أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام مصطفى - محمد عارف...اللوحة الأخيرة














المزيد.....

محمد عارف...اللوحة الأخيرة


بسام مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 2822 - 2009 / 11 / 7 - 22:10
المحور: الادب والفن
    



عندما عملت عام 2008 على إصدار كتاب للكاتب الكردي الأرمني (وزير أشو) من خلال وزارة الثقافة في إقليم كردستان العراق، وحين تُرك لي حرية إختيار لوحة لأحد الفنانين الكرد لوضعها على غلاف الكتاب الذي احتوى قصصا وروايات قصيرة تدور معظمها عن معاناة الكاتب وشعبه من الهجرة والنزوح من موطن الآباء والأجداد إلى بلاد الغربة والإغتراب لم أجد لوحة أجمل وأكثر تعبيراً عن هذه المعاناة التي عانى منها كل كردي في مرحلة ما من مراحل حياته من لوحة للفنان التشكيلي الكردي الكبير الراحل د. محمد عارف وهي عبارة عن درب طويل وعلى جانبي الدرب أشجار عالية وفي نهايته البعيدة ثمة جبل مغطى بالضباب وفي وسط الطريق مهاجرون يتوجهون صوب البعيد حيث الجبل.
حينها لم يدر ببالي أنّ عيناي ستقعان يوماً ما ومن على صفحات أسبوعيتنا-روداو- على خبر مهول وهو عبارة عن رسالة لأحد أبناء الراحل د. محمد عارف يناشد فيها رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني بخصوص ما حصل من إهمال كبير في المشفى الجمهوري بمدينة أربيل وسوء معاملته من قبل أطباء وممرضات المشفى المذكور وهو في غرفة العناية المشددة مما أدى وبشكل كبير إلى وفاة الفنان التشكيلي الكردي الراحل محمد عارف.
إن موت د.محمد عارف بهذا الشكل المأساوي يقودنا إلى متابعة هذا الوضع الصحي المزري والسيء في إقليم كردستان. فإذا كان فنان معروف بقامة د. محمد عارف قد لقي هذه المعاملة اللإنسانية وعديمة الرحمة فما الذي سيلاقيه عامة الشعب والآخرون من المهمشين والمسحوقين وما أكثرهم في وطني سيما بعيد إضمحلال الطبقة الوسطى وتلاشيها رويداً رويداً؟! هل فعلاً هذا الواقع الصحي "المريض" لا يهم مسؤولي الإقليم وذلك كما يُشاع ويُقال أن لا أحد منهم تداوى ولو مرة واحدة في كردستان وإنما في أي مكان آخر ما عدا كردستان!! تساؤلات برسم الإجابة ولكن هل من مجيب؟
يروي آلان محمد عارف بحرقة لا مثيل قصة موت والده بالتفصيل ويحذر كل من يهمه الأمر ومن لا يهمه من خطر موت وإختفاء القيم الإنسانية في وطني التي طالما حارب البشر من أجل تعميمها وتثبيتها ويشكو آلان من الإهمال الفظيع الذي تعرض له والده ذو الإبتسامة الأبدية والحس المرهف ويقول: "كنا في المشفى الجمهوري. ساء وضع والدي. نادينا على طبيب ما لكن وللأسف لا حياة لمن تنادي. ومن ثم طلبنا عون الممرضات في المشفى لإلقاء نظرة على والدي وهو في غرفة العناية المشددة ولكن لم يأت أحد منهن بل وأبدين إنزعاجهن من طلبنا مساعدتهن. هل تعرفون لماذا؟ لأنهن كن جالسات في صيدلية المشفى وكنا نسمع من هناك صوت قهقهاتهن وهن يتجاذبن أطراف الحديث دون حياء أو وازع من ضمير."
