنغن، 1865-1866). " Geschichte der Stadt-Verfassung in Deutsch-land". Bd. I-IV, Erlangen, 1869-1871 ("تاريخ نظام المدينة في ألمانيا". المجلدات. 1-4، أرلنغن، 1869-1871).



(87)"الأمة المحايدة"، هكذا كان يسمى في القرن السابع عشر الحلف العسكري بين بضع قبائل من الهنود الحمر كانت لها صلة قرابة بقبائل الإيروكوا و كانت تعيش عند الضفة الشمالية من بحيرة يري. و قد كان المستعمرون الفرنسيون هم الين أطلقوا هذا الاسم على هذا الحلف لأنه بقي على الحياد في الحروب بين قبائل الإيروكوا الصرف و قبائل الهورون.



(88)المقصود هنا نضال التحرر الوطني الذي خاضه الزولو و النوبيون ضد الاستعماريين البريطانيين.



هاجم البريطانيون قبائل الزولو في كانون الثاني 1879، و لكن قبائل الزولو ظلت ، برئاسة زعيمها كتشفايو، تقاوم بصلابة خارقة طول نصف سنة و لم يستطع البريطانيون إحراز النصر إلا بعد جملة من المعارك، و بفضل تفوقهم الساحق في الأسلحة. و لم يستطيعوا إخضاع الزولو لسيطرتهم نهائياً إلا فيما بعد، في عام 1887، باستغلالهم الحرب التي استثاروها بين مختلف قبائل الزولو و دامت بضع سنوات.



في عام 1881 نشبت ثورة التحرر الوطني التي اشترك فيها النوبيون و العرب و القوميات الأخرى في السودان برئاسة محمد أحمد بن عبد الله المهدي، و أحرزت نجاحات خاصة في 1883 و 1884، و ذلك حين تم تحرير أراضي السودان كلها تقريباً من قوات المستعمرين البريطانيين التي كانت قد تغلغلت في السودان في السبعينات. أثناء الثورة، تشكلت دولة مهدية مركزية مستقلة. و لم تستول قوات المستعمرين البريطانيين على السودان إلا في عام 1899، و ذلك باستغلالها ضعف هذه الدولة الداخلي من جراء الحروب المتواصلة و المنازعات بين القبائل ، و كذلك باعتمادها على التفوق الساحق في الأسلحة.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] المحافل السحرية. الناشر.

4 ـ العشيرة اليونانية

منذ الأزمنة ما قبل التاريخ، كان اليونانيون، شأنهم شأن البلاسج و غيرهم من الشعوب القريبة منهم، قد تشكلوا حسب السلسلة العضوية كما عند الأميركيين: العشيرة ، الفراترية، القبيلة، اتحاد القبائل. إلا أنه كان من الممكن أن تنقص الفراترية، كما عند الدوريين، كما أن اتحاد القبائل لم يتشكل في كل مكان، على كل حال، كانت العشيرة الخلية الأساسية. و عندما ظهر اليونانيون في مسرح التاريخ، كانوا قد بلغوا عتبة الحضارة، و كانت تمتد بينهم و بين القبائل الأميركية التي تناولها الكلام آنفاً مرحلتان كبيرتان كاملتان تقريباً من التطور سبق بهما يونانيو العقد البطولي الإيروكوا. و لهذا لم تكن العشيرة اليونانية أبداً عشيرة الإيروكوا القديمة، ناهيك بأن طابع الزواج الجماعي*[1]. أخذ يمحى بصورة ملحوظة. و أخلى الحق الأمي المكان للحق الأبوي. و بذلك أحدثت الثروة الخاصة الناشئة أول شق في التنظيم العشائري. و جاء الشق الثاني نتيجة طبيعية للشق الأول: فبما أن ملك مورثة غنية كان ينبغي، بعد تطبيق الحق الأبوي، أن يعود بحكم الزواج إلى زوجها، و بالتالي إلى عشيرة أخرى، فقد حطموا أساس كل حق عشائري، و لم يسمحوا و حسب، بل جعلوا من الواجب في هذه الحال أن تتزوج الفتاة داخل عشيرتها لكي تحتفظ بملكها.



إن العشيرة الأثينية، مثلاً، كانت ترتكز، حسب غروت (تاريخ اليونان)(89)، على الأسس التالية:



1.طقوس دينية مشتركة، و حق الكهنة بوجه الحصر في ممارسة الشعائر المقدسة تكريماً لإله معين من المعتقد أنه جد العشيرة المشترك، و يطلق عليه، بحكم هذه الصفة، لقب خاص.



2.مكان مشترك للدفن (راجع "أوبوليدس" لديموستينس (90)).



3.حق الوراثة المتبادلة.



4.الواجب المتبادل في تقديم العون و الحماية و المساندة ضد أعمال العنف.



5.الحق و الواجب المتبادلان في بعض الأحوال في الزواج داخل العشيرة و لا سيما عندما يتعلق الأمر بيتيمات أو بوريثات.



6.امتلاك أموال مشتركة، في بعض الأحوال على الأقل، يشرف عليها "أرخونت" (زعيم) و خازن خاصان.
و فضلاً عن ذلك، كانت بضع عشائر تتحد و تترابط في فراترية، و لكن بعرى أقل وثوقاً، و لكننا نرى هنا أيضاً حقوقاً و واجبات متبادلة كالتي في العشيرة، و لاسيما منها المشاركة في ممارسة بعض الشعائر الدينية و حق الملاحقة في حال قتل عضو من الفراترية. ثم أن مجمل الفراتريات من قبيلة واحدة كانت لها بدورها أعياد مقدسة مشتركة تتكرر بانتظام، و يرأسها "فيلوبازيلوس"("زعيم قبيلة" phylobasileus) ينتخب من بين النبلاء ("الأوباتريد" eupatrids).



هذا ما يقوله غروت، و إلى هذا يضيف ماركس:



"و لكن عبر العشيرة اليونانية، كان يتراءى المتوحش بوضوح (مثلاً، الإيروكي)"(91).



و سيبدو بمزيد من الوضوح إذا ما واصلنا الدراسة بعض الشيء.



و بالفعل، تتميز العشيرة اليونانية بالسمات التالية أيضاً:



7.حساب الأصل وفقاً للحق الأبوي.



8.منع الزواج داخل العشيرة، باستثناء الزواج من الوريثات. إن هذا الاستثناء و إضفاء صفة القانون عليه يؤكدان أن القاعدة القديمة كانت ما تزال سارية المفعول. و هذا ينبع أيضاً من قاعدة إلزامية عامة تقضي بأن تمتنع المرأة بعد زواجها من المشاركة في طقوس عشيرتها الدينية، و تتبنى طقوس زوجها في فراترية زوجها التي كانت هي مسجلة فيها من قبل. و بموجب هذا، و كذلك وفقاً لمقطع معروف من ديكيارخ (92)، كان الزواج خارج العشيرة هو القاعدة، بل أن بيكر يعتبر صراحة في كتابه "خاريكلس" أنه لم يكن يحق لأحد أن يتزوج داخل عشيرته (93).



9.حق العشيرة في التبني. و كان هذا الحق يطبق بالتبني في إحدى العائلات و لكن شرط مراعاة الشكليات العامة، و على سبيل الاستثناء فقط.



10.الحق في انتخاب الزعماء و عزلهم. و نحن نعلم أنه كان لكل عشيرة "أرخونت". و لم يرد في أي مكان أن هذه الوظيفة كانت تنتقل بالوراثة في عائلات معينة. و حتى نهاية عهد البربرية، يجب الظن دائماً أنه لم تكن توجد وراثة صارمة للوظيفة لا تتفق إطلاقاً مع النظام الذي كان في ظله يتمتع الأغنياء و الفقراء داخل العشيرة بالمساواة التامة في الحقوق.



و ليس غروت و حسب، بل أيضاً نيبور و مومزن و جميع المؤرخين الآخرين الذين درسوا الأزمنة القديمة الكلاسيكية، استعصت عليهم مسألة العشيرة حتى الآن. فرغم أنهم رسموا بشكل صحيح كثيراً من علائمها، رأوا دائماً فيها مجموعة عائلات و من جراء ذلك لم يستطيعوا أن يفهموا طبيعة العشيرة و أصلها. ففي ظل النظام العشائري، لم تكن العائلة أبداً و لم يكن بوسعها أن تكون خلية النظام الاجتماعي، لأن الزوج و الزوجة كانا ينتميان بالضرورة إلى عشيرتين مختلفتين. كانت العشيرة تنتمي بكليتها إلى الفراترية، و الفراترية إلى القبيلة، أما العائلة، فكانت تنتمي بنصفها إلى عشيرة الزوج و بنصفها الثاني إلى عشيرة الزوجة. كذلك لا تعترف الدولة بالعائلة في ميدان الحق العام، و لا تقوم العائلة حتى الآن إلا في ميدان الحق الخاص. و مع ذلك، ينطلق كل علم التاريخ حتى الآن من فرضية سخيفة خرقاء أصبحت ثابتة لا تتزعزع، و لا سيما في القرن الثامن عشر، و مفادها أن العائلة الفردية الأحادية الزواج، التي من المشكوك في أن تكون أقدم من عهد الحضارة، كانت النواة التي تبلور المجتمع و الدولة حولها تدريجياً.



و هنا يضيف ماركس:



"يجدر بالسيد غروت أن يشير أيضاً إلى ما يلي: رغم أن اليونانيين كانوا يشتقون عشائرهم من الميثولوجيا، كانت هذه العشائر أقدم من الميثولوجيا التي خلقتها بنفسها، مع آلهتها و أنصاف آلهتها"(94).



و يفضل مورغان الاستشهاد بغروت لأن غروت شاهد له وزنه و مكانته و موثوق به تماماً. فإن غروت يروي يضأ أن كل عشيرة أثينية كانت تحمل اسماً انتقل إليها من مؤسسها المفترض، و أن أعضاء عشيرة (gennêtes) المتوفى كانوا يرثون أمواله قبل سولون على كل حال، و بعد سولون إذا لم تكن هناك وصية، و إن ملاحقة المجرم أمام المحكمة إذا ما وقعت جريمة قتل، كانت في المقام الأول، من حق و واجب أقرباء القتيل، ثم أعضاء عشيرة القتيل و أخيراً أعضاء فراترية القتيل.



"كل ما نعرفه عن أقدم القوانين الأثينية يرتكز على الانقسام إلى عشائر و فراتريات"(95).



إن تحدر العشائر من جدود مشتركين قد تسبب "للعلماء التافهين الضيقي الأفق"(ماركس)(96) المزعجات و المنغصات. فبما أنهم، بالطبع، يتصورون هؤلاء الجدود كائنات ميثولوجية صرف، فإنه لا تبقى لديهم أي إمكانية لكي يفسروا لأنفسهم نشوء العشيرة من عائلات منفردة تعيش بعضها في جوار بعض، و لم تكن تجمع بينها في البدء رابطة القرابة، و مع ذلك ينبغي عليهم أن يفعلوا ذلك لكي يفسروا على الأقل وجود "العشيرة". و هكذا يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة، و يصبون سيولاً من الكلام الفارغ، دون أن يتجاوزوا الزعم بأن شجرة النسب هي، بالطبع، خرافة، بينا العشيرة موجودة في الواقع، و في آخر المطاف، نجد عند غروت ما يلي (الكلمات بين هلالين لماركس):



"نحن لا نسمع عن شجرة النسب هذه إلا نادراً، لأنه لا يشار إليها أمام الملأ إلا في أحوال معينة، احتفالية جداً. و لكن العشائر الأقل شأناً كان لها طقوسها الدينية المشتركة"(ما أغرب ذلك، أيها السيد غروت!)، "و كذلك جد مشترك- سوبرمان و شجرة نسب مشتركة، مثلها تماماً مثل العشائر الأكبر شأناً"( ما أغرب هذا، أيها السيد غروت، عند العشائر الأقل شأناً!)"إن التصميم الرئيسي و الأساس المثالي"(لا المثالي ideal، يا سيدي العزيز، بل اللحمي carnal، أو بلغتنا الألمانية الجسدي!)"كانا مشتركين عند جميع العشائر"(97).



و يوجز ماركس جواب مورغان عن هذا السؤال بما يلي:



"إن نظام قرابة الدم، المناسب للعشيرة في شكلها الأولي- و عند اليونانيين قام هذا الشكل فيما مضى كما قام عند جميع البشر- كان يضمن معرفة علاقات القربى بين جميع أعضاء العشائر. و كانوا منذ سنين الطفولة يستوعبون بالفعل هذه المعلومات الخارقة الأهمية بالنسبة لهم. و مع نشوء العائلة الأحادية الزواج، لف النسيان ذلك. و قد خلق الاسم العشيري شجرة نسب ظهرت إزاءها شجرة نسب العائلة الفردية تافهة لا وزن لها. إن هذا الاسم العشيري هو الذي كان ينبغي له من الآن و صاعداً أن يقدم البرهان على أن حامليه يتحدرون من أصل مشترك. و لكن شجرة نسب العشيرة كانت تمد جذورها في أعماق الزمن إلى حد أنه لم يبق بوسع أعضائها أن يتقبلوا القرابة القائمة فعلاً بينهم، باستثناء حالات قليلة جداً كانوا يعرفون فيها أسلافاً مشتركين أقرب عهداً. و كان الاسم نفسه دليلاً على الأصل المشترك و دليلاً لا جدال فيه، ما عدا حالات التبني. إن إنكار القرابة بين أعضاء العشيرة إنكاراً تاماً، فعلياً، كما يفعل غروت**[2] و نيبور، اللذان جعلا من العشيرة نتاج اختلاق صرف و إبداع شعري، جدير "بالمثاليين" وحدهم، أي بعلماء البرج العاجي. فلأن الصلة بين الأجيال، و خاصة منذ ظهور أحادية الزواج، تبتعد في أعماق الزمن و لأن الواقع الماضي ينعكس في الشخصيات الخيالية الميثولوجية، خلص التافهون الضيقو الأفق الحسنو النية و لا يزالون يخلصون إلى القول أن شجرة النسب الخيالية خلقت العشائر الفعلية"(98).



و كمنا عند الأميركيين، كانت الفراترية عشيرة أماً مقسمة إلى بضع عشائر بنات و تجمع بينها، و تشير أحياناً كثيرة إلى تحدرها جميعها من جد مشترك. و عليه، حسب غروت:



"كان جميع الأتراب، الأعضاء في فراترية "هيكاتية" يعتبرون أن لهم إلهاً واحداً هو جدهم المشترك من الدرجة السادسة عشرة"(99).



و لهذا كانت جميع عشائر هذه الفراترية عشائر شقيقة بمعنى الكلمة الحرفي. و إننا لنجد الفراترية عند هوميروس بوصفها وحدة عسكرية، و ذلك في المقطع المشهور الذي ينصح فيه نسطور أغممنون قائلاً: صف الرجال حسب القبائل و الفراتريات بحيث تساعد الفراترية الفراترية و القبيلة القبيلة (100).- و فضلاً عن ذلك، كان من حق الفراترية و واجبها أن تثأر لاغتيال عضو من أعضائها، و لذا كان يقع على عاتقها، في الأزمنة السابقة، واجب ثأر الدم. و فضلاً عن ذلك، كانت لها مقدسات و أعياد مشتركة، بل أن تكون الميثولوجيا الإغريقية كلها من عبادة الطبيعة التقليدية، الموروثة من دماء الآريين، كان مشروطاً من حيث الجوهر بالعشائر و الفراتريات، و جرى في داخلها. و فضلاً عن ذلك، كان للفراترية زعيم (phratriarchos) و كانت، حسبما يقول دي كولانج، تعقد جمعيات عامة، و تتخذ قرارات إلزامية، و تملك سلطة قضائية و إدارية (101). بل أن الدولة التي ظهرت فيما بعد، و التي كانت تجهل العشيرة، تركت للفراترية بعض الوظائف العامة ذات الطابع الإداري.



تتألف القبيلة من بضع فراتريات تجمع بينها صلات القربى. و في مقاطعة الأتيك، كانت توجد أربع قبائل، كل منا تتألف من ثلاث فراتريات، و كل فراترية من 30 عشيرة. إن تحديد الجماعات بمثل هذه الدقة يفترض تدخلاً واعياً و منهاجياً في وضع الأمور الذي تكوّن بصورة عفوية. أما كيف حدث هذا التدخل و متى و لماذا، فإن التاريخ اليوناني يلزم الصمت حوله، ناهيك بأن اليونانيين أنفسهم لم يتذكروا ماضيهم إلا ابتداء من العصر البطولي.



و عند اليونانيين المزدحمين في رقعة من الأرض غير كبيرة نسبياً، تطورت فوارق اللهجات أقل مما في الغابات الأميركية الشاسعة. و لكننا نرى هنا أيضاً أن القبائل التي تملك لغة أساسية واحدة هي وحدها التي تتجمع في كل أكبر بل أننا نجد في مقاطعة الأتيك الصغيرة لهجة خاصة أصبحت فيما بعد اللهجة السادة بوصفها لغة مشتركة لعموم النثر اليوناني.



و في قصائد هوميروس، نجد القبائل اليونانية متحدة في أغلبية الأحوال في أقوام صغيرة تحتفظ في داخلها العشائر و الفراتريات و القبائل مع ذلك باستقلالها كاملاً. كانت هذه الأقوام تعيش آنذاك في مدن محمية بالأسوار. و كان عدد السكان ينمو مع نمو القطعان و مع انتشار الزراعة و بداية الحرف. و في الوقت نفسه كانت تتعاظم الفوارق في الملكية، و يتعاظم معها العنصر الأريستقراطي داخل الديموقراطية القديمة، البدائية. و كانت مختلف الأقوام الصغيرة تخوض غمار حروب متواصلة من أجل امتلاك خيرة الأراضي، و كذلك، بالطبع، من أجل الظفر بالغنائم الحربية. و آنذاك كان استعباد أسرى الحرب قد أصبح مؤسسة معترفاً بها.



و فيما يلي تنظيم الإدارة عند هذه القبائل و هذه الأقوام الصغيرة:



1.كان المجلس،bulê، الهيئة الدائمة للسلطة، في البدء، كان يتألف، على الأرجح، من الذين يختارونهم، الأمر الذي أتاح الفرصة لتطوير و تعزيز العنصر الأريستقراطي، هكذا بالضبط يروي لنا ذيونيسيوس إن المجلس في العهد البطولي كان يتألف من النبلاء (الأريستقراطيين kratistoi) (102). و في القضايا الهامة، كان المجلس يتخذ القرارات النهائية. فعند إسخيلوس، مثلاً، يتخذ مجلس مدينة ثيبة قراراً حاسماً في الوضع الناشئ يقضي بدفن إيتيوكل بكل مراسم الفخار، و برمي جثة بولينيك إلى الكلاب (103) لتنهشها. و فيما بعد، عندما تأسست الدولة، أصبح هذا المجلس "السينات" sénat (مجلس الشيوخ).



2.الجمعية الشعبية (agora). لقد رأينا عند الإيروكوا أن الشعب، رجالاً و نساءً، يحيط باجتماع المجلس و أنه يشترك حسب الأصول المقرر في المناقشة، و يؤثر بالتالي في قرارات المجلس. و عند اليونانيين في زمن هوميروس، كان هذا "المحيط" (Umstand)، إذا استعملنا هذا التعبير الحقوقي من اللغة الألمانية القديمة، قد تطور و غدا جمعية شعبية حقيقية، كما جرى أيضاً عند الجرمان القدامى. و كانت هذه الجمعية تنعقد بدعوة من المجلس لحل القضايا الهامة. و كان بوسع كل رجل أن يتكلم. و كان القرار يتخذ برفع الأيدي (في "المترجيات" لأسخيلوس) أو بالهتاف. و كانت الجمعية تملك السلطة العليا بوصفها المرجع الأخير، لأنه، كما يقول شومان ("الأزمنة القديمة اليونانية")،



"عندما يدور الكلام حول قضية يتطلب تنفيذها معونة الشعب، لا يبين لنا هوميروس أي وسيلة يمكن بها إرغام الشعب إرغاماً على تقديم معونته"(104).



ففي ذلك الوقت حين كان كل رجل راشد في القبيلة محارباً، لم تكن توجد بعد سلطة عامة منفصلة عن الشعب من الممكن معارضته بها. كانت الديموقراطية البدائية لا تزال بعد في أوج ازدهارها، و من هنا ينبغي لنا أن ننطلق عند البحث في سلطة و مركز المجلس و الباسيليوس على السواء.



3.الرئيس العسكري (Basileus). إليكم ما يلاحظه ماركس في هذا الصدد:



"إن العلماء الأوروبيين، الذين فطروا بمعظمهم على خدمة الملوك و الأمراء، يجعلون من الباسيليوس ملكاً بمعنى الكلمة الحديث. و ضد هذا يحتج الجمهوري اليانكي مورغان و يقول ببالغ السخرية، و لكن بكامل الحق و الصواب، عن المعسول غلادستون و كتابه "شباب العالم""(105):



"إن السيد غلادستون يقدم لنا الزعماء اليونانيين من العقد البطولي بصورة ملوك و أمراء، جاعلاً منهم فوق ذلك جنتلمانات. و لكنه يترتب عليه أن تعترف هو نفسه بأننا نجد عندهم، على العموم، عادة أو قانون البكورية محددة بصورة كافية، و لكن بدون إفراط في الدقة"(106).



ينبغي الظن أن حق البكورية المرفق بمثل هذه التحفظات سيبدو للسيد غلادستون نفسه باطلاً لا قيمة له إطلاقاً، حتى إن لم يكن مفرطاً من حيث حدة التعبير.



و لقد سبق و رأينا ما كانت عليه وراثة وظائف الشيوخ عند الإيروكوا و عند الهنود الحمر الآخرين. كانت جميع الوظائف انتخابية في أغلبية الأحول داخل العشيرة و لذا كانت وراثية ضمن حدود العشيرة. و عند إملاء الوظائف الشاغرة، أخذوا تدريجياً يفضلون النسيب الأقرب- أي الأخ أو ابن الأخت، إذا لم يكن ثمة سبب لاستبعاده. و لهذا، إذا كانت وظيفة الباسيليوس عند اليونانيين تنتقل عادة، في ظل سيادة الحق الأبوي، إلى الابن أو أحد الأبناء، فإن هذا يثبت فقط أنه كان في وسع الأبناء هنا أن يأملوا بالوراثة عن طريق الانتخاب الشعبي، و لكنه لا يدل أبداً على الاعتراف بالوراثة شرعاً و قانوناً بدون الانتخاب الشعبي. و في هذه الحال، لا نجد عند الإيروكوا و اليونانيين غير الجنين الأولي للعائلات النبيلة الخاصة داخل العشيرة فقط و لا نجد أيضاً عند اليونانيين بالإضافة غير الجنين الأولي لسلالة مقبلة من الزعماء الوراثيين، أي الجنين الأولي للملكية. و لهذا ينبغي الظن أنه كان يجب للباسيليوس عند اليونانيين إما أن ينتخبه الشعب و إما أن تصادق عليه هيئات الشعب الرسمية-المجلس أو الأغورا- كما كان يجري ذلك أيضاً بالنسبة "للملك" (rex) الروماني.



و في "الإلياذة"، لا يظهر أغممنون، "سيد الرجال" بصفته ملكاً أعلى لليونانيين، بل بصفه آمراً أعلى لقوات متحالفة أمام مدينة محاصرة. و عندما نشب الشقاق بين اليونانيين، أشار أوذيس إلى هذه الصفة بالذات في المقطع الشهير: لا جدوى من تعدد الآمرين ، فليأمر واحد فقط،الخ. (ثم يرد البيت المشهور الذي يذكر الصولجان، و لكن هذا البيت أضيف فيما بعد)(107).
"إن أوذيس لا يلقي هنا محاضرة حول شكل الحكم، بل يطالب بالخضوع للآمر الأعلى في الحرب. و بالنسبة لليونانيين الذين لم يظهروا أمام طروادة إلا بوصفهم جيشاً محارباً، يسلك الأغورا (المجلس) بما يكفي من الديموقراطية: فإن آخيل، حين يتكلم عن الهدايا، أي عن تقاسم الغنائم، يذكر دائماً أن هذا ليس من شأن أغممنون أو أي باسيليوس آخر، بل من شأن "أبناء الآخيين"، أي من شأن الشعب. إن النعوت: "وليد زفس"، "ربيب زفس"، لا تثبت شيئاً، لأن كل عشيرة تتحدر من إله من الآلهة، و عشيرة رئيس القبيلة تتحدر من إله "أميز"،- و في هذه الحال، من زفس. بل إن الذين لا يتمتعون بالحرية الشخصية كراعي الخنازير إيفميه و غيره، مثلاً، هم "آلهيون" dioi و theioi و هذا في "الأوذيسة"، و بالتالي في زمن أقرب إلينا بكثير من زمن "الإلياذة"، و في "الأوذيسة" أيضاً يرفق اسم "البطل" باسم الرسول موليوس و كذلك باسم المغني الأعمى ديمودوكس***[3]. و بإيجاز نقول أن كلمة basileia التي يستعملها الكتاب اليونانيون للإشارة إلى السلطة الهوميرية المسماة بالسلطة الملكية (لأن قيادة الجيوش هي علامتها المميزة الرئيسية)، و القائمة إلى جانب مجلس الزعماء و الجمعية الشعبية، لا تعني غير الديموقراطية الحربية"(ماركس)(108).



و علاوة على الصلاحيات العسكرية، كان للباسيليوس صلاحيات أخرى، كهنوتية و قضائية. و لم تكن الصلاحيات الأخيرة محددة بدقة، و كان يتمتع بالأولى بوصفه الممثل الأعلى للقبيلة أو لاتحاد القبائل. أما الصلاحيات المدنية، الإدارية، فلم ترد يوماً، و لكن الباسيليوس كان، أغلب الظن، بحكم وظيفته، عضواً في المجلس. و عليه، من الصحيح تماماً من الناحية اللغوية ترجمة كلمة basileia (باسيليوس) بالكلمة الألمانية könig (كونيغ) لأن كلمة könig (Kuning) مشتقة من كلمة Kuni (كوني)، Künne (كونّه) و تعني زعيم العشيرة. و لكن المعنى الحالي لكلمة könig (ملك) لا يناسب إطلاقاً معنى كلمة basileus في اليونان القديمة. فإن ثوقيديدس يصف basileia القديمة بكل صراحة بأنها patrikê (بطريكه) أي متحدرة من العشائر، و يقول أنها كانت مخولة صلاحيات معينة، ثابتة أي محدودة(109). كذلك يشير أرسطو إلى أن basileia العصر البطولي كانت قيادة لرجال أحرار و إن الباسيليوس basileia كان قائداً عسكرياً و قاضياً و رئيس كهنة (110). و لذا لم يكن يتمتع بسلطة الحكم بمعنى الكلمة اللاحق ****[4].



و هكذا نرى في النظام اليوناني من العصر البطولي التنظيم العشائري القديم لا يزال زاخراً بكل قواه، و لكننا نرى أيضاً بداية انحلاله: فإن الحق الأبوي مع توريث الملكية للأولاد ييسر تراكم الثروات في العائلة و يجعل من العائلة قوة في وجه العشيرة، و الفوارق في الملكية تؤثر بدورها في تنظيم الإدارة بخلقها أولى أجنة الأريستقراطية الوراثية و السلطة الملكية، و العبودية، التي كانت لا تشمل في البدء غير أسرى الحرب، تفتح السبيل أمام المستعبد لاستعباد أعضاء قبيلته بالذات و حتى أعضاء عشيرته، و الحرب القديمة بين القبائل تتحول مذ ذاك إلى عملية نهب و سلب في البر و البحر لأجل الاستيلاء على الماشية و العبيد و الكنوز، و تتحول بالتالي إلى مصدر عادي للكسب، إلى حرفة، و بكلمة، تغدو الثروة موضع إطراء و تبجيل و تقدير بوصفها الخير الأعظم، و تمسي القواعد العشائر القديمة موضع تحقير لأجل تبرير نهب الثروات بالعنف و القسر. و لم يكن ينقص غير أمر واحد، و نعني به مؤسسة من شأنها، لا أن تحمي الثروات التي اكتسبها الأفراد حديثاً من تقاليد النظام العشائري الشيوعية و حسب، و لا أن تكرس الملكية الخاصة التي كانت محتقرة بالغ الاحتقار و حسب، و لا أن تعلن هذا التكريس الهدف الأسمى لكل جماعة بشرية و حسب، بل أن تختم أيضاً بخاتم الاعتراف العام من قبل المجتمع على العموم الأشكال الجديدة لتحصيل الملكية، المتطورة الواحدة تلو الآخر، أي لتكديس الثروات بوتيرة متسارعة باستمرار، مؤسسة من شأنها لا أن تثبت و تخلد الانقسام البادئ في المجتمع إلى طبقات و حسب، و بل حق الطبقة المالكة في استثمار الطبقة غير المالكة و سيادة الأولى على الثانية.



و هذه المؤسسة ظهرت. فقد تم اختراع الدولة.



الهوامش:


(89)G. Grote "A History of Greece". Vol . I-XII. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". المجلدات 1-12). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن في سنوات 1846-1856، المقطع المذكور هنا ورد في الصفحتين 54 و 55 من المجلد الثالث الصادر في لندن عام 1869).



(90)المقصود هنا خطاب ديموسفينس في المحكمة ضد أوبليد. و قد أشير في هذا الخطاب إلى العادة القديمة التي تقضي بألا يدفن في المدافن العشائرية غير أبناء العشيرة المعنية.



(91)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(92)القطع الذي أشار إليه إنجلس هنا من مؤلف للفيلسوف اليوناني القديم ديكيارخ لم يصل إلينا، ورد في كتاب فاكسموت "Hellenische Alterthumskunde aus dem Geschichtspunkte des states". Th. I, Abth. I, Halle, 1826. ("دراسة الأزمنة القديمة الهيللينية على صعيد أنظمتها السياسية". القسم الأول. الباب الأول. هاله، 1826).



(93)W. A. Becker . "Charikles. Bilder altgriechischer Sitte. Zur genaueren Kenntniss des griechischen Privatlebens ". Th. II , Leipzig .1840. (ولهلم أدولف بيكر. "خاريكل. لوحات عن الأخلاق اليونانية القديمة، لأجل الإطلاع بمزيد من التفصيل على حياة اليونانيين الخاص". القسم الثاني. ليبزيغ، 1840).



(94)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(95)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869).



(96)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(97)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869). أورد ماركس الاستهاد (مع ملاحظات بين هلالين) في مؤلفه "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(98)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(99)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869).



(100)هوميروس "الإلياذة"، النشيد الثاني.



(101)Fustel de Coulanges. "La cité antique ". livre III, chap. I المقصود هنا مؤلف (فوستيل دي كولانج. "المشاعة المدنية القديمة"، الكتاب الثالث، الفصل الأول. صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في باريس و ستراسبورغ عام 1864).



(102)ديونيسيوس الهاليكارناسي. "تاريخ روما القديم". الكتاب الثاني. الفصل الثاني عشر.



(103)اسخيلوس. "سبعة ضد ثيبه".



(104)G.F. Schoemann. "Griechische Alterthümer ". Bd.I, Berlin 1855. (غ. ف. شومان "الأزمنة القديمة اليونانية". المجلد الأول، برلين، 1855).



(105)المقصود هنا كتاب W.E. Gladstone . "Juventus Mundi" The Gods and Men of the Heroic Age", chap 11. (و.ي. غلادستون. "شباب العالم. الآلهة و الناس في العصر البطولي"، الفصل الحادي عشر)، صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن عام 1869.



(106)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(107)هوميروس "الإلياذة"، النشيد الثاني.



(108)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(109)ثوقيديس. "تاريخ حرب البيلوبينيز". الكتاب الأول، الفصل الثالث عشر.



(110)أرسطو. "السياسة". الكتاب الثالث، الفصل العاشر.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] في طبعة عام 1884 ورد تعبير "العائلة البونالوانية" بدلاً من تعبير "الزواج الجماعي". الناشر.

[2] في مخطوطة ماركس، ورد عوضاً عن اسم غروت، اسم العالم الإغريقي من القرن الثاني الميلادي بولكس الذي يستشهد به غروت أحياناً كثيرة. الناشر.

[3] ثم ترد في مخطوطة ماركس الجملة التالية التي أغفلها إنجلس: "إن كلمة "كويرانوس" التي يستعملها أوذيس بصدد أغممنون، إلى جانب كلمة "الباسيليوس" (basileus) ، لا تعني هي أيضاً غير "آمر الجيوش في الحرب". الناشر.

[4] كما صوروا الباسيليوس اليوناني بصورة أمير عصري، كذلك صوروا القائد العسكري الأزتيكي. و للمرة الأولى، ينتقد مورغان، على ضوء التاريخ، قصص الإسبانيين التي كانت في البدء حافلة الازدراء و المبالغات، و أمست فيما بعد بينة الكذب، و يثبت أن المكسيكيين كانوا قد بلغوا الطور الأوسط من البربرية، و لكنهم كانوا قد سبقوا بعض الشيء في تطورهم الهنود الحمر البويبلو في المكسيك الجديدة، و إن نظامهم، بقدر ما يمكن الاستنتاج من المعلومات المشوهة، كان يتميز بالسمات التالية:اتحاد من ثلاث قبائل أجبر بضع قبائل أخرى على دفع جزية له، هذا الاتحاد يديره مجلس اتحادي و قائد عسكري اتحادي، و قد صور الإسبانيون هذا القائد العسكري بصورة "إمبراطور".

5 ـ ولادة الدولة الأثينية

إننا لا نستطيع أن نتتبع في أي مكان خيراً مما في أثينا القديمة كيف تطورت الدولة، على الأقل في مرحلتها الأولى، بتحويل هيئات التنظيم العشائري أحياناً و بزحزحتها أحياناً أخرى عن طريق إنشاء هيئات جديدة و بالاستعاضة عنها كلياً في آخر المطاف بهيئات حقيقية لسلطة الدولة، و كيف أخذت "سلطة عامة" مسلحة، تخضع لهيئات الدولة هذه و يمكن بالتالي استعمالها ضد الشعب أيضاً، تحل محل "الشعب المسلح" الحقيقي الذي يدافع عن نفسه بنفسه في عشائره و فراترياته و قبائله. و قد وصف مورغان تعاقب الأشكال من حيث الأساس، أما تحيل المضمون الاقتصادي الذي نشأ منه تعاقب الأشكال، فإنه يتعين علي أن أضيفه بمعظمه.



في العهد البطولي، كانت قبائل الأثينيين الأربع لا تزال تشغل في الأتيك قطاعات متميزة، بل أن الفراتريات الاثنتي عشرة التي كانت تتألف منها هذه القبائل كانت لا تزال تملك، على ما يبدو، مقامات متميزة بصورة المدن الاثنتي عشرة في كيكروب. و كان تنظيم الإدارة يطابق ما كان عليه في العصر البطولي: الجمعية العشبية، المجلس الشعبي، الباسيليوس. و في العهد الذي يبدأ منه التاريخ المكتوب، كانت الأراضي مقسمة، و كانت قد انتقلت إلى الملكية الخاصة، الأمر الذي يتلاءم مع الإنتاج البضاعي الذي كان قد تطور نسبياً في أواخر الطور الأعلى من البربرية و مع تجارة البضائع المناسبة له. و فضلاً عن الحبوب، كانوا ينتجون الخمور و الزيت النباتي، و طفق زمام التجارة البحرية على بحر إيجه يفلت أكثر فأكثر من أيدي الفينيقيين و يقع بمعظمه في أيدي سكان الأتيك. و بفضل شراء و بيع الملكية العقارية ، و بفضل تطور تقسيم العمل بين الزراعة و الحرفة، بين التجارة و الملاحة، كان لا بد لأعضاء العشائر و الفراتريات و القبائل أن يتخالطوا خلال وقت قصير جداً، و إذا بقطاعات الفراتريات و القبائل يستوطنها سكان لا ينتسبون إلى هذه الجماعات رغم أنهم مواطنون لها، و كانوا بالتالي غرباء في مكان قامتهم بالذات. ذلك أن كل فراترية و كل قبيلة كانت تدير شؤونها بنفسها في زمن السلم، دون اللجوء إلى المجلس الشعبي أو إلى الباسيليوس في أثينا. و لكن من كانوا يعيشون في أرض الفراترية أو القبيلة دون أن يكونوا منتسبين إليها لم يكن بوسعهم طبعاً أن يشتركوا في هذه الإدارة.



كل هذا شوش العمل العادي لهيئات النظام العشائري إلى حد أن الأمر اقتضى في العهد البطولي اتخاذ التدابير لإزالة التشوش. فجرى تطبيق تنظيم ينسب إلى تيزوس. و كان التغيير يقوم قبل كل شيء في تأسيس إدارة مركزية في أثينا، أي أن قسماً من الشؤون التي كانت القبائل تديرها من قبل بصورة مستقلة قد أعلن من الشؤون العامة و أحيل إلى المجلس المشترك الذي كان مقره في أثينا. و بفضل هذا التنظيم الجديد، سار الأثينيون في تطورهم أكثر مما سار أي من الشعوب الأصلية في أميركا: فعوضاً عن مجرد اتحاد بين قبائل تعيش متجاورة، جرى اندماج القبائل في شعب واحد. و هكذا نشأ الحق الشعبي الأثيني العام الذي كان أعلى من العادات الشرعية لمختلف القبائل و العشائر و نال المواطن الأثيني، بصفته هذه، حقوقاً معينة و حماية قانونية جديدة حتى في الأرض التي كان فيها غريباً عن القبيلة. و لكن ذلك كان في الوقت نفسه بمثابة الخطوة الأولى نحو تدمير النظام العشائري لأنه كان الخطوة الأولى نحو السماح لاحقاً حتى لأولئك الذين كانوا غرباء عن القبائل في عموم الأتيك و كانوا و ظلوا كلياً خارج التنظيم العشائري الأثيني بالانضمام إلى عداد المواطنين. و المؤسسة الثانية المنسوبة إلى تيزوس كانت تتلخص في تقسم الشعب بأسره، بصرف النظر عن العشيرة و الفراترية و القبيلة، إلى ثلاث طبقات: eupatrids (الأوباتريد) أو النبلاء، géomores (الجيومور) أو الزراع، démiurges (ديمييورج) أو الحرفيين و في منح النبلاء بوجه الحصر الحق في ممارسة الوظائف العامة. و لكن هذا التقسيم لم يسفر عن أي نتيجة، باستثناء ممارسة النبلاء للوظائف العامة، لأنه لم يخلق أي فوارق أخرى في الحقوق بين الطبقات. إلا أنه يتسم بأهمية كبيرة، لأنه يكشف أمامنا العناصر الاجتماعية الجديدة التي تطورت بصورة غير ملحوظة. و هو يثبت أن عادة إيلاء الوظائف العشيرية إلى أعضاء بعض العائلات قد تحولت إلى حق لهذه العائلات في ممارسة الوظائف العامة قلما يتعرض للجدال و الإنكار، و إن هذه العائلات، فضلاً عن القوة التي تتمتع بها بفضل ثرواتها، شرعت تتكون خارج عشائرها في طبقة خاصة مميزة، و إن الدولة الناشئة للتو قد كرست إدعاءاتها هذه. و هو يثبت أيضاً أن تقسيم العمل بين الفلاحين و الحرفيين قد اتضح و رسخ إلى حد أنه أخذ يزحزح إلى المرتبة الثانية الأهمية الاجتماعية للتقسيم السابق إلى عشائر و قبائل. و هو يعلن أخيراً التناقض المستعصي بين المجتمع العشائري و الدولة، فإن أول محاولة لتشكيل الدولة تقوم في تحطيم الصلات العشائرية بتقسيم أعضاء كل عشيرة إلى مميزين و غير مميزين و بتقسيم الأخيرين بدورهم إلى طبقتين تبعاً لنوع عملهم، الأمر الذين كان يدفع بعضهم إلى معارضة بعضهم الآخر.



