أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - المصطفى البخاري - إشكاليات التراث المغربي في فن القراءات















المزيد.....



إشكاليات التراث المغربي في فن القراءات


المصطفى البخاري

الحوار المتمدن-العدد: 2820 - 2009 / 11 / 5 - 01:23
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



المصطفى البخاري ‏‎"‎‏ الدار البيضاء ‏‎"‎
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&& ‏

ان سبر أغوار القرءان الكريم و دراسة ما جاء فيه من اختلاف في القراءات يفرض علينا ‏الرجوع في رحلة تاريخية الى ما قبل كتابة المصحف الشريف للوقوف على أصل الخط العربي ‏الذي استشفت منه كتابة القرآن, و المتميزة بخصوصية في نظام الرسم، سواء في تشكيل ‏الحروف و الكلمات, أو ما عليه من نقط و حركات
‏-‏ ذلك أن الحضارة العربية من الحضارات التي شهدت منذ عصورها المتقدمة استخدام ‏الكتابة لتسجيل واردات المعابد و تدوين العقود و غيرها من الأغراض التي كانت ذات ‏شأن و اهتمام. فلقد جاء عن (طه باقر) في مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ‏‎:)‎‏ تاريخ ‏الفرات ‏‎(‎‏ ‏
‏ أن السومريين، و البابليين والأشوريين هم أول من وضع الكتابة في التاريخ وسميت بالكتابة ‏المسمارية. ‏
و في الجزيرة العربية, و بلاد الشام, و العراق تم استخدام أنواع عديدة من الخطوط و الكتابات, ‏كالخط الحميري, و الثمودي اللحياني, و الصفوي و الخط النبطي...‏
أما الخط العربي الذي عرف في الجاهلية و صدر الاسلام, فقد اختلفت في أصل نشأته و كيفية ‏تطوره الآراء , ,منها :‏
‏ الرأي الأول : ‏
ان الخط العربي نزل توقيفيا من الله سبحانه و تعالى مع سائر الخطوط و الكتابات على آدم عليه ‏السلام, و يستدل أصحاب هذا الرأي بقوله تعالى :( اقرأ باسم ربك الذي خلق..) سورة العلق ‏الآية ‏‎; ‎‏ (‏‎1‎‏) ‏
‏*= انظر ‏‎:‎‏ العقد الفريد ‏‎3‎‏ /‏‎3‎‏ . والفهرست ‏‎7)‎‏ ‏‎(‎‏ وأدب الدنيا والدين ‏‎)‎‏ ‏‎42‎‏ ‏‎(‎

‏ الرأي الثاني : ‏
‏-‏ ان أول من كتب بالعربية هو عبد ضخم بن آرام بن سام بن نوح عليه السلام و أولاده, ‏و من تبعه من الذين نزلوا بالطائف.‏‎ (‎‏ ‏
‏-‏ ‏*= أخبار الزمان للمسعودي ‏‎52 )‎‏ و ‏‎54‎‏ ‏‎((‎‏ والعقد الفريد ‏‎)‎‏ ‏‎4‎‏/ ‏‎156‎‏, ‏‎157‎

‏ الرأي الثالث: ‏
ان الخط العربي نقل عن الخط الحميري, فتعلمه أهل الأنبار من أهل اليمن... ‏
‏ ‏
‏*=ادب الكاتب لابن قتيبة ‏‎29 )‎‏ ‏‎(‎‏ والحروف للرازي ‏‎)‎‏ ‏‎133‎‏ ‏‎(‎‏ وتاريخ المللوك للطبري ‏‎203/1‎‏ ‏

‏ ‏
‏ ‏


‏ ‏
‏ الرأي الرابع ‏‎:‎
ان أول من وضع الكتابة العربية هم ملوك مدين الذين وضعوها على أسمائهم : ( أبجد هوز... ) ‏و قيل غير ذلك...‏

