|
الجمهوريات العربية وإشكالية التوريث
رضي السماك
الحوار المتمدن-العدد: 2825 - 2009 / 11 / 10 - 21:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ مطالع العقد والجدل السياسي حول تحويل الجمهوريات العربية إلى جمهوريات وراثية في الحكم شبيهة بالبلدان الملكية متواصل يثور بين الفينة والاخرى سواء على مستوى الساحة السياسية العربية بوجه عام أم على المستوى القطْري الداخلي في الجمهوريات التي تحوم الشكوك حول نيات مبيتة لرؤسائها لتوريث الحكم من بعدهم الى ابنائهم الكبار. ولم يكن هذا الجدل قبل ذلك، وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي، غائبا بل كان مطروحا بصورة اقل درجة من البروز اذ كانت ثمة شكوك اثيرت حول نيات رؤساء جمهوريات ليبيا ومصر والعراق وسوريا واليمن لتأهيل ابنائهم البكر لوراثة الحكم من بعدهم حينما يأزف رحيلهم عنه، ثم تعززت هذه الظنون في اواخر التسعينيات على اثر تسلم ابن حافظ الاسد "بشار" السلطة والحكم غداة وفاة ابيه الذي قام بتأهيله مسبقا وليا للعهد بعد مقتل ابنه الأكبر "باسل" في حادث سير. أما في العراق فقد انتهت الشكوك التي تثار في نيات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تأهيل ابنه البكر عدي بإسقاط النظام من قبل قوات الغزو الأمريكي عام .2003 ومع ان الشكوك مازالت تثار وتتجدد بين الفينة والاخرى فيما يتعلق بليبيا واليمن الا انها تكاد تتركز حاليا في مصر بوجه خاص عبر اثارة الظنون ووجود نيات للرئيس المصري حسني مبارك لتأهيل وتوريث الحكم من بعده لابنه جمال. ومع ان الرئيس مبارك قد نفى مرارا خلال السنوات القليلة الماضية اي صحة لتلك الظنون، مؤكدا ان مصر ليست سوريا وذلك في اشارة غامزة تعقيبية على من يستشهدون بالرئيس السوري حافظ الاسد الذي رغم انه لم يكن يصارح شعبه بنياته الحقيقية لتوريث ابنه بشار للحكم ثم فوجئ الجميع بتنفيذ رفاقه في السلطة ما يشبه الوصية المخفية او غير المعلنة بتعديل فوري للدستور ليمكنوا البرلمان من انتخابه للجمهورية خلفا لوالده. ولم يكن الرئيس مبارك وحده الذي يحاول تبديد هذه الظنون بل حتى ابنه جمال نفسه يبذل جهودا هو الآخر لتبديد أو الغاء تلك الشكوك حول توريثه او اغلاق هذا الملف على الاقل في الظروف الراهنة. لكن كل تلك التطمينات بدت كأنها غير كافية لاقناع قوى المعارضة بأن شكوكها في هذا الصدد ليست في محلها فاستمرت تثير زوابع المخاوف، بل تؤكدها بين الفينة والاخرى مستعينة في دلالاتها هذه بالصمت "المريب" من قبل الدوائر المعنية داخل السلطة وذلك بعدم الرد على ما تبديه من شكوك حول بعض المظاهر والمواقف التي تصدر عن قمة هرم السلطة نفسها، او لجوء تلك الدوائر الى الرد الغامض الملتبس الذي يعزز تلك الشكوك لديها. وازاء حالة اللايقين رفعت قوى المعارضة في السنوات الاخيرة شعارات من قبيل "ما يحكمش" او "لا للتوريث"، وتشكلت جماعة من المعارضة تحت اسم "كفاية" منذ عشية اعادة انتخاب الرئيس لولاية خامسة عام .2006 في الآونة الأخيرة اثيرت هذه المسألة من جديد بقوة بمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب الوطني الحاكم، فكان ان سُئِل جمال مبارك في مؤتمره الصحفي، باعتباره احد قادة الحزب، عمن سيكون مرشح الحزب الحاكم في انتخابات الرئاسة عام 2011؟ فرد "لكل حادث حديث"، واضاف: "لا يوجد تفكير حالي لتحديد اسم مرشح لتلك الانتخابات". لعل من ابرز الباحثين العرب الذين تناولوا مسألة التوريث في الانظمة الجمهورية العربية المعاصرة الباحث اللبناني خليل أحمد خليل وقد اعد دراسة بذلك تحت عنوان "التوريث السياسي في الانظمة الجمهورية العربية المعاصرة" صدرت في كتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر.. واهم ما في هذه الدراسة ان الباحث يؤصل جذور ظاهرة التوريث السياسي في الجمهوريات العربية بأنها كانت موجودة قبل انتقالها الى طور توريث الحكم الى الابناء في اشكال اخرى تتمثل في توارث الاحزاب الحاكمة والمؤسسات العسكرية التي استولت مجموعات منها على السلطة والحكم او في صورة احتكار الرئاسة من قبل طوائف او عائلات كما في النموذج اللبناني ناهيك عن تقادم هذه المجموعات في السلطة. والمشكلة ان قوى المعارضة المصرية تنسى انه سواء صحت مخاوفها من وجود نيات في الرئاسة لتوريث الحكم للابن تحت اي عنوان او مسوغ دستوري او حزبي أم لم تصح فإن التحدي الكبير الذي ينتصب امامها والقضية الكبرى هي قضية ومعركة مدى قدرتها على الدفع باتجاه الاصلاح الشامل وليس الانجرار نحو التركيز في قضية فرعية، فإذا ما سلمنا مع الباحث اللبناني خليل بوجود مظاهر واشكال اخرى من التوريث كامنة داخل الانظمة الجمهورية العربية على نحو ما ذكرنا، آنفا، فماذا عسى سيفيد المعارضة المصرية اذا ما جيء بمرشح رئاسي آخر قوي مدعوم من الحزب الحاكم والسلطة السياسية غير ابن الرئيس ليواصل بدوره نهجا محافظا لا يساعد على تجذير الاصلاح السياسي سوى انها في هذه الحالة كسبت استبدال التوريث بالمعنى القرابي العرقي، الى التوريث بالمعنى الحزبي.. فهل هذا ما يرضيها؟
#رضي_السماك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير جولدستون.. هل يتم إجهاضه مجددا؟
-
أوباما و-نوبل-.. وآفاق التغيير
-
تقرير جولدستون.. وفساد -السلطة-
-
دروس هزيمة فاروق حسني
-
تضحيات السوفييت في حرب أكتوبر
-
كوارث العالم.. وإنفلونزا الخنازير سياسيا
-
الصين بعد 60 عاما من الاشتراكية
-
بازار تسليع المرأة سياسيا
-
العمامة والسياسة
-
المقرحي والغرب.. وحقوق الإنسان
-
المثقف والسلطة.. سولجنستين نموذجا
-
انقلاب جنبلاط على -14 آذار-
-
شهادات في هزيمة يونيو 67 (1)
-
هل نودع عصر الكاريكاتير والكتابة الساخرة؟
-
ثورة يوليو بين النكسة والثورة المضادة
-
بين زنوج البصرة.. وزنوج أمريكا
-
إيران.. وحلم التغيير المجهض
-
الإلحاد بين الماركسية والداروينية
-
الأزمة المالية وديون البلدان الفقيرة
-
كيف مر يوم الصحافة العالمي؟ (1)
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|