إن تاريخ أثينا السياسي اللاحق حتى سولون ليس معروفاً بصورة كافية. إن وظيفة الباسيليوس فقدت شأنها، و أخذ يرأس الدولة أرخونت منتخبون من عداد النبلاء. و تعاظمت سيادة النبلاء أكثر فأكثر إلى أن أمست عبئاً لا يطاق نحو سنة 600 قبل الميلاد. و كان المال و الربا الوسيلة الأساسية لأجل قمع حرية الشعب. و كان محل إقامة النبلاء الرئيسي في أثينا و ضواحيها، حيث كانت التجارة البحرية، و معها القرصنة البحرية التي كانت تمارس كلما سنحت الفرصة، تغنيان هؤلاء النبلاء و تركزان في أيديهم الثروات النقدية. و من هنا تغلغل الاقتصاد النقدي، خلال تطوره، في المشاعات الريفية مؤثراً مثل حامض يتأكل نمط حياتها التقليدي القائم على الاقتصاد الطبيعي. إن التنظيم العشائري لا يتوافق إطلاقاً مع الاقتصاد النقدي. و قد صادف خراب الفلاحين الصغار في الأتيك اشتداد ضعف روابطهم العشيرية القديمة التي كانت تحميهم. و كان سند الدين و الرهن العقاري (لأن الأثينيين كانوا قد اخترعوا الرهن العقاري أيضاً) لا يحترمان العشيرة و لا الفراترية. و الحال، كان النظام العشائري القديم لا يعرف النقود و لا القروض و لا الديون النقدية. و لهذا أدت أيضاً سيطرة النبلاء النقدية المنتشرة أوسع فأوسع إلى إقرار حق جديد يرتكز على العرف و العادة لأجل حماية الدائن من المدين، لأجل تكريس استثمار الفلاحين الصغار من جانب مالكي النقود. و في جميع حقول الأتيك كانت تنتصب مسلات حجرية رهنية سجل عليها أن القطة المعنية مرهونة لفلان لقاء مبلغ كذا من النقود. أما الحقول التي لم تكون معلمة بهذه العلائم، فكانت قد بيعت بمعظمها بسبب العجز عن تسديد قيمة الرهن العقاري أو عن دفع الفوائد المئوية في الموعد المحدد، و انتقلت إلى ملكية الأريستقراطي المرابي. و كان الفلاح يعتبر نفسه سعيداً إذا ما سمحوا له بالبقاء في قطعة الأرض بصفة مستأجر و بالعيش من سدس منتوج كدحه، إذ يتعين عليه أن يقدم الخمسة أسداس الباقية إلى المالك الجديد كبدل إيجار. و فضلاً عن ذلك، إذا كان المبلغ الذي تباع به قطعة الأرض المرهونة لا يغطي الدين، أو إذا كان الدين لم يؤمن برهن، كان يتعين على المدين أن يبيع أولاده عبيداً في بلدان أخرى لكي يسدد للدائن دينه. بيع الوالد أبناءه- تلك كانت الثمرة الأولى للحق الأبوي و أحادية الزواج! و إذا لم يرتو مصاص الدماء، فقد كان بمقدوره أن يبيع المدين نفسه أيضاً كعبد. هكذا كان فجر الحضارة المشرق عند الشعب الأثيني.



من قبل، عندما كانت ظروف حياة الشعب لا تزال تتوافق مع النظام العشائري، كان هذا الانقلاب مستحيلاً، أما الآن، فقد تحقق، و لكن أحداً لا يعرف كيف تحقق. لنعد لحظة إلى أصحابنا الإيروكوا. لقد كان من المستحيل عندهم قيام وضع كالوضع المفروض الآن على الأثينيين، بدون اشتراكهم، إذا جاز القول، و من المؤكد خلافاً لإرادتهم. و هناك، عند الإيروكوا، لم يكن أبداً بوسع أسلوب إنتاج وسائل العيش، الذي بقي هو هو سنة بعد سنة، أن يؤدي إلى نشوب مثل هذه النزاعات المفروضة كإنما من الخارج، و إلى ظهور مثل هذا التناقض بين الأغنياء و الفقراء، بين المستثمِرين و المستثمَرين. كان الإيروكوا لا يزالون بعيدين جداً عن السيادة على الطبيعة، و لكنهم كانوا ضمن بعض الحدود الطبيعية، الواضحة بالنسبة لهم، أسياد أسلوب إنتاجهم. و إذا طرحنا جانباً سوء المحاصيل في بساتينهم الصغيرة، و نفاد موارد بحيراتهم و أنهرهم من السمك، و شدة انخفاض عدد الطرائد في غاباتهم، فإنهم كانوا يعرفون مسبقاً ما يمكنهم الاعتماد عليه في ظل أسلوبهم لتحصيل وسائل العيش. كان ينبغي لهذا الأسلوب أن يؤمن وسائل العيش سواء كانت ضئيلة أو وفيرة، و لكنه لم يكن بوسعه في حال من الأحوال أن يؤدي إلى انقلابات اجتماعية غير متوقعة، إلى فصم عرى العشيرة، إلى انقسام أعضاء العشيرة و القبيلة إلى طبقات متضادة تحارب بعضها بعضاً. كان الإنتاج يتحرك ضمن أضيق الأطر، و لكن المنتوج كان بكليته في حوزة المنتجين. و تلك كانت أفضلية الإنتاج الهائلة في عصر البربرية، إلا أن هذه الأفضلية ضاعت عند حلول عصر الحضارة. إن مهمة الأجيال اللاحقة ستتلخص في استعادة هذه الأفضلية، و لكن على أساس السيادة القوية التي ظفر بها الإنسان الآن على الطبيعة، و على أساس الترابط الحر الذي أصبح الآن ممكناً.



و كان الحال مختلفاً عند اليونانيين. فإن ظهور الملكية الخاصة للقطيع و سلع البذخ أفضى إلى التبادل بين الأفراد، و إلى تحول المنتوجات إلى بضائع. و ها يكمن جنين الانقلاب اللاحق كله. فما إن كف المنتجون عن استهلاك منتوجهم بأنفسهم بصورة مباشرة، و شرعوا يتخلون عنه بواسطة التبادل حتى فقدوا سلطانهم عليه. و ما عادوا يعرفون ما يحدث له. و غدا من الممكن استعمال المنتوج ضد المنتج، من أجل استثماره و اضطهاده. و لهذا لا يستطيع أي مجتمع أن يحتفظ زمناً طويلاً بسلطانه على إنتاجه بالذات و بالرقابة على العواقب الاجتماعية لعملية إنتاجه، إذا لم يقض على التبادل بين الأفراد.



إن الأثينيين هم الذين عرفوا بتجربتهم الخاصة بأي سرعة يفرض المنتوج سلطانه على المنتج بعد ظهور التبادل بين الأفراد و تحول المنتوج إلى بضاعة. و مع الإنتاج البضاعي ظهرت حراثة الأرض من قبل الأفراد بقواهم الخاصة، و بعدها بفترة وجيزة ظهرت ملكية الأفراد للأرض. ثم ظهرت النقود، أي البضاعة العامة التي كان يمكن بها مبادلة جميع البضائع الأخرى. و لكن الناس، حين اخترعوا النقد، لم يخطر في بالهم أنهم خلقوا في الوقت نفسه قوة اجتماعية جديدة، القوة الوحيدة الشاملة التي سيترتب على المجتمع بأسره أن ينحني أمامها. و هذه القيمة الجديدة التي انبثقت فجأة بدون علم و إرادة صانعيها بالذات، هي التي أجبرت الأثينيين، بكل فظاظة فتوتها، على الشعور بسيطرتها.



فماذا كان ينبغي عمله؟ إن النظام العشائري القديم لم يقدم الدليل على عجزه حيال زحف النقود المظفر و حسب، بل كان أيضاً عاجزاً إطلاقاً عن أن يجد في داخله أي مكان لأجل أشياء مثل النقود و الدائنين و المدينين وتحصيل الدين بالقسر. و لكن القوة الاجتماعية الجديدة كانت قائمة، و لم تستطع التمنيات البريئة و الرغبة الشديدة في عودة الزمن القديم الطيب أن تطرد النقود و المرابين من العالم. و علاوة على ذلك، تم شق عدد من الثغرات الثانوية الأخرى في النظام العشائري. و من جيل إلى جيل، أخذ أعضاء مختلف العشائر الفراتريات يتخالطون أكثر فأكثر في عموم أراضي الأتيك و لا سيما في مدينة أثينا نفسها، رغم أنه كان لا يزال آنذاك بمقدور الأثيني أن يبيع ممن ليسوا أعضاء في عشيرته قطعاً من الأرض فقط، و لكن لم يكن بمقدوره أن يبيع مسكنه. و مع تطور الصناعة و التبادل، تطور أكثر فأكثر تقسيم العمل بين مختلف فروع الإنتاج: الزراعة، الحرفة، و في داخل الحرفة، بين أنواعها التي لا عد لها، و التجارة، و الملاحة، الخ.، و انقسم الناس الآن حسب أعمالهم إلى جماعات ثابتة نسبياً، لكل منها جملة من المصالح المشتركة الجديدة التي لم يكن لها مكان داخل العشيرة أو داخل الفراترية، و التي ظهرت بالتالي من أجل تأمينها الحاجة إلى وظائف جديدة. و نما عدد العبيد نمواً ملحوظاً، و من الأرجح أنه زاد كثيراً في ذلك الوقت على عد الأثينيين الأحرار. إن النظام العشائري لم يعرف أبدأ في البدء العبودية، و لم يعرف بالتالي الوسائل التي يمكن بها السيطرة على هذه الجمهرة من الناس غير الأحرار. و أخيراً اجتذبت التجارة إلى أثينا عدداً كبيراً من الأجانب فكانوا يستقرون فيها نظراً لسهولة الكسب، و لكنهم، بحكم النظم القديمة، ظلوا كذلك بلا حقوق و لا حماية، و ظلوا، رغم التساهل التقليدي، عنصراً مزعجاً و غريباً في الشعب.



و قصارى القول أن النظام العشائري كان يقترب من نهايته. فإن المجتمع كان يتخطى نطاقه يوماً بعد يوم، و لم يستطع أن يحد و لا أن يزيل حتى شر الشرور التي كانت قد ظهرت أمام أنظار الجميع. و لكن الدولة كانت قد تطورت في هذه الأثناء بصورة غير ملحوظة. فإن الجماعات الجديدة، التي تشكلت بفضل تقسم العمل أولاً بين المدينة و الريف، ثم بين مختلف فروع العمل المدينية، قد أنشأت هيئات جديدة لأجل الدفاع عن مصالحها، و أسست الوظائف من كل نوع و شكل. ثم أن الدولة الفتية كانت قبل كل شيء بحاجة إلى قوات مسلحة خاصة بها لأجل خوض غمار الحروب الصغيرة و لأجل حماية السفن التجارية، و هذه القوات لم يكن من الممكن أن تكون في البدء عند الأثينيين الذين يتعاطون الملاحة البحرية غير قوات بحرية. و في مرحلة غير محددة تماماً، و لكن قبل سولون، أنشئت naucraries (النوكراريات)، و هي دوائر إقليمية صغيرة، كان عددها 12 دائرة بكل قبيلة. و كان يتعين على كل نوكرارية أن تقدم سفينة حربية و تسلحها و تجهزها بالنوتية، و كانت تقدم بالإضافة فارسين. و قد قوضت هذه المؤسسة النظام العشائري بصورة مزدوجة، لأنها، أولاً، خلقت سلطة عامة لم تعد تتطابق أبداً بكل بساطة مع مجمل الشعب المسلح، و لأنها، ثانياً، قسمت الشعب، للمرة الأولى، لأجل أغراض عامة، لا حسب الجماعات التي تجمع بينها صلات القربى، بل حسب الإقامة في أرض واحدة. و سنرى فيما بعد أهمية هذه الظاهرة الجديدة.



و بما أن النظام العشائري لم يستطع أن يقدم للشعب المستثمَر أي عون، فلم يبق لهذا الشعب أن يعتمد إلا على الدولة الناشئة. و قد مدت الدولة له فعلاً يد العون بصورة تنظيم الإدارة الذي طبقه سولون، بينا أخذت تقوى أكثر فأكثر في الوقت نفسه على حساب النظام القديم. إن سولون (و قلما يهمنا هنا الأسلوب الذي طبق به إصلاحه نحو عام 594 قبل الميلاد) قد دشن سلسلة مما يسمى بالتورات السياسية، و فعل ذلك بالتدخل في ميدان علاقات الملكية. و إن جميع الثورات التي نشبت مذ ذاك كانت ثورات للدفاع عن نوع من الملكية ضد نوع آخر من الملكية. فلم يكن بوسعها أن تدافع عن نوع من الملكية دون المساس بالآخر. و إبان الثورة الفرنسية الكبرى، ضحي بالملكية الإقطاعية لأجل إنقاذ الملكية البرجوازية. و في الثورة التي قام بها سولون، كان لا بد أن تتضرر ملكية الدائنين في مصلحة ملكية المدينين. فقد ألغيت الديون بكل بساطة. نحن لا نعرف التفاصيل بدقة، و لكن سولون يتباهى في قصائده أنه أزال حجارة الرهونات من قطع أرض المدينين و أعاد الناس الذين بيعوا للخارج أو فروا إلى بلدان أخرى، بسبب ديونهم. و لم يكن من الممكن تحقيق ذلك إلا بانتهاك حقوق الملكية صراحة. و بالفعل، قامت جميع الثورات المسماة بالثورات السياسية، ابتداء من أول ثورة منها حتى آخر ثورة، دفاعاً عن نوع معين من الملكية، و تحققت بمصادرة ، أو، بتعبير آخر، بسرقة نوع آخر من الملكية. و هكذا لا ريب في أنه لم يمكن أن تقوم الملكية الخاصة خلال ألفين و خمسمائة سنة إلا بانتهاك حق الملكية.



و لكنه غدا من الضروري الآن الحؤول دون تكرار تحويل الأثينيين الأحرار إل عبيد. و قد تم ذلك قبل كل شيء بتدابير عامة مثل منع التزامات الدين التي كان شخص المدين بالذات ضمانتها و كفالتها. ثم أقر حد أقصى للملكية العقارية التي كان من الممكن أن يملكها الفرد و ذلك للحد بعض الشيء من طمع النبلاء الذي لا يروي غليله بأراضي الفلاحين. و فيما بعد، طرأت تعديلات على التنظيم نفسه. و إليكم أهمها بنظرنا:



تقرر أن يتألف المجلس من أربعمائة عضو، بنسبة 100 عضو عن كل قبيلة. و على هذا النحو بقيت القبيلة هنا الأساس. و لكن هذا كان الجانب الوحيد الذي أخذته الدولة الجديدة من التنظيم القديم. لأن سولون، فضلاً عن ذلك، قسم المواطنين إلى أربع طبقات تبعاً للملكية العقارية و دخلها، 500 و 300 و 150 مديمناً (المديمن يوازي تقريباً 41 ليتر) من الحبوب، تلك كانت الحدود الدنيا من الدخل لأجل الطبقات الثلاث الأولى، أما الذين كان دخلهم أقل أو كانوا لا يملكون أي قطعة من الأرض، فكانوا يشكلون الطبقة الرابعة. و لم يكن من الممكن أن يشغل جميع الوظائف غير ممثلي الطبقات الثلاث العليا، أما أعلى الوظائف، فلا يمكن أن يشغلها غير ممثلي الطبقة الأولى. و لم يكن للطبقة الرابعة غير الحق في الكلام و التصويت في الاجتماع الشعبي، و لكن هنا بالذات كان يجري انتخاب جميع الموظفين، و هنا كان ينبغي على هؤلاء أن يقدموا حساباً عن نشاطهم، و هنا كانت توضع جميع القوانين، و هنا كانت الطبقة الرابعة تؤلف الأغلبية. و من جديد جرى إثبات الامتيازات الأريستقراطية جزئياً بصورة امتيازات للثروة، و لكن الشعب احتفظ لنفسه بالسلطة الفاصلة. و فضلاً عن ذلك كان التقسيم إلى أربع طبقت أساساً لأجل تنظيم القوات المسلحة تنظيماً جديداً. فإن الطبقتين الأوليين كانتا تقدمان الخيالة، و كان على الثالثة أن تخدم في فصائل المشاة الثقيلة السلاح، و على الرابعة أن تخدم في فصائل المشاة الخفيفة السلاح التي لا ترتدي الدروع أو في الأسطول، مع العلم أنها كانت، على الأرجح، تتقاضى أجراً لقاء خدمتها.



و هكذا أدخل هنا عنصر جديد في نظام الحكم، هو الملكية الخاصة. فإن حقوق مواطني الدولة و واجباتهم أخذت تقاس حسب كبر ملكيتهم العقارية، و بقد ما كان يتعاظم نفوذ الطبقات المالكة، كانت الاتحادات القديمة القائم على قرابة الدم تزاح. و مني النظام العشائري بهزيمة جديدة.



و لكن منح الحقوق السياسية وفقاً للملكية لم يكن أبداً إحدى المؤسسات التي لا يمكن بدونها أن تقوم الدولة. و مع أن هذا المبدأ قد اضطلع بدور كبير في تاريخ تنظيم الدولة، إلا أن عدداً كبيراً جداً من الدول، و على وجه الضبط أكثرها تطوراً، استغنى عنه. بل أنه في أثينا أيضاً لم يضطلع إلا بدور عابر، فمنذ عهد أريستيدس أصبحت جمي الوظائف في منال كل مواطن (111).



و في الثمانين سنة التالية، تطور المجتمع الأثيني تدريجياً في الاتجاه الذي ظل يتطور فيه خلال القرون اللاحقة. فقد وضع حد لتفشي عمليات ديون الربا على الأراضي قبل زمن سولون، و كذلك للإفراط في تمركز الملكية العقارية. و أصبحت التجارة، و كذلك الحرف و الحرف الفنية التي كانت تتنامى أكثر فأكثر بالاستناد إلى عمل العبيد، فروع النشاط السائدة. و غدا الناس أكثر تمدنا و تنوراً. و بدلاً من استثمار مواطنيهم بالذات استثماراً قاسياً كما من قبل، شرعوا الآن يستثمرون على الأغلب العبيد و شراة البضائع الأثينية من خارج أثينا. و أخذت الأموال المنقولة أي الثروة من النقود و العبيد و السفن، تتنامى أكثر فأكثر، و لكنها لم تعد الآن مجرد وسيلة لاكتساب الأراضي، كما كان الحل في زمن الانطواء و المحدودية السابق، بل صارت أيضاً هدفاً بحد ذاته. و من جراء هذا ظهرت، من جهة، في شخص الطبقة الجديدة- طبقة الأغنياء الذين يتعاطون الصناعة و التجارة- منافسة مظفرة لجبروت الأريستقراطية القديم، و فقدت بقايا النظام العشائري القديم، من جهة أخرى، قاعدتها الأخيرة. فإن العشائر و الفراتريات و القبائل التي تشتت أعضاؤها الآن في عموم الأتيك و تخالطوا نهائياً، قد غدت لهذا السبب غير صالحة إطلاقاً لتشكيل اتحادات سياسية، و كان كثيرون من مواطني أثينا لا ينتسبون إلى أي عشيرة، فقد كانوا مهاجرين غرباء نالوا حق المواطنية و لكنهم مع ذلك لم يقبلوا في أي من الاتحادات العشائري القديمة، و فضلاً عن هؤلاء، كان هناك أيضاً عدد متزايد أبداً من المهاجرين الغرباء المتمتعين بالحماية (أو الموالي)(112).



و في هذه الأثناء كان الصراع بين الأحزاب يواصل مجراه، كانت الأريستقراطية تحاول استعادة امتيازاتها السابقة و أحرزت الغلبة لفترة من الوقت، إلى أن جاءت ثورة كليستين ( في عام 509 قبل الميلاد) و أطاحت بها نهائياً، و بأخر بقايا النظام العشائري (113) أيضاً في آن واحد.



إن تنظيم الإدارة الجديدة الذي أدخله كليستين قد تجاهل قسمة القبائل الأربع القديمة المؤسسة على العشائر و الفراتريات. و عوضاً عنها، ظهر تنظيم جديد تماماً يرتكز على تقسيم السكان، الذي جرى اختباره في "النوكراريات" حسب مكان إقامتهم فقط. و هكذا لم يبق الدور الحاسم للانتساب إلى اتحادات قربى الدم، بل صار لمكان الإقامة الدائمة وحده، و لم يقسموا الشعب، بل قسموا الأرض، و تحول السكان، من الناحية السياسية، إلى مجرد ذيل للأرض.



قسمت منطقة الأتيك كلها إلى مئة demos (ديموس) إو دائرة-مشاعة تدير كل منها نفسها بنفسها. و كان المواطنون (الديموسيون) الذين يعيشون في كل ديموس ينتخبون رئيساً (الديمارك) و خازناً، و كذلك ثلاثين قاضياً يحكمون في الخلافات الصغيرة. كذلك كان لكل ديموس معبده و إلهه الحامي أو بطله، و كان يختار لهما الكهان. و كانت السلطة العليا في الديموس لجمعية الديموسيين. و قد كان ذلك، كما يلاحظ مورغان بصواب، النموذج المسبق للمشاعة المدينية الأميركية (114) التي تحكم نفسها بنفسها. إن الوحدة التي انتهت إليها الدولة العصرية في أعلى درجات تطورها كانت نقطة انطلاق الدولة الناشئة في أثينا.



كانت عشر من هذه الوحدات أو الديموسات تؤلف قبيلة، و لكن هذه القبيلة، خلافاً للقبيلة السابقة العشائرية، صارت تسمى الآن بالقبيلة الإقليمية. إن القبيلة الإقليمية لم تكن اتحاداً سياسياً يحكم نفسه بنفسه و حسب، بل كانت أيضاً اتحاداً عسكرياً، و كانت تنتخب الفيلارك phylarque*[1] أي زعيم القبيلة آمر الخيالة، و التاكسييارك taxiarque آمر المشاة، و الستراتيجي stratége آمر جميع القوات المسلحة المجندة في أرض القبيلة. و فضلاً عن ذلك، كانت تجهز خمس سفن حربية بطواقمها و آمريها، و كانت تنال بطلاً من أبطال الأتيك بوصفه حامياً لها و تتسمى باسمه. و أخيراً كانت تنتخب خمسين ممثلاً عنها في مجلس أثينا.



أما ذروة هذا التنظيم فكانتها الدولة الأثينية التي كان يديرها مجلس مؤلف من خمسمائة نائب يمثلون القبائل العشر، و الاجتماع الشعبي –بوصفه المرجع الأعلى و الأخير- الذي كان لكل مواطن أثيني الحق في حضوره و في التصويت فيه. و علاوة على ذلك، كان الأرخونت و سائر الموظفين يسيّرون مختلف فروع الإدارة و القضاء. و لم يكن هناك في أثينا رئيس للسلطة التنفيذية.



و مع تطبيق هذا التنظيم الجديد للحكم، و مع قبول عدد كبير جداً من المتمتعين بالحماية- سواء من المهاجرين الغرباء أو من العبيد المحرّرين- أُقصيت هيئات النظام القائم على قرابة الدم عن تصريف الشؤون العامة، و انحطت إلى مستوى رابطات خاصة و أخويات دينية. و لكن عهد العشائر القديم، بنفوذه المعنوي و نظراته المتوارثة و نمط تفكيره، ظل زمناً طويلاً يعيش في التقاليد، و هذه التقاليد لم تندثر إلا تدريجياً. و قد انعكس هذا في واحدة من آخر مؤسسات الدولة.



لقد رأينا أن إحدى العلائم الجوهرية للدولة تتلخص في سلطة عامة منفصلة عن سواد الشعب. و في ذلك الحين لم يكن لدى أثينا غير الجيش الشعبي، و الأسطول الذي كان الشعب يقدمه مباشرة. و كان الجيش و الأسطول يحميانها من الأعداء الخارجيين و يفرضان الطاعة على العبيد الذين كانوا آنذاك يشكلون أغلبية السكان الملحوظة. و تجاه المواطنين، لم تكن السلطة العامة في البدء قائمة إلا بصفة بوليس، و كان البوليس قديما قدم الدول، و لهذا كان الفرنسيون السذج من القرن الثامن عشر لا يتحدثون عن الأمم المتمدنة بل عن الأمم البوليسية (nations policées). و هكذا أسس الأثينيون، في آن واحد مع دولتهم، بوليساً، دركاً حقيقياً من النبالة المشاة و الخيال، أو اللاندياغر (Landjäger) كما يسمونهم في ألمانيا الجنوبية و في سويسرا. و لكن هذا الدرك كان يتألف من العبيد. فقد كانت هذه الخدمة البوليسية تبدو للأثيني الحر مذلة إلى حد أنه كان يفضل الاستسلام للعبد المسلح، شرط ألا يمارس هو نفسه هذا العمل المشين. و في هذا كانت لا تزال تنعكس عقلية العشيرة القديمة. فلم يكن بوسع الدولة أن تعيش بدون البوليس، و لكنها كانت لا تزال بعد فتية، و لم تكن تتمتع بعد بما يكفي من النفوذ المعنوي لكي تجعل من مهنة كانت تبدو بالضرورة مشينة و خسيسة لأعضاء العشائر القدامى مهنة محترمة.



إن الازدهار السريع الذي عرفته الثروة و التجارة و الصناعة يدل على مبلغ توافق الدولة التي تكونت سماتها الرئيسية مع وضع الأثينيين الاجتماعي الجديد. فإن التناحر الطبقي الذي ارتكزت عليه المؤسسات الاجتماعية و السياسية لم يكن الآن ذلك التناحر بين الأريستقراطية و الشعب البسيط، بل التناحر بين العبيد و الأحرار، بين الموالي و المواطنين الكاملي الحقوق. و في أوج ازدهار أثينا، كان مجمل عدد المواطنين الأحرار، بمن فيهم النساء و الأطفال، يبلغ زهاء 90000 شخص، بينا كان عدد العبيد ذكوراً و إناثاً يبلغ 365000 شخص، و عدد الموالي- من مهاجرين غرباء و عبيد محرّرين- 45000 شخص. و هكذا كان يوجد مقابل كل مواطن راشد من الذكور 18 عبداً على الأقل و أكثر من اثنين من الموالي. و سبب هذا العدد الكبير من العبيد، أن كثيرين منهم كانا يشتغلون معاً في المانيفاكتورات، في مشاغل كبيرة، تحت رقابة المراقبين. و لكن تطور التجارة و الصناعة أفضى إل تراكم و تمركز الثروات في قلة من الأيدي، و كذلك إلى افتقار سواد المواطنين الأحرار الذين لم يبق لهم إلا الاختيار بين سبيلين لا ثالث لهما: إما أن ينافسوا عمل العبيد بانصرافهم هم أنفسهم إلى ممارسة الحرف، الأمر الذي كان يعتبر مشيناً، مذلاً، منحطاً، ناهيك بأنه لا يبشر بكبير النجاح، و إما أن يتحولوا إلى فقراء. و في الظروف المعنية، ساروا بحكم الضرورة في السبيل الأخير، و بما أنهم كانوا يؤلفون سواد السكان، فقد أدى ذلك إلى هلاك الدولة الأثينية كلها أيضاً. فليست الديموقراطية هي التي أهلكت أثينا، كما يزعم الأدعياء المدرسيون الأوروبيون الذين يتملقون الملوك و الأمراء، بل العبودية التي جعلت عمل المواطن الحر موضع احتقار و ازدراء.



إن ولادة الدولة عند الأثينيين هي مثال نموذجي، و لا أرقى، على تكوّن الدولة بوجه عام، و ذلك من جهة، لأنها تجري بشكل نقي، دون أي تدخل عنيف من الداخل و من الخارج،-إن اغتصاب بيسيستراتس للسلطة خلال فترة وجيزة لم يترك أي أثر (115)،- و من جهة أخرى، لأن شكلاً متطوراً جداً للدولة في الحالة المعنية، هو الجمهورية الديمقراطية، ينبثق مباشرة من المجتمع العشائري، و أخيراً، لأننا نعرف كفاية جميع التفاصيل الأساسية لنشوء هذه الدولة.






الهوامش:


(111)المقصود هنا منح الطبقة الرابعة من مواطني أثينا – "الفيت" (و هم مواطنون أحرار و لكنهم معدمون) حق شغل الوظائف المدنية ، الأمر الذي ينسبه قسم من المصادر إلى أريستدس. (القرن الخامس ق.م).



(112)المقصود هنا métèques (الميتيك أو الموالي) أي الغرباء الذين كانوا يسكنون في الآتيك بصورة دائمة، كان هؤلاء أحرار ، و لكنهم لم يكونوا يتمتعون بحقوق المواطنين الأثينيين (حق شغل الوظائف العام، الاشتراك في الجمعية الشعبية، امتلاك الأموال غير المنولة، الخ..). كان الميتيك يتعاطون بصورة رئيسية الحرف و التجارة ، و كانوا ملزمين بدفع ضريبة خاصة، و باتخاذ "حماة" لهم من عداد المواطنين الكاملي الحقوق، و بواسطة هؤلاء، كان يمكنهم مراجعة هيئات الحكم.



(113)في سنوات 510-507 ق.م.، ترأس كليسفن، ممثل عشيرة الكميونيد، نضال ديموس (شعب) أثينا ضد سيطرة الأريستقراطية العشائرية القديمة، و بالنتيجة، أطيح بهذه السيطرة، و أجريت إصلاحات ترمي إلى تصفية بقايا النظام العشائري.



(114)L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(115)في عام 560 ق.م. استولى بيسيستراتس، ممثل العشيرة الأريستقراطية المفتقرة، على السلطة في أثينا، و أقام نظام الحم الفردي- حكم الاستبداد. دام هذا النظام مع انقطاعات ( فقد طرد بيسيستراتس مرتين من أثينا و عاد إليها من جديد) حتى وفاة بيسيستراتس في عام 527 ق.م، و بعد ذاك حتى عام 510 ق.م. عندما طرد ابنه هيبياس ، و أعيدت في أثينا بعد فترة وجيزة سيادة ديمقراطية مالكي العبيد برئاسة كليسفن. إن نشاط بيسيستراتس، الهادف إلى الدفاع عن ملاكي الأراضي الصغار و المتوسطين ضد الأريستقراطية العشائرية، لم يسفر عن تغييرات جدية في تركيب الدولة الأثينية السياسي.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] من الكلمة اليونانية القديمة "فيلا" phyla أي القبيلة. الناشر.

6 ـ العشيرة والدولة في روما

يتبين من أسطورة تأسيس روما أن أول مقام كان من صنع عدد من العشائر اللاتينية (مائة، حسب الأسطورة) المتحدة في قبيلة واحدة انضمت إليها بعد فترة وجيزة من الوقت قبيلة سابيلية تتألف هي أيضاً، كما تقول الأسطورة، من مائة عشيرة، ثم قبيلة ثالثة تتألف من عناصر مختلفة، و تضم هي أيضاً، كما تقول الأسطورة، مائة عشيرة. و إن القصة كلها تبين من الوهلة الأولى أنه لم يكن هناك أي شيء تكوّن بصورة طبيعية باستثناء العشيرة، و أن العشيرة لم تكن في بعض الأحول غير فرع من عشيرة أصلية، أولية، ظلت تعيش في موطنها القديم. و على القبائل يبدو خاتم تركيبها المصطنع، و لكن هذا التركيب مصنوع بمعظمه من عناصر متقاربة و حسب نموذج القبيلة القديمة التي تنامت بصورة طبيعية، لا حسب نموذج القبيلة المشكلة بصورة مصطنعة، و مع ذلك، ليس من المستبعد أنه كان من الممكن أن تكون نواة كل من القبائل الثلاث قبيلة قديمة حقيقية. فإن الحلقة الوسيطة، الفراترية، كانت تتألف من عشر عشائر و تسمى curia ("كوريا")، فكان هناك إذن ثلاثون "كوريا".



و من المعترف به عموماً أن العشيرة الرومانية كانت نفس المؤسسة التي كانتها العشيرة اليونانية. و لئن كانت العشيرة اليونانية شكلاً أكثر تطوراً لتلك الخلية الاجتماعية التي نجد شكلها البدائي عند الهنود الحمر الأميركيين، فإن هذا يصح كلياً أيضاً على العشيرة الرومانية. و لذا بوسعنا أن نكون هنا أكثر إيجازاً.



إن العشيرة الرومانية، في الآونة الأولى على الأقل من وجود المدينة، تتسم بالتركيب التالي:



1. حق أعضاء العشيرة في وراثة بعضهم بعضاً، الممتلكات تبقى داخل العشيرة. و بما أن الحق الأبوي كان يسود سواء في العشيرة الرومانية أو في العشيرة اليونانية، فإن الذرية من حبل النسل النسائي كانت مستبعدة عن الإرث. و بموجب قواني الألواح الاثني عشر (116)، و هي أقدم أثر مكتوب نعرفه عن الحق الروماني، كان الأولاد هم الذين يرثون في المقام الأول بوصفهم الورثة المباشرين، و في حال عدم وجودهم "الأغنات" agnats (أي الأقرباء حسب حبل النسل الرجالي)، و في حال عدم وجود هؤلاء، أعضاء العشيرة. و في جميع الأحوال، كانت الممتلكات تبقى داخل العشيرة. و نحن نرى هنا كيف تسربت تدريجياً إلى عادة العشيرة قواعد قانونية جديدة نجمت عن نمو الثروة و عن أحادية الزواج: إن حق الوراثة، المتساوي في الأصل بين جميع أعضاء العشيرة، يقتصر عملياً- و باكراً جداً، كما أشير أعلاه- على "الأغنات" في البدء، و أخيراً على الأولاد و ذريتهم حسب حبل النسل الرجالي. أما في الألواح الاثني عشر، فإن هذا يرد بالطبع في تسلسل معاكس.



2. امتلاك أرض مشتركة للدفن. فعندما انتقلت عشيرة كلوديوس الأريستقراطية من مدينة ريغيل إلى روما، حصلت على رقعة من الأرض، و كذلك على مكان مشترك في المدنية نفسها من أجل الدفن. و حتى في عهد أوغسطوس، دفن رأس فار (117)، الذي قتل في غاب توتوبورغ و جيء به إلى روما، في gentilitius tumulus *[1] و هكذا إذن كانت العشيرة (Quintilia-كوينتيليا) لا تزال تملك جثوة خاصة للدفن.



3. أعياد دينية مشتركة. و هذه sacra gentilitia**[2] معروفة.



4. واجب عدم الزواج داخل العشيرة. و يبدو أن هذا لم يتحول يوماً في روما إلى قانون مكتوب. و لكنه بقي عادة. و بين العدد الهائل من الأزواج التي وصلت أسماؤها إلينا، ليس لأي زوج اسم عشيري واحد لكلا الرجل و المرأة . ثم أن حق الوراثة يؤكد هذه القاعدة. فإن المرأة تفقد حقوقها "الأغناتية" عندما تتزوج، و تخرج من عشيرتها. و ليس في وسعها و لا في وسع أولادها وراثة والدها أو أخوة والدها، و إلا فقدت عشيرة الوالد حصة من الميراث. و ليس لهذا معنى إلا إذا افتراضنا أن المرأة لا تستطيع أن تتزوج من أي عضو من عشيرتها.



5. ملكية عقارية مشتركة. كانت هذه موجودة على الدوام في الأزمنة البدائية، منذ أن شرعت القبائل تتقاسم الأرض. و بين القبائل اللاتينية، نجد الأرض جزئياً ملك القبيلة، جزئياً ملك العشيرة، و جزئياً ملك الاقتصادات المنزلية التي لم يكن من الممكن أبداً أن تكون آنذاك عائلات منفردة. و ينسب إلى رومولوس أنه قام بأول تقسيم للأرض بين الأفراد، مانحاً كلاً منهم قرابة هكتار (يوغران jugerum). و لكننا نجد فيما بعد أيضاً ملكيات عقارية تخص العشيرة، ناهيك عن أراضي الدولة التي يدور حولها كل تاريخ الجمهورية الداخلي.



6. واجب أعضاء العشيرة أن يساعدوا و يحموا بعضهم بعضاً. إن التاريخ المكتوب لا يبين لنا غير حطام هذه العادة. فإن الدولة الرومانية قد دخلت الحلبة دفعة واحدة بوصفها قوة على درجة من التفوق بحيث أن حق الحماية من المظالم انتقل إليها. فعندما اعتقل إبيوس كلوديوس، ارتدى جميع أعضاء عشيرته ثياب الحداد، بمن فيهم أولئك الين كانوا أعداءه الشخصيين (118). و إبان الحرب البونيكية الثانية (119)، اتحدت العشائر لأجل افتداء أعضائها الأسرى، و لكن "السينات"( مجلس الشيوخ) منعها من ذلك.



7. الحق في اتخاذ اسم العشرة. و قد بقي حتى زمن الإمبراطورية، و قد سمح للمحررين اتخاذ اسم عشيرة أسيادهم السابقين، و لكن دون اكتساب حقوق أعضاء العشيرة.



8. الحق في قبول الغرباء في العشيرة. و كان يطبق بتبني إحدى العائلات (كما عند الهنود الحمر) للغريب المعني، الأمر الذي كان يستتبع قبوله في العشيرة.



9. لم يرد أي ذكر لحق انتخاب و إقالة الرئيس. و لكن بما أن جميع الوظائف، ابتداء من وظيفة الملك، كانت تولّى بالانتخاب أو بالتعيين في المرحلة الأولى من تاريخ روما، و بما أن كهان "الكوريا" أيضاً كانت تنتخبهم "الكوريا" ذاتها، ففي وسعنا أن نفترض الوضع نفسه فيما يتعلق برؤساء (principes) العشائر، حتى و إن كان من الممكن أن يكون انتخابهم من العائلة نفسها في العشيرة قد أصبح قاعدة.



تلك كانت وظائف العشيرة الرومانية. و هي تشبه تماماً حقوق و واجبات العشيرة الإيروكية، باستثناء الانتقال الناجز إلى الحق الأبوي، و هنا أيضاً "يتراءى الإيروكوا بوضوح"(120).



و لن نسوق غير مثال واحد لكي نبين أي تشوش في مسألة النظام العشائري الروماني لا يزال سائداً في الوقت الحاضر حتى بين أشهر مؤرخينا. فقد جاء في مؤلف مومزن بصدد أسماء العلم الرومانية في زمن الجمهورية و في عهد أوغسطوس ("دراسات في تاريخ روما"، برلين، 1864، المجلد الأول (121)) ما يلي:



"فضلاً عن جميع أعضاء العشيرة من الذكور، باستثناء العبيد، بالطبع، و لكن بمن فيهم المقبولون بالتبني في العشيرة و الموالي، كان اسم العشيرة يمنح أيضاً للنساء ... إن القبيلة"(هكذا يترجم مومزن هنا كلمة gens ("جنس")) "إنما هي... جماعة ظهرت على أساس أصل مشترك- فعلي أو محتمل أو حتى ملفق – و توحدها عرى المشاركة في الأعياد و المدافن و الوراثة، جماعة يجب و يمكن أن ينتسب إليها جميع الأفراد الأحرار شخصياً، و بالتالي النساء أيضاً. و لكن ما يصعب الأمر، إنما هو تحديد اسم عشيرة النساء المتزوجات. إن هذه الصعوبة لم تكن قائمة بالطبع طالما لم يكن بمقدور المرأة أن تتزوج إلا من عضو من أعضاء "جنسها"، و خلال زمن طويل، كما يمكن إثبات ذلك، كان من الأصعب على المرأة أن تتزوج خارج عشيرتها مما داخل عشيرتها، لأن حق الزواج خارج العشيرة- gentis enuptio- كان لا يزال يمنح حتى في القرن السادس على سبيل المكافأة بوصفه امتيازاً شخصياً ... و لكن، حيثما كانت تنعقد الزواجات خارج العشيرة، كان ينبغي على المرأة، في الأزمنة الأولى، أن تنتقل إلى قبيلة زوجها. و لا سبيل أبداً إلى الريب في أن المرأة كانت ، بموجب الزواج الديني القديم، تدخل كلياً في جماعة زوجها الشرعية و الدينية و تخرج من جماعتها. و من ذا الذي لا يعرف أن المرأة المتزوجة تفقد، حيال أعضاء عشيرتها، الحق في الحصول على الإرث في توريث أموالها، و أنها تدخل بالمقابل في الرابطة التي تملك حقوقاً مشتركة في الإرث و التي تشمل زوجها و أولادها و أعضاء عشيرتهم على العموم. و إذا كانت كأنما يتبناها زوجها و إذا كانت تدخل في عائلته، فكيف يمكن إذن أن تبقى غريبة عن عشيرته؟"



و عليه يزعم مومزن أن النساء الرومانيات اللواتي ينتسبن إلى عشيرة من العشائر لم يكن بوسعهن الزواج في البدء إلا داخل عشيرتهن، و إن العشيرة الرومانية كانت بالتالي داخلية الزواج لا خارجية الزواج. إن هذه النظرة التي تناقض كل ما نعرفه عن الشعوب الأخرى، ترتكز بصورة رئيسية، إن لم يكن بوجه الحصر، على مقطع واحد وحيد عند تيطس ليفيوس، أثار الكثير من النقاش و الجدال (الكتاب 39، الفصل 19 (122)) و ورد فيه أن مجلس الشيوخ قرر في العام 568 من تأسيس روما، أي في عام 186 قبل الميلاد:



"uti Feceniae Hispalae datio, deminutio, gentis euptio, tutoris optio item esset quasi ei vir testamento dedisset, utique ei ingenuo nubere liceret, neu quid ei qui eam duxisset, od id fraudi ignominiaeve esset"



-"لكي يحق لفيتسينيا هيسبالا، أن تتصرف بمالها و تنفق منه، و تتزوج خارج العشيرة و تختار وصياً عليها، كأنما زوجها"(المتوفي)"منحها هذا الحق بالوصية، و لكي يحق لها أن تتزوج من مواطن حر، دون أن يتهم الرجل الذي يتزوج منها بأنه تصرف تصرفاً غبياً أو مخزياً".