لن نأت على كل ما ذكره آلان محمد عارف من وصفه لحالة المشفى والاطباء والممرضات والمعدات وأجهزة المشفى المذكور والتي ساهمت إلى حد كبيرفي وفاة الفنان الراحل محمد عارف، لكن ثمة خواطر وأفكار هاجمتني بعيد قرائتي لكل ذلك. فهل من المعقول أن يُعامل فنان كردي خدم طوال حياته الفن الكردي وعبر من خلل ريشته الباهرة عن آلام الكرد ومعاناتهم وكان علما من أعلام الفن الكردي المعاصر يفتخر به الكرد ليس في العراق وحسب بل وفي طول كردستان وعرضها وفي العالم بهذه الطريقة اللا إنسانية والفجة التي لا يجب التعامل بها حتى مع ماسح أحذية! وهل وصلت القسوة وتحجر القلوب لدى من يسمى بملائكة الرحمة إلى فقدانهم ولو لذرة من الرحمة والتعامل الحسن؟ هل قيمة وحياة الإنسان في عراقنا وكردستاننا رخيصة إلى هذا الحد العجيب؟ هل خلق الله البشر أنفاراً فلا يهم إن نقص نفراً أو زاد؟
"طلبت العون من ممرض هناك وعندما وصلوا كان والدي يسلم روحه الى بارئها...بلا أمل وبلا طبيب وضعيفا مستسلما تطلع إليّ أمسك بيدي ووضعها على جهة قلبه ثم تنفس للمرة الأخيرة وأسلم الروح." ذكرتني شكوى نجل المرحوم د.محمد عارف بعادة يبدو أنها باتت من خصالنا. فالتاريخ والتجربة أثبتت أننا لا نقّدر مبدعينا حق قدرهم إلا بعد موتهم ورحيلهم عن دنيانا الفانية. ويبدو أن طاقم المشفى الجمهوري قد أسرع بموت عارف حتى يعرف الكرد قدره ويقّدروا إبداعه وخدمته للفن التشكيلي الكردي! لكن فلأقل أن هذا ما يحصل عادة في شرقنا هذا طولا وعرضا إذ لن تقدر عيون ما رأت سوى الخراب والدمار وأنهار الدماء والعنف، وما تنسمت سوى رياح النميمة والدسيسة جمالاً يتجسد في لوحة من لوحات محمد عارف أو قصيدة من قصائد شيركو بيكس أو رواية من روايات محمد أوزون أو أغنية من أغاني آرام ديكران.
في عام 1982 وفي مشفى المواساة بدمشق مات من الإهمال والنسيان شاعر سوري شاب كان إسمه رياض صالح الحسين ورغم انه كان مصابا بالصم والطرش فلا يقدر على نطق الكلام بشكل جيد، لكن ترك رغم حياته القصيرة أربع دواوين طازجة ورغم تقادم بعض أفكارها الآن إلا أن تلك الروح الحية والدفاقة فيها ما تزال منبعاً للأحلام وحب الحياة والإنسان. وبعد مرور ثلاثة عقود يموت في هولير وهي الرئة التي يتنفس منها الكرد، فنان كردي سّخر ريشته وأفنى سنوات عمره في خدمة شعبه وإظهار الوجه الحسن للكرد وخلد بريشته وجوه الرجال والنسوة الكرد وطبيعة كردستان الخلابة وجبالها ومناظرها الساحرة؛ يموت فناننا من الإهمال وموت الوجدان والضمير.
أعتقد أن ما حصل لمحمد عارف وهو عليل وعلى فراش الموت في غرفة العناية المشددة في المشفى الجمهوري بهولير عاصمة إقليم كردستان لهي اللوحة الأكثر تعبيراً التي لم يستطع أن يرسمها ويهديها لنا جميعا. وما موت المبدعين على إختلاف أطيافهم سوى خبر حيث تبقى أعمالهم خالدة وحيَة دوماً.




#بسام_مصطفى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل سيتباهى الحجل مرة أخرى؟
- إلى الأخ والصديق خالد علي..
- حديث مع كوردي
- فتح الله حسيني في -إمبراطورية الخديعة-
- الأدب الشفاهي الكُردي: البحث عن الهوية المفقودة
- بلا عنوان: شيلان حمو الشاعرة التي ترى بقلبها!


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بسام مصطفى - محمد عارف...اللوحة الأخيرة