أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام مصطفى - في 13.11.1960














المزيد.....

في 13.11.1960


بسام مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 2829 - 2009 / 11 / 14 - 21:44
المحور: الادب والفن
    


في 13.11.1960
بسام مصطفى

مر ما يزيد على أربعة عقود على حادثة حريق سينما عامودة. مئات الأطفال الكرد الذين سُرق منهم مستقبلهم، ولعُبهم، أحلامهم وأعمارهم الصغيرة مستلقين الآن بجانب تل شرمولا، فوقهم ذاك التراب المبارك والأكثر قداسة من سماء الجناة. أربعة عقود مرت وأفئدة أمهات الضحايا الصغار تحترق كما لو كان الحريق قد اشتعل أمس: ذابت الأكباد، الجثث رماد والرائحة إياها تهب على عامودة من جهة الخوف، رائحة الحقد الدفين وأشلاء الأطفال المتفحمة. منذئذ، ترنو شرمولا بصمت إلى الأجساد الصغيرة وتهمس ولا يسمعها أحد: أية قلوب هذه التي أستطاعت أن تحرق هذي القلوب الصغيرة وتصليها بالنار.
في ذاك اليوم من ستينات القرن الماضي (13/11/1960)، توجه المئات من أطفال عامودة إلى سينما المدينة الوحيدة لمشاهدة فيلم سينمائي عن الثورة الجزائرية ضد الأحتلال الفرنسي آنئذ. لم يدر ببالهم ما ينتظرهم وقتها وكيف سيدرون وهم صغار لا يعرفون الكثير عن دسائس الكبار؟ وكيف سيدرون أن الجزائر التي راحوا لتأييدها سوف تتآمر على أخوة لهم وراء الحدود بعد 15 عاما لتجهض ثورتهم وتغتال أحلامهم إلى حين. كانوا صغاراً لايعرفون شيئاً عن الحدود والدول والأوطان ولا من هي الجزائر أو عن أية ثورة يتحدثون. كانوا يمّنون أنفسهم برؤية شيء جديد ليسردوا قصة الفيلم لآبائهم وأمهاتهم حينما يعودون لبيوتهم...
وفي ذاك اليوم سردت عامودة قصتها الكبرى للأرض والسماوات: قامت قيامتهم من جديد كما لو أن الكرد قد خلُقوا للنكبات والحرائق. تحولت السينما اليتيمة وغير الجاهزة إلا لتقديم الموت إلى تنين هائج يقذف نيرانه في كل إتجاه ليصطاد أطفال الكرد، مثل وحش متعدد الرؤوس بدأ يلتهم الأجساد الطرية والصغيرة ويبعثر أعضائهم المتفحمة هنا وهناك وكان على من يحرر نفسه من النار ويصل إلى الباب ملاقاة حتفه في"بئر القدر" والغرق في الماء. نار أو ماء لا فرق فها كليهما لا يقدمان سوى الموت.
تعالت أصوات الصغار المحترقين في سماء عامودة وعم الهرج والمرج، ذُهل أهل عامودة: "إلهي. أكرادك هؤلاء إلهي." توجه سعيد آغا دقوري الذي عرُفت المدينة المنكوبة بإسمه بعد الحريق إلى السينما. تعجبوا منه: هل أولادك بينهم؟ أجاب: أولاد الكرد كلهم صغاري وأكمل سيره. حين وصل إلى السينما أبعد رجال الشرطة الذين كانوا يغلقون أبواب الجحيم بوجه الأطفال ويزيدون الفوضى وثم ألقى بنفسه في النار هناك وحرر عددا من الأطفال من براثن النار التي تمكنت من الوصول إلى جسده وإلتهامه بلهيبها وشررها المتطاير مبقية على عظامه فقط. وعدا الجرحى والمصابين أصطادت النار الجائعة حوالي ثلاثمائة طفل.
يومها انتشرت رائحة إحتراق وتفحم أجساد صغار عامودة في الشمال كله، وتشوه الجو هناك بالدخان الذي دام يومين وبعض اليوم. حينئذ لم تكن هناك سيارة إطفاء واحدة في عامودة التي تبعد عن قامشلو بحوالي ثلاثين كم وحين أتت من مكان ما كانت الأجساد الطرية والصغيرة قد تفحمت ولم يبق منها سوى العظام! يومها، كانت الدموع تنهمر من العيون دونما استئذان، النسوة المتشحات بالسواد أبدا بدأن بالضرب على صدورهن والعويل والنحيب ككرديات معجّنات بالحزن والمراثي لفقدانهن أكبادهن الذين تفحموا وإحترقوا خلية خلية بفضل الإيدولوجيا العنصرية. يومها، كان الله يرى ما تقترفه أيدي مخلوقاته وما يفعلونه ببعض من عل: لا. لم أقل لكم هكذا!
يومها، لم يتماسك شرمولا الذي يكتب تاريخ عامودة بالغبار والصمت نفسه وحاول بكل ما أوتي من قوة أن يصل إلى عامودة وينقذ صغارها من براثن النار الهائجة. لكن صغار عامودة أتوا بأنفسهم إليها وإستلقوا بفيئها إلى الأبد: ها قد تحرروا من حياة الكبار ودسائسهم. الآن يقدرون أن يناموا دونما خوف، دونما نيران أوحرائق ويحلموا كثيرا دون إنقطاع ويرفرفوا فهم طيور الآن.



#بسام_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عارف...اللوحة الأخيرة
- هل سيتباهى الحجل مرة أخرى؟
- إلى الأخ والصديق خالد علي..
- حديث مع كوردي
- فتح الله حسيني في -إمبراطورية الخديعة-
- الأدب الشفاهي الكُردي: البحث عن الهوية المفقودة
- بلا عنوان: شيلان حمو الشاعرة التي ترى بقلبها!


المزيد.....




- -أوقفوا تسليح إسرائيل!-.. الممثل خالد عبد الله يطلق نداء في ...
- مهرجان كان: السعفة الذهبية... منحوتة فاتنة يشتهيها مخرجو الس ...
- مزرعة في أبوظبي تدّرب الخيول لتصبح نجوم سينما.. شاهد كيف
- ثلاثة وزراء ثقافة مغاربة يتوجون الأديب أحمد المديني في معرض ...
- مشاهدة المؤسس عثمان ح 160.. قيامة عثمان الحلقة 160 على فيديو ...
- فروزن” و “موانا” و “الأميرة والوحش” وغيرها من الأفلام الرائع ...
- جامعة كولومبيا الأميركية تنقل الرواية الفلسطينية الى العالم ...
- مالك بن نبي.. بذر من أجل المستقبل
- عودة رويا من الموت… مسلسل المتوحش الحلقة 33 على أون تركي وقص ...
- حتى المشاهير لم يسلموا من الهجمات العشوائية.. الاعتداء على ن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام مصطفى - في 13.11.1960