فلا ريب إذن أنهم يمنحون هنا فيتسينيا، المعتقة، الحق في الزواج خارج عشيرتها. و من المؤكد كذلك أنه ينجم من هنا أنه كان يحق للزوج أن يمنح زوجته بالوصية الحق في الزواج خارج العشيرة بعد وفاته. و لكن خارج أي عشيرة؟



لئن كان يتعين على المرأة بأن تتزوج داخل عشيرتها كما يعتقد مومزن، لبقيت بعد الزواج أيضاً في هذه العشيرة. و لكن هذا القول بالزواج الداخلي هو الذي ينبغي تقديم البرهان على صحته. هذا أولاً. و ثانياً، لئن كان يتعين على المرأة أن تتزوج داخل عشيرتها، فقد كان ذلك يتعين على الرجل يضأ بالطبع، و إلا لما كان بوسعه أن يجد زوجة له. و هذا يعني أنه كان في مقدور الزوج أن يمنح زوجته بالوصية حقاً كان لا يملكه هو نفسه و كان لا يستطيع الاستفادة منه في مصلحته بالذات. و هذا محال من الناحية القانونية. و هذا ما يشعر به مومزن أيضاً، و لهذا يورد الفرضية التالية:



"لأجل الزواج خارج العشيرة، كان ينبغي قانونياً، أغلب الظن، لا موافقة ذي السلطة و حسب، بل أيضاً موافقة جميع أعضاء العشيرة"



أولاً، هذه فرضية جريئة جداً، و هي، ثانياً تناقض النص الصريح في المقطع المذكور آنفاً، فإن مجلس الشيوخ يمنحها هذا الحق بالنيابة عن الزوج، و هو يمنحها صراحة ما كان بوسع زوجها أن يمنحها إياه، لا أكثر و لا أقل، و لكن ما يمنحها إياه، إنما هو حق مطلق، لا يحده أي شرط أو قيد. و عليه، إذا استخدمت هذه الحق، فإن زوجها الجديد، هو أيضاً، لن يتضرر، بل أن مجلس الشيوخ يكلف القناصل و البريتوريين الحاليين و المقبلين بالحرص على ألا يلحق بها أي إجحاف و ضرر. و هكذا تبدو فرضية مومزن غير مقبولة أبداً.



أو لنفترض أيضاً أن المرأة تزوجت رجلاً من عشيرة أخرى، و لكنها بقيت في عشيرتها الأصلية. ففي هذه الحال، حسبما جاء في النص المذكور آنفاً، كان يحق للزوج أن يسمح للزوجة بالزواج خارج عشيرتها. و هذا يعني أنه كان يحق له التصرف في شؤون عشيرة لا ينتسب إليها إطلاقاً. و هذا هراء لا يجدر أن نضيف بصدده أي كلمة.



فلا يبقى إذاً غير أن نفترض أن المرأة تزوجت للمرة الأولى رجلاً من عشيرة أخرى، و إنها انتقلت على الفور إلى عشيرة زوجها بحكم هذا الزواج، حسبما يقر فعلاً بذلك مومزن أيضاً في مثل هذه الأحوال. آنذاك تتضح دفعة واحدة جميع العلاقات المتبادلة. فإن الزوجة التي انفصلت أثر الزواج عن عشيرتها السابقة و قبلت في عشيرة جديدة هي عشيرة زوجها، تشغل هنا وضعاً خاصاً تماماً. فهي حقاً عضو في العشيرة، و لكنه لا تجمعها بها قرابة الدم، إن طابع قبولها يحررها سلفاً من كل منع عن الزواج داخل العشيرة التي انضمت إليها عن طريق الزواج. و هي، فضلاً عن ذلك، مقبولة في الرابطة العشيرية التي تملك حقوق الوراثة العامة، و لذا ترث أموال زوجها في حال وفاته، أي أنها ترث أموال عضو من العشيرة. أوليس من الطبيعي تماماً أن تقوم قاعدة تلزم الزوجة، رغبة في الحفاظ على الأموال في العشيرة، بالزواج من عضو من عشيرة زوجها الأول لا من رجل من عشيرة أخرى؟ و إذا كان لا بد من إجازة استثناء، فمن ذا الذي يملك ما يكفي من الحقوق و الصلاحيات لمنحها مثل هذا الحق إن لم يكن زوجها الأول الذي أوصى لها بهذه الأموال؟ و عندما يوصي لها بقسم من أمواله و يسمح لها في آن واحد بنقل هذا القسم إلى عشيرة غريبة عن طريق الزواج أو بنتيجة الزواج، فإن هذه الأموال لا تزال تخصه، و بالتالي لا يتصرف حقاً و فعلاً إلا بملكه. أما فيما يتعلق بالزوجة نفسها و بعلاقتها بعشيرة زوجها، فإن الزوج هو الذي أدخلها إلى هذه العشيرة بفعل من أرادته الحرة، بالزواج. و لذا كان من الطبيعي أيضاً أن يكون هو على وجه الضبط الشخص الذي يستطيع أن يمنحها الحق في الخروج من هذه العشيرة بواسطة الزواج الثاني. و بكلمة، تبدو المسألة بسيطة و بديهية ما أن نطرح جانباً الفكرة الغريبة القائلة بالزواج الداخلي في العشيرة الرومانية، و ما أن نقر مع مورغان بأن هذه العشيرة كانت في الأصل خارجية الزواج.



تبقى فرضية أخرى و أخيرة وجدت هي أيضاً أنصاراً لها، و لربما أكبر عدد من الأنصار: إن المقطع المذكور من تيطس ليفيوس يعني فقط:



"إن الخادمات المعتقات (libertae) لا يستطعن، بدون إذن خاص، e gente enbere"، (الزواج خارج العشيرة)"أو القيام بأي عمل آخر من شأنه، لارتباطه مع capitis diminutio minima ***[3] أن يستتبع خروج liberta من الرابطة العشيرية"(لانغه. "الأزمنة القديمة الرومانية"، برلين، 1856، المجلد الأول، ص 195 حيث يستشهد بهوشكه (123) فيما يخص مقطع تيطس ليفيوس الذي أوردناه).



إذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فإن المقطع المذكور آنفاً لا يثبت شيئاً على الإطلاق فيما يتعلق بوضع الرومانيات الحرات، و في هذه الحال لا يمكن أبداً أن يدور الكلام حول واجب هؤلاء النساء بالزواج داخل العشيرة.



إن تعبير enuptio gentis لا يرد إلا في هذا المقطع وحده، و لا يظهر بعد ذاك أبداً في الأدب الروماني كله، و كلمة enubere- الزواج خارجاً- لا ترد إلا ثلاث مرات، و عند تيطس ليفيوس أيضاً، ناهيك بأنها لا ترد بصدد العشيرة. إن الفكرة الخيالية الغريبة الزاعمة أنه لم يكون بمستطاع الرومانيات أن يتزوج إلا داخل العشيرة مدينة بظهورها لهذا المقطع وحده. و لكنها لا تصمد إطلاقاً للنقد. و بالفعل، إما أن هذا المقطع يتعلق بقيود خاصة بالنسبة للمعتقات، و هو في هذه الحال لا يثبت شيئاً فيما يتعلق بالحرات ingenuae ، و إما أنه يصح على الحرات أيضاً، و هو في هذه الحال يثبت بالأحرى أن المرأة كانت ، على العموم، تتزوج خارج عشيرتها، و لكنها كانت تنتقل بحكم الزواج إلى عشيرة زوجها، و هو بالتالي برهان ضد مومزن و في صالح مورغان.



بعد تأسيس روما بنحو ثلاثمائة سنة، كانت العرى العشيرية لا تزال قوية إلى حد أن إحدى عشائر الخواص، و هي عشيرة فابيوس، استطاعت بإذن من مجلس الشيوخ، أن تقوم بقواها الخاصة بزحف حربي على مدينة فييه المجاورة. و يقال أن 306 من فابيوس قد اشتركوا في هذا الزحف و أنهم قتلوا جميعهم في كمين نصب لهم، و أن صبياً صغيراً بقي على قي الحياة، فواصل العشيرة.



كانت عشر عشائر، كما قيل أعلاه، تؤلف فراترية، و كانت الفراترية تسمى هنا "كوريا" و كانت لها وظائف عامة أهم من التي كانت للفراترية اليونانية. و كانت لكل كوريا طقوسها الدينية و مقدساتها و كهانها. و كان هؤلاء الكهان يشكلون بمجملهم إحدى الهيئات الكهنوتية الرومانية. و كانت عشر كوريات تشكل قبيلة، و كان للقبيلة في البدء، أغلب الظن، شأنها شأن سائر القبائل اللاتينية، رئيس منتخب هو القائد العسكري و الكاهن الأكبر. و كانت القبائل الثلاث تؤلف بمجملها الشعب الروماني، populus romanus.



فلم يكن من الممكن إذن أن ينتسب إلى الشعب الروماني إلا من كان عضواً في عشيرة، و بواسطتها عضواً في كوريا و قبيلة. و فيما يلي التنظيم الأولي للحكم عند هذا الشعب. في البدء، كان السينات (مجلس الشيوخ) هو الذي يصرف الشؤون العامة، و كان مجلس الشيوخ، كما لاحظ نيبور عن حق و صواب للمرة الأولى، يتألف من شيوخ ثلاثمائة عشيرة (124)، و لهذا بالذات كانوا يسمون، بوصفهم شيوخ العشائر، بالآباء patres، و كان مجموعهم يسمى السينات (مجلس الشيوخ، من كلمة senex أي شيخ). و قد أصبح انتخاب الشيوخ على الدوام من العائلة ذاتها عادة متبعة، الأمر الذي أدى هنا أيضاً على نشوء أول أريستقراطية عشيرية. و كانت هذه العائلات تسمى بالباتريسية (عائلات الخواص) و تدعي بأن لها وحدها دون عيرها الحق في دخول مجلس الشيوخ و شغل جميع الوظائف الأخرى. إن واقع أن شعب خضع مع مرور الزمن لهذا الإدعاءات، فتحولت إلى حق فعلي، قد وجد تعبيراً عنه في الأسطورة القائلة أن رومولوس منح الشيوخ الأوائل و خلفائهم رتبة العائلات الباتريسية و امتيازاتها. و قد كان لمجلس الشيوخ، مثله مثل bulê الأثيني، الحق في اتخاذ القرارات النهائية في كثير من القضايا، و في بحث أهمها مسبقاً، و لا سيما منها القوانين الجديدة. و هذه القوانين كانت تقرها نهائياً الجمعية الشعبية التي كانت تسمى comitia curiata (جمعية الكوريات). فقد كان الشعب يجتمع كوريات كوريات، و في كل كوريا، عشائر أغلب الظن، و عند اتخذا القرار كان لكل من الكوريات الثلاثين صوت واحد. و كانت جمعية الكوريا تقر أو ترفض جميع القوانين، و تنتخب جميع كبار الموظفين بمن فيهم rex ("الركس" أي ما يسمى بالملك)، و تعلن الحرب (و لكن مجلس الشيوخ هو الذي كان يعقد الصلح) و تصدر الأحكام المبرمة، بوصفها الهيئة القضائية العليا، بعد استئناف الأطراف في جميع القضايا التي تتعلق بإصدار حكم بالإعدام على مواطن روماني. و إلى جانب مجلس الشيوخ و الجمعية الشعبية، كان هناك أخيراً rex ("ركس") يطابق تماماً basileus الباسيليوس اليوناني، و لم يكن إطلاقاً، كما يصوره مومزن (125)، ملكاً غير مقيد تقريباً ****[4]. و كان هو أيضاً قائداً حربياً، كاهناً أكبر، و كان يرأس بعض المحاكم. و لم يكن يملك إطلاقاً أي صلاحيات في ميدان الإدارة المدنية، و كذلك أي سلطة على حياة المواطنين و حريتهم و ملكيتهم، اللهم إن لم تكن تنجم عن السلطة الانضباطية التي يملكها القائد الحربي أو عن سلطة رئيس الهيئة القضائية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام. و لم تكن وظيفة "الركس" وراثية، بل بالعكس. ففي البدء، كان يُنتخب، على الأرجح، بناء على اقتراح سابقه في الوظيفة، من قبل جمعية الكوريات، ثم كان يجري تنصيبه في الوظيفة باحتفال في اجتماع ثان لجمعية الكوريات. و كان من الممكن كذلك إقالته، الأمر الذي يبرهن عليه مصير تركوينوس المتكبر.



كان الرومانيون في عهد من كانوا يسمونهم بـ "الملوك"، يعيشون، شأنهم شأن اليونانيين في العهد البطولي، في ظل ديموقراطية عسكرية منبثقة من العشائر و الفراتريات و القبائل، و مرتكزة عليها. صحيح أن الكوريات و القبائل كانت مؤلفة جزئياً بصورة اصطناعية، و لكنها كانت منظمة حسب نموذج الأشكال المسبقة الحقيقة و الطبيعية لذلك المجتمع الذي انبثقت منه والذي كان لا يزال يحيط بها من جميع الجوانب. و مع أن الأريستقراطية الباتريسية التي تطورت بصورة عفوية كانت قد كسبت آنذاك تربة راسخة تحت قدميها، و مع أن "الركسات" حاولوا أن يوسعوا صلاحياتهم شيئاً فشيئاً، إلا أن كل هذا لا يغير صفة النظام الأساسية الأولية، و الحال، هنا بيت القصيد.



و في هذه الأثناء، كان عدد سكان مدينة روما و المقاطعة الرومانية التي كانت تتسع رقعتها بفضل الفتوحات، ينمو جزئياً بالهجرة إليها و جزئياً فضل سكان المناطق المفتوحة، اللاتينية بأغلبيتها. إن جميع رعايا الدولة الجدد هؤلاء (و نحن هنا لا نتناول مسألة clients الأتباع) كانوا خارج العشائر و الكوريات و القبائل القديمة و لذا لم يكونوا جزءً لا يتجرأ من populus romanus، من الشعب الروماني بالذات. كانوا أناساً أحراراً شخصياً، و كان بوسعهم حيازة الأرض على سبيل الملكية، و كان عليهم أن يدفعوا الضرائب و يؤدوا الخدمة العسكرية. و لكنه لم يكن بمقدورهم أن يشغلوا أي وظيفة من الوظائف، و لم يكن بمقدورهم أن يشتركوا لا في اجتماعات الكوريات و لا في قسمة الأراضي التي استولت عليها الدولة. كانوا يشكلون طبقة plébs (البليبس) أي العوام، المحرومة من جميع الحقوق السياسية. و بفضل عددهم المتنامي باستمرار، و تدريبهم العسكري و أسلحتهم، أصبحوا قوة رهيبة بوجه populus (الشعب) القديم الذي أمسى مغلقاً تماماً دون أي نمو من الخارج. أضف إلى ذلك أن الملكية العقارية كانت، على الأرجح، قد وزعت بالتساوي تقريباً بين plébs و populus، بينا الثروة التجارية و الصناعية، التي لم تكن قد تطورت بعد بقوة، كانت في أيدي plébs (العوام) على الأخص.



و بسبب الظلام الكثيف الذي يلف تاريخ روما الأسطوري البدائي- و هو ظلام شدده كثيراً ما بذله علماء القانون المتأخرون الذين تشكل مؤلفاتهم مصادرنا من محاولات لتفسير التاريخ بطريقة براغماتية عقلانية و ما قدموه من أوصاف و عروض بالطريقة ذاتها – يستحيل قول أي شيء دقيق سواء فيما يتعلق بزمن أو مجرى أو ظروف نشوب تلك الثورة التي وضعت حداً للنظام العشائري القديم. و لكنه يمكن التأكيد فقط أن سببها يكمن في الصراع بين plébs و populus.



و بموجب نظام الإدارة الجديد، المنسوب إلى الركس سرفيوس توليوس، و المستند إلى النماذج اليونانية و لا سيما إلى سولون، أنشأت جمعية شعبية جديدة كان يشترك فيها populus و plébs أو يقصون عنها دون أي تمييز، تبعاً لقيامهم أو عدم قيامهم بواجباتهم العسكرية. و قد جرت قسمة جميع الرجال الملزمين بالخدمة العسكرية إلى ست طبقات حسب ملكيتهم. و كان الحد الأدنى من الملكية في كل من الطبقات الخمس الأولى: 100000 أس للطبقة الأولى، 75000 للثانية، 50000 أس للثالثة، 25000 أس للرابعة، 11000 أس للخامسة، أي ما يوازي على التوالي، كما يقول دورو دي لامال، زهاء 140000 و 10500 و 7000 و 3600 و 1570 ماركاً (126). أما الطبقة السادسة، و هي طبقة البروليتاريا، فكانت تتألف من قليلي الملكية المعفيين من الخدمة العسكرية و الضرائب. و في الجمعية الشعبية الجديدة من السنتوريات Centuties (comitia centuriata)، كان المواطنون يوزعون على النمط العسكري، سرايا سرايا، إذا جاز القول، سنتوريات سنتوريات، كل سنتورية من 100 شخص، مع العلم أنه كان لكل سنتورية صوت واحد. و لكن الطبقة الأولى كانت تقدم 80 سنتورية و الثانية 22 و الثالثة 20 و الرابعة 22 و الخامسة 30 السادسة سنتورية واحدة فقط، إرضاء للمظاهر. و علاوة على ذلك، كان الفرسان، المجندون من بين أغنى المواطنين، يؤلفون 18 سنتورية. فكان هناك بالإجمال 193 سنتورية. و لنيل أغلبية الأصوات، كان يكفي الحصول على 97 صوتاً. و الحال، كان للفرسان و الطبقة الأولى معاً 98 صوتاً، أي الأغلبية. فإذا ما اتفقوا، كان يصرف النظر كلياً عن استشارة لآخرين، و كان القرار النهائي يعتبر مأخوذاً.



و إلى جمعية السنتوريات الجديدة، انتقلت الآن جميع الحقوق السياسية التي كانت تتمتع بها جمعية الكوريات السابقة (باستثناء بعض الحقوق الاسمية)، فانحطت الكوريات و العشائر التي تؤلفها، كما في أثينا، إلى مستوى أخويات خاصة و دينية بسيطة، و ظلت زمناً طويلاً تعيش عيشة حقيرة بهذه الصفة، بينا غابت جمعية الكوريات نهائياً عن المسرح بعد فترة وجيزة. و لأجل إقصاء القبائل العشيرية الثلاث القديمة أيضاً من الدولة، أنشأت أربع قبائل إقليمية، كل منها تسكن حياً خاصاً من المدينة، و خولت جملة من الحقوق السياسية.



و هكذا، في روما أيضاً، جرى قبل إلقاء ما أسمي بالسلطة الملكية، تحطيم النظام الاجتماعي القديم، المرتكز على صلات قربى الدم الشخصية، و أنشئ عوضاً عنه نظام جديد، نظام دولة حقاً و فعلاً، يرتكز على التقسيم الإقليمي و على فوارق الثورة. و هنا انحصرت السلطة العامة في أيدي المواطنين الملزمين بأداء الخدمة العسكرية، و كانت موجهة لا ضد العبيد و حسب، بل أيضاً ضد من كانوا يسمون بالبروليتاريين، المبعدين عن الخدمة العسكرية و المحرومين من السلاح.



و في نطاق هذا النظام الجديد الذي لم يتطور إلا بعد طرد "الركس" الأخير تركوينوس المتكبر، الذي اغتصب سلطة ملكية حقيقية، و بعد الاستعاضة عن "الركس" بقائدين عسكريين (قنصلين) يتمتعان بنفس السلطة( كما عند الإيروكوا)،- في نطاق هذا النظام، سار تاريخ الجمهورية الرومانية كله: الصراعات بين الخواص و العوام من أجل شغل الوظائف العامة و من أجل استغلال أراضي الدولة، انحلال الأريستقراطية الباتريسية نهائياً في الطبقة الجديدة من كبار ملاكي الأراضي و النقود الذين ابتلعوا تدريجياً كل الملكي العقارية للفلاحين ممن حل بهم الخراب بسبب الخدمة العسكرية، و الذين كانوا يحرثون بواسطة العبيد العقارات الشاسعة المتكونة على هذا النحو، و أخلوا إيطاليا من السكان، و بذلك مهدوا الطريق، لا أمام الإمبراطور و حسب، بل أيضاً أمام الذين خلفوها، البرابرة الجرمان.









الهوامش:


(116) قوانين الألواح الأثني عشر. أقدم آثار الحق الروماني. وضعت في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد نتيجة للنضال بين العوام و الخواص و حلت محل حق العرف و العادة الساري المفعول في روما قبل ذاك. و قد عكست هذه القوانين تطورات التمايز الطبقي في المجتمع الروماني على أساس الملكية، و تطورات نظام الرق و نشوء دولة مالكي العبيد (دولة الرق). كتبت القوانين على أثني عشر لوحاً.



(117) المقصود هنا المعركة التي دارت رحاها في غاب توتوبورغ (عام 9 ميلادي) بين القبائل الرومانية الثائرة على الفاتحين الرومانيين و بين القوات الرومانية التي كانت تحت قيادة فار. انتهت المعركة بهزيمة الرومانيين و مقتل قائدهم العسكري.



(118) انتخب إبيوس كلوديوس في عام 451 و عام 450 ق.م. في لجنة العشرة (الديسمفيرين) التي كان قد عهد إليها بوضع القوانين التي اشتهرت فيما بعد بقوانين الألواح الاثني عشر. و قد خولت اللجنة، أثناء قيامها بمهمتها، كامل السلطة، و عند انتهاء الأجل المعين، حاول إبيوس كلوديوس مع الديسمفيرين الآخرين تمديد سلطة اللجنة بالاغتصاب حتى عام 449 ضمناً. و لكن استبداد و عنف الديسمفيرين، و لا سيما منهم إبيوس كلوديوس ، دفعاً البليبس (العامة) إلى القيام بانتفاضة أدت إلى إسقاط الديسمفيرين. و قد زج بإبيوس كلوديوس ي السجن، حيث توفي بعد مدة قصيرة.



(119) الحرب البونيكية الثانية (218-201 ق.م) – إحدى الحروب التي دارت رحاها بين دولتين من أكبر دول مالكي العبيد في الأزمنة القديمة هما روما و قرطاجا من أجل بسط السيطرة في القسم الغربي ن البحر الأبيض المتوسط، و من أجل فتح الأراضي الجديدة و امتلاك العبيد . انتهت الحرب بهزيمة قرطاجا.



(120) هنا يورد إنجلس من جديد الملاحظة التي أبداها ماركس بصدد العشيرة اليونانية (راجعوا الملاحظة رقم 91).



(121) Th. Mommsen, "Römische Forschungen". 2 Aufl, Bd I, Berlin , 1864. (مومزن ت. "الدراسات لرومانية". الطبعة الثانية، المجلد الأول، برلين، 1864).



(122) تيطس ليفيوس. "تاريخ روما منذ تأسيس المدينة".



(123) يستشهد لانغه في كتابه "Römische Alterthümer". Bd I, Berlin, 1856. ("الأزمنة القديمة الرومانية" برلين، 1856. ) بخبحث ف. أ. هوشكه "De Privilegiis Feceniae Hispalae senatusconsulto concessis" (Liv XXXIX,19), Gottingae, 1822. (فيليب أدوارد هوشه. "بصدد منح فيتسينيا هيسبالا امتيازات بقرار من مجلس الشيوخ (الكتاب التاسع و الثلاثون، الفصل التاسع عشر)". غوتنغن، 1822).



(124) B.G. Niebuhr. " Römische Geschichte" Th I-III (برتوند غيورغ نيبور. "تاريخ روما" الأقسام الأول و الثاني و الثالث) ، يورد إنجلس مقطعاً من القسم الأول الذي صدرت طبعته الأولى في برلين عام 1811.



(125) Th. Mommsen, "Römische Geschichte ". Bd I, Buch I, Kap 6 (مومزن ت "تاريخ روما". المجلد الأول، الكتاب الأول، الفصل السادس)، صدرت الطبعة الأولى للمجلد الأول من هذا المؤلف في ليبزيغ عام 1854.



(126) Dureau de la malle. "Economie politique des Romains" .T.I-II, Paris (دورو دي لا مال. "الاقتصاد السياسي عند الرومان". المجلدان الأول و الثاني .باريس، 1840). و المقصود هنا الجداول المقارنة الواردة في نهاية المجلد الأول عن المقاييس القديمة و الجديدة و كذلك عن الوحدات النقدية.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] جثوة العشيرة. الناشر.


[2] أعياد مقدسة عشيرية. الناشر.


[3] فقدان الحقوق العائلية. الناشر.


[4] الكلمة اللاتينية rex تطابق الكلمة السلتية –الإرلندية righ (شيخ القبيلة) و الكلمة القوطية reiks، و هذه الكلمة، مثلما في الأصل الكلمة الألمانية Fürst (و تعني نفس ما تعنيه الكلمة الإنجليزية First و الكلمة الدانماركية förste، أي "الأول")، تعني كذلك شيخ (رئيس، زعيم) العشيرة أو القبيلة، و الدليل على ذلك، أنه كانت للقوط منذ القران الرابع كلمة خاصة لمن سموه فيما بعد بالملك، بالقائد العسكري لشبعه كله: thiudans (التيودانس). و في ترجمة أولفيلا للتوراة، لا تطلق أبداً كلمة reiks على ارتحششتا و هيرودوس، بل thiudans و لا تسمى دولة الإمبراطور تيباريوس reiki بل thiudinassus. إن المسميين قد اندمجا في اسم تيودانس القوطي، أو (كما نترجم بصورة غير دقيقة) في اسم الملك Thiudareiks (تيوداريكس)، Theodorich (تيودوريخ)، أي Dietrich (ديتريخ).


7ـ العشيرة عند السلت والجرمان

إن نطاق هذا البحث لا يسمح لنا بأن ندرس بالتفصيل مؤسسات النظام العشائري التي لا تزال قائمة حالياً عند شتى الشعوب المتوحشة و البربرية بشكل متفاوت النقاوة، أو آثار هذه المؤسسات في تاريخ الشعوب المتمدنة الآسيوية القديم. فهذه و تلك موجودة في كل مكان. حسبنا بعض الأمثلة. فقبل معرفة ماهية العشيرة، كان ماك-لينان، الذي بذل من الجهود أكثر مما بذله أي آخر لأجل تشويه معنى هذه الكلمة، قد أثبت وجودها و وصفها على العموم وصفاً صحيحاً كما كانت عليه عند الكلميك و الشركس و الساموييد* [1] وعند ثلاثة شعوب هندية –الفارلي و الماغار و المانيبوري (127). و مؤخراً، اكتشفها كوفاليفسكي و وصفها عند البشاف و الخفسور و السفان و غيرها من القبائل القفقاسية (128). و نكتفي هنا ببعض الملاحظات الوجيزة حول وجود العشيرة عند السلت و الجرمان.



إن أقدم القوانين السلتية التي وصلت إلينا تبين لنا العشيرة في أوج حيويتها، وفي إرلنده، لا تزال العشيرة حية في ضمير الشعب في أيامنا هذه، بصورة غريزية على الأقل، بعد أن دمرها الإنجليز بالقوة، و في اسكتلنده، كانت لا تزال في ذروة ازدهارها في أواسط القرن الماضي، و هنا أيضاً لم يقض عليها إلا بسلاح الإنجليز و قوانينهم و محاكمهم.



إن قوانين بلاد ويلس القديمة، المكتوبة قبل الفتح الإنجليزي (129) بقرون كثيرة، آخرها القرن الحادي عشر، تدل على أن قرى بكاملها كانت تحرث الأرض بصورة مشتركة، و أن بصورة بقايا استثنائية من عادة كانت من قبل شاملة. كان لكل عائلة خمسة إكرات لأجل حراثتها في صالحها وحدها. و إلى جانب ذلك، كانت هناك قطعة تحرث بصورة مشتركة، و يُقتسم محصولها. و لا ريب أن هذه المشاعات الريفية كانت عبارة عن عشائر أو عن أقسام عشائر، و هذا ما يثبته التشابه بين إرلنده و اسكتلنده، حتى و إن لم تؤكد دراسة جديدة لقوانين ويلس، لا وقت عندي للقيام بها،(إن مقتطفاتي تعود إلى عام 1869 (130)) صحة هذا القول مباشرة. و لكن المصادر الويلسية، و معها المصادر الإرلندية تثبت مباشرة أن الزواج الأحادي لم يكن بعد في القرن الحادي عشر قد حل عند السلت محل الزواج الثنائي. و في بلاد ويلس، لم يكن الزواج يصبح قابلاً للحل أو بالأصح قابلاً للفسخ بناء على طلب أحد الطرفين إلا قبل انقضاء سبع سنوات على عقده. و حين لا يبقى لاكتمال هذه السنوات السبع إلا ثلاث ليال، كان في وسع الزوجين أن ينفصلا. و آنذاك تجري قسمة الأموال: كانت الزوجة تقسم، و الزوج يختار قسمه. و كانت المفروشات و الأدوات المنزلية تقسم حسب قواعد واضحة محددة، طريفة جداً. فإذا كان الزوج هو الذي يفسخ الزواج، فقد كان عليه أن يعيد إلى زوجته بائنتها و بعض الأشياء الأخرى، و إذا كانت الزوجة، فقد كانت حصتها أقل. و كان الزوج يأخذ من الأولاد اثنين و الزوجة واحداً، هو الأوسط بينهم. و إذا تزوجت الزوجة مرة أخرى بعد الطلاق، و شاء الزوج السابق الحصول عليها من جديد، فقد كان يتعين عليها أن تتبعه، حتى و إن كانت قد وطأت بقدم واحدة الفراش الزوجي الجديد. و لكن إذا عاش الرجل و المرأة معاً طوال سبع سنوات، فإنهما يصبحان زوجاً و زوجة حتى و إن لم يعقدا زواجهما من قبل حسب الأصول. و لم تكن بكارة المرأة قبل الزواج موضع مراعاة دقيقة و طلب صارم، فالقواعد في هذا المضمار ذات طبيعة عابثة جداً، و لا تتفق إطلاقاً مع الأخلاق البورجوازية. إذا خانت الزوجة زوجها، كان من حقه أن يضربها (و هذه حالة من ثلاث حالات كان يحق له فيها ضربها، أما في الحالات الأخرى، فكان يتعرض للعقاب)، و لكنه، بعد ذلك، لم يكن يحق له أن يطالب بأي ترضية أخرى لأنه:



"يجب أن يكون، لقاء الجرم نفسه، إما تكفير و إما ثأر، و لكن لا الاثنان في آن واحد" (131).



إن الأسباب التي كان يحق بموجبها للزوجة أن تطلب الطلاق دون أن تفقد أياً من حقوقها عند قسمة المقتنيات، كانت متنوعة جداً: فقد كانت رائحة فم الزوج الكريهة تكفي لهذا الغرض. إن الفدية المدفوعة لزعيم القبيلة أو للملك تعويضاً عن حق الليلة الأولى (gobr merch، و من هنا الكلمة القروسطية marchet و بالفرنسية marquette) تضطلع بدور كبير في مجموع القوانين. و كان للنساء حق التصويت في الجمعيات الشعبية. أضف إلى هذا أنه قد أقيم البرهان على وجود مثل هذه النظم في إرلنده أيضاً، و على أن الزواجات لفترة معينة من الزمن كانت أمراً عادياً تماماً، و أنهم كانوا يضمنون للزوجة في حال الطلاق فوائد كبيرة محددة بدقة، و حتى تعويضاً عن خدماتها البيتية، و أنه كانت توجد هناك "زوجة أولى" إلى جانب الزوجات الأخريات و أنه لم يكن هناك أي تفريق عند قسمة الإرث بين الأولاد الشرعيين و غير الشرعيين. و هكذا نرى أمامنا لوحة عن الزواج الثنائي يبدوا تجاهها شكل الزواج القائم في أميركا الشمالية صارماً، و لكن ذلك لم يكن في القرن الحادي عشر ليثير الدهشة عند شعب كان لا يزال في زمن قيصر يمارس الزواج الجماعي.



إن وجود العشيرة الإرلندية (sept "السبط")، و كانت القبيلة تسمى clianne-"كلان") لا تؤكده و تصفه كتب القانون القديمة و حسب، بل يؤكده و يصفه أيضاً رجال القانون الإنجليز من القرن السابع عشر الذي أرسلوا إلى إرلنده لتحويل أراضي "الكلانات" إلى ممتلكات لملك إنجلترا. و حتى ذلك الوقت، كانت الأرض ملكاً عاماً "للكلان" أو للعشيرة إذا لم يكن الزعماء قد حولوها إلى ملك خاص لهم. و عندما كان يتوفى أحد أعضاء العشيرة، و بالتالي عندما كانت تزول إحدى الاستثمارات البيتية، كان الزعيم (و قد سماه رجال القانون الإنجليز caput cognationis) يعمد إلى تقسيم الأرض كلها من جديد بين الاستثمارات البيتية الباقية. و كان هذا التقسيم الجديد يجري، على الأرجح، و بوجه عام، حسب القواعد السارية المفعول في ألمانية. و في الوقت الحاضر أيضاً، توجد هنا و هناك في القرى حقول تدخل فيما يسمى نظام rundale (روندال)، و كانت كثيرة جداً منذ أربعين أو خمسين سنة. إن الفلاحين، المستأجرين الفرديين للأرض التي كانت تخص من قبل العشيرة كلها و التي استولى عليها الغزاة الإنجليز، يدفع كل منهم بدل إيجار عن قطعته، و لكنهم يجمعون جميع حقول و مروج قطعهم في كل واحد، و يقسمونها تبعاً لموقعها و نوعية تربتها إلى "قطاعات" ("Gewann")، كما يسمونها على ضفاف نهر الموزيل و يمنحون كلاً منهم حصة في كل "قطاع". أما المستنقعات و المراعي، فكانوا يستخدمونها بصورة مشتركة. و منذ نحو خمسين سنة، كان يجري تقسم جديد بين الفينة و الفينة، و أحياناً كل سنة. إن خريطة القرية التي يسري فيها نظام روندال rundale تظهر مماثلة تماماً لخريطة أي مشاعة ريفية ألمانية (Gehöferschaft) في منطقة الموزيل أو في منطقة خوخفالد. كذلك لا تزال العشيرة تعيش في factions*[2] أيضاً. فإن الفلاحين الإرلنديين ينقسمون أحياناً كثيرة إلى أحزاب يتميز بعضها عن بعض بعلائم تبدو في الظاهر سخيفة و باطلة تماماً، بعلائم غير مفهومة أبداً بالنسبة للإنجليز، و يخيل أنها لا تبتغي أي هدف غير المشاجرات التي تنشب بين هذه الأحزاب في أيام الأعياد و التي تطيب لها جداً. إنها بعث مصطنع للعشائر البائدة، و بديل عنها ظهر بعد زوالها، و شاهد أصيل على حيوية الغريزة العشيرية المتوارثة. ناهيك بأن أعضاء العشيرة لا يزالون في بعض الأماكن يعيشون معاً في أرضهم القديمة، ففي الثلاثينيات، مثلاً، لم يكن للأغلبية الكبيرة من سكان كونتية موناخان سوى أربع كنيات، و هذا يعني أنهم كانوا يتحدرون من أربع عشائر أو "كلانات"**[3].



في اسكتلنده، يطابق زوال النظام العشائري قمع انتفاضة 1745 (133). يبقى لنا أن نبين أي حلقة بالضبط من هذا النظام تمثل "الكلان" الاسكتلندية، و لكنه لا ريب في أنها حلقة منه. ففي روايات فالتر سكوت، نرى هذه "الكلان" من جبال اسكتلنده حية أمامنا. إن هذه "الكلان"، -كما يقول مورغان-



"نموذج ممتاز للعشيرة من حيث تنظيمها و من حيث روحها، و مثال باهر على سلطان نمط الحياة العشيري على أعضاء العشيرة ... ففي مشاجراتهم و في ثأرهم الدموي، و في توزيع الأراضي حسب "الكلانات"، و في استغلالهم للأرض بصورة مشتركة، و في وفاء أعضاء "الكلان" للزعيم و لبعضهم بعضاً، نجد سمات المجتمع العشائري الثابتة في كل مكان ... كان الأصل يحسب بموجب الحق الأبوي، و هكذا كان أولاد الرجال يبقون في "الكلان"، بينا أولاد النساء ينتقلون إلى "كلانات" آبائهم"(134).



و لكن الواقع التالي، و هو أن التسلسل الوراثي كان يجري في سلالة "البيكت" الملكية حسب حبل النسل النسائي (135)، كما يقول بيدا، يثبت أن الحق الأمي كان هو السائد من قبل في اسكتلنده. بل أن بقية من العائلة البونالوانية بقيت سواء عند الويلسيين أم عند السكوتيين، حتى القرون الوسطى بصورة حق الليلة الأولى الذي كان بوسع زعيم "الكلان" أو الملك، بوصفه الممثل الأخير للأزواج المشتركين سابقاً، أن يستخدمه حيال كل عروس إذا لم يُفْدَ.



***



و لا سبيل إلى الريب في أن الجرمان كانوا منظمين في عشائر قبل هجرات الشعوب. و لم يكن من الممكن، على ما يبدو، أن يكونوا قد شغلوا الأرض الواقعة بين أنهر الدانوب و الراين و الفيستول و البحار الشمالية إلا قبل الميلاد ببضعة قرون. و آنذاك كانت هجرات السمبر cimrbes و التوتونيين teutons لا تزال في أوجها، بينا لم يجد السوييف suèves مقامات مستقرة إلا في عهد قيصر. و يقول قيصر عن هؤلاء الأخيرين بكل وضوح أنهم أقاموا حسب العشائر و حسب الجماعات العرقية التي تربط بينها صلة القربى (gentibus cognationibusque)(136).و لكلمة genibus هذه على لسان روماني من gens Julia* [4]معنى دقيق لا جدال فيه. و هذا القول ينطبق على جميع الجرمان. بل أن الجرمان كانوا، على الأرجح، يسكنون عشائر عشائر في الأقاليم الرومانية المحتلة. و يؤكد "الحق الألماني"(alaman) أن الشعب في الأرض المحتلة جنوبي نهر الدانوب يقيم عشائر عشائر (genealogiae)(137). و كلمة genealogia تستعمل هنا تماماً بنفس المعنى الذي استعملت به فيما بعد المشاعة-المارك أو المشاعة الريفية. و مؤخراً عرض كوفاليفسكي رأياً مفاده أن هذه genealogiae كانت عبارة عن مشاعات منزلية كبيرة كانت الأرض مقسمة فيما بينها، و لم تنشأ و تتطور منها المشاعة الريفية (138) إلا فيما بعد. و في هذه الحال، يمكن قول الشيء نفسه أيضاً عن fara (فارا)، و هذه الكلمة كانت عند البورغوند و اللومبارد- و بالتالي عند قبيلة قوطية و قبيلة هرميتونية أو ألمانية عليا- تعني تقريباً، إن لم يكن تماماً، ما تعنيه كلمة genealogia في "الحق الألماني". و يجدر بنا أن نواصل البحث و الدراسة لنعرف ما إذا كنا بالفعل أمام العشيرة أو أمام المشاعة البيتية.



