أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس جبر - صراخ وصمت














المزيد.....

صراخ وصمت


عباس جبر

الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 19:43
المحور: الادب والفن
    



قصة مهداة الى دعاة الديمقراطية ، والى روح المرحوم صباح العزاوي
سنوات الصمت مرت عليه دونما يجرؤ ان يقول شيئا ،الصمت ملاذه الامين الذي اختاره كما اختاره مواطنيه في بلد اصبحت فيه صرخات الالم يعاقب عليها القانون ، حتى الكلاب النابحة اقلعت عن عادتها السيئه في النباح ليلا ، بعد ان استبدلت بازلام النظام اوكما حبوا ان يطلقوا على انفسهم نواطير الليل، اوقات الكلام القصيرة يشوبها الخوف ، استعار الهمس وسيلة ليصل افكاره للاخرين الذين منحوه الثقة ليقول مايشاء ، لحظات شجاعته التي تنتابه كالحمى احيانا ترغمه ان يهمسها
مع زملائه ليلوذ بالفرار يختفي اياما من مكان جريمته كما يتصورها لان اخترق المحظورات وتكلم رغم انف النظام بكلام لايليق اعضاء فريق الشعبة الخامسة ، استطاع هذه المرة ان يفلت من مخالبهم لم يصل الى مسامعهم ماقاله قبل ايام يال بلادتهم بالرغم من حضورهم الكثيف في شارع المتنبي ، وعيونهم المتنمرة التي تصطاد الفرائس الغافلة ، اغلب تلك الفرائس كانت من اولئك الذين يروجون لبيع اصدارات ممنوعة ، او كما يحلو للنظام ان يسميها افكار صفراء ، عادة ما يبدا عملهم منذ الصباح الباكر ينتشرون في السوق ، ويجالسون بعض وكلائهم ، ويستمعون على اخر التطورا ت واخر الاصدارات والمبيعات ، اغلب الباعة اعتادوا التعامل معهم بدس الرشوة لمن يشكل خطرا على مصيرهم ويقطع ارزاقهم ، الحقيقة ليس هناك خطوط واضحة للمسموح ببعيه والممنوع لانهم يستطيعون تركيب التهم على من يشاؤون بسهولة ليمتصوا اموالهم ويبتزوا ذويهم، الى جانب هذه الاعمال اليومية فانهم يروعون الباعة بسؤالهم عن اسماء الباعة المشتبه بهم في بيع الممنوعات .
ما ان يرى صاحبه الذي شاركه جريمة الاستماع مبتسما حتى يتنفس الصعداء ، ويوطن نفسه على الامان مستانفا حياته من جديد ، ومع نفسه يتبادل التهاني على قدرته في تضليل رجال الامن، الذين فقدوا الرافة ، فقد رائ في ام عينه ذات يوم وهو طالب جامعة في بداية الثمانينات ، القاء القبض على احد الطلاب لتدواله نكته تمس النظام ، بعد عام من اختفاء الطالب التقاه عند بوابة الجامعة وقد استطاع بالكاد ان يعرفه ، لان سحنته تغيرت تماما الى اللون الاصفر وقد اصبح نحيلا اكثر مما عرفه من قبل ، كما ان ابتسامته التي اعتادها تحولت الى تقطيبه وعبوس ، وعيناه لم تستقر في محجرهما كما كانت بالسابق بل انها تتحرك لااراديا باتجاهات مختلفة وكانها تبحث عن شئ مفقود ، ما ان عرفه حتى حاول احتضانه ،
- اين انت يارجل ، لم نعرف اخبارك،
لم يسمع جوابه ولكنه تواصل معه ليدعوه الى النادي ليحتسيا قدحا من الشاي ولكنه حاول الاخير التملص ، ومع اصراره ان يقوده باتجاه النادي ، اعتذر منه وسرعان ماتلاشى في زحام الطلاب وبعد ايام عرف من زميل اخر حكاية النكته وقضية اعتقاله ، لم يره بعد ذلك في الجامعة .