‏ *= العقد الفريد ‏‎3‎‏ /‏‎3‎‏ . والفهرست ‏‎7)‎‏ ‏‎(‎‏ وأدب الدنيا والدين ‏‎)‎‏ ‏‎42‎‏ ‏‎(‎‏ ‏
‏ الرأي الخامس : ‏
ان أول من كتب بالعربية هم ثلاثة رجال : ( مرامر بن مرة, و أسلم بن سدرة, و عامر بن ‏جدرة) فوضع الأول الصور, و الثاني فصل و وصل, و وضع الثالث الاعجام, و قد أخذ أهل ‏الحيرة الكتابة عنهم, ثم سائر العراق, فشمالي شرقي نجد, فالطائف ثم مكة لتعم الحجاز....‏
‏ كتاب الكتاب للبغدادي ‏‎)‎‏ ‏‎43‎‏ ‏‎(‎‏ وعيون الاخبار لابن قتيبة ‏‎43/1‎



و قد اعتمد أصحاب هذه الآراء, الأخبار و الروايات التاريخية تارة, أو الشواهد و ‏المكتشفات الأثرية تارة أخرى
فالخط العربي, و ان كان توقيفيا من الله سبحانه و تعالى, بأن أنزله على أبي البشر آدم عليه ‏السلام او غيره ممن اختلفت الروايات في نسبة الحرف العربي اليهم, كنسبة الأبجدية الى ‏ملوك مدين, فان رسم المصحف ليس الا حروفا و كلمات وضعت على نسق ذلك الخط, الذي ‏يمثل الكتابة العربية القديمة التي عليها رسم المصحف , و التي بها كتب , بحيث يتفق لفظه ‏مع اختلاف اللهجات العربية في نسق متميز, بدليل قوله تعالى : ( بسم الله الرحمن الرحيم ‏حم و الكتاب المبين انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) الزخرف ‏‎2-1‎
و لقد كتب المصحف الشريف آخر ما كتب كما هو معلوم في عهد الخليفة عثمان (ض) ‏بالخط العربي الذي كان وقتها مجردا من نقطي الاعراب و الاعجام, و هي خاصية للكتابة ‏العربية في اصلها البعيد, لان العرب لم تكن أصحاب شكل و لا نقط , و أن الذي ابتكر ‏طريقة النقط المدورة لتمثيل الحركات هو أبو الأسود الدؤلي الذي اختار رجلا من عبد القيس ‏و قال له : خذ المصحف و صبغا يخالف المداد, فاذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف , ‏و ان ضممتها فاجعل النقطة الى جانب الحرف , و ان كسرتها فاجعلها في أسفله , و ان ‏اتبعت شيئا من هذه الحركات غنة فانقط نقطتين , فابتدأ المصحف حتى أتى على آخره ‏‎:‎‏ ‏
‏*= انظرالبخاري ‏‎626/6‎‏ والفهرست ‏‎)‎‏ ‏‎45‎‏ ‏‎(‎‏ ورسم المصحف ‏‎)‎‏ ‏‎645‎‏ ‏‎(‎‏ وما بعدها‏
ثم جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي فحول هذه النقط الى الحركات المعروفة, فجعل الفتحة ألفا ‏صغيرة مائلة فوق الحرف , و الكسرة ياء صغيرة مردودة تحته , و الضمة واوا صغرى ‏فوقه , و الشدة رؤوس الشين مختصرة من (التشديد) و هكذا . فالمصحف الآن الذي هو ‏برواية ورش عن نافع يحمل ذاك العمل المشترك بين الدؤلي و الخليل... ‏
‏ * = انظر المخكم ‏‎)‎‏ ‏‎7‎‏ ‏‎(‎‏ ورسم المصحف ‏‎) ‎‏ ‏‎645‎‏ ‏‎(‎‏ وما بعدها‏
‏ وأما نقط الاعجام فكان من عمل نصر بن عاصم الليثي الذي كان يقال عنه : (نصر ‏الحروف) و كذا يحيى بن يعمر, حفاظا على القرآن الكريم من اللحن و التصحيف الذي بدأ ‏يتسرب الى اللغة العربية بسبب اختلاط العرب بغيرهم و دخول الأعجام في دين الله أفواجا, ‏واتصال العرب بالأمم المجاورة الذين كانوا أشد استنكارا لزيغ الاعراب منهم لخلاف اللغة, ‏فقد ينطق بعضهم بالدخيل و المولد, و لكنه لا ينطق باللحن .‏
‏*=..انظر‎;‎‏ المحكم ‏‎)‎‏ ‏‎7‎‏ )والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ‏‎15/9‎‏ والخصائص ‏‎26/2‎