إن الآثار اللغوية لا تفيدنا بصورة واضحة عما إذا كانت هناك عند جميع الجرمان كلمة مشتركة لتسمية العشيرة، و ما هي هذه الكلمة بالذات. فمن حيث علم الاشتقاق، تقابل الكلمة اليونانية genos ("جينوس")، و اللاتينية gens ("جنس") الكلمة القوطية kuni ("كوني") و الكلمة الألمانية –العليا الوسطى künne ("كوّنه")، و هذه الكلمة تستعمل بالمعنى نفسه. و مما يدل على زمن الحق الأمي أن الكلمة التي تعني المرأة تتفرع من الجذر ذاته: باليونانية gyne، بالسلافية zena، بالقوطية qvino، بالسكاندينافية القديمة kona، kuna. – و عند اللومبارد و البورغوند، نجد، كما قيل أعلاه، كلمة fara التي يشتقها غريم من الجذر الفرضي fisan-وَلَد. و أني أميل إلى الانطلاق من أصل أوضح، هو faran*[5] - ذهب راكباً، ترحل، عاد- لتسمية جزء معين من جماعة مترحلة لا تتألف، بطبيعة الحال، إلا من أقارب. و هذه التسمية أخذت شيئاً فشيئاً، أثناء الهجرات خلال قرون و قرون، أولاً إلى الشرق، ثم إلى الغرب، تعني الجماعة العشيرية.-ثم هناك الكلمة القوطية sibja الأنجلو-ساكسونية sib، و الألمانية العليا القديمة sippia،sippa- الأقارب[6] **. و في اللغة السكاندينافية القديمة لا نجد غير الجمع sifjar- الأقارب، و لا نجد المفرد إلا لاسم الآلهة سيف (Sif). –و أخيراً، نجد أيضاً في "نشيد هيلديبراند" (139) كلمة أخرى، و ذلك على وجه الضبط في المقطع الذي يسال فيه هيلديبراند هادوبراند:



"من هو أبوك بين رجال هذا الشعب ... أو من أي عشيرة أنت؟" "eddo huêlîhhes cnuosles du sîs".



و لئن كانت قد وجدت على العموم كلمة ألمانية مشتركة لتعيين العشيرة، لكان لفظها، على الأرجح، قريباً من لفظ الكلمة القوطية kuni، و يدل على صحة هذا القول، ليس فقط التشابه مع التعبير المناسب في اللغات المتقاربة، بل أيضاً كون كلمة kuning*[7] -الملك- مشتقة منه و تعني في الأصل شيخ العشيرة أو القبيلة. أما كلمة sibja (الأقارب) فيبدو أنه لا يجوز أخذها بعين الاعتبار، لأن sifjar، على الأقل، لا تعني باللغة السكاندينافية القديمة الأقارب بالدم و حسب، بل تعني أيضاً الأقارب بالمصاهرة، أي أنها تشمل أعضاء عشيرتين اثنتين على الأقل، و لهذا لم يكن من الممكن أن تكون كلمة sif ذاتها اسماً لتعيين العشيرة.



و كما عند المكسيكيين و اليونانيين، كذلك عند الجرمان، كان ترتيب الصفوف القتالية في فصيلة الخيالة و في طابور المشاة الإسفيني الشكل يجري حسب مجموعات العشائر. و إذا كان تاقيطس يقول: حسب العائلات و حسب الجماعات المتقاربة (140)، فإن هذا التعبير غير الواضح يفسره كون العشيرة كانت في زمنه قد زالت من الوجود في روما منذ وقت بعيد بوصفها وحدة أهلاً للحياة.



يوجد عند تاقيطس مقطع يتسم بأهمية حاسمة، هو المقطع الذي يقول أن أخ الأم يعتبر ابن أخته كابنه، بل أن بعضهم يرى أن رابطة الدم بين الخال و ابن الأخت أقدس و أوثق من الرابطة بين الأب و الابن، و هكذا عندما يتطلبون الرهائن، يعتبرون ابن الأخت ضمانة أثبت من ابن الرجل الذي يراد تقيده بهذه العملية. و هنا نجد بقية حية من العشيرة المنظمة تبعاً للحق الأمي، أي العشيرة البدائية، ناهيك بأنها عشيرة تشكل سمة خاصة يتميز بها الجرمان*[8]. فإذا قدم أحد أعضاء مثل هذه "العشيرة" ابنه ضمانة لتعهد قطعه على نفسه أمام الملأ، و إذا ما مات الولد ضحية لحنث والده بتعهده، فإن هذا كان شأن الوالد وحده. و لكن إذا كانت الضحية ابن الأخت، فإن هذا كان مخالفة لأقدس قوانين العشيرة. فإن أقرب قريب للصبي أو للفتى ملزم أكثر من غيره بحمايته، يصبح مسؤولاً عن موته، و قد كان على هذا القريب، إما ألا يجعل منه رهينة، و إما أن ينفذ تعهده. و حتى إذا لم نكتشف أي آثار أخرى عن النظام العشائري عند الجرمان، فإن هذا المقطع وحده يكفي.



و هناك بقية أخرى من الحق أمي الذي زال للتو، هي ذلك الاحترام الذي يكنه الجرمان للنساء، و الذي كان بالنسبة للرومانيين غير مفهوم تقريباً. كانت البنات من عائلة نبيلة يعتبرن أوثق الرهائن عند عقد المعاهدات مع الجرمان. فإن فكرة أن زوجاتهم و بناتهم قد يقعن في الأسر و العبودية هي بالنسبة لهم فكرة رهيبة، و تثير شجاعتهم في القتال أكثر من أي عامل آخر، و هم يرون في المرأة شيئاً ما مقدساً و نبوئياً، و هم يستمعون إلى نصيحتها، حتى في أهم القضايا: فان فيليدا، كاهنة قبيلة البروكتر على ضفة نهر ليب، مثلاً، كانت روح انتفاضة الباتافيين كلها التي زعزع أثناءها زيفيليس على رأس الجرمان و البلجيكيين السيادة الرومانية في عموم بلاد الغال (145). و يبدو أن سيادة المرأة في البيت أمر لا جدال فيه. صحيح أن جميع الأعمال البيتية ملقاة على عاتقها و على عاتق الشيوخ و الأطفال، أما الزوج فيطارد أو يشرب، أو يتكاسل. هكذا يقول تاقيطس. و لكن بما أنه لا يذكر من ذا الذي يحرث الحقل، و بما أنه يعلن بصراحة أن العبيد كانوا يدفعون أتاوات و حسب، و لا يقومون بأي عمل من أعمال السخرة، فإنه كان لا بد، أغلب الظن، لسواد الرجال الراشدين، أن يقوموا مع ذلك بالقليل من العمل الذي كانت تقتضيه حراثة الأرض.



كان شكل الزواج، كما قيل أعلاه، الزواج الثنائي المقترب شيئاً فشيئاً من الزواج الأحادي. و لم يكن ذلك بعد زواجاً أحادياً صرفاً، لأن تعدد الزوجات كان مسموحاً للأعيان. و على العموم، كانت بكارة الفتيات موضع مراقبة و مطالبة صارمة، (خلافاً لما هو الحال عند السلت)، و يتحدث تاقيطس كذلك بحرارة خاصة عن حرمة الرابطة الزوجية عند الجرمان. و لا يورد غير زنى الزوجة سبباً للطلاق. و لكن روايته في هذا الصدد تشوبها ثغرات كثيرة، ناهيك بأنه يقصد منها بفائق الوضوح التلويح بمرآة الفضيلة أمام الرومانيين الفاسدين. هناك أمر لا ريب فيه، لئن كان الجرمان في غاباتهم فرساناً للفضيلة لا نظير لهم، فقد كفاهم أقل تماس مع العالم الخارجي حتى ينحطوا إلى مستوى الأوروبيين المتوسطين الآخرين، و في بيئة العالم الروماني زال آخر أثر لصرامة الأخلاق بأسرع بكثير مما زالت اللغة الجرمانية. حسبا أن نقرأ غريغوريوس التوري. و بديهي أنه لم يكن من الممكن أن يسود في الغابات الكثيفة في جرمانيا، كما في روما، الإفراط و التفنن في التمتع الجنسي، و في هذا المضمار أيضاً، يبقى إذن للجرمان ما يكفي من التفوق حيال العالم الروماني، حتى و لو لم ننسب إليهم تلك العفة الجسدية التي لم تكن يوماً في أي مكان ما قاعدة عامة لشعب بكامله.



و من التنظيم العشائري، نجم واجب وراثة ما كان للوالد أو للأقارب من علاقات صداقة و علاقات عداوة على السواء. كذلك، كانت تورث wergeld (فرغلد)، و هي غرامة يفدى بها الثأر في حال القتل أو الإصابة بجراح. إن هذه "الفرغلد" التي كان يعتبرها الجيل الماضي مؤسسة ألمانية صرف، قد أقيم الدليل الآن على وجودها عند مئات الشعوب. فهي شكل عام لتخفيف الثأر الناجم عن النظام العشائري. و نحن نجدها كذلك، فيما نجدها، عند الهنود الحمر الأمريكيين مثلها مثل الضيافة الإلزامية. إن الوصف الذي يعطيه تاقيطس لعادات الضيافة ("جرمانيا"، الفصل 21) يطابق تقريباً، حتى في التفاصيل، الوصف الذي يعطيه مورغان للضيافة عند هنوده الحمر.



إن النقاش الحار الذي لا نهاية له حول معرفة ما إذا كان الجرمان في زمن تاقيطس كانوا يتقاسمون نهائياً حقولهم أم لا و حول تفسير المقاطع التي تتعلق بهذه المسألة، غدا الآن طي الماضي. و يكاد لا يجد التذكير بذلك بعد أن أقيم الدليل على أن جميع الشعوب تقريباً قد عرفت حراثة الأرض بصورة مشتركة من قبل العشيرة أولاً، ثم فيما بعد من قبل الرابطات العائلية الشيوعية التي كانت موجودة أيضاً عند السوييف Suèves (146)، كما أفاد قيصر، و على أن هذا الوضع قد عقبه توزيع الأرض بين مختلف العائلات، و إعادة توزيعها بصورة دورية، و بعد أن أقيم الدليل أيضاً على أن هذا التوزيع الدوري للأرض المحروثة دام في بعض الأنحاء من ألمانيا ذاتها حتى أمامنا هذه . و لئن كان الجرمان في حقبة الـ 150 سنة التي تفصل بين قصة قيصر و شهادة تاقيطس قد انتقلوا من حراثة الأرض بصورة مشتركة- التي ينسبها قيصر بكل وضوح إلى السوييف (فهو يقول أنه لا توجد عندهم على الإطلاق حقول مقسمة أو خاصة)- إلى حراثة الأرض من قبل العائلات كلا بمفردها مع إعادة توزيع الأرض كل سنة، فإن هذا هو حقاً تقدم كبير. فإن الانتقال من حراثة الأرض بصورة مشتركة إلى الملكية الخاصة الكاملة للأرض خلال مثل هذه الحقبة القصيرة من الزمن و بدون أي تدخل من الخارج مستحيل حقاً و فعلاً. و لهذا لا أقرأ عند تاقيطس إلا ما يقوله بوضوح و إيجاز: إنهم يغيرون (أو يتقاسمون من جديد) كل سنة الأرض المحروثة، ناهيك بأنه يبقى أيضاً ما يكفي من الأرض المشتركة (147). و هذا طور من الزراعة و الاستفادة من الأرض يناسب بالضبط التنظيم العشائري عند الجرمان في ذلك العهد.



إني أترك المقطع السابق حسبما ورد في الطبعات السابقة، دون أن أدخل عليه أي تعديل. ففي هذه الحقبة من الوقت، سارت الأمور في مجرى آخر. فبعد أن أثبت كوفاليفسكي (راجع أعلاه) أن المشاعة البيتية البطريركية كانت منتشرة على نطاق واسع، إن لم يكن في كل مكان، بوصفها درجة متوسطة بين العائلة الشيوعية المؤسسة على الحق الأمي، و بين العائلة المنفردة العصرية، لم يبق المقصود معرفة ما إذا كانت ملكية الأرض مشتركة أو خاصة، كما كان القصد من النقاش بين مورير و فايتس، بل معرفة شكل الملكية المشتركة. بلا ريب أبداً في أن الملكية المشتركة للأرض لم تكن وحدها قائمة عند السوييف في زمن قيصر، بل كانت هناك أيضاً الحراثة المشتركة للأرض بالجهود المشتركة. و لا يزال من الممكن النقاش طويلاً لمعرفة ما إذا كانت الوحدة الاقتصادية هي العشيرة أم المشاعة البيتية أم جماعة شيوعية ما متوسطة بينهما تجمعها رابطة القربى، أو لمعرفة ما إذا كانت هذه الجماعات الثلاث موجودة جميعها تبعاً لأحوال الأرض. و الحال، يؤكد كوفاليفسكي أن الأوضاع التي يصفها تاقيطس لا تفترض وجود مشاعة-مارك ما أو مشاعة زراعية ما، بل تفترض مشاعة بيتية. و من هذه المشاعة البيتية وحدها، نشأت و تطورت بعد زمن طويل المشاعة الريفية نتيجة لنمو عدد السكان.



و بموجب هذا الرأي، كانت مقامات الجرمان في الأراضي التي كانوا يشغلونها في عهد روما، و كذلك في الأراضي التي انتزعوها فيما بعد من الرومانيين، لا تتألف من قرى، بل من مشاعات عائلية كبيرة كانت تشمل بضعة أجيال و تأخذ رقعة من الأرض للحراثة تبعاً لعدد أعضائها، و تستعمل مع جيرانها الأراضي البور المحيطة، بوصفها ماركاً مشتركة. و لهذا يجب إذن أن نفهم على صعيد الأساليب الزراعية المقطع الذي يقول فيه تاقيطس أنهم يغيرون الأرض المحروثة: فكل سنة كانت المشاعة تحرث رقعة أخرى من الأرض، بينا تريح الرقعة المحروثة في السنة الماضية أو تتركها بوراً تماماً. و نظراً لضعف كثافة السكان، كان يبقى من الأرض البور ما يكفي للحيلولة دون قيام أي نزاع حول ملكية الأرض. و بعد قرون، عندما نما عدد أعضاء المشاعات البيتية إلى حد أن إدارة الاستثمارة المشتركة أصبحت أمراً مستحيلاً في ظل ظروف الإنتاج السائدة آنذاك، بعد ذاك فقط، انحلت هذه المشاعات. و أخذت الحقول و المروج التي كانت حتى ذاك ملكاً مشتركاً تصبح موضع قسمة تبعاً للأسلوب المعروف بين الاستثمارات البيتية المنفردة التي كانت تتشكل آنذاك، أولاً لفترة من الوقت، ثم بصورة نهائية، بينا بقيت الغابات و المراعي و المياه ملكاً مشتركاً.



و يبدو فيما يتعلق بروسيا أن التاريخ قد قدم البرهان الكامل على مجرى التطور هذا. أما فيما يتعلق بألمانيا، و في المقام الثاني، بسائر البلدان الجرمانية، فلا يمكننا أن ننكر أن هذه الفرضية تعطي، في كثير من النواحي، تفسيراً أفضل للوثائق و المصادر، و تحل المصاعب بصورة أسهل مما تفعله وجهة النظر السائدة حتى الآن و التي تعيد وجود المشاعة الريفية إلى زمن تاقيطس. فإن أقدم الوثائق، من Codex Laureshamensis (148) مثلاً،تُفسر على العموم بواسطة المشاعة البيتية بصورة أفضل بكثير مما بواسطة المشاعة-المارك الريفية. و لكن هذا التفسير يثير بدوره مصاعب جديدة و مسائل جديدة لا يزال يترتب حلها. و لا يمكن هنا أن يأتي بالحل النهائي غير البحوث و الدراسات الجديدة. بيد أني لا أستطيع أن أنكر أن وجود المشاعة البيتية بوصفها درجة متوسطة في ألمانيا و سكاندينافيا و إنجلترا أيضاً هو أمر محتمل جداً.



و بينا كان الجرمان في عهد قيصر قد أقاموا للتو جزئياً في مقامات دائمة أو كانوا جزئياً لا يزالون يفتشون عن محل إقامة دائمة، كانوا في عهد تاقيطس قد أمضوا قرناً كاملاً في الحياة الحضرية. و هذا ما وافقه تقدم لا مراء فيه في إنتاج وسائل المعيشة. فهم يعيشون في بيوت من جذوع الشجر، و يرتدون ألبسة بدائية لا تزال تشبه ألبسة سكان الغابات أي المعاطف الخشنة الصوفية، و جلود الوحوش، أما النساء و الأعيان، فكانت لهم ألبسة تحتية من الكتان. و كان طعامهم يتألف من الحليب و اللحم و الثمار البرية، و من عصيد الشوفان (149) كما يضيف بلينوس (و حتى الآن، لا تزال هذه العصيدة نوعاً من المأكل القومية السلتية في إرلنده و اسكتلنده). و تتألف ثروتهم من الماشية، و لكن هذه الماشية رديئة النوع: الثيران و الأبقار صغيرة، هزيلة لا قرون لها، الأحصنة قزمة و لا تصلح للسباق. و كانت النقود رومانية بوجه الحصر، و قليلاً و نادراً ما كانت تستعمل. و كانوا لا يصنعون و لا يقدّرون المصنوعات من الذهب و الفضة، و كان الحديد نادراً، و يبدو أنه كان يُستورد كلياً تقريباً، على الأقل عند القبائل القاطنة على ضفاف الراين و الدانوب، و لم يكن يُستخرج في موضعه. و لم تكن الكتابة الرونية (المأخوذة عن الأحرف اليونانية أو اللاتينية) معروفة إلا ككتابة سرية، و لم تكن تستعمل إلا لأغراض سحرية دينية. و كانت عادة تقديم الضحايا البشرية لا تزال سارية المفعول. و بكلمة، نجد هنا أمامنا شعباً ارتقى للتو من طور البربرية الأوسط إلى طورها الأعلى. و لكن بينا كانت سهولة استيراد منتوجات الصناعة الرومانية تعيق تطور صناعة المعدن و النسيج بصورة مستقلة عند القبائل المقيمة مباشرة على الحدود مع الرومانيين، كان هذا الإنتاج قد نشأ و رسخ بشكل لا جدال فيه في الشمال الشرقي، على ساحل بحر البلطيق. إن أدوات التسلح التي وجدت في مستنقعات شليسفيغ مع النقود المعدنية الرومانية من أواخر القرن الثاني،- و هي سيف حديدي طويل، و درع، و خوذة فضية،الخ.،- و كذلك المصنوعات الألمانية التي انتشرت بفضل هجرة الشعوب، تبين نموذجاً خاصاً تماماً يتميز بمستوى عال نسبياً من التطور حتى عندما تقترب من النماذج الرومانية الأصلية. و إن الهجرة إلى الإمبراطورية الرومانية المتحضرة قد وضعت حداً نهائياً لهذا الإنتاج المحلي في كل مكان باستثناء إنجلترا. و إن المشابك البرونزية، مثلاً، تبين بأي وتيرة واحدة منتظمة نشأ هذا الإنتاج و تطور. و من الممكن أن تكون المشابك البرونزية التي اكتشفت في بورغونديا و رومانيا و على سواحل بحر آزوف قد خرجت من نفس المشغل الذي خرجت منه المشابك الإنجليزية و السويدية، و لا ريب أيضاً أنها جرمانية الأصل.



كذلك يناسب تنظيم الحكم الطور الأعلى من البربرية. ففي كل مكان، كما يقول تاقيطس، كان مجلس الشيوخ (principes) موجوداً، و كان يبت بأصغر القضاياـ، و يهيئ أهم القضايا لكي تبت بها الجمعية الشعبية. إن الجمعية الشعبية في الطور الأدنى من البربرية، و على الأقل حيث نعرف عنها، أي عند الأميركيين، لا توجد إلا من أجل العشيرة، لا من أجل القبلة أو من أجل اتحاد القبائل. و كان الشيوخ (principes) لا يزالون يتميزون كثيراً عن الزعماء العسكريين (duces) تماماً كما عند الإيروكوا. فالشيوخ يعيشون جزئياً بفضل الهبات الفخرية التي يقدمها أعضاء القبيلة من الماشية و الحبوب و خلافها. و ينتخبونهم بمعظمهم، كما في أميركا، من العائلة ذاتها. و الانتقال إلى الحق الأبوي ييسر، كما في اليونان و روما، تحويل المبدأ الانتخابي تدريجياً إلى حق وراثي، و ييسر بالتالي نشوء عائلة أريستقراطية في كل عشيرة. إن هذه الأريستقراطية القديمة المسماة بالأريستقراطية القبلية قد هلكت بأغلبيتها أثناء هجرة الشعوب أو بعدها بفترة وجيزة. و كان القادة العسكريون يُنتخبون بصرف النظر عن أصلهم، و حسب كفاءاتهم فقط. و لم تكن سُلطتهم كبيرة، و كان عليهم أن يؤثروا بمثالهم. و ينسب تاقيطس بكل وضوح إلى الكهان السلطة الانضباطية الصرف في الجيش. و كانت السلطة الفعلية مركز في الجمعية الشعبية. و الملك أو زعيم القبيلة هو الذي يرأس الجمعية، و الشعب يصدر قراره: السلبي بالدمدمة، و الإيجابي بهتافات الاستحسان و صليل السلاح. و الجمعية الشعبية هي أيضاً بمثابة محكمة، فإليها تقدم الشكاوي، و فيه تصدر القرارات بهذه الشكاوي، و فيها تصدر الأحكام بالموت، مع العلم أن عقوبة الموت لا تطبق إلا في جرائم الجبانة و خيانة الشعب و في العيوب المخالفة للطبيعة. و داخل العشائر و فروعها، تبت المحكمة في جميع القضايا بصورة مشتركة برئاسة الشيخ، و كما في كل محكمة و طرح الأسئلة. و دائماً و في كل مكان كانت الجماعة كلها هي التي تصدر الحكم عند الجرمان.



و منذ عهد قيصر، تشكلت اتحادات القبائل، و كان عند بعضها ملوك. و كما عند اليونانيين و الرومانيين كان القائد العسكري الأعلى يطمح آنذاك إلى السلطة المستبدة، و كان أحياناً يحصل عليها. و لكن هؤلاء المغتصبين المحظوظين لم يكونوا حكاماً مطلقين، بيد أنهم شرعوا يحطمون قيود النظام العشائري. و بينا كان العبيد المعتقون يشغلون على العموم مركزاً متدنياً لأنه لم يكن بوسعهم الانتساب إلى أي عشيرة، كان أحظياء الملوك الجدد من بيئة العبيد المعتقين يتوصلون أحياناً إلى المناصب العالية و الثروة و الوجاهة. و قد حدث الأمر نفسه بعد الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية بالنسبة للقادة العسكريين الذين تحولوا إلى ملوك في بلدان شاسعة. و عند الفرنج، اضطلع عبيد و معتقو الملك بدور كبير أولاً في البلاط ثم في الدولة. و منهم يتحدر قسم كبير من الأريستقراطية الجديدة.



و قد أسهمت مؤسسة في نشوء السلطة الملكية هي فصائل المتطوعين (Gefolgschaften). و قد سبق و رأينا عند الهنود الحمر الأميركيين كيف تنشأ، على هامش النظام العشائري، رابطات خاصة لأجل خوض غمار الحرب على عهدتها و مسؤوليتها. و قد أصبحت هذه الرابطات الخاصة عند الجرمان اتحادات دائمة. فقد كان الزعيم العسكري الذي أحرز شهرة، يجمع حوله فصيلة من الشبان المتحرقين إلى الغنائم، و يلتزمون تجاهه بالوفاء الشخصي كما يلتزم تجاههم. و كان الزعيم يعيلهم و يكافئهم و ينظمهم طبقاً لدرجات و مراتب. و كانوا يخدمونه في الحملات الصغيرة كفصيلة حراسة و قوات مستعدة دائماً للقتال، و في الحملات الكبيرة كهيئة جاهزة من الضباط. و مهما كان لا بدّ لهذه الفصائل أن تكون ضعيفة، و مهما ظهرت بالفعل ضعيفة فيما بعد، كما عند أودواكر، مثلاً، في إيطاليا، فقد كانت تنطوي على جنين انحطاط الحرية الشعبية القديمة، و هذا الدور بالذات هو الذي اضطلعت به أثناء هجرة الشعوب و بعدها. و ذلك أولا لأنها يسّرت نشوء السلطة الملكية، و ثانياً، كما أشار تاقيطس، لأنه لم يكن يمكن الاحتفاظ بها ككل منظم إلا عن طريق الحروب الدائمة و الغزوات اللصوصية. و أصبح النهب هدفاً. و حين كان رئيس الفصيلة لا يجد ما يفعله في الجوار، كان يمضي مع رجاله إلى شعوب أخرى كانت تدور عندها رحى الحرب و كانت تتوفر عندها احتمالات الظفر بالغنائم. ثم أن القوات المعاونة الجرمانية التي تقاتل بأعداد كبيرة تحت الراية الرومانية حتى ضد الجرمان أنفسهم، كانت تتألف أحياناً من مثل هذه الفصائل. و هنا نرى المعالم الأولى لنظام الجنود المرتزقة-عار الألمان و لعنتهم. و بعد الاستيلاء على الإمبراطورية الرومانية، شكلت فصائل الملوك هذه، إلى جانب خدم البلاط من عبيد و رومانيين، القسم الثاني من الأقسام الرئيسة للأريستقراطية المقبلة.



و هكذا كان على العموم للقبائل الجرمانية المتحدة في شعوب نفس التنظيم للإدارة الذي تطور عند اليونانيين في العهد البطولي و عند الرومانيين في زمن من يسمون بالملوك: الجمعية الشعبية، مجلس شيوخ العشائر، القائد العسكري الساعي وراء السلطة الملكية الحقيقية. و كان ذلك أرقى تنظيم للإدارة كان يمكن على العموم أن يتكون في ظل النظام العشائري. و كان التنظيم النموذجي في الطور الأعلى من البربرية. و ما أن تخطى المجتمع الإطار الذي كان فيه هذا التنظيم للإدارة يفي بغايته، حتى حلت نهاية النظام العشائري، فانهار و مكانه قامت الدولة.



الهوامش:


(128) M. Kovalevsky. "Tableau des origines et de l évolution de la famille et de la propriété". Stockholm- 1890. (مـ. كوفالفسكي. "بيان عن أصل و تطور العائلة و الملكية". ستوكهولم، 1890).



(129) أنجز الإنجليز عملة استيلائهم على منطقة ويلس في عام 1283. و لكن ويلس ظلت بعد ذلك محتفظة بالحكم الذاتي. و قد ضمت نهائياً إلى انجلترا في أواسط القرن السادس عشر.



(130) في 1869 و 1870، عمل إنجلس على كتابة بحث كبير في تاريخ ارلنده، و لكنه لم ينجزه. و لمناسبة دراسة تاريخ السلت درس إنجلس قوانين ويلس القديمة أيضاً.



(131) يستشهد إنجلس بكتاب: "Ancient Laws and Institutes of Wales" Vol. I, 1841 ("القوانين و المؤسسات القديمة في ويلس". المجلد الأول، عام 1841).



(132) في أيلول 1891 قام إنجلس برحلة إلى اسكتنلده و ارلنده.



(133) في 1745 و 1746، قامت الكلافات (العشائر) الجبلية في اسكتلنده بانتفاضة ضد عمليات التضييق و انتزاع الأراضي، التي كانت تجري في مصلحة الأريستقراطية العقارية الأنجلو-اسكتلندية و في مصلحة البورجوازية الأنجلو-اسكتلندية. قاتل الجبليون من أجل الاحتفاظ بالتنظيم العشائري القديم. إلا أن قسماً من نبلاء اسكتلنده الجبلية ممن لهم مصلحة في الحفاظ على النظام الكلاني البطريركي الإقطاعي استغل استياء الجبليين و أعلن أن هدف الانتفاضة هو إعادة سلالة ستيوارت إلى العرش الإنجليزي. في البدء، أحرز جيش المنتفضين نجاحات قصيرة الأجل، و لكنه هزم في نهاية المطاف. بعد قمع الانتفاضة، قضي على النظام العشائري في اسكتلنده الجبلية ، و تمت تصفية بقايا الملكية العشائرية للأرض. و اشتدت و تسارعت عملية طرد الفلاحين الاسكتلنديين من الأراضي، و ألغيت المحاكم العشائرية ، و منعت بعض العادات العشائرية.



(134) L. H. Morgan . "Ancient Society". London,1877. (ل. هـ. مورغان. "المجتمع القديم" لندن، 1877).



(135) Beda Venerabilis "Historia ecclesiastica gentis Anglorum" (بيدا الملقب بالبار. "تاريخ الإنجليز الكنسي". الكتاب الأول، الفصل الأول.



(136) يوليوس قيصر. "مذكرات عن حرب الغال". الكتاب السادس. الفص الثاني و العشرون.



(137) "الحق الألماني"، مجموعة من قوانين العرف و العادة عند حلف الألمان (alamans) القبلي الجرماني الذي كان يشغل منذ القرن الخامس أراضي الإلزاس و سويسرا الشرقية و ألمانيا الجنوبية الغربية حالياً . تعود المجموعة إلى أواخر القرن السادس و بداية القرن السابع و إلى القرن الثامن. و هنا يستشهد إنجلس بالقانون 81 (84) من "الحق الألماني".



(138) المقصود هنا مؤلفا كوفاليفسكي. "الحق البدائي. الطبعة الأولى. العشيرة" موسكو، 1866 و مؤلف "Tableau des origines et de l évolution de la famille et de la propriété". Stockholm- 1890.



(139) "نشيد هيلديبراند"، قصيدة بطولية ، أثر من الشعر الملحمي الألماني القديم من القرن الثامن، بقيت منها مقاطع.



(140) تاقيطس. "جرمانيا"، الفصل السابع.



(141) ديودوروس الصيقلي. "المكتبة التاريخية". الكتاب الرابع. الفصل الرابع و الثلاثون.



(142) "Völuspâ" ("رؤيا النبية") – نشيد من "أيدا الكبرى" (راجعوا الملاحظة رقم 28).



(143) المقصود هنا المؤلفان التاليان:



Völuspâ og de sibyllinske orakler" 1879 A.Ch. Bang. " (أ. ك. بانغ. "رؤيا النبية و تكهنات العرافة"، 1879)، S. Bugge. "Studier over de nordiske Gude- og Heltesagns oprindelse". Kristiania , 1881-1889. (س. بوغه. "لمحات في مسألة أصل الساغات السكاندينافية عن الآلهة و الأبطال". كريستيانا، 1881-1889).



(144) G. L. Maurer. " Geschichte der Stadt-Verfassung in Deutsch-land " Bd I, Erlangen, 1869.



(145) انتفاضة القبائل الجرمانية و الغالية بقيادة زيفيليس ضد السيادة الرومانية بسبب تزايد الأتاوات، و استفحال عمليات التجنيد في الجيش، و استهتار الموظفين الرومانيين جرت في 69-70 ( في 69-71 ، كما يقول بعض المصادر الأخرى). شملت الانتفاضة قسماً كبيراً من بلاد الغال و المقاطعات الجرمانية الخاضعة لروما، و هددت روما بخطر خسارة هذه الأراضي. بعد النجاحات في البدء، مني المنتفضون ببضع هزائم و اضطروا إلى عقد الصلح مع روما.



(146) يوليوس قيصر. "مذكرات عن حرب الغال". الكتاب الرابع. الفص الأول.



(147) تاقيطس. "جرمانيا"، الفصل السادس و العشرون.



(148) "Godex Laureshamensis" ("سجلات لورش") ، مجموعة من نسخ امتيازات دير لورش و من شهادات الهبات له. تأسس الدير في النصف الثاني من القرن الثامن في دولة الإفرنج، غير بعيد عن مدينة ورمس و كان عبارة عن ملكية إقطاعية كبيرة في ألمانيا الجنوبية الغربية. تم جمع المجموعة في القرن الثاني عشر، و هي من أهم المصادر في تاريخ ملكية الأرض الفلاحية و الإقطاعية في القرنين الثامن و التاسع.



(149) بلينوس. "التاريخ الطبيعي في 37 كتاباً". الكتاب الثامن عشر، الفصل السابع عشر.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] (اسم الننتسي سابقاً. الناشر.)


[2] "أحزاب". الناشر.


[3] خلال إقامتي بضعة أيام في إرلنده (132)، أدركت من جديد بقوة و وضوح إلى أي حد لا يزال سكان الريف هناك يعيشون بأفكار زمن العشائر. فإن مالك الأرض الذي يستأجر منه الفلاح قطعة أرض، لا يزال بنظر هذا الأخير ضرباً من زعيم لـ "الكلان" ملزماً بأن يتصرف بالأرض في مصلحة الجميع، و يعتبر الفلاح أنه يدفع لمالك الأرض جزية بصورة بدل إيجار، و لكنه يجب أن يلقى منه العون عند الاقتضاء. كذلك يعتبرون هناك أن كل إنسان أكثر يسراً ملزم بأن يساعد جيرانه الأقل منه يسراً إذا ما شعروا بالعوز. إن هذه المساعدة ليست صدقة، بل هي ما يتلقاه حقاً و شرعاً عضو "الكلان" الأفقر من عضو أغنى أو من زعيم "الكلان". و إنها لمفهومة شكاوي الاقتصاديين و الحقوقيين من استحالة حمل الفلاح الإرلندي على إدراك مفهوم الملكية البرجوازي الحالية. فإن ملكية لها حقوق فقط و ليس عليها واجبات، لا تخرط في رأس الإرلندي. و لكنه مفهوم أيضاً كيف أن الإرلنديين الذين ينتقلون فجأة بتصوراتهم الساذجة الملازمة للنظام العشائري إلى المدن الإنجليزية أو الأميركية الكبيرة، ويجدون أنفسهم في بيئة ذات مفاهيم أخلاقية و قانونية مختلفة تماماً،- كيف أن هؤلاء الإرلنديين يضلون كلياً في قضايا الأخلاق و القانون، و يفقدون كل تربة تحت أقدامهم، و يقعون أحياناً بالجملة في مهاوي الفساد.(ملاحظة إنجلس لطبعة 1891).


[4] عشيرة يوليوس. الناشر.

[5] بالألمانية fahren. الناشر.


[6] بالألمانية Sippe. الناشر

[7] بالألمانية König. الناشر.


[8] * إن اليونانيين لا يعرفون إلا بالميثولوجيا من الأزمنة البطولية طبيعة الصلة الوثيقة بخاصة التي تجمع بين الخال و ابن الأخت و التي تعود في أصلها إلى عهد الحق الأمي و التي توجد عند كثير من الشعوب. يقول ديودوروس (الفصل 4، المقطع 34) إن ميلياغر يقتل أولاد تستيوس، أخوة أمه الثيه Althée و ترى الثيه في هذا العمل جريمة لا تقبل أي تكفير إلى حد أنها تعلن القاتل، ابنها بالذات، و تتمنى له الموت. "و قد حقق الآلهة أمنيتها، كما يروون، و وضعوا خاتمة لحياة ميلياغر". كذلك يقول ديودوروس ذاته (الفصل 4، المقطعان 43 و 44) أن الأرغونوط نزلوا في تراقيا بقيادة هرقل و اكتشفوا هناك أن فينيه، بتحريض من زوجته الجديدة، عامل ولديه اللذين رزقهما من زوجته المطلقة، بوريادا كليوباطره، معاملة قاسية فظيعة. و لكنه تبين أن هناك بين الأرغونوط أفراداً آخرين من آل بورياد، هو أخوة كليوباطره، أي أخوة والدة الضحيتين. فينبرون على الفور لحماية ولدي أختهم، و يحررونهما و يقتلون حراسهما (141).


و هناك مقطع من "Völuspâ" (142)- و هو نشيد سكاندينافي قديم عن غسق الآلهة و هلاك العالم،- يتسم بدور أهم لأنه دليل يعود إلى مرحلة متأخرة بنحو 800 سنة. و في "رؤيا النبيه" هذه، التي تتشابك فيها عناصر مسيحية أيضاً ، كما أثبت الآن بانغ و بوغه (143) جاء في وصف عهد الانحطاط و الفساد العام، الذي سبق الكارثة الكبرى:


"Broedhr munu berjask ok at bönum verdask, munu systrungar sifium spilla"


"سيعادي الأخوة بعضهم بعضاً و يقتلون بعضهم بعضاً، و يحطم أولاد الأخوات عرى القرابة".


إن systrungar تعني ابن الخالة، و يبدو للشاعر أن هؤلاء، أولاد الأخوات، يقترفون جريمة أفدح من جريمة التقاتل بين الأخوة إذا ما أنكروا قرابتهم المتبادلة بالدم. إن تشديد فداحة الجريمة ينعكس في كلمة systrungar التي تشير إلى القرابة من جهة الأم. و لو ورد عوضاً عن هذه الكلمة تعبير syskina-börn- أولاد الأخوة و الأخوات- أو syskina-synir- أبناء الأخوة و الأخوات-لجاء السطر الثاني، لا تشديداً للأول بل تخفيفاً له. و عليه، حتى في زمن الفيكينغ، عندما ظهرت "رؤيا النبيه"، لم تكن قد زالت بعد في سكاندينافيا ذكرى الحق الأمي.


و من جهة أخرى، كان الحق الأمي عند الجرمان، في زمن تاقيطس، و على الأقل عند من كان يعرفهم منهم أكثر، قد أخلى المكان للحق الأبوي، كان الأولاد يرثون الوالد، و في حال انعدام الأولاد، كان الإرث يعود إلى الأخوة و إلى الأعمام و الأخوال. إن إشراك الخال في الإرث يرتبط بالحفاظ على العادة المشار إليها للتو، و يثبت أيضاً إلى أي حد كان الحق الأبوي لا يزال حديث العهد عند الجرمان. كذلك بقيت آثار الحق الأمي زمناً طويلاً في القرون الوسطى. و يبدو أنهم في تلك الحقبة من الزمن لم يكونوا يولون مسألة الأبوة بالغ الأهمية، و لا سيما عند الأقنان. و لهذا، عندما كان السيد الإقطاعي يطالب مدينة ما بأن تعيد إليه فلاحاً فاراً، كان ينبغي، كما في أوغسبورغ و بال و كيزرسلاوترن، مثلاً، أن يؤكد باليمين ستة من أقرب أقرباء الفلاح المتهم، جميعهم بوجه الحصر أقرباء من ناحية الأم، صفته كقن (مورير، "نظام المدينة"، المجلد الأول)(144).


8 ـ تكوّن الدولة عند الجرمان

كان الجرمان، على حد قول تاقيطس، شعباً كثير العدد جداً. و يتيح لنا قيصر تكوين فكرة تقريبية عن عدد أفراد هذه أو تلك من الشعوب الجرمانية، فهو يحدد عدد الأوزيبيت و التنكتير المقيمين عند الضفة اليسرى من نهر الراين بـ 180000 شخص بمن فيهم النساء و الأطفال. و هكذا كان كل شعب يعد حوالي 100 ألف نسمة*[1]، أي ما يربو كثيراً مثلاً، عن مجمل عدد الإيروكوا في عهد ازدهارهم، عندما أصبحوا يشكلون خطراً على البلاد كلها، ابتداء من البحيرات الكبيرة حتى أوهايو و بوتوماك، رغم أن تعدادهم لم يبلغ الـ 20 ألف نسمة. و إذا حاولنا أن نرسم على الخارطة كيف كانت أشهر الشعوب المقيمة في جوار الريان موزعة حسب المعلومات التي وصلت إلينا، لشغل كل من هذه الشُعوب بمفرده ما يقارب بالمتوسط مساحة منطقية إدارية بروسية، أي زهاء 10000 كليو متر مربع أو 182 ميلاً جغرافياً مربعاً. و لكن Germania Magna**[2] التابعة للرومانيين كانت تشمل حتى الفيستول حوالي 500000 كيلو متر مربع. و إذا كان متوسط عدد كل شعب 100000 نسمة، فلا بد أن مجمل عدد السكان في Germania Magna كان يبلغ خمسة ملايين. و هذا رقم كبير بالنسبة لمجموعة من الشعوب البربرية، و هو رقم قليل جداً جداً بالنسبة لأوضاعنا: 10 نسمات بكل كيلو متر مربع، أو 550 نسمة بكل ميل جغرافي مربع. و لكن هذا العدد أبعد من أن يشمل جميع الجرمان الذين كانا يعيشون في تلك المرحلة. فنحن نعرف أن شعوباً جرمانية من مجموعة القبائل القوطية أي من قبائل الباستارن و البوكين و غيرها كانت تعيش بمحاذاة جبال الكاربات حتى مصب نهر الدانوب بالذات، و كانت كثيرة العدد إلى حد أن بلينوس اعتبرها المجموعة الأساسية الخامسة من القبائل الجرمانية (150). إن هذه القبائل التي كانت تعمل قبل الميلاد بـ 180 سنة في خدمة برسيوس، ملك مقدونيا، قد توغلت في السنوات الأولى من حكم أوغسطوس حتى ضواحي أدرنة. و إذا قدرنا عددها بمليون شخص فقط، فإن عدد الجرمان كان يبلغ، أغلب الظن، عند بداية التاريخ الميلادي، ستة ملايين على الأقل.



