أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فخر الدين فياض - مشهديات شمولية والفكر القومي السائد!!















المزيد.....

مشهديات شمولية والفكر القومي السائد!!


فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري

(Fayad Fakheraldeen)


الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 19:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا شك أن الشمولية، هي نفي كلي لمقولة المدنيّة، أي للفرد المتمدن الفاعل، كامل الحقوق.. وبالتالي هي نفي للمؤسسات والتنظيمات الاجتماعية، في الثقافة والسياسة والاقتصاد، بمعنى آخر، هي نفي لمقولة المدينة، تنوع المدينة وخصبها، وقوة التطور والتغيير الكامنة في الغنى الفردي والجمعي معاً. والشمولية تسعى لتحويل المدينة، إلى ما يشبه (الثكنة) التي تعيث العسكرتاريا فيها، خراباً وفساداً، في ظل أيديولوجيات تحتكر الحق والحقيقة، أيديولوجيات أفرزت طغماً حاكمة، استولت على القوة والثروة والسلطة، بوصفها وصيّة على مصائر الناس وخياراتهم، ووصيّة على حاضر البلاد ومستقبلها، فضلاً عن الماضي، الذي يُعاد تأريخه بما يناسب مكونات تلك الطُغم.
الشمولية حوّلت البلاد إلى مخافر تمتد قيداً يرتبط بقيد، لتحاصر نوافذ مدنيتنا الحزينة.. أو ما تبقى للفرد من مساحات حلم.. وحرية.
ويبدو أن لا شيء يقاوم أنياب الدهاليز المعتمة بالشعارات واللافتات التي تحتضن موتنا.. أكفان تلفها (تَقَويّة) الأبيض والأسود، و(كلبية) التكفير والتخوين.. وعلى حد رأي جاد الكريم الجباعي، التقوية والكلبية*، وجهان لعملة واحدة.
الشمولية تعاند العقل ومنطق التاريخ، وترسم إشارات مرور ثابتة ومطلقة لشوارع الأفراد والجماعات.. وأمنياتهم.
قد يشعر المرء بأن العالم العربي قد استسلم لقدره (المحتوم) في الأرض والسماء، أمام تحالف سلطتين مستبدتين: سلطةً وضعيةً تقوم على (قانون) العنف والقهر وتوزيع أرزاق الناس حسب ولاءاتهم للقيادات الخالدة المخلدة، وسلطة دينية تقوم على تبرير قانون الطغمة من جهة، وعلى مقولات جهادوية وآخروية، لا شأن لها في العالم الأرضي، إلا أنها دار فناء، وامتحان، وبلوى.. لترسم أفق الناس بالدم والسواد من جهة ثانية.
وقد لا يستفز المرء ضلوع نظام حاكم، أو عصبة، تمارس استبدادها في سبيل البقاء.. والتنعم بامتيازات الحكم.
ولكن ما يستفز المرء حقاً، هو ضلوع الفكر (القومي) السائد، بالتبرير والترويج للشمولية.. قطعان من (الكتبة) تروّج لذبح الشعوب على أعتاب الأيديولوجيات والقادة التاريخيين.
فأن يذبح أهل دارفور الجياع بآلة القتل البدائية عند عمر حسن البشير، أمر لا يستحق التوقف عنده طويلاً، لأن (وحدة السودان!!) هي الهدف، وبالتالي تزحف جحافل (المثقفين القوميين) نحو خيام البشير، لتبارك القتل وترفض (المحكمة الدولية) لأنها محكمة (مسيّسة وإمبريالية بامتياز!!).. أما أهل دارفور القتلى فليسوا سودانيين!!، وربما ليسوا بشراً يستحقون المطالبة بدمائهم المسفوكة!!، ويكفي أن نراقص البشير بعصاه الغليظة، لنؤكد عروبة السودان ووحدته، ونبرئ البشير من مسؤولية القتل الهمجي، رغم أن رقاب السودانيين، بالمعنى العام، هي أمانة في عنقه، لأنه (زعيم البلاد والعباد) كما يقول.. ويقولون!!
وليس بعيداً عنه علي عبد الله صالح، الذي يقصف (الحوثيين) بقذائف طيرانه الحربي، فالحوثيون دعاة انفصال، ويرتبطون بأجندة إقليمية، وبالتالي فإن اجتثاثهم يحافظ على (وحدة اليمن السعيد)!!
وليس مهماً أن الحوثيين لا يجدون مياه شرب صالحة، أو رغيف خبز يسد رمق أبنائهم، وأن مناطقهم دون أقل الخدمات التي تليق بإنسانية الإنسان.
وبالطبع ليس مهماً، أن الطيران الحربي وجد ليقاتل على الجبهات وأعداء الوطن، وأن دوره داخل مدن الوطن هو جريمة في حد ذاته.