و من المؤكد أن أول لحن عرف في اللسان العربي كان بالمدينة المنورة على عهد رسول الله ‏‏(ص), فقد لحن رجل وهو يقرأ القرءان بحضرته فقال عليه الصلاة والسلام : (أرشدوا ‏أخاكم فانه فد ضل) ‏
‏*=..الخصائص ‏‎8/2‎‏ والمستدرك ‏‎:‎‏ تفسير سورة السجدة‏
كما عرف اللحن في عهد عمر بن الخطاب (ض) فقد روي أنه مر برجلين يرميان, فقال ‏أحدهما للآخر : (أسبت) بالسين, فقال عمر : سوء اللحن أشد من سوء الرمي, سمعت رسول ‏الله (ص) يقول : (رحم الله امرأ أصلح من لسانه) ....لاعتباره ابدال الصاد سينا من اللحن .‏
‏ *= الايضاح في علل النحو ‏‎96‎
‏ وقد فشا اللحن في زمن الامويين, و انتشر بين الخاصة و العامة, و بلغ من أمره فيما بعد أن ‏تسرب الى ألسنة أكثر العلماء, فتساهلوا في أمره, حتى ان المحدث يحدث فيلحن, و الفقيه يؤلف ‏فيلحن, و اذا نبها قالا : ما ندري ما الاعراب, و انما نحن محدثون و فقهاء. ...‏
‏ *= اتظر المفصل ‏‎24/9‎‏ والصاحبي في اللغة ‏‎56‎
الى أن صار من لا يلحن خارجا عن المؤلوف, - اي حالة شاذة -‏
قال الأصمعي : أربعة لم يلحنوا في جد و لا هزل : (الشعبي, و عبد الملك بن مروان, و ‏الحجاج بن يوسف و ابن القرية, و الحجاج أفصحهم) ‏
‏ *= المفصل ‏‎24/9‎
ثم ان اللحن قد شاع في العصر الأموي حتى تطرق الى البلغاء و الخلفاء و الأمراء, و على ‏رأسهم : عبد الملك بن مروان , و الحجاج بن يوسف , و كان مما يسقط الرجل و يحط من ‏قدره في المجتمع هو اللحن , فقد قيل لعبد الملك بن مروان يوما : "أسرع اليك الشيب" قال : ‏شيبني ارتقاء المنابر مخافة اللحن ‏‎!‎‏ الكامل في التاريخ ‏‎)‎‏ دكر بعض أخباره ‏‎(‎‏ والعقد ‏الفريد ‏‎)‎‏ باب في الاعراب واللحن ‏‎(‎‏ و ‏‎)‎‏ الشيب ‏‎(‎‏ و ‏‎)‎‏ نهاية الارب ‏‎) :‎‏ ذم الشيب ‏‎(‎‏ .. و ‏كان يقول : ان الرجل يسألني الحاجة فتستجيب نفسي له, فاذا لحن انصرفت نفسي عنها ‏‎..‎‏ , ‏فكان يرى اللحن في الكلام أقبح من تفتيق الثوب النفيس
‏ *= رسالة في صناعة القواد للجاحظ ‏‎)‎‏ ‏‎( 210‎‏ , وعيون الاخبار ‏‎158/2‎‏ ‏
‏ و قال عمر بن عبد العزيز : "ان الرجل ليكلمني في الحاجة يستوجبها فيلحن فأرده عنها, ‏و كأني أقضم حب الرمان الحامض لبغضي استماع اللحن, و يكلمني آخر في الحاجة ‏
لا يستوجبها فيعرب, فأجيبه اليها, التذاذا لما أسمع من كلامه , ‏
‏ *= كتاب الأضداد ‏‎)‎‏ ‏‎245‎‏ ‏‎(‎
و كان يقول : "أكاد أضرس اذا سمعت اللحن" ‏
وكان الرجل اذا أراد أن يفلت من عمل الحجاج عاذ باللحن فنجا , فكان يرى اللحن في الكلام ‏أقبح من تفتيق الثوب النفيس
‏ *= ارشاد الاريب للحموي ‏‎)‎‏ ‏‎87/1‎‏ ‏‎(‎
و مما يروى أيضا أن الحجاج أمر باحضار أحد السجناء ليضرب عنقه فقال له : "أيها ‏الأمير, أخرني الى غد" فقال:" و يحك, و أي نفع لك في تأخير يوم؟" فقال السجين بعد أن ‏أمر برده :‏
‏ عسى فرج يأتي به الله انه * له كل يوم في خليفته أمر ‏
‏ اذا اشتد عسر فارج يسرا فانه * قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
فقال الحجاج: و الله ما أخذ هذا الا من القرآن, و هو قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) ‏الرحمن ‏‎27‎
و أمر باطلاقه. ‏
‏ *= المستطرف ‏‎)‎‏ ‏‎160/2‎‏ ‏‎(‎