و بعد إقامتها في جرمانيا، كان لا بدّ أن ينمو عدد السكان بسرعة متزايدة أبداً. و أن النجاحات المنوه بها أعلاه في ميدان تطور الإنتاج من شأنها وحدها أن تقدم البرهان على ذلك. إن اللقيات الأثرية في مستنقعات شليسفيغ تعود إلى القرن الثالث نظراً للنقود المعدنية الرومانية الموجودة فيها. و عليه كان إنتاج الأقمشة و المصنوعات المعدنية متطوراً و منتشراً في ذلك الوقت على سواحل بحر البلطيق، و كانت تقوم علاقات تجارية ناشطة مع الإمبراطورية الرومانية، و كان أغنى الناس يعيشون في نوع من البذخ. و كل هذه دلائل على أن كثافة السكان كانت أكبر هناك. و نحو هذه الحقبة من الزمن، يبدأ كذلك هجوم الجرمان العسكري العام على طول خط الراين و الحدود الرومانية المحصنة و الدانوب، من بحر الشمال حتى البحر الأسود، و هذا دليل مباشر على تنامي عدد السكان أكثر فأكثر، و على سعيهم إلى توسيع ممتلكاتهم. و قد دام الصراع ثلاثمئة سنة، و خلاله تحرك كل القسم الأساسي من الشعوب القوطية (باستثناء القوط السكاندينافيين و البورغوند) باتجاه الجنوب الشرقي، و شكل الجناح الأيسر من خط الهجوم المستطيل، و كان الجرمان الأعلون (الهرمينون) الذين شقوا طريقاً لهم حتى الدانوب الأعلى يشغلون وسط هذا الخط، و كان الجناح الأيمن يتألف من الإيسكيفيين الذين أطلق عليهم آنذاك اسم الفرنج، و الذين شقوا طريقاً لهم نحو الراين، أما الإينغيفون فكان من نصيبهم احتلال بريطانيا. و في أواخر القرن الخامس، كان الطريق إلى الإمبراطورية الرومانية المستضعفة، المنزوفة، العاجزة، مفتوحاً أمام الجرمان الغزاة.



لقد وقفنا أعلاه عند مهد الحضارة اليونانية و الرومانية القديمة. و هنا نقف عند قبرها. ففي جميع بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، مر مسحاج السيادة العاليمة الرومانية المسوي في سياق قرون و قرون. و حيث لم تبد اللغة اليوناينة مقاومة، اضطرت جميع اللغات القومية إلى إخلاء المكان للغة لاتينية مشوهة. و زالت جميع الفوارق القومية، و لم يبق هناك لا غاليون و لا إيبيريون و لا ليغوريون و لا نوريكيون، فقد غدوا جميعهم رومانيين. و في كل مكان دمرت الإدارة الرومانية و دمر الحق الروماني التنظيمات العشائرية القديمة، و بالتالي آخر بقايا النشاط المحلي و القومي المستقل. و كانت المواطنية الرومانية الحديثة العهد لا تعرض شيئاً بالمقابل. و لم تكن تعبر عن أي قومية، إنما كانت فقط تعبيراً عن انعدام القومية. و كانت عناصر الأمم الجديدة تتمايز أكثر فأكثر بعضها عن بعض، و كانت الحدود الطبيعية التي جعلت فيما مضى من إيطاليا و غاليا و إسبانيا و إفريقيا مناطق متميزة لا تزال قائمة و تثبّت وجودها. و لكنه لم تكن هناك أي قوة بمقدورها أن توحد هذه العناصر في أمم جديدة، و لم يكن هناك في أي مكان أثر لقدرة على التطور و المقاومة، و بالأحرى للطاقة الخلاقة. و هذا الجمهور الهائل من الناس القاطنين في رقعة شاسعة من الأرض لم تكن تجمع بينهم غير صلة واحدة هي الدولة الرومانية، و الحال، صارت هذه الدولة مع مر الزمن عدوهم و مضطهدهم الألد. لقد قضت الأقاليم على روما، و روما ذاتها تحولت إلى مدينة إقليمية، مثل غيرها من المدن، إلى مدينة متميزة، و لكنها لم تبق سائدة، لم تبق مركز الإمبراطورية العالمية و لم تبق حتى مقر الأباطرة و نواب الأباطرة، فقد كان هؤلاء يعيشون الآن في القسطنطينية و ترير و ميلانو. و تحولت الدولة الرومانية إلى آلة هائلة معقدة، معدة بوجه الحصر لاعتصار الأتباع. و كانت الضرائب و أعمال السخرة في صالح الدولة و غير ذلك من الأتاوات تدفع بسواد الناس في لجة البؤس أعمق فأعمق. و هذا الظلم كانت تقويه إلى حد لا يطاق ابتزازات الحكام و الجباة و الجنود. هذا ما آلت إليه الدولة الرومانية و سيادتها العالمية: لقد بنت حقها في الوجود على صيانة النظام في الداخل و على الحماية من البرابرة في الخارج، و لكن نظامها كان شراً من الفوضى، و إذا البرابرة الذين كانت تدعي حماية المواطنين منهم، ينتظرهم هؤلاء كمنقذين.



و لم يكن الوضع الاجتماعي أقل مدعاة لليأس. فمنذ أواخر زمن الجمهورية، كانت السيادة الرومانية تقوم على استغلال الأقاليم المحتلة بلا رحمة و لا شفقة، و لم تقض الإمبراطورية على هذا الاستغلال، و ليس هذا و حسب، بل عمدت بالعكس إلى تنظيمه. و بقدر ما كان يأفل نجم الإمبراطورية، بقدر ما كانت تتزايد الضرائب و الأتاوات، و تشتد وقاحة الموظفين في النهب و ابتزاز الأموال. و لم تكن التجارة و الصناعة في يوم من الأيام من شأن الرومانيين، قاهري الشعوب.و لكنهم تفوقوا في الربا كل من جاؤوا من قبلهم و بعدهم. و كل ما توفر و بقي من التجارة زال بسبب بلص الموظفين، و ما سلم من التجارة، كان في الجزء الشرقي، في الجزء اليوناني من الإمبراطورية، الذي لا يشمله موضوع دراستنا. الإملاق العام، و تدهور التجارة و الحرف و الفنون، و انخفاض عدد السكان، و انحطاط المدن، و عودة الزراعة إلى مستوى أدنى، -تلك كانت النتيجة الأخيرة للسيادة الرومانية العالمية.



إن الزراعة التي كانت الفرع الحاسم من الإنتاج في العالم القديم بأسره، قد غدته الآن من جديد و أكثر مما في أي وقت مضى. و في إيطاليا، كانت المجموعات الشاسعة من العقارات (latifundia اللاتيفونديا) تشمل بعد سقوط الجمهورية جميع الأراضي تقريباً، و كانت تُستَغَل بطريقتين: إما بصورة مراع، يستعاض فيها عن السكان بالغنم و البقر التي لا تتطلب العناية بها غير عدد قليل من العبيد، و إما بصورة فيللات villas تمارس فيها جمهرة من العبيد أعمال البستنة على نطاق كبير، و ذلك سواء لتلبية حاجات السيد العائش في البذخ، أم للبيع في أسواق المدن. و قد أبقيت المراعي الكبيرة، بل زيدت رقعتها أيضاً. و انحطت عقارات الفيللات و بستنتها مع خراب أصحابها و إفقار المدن. و لم يعد استثمار اللاتيفونديات، القائم على عمل العبيد، يعود بدخل، و لكنه كان في تلك المرحلة الشكل الممكن الوحيد للزراعة الكبيرة. و من جديد، صارت الاستثمارة الصغيرة الشكل الوحيد النافع في الزراعة. فأخذت الفيللات تنقسم الواحدة تلو الأخرى إلى قطع صغيرة توضع، لقاء مبلغ معين، تحت تصرف مزارعين يتناقلونها بالوراثة، أو توضع تحت تصرف partiarii*[3] كانوا بالأحرى إداريين أكثر منهم مستأجرين، و كانوا ينالون لقاء عملهم سدس المحصول السنوي و أحياناً تسعه فقط. و لكنه كان يعهد بهذه القطع الصغيرة في معظم الأحوال إلى colonus مستأجرين معمرين كانوا يدفعون كل سنة مبلغاً معيناً و كانوا مربوطين بالأرض و كان يمكن بيعهم مع قطعهم، صحيح أن المستأجرين المعمرين لم يكونا عبيداً، إلا أنهم لم يكونوا أحراراً، و لم يكن لهم حق عقد الزواج مع الأحرار، و لم يكن زواجهم يعتبر زواجاً شرعياً، بل مجرد مساكنة contubernium، مثله مثل زواج العبيد. لقد كانا أسلاف أقنان القرون الوسطى.



لقد ولى زمن العبودية القديمة. فلم تعد، لا في الزراعة الكبيرة و لا في مانيفاكتورات المدن، تدر دخلاً يبرر العمل المبذول، و زال السوق لأجل منتوجاتها. أما الزراعة الصغيرة و الحرفة الصغيرة اللتان انحط إليها الإنتاج الضخم من عهد ازدهار الإمبراطورية، فلم يكن من الممكن لهما إيجاد العمل لعدد كبير من العبيد. و لم يبق في المجتمع مكان إلا للعبيد العاملين في البيوت و للعبيد الذين يؤمنون حياة الأغنياء الباذخة. و لكن العبودية بسبيل الاحتضار كان لا يزال بمقدورها أن تدعم الفكرة القائلة أن كل عمل منتج هو من شأن العبيد و لا يليق بالرومانيين الأحرار، و الحال كان جميع المواطنين يتمتعون الآن بهذه الصفة. فكانت النتيجة، من جهة، ازدياد عدد العبيد المعتقين، الفائضين، الذين أمسو عبئاً، و من جهة أخرى، ازدياد عدد المستأجرين المعمّرين colonus و الأحرار المفتقرين (الذين يشبهون poor whites*[4] في الولايات الأميركية التي كان يسود فيها الرق من قبل). إن المسيحية ليست مسؤولة أبداً عن زوال العبودية القديمة تدريجياً. بل أنها عاشت مع العبودية جنباً إلى جنب في الإمبراطورية الرومانية خلال قرون و قرون، و لم تعترض فيما بعد يوماً على تجارة الرقيق التي كان يتعاطاها المسيحيون: الجرمان في الشمال، و أهل البندقية على البحر الأبيض المتوسط، و لم تعترض فيما بعد على المتاجرة بالزنوج**[5]. و لم تعد العبودية تدر دخلاً، فاضمحلت. و لكن العبودية بسبيل الزوال خلقت وراءها سهمها السام بصورة ازدراء الأحرار للعمل المنتج. كان ذلك مأزقاً لا مخرج منه انخرط فيه العالم الروماني: فقد أمست العبودية مستحيلة من الناحية الاقتصادية، و كان عمل الأحرار موضع ازدراء من الناحية الأخلاقية. فالأولى لم يبق بوسعها أن تكون الشكل الأساسي للإنتاج الاجتماعي و الثاني لم يعد بوسعه أن يكونه. و لم يكن من الممكن الخروج من هذا المأزق إلا بثورة جذرية.



و لم يكن الحال أحسن في الأقاليم. و لدينا أوفر المعلومات عن غاليا. فإلى جانب المستأجرين المعمِّرين، كان لا يزال هناك أيضاً فلاحون صغار أحرار. و كان هؤلاء الفلاحون، سعياً منهم لوقاية أنفسهم من استبداد الموظفين و القضاة و المرابين، يلجأون أحياناً كثيرة إلى حماية و رعاية شخصية قوية. و لم يفعل ذلك فلاحون منفردون، بل أيضاً مشاعات بكاملها، إلى حد أن الأباطرة أصدروا غير مرة القرارات في القرن الرابع بمنع ذلك. و لكن ما كان ذلك يؤمن لمن كانوا يفتشون عن الحماية؟ كان الحامي يفرض عليهم شرطاً مفاده أن يتنازلوا له عن الحق في ملكية أراضيهم على أن يضمن لهم بالمقابل التمتع مدة الحياة بهذه الأراضي. و هذه الحيلة تفهمتها الكنسية المقدسة و استخدمتها بفائق الجهد في القرنين التاسع و العاشر لكي توسع مملكة الرب و ممتلكاتها الأرضية بالذات. صحيح أن سلفيان، أسقف مرسيليا، كان لا يزال آنذاك، حوالي عام 475، يرعد و يبرق ضد هذا النهب و يروي أن اضطهاد الموظفين الرومانيين و كبار ملاكي الأراضي أصبح لا يطاق إلى حد أن كثيرين من "الرومانيين" يهربون إلى الأنحاء التي احتلها البرابرة، و أن المواطنين الرومانيين الذي يقيمون هناك لا يخشون، أكثر ما يخشون، غير الوقوع من جديد تحت السيطرة الرومانية (152). أما أن الآباء كانوا في ذلك الوقت غالباً ما يبيعون أولادهم عبيداً بسبب الفقر، فهذا ما يدل عليه القانون الذي صدر ضد هذه الممارسة.



و قد انتزع البرابرة الجرمان من الرومانيين ثلثي أراضيهم كلها، مكافأة عن تحريرهم من دولتهم بالذات، و تقاسموها فيما بينهم. و قد جرت القسمة وفق أصول النظام العشائري. و بما أن عدد الفاتحين لم يكن كبيراً نسبياً، فقد ظلت مساحات شاسعة من الأراضي بدون تقسيم، إما ملكاً للشعب بأسره و إما ملكاً لمختلف القبائل و العشائر. و ضمن كل عشيرة، جرى تقسيم الأراضي المحروثة و المروج بين مختلف الاستثمارات حصصاً متساوية و بالقرعة. و نحن لا نعرف ما إذا كانت قد جرت إعادة التقسيم بصورة دورية، على كل حال، توقفت بعد فترة وجيزة عمليات التقسيم الدورية في الأقاليم الرومانية، و أصبحت مختلف القطع ملكاً خاصاً يمكن التنازل عنه، allod. و بقيت الغابات و المراعي بدون تقسيم، لاستعمال الجميع. و هذا الاستعمال، و كذلك طريقة حراثة الأراضي المقسمة تحقق ضبطهما وفق العادة القديمة و بموجب قرار من المشاعة كلها. و بقدر ما كانت تستطيل إقامة العشيرة في قريتها بقدر ما كان يتزايد تخالط الجرمان و الرومانيين تدريجياً، بقدر ما كان طابع القرابة للصلة بين الناس يتراجع أمام الطابع الإقليمي. و قد انحلت العشيرة في المشاعة-المارك التي كانت لا تزال تظهر فيها أحياناً كثيرة جداً آثار منشئها من علاقات القرابة بين أعضاء المشاعة. و بصورة غير ملحوظة تحول التنظيم العشائري إلى تنظيم إقليمي، على الأقل في البلدان التي استمرت فيها المشاعة-المارك- في شمال فرنسا، و إنجلترا و جرمانيا و سكاندينافيا- و أصبح بالتالي قادراً على التكيف للدولة. و لكنه احتفظ مع ذلك بطابعه الديموقراطي الذي تكوّن بصورة طبيعية، و الذي يميز كل النظام العشائري و صان حتى الأزمنة الحديثة عناصر حية من هذا النظام حتى في ذلك الشكل المنحل الذي فرض عليه فيما بعد، و ظل لهذا السبب سلاحاً في أيدي المظلومين.



و عليه، إذا كانت صلة الدم في العشيرة قد فقدت شأنها بعد فترة وجيزة، فذلك لأنه هيئاتها قد انحطت و انحلت أيضاً سواء أفي القبائل أم في الشعب كله، نتيجة للفتوحات. و نحن نعرف أن السيادة على المخضَّعين لا تأتلف مع النظام العشائري. و هذا ما نراه هنا على نطاق كبير. فقد كان يتعين على الشعوب الجرمانية التي أصبحت سيدة الأقاليم الرومانية، أن تنظم إدارة هذه الأراضي التي افتتحتها. و لكنه لم يكن من الممكن لا قبول جماهير الرومانيين في الجماعات العشيرية و لا السيطرة عليهم بواسطة هذه الأخيرة. و على رأس الهيئات الرومانية للإدارة المحلية، التي ظل معظمها قائماً في البدء، كان ينبغي وضع بديل ما عوضاً عن الدولة الرومانية، و لم يكن من الممكن أن يكون هذا البديل غير دولة أخرى. و لهذا كان ينبغي لهئيات النظام العشائري أن تصبح هيئات للدولة، و ذلك بسرعة كبيرة، تحت ضغط الظروف. و الحال كان القائد العسكري هو الممثل المباشر للشعب الفاتح. و كانت حماية المنطقة المفتوحة من الخطر الخارجي و الداخلي تتطلب تعزيز سلطته. و هكذا آن الأوان لتحويل سلطة القائد العسكري إلى سلطة ملكية، و قد تحقق هذا التحويل.



لنأخذ مملكة الفرنج. هنا، عمد الشعب الفرنج الساليين الظافر يده كلياً، لا على العقارات الشاسعة التابعة للدولة الرومانية و حسب، بل أيضاً على جميع الأراضي الرحبة التي لم تُضم عند التقسيم إلا الممتلكات المشاعية للدوائر Gau الكبيرة و الصغيرة و للمشاعات-الماركات، و لا سيما جميع الغابات الكبيرة. و كان أول عمل قام به ملك الفرنج الذي تحول من مجرد قائد عسكري أعلى إلى عاهل حقيقي، هو تحويل ملكية الشعب هذه إلى مُلْكية الملك، و سرقتها من الشعب و منحها على سبيل الهدية أو الإقطاع إلى أعضاء فصيلته. إن هذه الفصيلة التي كانت تتألف في البدء من حاشيته العسكرية الشخصية و من سائر القادة العسكريين الخاضعين له، قد تزايدت، بعد حقبة قصيرة، بالرمانيين، أي بالغاليّين "المُرَوْمَنين" الذين سرعان ما أصبحوا ضروريين له بفضل مقدرتهم ككتبة و ثقافتهم، و معرفتهم للغة الكلامية الرومانية و اللغة الأدبية اللاتينية، و معرفتهم أيضاً القانون المحلي، كما تزايدت بالعبيد و الأقنان و المعتقين الذين كانوا يشكلون هيئة الخدم في بلاطه و الذي كان يختار من بينهم محظييه. و جميع هؤلاء نالوا قطعاً من الأرض التي تخص الشعب، في الآونة الأولى على سبيل الهدية في معظم الأحوال، ثم فيما بعد، على سبيل المكافأة بصورة bénéficium و ذلك في البدء، و عموماً، طوال حياة الملك (153). و هكذا أنشئ الأساس لأريستقراطية جديدة على حساب الشعب.



و فضلاً عن ذلك، لم يكن من الممكن حكم الدولة بوسائل النظام العشائري القديم، نظراً لسعة رقعتها. فإن مجلس الشيوخ، حتى و إن لم يكن قد زال من زمان، لم يكن بوسعه أن يجتمع، و سرعان ما استعيض عنه بالمقرّبين الدائمين من الملك. و تغطية للظواهر، ظلت الجمعية الشعبية القديمة قائمة، و لكنها أخذت هي أيضاً تتحول أكثر فأكثر إلى جمعية للقادة العسكريين الخاضعين للملك و للأريستقراطية الناشئة الجديدة. أما الفلاحون الأحرار الذين يملكون أرضاً و الذين كانوا يشكلون سواد الشعب الفرنجي، فإن الحروب الدائمة، الحروب الأهلية منها و حروب الفتح، و لا سيما الأخيرة منها في عهد شارلمان، قد استنزفت مواردهم و خربت بيوتهم ما فعلت بالفلاحين الرومانيين من قبل في أواخر عهد الجمهورية. و إن هؤلاء الفلاحين الأحرار الذين كان يتألف منهم الجيش كله في البدء، و الذين أصبحوا نواته الأساسية بعد الاستيلاء على أراضي فرنسا قد افتقروا في أوائل القرن التاسع إلى حد أن فلاجاً واحداً أو يكاد من كل خمسة كان بمقدوره المشاركة في الحملات. و عوضاً عن القوات من الفلاحين الأحرار الذين كان يستدعيهم الملك مباشرة، قام جيش مؤلف من ملزمين بالخدمة العسكرية من الأريستقراطية الناشئة الجديدة و يضم كذلك فلاحين أقناناً من أبناء و أحفاد أولئك الذين كانوا لا يعرفون سيداً غير الملك، و الذين كانوا من قبل لا يعرفون أبداً أياً من الأسياد، بمن فهم الملك. ثم أن الحروب الداخلية، و ضعف السلطة المكية، و تطاولات ذوي المكانة- فضلاً عن الكونتات Gaugrafen (154) الذين عينهم شارلمان و الذين كانوا يسعون إلى جعل مناصبهم وراثية، و أخيراً غزوات النورمانديين،- كل ذلك أنجز خراب الفلاحين الفرنج في عهد ورثة شارلمان. و بعد مرور خمسين سنة على وفاة شارلمان، كانت إمبراطورية الفرنج منبطحة عند أقدام النورمانديين، عاجزة عن كل مقاومة، مثلما كانت الإمبراطوية الرومانية قبل ذاك بأربعة قرون منبطحة عند أقدام الفرنج.



و لقد كانت بمثل هذه الحال تقريباً، لا بسبب عجزها أمام العدو الخارجي و حسب، بل أيضاً بسبب نظامها الاجتماعي الداخلي أو بالأصح بسبب انعدام النظام. و قد كان الفلاحون الفرنج الأحرار يعانون نفس الوضع الذي كان يعانيه أسلافهم المستأجرون المعمِّرون الرومانيون. و من جراء الخراب الذي ألحقته بهم الحروب و أعمال النهب، اضطروا إلى توسل حماية الكنيسة أو الأريستقراطية الناشئة الجديدة لأن السلطة الملكية كانت ضعيفة إلى حد أنها لا تستطيع حمايتهم. و لكنهم اضطروا إل دفع ثمن باهظ لقاء هذه الحماية. لقد كان ينبغي عليهم، شأنهم شأن الفلاحين الغاليين من قبل، أن ينقلوا إلى الحامي حق ملكية قطعهم من الأرض، و كان هذا يعيدها بدوره إليهم بصورة tenure حيازة مشروطة، بشروط مختلفة و متغيرة، و لكن دائماً مقابل تأدية الخدمات و دفع الأتاوات. و ما أن كانوا يخضعون لهذه التبعية حتى كانوا يفقدون حريتهم الشخصية أيضاً شيئاً فشيئاً. و بعد بضعة أجيال، كانوا بأغلبيتهم أقناناً. أما بأي سرعة اندثرت فئة الفلاحين الأحرار، فهذا ما يبينه السجل الذي وضعه إيرمينون بأملاك دير سان-جرمان-دي-بري الذي كان يقع آنذاك في جوار باريس و يقع الآن في باريس بالذات (155). فإن أملاك هذا الدير الشاسعة، الموزعة في الضواحي، كانت تشمل آنذاك في عهد شارلمان 2788 استثمارة يسكنها بوجه الحصر تقرياً فرنج ذوو أسماء جرمانية. و بين هؤلاء، كان 2080 معمراً و 35 ليتاً*[6]، و 220 عبداً و فقط 8 مواطنين أحرار! إن العادة التي كان الحامي يجبر بموجبها الفلاح على أن يتنازل له عن قطعة أرضه على سبيل الملكية، ثم لا يعيد بموجبها قطعة الأرض هذه إلى الفلاح إلا لأجل التمتع بها مدة الحياة، إن هذه العادة التي أعلنها سلفيان كفراً و إلحاداً، إنما أخذت الكنيسة تطبقها الآن في كل مكان ضد الفلاحين. و أعمال السخرة التي طفقت تصبح أكثر فأكثر ظاهر عادية أليفة، كان لها نموذجها المسبق سواء في angaries (الأنغاري) الرومانية أي الأعمال الإلزامية في صالح الدولة (156)، أم في الأتاوات المفروضة على أعضاء المشاعة-المارك الجرمانية لأجل بناء الجسور و الطرق و لأجل غير ذلك من الأهداف العامة. و هكذا عاد سواد السكان بعد أربعمئة سنة، كأنما بصورة كلية، إلى نقطة انطلاقهم.



و لكن هذا كان يبرهن فقط شيئين: أولاً، أن التمايز الاجتماعي و توزع الملكية في الإمبراطورية الرومانية في مرحلة الانحطاط كانا يتطابقان تماماً مع مستوى الإنتاج الذي بلغته الزراعة و الصناعة آنذاك، و كانا بالتالي أمراً محتماً لا مناص منه، و ثانياً، أن مستوى الإنتاج هذا لم يرتفع و لم يهبط بصورة جوهرية في سياق الأربعمئة سنة التالية، و لهذا أدى بالضرورة ذاتها إلى توزع الملكية ذاته و إلى نشوء طبقات السكان ذاتها. و في غضون القرون الأخيرة من وجود الإمبراطورية الرومانية، فقدت المدينة سيادتها السابقة على القرية و لم تستعدها في غضون القرون الأولى من السيادة الجرمانية. و هذا يفترض درجة منخفضة من التطور سواء في الزراعة أو في الصناعة. و هذا الوضع العام يؤول بالضرورة إلى ظهور كبار ملاكي الأراضي ذوي السيادة و السيطرة و الفلاحين الصغار التابعين. و ما أقل ما كان من الممكن أن تفرض على هذا المجتمع اقتصادات اللاتيفونديات الرومانية القائمة على عمل العبيد، من جهة، و الاقتصاد الكبير الجديد القائم على السخرة من جهة أخرى. و هذا ما تثبته التجارب الجليلة التي قام بها شارلمان بفيلاته الإمبراطورية الشهيرة، و التي زالت دون أن تترك أي أثر تقريباً. و هذه التجارب لم يواصلها غير الأديرة، و في الأديرة فقط كانت مثمرة. و لكن الأديرة كانت أجهزة اجتماعية شاذة قائمة التبتل، و قد كان بوسعها أن تعطي نتائج خارقة العادة، و لكنه كان لا بدّ لها لهذا السبب أن تبقى استثناء.



و مع ذلك تحققت خطوة كبيرة إلى أمام خلال هذه الأربعمئة سنة. و إذا كنا نجد في أواخر هذه المرحلة الطبقات الأساسية ذاتها تقريباً التي كانت قائمة في بدايتها، فإن الأفراد الذين يؤلفون هذه الطبقات قد تغيروا مع ذلك. فقد زالت العبودية القديمة، و زال الأحرار الذين حل بهم الخراب و الفقر و الذين كانوا يزدرون العمل بوصفه واجب العبد. و بين المعمِّر الروماني و القن الجديد كان يقف الفلاح الفرنجي الحر. و قد ولت إلى الأبد "الذكريات العميقة و النضال الباطل" للعالم الروماني المنقرض. إن الطبقات الاجتماعية في القرن التاسع لم تتكون في جو من تفسخ حضارة بسبيل الاندثار، بل في آلام مخاض حضارة جديدة. إن الجيل الجديد،-الأسياد منه و الخدم- كان جيلاً من الرجال بالقياس إلى سابقيه الرومانيين. و تلك العلاقات بين كبار ملاكي الأراضي ذوي الحول و الطول و بين الفلاحين التابعين لهم، التي كانت بالنسبة للرومانيين شكلاً يفصح عن هلاك العالم القديم بلا مرد، قد صارت الآن بالنسبة للجيل الجديد نقطة انطلاق لتطور جديد. و فضلا عن ذلك، مهما بدت هذه السنوات الأربعمئة عقيمة، فإنها تركت نتيجة كبيرة واحدة: القوميات العصرية، التكوين و التركيب الجديد للقسم الأوروبي الغربي من البشرية لأجل التاريخ المقبل. فإن الجرمان قد أحيوا أوروبا بالفعل من جديد، و لهذا لم يسفر تدمير الدول الذي جرى في المرحلة الجرمانية عن استعباد النورمانديين و المسلمين، بل عن استمرار تطور الإقطاعات bénéficium و علاقات الحماية commende (157) نحو الإقطاعية و عن ازدياد عدد السكان ازدياداً هائلاً إلى حد أنه أمكن، بدون ضرر، احتمال الخسائر الفادحة التي تسببت بها الحروب الصليبية بعد أقل من مائتي سنة.



فما هي إذن الوسيلة السحرية السرية التي نفح بها الجرمان قوة حياتية جديدة في أوروبا بسبيل الاحتضار؟ هل كانت قوة خاصة، عجيبة المفعول، فُطر عليها العرق الجرماني كما يزعم مؤرخونا الشوفينيون؟ كلا أبداً. فإن الجرمان كانوا، و لا سيما آنذاك، فرعاً آرياً موهوباً جداً في أوج ازدهار قواه الحيوية. و لكن ما جدد شباب أوروبا ليس مزاياهم القومية الخاصة، بل مجرد بربريتهم، و نظامهم العشائري.



إن كفاءاتهم و بسالتهم الشخصية، و حبهم للحرية، و غريزتهم الديمقوقراطية التي تحملهم على أن يروا في جميع الشؤون العامة شؤونهم الخاصة بالذات،-و بكلمة، إن جميع تلك الخصال التي فقدها الرومانيون و التي بفضلها وحدها دون غيرها كان يمكن تكوين دول جديدة من طمي و وحل العالم الروماني و دفع نمو القوميات الجديدة، -كل هذا، ترى، ماذا كان إن لم يكن السمات المميزة للإنسان الذي بلغ الطور الأعلى من البربرية، إن لم يكن ثمرة نظامه العشائري؟



و إذا كان الجرمان قد حولوا الشكل القديم لأحادية الزواج، و خففوا سيادة الرجل في العائلة، و أعطوا المرأة مركزاً أعلى من ذلك الذي عرفه يوماً العالم الكلاسيكي، فما الذي جعلهم قادرين على ذلك، إن لم يكن بربريتهم و عاداتهم العشيرية، و بقايا عهد الحق الأمي التي كانت لا تزال حية آنذاك؟



و إذا كانوا قد استطاعوا، في ثلاثين من البلدان الرئيسية على أقل،-أي في ألمانيا و فرنسا الشمالية و إنجلترا، أن ينقذوا خرقة من النظام العشائري الحقيقي بشكل المشاعات-الماركات و ينقلوها إلى الدولة الإقطاعية، و أعطوا بالتالي الطبقة المظلومة، طبقة الفلاحين، حتى في ظروف أقسى نظم القنانة في القرون الوسطى، تلاحماً محلياً و وسيلة للمقاومة، الأمر الذي لم يجده بصورة جاهزة لا العبيد القدامى و لا البروليتاريون المعاصرون، فعَمَّ نجم هذا إن لم يكن عن بربريتهم، عن طريقتهم في الاستيطان عشائر عشائر، هذه الطريقة الملازمة بوجه الحصر لعهد البربرية؟



و أخيراً، إذا كانوا قد استطاعوا أن يطورا و يرفعوا إلى درجة الشمول شكلاً ألطف للتبعية كان قائماً في موطنهم و كانت تنتقل إليه العبودية أكثر فأكثر في الإمبراطورية الرومانية، شكلاً، كما أشار فوريه (158) للمرة الأولى، يوفر للمستعبَدين الوسيلة لتحررهم تدريجياً بوصفهم طبقة fournit aux cultivateurs des moyens d affranchissement collectif et progressif *[7]، شكلاً يأتي من جراء ذلك أعلى بكثير من العبودية التي لا يمكن أن يتحقق فيها غير تحرير الفرد بمفرده على الفور و بدون مرحلة انتقالية (إن العالم القديم لا يعرف القضاء على العبودية بفضل ثورة مظفرة)، في حين أن أقنان القرون الوسطى أحرزوا بالفعل تدريجياً تحررهم كطبقة-فعَمَّ نجم هذا إن لم يكن عن بربريتهم التي بفضلها لم يرفعوا هذه التبعية عندهم إلى مستوى العبودية التامة: لا إلى الشكل القديم لعمل العبيد و لا إلى العبودية المنزلية الشرقية؟



إن كل ما لقح به الجرمان العالم الروماني من مثمر و صالح للحياة إنما كان نتاج البربرية. و بالفعل كان البرابرة وحدهم دون غيرهم قادرين على تجديد شباب عالم هرم يأفل نجم حضارته. و أن الطور الأعلى من البربرية الذي تطور الجرمان نحوه و بلغوه قبل هجرات الشعوب، كان بالضبط الأنسب لمثل هذا التطور. و هذا يفسّر كل شيء.



الهوامش:


(150) بلينوس. "التاريخ الطبيعي في 37 كتاباً". الكتاب الرابع، الفصل الرابع عشر.



(151) ليوتبراند من كريمونا "الثواب و العقاب". الكتاب السادس، الفصل السادس.



(152) سلفيان من مرسيليا. "De gubernatione dei" ("في حكم الإله". الكتاب الخامس، الفصل الثامن).



(153) Bénéfice (من اللاتينية bénéficium و تعني : عمل خير، منحة ، هبة، إحسان)، شكل من وهب الأراضي انتشر واسع الانتشار في دولة الإفرنج في النصف الأول من القرن الثامن. كانت قطعة الأرض المنقولة إلى الغير بشكل هبة Bénéfice تنتقل مع الفلاحين الأقنان العائشين فيها إلى الموهوب (bénéficiaire) لأجل التمتع بها مدى الحياة، شرط أن يقوم بخدمات معينة، هي في أغلب الأحيان خدمات عسكرية. في حال وفاة الواهب أو الموهوب، و كذلك في حال عدم قيام الموهوب بالتزاماته و إهماله استثماراته، كان ينبغي إعادة الهبة إلى الواهب أو إلى ورثته، و كان تجديد علاقات الهبة يقتضي تجديد عملية الهبة. و لم تكن السلطة الملكية وحدها تلجأ إلى توزيع الهبات، بل أيضاً الكنيسة و كبار ذوي النفوذ. أسهم نظام الهبة في تكوين طبقة الإقطاعيين، و لا سيما منهم النبلاء الصغار و المتوسطين، و في تحويل جماهير الفلاحين إلى أقنان ، و في تطوير علاقات التبعية الإقطاعية و تسلسل المراتب الإقطاعي. فيما بعد أخذت الهبات Bénéfices تتحول إلى إقطاعات وراثية. و قد كشف إنجلس في مؤلفه "عهد الإفرنج" دور نظام الهبة في تاريخ تكوين الإقطاعية.



(154) كونتات الدوائر (Gaugrafen) ، في دولة الإفرنج موظفون ملكيون معينون على رأس الدوائر أو الكونتيات . كانوا يتمتعون بالسلطة القضائية و يحصلون الضرائب و يشرفون على القوات المسلحة و يقودونها إبان الحملات. لقاء خدماتهم، كانوا يتقاضون ثلث الإيرادات الملكية في الدائرة المعنية، و يكافئون بقطع من الأرض. فيما بعد أخذ الكونتات يتحولون بالتدريج من موظفين يعينهم الملك إلى أسياد إقطاعيين كبار يملكون السلطة المطلقة و لا سيما بعد عام 877، أي بعد أن أقر رسمياً نقل وظيفة الكونت بالوراثة.



(155) المقصود هنا بوليبتيك (وصف للملكيات العقارية و السكان و الإيرادات) دير سان جرمان دي بري، المعروف باسم "بوليبتيك رئيس الدير أرمينون". يورد إنجلس المعطيات من البوليبتيك، على ما يبدو، من كتاب P. Roth " Geschichte des Beneficialwesens von den ältesten Zeiten bis ins zehnte Jahrhundert". Erlangen, 1850 (ب. روت. "تاريخ نظام الهبة منذ الأزمنة القديمة حتى القرن التاسع عشر". أرلنغن، 1850 ).



(156) الأنغاري angarie، أتاوات كانت مفروضة في الإمبراطورية الرومانية على السكان و تلزمهم بتقديم الخيل و الحمالين لأجل خدمة النقليات الحكومية . فيما بعد، اكتسبت هذه الأتاوات طابعاً أوسع و صارت عبئاً مرهقاً على السكان.



(157) العهدة Commende (من اللاتينية Commendare عهد، أوكل)، شكل من الأشكال المنتشرة في أوروبا ابتداء من القرنين الثامن و التاسع لانتقال الفلاحين إلى ما تحت "حماية" ("عهدة") الإقطاعيين، أو لانتقال الإقطاعيين الصغار إلى ما تحت "حماية" ("عهدة") الإقطاعيين الكبار بشروط معينة (مثلاً، تأدية الخدمة العسكرية و غيرها من الخدمات في مصلحة "الحامي"، تسليم العاهد أرضه و حصوله عليها من جديد بصورة وضع يد مشروط). كانت العهدة تعني بالنسبة للفلاحين الذين كانوا يكرهونهم بالقوة في كثير من الأحيان على هذا العمل، فقدان الحرية الشخصية ، و تعني بالنسبة للإقطاعيين الصغار الدخول في علاقات تبعية حيال الإقطاعيين الكبار، فأسهمت بالتالي من جهة في تحويل الفلاحين إلى أقنان ، و من جهة أخرى في توطيد نظام المراتب الإقطاعي.



(158) Ch. Fourier "Théorie des quatre mouvement et des destinées générales" 3-me éd, Œuvres complètes, t. I, Paris 1846 ( شارل فوريه. "نظرية الحركات الأربع و المصائر العامة". الطبعة الثالثة. المؤلفات الكاملة. المجلد الأول، باريس 1846). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف تحت اسم مغفل في مدينة ليون عام 1808.





--------------------------------------------------------------------------------

[1] * الرقم المقبول هنا يؤكد صحته مقطع من ديودوروس عن السلت في بلاد الغال:" في بلاد الغال تعيش أقوام كثيرة متفاوتة العدد. فعند أكبرها، يبلغ عدد الأفراد حوالي 200000 ، و عند أصغرها 50000"(Diodorus Siculus,V-ديودوروس الصقيلي، السفر 5) أي 125000 شخص بالمتوسط. و لا ريب أنه ينبغي اعتبار بعض الشعوب الغالية أكبر عدد بقليل من الألمان، نظراً لدرجة تطورها العالية.

[2] جرمانيا العظمى. الناشر.

[3] محاصين. الناشر.

[4] البيض الفقراء. الناشر.

[5] يقول الأسقف ليوتبراند الكريموني أن صنع الخصيان في القرن العاشر في فردون، و بالتالي في الإمبراطورية الجرمانية المقدسة كان الحرفة الرئيسية، و أنهم كانوا يصدرون الخصيان بربح كبير إلى إسبانيا من أجل أجنحة النساء في قصور المغاربة (151).


[6] الليت lites، عند الفرنج، طبقة متوسطة بين الأقنان و طبقة الأحرار. المعرب.


[7] تعطي الزراع الوسائل للتحرر الجماعي و التدريجي. الناشر.

9 ـ البربرية والحضارة

لقد تتبعنا انحلال النظام العشائري في ثلاثة أمثلة كبيرة: عند اليونانيين و الرومانيين و الجرمان. لندرس الآن ختاماً الظروف الاقتصادية العامة التي قوضت التنظيم العشائري للمجتمع في الطور الأعلى من البربرية و إزالته كلياً عند ظهور الحضارة. و هنا سيكون كتاب ماركس "رأس المال" ضرورياً مثل كتاب مورغان.



بقدر ما تسمح لنا مصادرنا، نستطيع القول أن العشيرة التي نشأت في الدرجة الوسطى من الوحشية و ظلت تتطور في درجتها العليا، قد بلغت أوجها في الدرجة الدنيا من البربرية. و من درجة التطور هذه، سنبدأ.