الفكر (القومي) السائد يؤكد أن القتال هو مع (الحوثيين) ويغفل أن الحوثيين هم يمنيون أولاً، وهم عرب بامتياز.. وأن هناك نساء وأطفال أبرياء تروّعهم وتقتلهم طائرات (القائد التاريخي)، وأن وحدة اليمن (السعيد) لا تأتي عبر قتل وتهجير عشرات الآلاف من اليمنيين.
الجنوب اليمني، يصوّت للانفصال، وقد أعيته (الوحدة) القائمة على الفساد والعسكر.. والوسط اليمني يقض مضاجعه، تنظيم القاعدة من جهة، وغياب الحريات والمؤسسات المدنية، ودور مخابرات النظام في القمع والاضطهاد.. ومع ذلك يظل علي عبد الله صالح، القائد الخالد في اليمن. رغم حروبه في شمال وجنوب ووسط البلاد!!
ولا يطرح على بساط البحث تنحيّه عن السلطة مثلاً، لأنه (فشل) ـ لا سمح الله، فكيف يفشل القادة التاريخيون؟! ـ بالحفاظ على حياة الناس فضلاً عن متطلبات الحد الأدنى من العيش.. ليس إلا.
ألم يكن قبله (قائد خالد) في العراق، دكّت مدافعه ودباباته وطيرانه الحربي الجنوب والوسط، إبان الثورة (الشعبانية).. وأباد عشرات الآلاف بالأسلحة الكيميائية في الشمال بحجة الحرص على وحدة العراق.. بعد أن عاثت أجهزة مخابراته في قلوب العراقيين، قبل عقولهم..
ومع ذلك ظلّ صدام حسين (القائد الرمز) في الفكر القومي السائد!!
والملاحظة هنا، أن (القادة التاريخيين).. منذ ستالين وهتلر، وليس آخرهم صدام حسين، هم الذين خرّبوا تاريخ الشعوب، وأوقفوا عجلة الحريات وبدايات الليبرالية في بلادهم.. وبهذا المعنى، لا يعتبر غاندي قائداً تاريخياً، في حين يعتبر غيفارا قائداً تاريخياً بامتياز.. كذلك لا يعتبر شكري القوتلي في سوريا قائداً تاريخياً، في حين يعتبر عبد الناصر قائداً تاريخياً.. وبامتياز أيضاً!!
وبنفس السياق، لم أفهم كثيراً حجّة (الاعتدال) الحمساوي إزاء تنظيم "أنصار جند الله" مثلاً.. فما أن أعلن زعيمها إمارته الإسلامية، ذات يوم، في رفح، حتى انبرت جحافل حماس لاقتلاعه، في أقل من ثلاث ساعات، بعد أن اتهمته بالتطرف و(اللوثة العقلية!!).. ليس مهماً هنا أن حماس لا تحاور، ولا تعطي الفرصة لمعارضيها بالدفاع عن أنفسهم، وليس مهماً أنها القاضي والجلاّد في آن، وتنفذ أحكامها ميدانياً، ودون أي قيد أو شرط، يتعلق بشرعة حقوق الإنسان أو غيره.. وللذين لم ينتبهوا فإن حماس اقتلعت (وبنفس الدموية) عناصر جيش الأمة وعناصر جيش الإسلام في غزة، قبل أنصار جند الله. والجميع يذكر ما فعلته بعناصر فتح إبان انقلابها (التاريخي) على فتح، والذي شبهته قيادات حماس بفتح مكة!!
فكل من يعارض حماس، من اليمين أو من اليسار، من (الأخوة المجاهدين) أو من (عملاء إسرائيل) مصيره (إقامة الحد) عليه، وذبحه من الوريد إلى الوريد.
ومع ذلك تظل حماس، وحسب الفكر القومي السائد، هي المقاومة وهي الجهاد وهي أمل الأمة ورمز تحررها وعنفوانها.. وكفى الله المؤمنين شرّ التفكير!!
المشكلة في الفكر القومي السائد أولاً، فكأن انتقاد حماس، يعني رفضاً للمقاومة، أو قبولاً بتكتيكات عباس والسلطة الفلسطينية!!
أو أن انتقاد صدام حسين ونظامه هو قبول بالاحتلال وحكومته!!
أو التعاطف مع مأساة الحوثيين هو رفض لوحدة اليمن!!
أليس الحرص على المقاومة (بوصفها حركة تحرر وطني) والعروبة (بوصفها معطىً حضارياً) يعني انتقاد هذا الفحش الذي يمارس باسميهما؟!!
وأليس الحرص على الدولة في البلدان العربية والنحو بها باتجاه الدولة الوطنية الحقة يعني انتقاد شموليتها التي ملأت فضاءنا بكل وخم التاريخ والعالم معاً؟!!
.....................................................
* وردة في صليب الحاضر، جاد الكريم الجباعي، رابطة العقلانيين العرب، ص26
والكلبية هنا نسبة إلى مدرسة الكلبيين التي وجدت في اليونان القديمة (القرن الرابع ق.م).. الكلبية سمة للشخصية التي تتميز بالاحتقار الصريح للقواعد الأخلاقية.. وتقترن هذه النزعة في النظم الشمولية باحتقار الشعب، بما هو مصدر السلطة والسيادة، وبازدراء القانون والاستهانة بحياة المواطنين فضلاً عن حقوقهم المدنية والسياسية، وارتكاب أفظع الجرائم باسم الدفاع عن مصالح الجماهير وثوابت الأمة.