كما مر على خاطره ماحصل لزميل اخر وهو في المرحلة الاخيرة من الدراسة الذي اتهم الاخر بتناول الكتب الممنوعة والتقاءه باشخاص مشتبه في انتمائهم لتنظيمات محظورة ، لم يكن صديقه الحميم ولكنه كان يكن له الاحترام لدماثته وتفوقه في الدراسة ،
اختفاؤه المفاجئ اوقع في نفسه الخوف والهلع ، وقد زاد من خوفه ان زميله نفذ فيه الاعدام ، وانه كان ضحية لمكيدة احد الزملاء الذين تجندهم المخابرات للتجسس يالها من ذكريات حزينه ، مابرحت تطارده حتى في احلامه ، كوابيس الموت تلاحقه في كل مكان وتهدد حياته بمزيد من الرعب ، ليله طويل ، الحلم بالخلاص كان محظورا ايضا لانه سمع ذات يوم ان احدا قد حلم بعبوره الى دولة مجاورة حتى وشي به لرجال الامن ليستودع في السجن بتهمة اجتياز الحدود،
كان عليه ان يكمم احلامه ويوؤدها ، وكي لايقع في محظور الاحلام ، كان لايسمح لنفسه بالنوم العميق ، وقد اعتاد ان يقوم ببعض الاجراءات بعد نوماته المتقطعة ، ينظر الى جوانبه وتحت سريره ، يتفحص وجههه في مراته الصداة ويمسح باصابعه جريمة النوم ويخفي اثره من احداقه ،لم يصدق بعد سنوات الرعب انه تجاوز المحنة ، فعلى الرغم من دخول قوات الاحتلال الى بلده والاطاحة بالنظام ، واختفاء صور الطاغية وانسحاب اللون الزيتوني من الشوارع الاانه مازال يتوجس خيفة ان يعود النظام من جديد ، الحقائق امام عينيه لم تكن الا كوابيس واضغاث احلام لم يتالف معها ولم يصدق حدوثها ، اعدام الطاغية لم يتقبله عقله المكبل باكاذيب اعتاد ان يمررها الاخرون ، الحقائق امامه الان هلوسات ذهنية ماعاد يميز بينها وبين زيفها ،
تلمس اجزائه ليتاكد من سلامة بدنه مرر يده على فروة راسه ليتاكد من صلاحية دماغه المشوش ، اصبح الشك لديه عادة يومية يمارسها ويتقياها ، ماهو الا بقايا انسان حكم عليه بالانشطار ، فقد اهتمامه بلذة الحقيقة ، ليكون شخصا اخر لايعرفه ، جرب ان يكون واقعا ، ان يصرخ ليعوض سنوات الصمت ، تحول همسه الى كلام بدا كانه طفل يتعلم الحروف الاولى ، تناهى الى سمعه صوت لم يسمعه من سنين فيه حشرجة وبحة متصداة ،

هل حقا هذا صوتي ......ام ان هناك من يتحدث الي ؟
مد بصره على طول الطريق ، نظر الى الناس الذين يشاطرونه السير ، وجوه مالوفه وبعضها لم يرها من قبل ، ردد ماقاله قبل قليل من طلاسم ، لم ينتبه لكلامه احد ، الكل منشغلون ، الكل يسيرون،الكل صامتون ولكنه الوحيد الذي يتكلم ، اطفال يلتفون حوله ، بعضهم يرجمه بالحجارة واخرون يصفقون لما يقول ويصدرون اصواتا لم يكن ليميزها لانه انشغل مع كلامه وعذوبة صوته ومازال يتكلم .......




#عباس_جبر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء مؤجل
- قصة قصيرة
- اعادة لخواطر عاشق مصححة
- خواطر عاشق -تعالي
- خواطر عاشق اغفاءة


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس جبر - صراخ وصمت