و هنا، حيث ينبغي أن يكون لنا الهنود الحمر الأميركيون مثالاً، نجد النظام العشائري متطوراً تماماً. فقد انقسمت القبيلة إلى بضع عشائر و على العموم إلى اثنتين. و كل من هذه العشائر الأولية تنقسم بدورها، بقدر ما يتنامى عدد السكان، إلى بضع عشائر بنات تقوم العشيرة الأم تجاهها بدور فراترية. و القبيلة ذاتها تنقسم إلى بضع قبائل نجد في كل منها من جديد في معظم الأحوال العشائر السابقة. و يضم الاتحاد، على الأقل في بعض الأحوال، قبائل تجمع بينها قرابة الدم. إن هذا التنظيم البسيط يطابق تماماً الظروف الاجتماعية التي انبثق منها. و هو ليس غير تركيب ملازم لهذه الظروف نشأ بصورة طبيعية، و بمقدوره أن يسوي جميع النزاعات التي قد تنشب داخل المجتمع المنظم على هذا النحو. أما النزاعات مع العالم الخارجي، فإن الحرب هي التي تحلها. و قد تنتهي الحرب بإبادة القبيلة، و لكنها لا تنتهي في حال من الأحوال باستعبادها. إن عظمة النظام العشائري و محدوديته في آن واحد، إنما تقومان في أنه لا مكان فيه لأجل السيادة و الاستعباد. و داخل النظام العشائري لا يوجد أي فرق بين الحقوق و الواجبات. و لا ترد بالنسبة للهندي الأحمر مسألة ما إذا كان الاشتراك في الشؤون العامة، أو الثأر أو دفع فدية عنه حقاً أو واجباً، و هذه المسالة تبدو له خرقاء كمسألة ما إذا كان الأكل و النوم و الصيد حقاً أو واجباً. كذلك لا يمكن أن يحدث انقسام القبيلة أو العشيرة إلى طبقات مختلفة. و هذا ما يسوقنا إلى بحث الأساس الاقتصادي لهذا النظام.



السكان قليلون للغاية، و نسبتهم أكثف في مكان إقامة القبيلة فقط. و حول هذا المكان، يمتد حزام عريض من الأراضي لأجل الصيد أولاً، ثم حزام حيادي واق من العابات يفصل القبيلة عن القبائل الأخرى. و تقسم العمل عفوي صرف. و هو لا يقوم إلا بين الذكور و الإناث. الرجال يحاربون و يمضون إلى الصيد البري و إلى صيد السمك، و يستحصلون على المادة الأولية لأجل الطعام و يصنعون لهذا الغرض الأدوات الضرورية. و المرأة تشتغل في البيت و تهيئ الطعام و الألبسة، إنها تطبخ و تحيك و تخيط. و كل من الرجل و المرأة سيد في ميدانه، الرجل في الغاب و المرأة في البيت. و كل منهما مالك للأدوات التي يصنعها و يستعملها: الرجل مالك للأسلحة و لوازم الصيد البري و صيد السمك، و المرأة مالكة للأدوات البيتية. و الاقتصاد البيتي تديره على أسس شيوعية بضع عائلات و أحياناً كثيرة عدد كبير من العائلات*[1]. و ما يجري إعداده و استعماله بصورة مشتركة هو ملكية عامة، مشتركة: البيت، البستان، الزورق. فهنا إذن، و هنا فقط، توجد بالفعل "الملكية، ثمرة العمل الشخصي" التي اختلقها الحقوقيون و الاقتصاديون في المجتمع المتحضر، و التي هي آخر مبرر حقوقي باطل لا تزال ترتكز عليه الملكية الرأسمالية المعاصرة.



و لكن الناس لم يتوقفوا في كل مكان عند هذه الدرجة. ففي آسيا وجدوا حيوانات يمكن تدجينها و من ثم تربيتها بعد تدجينها. كان ينبغي اصطياد أنثى الجاموس البري، أما المدجنة، فقد كانت تلد كل سنة عجلاً ناهيك بأنها كانت تدر حليباً. إن بعضاً من أكثر القبائل تقدماً،-الآريين و الساميين، و لربما أيضاً الطورانيين- قد جعلوا من تدجين المواشي أولاً، و من تربيتها و رعايتها فيما بعد، الفرع الرئيسي من نشاطهم. و انفصلت قبائل الرعاة عن بقية البرابرة. و كان ذلك أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل. كانت قبائل الرعاة لا تنتج أكثر من سائر البرابرة و حسب، بل كانت وسائل العيش التي تنتجها مختلفة أيضاً. فلم يكن يتوفر لها الحليب و الألبان و اللحوم بكميات أكبر بكثير و حسب، بل كانت تتوفر لها أيضاً الجلود و الصوف و شعر الماعز، و كذلك الخيوط و الأقمشة التي كان إنتاجها يزداد مع تزايد المواد الأولية. و على هذا النحو أصبح التبادل المنتظم ممكناً للمرة الأولى. أما في الأطوار السابقة من التطور، فلم يكن من الممكن أن يحدث التبادل إلا من قبيل الصدفة. إن المهارة الخاصة في صنع الأسلحة و الأدوات قد تؤول إلى تقسيم العمل لفترة من الوقت. فقد وجدت، مثلاً، في كثير من الأنحاء، بقايا ثابتة أكيدة لمشاغل كانت تصنع الأدوات الحجرية في العصر الحجري المتأخر. و كان الحرفيون الذين يرقون مهارتهم فيها يشتغلون، أغلب الظن، على حساب و في صالح الجماعة كلها، كما لا يزال يفعل ذلك الآن الحرفيون الدائمون في المشاعات العشيرية في الهند. في هذه المرحلة من التطور، لم يكن من الممكن أن يقوم التبادل إلا في قلب القبيلة، ناهيك بأنه بقي هنا أيضاً ظاهرة استثنائية. أما الآن، بعد انفصال قبائل الرعاة و تميزها، فإننا نجد، على العكس، جميع الشروط و الظروف جاهزة لأجل اللتبادل بين أعضاء مختلف القبائل، لأجل تطوره و توطده بوصفه مؤسسة دائمة. في البدء كان التبادل يجري بين قبيلة و قبيلة بوساطة شيوخ العشائر في كل قبيلة. أما عندما أخذت القطعان تصبح ملكية شخصية، فقد أخذ التبادل بين الأفراد يهيمن أكثر فأكثر، إلى أن صار أخيراً الشكل الوحيد للتبادل. و لكن الماشية كانت السلعة الرئيسية التي تتبادلها قبائل الرعاة مع جيرانها. و قد غدت الماشية بضاعة تُقَّدر بها جميع البضائع الأخرى و تُقْبَل في كل مكان بطيبة خاطر مقابل البضائع الأخرى، و بكلمة، اكتسبت الماشية وظيفة النقد و قامت بدور النقد في هذا الطور. ذلك أن الحاجة إلى بضاعة خاصة هي النقد كانت ماسة و ملحة للغاية منذ بداية تبادل البضائع بالذات.



أغلب الظن أن سكان آسيا لم يعرفوا البستنة في الطور الأدنى من البربرية، و لكنها ظهرت عندهم في الطور الأوسط، لا بعده، كسابقة للزراعة. فإن المناخ في السهول الطورانية لا يسمح بالحياة الراعية بدون احتياطيات من العلف للشتاء الطويل و القاسي، و لذا كانت العناية بالمروج و زراعة الحبوب أمراً ضرورياً لا غنى عنه هنا. و الشيء نفسه يجب قوله بصدد السهوب الواقعة شمالي البحر الأسود. و لكن ما أن بدأ إنتاج الحبوب لأجل المواشي حتى أصبحت بعد فترة وجيزة طعاماً للإنسان أيضاً. و بقيت الأراضي المحروثة ملكاً للقبيلة، و كان يعهد باستغلالها إلى العشيرة في البدء، و فيما بعد، من قبل العشيرة ذاتها إلى المشاعات البيتية، و أخيراً، إلى الأفراد. و لربما كان للأفراد بعض حقوق وضع اليد عليها، و لكن لا أكثر.



بين منجزات هذا الطور في حقل النشاط الصناعي، تتسم اثنتان بأهمية كبيرة جداً هي، أولاً، أداة الحياكة و ثانياً، صب الفلزات المعدنية و معالجة المعادن. و كان النحاس و القصدير، و كذلك البرونز المصبوب منهما أهم المعادن، فالبرونز أعطى أدوات نافعة و أسلحة فعالة، و لكنه لم يكن بوسعه أن يحل محل الأدوات الحجرية، فلم يكن من الممكن أن يقوم بهذه المهمة غير الحديد، و الحال، كانوا لا يعرفون بعد كيف يستخرجونه. و قد شرعوا يستعملون الذهب و الفضة لأجل الزين و الحلى، لأنهما كانا، على ما يبدو، قد كسبا قيمة أكبر من قيمة النحاس و البرونز.



إن نمو الإنتاج في جميع الفروع-تربية الماواشي، الزراعة، الحرف المنزلية- قد منح قوة عمل الإنسان القدرة على إنتاج كمية من المنتوجات تزيد عما يحتاج إليه للعيش و البقاء. و زاد في الوقت نفسه كمية العمل الذي يترتب على كل من أعضاء العشيرة أو المشاعة البيتية أو العائلة المنفردة أن يبذله يومياً. و ظهرت الحاجة إلى استعمال قوة عمل جديدة. فقدمت الحرب هذه القوة: فقد طفقوا يحولون أسى الحرب إلى عبيد. و بإنماء إنتاجية العمل و بالتالي الثرو، و بتوسيع ميدان النشاط الإنتاجي، أدى أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل، في مجمل الظروف التاريخية المعنية، إلى نشوء العبودية بصورة محتمة. و من أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل نجم أول انقسام كبير للمجتمع إلى طبقتين، الأسياد و العبيد، المستثمِرين و المستثمَرين.



كيف و متى انتقلت القطعان من ملكية القبيلة أو العشيرة إلى ملكية رؤساء العائلات؟ نحن لا نعرف حتى الآن أي شيء عن هذا. و لكنه لا بدّ أن هذا الانتقال قد وقع أساساً في هذا الطور. و مع اقتناء القطعان و غير ذلك من الثروات الجديدة، حدثت ثورة في العائلة. إن تحصيل أسباب المعيشة كان دائماً من شؤون الرجل، و كان هو الذي يصنع الوسائل اللازمة لهذا الغرض و كان هو مالكها. و كانت القطعان وسائل جديدة لتحصيل أسباب المعيشة. و كان من شأن الرجل تدجينها أولاً ثم حراستها و رعايتها ثانياً. و لهذا كانت الماشية تخصه، و كانت تخصه أيضاً البضائع و العبيد التي يحصل عليها مقابل رؤوس الماشية. و أخذت الفوائض التي توفرها الآن تربية الماشية تعود إلى الرجل. كانت المرأة تشارك في استهلاك هذه الفوائض، و لكن لم تكن لها حصة في ملكيتها. لقد كان "المتوحش"، المحارب و الصياد، يكتفي في البيت بالمرتبة الثانية بعد المرأة، أما الراعي "الوديع" فقد أحتل المرتبة الأولى متبجحاً بثورته، و أزاح المرأة إلى المرتبة الثانية. و لم يكن بوسعها أن تتذمر و تتشكى. فإن تقسيم العمل في العائلة كان قد حدد و اشترط تقسيم الملكية بين الرجل و المرأة. و قد بقي تقسيم العمل كما كان عليه، و لكنه قلب الآن كلياً العلاقات البيتية السابقة، و ذلك لسبب واحد هو أن تقسيم العمل خارج العائلة قد تغير. إن السبب نفسه الذي كان ضمن من قبل للمرأة السيادة في البيت،-أي قيامها بالأعمال المنزلية فقط-إن هذا السبب نفسه قد ضمن الآن للرجل بصورة محتمة السيادة في البيت. لقد فقد الآن عمل المرأة البيتي أهميته بالقياس إلى عمل الرجل المنتج، إن عمله كان كل شيء، بينما عملها مجرد ملحق تافه. و هنا أخذ يتبين أن تحرر المرأة، مساواتها في الحقوق مع الرجل، أمر غير ممكن، لا الآن و لا في المستقبل، ما دامت المرأة مقصية عن العمل المنتج الاجتماعي و مضطرة إلى الاكتفاء بالعمل البيتي الخاص. و لن يصبح تحرر المرأة أمراً ممكناً إلا متى استطاعت أن تشارك، على نطاق اجتماعي كبير، في الإنتاج و متى أصبح العمل البيتي لا يأخذ من وقتها إلا قدراً ضئيلاً. و هذا ما لم يصبح ممكناً إلا بفضل الصناعة الكبيرة العصرية التي لا تتيح عمل النساء على نطاق كبير و حسب، بل تتطلبه صراحة و تحاول أكثر فأكثر أن تجعل من العمل البيتي الخاص جزءً لا يتجزأ من الإنتاج الاجتماعي.



و مع توطد سيادة الرجل الفعلية في البيت، سقطت آخر الحواجز أمام سلطته المطلقة. و هذه السلطة المطلقة وطدها و خلدها سقوط الحق الأمي، و تطبيق الحق الأبي، و الانتقال التدريجي من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. و لكن هذا أحدث في الوقت نفسه ثغرة في النظام العشائري القديم: فقد غدت العائلة الفردية قوة انتصبت في وجه العشيرة مهددة.



إن الخطوة التالية تقودنا إلى الطور الأعلى من البربرية، إلى مرحلة تعيش فيها جميع الشعوب المتمدنة عصرها البطولي، عصر السيف الحديدي، و كذلك عصر المحراث الحديدي و الفأس الحديدية. فقد شرع الحديد يخدم الإنسان، و هو آخر و أهم جميع أصناف المواد الأولية التي اضطلعت بدور ثوري في التاريخ و الصنف الأخير-حتى ظهور البطاطا. و قد أتاح الحديد حراثة الحقول على مساحات أكبر و استئصال رقع شاسعة من الغابات لأجل حراثة تربتها، و أعطى الحرفي أدوات تتميز بصلابة وحدة ما كان من الممكن أن يقاومهما أي حجر أو أي من المعادن المعروفة آنذاك. كل هذا لم يحدث دفعة واحدة. فأحياناً كثيرة، كان الحديد الأول لا يزال أقل صلابة من البرونز. و لهذا لم ينقرض السلاح الحجري إلا ببطء، و ليس في "نشيد هيلديبراند" و حسب، بل أيضاً في معركة هاستينغس، عام 1066، استخدمت الفؤوس الحجرية أثناء القتال (159). و لكن التقدم استمر الآن بلا مردّ، بمزيد من السرعة، و أقل من الانقطاعات. و إذا المدينة التي تضم بين أسوارها و أبراجها و شرفاتها المسننة الحجرية بيوتاً من الحجر أو الآجر، تغدو مركز القبيلة أو اتحاد القبائل، و كان ذلك تقدما هائلاً في فن البناء و لكنه كان أيضاً دليل خطر متفاقم و حاجة متعاظمة إلى الحماية. و تنامت الثروة بسرعة، و لكن بوصفها ثروة أفراد. و أخذت الحياكة و معالجة المعادن و الحرف الأخرى تنفصل و تنعزل أكثر فأكثر بعضها عن بعض، و أخذ الإنتاج يزداد تنوعاً و إتقاناً أكثر فأكثر. و علاوة على الحبوب و البقول و الفواكه، بدأت الزراعة تعطي الآن الزيت النباتي و الخمور بعد أن تعلم الناس صنعها. و هذا النشاط المتنوع الوجوه لم يبق من الممكن أن يمارسه شخص واحد بمفرده، فحدث التقسيم الكبير الثاني للعمل: فقد انفصلت الحرفة عن الزراعة. إن نمو الإنتاج و معه إنتاجية العمل بلا انقطاع قد رفع قيمة قوة عمل الإنسان، و إذا العبودية التي كانت في الطور السابق قد ظهرت للتو و حسب و كانت تتسم بطابع عرضي، تصبح الآن جزءاً مكوناً جوهرياً من النظام الاجتماعي. و لم يبق العبيد مجرد معاونين، بل شرعوا يسوقونهم بالعشرات إلى العمل في الحقول و في المشاغل. و مع انقسام الإنتاج إلى فرعين رئيسيين كبيرين، هما الزراعة و الحرفة، يظهر الإنتاج من أجل التبادل مباشرة، أي الإنتاج البضاعي، و معه تظهر التجارة، لا داخل القبيلة و على حدودها و حسب، بل أيضاً مع البلدان الواقعة ما وراء البحار، و لكن كل هذا بشكل لا يزل بعد بدائياً. و أخذت المعادن الثمينة تصبح البضاعة المهيمنة و الشاملة أي النقود، و لكنهم لم يشرعوا بعد بسك هذه النقود، بل كانوا يكتفون بتبادلها حسب وزنها.



و إلى جانب الفرق بين الأحرار و العبيد، يظهر الفرق بين الأغنياء و الفقراء، فالتقسيم الجديد للعمل يرافقه انقسام جديد للمجتمع إلى طبقات. و فوارق الملكية بين مختلف رؤساء العائلات تفجر المشاعة البيتية الشيوعية القديمة حيثما ظلت قائمة، و مع هذه المشاعة تزول حراثة الأرض بصورة مشتركة بوسائلها. و توضع الأراضي الصالحة للزراعة تحت تصرف العائلات الفردية لكي تستغلها، أولا لفترة من الوقت، و فيما بعد إلى الأبد. إن انتقال هذه الأراضي إلى الملكية الخاصة الكاملة يتحقق تدريجياً و في آن واحد مع الانتقال من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. و تصبح العائلة الفردية الوحدة الاقتصادية في المجتمع.



إن تزايد كثافة السكان يجبر على المزيد من التلاحم سواء في الداخل أو في وجه العالم الخارجي. و في كل مكان، يغدو اتحاد القبائل التي تجمع بينها رابطة القربى أمراً ضرورياً لا غنى عنه، و سرعان ما يغدو من الضروري أيضاً اندماجها فيما بينها و بالتالي دمج مختلف أراضيها القبلية في أرض واحدة مشتركة للشعب بأسره. و يغدو زعيم الشعب العسكري-rex,basileus,thiudans (الركس، الباسيليوس، الثيودانس) موظفاً ضرورياً، دائماً. و تظهر الجمعية الشعبية حيث لم يكن لها وجود بعد. القائد العسكري، المجلس، الجمعية الشعبية،-تلك هي هيئات المجتمع العشائري الذي تطور و صار ديموقرايطة عسكرية. عسكرية لأن الحرب و التنظيم لأجل الحرب أصبحا الآن وظيفتين دائمتين منتظمتين في حياة الشعب. و ثروات الجيران تثير الجشع و الطمع عند الشعوب التي يبدو أن الحصول على الثروات غدا واحداً من أهم أهدافها في الحياة. إنها بربرية: فالنهب يبدو لها أسهل و حتى أشرف من العمل البنّاء. و الحرب التي كانوا لا يخوضون غمارها من قبل إلا لأجل الثار من الاعتداءات، أو لأجل توسيع رقعة الأراضي التي لم تعد تكفي، إنما يخوضون غمارها الآن مع أجل النهب و حسب، و تصبح حرفة دائمة. و ليس عبثاً ترتفع الأسوار الرهيبة حول المدن المحصنة الجديدة، ففي خنادقها يفتح مدفن النظام العشائري شدقيه، و أبراجها تتطاول نحو الحضارة. و الأمر نفسه يحدث في داخل المجتمع. فإن حروب النهب تعزز سلطة القائد العسكري الأعلى و كذلك سلطة القادة العسكريين الخاضعين له. و انتخاب أسلافهم بحكم العادة من العائلات ذاتها يغدو شيئاً فشيئاً، و لا سيما منذ توطد الحق الأبوي، سلطة وراثية و توضع أسس السلطة الملكية الوراثية و أسس الأريستقراطية الوراثية. و هكذا تنفصل هيئات النظام العشائري تدريجياً عن جذورها في الشعب، في العشيرة، في الفراترية، في القبيلة، و يتحول النظام العشاري كله إلى نقيضه: فمن تنظيم للقبائل لأجل تصريف شؤونها بحرية يتحول إلى تنظيم لأجل نهب الجيران و اضطهادهم، و تبعاً لذلك تتحول هيئاته من أدوات لإدارة الشعب إلى هيئات مستقلة للسيطرة و الاستبداد موجهة ضد شعبها بالذات. و لكنه لم يكن من الممكن أن يحدث هذا يوماً لو لم يفرق الطمع الشديد بالثروة أعضاء العشيرة إلى أغنياء و فقراء، لو "لم تحول فوارق الملكية داخل العشيرة الواحدة وحدة المصالح إلى تناحر بين أعضاء العشيرة"(ماركس)(160)، و لو لم يكن قد بدأ انتشار العبودية يحمل على اعتبار تحصيل أسباب العيش بالعمل الشخصي أمراً جديراً بالعبد و حسب، و أشد خزياً من النهب.



***



وصلنا الآن إلى عتبة الحضارة. و هي تنفتح بخطوة جديدة إلى الأمام في تقسيم العمل. ففي الطور الأدنى، كان الناس لا ينتجون إلا من أجل تلبية حاجاتهم الشخصية مباشرة. و كانت عمليات التبادل نادرة جداً، و لم تكن تشمل غير الفوائض المتبقية صدفة. و في الطور الأوسط من البربرية، نجد أن الماشية صارت، عند شعوب الرعاة، ملكية تعطي بانتظام فائضاً على الحاجات الشخصية إذا ما كبر القطيع نوعاً، و في الوقت نفسه نجد كذلك تقسيم العمل بين شعوب الرعاة و القبائل المتخلفة التي لا تملك قطيعاً، و نجد بالتالي طورين مختلفين من الإنتاج جنباً إلى جنب، و هذا يعني توفر الظروف و الشروط لأجل التبادل المنتظم. و في الطور الأعلى من البربرية، يجري تقسيم جديد للعمل بين الزراعة و الحرفة، و يجري بالتالي إنتاج قسم متزايد أبداً من منتوجات العمل لأجل التبادل مباشرة، و يحدث بالتالي أيضاً تحويل التبادل بين مختلف المنتجين إلى ضرورة حيوية بالنسبة للمجتمع. و توطد الحضارة و تعزز جميع أشكال تقسيم العمل هذه التي نشأت قبلها، و لا سيما بتشديد حدة التضاد بين المدينة و القرية (مع العلم أن من الممكن أن تسود المدينة اقتصادياً على القرية، كما كان الحال في الأزمنة القديمة، أو أن تسود القرية على المدنية، كما كان الحال في القرون الوسطى)، و تضيف عليها تقسيماً ثالثاً للعمل تختص به وحدها و يتسم بأهمية حاسمة: فهي تخلق طبقة لا تتعاطى الإنتاج، بل مبادلة البضائع فقط، هي طبقة التجار. حتى ذاك، كانت أسباب نشوء الطبقات ترتبط بوجه الحصر بالإنتاج، و قد أدت إلى تقسيم الناس المشتركين في الإنتاج إلى قادة و منفذين، أو أيضاً إلى منتجين على نطاق كبير و صغير. و هنا تبرز للمرة الأولى طبقة لا تشترك بأي قسط في الإنتاج و لكنها تأخذ في يدها كلياً أمر قيادته و تخضع لنفسها اقتصادياً المنتجين، و تصبح وسيطاً لا غنى عنه بين كل اثنين من المنتجين و تستثمر الاثنين معاً. و بذريعة تجنيب المنتجين ما يلازم التبادل من جهد و مجازفة، و بذريعة توسيع تصريف منتوجاتهم في أبعد الأسواق، و إنشاء طبقة بالتالي يزعم أنها أنفع طبقات السكان، تتكون طبقة من الطفيليين، طبقة من الكسالى الاجتماعيين الحقيقيين تأخذ القشطة من الإنتاج الوطني و الأجنبي على السواء، مكافأة على خدماتها التافهة جداً في الواقع، و تجني بسرعة الثروات الطائلة و ما يرافقها من نفوذ في المجتمع، و لهذا على وجه الضبط تحتل في عصر الحضارة مركزاً مشرفاً يتعاظم شأنه باستمرار و تخضع لنفسها أكثر فأكثر الإنتاج، إلى أن تصنع بنفسها في آخر المطاف منتوجاً خاصاً بها، و نعني به الأزمات التجارية الدورية.



صحيح أن طبقة التجار الناشئة في درجة التطور التي نتناولها بالبحث لا تخطر في بالها بعد أي فكرة عن القضايا الكبيرة التي ستقوم بها. و لكنها تتكون و تغدو ضرورية، و هذا يكفي. و معها تظهر النقود المعدنية، النقود المسكوكة، و مع النقود المعدنية وسيلة جديدة لسيطرة غير المنتجين على المنتجين و إنتاجهم. لقد اكتشفت بضاعة البائع، البضاعة التي تنطوي سراً و خفية على جميع البضائع الأخرى، الطلسم الذي يستطيع حسب الطلب أن يتحول إلى أي شيء كان، مرغوب بيه و تمكن الرغبة فيه. و من يملكه، ساد على عالم الإنتاج. و من ذا الذي كان يملكه أكثر من أي آخر؟ التاجر. و في يده، كانت عبادة النقود في حرز حريز. و قد أخذ على عاتقه أن يبين أمام الملأ أنه ينبغي على جميع البضائع و كذلك على جميع منتجيها أن تخر ساجدة في التراب أمام النقود. و قدم البرهان في الواقع على أن جميع الأشكال الأخرى للثروة ليست غير ظلال تجاه هذا التجسيد للثروة بوصفها ثروة. إن سلطان النقود لم يتجل يوماً فيما بعد بمثل هذا الشكل البدائي من الخشونة و الفظاظة و القساوة الذي تجلى به في عهد شبابها. و بعد شراء البضائع مقابل النقود، ظهر قرض النقود و ظهرت معه الفائدة المئوية و الربا. و ما من تشريع من العهود اللاحقة قذف بالمدين أمام أقدام الدائن المرابي بمثل القساوة و الفظاعة اللتين نص عليهما التشريع في أثينا القديمة و روما القديمة، و الحال، نشأ هذا التشريع في أثينا و في روما بصورة عفوية، من باب العرف و العادة، و بحكم الضرورة الاقتصادية بوجه الحصر.



و إلى جانب الثروة من البضائع و العبيد، و إلى جانب الثروة النقدية، ظهرت كذلك الثروة العقارية. فإن حق الأفراد في امتلاك قطع الأرض التي وضعتها العشيرة أو القبيلة في البدء تحت تصرفهم قد ترسخ الآن إلى حد أن هذه القطع أخذت تخصهم كملك وراثي. ذلك أنهم في الآونة الأخيرة بذلوا قصارى جهدهم لأجل تحرير قطع الأرض من الحقوق التي كانت للمشاعة العشيرية عليها و التي أمست عوائق بالنسبة لهم. و قد تحرروا من هذه العوائق و لكنهم سرعان ما تحرروا أيضاً من ملكيتهم العقارية الجديدة. فإن الملكية الكاملة و الحرة للأرض لا تعني إمكانية امتلاكها بلا عائق و بلا قيد و حسب، بل تعني أيضاً إمكانية التنازل عنها. و عندما كانت الأرض ملك العشيرة، فإن هذه الإمكانية لم تكن متوفرة. و لكن عندما خلع مالك الأرض الجديد نهائياً عوائق الملكية العليا للعشيرة و القبيلة، فإنه فصم أيضاً العرى التي كانت تربطه بالأرض ربطاً محكماً. أما ما كان يعنيه ذلك، فقد أوضحته له النقود التي تم اختراعها في آن واحد مع الملكية الخاصة للأرض. فمن الآن و صاعداً، صار من الممكن أن تغدو الأرض بضاعة تباع و ترهن. و ما كادت تقوم ملكية الأرض حتى تم اختراع الرهن العقاري أيضاً (انظروا إلى أثينا). و كما أن الهيتيرية و البغاء يقتفيان أثر أحادية الزواج، كذلك يقتفي الرهن العقاري من الآن و صاعداً أثر الملكية العقارية بدأب و مثابرة. لقد أردتم ملكية الأرض حرة كاملة، يمكن التنازل عنها، فخذوها إذن، إنها أمامكم و لكم: tu l`as voulu, George Dandin!*[2].



و هكذا إذن، مع توسع التجارة، و مع النقود و الربا، و مع الملكية العقارية و الرهن العقاري، حدث بسرعة انحصار و تمركز الثروات في أيدي طبقة فليلة العدد، كما اشتد في الوقت نفسه إملاق الجماهير و تزايد عدد الفقراء. و لقد أزاحت الأريستقراطية الجديدة، أريستقراطية الثروة، إلى المؤخرة نهائاً الأريستقراطية العشيرية القديمة (في أثينا، و في روما، و عند الجرمان)، هذا إذا كان لم توافقها منذ البدء. و إلى جانب تقسيم الأحرار هذا إلى طبقات وفقاً للثروة، ازداد عدد العبيد زيادة هائلة*[3]، و لا سيما في اليونان، إذ كان عملهم القسري يشكل الأساس الذي انتصب عليه البناء الفوقي للمجتمع بأسره.



لنر الآن ما حدث للنظام العشائري في سياق هذا الانقلاب الاجتماعي. فقد كان عاجزاً تجاه العناصر الجديدة التي نشأت و تطورت بدون مشاركته. فقد كان الشرط الأولي لوجوده، أن يعيش أعضاء عشيرة واحدة أو حتى قبيلة واحدة معاً في ارض واحدة، أن يسكنوها وحدهم بوجه الحصر. و قد زال هذا الوضع من زمان بعيد. ففي كل مكان تخالطت العشائر و القبائل، و في كل مكان كان العبيد و الموالي و الأجانب يعيشون بين الأحرار. إن ثبات الإقامة الذي لم يتحقق إلا في أواخر الطور الأوسط من البربرية، كانت تنتهكه أحياناً كثيرة التغيرات التي تطرأ في تركيب السكان و في محلات السكن بسبب النشاط التجاري، و تغيير وجوه العمل، و التنازل عن ملكية الأرض. و لم يعد بمقدور أعضاء العشيرة أن يجتمعوا لبحث شؤونهم المشتركة بالذات، إلا بعض الشؤون التافهة، مثل الطقوس الدينية، ظلت تُدبَّر بصورة مشتركة، كيفما اتفق. و إلى جانب الحاجات و المصالح التي كانت الوحدات العشيرية مدعوة إلى تأمينها و مكيفة لهذا الغرض، أدى الانقلاب في شروط الإنتاج و التغييرات التي استتبعها في التركيب الاجتماعي إلى نشوء حاجات و مصالح جديدة ليست غريبة عن النظام العشائري القديم و حسب، بل أيضاً مضادة له ف٪ جميع الميادين. إن مصالح الجماعات الحرفية التي نشأت بفضل تقسيم العمل، و الحاجات الخاصة بالمدينة على نقيض القرية، كانت تقتضي هيئات جديدة، و لكن كلاً من هذه الجماعات كانت تتألف من أعضاء من مختلف العشائر و الفراتريات و القبائل، بل أنها كانت تضم أجانب أيضاً. و لهذا كان لا بدّ لهذه الهيئات أن تنبثق خارج النظام العشائري، إلى جانبه، و كذلك ضده.- وفي كل وحدة عشيرية، كان هذا الاصطدام بين المصالح يبرز بدوره، و قد بلغ ذروة حدته حيث كان ينبغي أن يكون الأغنياء و الفقراء، الدائنون و المدينون متحدين في العشيرة نفسها و في القبيلة نفسها.-أضف إلى ذلك جمهرة السكان الجدد، الغرباء عن الوحدات العشيرية، و قد كان بوسع هذه الجمهرة أن تصبح قوة في البلد كما كان الحل في روما، ناهيك بأنها كانت كثيرة العدد بحيث أنه لم يكن بمقدورها أن تندمج شيئاً فشيئاً في العشائر و القبائل القائمة على أساس قرابة الدم. و تجاه هذه الجمهرة، انتصبت الوحدات العشيرية كهيئات مغلقة ذات امتيازات. فإن الديموقراطية البدائية و العفوية كانت قد تحولت إلى أريستقراطية مكروهة.- و أخيراً كان النظام العشائري قد انبثق من مجتمع لا يعرف أي متضادات داخلية، و كان مكيفاً، لهذا المجتمع وحده. و لم يكن لديه أي وسيلة للقسر غير الرأي العام. أما هنا، فقد انبثق مجتمع كان لا بدّ له ، بحكم جميع ظروف حياته الاقتصادية، أن ينقسم إلى أحرار و عبيد، إلى مستثمِرين أغنياء و مستثمَرين فقراء،-مجتمع لم يكن بوسعه أن يوفق من جديد بين هذه المتضادات، و ليس هذا و حسب، بل كان لا بدّ له أيضاً أن يؤزمها أكثر فأكثر. و هذا المجتمع لم يكن من الممكن أن يعيش إلا في غمرة صراع سافر لا انقطاع فيه بين هذه الطبقات، أو تحت سيطرة قوة ثالثة تقف في الظاهر فوق الطبقات المتصارعة و تقمع اصطداماتها السافرة و تجيز الصراع الطبقي، إذا جازته في الميدان الاقتصادي وحده، و بصورة يقال بأنها شرعية. لقد عاش النظام العشيري دهره. فقد حطمه تقسيم العمل و نتيجته، انقسام المجتمع إلى طبقات. و محله حلت الدولة.



***



لقد درسنا أعلاه بالتفصيل الأشكال الرئيسية الثلاثة التي تنتصب بها الدولة على أنقاض النظام العشيري. إن أثينا هي الشكل الأنقى، الكلاسيكي الصرف: فالدولة هنا تنبثق مباشرة و على الأغلب من المتضادات الطبقية المتطورة داخل المجتمع العشيري نفسه. و في روما يتحول المجتمع العشيري إلى أريستقراطية مغلقة تحيط بها طبقة plébs العوام الكثيرة العدد، القائمة خارج هذا المجتمع، المحرومة من الحقوق، و لكن المحمَّلة بالواجبات، و انتصار طبقة العوام يقوض النظام العشيري القديم، و على أنقاضه يشيد الدولة التي سرعان ما تذوب فيها تماماً الأريستقراطية العشيرية و طبقة العوام على السواء. و أخيراً تنبثق الدولة عند الجرمان الذين انتصروا على الإمبراطورية الرومانية، كنتيجة مباشرة لفتح مناطق شاسعة من أراضي الغير، لا يوفر النظام العشيري أي وسيلة للسيطرة عليها. و لكن بما أن هذا الفتح لا يرتبط بأي نضال جدي ضد السكان السابقين و لا بتقسيم للعمل أكثر رقياً، و بما أن مستوى التطور الاقتصادي واحداً تقريباً عند الشعوب المغلوبة و الغالبة، و بما أن الأساس الاقتصادي للمجتمع يبقى بالتالي هو هو، فإن النظام العشيري السابق يستطيع أن يبقى و يستمر خلال قرون بكاملها، بشكل معدل، إقليمي، في نظام العشائر النبيلة و العائلات الباتريسية (الأريستقراطية) اللاحقة، و حتى في العشائر الفلاحية، كما كان الحال مثلاً في ديتمارشن*[4].



و هكذا، ليست الدولة بحال قوة مفروضة على المجتمع من خارجه. و الدولة ليست كذلك "واقع الفكرة الأخلاقية"، "صورة و واقع العقل"، كما يدعي هيغل (162). الدولة هي نتاج المجمع عند درجة معينة من تطوره، الدولة هي إفصاح عن واقع أن هذا المجتمع قد وقع في تناقض مع ذاته لا يمكنه حله، عن واقع أن هذا المجتمع قد انقسم إلى متضادات مستعصية هو عاجز عن الخلاص منها. و لكي لا تقوم هذه المتضادات، هذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتنافرة، بالتهام بعضها بعضاً و المجتمع في نضال عقيم، لهذا اقتضى الأمر قوة تقف في الظاهر فوق المجتمع، قوة تلطف الاصطدام و تبقيه ضمن حدود "النظام". إن هذه القوة المنبثقة من المجتمع و التي تضع نفسها، مع ذلك، فوقه و تنفصل عنه أكثر فأكثر هي الدولة.



و بالمقارنة مع التنظيم العشائري القديم، تتميز الدولة أولاً بتقسيم رعايا الدولة بموجب تقسيم الأراضي. فإن الوحدات العشائرية القديمة، التي انبثقت و استمرت بفضل روابط الدم، لم تعد تكفي، كما سبق و رأينا، و ذلك بدرجة كبيرة لأن شرط وجودها، و هو ارتباط أعضاء العشيرة برقعة معينة من الأرض، قد زال من زمان بعيد. لقد بقيت رقعة الأرض، و لكن الناس صاروا يتنقلون. و لهذا اتخذ تقسيم الأراضي أي التقسيم الإقليمي، نقطة انطلاق، و أتيح المجال أمام المواطنين لممارسة حقوقهم و واجباتهم العامة حيث يقيمون بصرف النظر عن العشيرة و القبيلة. إن تنظيم المواطنين هذا حسب مكان الإقامة معمول به في جميع الدول. و لهذا يبدو لنا طبيعياً. و لكننا رأينا أي نضال عنيد و مديد تطلب قبل أن يتمكن من الحلول في أثينا و روما محل التنظيم القديم حسب العشائر.



و السمة المميزة الثانية هي تأسيس السلطة العامة التي لم تعد تنسجم مباشرة مع السكان المنظمين أنفسهم بأنفسم في قوة مسلحة. و هذه السلطة العامة المميزة ضرورية لأن منظمة السكان المسلحة العاملة من نفسها قد غدت أمراً مستحيلاً منذ انقسام المجتمع إلى طبقات. إن العبيد يشكلون هم أيضاً جزءً من السكان. و تجاه 365000 عبد، لا يؤلف مواطنوا أثينا الـ 90000 غير طبقة ذات امتيازات. و الجيش الشعبي في الديموقراطية الأثينية كان سلطة عامة أريستقراطية موجهة ضد العبيد، و كان يعمل على ضمان طاعتهم و خضوعهم. و لكنه تبين، كما سبق و قلنا أعلاه، أنه لا بدّ من درك لأجل ضمان طاعة و خضوع المواطنين أيضاً. و توجد هذه السلطة العامة في كل دولة. و هي لا تتألف فقط من رجال مسلحين، بل كذلك من ملاحق مادية، من السجون و مختلف مؤسسات القسر التي كانت مجهولة في المجتمع المنظم على أساس العشائر. و قد تكون هذه السلطة العامة تافهة جداً، و غير ملحوظة تقريباً في المجتمعات التي لم تتطور فيها بعد المتضادات الطبقية و في المناطق النائية، كما يلاحظ ذلك أحياناً هنا و هناك في الولايات المتحدة الأميركية. و تتقوى السلطة العامة بمقدار ما تتفاقم التناقضات الطبقية في داخل الدولة و بمقدار ما تزداد الدول المتلاصقة مساحةً و سكاناً. انظروا على الأقل إلى أوروبا الراهنة حيث رفع النضال الطبقي و التنافس على الفتوحات السلطة العامة إلى مستوى غدت معه تهدد بابتلاع المجتمع برمته بما فيه الدولة نفسها.



و لأجل تمويل هذه السلطة العامة، لا بد من مساهمة المواطنين، أي لا بدّ من الضرائب. لقد كان المجتمع العشائري يجهل كلياً الضرائب. و لكننا نعرفها الآن جيداً جداً. بل أنها لم تعد تكفي، نظراً لتطور الحضارة. فإن الدولة تصدر السندات على المستقبل، و تعقد القروض، أي ديون الدولة. و في هذا المجال، تعرف أوروبا العجوز الكثير.



إن الموظفين، إذ يتمتعون بالسلطة العامة و بحق جباية الضرائب باعتبارهم هيئات المجتمع، يصبحون فوق المجتمع. فالاحترام الطوعي الاختياري الذي كان يمحض لهيئات مجتمع العشائر لم يعد يكفيهم حتى فيما لو كان باستطاعتهم اكتسابه. فهم إذ يملكون سلطة تغدو غريبة عن المجتمع، إنما يتعين عليهم أن يسعوا إلى نيل الاحترام لأنفسهم بقوانين استثنائية يتمتعون بفضلها بقداسة خاصة و حصانة خاصة. فلأحقر شرطي في الدولة المتمدنة "سلطان" يفوق سلطان جميع هيئات المجمع العشائري معاً، و لكن بوسع أقوى ملك و أكبر رجل دولة أو قائد عسكري من عصر الحضارة أن يغبطوا أبسط شيخ عشيرة على ما يلقاه من احترام أكيد لم يفرض بالعصا. فإن شيخ العشيرة هو في قلب المجتمع بينا الأولون مضطرون إلى بذل الجهود لكي يمثلوا شيئاً خارجه و فوقه.