#فخر_الدين_فياض (هاشتاغ)       Fayad_Fakheraldeen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تزاوج الأنظمة الشمولية مع دجالي الأصوليات الفاسدة ..في قضية ...
- وحدهم أهل غزة يدفعون ثمن الجحيم الإسرائيلي
- في ذكرى رحيل روزا باركس
- بيروت وبغداد.. ثانية..
- بيروت تنسى صور شهدائها
- الحوار المتمدن ومحنة الكلمة ..ثانيةً
- المحرقة الطائفية.. بين جورج بوش وعبد العزيز الحكيم
- غيوم رمادية .. على أعتاب زمن قبيح
- بغداد الذبح الظلامي .. ونهاية التاريخ
- مهزلة العدالة .. إن لم تصدقوا اسألوا داليما
- النخبة العراقية الحاكمة.. وغياب القانون والوطن
- الأخوة (كارامازوف) في مؤتمر مكة
- كل عام وأنت بخير.. يا بغداد..
- الوطن.. والشطرنج
- التغيير الوطني الديمقراطي.. بين مشروع الدولة ومشروع المقاومة
- سنوات المحنة الطائفية .. والكفر المذهبي
- 11 أيلول.. حرب اللامبادىء
- الفتاوى الدينية .. بين نزاهة الدين وتكتيكات الطائفة
- الأمم المتحدة.. (كبش فداء) للسياسات الأميركية الخاطئة!!
- أمطار الشرق الأوسط الجديد..


المزيد.....




- شاهد.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا
- حلوى بريطانية كلاسيكية تواجه حالة من عدم اليقين بسبب الواردا ...
- البنتاغون يواجه تحديات غير متوقعة بسبب أوكرانيا.. موردون لا ...
- العلماء الروس يضعون قاعدة بيانات لدلافين مهددة بالانقراض
- تربة تقاوم الجفاف في العراق
- تصريح صحفي صادر عن الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن ...
- خامنئي يعلق على قمع الاعتصامات المناصرة لفلسطين في الولايات ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مواصلة عملياته وسط غزة (فيديو)
- ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة إلى 34568 قتيلا ...
- تزامنا مع سيول عارمة.. حبات برد بأحجام كبيرة تخترق الخيام في ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فخر الدين فياض - مشهديات شمولية والفكر القومي السائد!!