و الحجاج على أنه من الخطباء الأبيناء البلغاء, كان في طبعه تقزز من أن يقع منه اللحن أو ‏من غيره, فاذا وقع منه حرص على ستره و ابعاد من اطلع عليه منه, فقد ذكروا أنه سأ ل ‏يحيى بن يعمر الليثي: ( أتسمعني ألحن على المنبر؟ ) فقال يحيى: (الأمير أفصح الناس) ‏قال: (أتسمعني ألحن حرفا؟) قال: (نعم) قال: (كيف ذلك؟) قال : (تجعل "أن,إن" و " إن , ‏أن " و نحو ذلك) قال: و في آي القرآن ’ قال: (نعم) قال الحجاج: فذاك أشنع, و ما هو؟ قال ‏يحيى: تقول: (قل ان كان آباؤكم و أبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها ‏
وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله .... ‏‎(‎‏ = التوبة ‏‎24‎
قال: تقول: (أحب) بالرفع . فأنف الحجاج أن يطلع له رجل على لحن, فقال له: (لا تساكني ‏بعد اليوم ثم بعث به الى خراسان) ‏
‏ *= طبقات اللغويين والنحويين للزبيدي ‏‎5 ) ‎‏ ‏‎(‎
و الحجاج هذا و رغم تحامل المصادر في الأقوال عليه فانه كان رجلا محبا للقرآن الكريم, ‏
يكثر من قراءته و التأمل في معانيه و الاستشهاد بآياته, كما كان يقدر أهله و يكرم حفظته. ‏
‏ *= تهذيب تاريخ ابن عساكر ‏‎82/4 )‎‏ ‏‎(‎‏ . ‏
كما كان يحث قادته على ضرورة تمسك جندهم بالقرآن الكريم, كما فعل حين كتب الى قيتبة ‏بن مسلم يقول: "خذ عسكرك تلاوة القرآن الكريم, فانه أمنع من حصونك" ‏
‏ *= العقد الفريد ‏‎218/4‎‏ ‏
و هو أول من أحدث القراءة الجماعية في المساجد . ‏
‏ *= الحوادث والبدع للطرطوشي ‏‎140 )‎‏ ‏‎(‎
فالرجل و ان كان ما كان عليه مما ذكره التاريخ, الا أنه كان مهتما بالقرآن الكريم أيما ‏اهتمام, بل و له به شغف كبير و حب كثير و حرص شديد على المحافظة عليه, بل و الخوف ‏الشديد عليه من ان يتسرب اليه اللحن و التصحيف, سيما و قد بدأ اللحن يشيع في ذلك الوقت ‏بين العرب و المسلمين لاختلاطهم بالشعوب الأخرى و اقبالهم على التزوج من غيرالعربيات ‏
‏ *= البصائر والذخائر لابي حيان التوحيدي ‏‎216/1‎
و لقد كان عمر بن عبد العزيز يغبط الحجاج و يقول: "ما حسدت الحجاج عدو الله على شئ ‏حسدي اياه حبه القرآن و اعطائه أهله" ‏
‏ *= تهذيب تاريخ ابن عساكر ‏‎82/4‎‏ ‏
و ليس هذا بغريب. فالرجل قد تأدب في صغره على والده الذي كان يعلم أبناءه الطائف ‏القرآن الكريم و يفقههم في الدين, و هو العمل الذي قام به بعد والده, حيث عمل في تعليم ‏القرآن بالطائف أيضا . ‏
‏ *= البصائر والذخائر ‏‎216/1‎‏ ‏
و هو أول من جعل الرواتب لحفظته و العاملين به (الشرط) و هو أول من خمس الآيات ‏بحرف الخاء, و عشرها بحرف العين, و هو أول من جزأ القرآن, فوضع اشارات تدل على ‏نصفه و ثلثه و ربعه و خمسه و سدسه و سبعه .‏
‏ *= الحوادث والبدع للطرطوشي ‏‎3 )‎‏ ‏‎(‎‏ وألف باء للبلوي ‏‎186/1‎
‏ فالقرءان الكريم يتألف من مائة و أربع عشرة سورة, أوله: (الفاتحة) و آخره سورة: (الناس)‏
و قداختلف العادون من المهتمين حول ما يشتمل عليه من أعداد للآيات والكلمات والحروف ‏الى أقوال و آراء, تعود كلها الى ما للكلمة من حقيقة و مجاز, و رسم و اعتبار, كل منها ‏جائز, و كل آخذ باعتباره, و أن أول من قام بذلك هو هذا الرجل, أي الحجاج بن يوسف ‏الثقفي, ذلك أنه جمع الحفاظ و القراء و قال لهم: "عدوا حروف القرآن و أخبروني كم هو؟ ‏فبقوا أربعة أشهر يعدون بالشهير الا ان الروايات يختلف, فمنهم من قال:"ان عدد أياته ‏‎6616‎‏ أية, و عدد كلماته ‏‎77634‎‏ كلمة, و عدد حروفه: ‏‎323671‎‏ حرفا.‏
‏ و منهم من قال: ان عدد آياته ‏‎6204‎‏ أية, و عدد كلماته ‏‎77439‎‏ و عدد حروفه ‏‎323015‎