و بما أن الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم تضاد الطبقات، و بما أنها قد نشأت في الوقت نفسه ضمن الاصطدامات يبن هذه الطبقات، فهي كقاعدة عامة دولة الطبقة الأقوى السائدة اقتصادياً و التي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسياً أيضاً و تكتسب على هذه الصورة وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة و استثمارها. فإن الدولة القديمة كانت، قبل كل شيء، دولة مالكي العبيد لقمع العبيد، الدولة الإقطاعية هيئة النبلاء لقمع الفلاحين التابعين و الأقنان، كذلك الدولة التمثيلية الحديثة هي أداة لاستثمار العمل المأجور من قبل رأس المال. و مع ذلك فثمة، كحالات استثنائية، مراحل تبلغ فيها الطبقات المتناضلة درجة من توازن القوى تنال معها سلطة الدولة لفترة معينة نوعاً من الاستقلال حيال الطبقتين، مظهر وسيط بينهما. هكذا كان الحكم الملكي المطلق في القرنين السابع و الثامن عشر، إذ كان يحافظ على التوازن بين النبلاء و البرجوازية في النضال القائم بينهما، و هكذا كانت البونابرتية في الإمبراطورية الأولى و لا سيما في الإمبراطورية الثانية في فرنسا، إذ كانت تحرض البروليتاري على البرجوازية و البرجوازية على البروليتاريا. و احدث إنجاز في هذا المضمار يبدو معه الحاكمون و المحكومون بشكل مضحك بالقدر نفسه، إنما هو الإمبراطورية الألمانية الجديدة ذات الأمة البسماركية: فهنا يحافظ على التوازن بين الرأسماليين و العمال، المتضادين فيا بينهم، و جميعهم يتعرضون بالقدر نفسه للغش و الخداع لما فيه مصلحة اليونكر (الإقطاعيين) البروسيين النائين المفتقرين.



و علاوة على ذلك، تقاس الحقوق الممنوحة للمواطنين في أغلبية الدول المعروفة في التاريخ بما يملكونه، و هذا ما يبين صراحة أن الدولة إنما هي منظمة الطبقة المالكة لأجل حمايتها من الطبقة غير المالكة. هكذا كان الحال في أثينا و روما حيث كان السكان مقسمين فئات فئات تبعاً لما يملكونه. و هكذا كان الحال في الدولة الإقطاعية في القرون الوسطى حيث كانت درجة النفوذ السياسي تقاس بمقاييس ملكية الأرض. و هذا ما يجد كذلك تعبيراً عنه في النصاب الانتخابي في الدول التمثيلية الحديثة. و لكن هذا الاعتراف السياسي بفوارق الملكية ليس جوهرياً على الإطلاق. بل بالعكس. فهو يميز الدرجة الدنيا من تطور الدولة. إن الشكل الأعلى للدولة، الجمهورية الديمقراطية، التي تصبح في ظروفنا الاجتماعية الراهنة ضرورة محتمة أكثر فأكثر و التي تمثل شكلاً للدولة لا يمكن إلا في ظله السير بالنضال الحاسم الأخير بين البروليتاريا و البورجوازية إلى النهاية،-إن هذه الجمهورية الديموقراطية لا تعرف رسمياً أي شيء عن الفوارق من حيث الثروة. ففيها تمارس الثروة سلطتها بصورة غير مباشرة و لكن بالشكل الأضمن: من جهة، عن طريق الرشوه المباشرة للموظفين، (و أميركا مثال كلاسيكي في هذا المجال)، و من جهة أخرى عن طريق التآلف بين الحكومة و البورصة الذي يتحقق بسهولة تزداد بقدر ما تتعاظم ديون الدولة و بقدر ما تركز الشركات المساهمة في أيديها، لا النقليات و حسب، بل أيضاً الإنتاج نفسه، و تجعل من البورصة ذاتها مركزاً لها. و عدا أميركا، تقدم الجمهورية الفرنسية الجديدة مثالاً ساطعاً على ذلك، بل أن سويسرا المتأدبة أسهمت بقسطها في هذا المجال. أما أن الجمهورية الديموقراطية ليست ضرورية أبداً لمثل هذا الاتحاد الأخوي بين الحكومة و البورصة، فهذا ما تثبته، فضلاً عن إنجلترا، الإمبراطورية الألمانية الجديدة حيث لا يمكن القول أياً من بيسمارك و بليخرودر رفعه حق الانتخاب العام أعلى من الآخر. و أخيراً، تسيطر الطبقة المالكة مباشرة بواسطة حق الانتخاب العام. و ما دامت الطبقة المظلومة،- و هي هنا بالتالي البروليتاريا،- لم تنضج لأجل تحرير نفسها بنفسها، فإنها ستعترف بأغلبيتها بالنظام الاجتماعي القائم، النظام الممكن الوحيد و تسير سياسياً في ذيل طبقة الرأسماليين و تشكل جناحها اليساري المتطرف. و لكنها بقدر ما تنضج لأجل تحرير نفسها بنفسها، تنتظم في حزب خاص بها و تنتخب ممثلين عنها بالذات، لا ممثلي الرأسماليين. إن حق الانتخاب العام هو دليل نضج الطبقة العاملة. و لا يمكنه قط أن يكون و لن يكون أكثر من ذلك في الدولة الراهنة. و لكن هذا يكفي. و يوم يشير ميزان حرارة حق الانتخاب العام إلى درجة الغليان عند العمال، فإنهم، مثلهم مثل الرأسماليين، سيعرفون ما يفعلونه.



و هكذا فالدولة لم توجد منذ الأزل. فقد وجدت مجتمعات كانت في غنى عن الدولة و لم يكن لديها أية فكرة عن الدولة و سلطة الدولة. و عندما بلغ التطور الاقتصادي درجة معينة اقترنت بالضرورة بانقسام المجتمع إلى طبقات، غدت الدولة بحكم هذا الانقسام أمراً ضرورياً. و نحن نقترب الآن بخطوات سريعة من درجة في تطور الإنتاج لا يكف عندها وجود هذه الطبقات عن أن يكون ضرورة و حسب، بل و يصبح عائقاً مباشراً للإنتاج. و ستزول الطبقات بالضرورة كما نشأت في الماضي بالضرورة. و مع زوال الطبقات ستزول الدولة بالضرورة: و المجتمع الذي ينظم الإنتاج تنظيماً جديداً على أساس اتحاد المنتجين بحرية و على قدم المساواة، سيرسل آلة الدولة بأكملها حيث ينبغي أن تكون حينذاك: إلى متحف العاديات بجانب المغزل البدائي و الفأس البرونزية.



***



إن الحضارة، حسبما عرضناه آنفاً، هي إذن تلك الدرجة من تطور المجتمع التي يبلغ فيها تقسيم العمل، و التبادل الناجم عنه بين الأفراد، و الإنتاج البضاعي الذي يجمع هاتين الظاهرتين، الازدهار التام، و تؤدي فيها هذه العوامل الثلاثة إلى انقلاب في عموم المجتمع السابق.



في جميع درجات تطور المجتمع السابقة، كان الإنتاج، من حيث الجوهر، جماعياً، كما أن الاستهلاك كان يقتصر على توزيع المنتجات مباشرة داخل الجماعات الشيوعية، المتفاوتة الحجم. و كانت جماعية الإنتاج هذه تقوم ضمن أضيق الإطارات، و لكنها استتبعت سيادة المنتجين على عملية الإنتاج و على حاصل الإنتاج. و هم يعرفون ما يحدث للمنتوج: إنهم يستهلكونه، و هو لا يخرج من أيديهم، و ما دام الإنتاج يجري على هذا الأساس، فلا يسعه أن يتخطى رقابة المنتجين، لا يسعه أن يولِّد قوى سرية، غريبة عنهم، كما هو الحال دائماً و بلا مرد في عصر الحضارة.



و لكن تقسيم العمل يتغلغل ببطء في عملية الإنتاج هذه، و ينسف جماعية الإنتاج و الامتلاك، و يجعل من امتلاك الأفراد قاعدة مهيمنة، و يولّد بالتالي التبادل بين الأفراد،-و لقد درسنا أعلاه كيف يحدث هذا. إن الإنتاج البضاعي يغدو تدريجياً الشكل السائد.



و في ظل الإنتاج البضاعي، أي الإنتاج من أجل التبادل لا من أجل الاستهلاك الشخصي كما من قبل، تنتقل المنتوجات بالضرورة من يد إلى يد. و عند التبادل، يتنازل المنتج عن منتوجه. و هو لا يعرف ماذا سيحل بمنتوجه. و ما أن تظهر النقود و تقوم بدور الوسيط بين المنتجين، و ما أن يظهر الأجر مع ظهور النقود، حتى تغدو عملية التبادل أكثر تشوشاً، و يمسي مصير المنتوجات النهائي أشد غموضاً. فالتجار كثيرون، و ما من أحد منهم يعرف ما يفعله الآخرون. و من الآن و صاعداً تنتقل البضائع، لا من يد إلى يد و حسب، بل أيضاً من سوق إلى سوق. لقد فقد المنتجون سلطانهم على كل إنتاج ظروف حياتهم بالذات، و لكن هذا السلطان لم ينتقل إلى التجار. إن المنتوجات و الإنتاج تخضع لسلطان الصدفة.



و لكن الصدفة ليست غير أحد قطبي كل واحد يسمى قطبه الثاني يسمي قطبه الثاني الضرورة. و في الطبيعة حث يبدو أيضاً كأن الصدفة هي السائدة، أثبتنا من زمان بعيد، في كل ميدان بمفرده، وجود ضرورة داخلية و قانون ملازم يشقان لنفسيهما طريقاً في إطار هذه الصدفة. و لكن ما يسري مفعوله بالنسبة للطبيعة، يسري كذلك مفعوله بالنسبة للمجتمع. و بقدر ما يفلت نشاط اجتماعي ما، عدد كامل من الوقائع الاجتماعية من مراقبة الناس الواعية و يخرج من تحت سلطانهم، و بقدر ما يبدو هذا النشاط متروكاً للصدفة الصرف، بقدر ما تشق القوانين الداخلية الملازمة له لنفسها طريقاً في إطار هذه الصدفة بحكم الضرورة الطبيعية. و أمثال هذه القوانين تسيطر أيضاً على المصادفات في إنتاج البضائع و تبادل البضائع: فهي تنتصب في وجه المنتج الفرد و المشترك الفرد في التبادل أشبه بقوى غريبة غير مفهومة في البدء، و لا يزال ينبغي تمحيص و معرفة طبيعتها. إن قوانين الإنتاج البضاعي الاقتصادية هذه تتغير في مختلف درجات تطور هذا الشكل من أشكال الإنتاج، و لكن مرحلة الحضارة تجري كلها بالإجمال تحت سيطرتها. و في أيامنا أيضاً، يسيطر المنتوج على المنتج، و في أيامنا أيضاً، يضبط الإنتاج الاجتماعي كله، لا حسب خطة موضوعة بصورة مشتركة، بل بفعل قوانين عمياء تفرض نفسها كقوة عفوية، في آخر المطاف، و ذلك في عواصف الأزمات التجارية الدورية.



لقد رأينا أن قوة عمل الإنسان في درجة باكرة نسبياً من تطور الإنتاج تغدو قادرة على إعطاء كمية من المنتوجات تزيد بصورة ملحوظة عما هو ضروري لعيش المنتج، و إن هذه الدرجة من التطور إنما هي أساساً نفس الدرجة التي يظهر فيها تقسيم العمل و التبادل بين الأفراد. و قد تطلب الأمر الآن القليل من الوقت لاكتشاف هذه "الحقيقة" الكبرى القائلة إن الإنسان أيضاً يمكن أن يكون بضاعة، و أنه يمكن مبادلة و استهلاك قوة الإنسان، إذا تم تحويل الإنسان إلى عبد. و ما كاد الناس يشرعون في ممارسة التبادل حتى غدوا هم بالذات سلعة للتبادل. لقد تحول المعلوم إلى مجهول، سواء شاء الناس أم أبوا.



و مع ظهور العبودية التي بلغت في عصر الحضارة أعلى درجات تطورها، حدث أول انقسام كبير في المجتمع إلى طبقة مستثمِرة و طبقة مستثمَرة. و قد دام هذا الانقسام خلال كل مرحلة الحضارة. إن العبودية هي الشكل الأول للاستثمار، الشكل الملازم للعالم القديم، و أثرها جاءت: القنانة في القرون الوسطى، و العمل المأجور في الأزمنة الحديثة. هذه هي أشكال الاستعباد الكبرى الثلاثة التي تتميز بها عهود الحضارة الكبرى الثلاثة، إن العبودية السافرة في البدء، و المموهة منذ أمد قصير، ترافق دائماً الحضارة.



إن درجة الإنتاج البضاعي التي تبدأ منها الحضارة تتصف اقتصادياً بظهور:



1. النقود المعدنية، و معها الرأسمال النقدي و الفائدة المئوية و الربا.



2. التجار كطبقة وسيطة بين المنتجين.



3. الملكية الخاصة للأرض والرهن العقاري.



4. عمل العبيد بوصفه الشكل السائد بين أشكال الإنتاج.



إن شكل العائلة الجديد الذي يناسب الحضارة و الذي يؤكد سيادته معها نهائياً هو الزواج الأحادي، سيادة الرجل على المرأة، و العائلة الفردية بوصفها وحدة اقتصادية في المجتمع. إن قوة الوصل في المجتمع المتحضر إنما هي الدولة التي هي في جميع المراحل النموذجية دولة الطبقة السائدة وحدها دون غيرها، و التي تبقى في جميع الأحوال، من حيث جوهر الأمر، آلة لقمع الطبقة المستثمَرة، المظلومة. كذلك تتميز الحضارة بما يلي: من جهة، توطيد التضاد بين المدينة و القرية، بوصفه أساس كل التقسيم الاجتماعي للعمل، و من جهة أخرى، إدخال الوصية التي يستطيع بها المالك أن يتصرف بملكيته حتى بعد موته. إن هذه المؤسسة التي تناقض النظام العشائري القديم كانت مجهولة في أثينا قبل سولون. أما في روما، فقد أصبحت سارية المفعول في طور أبكر، و لكننا لا نعرف بالضبط متى*[5]. و عند الجرمان، طبقها الكهنة لكي يستطيع الألماني الصالح أن يوصي بلا عائق بتركته للكنيسة.



إن الحضارة القائمة على هذه الدعائم قد حققت أموراً كان المجتمع العشيري القديم عاجزاً كلياً عن القيام بها. و لكنها حققتها بتحريك أحط غرائز الناس و شهواتهم، و إنمائها بما فيه ضر مؤهلاتهم الأخرى. فإن الجشع السافل كان القوة المحركة للحضارة منذ أول يوما حتى الآن، الثروة، و الثروة أيضاً، و الثروة دائماً، و لكن لا ثروة المجتمع، بل ثروة هذا الفرد الحقير المنفرد، و هدفه الوحيد، الحاسم. و إذا كان العلم قد تطور أكثر فأكثر في أحشاء هذا المجتمع و تكررت المراحل التي بلغ فيها الفن ذروة الازدهار، فذلك لسبب واحد فقط، هو أنه لولاهما لاستحالت جميع منجزات زمننا في ميدان تراكم الثروة.



و بما أن استثمار طبقة لطبقة أخرى هو أساس الحضارة، فإن كل تطورها يجري في غمار تناقض دائم. فإن كل خطوة إلى الأمام في مضمار الإنتاج تعني في الوقت نفسه خطوة إلى الوراء فيما يتعلق بأوضاع الطبقة المظلومة، أي الأغلبية الهائلة. و كل خير لبعضهم هو بالضرورة شر لبعضهم الآخر، و كل تحرر جديد لطبقة يعني اضطهاداً جديداً لطبقة أخرى. و أسطع مثال على هذا إنما هو استعمال الآلات الذي يعرف الجميع الآن عواقبه. و لئن كان من المتعذر أو يكاد عند البرابرة التمييز بين الحقوق و الواجبات، كما سبق و رأينا، فإن الحضارة تبين بوضوح، حتى للغبي المطلق، الفرق و التضاد بين الحقوق و الواجبات و ذلك بمنحها طبقة جميع الحقوق تقريباً و بإلقائها جميع الواجبات تقريباً على الطبقة الأخرى.



و لكنه لا ينبغي أن يكون ذلك. فما هو صالح للطبقة السائدة، إنما ينبغي أن يكون صالحاً أيضاً للمجتمع كله الذي تعتبر الطبقة السائدة أنه صورتها و مثالها. و لهذا، بقدر ما تسير الحضارة إلى أمام، بقدر ما تضطر إلى أن تغطي بأردية الحب الظاهرات السلبية التي تولدها بصورة محتمة لا مناص منها، و أن تطليها بالمساحيق أو أن تنكرها بصفاقة،- و بكلمة، أن تضع موضع التطبيق نفاقاً عاماً لم تعرفه لا أشكال المجتمع السابقة، و لا حتى الطوران الأولان من الحضارة، نفاقاً يبلغ في آخر المطاف ذروته في الزعم القائل أن الطبقة المستثمِرة لا تستثمر الطبقة المظلومة إلا في مصلحة الطبقة المستثمَرة وحدها، و إذا كانت هذه الأخيرة لا تفهم ذلك، و إذا ذهبت إلى حد التمرد، فإن سلوكها هذا أسوأ من جزاء سِنِّمار تجاه المحسنين إليها أي تجاه مستثمِريها*[6].



و ختاماً، إليكم رأي مورغان في الحضارة:



"منذ ظهور الحضارة، غدا نمو الثروة على درجة من الضخامة، و أشكالها على درجة من التنوع، و استعمالها على درجة من الاتساع، و إدارتها في مصلحة المالكين على درجة من المهارة، بحث أن هذه الثروة أصبحت قوة لا تقهر، تجاه الشعب. إن العقل البشري يقف حائراً قلقاً أمام صنيعته بالذات. و لكنه سيأتي مع ذلك زمن يبلغ فيه العقل البشري من القوة و القدرة ما يمكنه من السيطرة على الثروة، و يقرر فيه على السواء موقف الدولة من الملكية التي تحميها الدولة، و حدود حقوق المالكين. لا ريب أن مصالح المجتمع تعلو على مصالح الأفراد، و ينبغي إقامة علاقات عادلة و متناسقة بين هذه و تلك. إن مجرد السعي وراء الثروة ليس هدف البشرية النهائي إذا ظل التقدم قانون المستقبل كما كان قانون الماضي. إن الزمن الذي تصرم منذ فجر الحضارة إنما هو جزء تافه من الزمن الذي عاشته البشرية، جزء تافه من الزمن الذي ستعيشه. إن هلاك المجتمع ينتصب إمامنا مهدداً بوصفه خاتمة مرحلة تاريخية تشكل الثروة هدفها النهائي الوحيد، لأنه هذه المرحلة تنطوي على عناصر دمارها بالذات. إن الديموقراطية في الإدارة، و الإخاء في المجتمع، و المساواة في الحقوق، و التعليم العام، كل هذا سيقدس المرحلة التالية العليا من المجتمع التي يسعى إليها الاختبار و العقل و العلم على الدوام. و ستكون بمثابة انبعاث- و لكن بشكل أرقى- للحرية و المساواة و الإخاء في العشائر القديمة"(مورغان "المجتمع القديم")(164).



كتب بين أواخر آذار (مارس) و 26 أيار (مايو) عام 1884.



صدر في كتاب على حدة في زوريخ، عام 1884.



يصدر حسب نص الطبعة الألمانية الرابعة لعام 1891.



التوقيع: فريدريك إنجلس







الهوامش:


(159) "نشيد هيلديبراند". راجعوا الملاحظة رقم 139. في عام 1066 درات في هاستينغس رحى معركة بين قوات غليوم دوق نورمنديا التي اقتحمت انجلترا، و بين الأنجلو – ساكسونيين. كانت القوات الأنجلو-ساكسونية لا تزال تحتفظ في تنظيمها العسكري برواسب النظام المشاعي و كانت أسلحتها بدائية، فمنيت بالهزيمة، و قتل ملكها هارولد في المعركة. و أصبح غليوم ملك إنجلترا باسم غليوم الأول الفاتح.



(160) كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".



(161) ديتمارشن، مقاطعة في القسم الجنوبي الغربي من شليسفيغ – غولشتين الحالية. فيما مضى، سكنها الساكسون، في القرن الثامن استولى عليها شارلمان الكبير، فيما بعد، صارت في ملكية مختلف الإقطاعيين الدينيين و الدنيويين. منذ أواسط القرن الثاني عشر، أخذ سكان ديتمارشن الذين كانت الهيمنة بينهم للفلاحين الأحرار، ينالون الاستقلال تدريجياً، ثم تمتعوا عملياً بالاستقلال منذ مستهل القرن الثالث عشر حتى أواسط القرن السادس عشر صادين بنجاح المحاولات التي قام بها ملوك الدانمارك و دوقات غولشتين غير مرة لإخضاح هذه المنطقة. و سار التطور الاجتماعي في ديتمارشن بنحو أصيل جداً: فإن طبقة النبلاء المحلية القديمة قد زالت عملياً نحو القرن الثالث عشر، و في مرحلة الاستقلال، كانت ديتمارشن عبارة عن مجموع من المشاعات الفلاحية ذات الحكم الذاتي أساسها في كثير من الحالات العشائر الفلاحية القديمة. حتى القرن الرابع عشر، كانت السلطة العليا في ديتمارشن تعود إلى جمعية جميع ملاكي الأراضي الأحرار ، ثم انتقلت إلى ثلاث هيئات منتخبة. في عام 1559، حطمت قوات الملك الدانماركي فردريك الثاني و الدوقين الغولشتنيين يوهان و أدولف مقامة سكان ديتمارشن، و تقاسم المنتصرون المقاطعة. و لكن نظام المشاعات و الحكم الذاتي الجزئي ظلا قائمين في ديتمارشن حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر.



(162) G.W.F. Hegel. " Grundlinien der Philosophie des Rechts" (هيغل "أسس فلسفة الحق" ). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في برلين عام 1821.



(163) F. Lassalle. "Das System der erworbenen Rechte" Th II. "Das Wesen des Römischen und Germanischen Erbrechts in historisch-philosophischer Entwickelung" (فردينان لاسال. "نظام الحقوق المكتسبة" القسم الثاني. "كنه الحق الوراثي الروماني و الجرماني في التطور الفلسفي التاريخي")، صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في ليبزيغ عام 1861.



(164) المقطع المذكور يورده ماركس جزئياً في مؤلفه "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"".





--------------------------------------------------------------------------------

[1] و لا سيما على الساحل الشمالي الغربي من أميركا (راجع بانكروفت). و عند قبيلة الهايدا في جزر الملكة شارلوت، توجد اقتصادات بيتية تضم تحت سقف واحد حتى 700 شخص. و عند النوتكا، كانت قبائل بكاملها تعيش تحت سقف واحد.


[2] أنت أردت هذا، يا جورج داندن!(موليير."جورج داندن"، الفصل الأول، المشهد التاسع). الناشر.


[3] عدد العبيد في أثينا راجع أعلاه. و قد بلغ عدد العبيد في مدينة كورنثية، في زمن ازدهارها، نحو 460000، و في مدينة إيجين نحو 470000، و في كلا الحالين كان يوازي عشرة أمثال عدد الموطنين الأحرار.

[4] كان نيبور أول مؤرخ كانت عنده فكرة، و إن تقريبية، عن جوهر العشيرة. و هو مدين بذلك لمعرفته عشائر ديتمارشن (161) كما هو مدين لها بأخطائه المأخوذة مباشرة منها.


[5] "نظام الحقوق المكتسبة" الذي وضعه لاسال (163) يدور في قسمه الثاني بصورة رئيسية حول الموضوعة القائلة إن الوصية الرومانية قديمة بقدم روما نفسها و أنه لا يوجد أبداً في تاريخ روما "زمن بلا وصية" و أن الوصية ظهرت من عبادة الموتى، حتى قبل ظهور روما. إن لاسال بوصفه هيغيلياً قديما قويماً، لا يستخلص الأحكام القانونية الرومانية من علاقات الرومانيين الاجتماعية، بل من "مفهوم تأملي" عن الإدارة، و هذا ما يؤدي به إلى الزعم المذكور أعلاه الذي يناقض التاريخ كلياً. و لا غرابة أن نجد هذا في كتاب يخلص مؤلفه، استناداً إلى المفهوم التأملي ذاته، إلى استنتاج مفاده أن نقل الاموال في حال الوراثة كان عند الرومانيين أمراً ثانوياً تماماً. إن لاسال لا يصدق أوهام الحقوقيين الرومان و حسب، و لا سيما منهم من جاؤوا في المراحل الأولى من روما، بل يبالغ أيضاً في هذه الأوهام.

[6] كنت أنوي في البدء أن أورد نقد الحضارة الباهر الذي عرضه شارل فوريه بصورة متفرقة في مؤلفاته إلى جانب نقد مورغان و نقدي أنا. و لكن، مع الأسف، لا وقت عندي لذلك. إنما أكتفي بالإشارة إلى أن أحادية الزواج و ملكية الأرض هما، بنظر فوريه، علامتا الحضارة المميزتان، و أن فوريه ينعت الحضارة بحرب الأغنياء ضد الفقراء. كذلك نجد عنده فهماً عميقاً لكون العائلات الفردية les familles incohérentes (العائلات غير المترابطة) هي الوحدات الاقتصادية في جميع المجتمعات العائبة التي تمزقها التناقضات.

دليل الأسماء
إبيوس كلوديوس (توفي والي 448 ق.م) – رجل دولة روماني، قنصل (عام 471، عام 451) أحد أعضاء لجنة القضاء العشر (451-450) التي أصدرت قوانين الألواح الإثني عشر، سعى وراء السلطة الديكتاتورية.




(2) أرتحششتا – اسم ثلاثة من ملوك فارس من سلالة الأحمينيديين. أرتحششتا الأول (حكم من حوالي عام 465 إلى حوالي عام 425 ق.م) ، أرتحششتا الثاني (حكم من حوالي 405 إلى حوالي 359 ق.م)، أرتحششتا الثالث (حكم من حوالي 359 إلى حوالي 338 ق.م).



(3) أرستوفانس (حوالي 446- حوالي 385 ق.م) – مؤلف مسرحي في اليونان القديمة. وضع مسرحيات هزلية سياسية.


(4) أرسطو (384-322 ق.م) فيلسوف و عالم يوناني قديم تشمل مؤلفاته المعارف المتوفرة في زمنه جميعها تقريباً. تأرجح في الفلسفة بين المادية و المثالية.



(5) أريستون (القرن السادس ق.م) –ملك إسبرطة (574-520 ق.م)، شارك أنكسندريداس في الحكم.



(6) أريستيدس (حوالي 540- 467 ق.م) سياسي و قائد عسكري، ممثل الأرستقراطيين مالكي العبيد في أثينا.



(7) أسخيلوس (525-456 ق.م) –مؤلف مسرحي يوناني قديم بارز. له مسرحيات مأساوية كلاسيكية.



(8) أغاسيس (Agassiz) لويس جان رودولف (1807-1873)- عالم طبيعيات سويسري. رحالة. ابتداء من عام 1864، عاش في الولايات المتحدة الأميركية، في مفاهيمه عن العلوم الطبيعية، تمسك بنظرات في منتهى الرجعية.



(9) الإسكندر ذو القرنين (356-323 ق.م)- قائد عسكري شهير و رجل دولة في العالم القديم.



(10)أميان مرسيللان (حوالي 322- حوالي 400)- مؤرخ روماني. واضع كتاب "التاريخ"، الذي يشمل تاريخ روما من عام 96 إلى عام 378.



(11)أناكريونت (النصف الثاني من القرن السادس ق.م) – شاعر غنائي في اليونان القديمة.



(12)إنجلس فريدريك (1820-1895).



(13)أنكسندريداس (القرن السادس ق.م)-ملك إسبرطة، حكم ابتداء من عام 560 ق.م، شارك أريستون في الحكم.



(14)أودواكر (حوالي 434- 493) – أحد قادة الفصائل الجرمانية في خدمة أباطرة الرومان الغربيين. في عام 476 خلع إمبراطور روما روملوس أوغسطولوس، و أصبح ملك أول مملكة "بربرية" في أراضي إيطاليا.



(15)أوريبيدس (حوالي 480- حوالي 406 ق.م) – مؤلف مسرحي بارز في اليونان القديمة. مؤلف مسرحيات مأساوية كلاسيكية.



(16)أوغسطوس (63 ق.م- 14 م)- إمبراطور روماني (27 ق.م-14م).



(17)أولفيلا (فلفيلا) (حوالي 311- 383) –قائد ديني و سياسي من القوط الغربيين ، أسقف، أدخل القوط في الدين المسيحي. أسس الأبجدية القوطية. ترجم الكتاب المقدس إلى اللغة القوطية.



(18)إيرمينون (Irminon) (توفي حوالي 826)- رئيس دير سان- جرمان دي بري (812-817).



(19)إيسبيناس (Espinas) الفرد فكتور (1844-1922) –فيلسوف و عالم اجتماعي فرنسي بورجوازي. نصير نظرية التطور.



(20)بانغ (Bang) أنطون كريستيان (1840-1913)- لاهوتي نروجي. وضع أبحاثاً في الميثولوجية السكاندينافية و في تاريخ المسيحية في النروج.



(21)بانكروفت (Bancroft) ، هيوبرت هاو (1832-1918)- مؤرخ أميركي. وضع أبحاثاً في التاريخ و الإتنوغرافيا لأمريكا الشمالية و الوسطى.



(22)باهوفن (Bachofen) يوهان يعقوب (1815-1887)- مؤرخ و حقوقي سويسري. صاحب كتاب "حق الأم".



(23)برسيوس (212-166 ق.م)- ملك مقدونيا الأخير (179-168 ق.م مع انقطاعات).



(24)بروكوبيوس من قيصرية (أواخر القرن الخامس –حوالي 562). مؤرخ بيزنطي. اشترك في جملة من الحملات الحربية التي وصفها في مؤلفه من 8 كتب "تاريخ حروب يوسطينيانوس ضد الفرس و الفندال و القوط".



(25)بلوتارك (حوالي 46- حوالي 125). كاتب أخلاقي يوناني قديم. مؤلف كتاب "سير الحياة المقارنة" عن القادة اليونانيين و الرومانيين البارزين بقي منها 50 سيرة حياة. يحتوي الكتاب مادة تاريخية كبيرة.



(26)بليخرودر (Bleichröder) غرسون (1822-1893)- مالي ألماني. رئيس (مدير) مصرف كبير في برلين. المصرفي الشخصي لبيسمارك، و مستشاره غير الرسمي في الشؤون المالية و وسيطه في مختلف المضاربات.



(27)بلينوس (غاي بلينوس سيكوند) (23-79)- عالم روماني في الطبيعيات. مؤلف "التاريخ الطبيعي" في 37 كتاباً.



(28)بوغه (Bugge) إيلزيوس صوفوس (1833-1907) – عالم لغوي نروجي، أستاذ بمدينة كريستيانيا (أوسلو). وضع دراسات في الأدب السكاندينافي القديم و الميثولوجيا السكاندينافية.



(29)بيدا الملقب بالبار (حوالي 673-735)- عالم و راهب أنجلوساكسوني، لاهوتي و مؤرخ.



(30)بيسمارك (Bismarck) أوتو (1815-1898). رجل دولة بروسي. مستشار الإمبراطورية الألمانية (1871-1890). وحد ألمانيا بالعنف تحت زعامة بروسيا.



(31)بيسيستراتس (حوالي 600-827 ق.م) طاغية أثينة (560-827 ق. م مع انقطاعات).



(32)بيكر (Becker) ولهلم أدولف (1796-1846). مؤرخ ألماني. بروفسور في جامعة ليبزيغ. وضع أبحاثاً في التاريخ القديم.



(33)تاقيطس (بوبليوس كورنيليوس تاقيطس) (حوالي 55-حوالي 120)- مؤرخ روماني كبير جداً. مؤلف "جرمانيا" و "التواريخ" و "الحوليات".



(34)تايلور (Taylor) إدوارد برنيت (1832-1917) عالم انتروبولوجي بريطاني. مؤرخ في ميدان الثقافة البدائية.



(35)تركوينوس المتكبر (534- حوالي 509 ق.م)- ملك شبه أسطوري (الملك الأخير، السابع) في روما القديمة. تقول الحكايات أنه طرد من روما بنتيجة انتفاضة شعبية قضي بعدها على السلطة الملكية و أقيم النظام الجمهوري.



(36)تيباريوس (42 ق.م- 37 م)- إمبراطور روماني (14-37).



(37)تيودوريخ اسم ثلاثة ملوك من القوط: ملكا القوط الغربيين- تيودوريخ الأول (حكم من عام 418 تقريباً إلى عام 451) و تيودوريخ الثاني (حكم من عام 453 تقريباً إلى عام 466) و ملك القوط الشرقيين تيودوريخ (حكم من عام 474 إلى عام 526).



(38)ثوقيديدس (حوالي 460-حوالي 395 ق.م) – من المؤرخين اليونانيين القدامى. مؤلف "تاريخ حرب البيلوبونيز".



(39)ثيوكريتوس- شاعر يوناني قديم من القرن الثالث ق.م.



(40)جيرو –طولون (Giraud-Teulon) الكسيس (ولد في 1839)- بروفسور في التاريخ في جينيف.



(41)داروين (Darwin) تشارلز روبرت (1809-1882) بيلوجي مادي إنجليزي. مؤسس النظرية العلمية في تطور العالم العضوي.



(42)دورو دي لا مال (Dureau de La Malle) أدولف جول سيزار أوغست (1777-1875)- شاعر و مؤرخ فرنسي.



(43)ديكيارخ (القرن الرابع ق.م)-عالم يوناني قديم. تلميذ أرسطو. مؤلف جملة من البحوث التاريخية و السياسية و الفلسفية الجغرافية و غيرها.



(44)ديموستينس (384-322 ق.م)- خطيب بارز و قائد سياسي في اليونان القديمة. زعيم الحزب المعادي لمقدونيا في أثينا. نصير ديموقراطية مالكي العبيد.



(45)ديودوروس الصيقيلي (حوالي 80-29 ق.م)- مؤرخ يوناني قديم. مؤلف بحث في التاريخ العالمي اسمه "المكتبة التاريخية".



(46)ديونيسيوس الهاليكارناسي (القرن الأول ق.م- القرن الأول م)- مؤرخ و عالم بيان يوناني قديم. مؤلف كتاب "تاريخ روما القديم".



(47)رافه هنري- صحفي فرنسي. مترجم أعمال إنجلس إلى الفرنسية.



(48)رايت (Wright) أشير (1803-1875)-مرسل أميركي. من 1831 إلى 1875 عاش بين الهنود الحمر من قبيلة سينيكا. وضع قاموساً بلغتهم.



(49)زوغنهيم (Sugenheim) صموئيل (1811-1877) –مؤرخ ألماني.



(50)زيفيليس يوليوس (القرن الأول)- زعيم قبيلة الباتافيين الجرمانية. ترأس انتفاضة القبائل الجرمانية و الغالية ضد السيادة الرومانية (69-70 أو 69-71).



(51)سرفيوس توليوس (578-534 ق.م)-ملك شبه أسطوري في روما القديمة.



(52)سكوت (Scott) ولتر (1771-1823). كاتب إنجليزي. مؤسس الرواية التاريخية في الأدب الأوروبي الغربي. اسكتلندي الأصل.



(53)سلفيان (حولي 390-حولي 484)- واعظ و كاتب مسيحي، كاهن في مرسيليا، مؤلف كتاب "في حكم الإله".



(54)سوريتا (Zurita) ألونسو- موظف إسباني استعماري في أميركا الوسطى في أواسط القرن السادس عشر.



(55)سوسور (Saussure) هنري (1829-1905) – عالم حيواني سويسري.



(56)سولون (حوالي 638—حوالي 558 ق.م) –مشرع أثيني. بتأثير الجماهير الشعبية، أجرى جملة من الإصلاحات موجهة ضد الأريستقراطية العشائرية.



(57)شرلمان الكبير (حوالي 742-814)-ملك الإفرنج (768-800) و إمبراطور (800-814).



(58)شومان (Schömann) غيورغ فريدريك (1793-1879)-عالم لغوي و مؤرخ ألماني. مؤلف عدد من الأبحاث في تاريخ اليونان القديمة.



(59)غايوس (القرن الثاني)-حقوقي روماني. مصنف بارز للقوانين الرومانية.



(60)غروت (Grote) جورج (1794-1871- مؤرخ إنجليزي مؤلف كتاب من عدة مجلدات اسمه "تاريخ اليونان".



(61)غريم (Grimm) يعقوب (1785-1863)- عالم لغوي و مؤرخ ثقافي ألماني. صاحب جملة من البحوث في تاريخ اللغة الألمانية و الحق و الميثولوجيا و الأدب في ألمانيا.



(62)غريغوريوس التوري (غيورغي فلورنسي) (حوالي 540-حوالي 594)- كاهن مسيحي. لاهوتي و مؤرخ. ابتداء من 573 أسقف مدينة تور (فرنسا). صاحب "تاريخ الإفرنج" و كتاب "سبعة كتب عن العجائب".



(63)غلادستون (Gladstone) وليام يوارت (1809-1898)- رجل دولة بريطاني . في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أحد زعماء الحزب الليبيرالي (حزب الأحرار)، رئيس وزارة (1868-1874،1880-1885،1886،1892-1894).



(64)غوته (Geothe) يوهن ولفغانغ (1749-1832)-كاتب ألماني كبير. اشتهر كذلك بأعماله في ميدان علوم الطبيعة.



(65)فابيوس –عشيرة رومانية من الخواص (الأشراف patricians).



(66)فار (بوبلي كوينتيلي فار)(حوالي 53 ق.م-9 م)- سياسي و قائد عسكري روماني. حاكم إقليم جرمانيا (7-9 م). قتل في معركة غاب توتوبورغ أثناء انتفاضة القبائل الجرمانية.



(67)فاغنر (Wagner) ريخارد (1813-1883) –موسيقار ألماني.



(68)فاكسموت (Wachsmuth) أرنست ولهلم غوتليب (1784-1866)- مؤرخ ألماني، بروفسور في ليبزيغ. مؤلف جملة من البحوث في الأزمنة القديمة و في تاريخ أوروبا.



(69)فايتس (Waitz) غيورغ (1813-1886) –مؤرخ ألماني . كتب جملة من البحوث في تاريخ ألمانيا. في القرون الوسطى، بروفسور في غوتنغن.



(70)فايسون (Fison) لوريمير (1832-1907) –أتنوغرافي بريطاني تخصص في دراسة سكان أوستراليا الأصليين. مرسل في جزر فيجي (1863-1871،1875-1884) و في أوستراليا (1871-1875،1884-1888). مؤلف عدد من البحوث عن القبائل الأوسترالية و الفيجية. ابتداء من عام 1871 تعاون مع هاويت ، و اشترك معه في كتابة بحثين هما "كاميلاروي و كورناي" و "قبيلة كورناي و عاداتها في زمن السلم و الحرب".



(71)فرديناند الخامس الكاثوليكي (1452-1516) –ملك (1474-1504) و حاكم (1507-1516) قشتالة، ملك أرغون باسم فرديناند الثاني (1479-1516).



(72)فريمان (Freeman) إدوارد أهاستيس (1823-1892)- مؤرخ بريطاني . ليبيرالي. بروفسور في جامعة أوكسفورد.



(73)فسترمارك (Westermarck) إدوارد الكسندر (1862-1939)- عالم أتنوغرافي و اجتماعي فنلندي.



(74)فوريه (Fourier) شارل (1772-1873)-اشتراكي طوبوي فرنسي.



(75)فوستيل دي كولانج توما ديني (1830-1889) مؤرخ فرنسي. مؤلف جملة من البحوث في تاريخ العالم القديم وفي تاريخ فرنسا في القرون الوسطى.



(76)فيتسينيا هيسبالا- معتقة رومانية.



(77)فيليدا (القرن الأول)-كاهنة و عرافة من قبيلة البروكتر الجرمانية. اشتركت بنشاط في انتفاضة القبائل الجرمانية و الغالية بزعامة زيفيليس ضد السيادة الرومانية (69-70 أو 69-71).



