|
قصة قصيرة
عباس جبر
الحوار المتمدن-العدد: 2832 - 2009 / 11 / 17 - 01:33
المحور:
الادب والفن
الضياع عباس جبر
صورة خافتة الظل تراءت امام مخيلته المتعبة ، اوقدت في جوارحه آلام الماضي القريب ، امه العجوز المتوشحة بلون السواد الازلي وهي تدعوه ذات احد ايام الحصار ليشاركها اناء الطعام الذي اعدته بما لديها من مستحضرات بسيطه وفرتها من اليوم السابق ، بذلت قصارى جهدها ليكون اكلا شهيا على الرغم من نفاد قنينة الغاز وشحة مادة السمن الباقية من الحصة التمونية - تعال ياولدي تناول معي الطعام .... ولما احست بتردده القت اليه بكلام اكثر اغراء - ان هذه القطعة مذاقها كاللحم جربها نظر اليها مليا وفي عينيه علامة السخط، قابلته بابتسامة فاترة وهي تمرر بعض القطع الى جهته وهي تترقب لحظة القبول اذعانا لرغبتها واشباعا لحنوها مسك احد القطع بيده مقلبا اياها باتجاهات مختلفة وكانه يريد اقناع نفسه بتناولها ، وقد علم من الوهلة الاولى انها ليست شريحة لحم وانما هي البديل الاجباري لمادة اللحم المتعذرة النوال ، لقد ادرك انها مادة الباذنجان الصديق اللودود للعوائل الفقيرة ، وبدى عليها اثار الاهتمام والتحميص ليكون لونها قريب للون اللحم المشوي، استمرت العجوز في اغراءه - تناولها ياولدي فانها طيبة.... شعر في اشمئزاز مع نفسه وتساءل ماذا لو كانت قطعة لحم حقيقية ، ولو كانت كذلك اما عدلت الام عن الباذنجان ، انقطعت مخيلته من استقبال هذه المزعجات ، حاول جاهدا ان لايذكر تفصيلاتها ، تقلب في فراشه ، د س وجهه في وسادته القطنية ، وماهي الا لحظات حتى برزت له صورة اخرى لوالدته وهي تتلوى من الالم وتستغيث - ولدي هل من شريحة لحم فان جسدي وهن ...ادركني ياولدي لم اعد احتمل فان معدتها تحتاج الي لحم مشوي لاستاصال مرارتها قبل سنتين وتوصية الطبيب لها الابتعاد عن الدهون ،كانت استغاثت امه قد اوجعت قلبه وحركت فيه روح الرجولة اوماتبقى منها ، هرع الى ادراج مكتبته التقط ما تبقى من خزين امواله المتاتية من عمله في بيع الكتب ، تاكد ان ماعنده من المال يمكنه من شراء ربع كيلو لحم ، بدون تفكير هرع الى السوق متوجها الى القصاب ، جر انفاسه المتقطعة واستجمع قوته ليقول له بصوت لاهث - ربع لحم من فضلك ........... نظر القصاب الى مصدر الصوت ثم عاد انشغاله في تقطيع اللحم المربوط في ا لسنارة المعلقة في واجهة محله خلف عارضة زجاجية معتمة تجمع عليها ما يبقى من رفث اجساد الحيوانات المسلوخة لم يكن موقف القصاب مريحا بالنسبة اليه اذ خالف حساباته ، لانه يظن ان قراره في شراء اللحم يستحق مزيدا من الاهتمام ، عدم الاكتراث اصابه بالخيبة ، اشتغلت لديه ماكنة التبريرات حتى لا يستشيط غضبا ، لعل القصاب منشغل في تلبيه طلبات الاخرين ، ماهي الا لحظات حتى يتوجه اليه ، وما ان ظفر في حصوله على مبتغاه حتى عاد مهللا ، متجها الى بيته ، فرحته انقطعت مع صرخات انبعثت من اتجاه البيت ، وهي نذير شؤوم اعتاده الناس على فقدان احبتهم تسمرت اقدامه - ياساتر يارب ماذا حدث؟ احد جيرانه مسك كتفه وتوجه به الى مكان هادئ ليعلمه ان والدته فارقت الحياة .... الذهول منعه من ابداء اي فعل لكن كيس اللحم قد سقط من يده وتمتم هل ماتت امي؟ _ان لله وانا اليه راجعون لايدري مالذي ابكاه الان بعد تلك السنوات السوداء ، حاول ان يمسك دموعه لكنه فشل ان يكون قويا ورغب اول مرة بالصراخ ، نعم يريد ان يبكي كالطفل ليخفف من عقدة الذنب التي يستشعرها ، اذ لم يستطع ان يحقق رغبتها الاخيرة ، مااكثر الرغبات التي اجهضت على يديه ، ماتت العجوز وفي قلبها امنيات لم يحققها ، لم تدرك زواجه المتاخر عن اقرانه ، كان يرفض كل العروض ويلوذ بالهروب،بحجج الحروب والحصار والوضع المعاشي ، لانه يبرر مواقفه بانه لايريد توريط البنات معه ومن ثم يجني على اولاده لانه يعلم ان مزاجه متقلب ، وتفكيره لايرتقى لما يريده مجتمعه ، لطالما واجهت امه حججه بقولها ان رزق الزوجة معها وانها عتبة يفتح الله عليها الرزق ، لكن عناده وشعوره بطمس جذوة الرجولة منعاه من الاقتناع ، لم يسعفه تدارك الامر والتكفير عن خطيئته بعد سنوات قليلة من شعوره بالندم ، وقف ذات يوم على قبر امه بعد ان رزق بطفله الاول هامسا هذا انا ياامي وهذا معي ولدي قطع البكاء كلامه ولكنه تغالب ليستعيد ما قطعه حققت امنيتك ....... لم يتمالك نفسه اجهش بالبكاء نظر الى ابنه من جديد وكانه يراه اول مرة ولدي هذه جدتك لطالما علمه ان هناك في عالم اخر اكثر هدوءا ترقد جدته لوكانت معه لاحبته كثيرا قال الطفل هذه جدتي ؟ نعم ياصغيري لكنني لااراها انها تراك ومتى اراها حينما تكبر ولاجل ان تكبر عليك ان تكون ابنا مطيعا لابويك وتاكل طعامك بلا تواني سحب ابنه برفق هيا هيا لنذهب..............
#عباس_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اعادة لخواطر عاشق مصححة
-
خواطر عاشق -تعالي
-
خواطر عاشق اغفاءة
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|