‎ ‎‏ و منهم من قال: ‏‎6236‎‏ آية, و ‏‎77934‎‏ كلمة, و ‏‎321180‎‏ حرفا, و قيل غير ذلك .‏
‏ *= البرهان ‏‎249/1‎‏ والقرطبي ‏‎95/1‎‏ – أبجد العلوم ‏‎500/2‎‏ ‏
و لعل أول من قال بعد القرءان الكريم هو عمر بن الخطاب (ض) فقد أخرج الطبراني في ‏الاوسط عنه مرفوعا: (القرءان ألف ألف حرف و سبعة و عشرون ألف حرف, فمن قرأه صابرا ‏محتسبا كان له بكل حرف زوجة من الحور العين) ‏
‏ *= المعجم الاوسط ‏‎361/6‎
‏ و هو عدد تجاوز حدود العادين بأضعاف, و لعل ذلك يعود الى اعتبار الحرف و ما يتألف منه, ‏اذا أن الحروف تنقسم من حيث التأليف و التركيب الى نوعين:‏
‏ ‏‎-‎‏ النوع الأول: و يتركب من حرفين, كالبا و التا و الطا... الخ
‏ ‏‎-‎‏ النوع الثاني: و يتركب من ثلاثة أحرف, كالألف و الجيم و الدال ... الخ
أو لعل ذلك يعود الى ما يختص به الرجل من كرامات عرفت عنه, فهو الذي وافقه الله سبحانه و ‏تعالى فأنزل فيما رأى قرءانا موافقا لرأيه . ‏
‏ *= مسند احمد ‏‎23/1‎‏ ‏
فعن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب (ض): " وافقت ربي في ثلاث" قلت : يا رسول ‏الله, لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى؟ فنزلت: (و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) البقرة ‏‎125‎‏ ‏‏(في قراءة من قرأها بصيغة الأمرفي المتواتر) برمز ‏‎)‎‏ حظ ‏‎(‎‏ عند حذاق المغاربة في قولهم ‏‎:‎‏ ‏
‏ وسارعوا والذين واتخذوا ولا * يخاف بواو العطف ‏‎)‎حظ ‏‎(‎‏ تنزلا‏
وقولهم ‏‎:‎‏ و ‏‎)‎حظ‎(‎‏ في أمنا واتخذوا ولو يرى * أتاك لكن البر مسكين فاعقلا
‏* = البيتان من متواترحصيلة صدور حذاق القراءات المغاربة من غير نسبة