(78)قيصر (غايوس يوليوس قيصر) (حوالي 100-44 ق.م) –قائد عسكري روماني شهير. رجل دولة و كاتب . مؤلف كتاب "مذكرات عن حرب الغال".



(79)كاي (Kaye) جون وليام (1814-1876)- موظف بريطاني في المستعمرات . مؤرخ و مؤلف عدد من البحوث في تاريخ و إتنوغرافيا الهند و كذلك في تاريخ الحروب الاستعمارية البريطانية في أفغانستان و الهند.



(80)كلوديوس –عشيرة رومانية من الخواص (الأشراف patricians).



(81)كليستين- سياسي أثيني، أجرى في سنوات 510-507 ق.م إصلاحات ترمي إلى تصفية بقايا النظام العشائري و إلى إقامة ديموقراطية مالكي العبيد في أثينا.



(82)كوفاليفسكي مكسيم مكسيموفيتش (1851-1916).-عالم اجتماعي ، و مؤرخ، و إتنوغرافي، و حقوقي روسي، مؤلف عدد من البحوث في تاريخ النظام المشاعي البدائي.



(83)كوفيه (Cuvier) جورج (1769-1832). عالم طبيعيات فرنسي. اشتهر بأعماله في ميدان علم التشريح المقارن و علم الإحاثة و علم تصنيف الحيوانات. صاحب نظرية الكوارث، و هي نظرية مثالية منافية للعلم.



(84)كولانج دي- راجع فوستيل دي كولانج.



(85)كونوف (Gunow)هنريخ ولهلم كارل (1862-1936)- اشتراكي-ديمقراطي ألماني. مؤرخ . عالم اجتماعي و إتنوغرافي. في سنوات العقدين التاسع و العاشر من القرن التاسع عشر، التحق بالماركسيين ، فيما بعد ، محرف.



(86)كوينتيليا- عشيرة رومانية من الخواص (الأشراف patricians).



(87)لاسال (Lassalle) فرديناند (1825-1864)اشتراكي بورجوازي صغير ألماني. أحد مؤسسي اتحاد العمال الألمان العام 1863. كانت لتأسيس الاتحاد أهمية إيجابية بالنسبة للحركة العمالية ، إلا أن لاسال الذي انتخب رئيساً للاتحاد قاده في طريق الانتهازية. دعم سياسة توحيد ألمانيا "من فوق" بزعامة بروسيا.



(88)لانغه (Lange) كريستيان كونراد لودفيغ (1825-1885)-عالم لغوي ألماني. مؤلف عدد من البحوث في تاريخ روما القديمة.



(89)لوقيانوس (حوالي 120-حوالي 180)-كاتب هجائي يوناني قديم. ملحد.



(90)لونغ- كاتب يوناني قديم من أواخر القرن الثاني و أوائل القرن الثالث.



(91)ليبوك (Lubbock) جون (1834-1913)-(ابتداء من عام 1899-اللورد أفبيري)- عالم بيولوجي، دارويني، أتنولوجي و أثري.



(92)ليتام (Latham) روبرت غوردون (1812-1888)- طبيب إنجليزي. لغوي و إتنوغرافي. مؤلف جملة من البحوث في الإتنوغرافيا المقارنة.



(93)ليتورنو (Letourneau) شارل جان ماري (1831-1902)-عالم اجتماعي و إتنوغرافي فرنسي.



(94)ليفيوس تيطس (59ق.م-17 م)- مؤرخ روماني. مؤلف "تاريخ روما منذ تأسيس المدينة".



(95)ليوتبراند (حوالي 922-حوالي 972)- زعيم سياسي كنسي و مؤرخ في القرون الوسطي. أصله لومباردي. ابتداء من عام 961، أسقف كريمونا (إيطاليا الشمالية). مؤلف كتاب "الثواب و العقاب".



(96)مارتينيييتي باسكواله- اشتراكي إيطالي. ترجم أعمال ماركس و إنجلس إلى لإيطالية .



(97)ماركس (Marx) كارل (1818-1883).



(98)ماك-لينان (Mac-Lennan) جون فرغوسون (1827-1881)- حقوقي و مؤرخ بورجوازي اسكتلندي . مؤلف بحوث في تاريخ الزواج و العائلة.



(99)ماين (Maine) هنري جورج سامنر (1822-1888)-حقوقي بريطاني.



(100) مورغان (Morgan) لويس هنري (1818-1881) إتنوغرافي أميركي.أثري و مؤرخ في ميدان المجتمع البدائي. مادي عفوي.



(101) مورير (Maurer) غيورغ لودفيغ (1790-1872)- مؤرخ ألماني . درس النظام الاجتماعي في ألمانيا في الأزمنة القديمة و القرون الوسطى. أسهم بقسط كبير في دراسة تاريخ المشاعة القروسطية ، المارك.



(102) موليير (Molière) جان باتيست (و اسمه الحقيقي بوكلين) (1622-1673)-مؤلف مسرحي فرنسي.



(103) مومزن (Mommsen) تيودور (1817-1903) – مؤرخ ألماني. مؤلف عدد من البحوث في تاريخ روما القديمة.


(104) موسخوس-شارع يوناني قديم من أواسط القرن الثاني ق.م.



(105) نابليون الأول بونابرت (1769-1821)- إمبراطور فرنسا (1804-1814 و 1815).



(106) نيارخ (حولي 360-حوالي 312 ق.م)- قائد بحر مقدوني. مرافق و مشارك في حملات الاسكندر المقدوني. وضع وصفاً لرحلة الأسطول المقدوني من الهند إلى بلاد ما بين النهرين (326-324 ق.م).



(107) نيبور (Niebuhr) برتولد غيورغ (1776-1813)-مؤرخ ألماني. مؤلف عدد من البحوث في تاريخ العالم القديم.



(108) نيديجده يون (1854-1928)- كاتب سياسي و مترجم روماني . اشتراكي –ديموقراطي. ابتداء من التسعينات، انتهازي.



(109) هاويت (Howitt) الفرد وليام (1830-1908)- عالم بريطاني إتنوغرافي مختص في دراسة سكان أوستراليا الأصليين. موظف استعماري في أوستراليا (1862-1901). مؤلف عدد من البحوث عن القبائل الأوسترالية. ابتداء من عام 1871 تعاون مع لوريمر فايسون واشترك معه في كتابة بحثين هما "كاميلاروي و كورناي" و "قبيلة كورناي و عاداتها في زمن السلم و الحرب".



(110) هوشكه (Huschke) غيورغ فيليب إدوارد (1810-1886)- حقوقي ألماني. مؤلف عدد من البحوث في الحق الروماني.



(111) هوميروس – شاعر ملحمي يوناني قديم نصف أسطوري. ناظم "الإلياذة" و "الأوذيسة".



(112) هويسلر (Heusler) أندرياس (1834-1921)- حقوقي بورجوازي سويسري، بروفسور في بال. مؤلف عدد من البحوث في الحق السويسري و الجرماني .



(113) هيرودوتس (حولي 484-425 ق.م)-مؤرخ يوناني قديم.



(114) هيرودوس (73-4 ق.م)- ملك اليهودية (40-4 ق. م).



(115) هيغل (Hegel) غيورغ ولهلم فريدريك (1770-1831) – أكبر ممثلي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية. مثالي موضوعي. عرض الديالكتيك المثالي بأوسع شكل.



(116) وطسن (Watson) جون فوربس (1827-1892)- طبيب بريطاني. موظف في المستعمرات. من 1858 إلى 1879 مدير متحف الهند في لندن. مؤلف عدد من البحوث عن الهند.



(117) ولفرام فون إيشنباخ (حوالي 1170-حوالي 1220)- شاعر ألماني.



(118) ياروسلاف الحكيم (978-1054) –أمير كييف الكبير (1019-1054).



(119) يوليوس- عشيرة رومانية من الخواص (الأشراف patricians).


الشخصيات الأدبية والأسطورية

(1) إبراهيم- حسب التوراة، بطريرك اليهود القدماء.



(2) أبولون- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، إله الشمس و النور، و حامي الفنون.



(3) أثينا بالادا- في الميثولوجيا الإغريقية، آلهة الحرب و مثل الحكمة . كانت تعتبر حامية دولة أثينا.



(4) أخيل- في الميثولوجيا الإغريقية، أشجع الأبطال اليونانيين الذين حاصروا طروادة. أحد الأبطال الرئيسيين في "الإلياذة" من تأليف هوميروس.



(5) الأرغونوط- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، أبطال مضوا على متن المركب "أرغو" إلى كولخيده سعياً وراء "الصوف الذهبي" الذي كان يحميه التنين.



(6) أغممنون- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، ملك أسطوري في أرغوس، أحد أبطال "الإلياذة" ، قائد القوات اليونانية في حرب طروادة. لقي مصرعه على يد زوجته كليتمنسترا و عشيها إيغيست. بكل مأساة بالاسم نفسه لإسخيلوس.



(7) أفروديت- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، إلهة الحب و الجمال.



(8) الإيرينيات- في الميثولوجيا الإغريقية، ألهات الثأر. و يظهرن بصورة نساء على روؤسهن حيات عوضاً عن الشعر.
الثيه- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، ابنه الملك تستيوس، و والدة ميلياغر.



(9) أنايتيس- اسم يوناني قديم لأناهيد،ألهة المياه و الخصوبة في الميثولوجية الإيرانية.



(10)أوتا النروجية- بطلة ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطلة القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون".



(11)أوذيس- بطل ملحمتي هوميروس "الإلياذة" و "الأوذيسة"، ملك أسطوري لجزيرة إيتاك، أحد قادة القوات الإغريقية إبان حرب طروادة، تميز بالشجاعة و الدهاء و الفصاحة.



(12)أوريست- في الميثولوجيا الإغريقية، ابن أغممنون و كليتمنسترا، انتقم من أمه و من إيغيست لقتلهما والده، بطل ثلاثية إسخيلوس "أوريستية".



(13)إيتسل- بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة و كذلك بطل القصيدة الألمانية القورسطية "أغنية نيبيلونغ".



(14)إيتيوكل- في الميثولوجيا الإغريقية، ابن أوديب، ملك ثيبه، تقاسم مع أخيه بولينيك السلطة الملكية في ثيبه، قتل أخاه، و قتل في الصراع نفسه بيد أخيه. على هذه الأسطورة، ارتكزت مأساة إسخيلوس "سبعة ضد ثيبه".



(15)إيغيست أو إيغيسف- في الميثولوجيا الإغريقية، عشيق كليتمنسترا، شريك في اغتيال أغممنون، بطل القسمين الأولين من ثلاثية إسخيلوس "أوريستية".



(16)إيفميه- أحد أبطال ملحمة هوميروس "الأوذيسة"، راعي خنازير أوذيس، ملك جزيرة إيتاك ، ظل أميناً لسيده خلال كل زمن أسفاره الطويلة.



(17)برونهيلدا- بطلة ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطلة القصيدة الألمانية من القرون الوسطى "أغنية نيبيلونغ"، ملكة إيسلندية، ثم زوجة غونتر ملك البورغونديين.



(18)بورياد- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، أبناء إله الريح الشمالية بوري و أوريتيا، ابنة ملك أثينا.



(19)بولينيك- في الميثولوجيا الإغريقية، ابن أوديب، ملك ثيبه، تقاسم مع أخيه إيتيوكل السلطة الملكية في ثيبه، قتل أخاه، و قتل في الصراع نفسه بيد أخيه. على هذه الأسطورة، ارتكزت مأساة إسخيلوس "سبعة ضد ثيبه".



(20)تستيوس- في الميثولوجيا الإغريقية، ملك بليفرون الأسطوري في إيتوليا.



(21)توكر- بطل ملحمة هوميروس "الإلياذة"، حارب في طروادة.



(22)تيزوس- في الميثولوجيا الإغريقية، واحد من أكبر الأبطال، و ملك أسطوري لأثينا، نسب إليه تأسيس دولة أثينا.



(23)تيلامون- أحد أبطال الميثولوجيا الإغريقية. اشترك في الزحف على طروادة.



(24)تيليماك- بطل ملحمة هوميروس "الأوذيسة"، ابن أوذيس، ملك جزيرة إيتاك.



(25)جورج داندن- الشخص الرئيسي في كوميديا موليير "جورج داندن أو الزوج المخدوع"، نموذج الفلاح الغني الساذج الذي يتزوج من أريستقراطية حل بها الخراب و تكذب عليه و تخدعه بمهارة.



(26)دفنيس- بطل رواية لونغ الإغريقية (القرن الثاني- القرن الثالث)"دفنيس و كلويا". نموذج الراعي العاشق.



(27)ديمودوكس- أحد أبطال ملحمة هوميروس "الأوذيسة"، مغن أعمى في قصر الكينوي، ملك "الفياك" الأسطوري.



(28)رومولوس- مؤسس روما القديمة الأسطوري و أول ملوكها.



(29)زفس- الإله الأكبر في الميثولوجيا اليونانية القديمة.



(30)زيغفريد- أحد الأبطال الرئيسيين في ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك في القصيدة الألمانية من القرون الوسطى "أغنية نيبيلونغ".



(31)زيغفريد من مورلند- بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطل القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون". أحد الخطيبين الذين رفضتهم غودرون.



(32)زيغيبانت الإرلندي- بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطل القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون"، ملك الإرلنديين.



(33)سيف – في الميثولوجيا السكاندينافية القديمة، زوجة إله الرعد تور، إحدى بطلات الملحمة الشعبية السكاندينافية القديمة "إيدا الكبرى".



(34)غانيميد- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، فتى جميل خطفه الإله و نقلوه إلى الأولمب حيث أصبح حبيب الإله زفس و ساقيه.



(35)غودرون (كودرون) – البطلة الرئيسية في ملحمة شعبية جرمانية قديمة ، و كذلك في القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون"، ابنة هيتل ، ملك الهيغيلينغ و هيلدا الأرلندية ، و خطيبة هرفيغ الزيلندي، خطفها تارتموت الأورمني (النورمندي)، فظلت أسيرة عنده مدة 13 سنة، رافضة أن تتزوجه. حررها هرفيغ، و أصبحت زوجته.



(36)غونتر – بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطل القصيدة الألمانية من القرون الوسطى"أغنية نيبيلونغ"، ملك البورغونديين.



(37)فريا- في الميثولوجيا السكاندينافية القديمة، إلهة الخصب و الحب، بطلة الملحمة الشعبية السكاندينافية القديمة "إيدا الكبرى"، زوجة أخيها ، الإله فرير.



(38)فينيه- في الميثولوجيا الإغريقية، نبي أعمى. بتحريض من زوجته الثانية، عذب أولاده من زوجته الأولى كليوباطره، ابنة بوري، فعاقبته الآلهة.



(39)كاسندرا- في الميثولوجيا اليونانية القديمة، ابنة ملك طروادة بريام، عرافة. بعد النصر عل طروادة، ساقها أغممنون كعبدة. إحدى بطلات مسرحية إسخيلوس "أغممنون".



(40)كريمهيلدا- بطلة ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطلة القصيدة القروسطية الألمانية "أغنية نيبلونغ"، أخت ملك البورغوند غونتر، خطيبة ثم زوجة زيغفريد، بعد موته، زوجة ملك الهون إيتسل.



(41)كلويا- بطلة رواية لونغ الإغريقية (القرن الثاني – القرن الثالث) "دفنيس و كلويا"، نموذج الراعية المحبة.



(42)كليتمنسترا- في الميثولوجيا الإغريقية، زوجة أغممنون، قتلت زوجها بعد عودته من حرب طروادة، بطلة مأساة إسخيلوس "أوريستية ".



(43)كليوباطره- في الميثولوجيا الإغريقية، ابنة بوري، إله الريح الشمالية.



(44)لوكي- في الميثولوجيا السكاندينافية القديمة، شيطان شرير، و إله النار، و بطل الملحمة الشعبية السكاندينافية القديمة "إيدا الكبرى".



(45)موليوس – إحدى شخصيات ملحمة هوميروس "الأوذيسة"، مناد حربي.



(46)موسى- حسب التوراة، نبي و مشترع، حرر اليهود القدماء من الأسر المصري و سن لهم القوانين.



(47)ميفيستو- أحد الأشخاص الرئيسيين في مأساة غوته "فاوست".



(48)ميلياغر- في الميثولوجيا الإغريقية، ابن إينه، الملك الأسطوري لمدينة كاليدون و الثيه التي قتلت أخوة أمها.



(49)ميليتا- الاسم الإغريقي لإيشتار (عشتروت) آلهة الحب و الخصب في الميثولوجيا البابلية.



(50)نسطور – في الميثولوجيا الإغريقية، أعقل الأبطال الإغريق الذي اشتركوا في حرب طروادة و أكبرهم سناً.



(51)نيوردر- في الميثولوجيا السكاندينافية القديمة، إله الخصب، و بطل الملحمة الشعبية السكاندينافية القديمة "إيدا الكبرى".



(52)هادوبراند- أحد أبطال الملحمة البطولية الجرمانية القديمة"نشيد هيلديبراند"، ابن البطل الرئيسي في هذه الملحمة، هيلديبراند.



(53)هارتموت- بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطل القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون"، ابن ملك أورمني (نورمندي)، أحد خطيبي غودرون المرفوضين.



(54)هرفيغ- بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطل الملحمة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون"، ملك



(55)زيلندي، خطيب ثم زوج غودرون.



(56)هرقل – بطل واسع الشهرة في الأساطير الإغريقية القديمة، معروف بقوته الخارقة و مآثره البطولية.



(57)هيتل- بطل ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطل القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون"، ملك الهيغلينغ.



(58)هيلدا- بطلة ملحمة شعبية جرمانية قديمة، و كذلك بطلة القصيدة الألمانية من القرن الثالث عشر "غودرون"، ابنة ملك الإرلنديين، صارت زوجة هيتل، ملك الهيغلينغ.



(59)هيلديبراند- البطل الرئيسي في الملحمة الشعبية الجرمانية القديمة "نشيد هيلديبراند".


دليل الأسماء الإتنوغرافية

(1) الآريون- تعبير انتشر على نطاق واسع في القرن التاسع عشر للإشارة إلى شعوب المجموعة اللغوية الهندية الأوروبية.



(2) الألمان (Almans)- مجموعة من القبائل الجرمانية. في القرنين الثالث و الرابع، انتقلت من المنطقة الواقعة بين نهري الأودر و الألب إلى منطقة أعالي نهر الراين، و استوطنت تدريجياً أراضي الإلزاس و سويسرا الشرقية و الألمانية الجنوبية الغربية الحالية.



(3) الأوجليون- السكان البربر في واحة أوجله (ليبيا الشرقية الشمالية).



(4) أودجيبفه (تشيبيفا)- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش في القسمين الشمالي و الشمالي الغربي من منطقة البحيرات الكبرى.



(5) الأوزيبيت- قبيلة جرمانية كانت تقطن على الضفة اليمنى من أسافل نهر الراين، في أواسط القرن الأول ق.م، انتقلت إلى الضفة اليسرى، و لكنها عادت إلى من حيث أتت بعد أن هزمها الرومان.



(6) أوماها- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش في حوض أواسط نهر ميسوري (ولاية نبراسكا الحالية).



(7) أونونداغا- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا. كنت تعيش في أراضي ولاية نيويورك الحالية.



(8) أونيدا- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا. كانت تعيش في أراضي ولاية نيويورك الحالية.



(9) الإيبيريون- مجموعة قبائل كانت تسكن في الأزمنة الغابرة قسماً من شبه جزيرة البيرينه و جزر البحر الأبيض المتوسط الواقعة على مقربة منها و القسم الجنوبي الشرقي من فرنسا الحالية. قبيل العهد الميلادي، أخضعها الرومان فترومنت تدريجياً.



(10)الإيروكوا- مجموعة من قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية، كانت تسكن في منطقة بحيرات يري و أنتاريو، و أبعد إلى الجنوب، في حوض نهر سان لوران، و كذلك في القسم الجنوبي من جبال أبالاش.



(11)الإيسكيفيون (الإيستيفيون)- إحدى المجموعات الأساسية من القبائل الجرمانية، في مستهل العهد الميلادي، كانت تسكن في الأراضي الواقعة على أواسط و أسافل نهر الراين. ابتداء من القرن الثالث أطلق عليهم اسم الإفرنج.



(12)الإينغيوفون- إحدى المجموعات الأساسية من القبائل الجرمانية ، في مستهل الهد الميلادي، كانت تسكن سواحل بحر الشمال ابتداء من خليج زيدر- ذي حتى الدانمارك، في القرنين الخامس و السادس، استولت قبائل الإنكل و الساكس و غيرها الداخلة في قوامها على بريطانيا.



(13)الإيونيون- إحدى المجموعات الأساسية من القبائل اليونانية القديمة. منذ أقدم الأزمنة، استوطنت في الأتيك و في القسم الشمالي الشرقي من شبه جزيرة البيلوبونيز، فيما بعد، استوطنت كذلك قسماً من جزر بحر إيجه و سواحل آسيا الصغرى.


(14)الباتافيون- قبيلة جرمانية كانت تسكن في مستهل العهد الميلادي بين أنهر مآس و الراين وفآل (هولندا الحالية).



(15)البارثيون- مجموعة من القبائل الإيرانية القديمة كانت منذ الألف الأول ق.م تسكن في القسم الشمالي الشرقي من الهضاب الإيرانية. في القرنين السادس والسابع بعد الميلاد، تمثلتها الشعوب المجاورة.



(16)الباريا- قبيلة تعيش في أراضي أثيوبيا الغربية و أريتريا الحاليتين، عند حدود السودان الشرقية.


(17)البانجا- قبيلة هندية.



(18)البروكتر- قبيلة جرمانية كانت تسكن في مستهل العهد الميلادي في الأراضي الواقعة بين نهري ليبّه و إيمس.


(19)البريطانيون (Bretons) – مجموعة من قبائل السلت، سكان بريطانيا القدامى، نتيجة للفتح الأنكلو-ساكسوني تعرض قسم منها للتمثل كما أزيح القسم الآخر إلى ويلس و اسكتلنده وشبه جيرة بريطانيا-(فرنسا).



(20)الباستارن- قبيلة جرمانية من المجموعة القوطية، كانت تسكن قبيل العهد الميلادي في الأرض الواقعة بين جبال الكاربات و نهر الدانوب.



(21)البشاف – مجموعة إتنوغرافية من الشعب الجورجي تعيش أساساً في المنطقة الجبلية على أواسط نهر أراغفي و في أعالي نهر يوري.



(22)البلاسج – مجموعة من القبائل كانت ي سحيق الأزمة تسكن القسم الجنوبي من شبه جزيرة البلقان والساحل الغربي من آسيا الصغرى.



(23)البلجيكيون- مجموعة من قبائل السلت الغاليين كانت تسكن في بلاد الغال الشمالية بين نهري السين والريان، و كذلك في قسم من ساحل بريطانيا الغربي.



(24)البورغوند- قبيلة جرمانية من المجموعة القوطية، انتقلت قبيل العهد الميلادي من سكاندينافيا إلى الأراضي الواقعة بين نهري الفيستول و الأودير. ثم نزحت تدرجياً في الاتجاه الجنوبي الغربي، و استقرت نحو أواسط القرن الخامس في حوض الرون.



(25)البوكين- اسم أحد فروع قبيلة الباستارن الجرمانية. و قد خلط عدد من المؤرخين القدماء هؤلاء و أولئك.


(26)البولينيزيون- السكان الأصليون في بولينيزيا و بعض الجزر الصغيرة في القسم الشرقي من ميلانيزيا.



(27)البويبلو- اسم مجموعة من قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تسكن في أراضي ولايتي نيويورك و أريزونا الحاليتين و في القسم الجنوبي من ولاية كاليفورنيا و في القسم الشمالي الغربي من المكسيك.



(28)البيكت- مجموعة قبائل كانت في الأزمنة الغابرة تسكن في أراضي اسكتلنده الحالية. في أواسط القرن التاسع، استولى عليها السكوتلنديون.



(29)تاميل – مجموعة قبائل ، في الوقت الحاضر قوم يسكن في طرف القسم الجنوبي الشرقي من شبه جزيرة هندوستان.



(30)التاهو- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش في القسم الشمالي من المكسيك الحالية.



(31)التايفال – قبيلة جرمانية قريبة من القوط. قبل القرن الثالث، استوطنت الساحل الشمالي من البحر الأسود، و منه طردها الهون في النصف الثاني من القرن الرابع.



(32)التراقيون- مجموعة قبائل كانت تعيش في الأزمنة الغابرة في القسم الشرقي من شبه جزيرة البلقان.


(33)تشيروكي- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا، كانت تعيش في المناطق الجنوبية من جبال أبالاش.



(34)التنكتير- قبيلة جرمانية كانت تقيم على الضفة اليمنى من نهر الراين عند أسافله. في منتصف القرن الأول ق.م، انتقلت إلى الضفة اليسرى، و لكنها عادت إلى من حيث أتت بعد أن هزمها الرومان.



(35)التوتونيون- مجموعة قبائل جرمانية كانت تسكن في شبه جزيرة جوتلند و في منطقة أسافل نهر الألب. في أواخر القرن الثاني ق.م، بدأت تنزح إلى أوروبا الجنوبية مع قبائل السمبر في آن واحد. هزمها الرومانيون، فاستوطنت بقاياها منطقة أنهر مآس و ماين و نيكار.



(36)التوسكارورا- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية ، تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا. كانت تعيش في أراضي ولايتي فرجينيا و كاورلينا الشمالية الحاليتين على ساحل المحيط الأطلسي.



(37)التيكور- قبيلة هندية كانت تعيش في أوذ (حالياً قسم من ولاية أوتار براداش).



(38)التينه- مجموعة قبائل من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تسكن في غابات القسم الغربي من كندا و في ألاسكا الداخلية و على ساحل المحيط الهادئ عند شبه جزيرة كيناي (ألاسكا الجنوبية).



(39)الجرمان القدماء.



(40)الخفسور- مجموعة إتنوغرافية من الشعب الجورجي تعيش في المناطق الجبلية من جورجيا الشرقية.


(41)داكوتا- مجموعة من قبائل الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش في حوض نهر ميسوري و في المروج الممتدة من نهر ميسيسيبي حتى الجبال الصخرية و من كندا حتى نهر أركنزاس.



(42)الداكوتا – أحد الأسماء المستعملة سابقاً للإشارة إلى مجموعات من قبائل الهنود الحمر التي كانت تعيش في أميركا الشمالية و التي كانت تنتسب إلى العائلة اللغوية سيو- هوكا (الإيروكوا، داكوتا، و غيرهم).



(43)الدانماركيون القدامى.



(44)الدرافيد- مجموعة من الشعوب الهندية، تقطن في الوقت الحاضر الهند الجنوبية، و كانت تشكل في الأزمنة القديمة القسم الأساسي من سكان شبه جزيرة هندوستان.



(45)الديلاوار- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تسكن قبيل القرن السابع عشر في الأراضي الواقع على نهر ديلاوار و على أسافل نهر هودسون ( من أراضي ولايات نيوجرسي و ديلاوار و نيويورك و بنسيلفانيا الحالية)، في أواسط القرن الثامن عشر نزح الديلاوار إلى وادي نهر أهايو بعد أن ضيق عليهم الأوروبيون و قبائل الإيروكوا. و في مستهل القرن التاسع عشر، طردهم الأميركيون إلى الغرب، إلى ما وراء نهر ميسيسيبي.



(46)الدوريون- إحدى المجموعات الأساسية من القبائل اليونانية القديمة، نزحت في القرنين الثاني عشر و الحادي عشر ق.م من الشمال إلى شبه جزيرة البيلوبونيز و إلى جزر القسم الجنوبي من بحر إيجه.



(47)الرومان القدامى.



(48)الزنوج الأوستراليون. الأوستراليون. سكان أوستراليا الأصليون.



(49)السابليون (القبائل السابلية)- إحدى المجموعتين الرئيسيتين من القبائل الإيطالية القديمة.



(50)الساموييد- راجعوا الملاحظة عن الننتسي.



(51)الساميون- تعبير انتشر على نطاق واسع في القرن التاسع عشر للإشارة إلى شعوب الفرع السامي من المجموعة اللغوية السامي- الحامية.



(52)السانتال- قبيلة هندية. في الوقت الحاضر، قوم يسكن أراضي دائرة سانتال – برغاناس في ولاية بيهار.



(53)السبرطيون القدامى.



(54)السفان- مجموعة إتنوغرافية من الشعب الجورجي تعيش في سفانيتيا، في السفوح الجنوبية الغربية من سلسلة القفقاس الكبرى.



(55)السقيتيون (أو الإيسكيفيون)- مجموعة قبائل كانت تسكن في أراضي ساحل البحر الأسود الشمالي منذ القرن السابع ق.م حتى القرون الأولى من العهد الميلادي.



(56)السكوتيون (السكوت)- مجموعة من القبائل السلتية كانت تسكن في إرلنده القديمة، نحو عام 500، انتقل قسم من السكوت إلى أراضي سكوتلنده الحالية، في أواسط القرن التاسع، استولوا على البيكت.



(57)السلاف القدامى.



(58)السلت- مجموعة من القبائل المتقاربة كانت في الأزمنة الغابرة تسكن في القسمين الأوسط و الغربي من أوروبا.


(59)السلت الغاليون، الغاليون- مجموعة من القبائل السلتية كانت تسكن في بلاد الغال القديمة (أراضي فرنسا و إيطاليا الشمالية، و بلجيكا، و اللوكسمبورغ، و قسم من هولندا و سويسرا حاليا)، في مستهل العهد الميلادي ، أخضعها الرومانيون.



(60)السمبر- مجموعة من قبائل جرمانية كانت تسكن في شبه جزيرة جوتلند، في أواخر القرن الثاني ق.م، شرعت تنزح إلى أوروبا الجنوبية مع قبائل التوتونيين في آن واحد ، هزمها الرومانيون، فاستوطنت بقاياها منطقة أنهر مآس و ماين و نيكار.



(61)السوييف- مجموعة قبائل جرمانية كانت تسكن حوض نهر الألب قبيل العهد الميلادي.



(62)سينيكا- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا. كانت تعيش في أراضي ولاية نيويورك الحالية.



(63)الشاوني- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش على ضفاف نهر سافانا ( في أراضي ولايتي جورجيا و كارولينا الجنوبية الحاليتين).



(64)الشركس- اسم واسع الانتشار قبل ثورة أكتوبر الاشتراكية الكبرى لمجموعة من الأقوام الجبلية الأديغية في القفقاس الشمالي الغربي (الأديغيون و الشركس و الكابارديون).



(65)الشيبيوي (الشايبيواي)- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش في الأراضي الواقعة بين الجبال الصخرية و خليج هودسون.



(66)الطورانيون – اسم كان يطلق فيما مضى على سكان منخفض طوران.



(67)غاوورا (غاودا)- قبائل هندية في البنغال الغربي.



(68)الفارلي- قوم هندي يعيش في أراضي ولاية بومباي الحالية و جزئياً في المناطق الشمالية من ولاية مدهيا-براديش الحالية.



(69)الفرس القدامى.



(70)الفرنج (الإفرنج)- مجموعة قبائل جرمانية كانت معروفة قبل القرن الثالث باسم قبائل الإيسكيفيين أو الإيستيفيين. كانت تقطن الأرض الواقعة على أواسط و أسافل نهر الراين. منذ القرن الثالث، شرعت تستولي على أراضي غاليا (بلاد الغال)، و أنجزت عمليات الاستيلاء في أوائل القرن السادس.



(71)الرنج الساليون- أحد الفرعين الرئيسيين للقبائل الجرمانية من المجموعة الإفرنجية (الفرنجية)، نحو أواسط القرن الرابع، استوطنوا ساحل بحر الشمال من مصب نهر الراين إل شلدا، فيما بعد ، استقروا في أراضي غاليا الشمالية.


(72)الفينيقيون- سكان فينيقيا القديمة.



(73)القبائل- مجموعة من قبائل البربر في الجزائر تسكن في جبال الجرجرة و المناطق الجبلية من إقليم قسنطينة و جبل أورس.



(74)القبائل الإيطالية، الإيطاليون- قبائل كانت في الأزمنة الغابرة تقيم في شبه جزيرة إبنينو. شكلت المجموعتان الرئيسيتان من هذه القبائل اللاتين و السابليين.



(75)القبائل القوطية (الغوطية)- إحدى المجموعات الأساسية من القبائل الجرمانية . في مستهل القرن الميلادي، هاجرت من سكاندينافيا إلى حوضي نهري الفيستول و الأودير.



(76)القبائل اللاتينية- إحدى المجموعتين الرئيسيتين من القبائل الإيطالية القديمة. و إليها كان ينتسب الرومان القدامى.



(77)قدماء الآثينيين.



(78)قدماء اليونانيين (الإغريق القدامى).



(79)القوط (الغوطيون)- القبيلة الجرمانية الأساسية من المجموعة القوطية ، قبيل العهد الميلادي، نزحت من سكاندينافيا إلى منطقة أسافل الفيستو، و نحو القرن الثالث، إلى المنطقة الشمالية من سواحل البحر الأسود، و منها طردها الهون في القرن الرابع. كان القوطيون ينقسمون إلى القوط الشرقيين الذين شكلوا في أواخر القرن الخامس مملكة لهم في شبه جزيرة إبنينو، و القوط الغربيين الذين شكلوا في أوائل القرن الخامس مملكة لهم في بلاد الغال الجنوبية في البدء ، ثم في شبه جزيرة البيرينه.


(80)الكاراييب (الكاريب)- مجموعة من قبائل الهنود الحمر في أميركا الجنوبية. كانت تسكن في أراضي البرازيل الشمالية و الوسطى و في المناطق المتاخمة لها من فينيزويلا و غويانا و كولومبيا.



(81)الكارين- مجموعة قبائل، في الوقت الحاضر قوم يعيش في القسم الجنوبي الشرقي من بورما.



(82)الكافيات (الكافياك)- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش على سواحل مضيق بيرينغ.



(83)كاميلاروي- قبيلة أوسترالية كانت تعيش في حوض نهر دارلينغ (القسم الغربي من أوستراليا).



(84)كايوغا- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا. كانت تسكن في أراضي ولاية نيويورك الحالية.



(85)الكفر-الزولو- (الاسم الصحيح-الزولو)- -قوم من إفريقيا الجنوبية الشرقية.



(86)الكوتار- قبيلة هندية تسكن في منطقة جبال نيلغيري (القسم الغربي من ولايتي مدراس و ميسور الحاليتين).



(87)الكوكوس- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الجنوبية كانت تعيش في أراضي التشيلي الحالية.



(88)الكلميك- قوم مغولي الأصل . حتى أواخر القرن السادس عشر، كان الكلميك يعيشون في سهوب جونغاريا بآسيا المركزية. في النصف الثاني من القرن السابع عشر، رحلوا إلى المناطق الجنوبية الشرقية من روسيا و استوطنوا أسافل نهر الفولغا.



(89)اللومبارد- قبيلة جرمانية ، قبل بداية القرن الخامس، كانت تعيش على الضفة اليسرى من أسافل نهر الألب، ثم انتقلت إلى حوض أواسط نهر الدانوب، و فيما بعد إلى إيطاليا الشمالية و الوسطى.



(90)الليغوريون- مجموعة من قبائل كانت في سحيق الأزمنة تسكن القسم الأكبر من شبه جزيرة إبنينو. في القرن السادس ق.م طردتها القبائل الإيطالية إلى القسم الشمالي الغربي من شبه جزيرة إبنينو و إلى القسم الجنوبي الشرقي الساحلي من بلاد الغال. في مستهل العهد الميلادي أخضعها الرومان فترومنت تدريجياً.



(91)الماغار- قبيلة . في الوقت الحاضر قوم يسكن المناطق الغربية من النيبال.



(92)المانيبوري- قوم هندي يسكن في أراضي ولاية مانيبور الحالية. المكسيكيون- سكان المكسيك الأصليون.


(93)المكسيكيون الجدد- راجعوا الملاحظة عن البويبلو.



(94)موهاوك (موهافك)- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا، كانت تعيش في أراضي ولاية نيويورك الحالية.



(95)الميامي (المايامي)- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية ، كانت في القرن السابع عشر تعيش على الضفة الغربية من بحيرة ميشيغان، في مستهل القرن الثامن عشر، نزحت إلى أراضي ولايات إيلينويس و أنديانا و أوهايو الحالية، ثم طردها الأميركيون إلى الغرب، إلى ما وراء نهر ميسيسيبي.



(96)النايير (النايار)- الفئة المغلقة العسكرية العليا من شعب المالايالي الهندي القاطن في أراضي ساحل مالابار.


(97)الننتسي- قوم يعيش في المناطق الشمالية من الاتحاد السوفييتي من الساحل الشرقي للبحر الأبيض حتى أسافل نهر ينيسيي و في جزيرتي كولغويف و فاغاتش و في جزء من الأرض الجديدة.



(98)النوبيون- قوم إفريقي يقطن القسم الشمالي من السودان الشرقي والقسم الجنوبي من مصر.



(99)النوتكا- مجموعة من قبائل صغيرة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تقيم في القسم الجنوبي الغربي من جزيرة فانكوفر و على ساحل القارة عند رأس فلاتيري.



(100) النورمنديون- قبائل جرمانية كانت تسكن في جوتلند و سكاندينافيا. في مرحلة القرون الوسطى الباكرة، الاسم المشترك لقدماء النروجيين و الأسوجيين و الدانماركيين.



(101) النوريكيون- مجموعة من القبائل الإيليرية السلتية كانت تعيش في أراضي مقاطعة نوريك الرومانية القديمة (حاليا أراضي شتيريا و قسم من كارينتيا في النمسا).



(102) الهايدا- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية كانت تعيش في جزيرة الملكة شارلوت و القسم الجنوبي من جزيرة الأمير ويلس.



(103) الهرمينون- إحدى المجموعات الأساسية من القبائل الجرمانية، كانت في مستهل العهد الميلادي تسكن الأراضي الواقعة بين نهري الألب و الماين، كانت هذه المجموعة تضم قبائل السوييف و اللومبارد و الماركومانيين والهاتيين وغيرها.



(104) الهو- قبيلة هندية تعيش في القسم الجنوبي من ولاية بيهار الحالية. الهون- شعب من الرحل في آسيا المركزية كانوا يعيشون في مستهل العقد الميلادي إلى الشمال و الغرب من نهر هوانهي . منذ القرن الخامس تحركوا حتى غاليا (بلاد الغال) حيث هزمهم الرومان و غيرهم من شعوب أوروبا.



(105) الهنود الحمر- سكان أميركا الأصليون.



(106) الهنود الحمر في أميركا الشمالية- راجعوا الملاحظة بشأن الهنود الحمر.



(107) الهنود الحمر الأميركيون. الأميركيون. راجعوا الهنود الحمر.



(108) الهنود، قبائل الهنود – سكن الهند الأصليون.



(109) الهيرول- قبيلة جرمانية ، كانت تعيش في مستهل العقد الميلادي في شبه جزيرة سكاندينافيا، في القرن الثالث نزح قسم من الهيرول إلى المنطقة الشمالية من سواحل البحر الأسود، و منها طردهم الهون.



(110) الويلسيون (الفاليون)- قوم سلتي الأصل، يقطنون شبه جزيرة ويلس و جزيرة إنجلسي.


يري- قبيلة من الهنود الحمر في أميركا الشمالية تنتسب إلى مجموعة الإيروكوا. كانت تعيش في منطقة بحيرة يري.



#فريدريك_انجلز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحق: تخطيط لنقد الاقتصاد السياسي
- رسالة من انجلس الى ماركس
- دور العمل في تحوّل القرد إلى إنسان
- خطوط أولية لنقد الاقتصاد السياسي (7)
- حول السلطة
- مراسلات ماركس انجلس - من انجلس الى فرانتس مهرينغ-
- موجز رأس المال
- رسالة فريدريك انجلز إلى بيبل
- مباديء الشيوعية
- في ذكرى رحيل كارل ماركس - خطاب على قبر كارل ماركس


المزيد.....




- أبو شحادة يدعو لمشاركة واسعة في مسير يوم الأرض
- الوقت ينفد في غزة..تح‍ذير أممي من المجاعة، والحراك الشعبي في ...
- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - فريدريك انجلز - أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة