أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم الشويلي - شتاء جهنم ..... قصة قصيرة














المزيد.....

شتاء جهنم ..... قصة قصيرة


كاظم الشويلي

الحوار المتمدن-العدد: 2843 - 2009 / 11 / 29 - 14:20
المحور: الادب والفن
    




اشتد البرد في زنزانتي التي لا يضيئها سوى مصباح معلق في السقف كأنه فانوس يلفظ أنفاسه ألا خيرة ، ناديت ســـجاني الذي يقف على كرسي طويل في زاوية الغرفة وبفمه سيجارة:
- أريد مدفأة تقيني برد الليل الشتوي اللامتناهي .
كان قصير القامة جدا ، زم شفتيه بلا مبالاة ، وظننت أن توسلاتي سوف تصيب المرمى واكسب الجولة دون الخوض في سياسة العصا الغليظة.... قلت له بعطف ورقة :
- وإذا لم تـكن هناك مدفاة فتكفيني بطانية واحدة لفراشي وغطائي وسوف أتوسد حذائي .... نعم لا بآس ببطانية.... واحدة ....

الشي الوحيد الذي لم أجد له تفسيرا هو : هل كنت أهذي بسبب البرد القارس أم إن سيدي السجان لا يفقه ما أقوله . قطب حاجبيه ، ربما أدهشه طلبي .. استدركت طلبي و أنا ألمح حلقات دخان سيجارته المحلقة في فضاء الزنزانة و كأنها حبال مشانق ، قلت :
- لا أريد بطانية ، اذ شق الأمر عليك ، أعطني لباسا شتائيا يتناسب مع طقس هذه الزنزانة الرهيبة...
أغمض السجان عينيه و سبح بعالم آخر ، تمتم بكلمات غامضة مثل كاهن فرعوني ، سحب الدخان عميقا ثم أخرجه مرة أخرى على شكل حلقات ، آه تقتلني هذه الحلقات ، تذكرني بالحبال الملفوفة على رقاب الضحايا. توسلت به كما يتوسل الغريق بقشة ، آه من سجان كتمثال روماني لا يتـحرك، نقرت على قمة رأسي بأناملي الخشنة و الذي تمخض بفكرة رائعة سارعت بعرضها أمام سجاني ذو الوجه الصخري :
- البرد سوف يهلكني أسعفني بشاي ساخن يقويني على تحمل البرد ، أسناني تصطك ...
نفث دخان سيجارته بصمت قاتل ، ثم فرك انفه المستطيل و كأنه يستعد لخوض معركة ومضى يحدق في قسمات وجهي البائس ، تلاقت أناملي فوق رأسي و تلمست أذني ثم رجوت هذا الرجل الذي وقف كالوتد وهتــــفت :
ـ أ يها السجان المقدس ! ادع لي الطبيب فقد اشتد ألمي ، أن أنسانا سوف يموت قبالتك وإذا لم تستطيع فاجلب لي أقراص جميع الآلام ، فإذا لم تستطيع فأعطني قدحا من ماء نقي اروي به ضمأي ، و ذلك اضعف الأيمان ...
ظننت أنني في زنزانة قانونية كالتي قرأت عنها في صحف النظام ، لكن ما بال هذا الشرطي يقتلني بنظرات ميتة و كأن أساطيله غرقت في المحيط . كدت أبكي عندما ذكرت أمي وقد سهرت الليالي تذرف الدمع على أبي حينما أودع السجن قبل سنين مازالت كلماتها ترن في آذني مثل ناقوس كنيسة يقرع في واد ، كانت تـنشف دمعـاتها بمند يل عتيق ، و تلمــس كتفي برفق وتقــــــــــول :
- السجن للرجا ل يا ولدي ....
يا أماه هذا في عصركم ، أما في عصـــرنا فمن يطيق نظـــرة السجان وســوط الجـلاد ولسعة الكرسي الكهـربائي و حـوض التيزاب و ا لمروحة التي تدور ملـــــــيون مرة في الثانية .... وأشياء لا اعرفها أنا ولا تعرفينها أنت و..... و.... و.... سألت هذا الد ب المنفوخ جهلا وغباءا :
- كيف يطــــــيب لك الوقت في سـجن نــــــــزلاوه أحرار وجـــــــلادوه عبيد ؟
أماه هذا المغفل البليد لا يجيب مرر أصابعه فوق شاربه الكثيف ورمقـــني بنظــرة حمــقاء سألته مرة أخرى :
- ألا تحب الحرية أيها السيد ؟ اعلم أنك مشغوف بها ، و أنا كذلك يا سيدي اعشقها وأود أن أعود لبيتي و أمي التي تنتظرني و قد أرهقتها سنوات الانتظار ، فهذا السجن كابوس مرعب ....
طقطقت أناملي ، ثم رفعت قدمي اليسرى من المستـنقع الذي يغطي أرضـية الزنزانة حتى ركبـتي و توسـلت بسجاني الذي مازال يـنفث الدخان ، قلت:
- رحماك أيها السيد ! لا أريد شيئا سوى الجلوس ، فأنا لا أستطيع في هذه الغرفة المغطاة بالوحل و الماء الآسن وفضلات رفاق غادرونا أن اجلس مثل باقي البشر ، هذا المستـنقع سوف يشل قدمي ....
رمى بعقب السيجارة إلى الماء الذي يملا الزنزانة تأهب فوق كرسيه الطويل الذي يغوص نصفه في ماء الغرفة لضربي ، أمسك سوطه بإحكام ، رفعه إلى الأعلى ولسع به كتفي .... لقد انتهت استراحته بعد انتهاء سيجارته ، وهاأنذا استقبل سياطا جديدة من العذاب اللامتناهي ....


كتبت عام 1996




#كاظم_الشويلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقراط سوسن ..... قصة قصيرة
- أين أنت ...... يا نجمة الصباح


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم الشويلي - شتاء جهنم ..... قصة قصيرة