كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2861 - 2009 / 12 / 17 - 00:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تسبب جور نظام الشاه الإيراني خلال عقود كثيرة لجوء الشعب الإيراني إلى ممارسة النضال الصارم والمتواصل للخلاص من ذلك الظلم القاهر. وفي العام 1979 استطاع هذا الشعب المتلهف للحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية إسقاط نظام الشاه, الذي كان قد وجد الدعم والتأييد من دول العالم الرأسمالي بشكل كامل والمساومة من جانب الدول الاشتراكية, مما تسبب في تعاظم غضب الشعب الإيراني من سلوك الدول التي تتحدث بالحرية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ولا تستنكر ممارسات النظام الملكي الإيراني الاستبدادية.
إلا أن الثورة الإيرانية التي أسقطت نظام الشاه, والتي أججها الشعب بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه الكثيرة قد تمت سرقتها من طرف واحد واستبد بها بشكل أسوأ مما كان عليه في زمن الشاه, وهو الطرف الذي شارك قبل ذاك في النضال ضد ظلم الشاه, إنها قوى الإسلام السياسية التي قادها روح الله الخميني من العراق ومن ثم من باريس.
وخلال فترة وجيزة صادر هذا النظام الجديد باسم الإسلام كل المكاسب التي حققها الشعب الإيراني في ظل النظام الملكي ومنها جملة من حقوق المرأة مثلاً. كما زج في السجون قادة وكوادر وأعضاء الأحزاب السياسية العلمانية والديمقراطية مثل حزب توده وحزب فدائيي خلق وحزب مجاهدي خلق وبعض القوى البرجوازية الوطنية التي كانت تقود السوق (البارزار) الإيراني والتي لعبت دوراً مهماً في النضال من أجل حريتها وحرية إيران والحريات الديمقراطية العامة.
ومارس النظام الإيراني "الإسلامي" الجديد كل أشكال الإرهاب النفسي والجسدي والعائلي لخنق المعارضة السياسية, بما فيها قوى الإصلاح في إطار النظام ذاته, والذين يخشون على نظامهم الإسلامي الذي أصبح يشكل لطخة عار في جبين كل المنادين بنظام إسلامي في بلدانهم لأنه فضح شعراتهم وعرى أهدافهم الحقيقية التي تتجلى في سياسات وسلوكيات الآخندية (الملالي) الإيرانية.
وسنة بعد أخرى, وخاصة في فترة الحرب العراقية الإيرانية تسنى للنظام الإيراني أن يهيمن بشكل مطلق على الساحة السياسية الإيرانية والشارع الإيراني ويفرض طوعاً على المعارضة السياسية المشاركة في الدفاع عن الأرض الإيرانية التي جرى احتلالها من قبل النظام العراقي المجرم. واستغل الحكم الإيراني الحرب لتوجيه أقسى الضربات للمعارضة السياسية الإيرانية مما دفع مئات ألوف الناس الإيرانيين إلى مغادرة إيران والعيش في المهجر. وهم الآن يعدون بالملايين حقاً وموزعون على بلدان العالم كلها وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا.
إن النخبة الإيرانية الحاكمة تمارس اليوم وبمختلف السبل الإرهاب الفكري والسياسي وتهيمن على الإعلام بشكل مطلق وتفرض رقابتها حتى على الإعلام الحكومي, كما فرضت في الآونة الأخيرة رقابتها على الإنترنيت ومنعت الكثير من المواقع, إضافة إلى منعها استخدام الصحون المستقبلة للقنوات الفضائية.
إن النظام الإيراني الإسلامي السائد في إيران يعود في منهجه السياسي وممارساته إلى القرون الوسطى في أوروبا حين كانت الكنيسة تهيمن على البلاد وتسير النظام السياسي وتمارس الاعتقال والسجن والتعذيب وأشكال الموت حرقاً أو اغتيالاً أو شنقاً أو تحت التعذيب الدموي دون حسيب أو رقيب. إنها الجريمة بعينها!
إن النخبة الإيرانية الحاكمة تمارس اليوم أحكام الإعدام بالجملة وعلى نطاق واسع وتقتل المزيد من البشر دون رادع ديني أو أخلاقي. وقد كشفت قوى المعارضة السياسية في المظاهرات التي سبقت وتلك التي رافقت أو أعقبت تزوير انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران عن الممارسات العدوانية ضد المتظاهرين والمعتقلين حتى وصل الأمر إلى الاغتصاب الجنسي للنساء والرجال من قبل أفراد الحرس الثوري الإيراني المشرف على إدارة السجون, تماماً كما كان يفعل الحرس القومي في الع راق بالستينيات من القرن الماضي أو نظام البعث الثاني في فترة حكمه التي دامت قرابة 35 عاماً.
إن المجتمع الدولي لا يزال صامتاً أمام إرهاب النظام الإيراني وأمام الدوس بالأقدام على حقوق الإنسان ولم يبد أي اهتمام لهذا الموضوع وإلى حدود أقل الرأي العام العالمي, في حين أن الاهتمام منصب على القضية النووية في إيران. وعلى أهمية المخاطر التي ترافق احتمال امتلاك إيران للقنبلة النووية على المنطقة والعالم بحكم طبيعة النظام وتطرفه الالشديد, فأن السكوت عن تجاوزات النظام الإيراني على حقوق الإنسان وحقوق القوميات والحريات العامة وحرية المرأة وعدم الدفاع عن السجناء والمعتقلين السياسيين يمنح النظام الإيراني القدرة على مواصلة الإرهاب الداخلي دون أن يشعر بأي قلق أو خشية من شعوب وبلدان العالم.
إن على أحرار العالم أن يتحركوا ليطالبوا الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي إلى النهوض بمسؤولياتهما إزء الشعب الإيراني وأن يتخذا الموقف الموحد والمتضامن مع الشعب الإيراني ضد حكامه المستبدين بأمرهم وحكمهم, وسواء في ما يخص المسألة النووية ومنع امتلاكها من قبل حكام إيران أم الدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بإطلاق الحريات العامة وحرية المعتقلين والسجناء السياسيين, إضافة إلى منع الحكم في إيران من التدخل في شؤون دول المنطقة , وخاصة العراق ولبنان وفلسطين واليمن والسودان ومصر ...الخ.
نحن أمام نظام لا يعرف الرحمة ولا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم بحق الناس من أجل البقاء في السلطة والحفاظ على مكاسب قوى الإسلام السياسية المتطرفة والساعية للتوسع إسلامياً وشيعياً صوب الشعوب والدول الأخرى والتي تقود إلى صراع ونزاع وقتال بين أتباع الأديان والمذاهب في الكثير من بلدان العالم.
إن الحكم في إيران لم يعد متطرفاً دينياً ومذهبياً ويميز بين أتباع الأديان والمذاهب الكثيرة حسب, بل وأصبح اليوم أكثر عدوانية إزاء أتباع القوميات الأخرى غير الفارسية مثل الكُرد والبلوش والتُركمان...الخ, إضافة إلى مصادرة حريات الشعب الفارسي. كما أن النخبة الحاكمة تمارس الضغط المتنوع على الحكومة العراقية للضغط باتجاهين:
أن تسير الحكومة العراقية على نهج إيران الديني الشيعي من جهة, وأن تكون تحت وصايتها الإسلامية الشيعية من جهة, وأن تقوم بتسليم مجاهدي خلق إلى الحكومة الإيرانية أو طردهم من العراق. إن على الخيرين في العالم أن يمنعوا أولاً تسليم أي من أتباع مجاهدي خلق إلى الحكومة الإيرانية, إذ أن نهايته الموت المحتم على أيدي الباسدارية (الحرس الثوري الإيراني توأم الحرس القومي العراقي) ومن ثم التفكير مع دول العالم بحل يحفظ لهم كرامتهم وحياتهم من جهة أخرى.
إن الدفاع عن الشعب الإيراني هو دفاع عن الشرعية والحياة الدستورية وعن حقوق الإنسان وحقوق القوميات, عن كرامة الإنسان وحقه في الحياة والعمل والتفكير والتنظيم, إنه مناهضة للنظم الدكتاتورية الاستبدادية التي تعود في هويتها لقرون خلت وليس لها أي مكان في عالمنا الراهن, رغم وجود مظالم في الكثير من بلدان العالم.
إننا جميعاً نتحمل مسؤولية الدفاع عن الشعب الإيراني وتحريره من ربقة عبودية القوى المتطرفة من أتباع قوى الإسلام السياسية التي لا تريد أن تعرف التعدد والتنوع , بل تريد احتكار كل شيء في إيران, فالفكر لها فقط والحرية لها فقط والمال لها فقط وهي تمارس كل أشكال الفساد المالي والإداري أنواع المظالم الأخرى دون استثناء.
إن اختفاء النظام الإسلامي السياسي في إيران من الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط هو كسب لجميع شعوب العالم, وهو مكسب للإنسان في إيران ولبلدان الشرق الأوسط, كما هو مكسب للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, وهو مكسب للمرأة الإيرانية بقدر ما هو كسب للرجل أيضاً.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