‏ والمراد ب ‏‎)‎‏ حظ ‏‎(‎‏ ‏‎:‎‏ هم القراء الخمسة في القراءات السبع , إذ أن حرف ‏‎)‎‏ الحاء ‏‎ (‎يراد ‏به أبوعمرو البصري , ويراد ب ‏‎)‎‏ الظاء‏‎(‎الأربعة البقية منهم , كما في قولهم ‏‎:‎‏ ‏
‏ ‏‎)‎‏ حطي ‏‎(‎‏ فحرف الحاء بصر وطاؤها * لدوريهم والياء للسوسي أقبلا ‏
وقولهم ‏‎:‎‏ وللظا ‏‎)‎‏ فرند‏‎(‎‏ خاء ‏‎)‎‏ فرنح دك‏‎(‎غين فرنح * وذال ‏‎)‎فرنك‎(‎‏ ثاء ‏‎)‎فرن‎(‎‏ شين ‏‎)‎فر‎(‎‏ تلا‏
‏* والأبيات هده , كلها من متواترحصيلة صدور حداق القراءات المغاربة ‏‎)‎من غير نسبة‎(‎
وهؤلاء القراء هم غير ‏‎)‎‏ نافع وابن عامر‏‎(‎‏ والذين رمز اليهم الشاطبي ب ‏‎:‎‏ ‏‎)‎‏ عم ‏‎( ‎‏ في قوله ‏‎:‎‏ ‏ووجهان فيه لابن ذكوان ههنا * وواتخذوا بالفتح ‏‎)‎‏ عم ‏‎(‎‏ وأوغلا ‏
‏*= الشاطبية في القراءات السبع , البيت رقم ‏‎:‎‏ ‏‎484‎
وقول ابن الجزري في العشر ‏‎:‎
‏ واتخذوا بالفتح‏‎)‎‏ كم أصل‏‎(‎‏ وخف * أمتعه كم أرنا أرني اختلف‏
‏*= طيبة النشر في القراءات العشر , البيت رقم ‏‎:‎‏ ‏‎42‎‏ من فرش سورة البقرة‏
وقول المتولي في الأربع الزائدة عن العشر‏‎:‎‏ ‏
‏ واتخذوا بالفتح ‏‎)‎‏ حي‏‎(‎‏ وصلا * أضطره مع فتح رائه ‏‎)‎‏ طلا ‏‎(‎‏ ‏
‏*= الفوائد المعتبرة في القراءات الأربع الزائدة عن العشرة , البين رقم ‏‎:‎‏ ‏
قال: أي , عمر بن الخطاب ‏‎)‎‏ ض‏‎(‎‏ ‏‎:‎‏ وقلت: يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البر و الفاجر, ‏فلو أمرتهن أن يحتجبن. فنزلت آية الحجاب = أي , الآية ‏‎59 ) :‎‏ ‏‎ (‎من سورة الأحزاب =‏
‏ قال‎:‎‏ و اجتمع على رسول الله (ص) نساؤه في الغيرة, فقلت لهن:"عسى ربه ان طلقكن أن يبدله ‏أزواجا خيرا منكن ,, فنزلت كذلك . ‏
‏ *= مسند أحمد ‏‎23/1‎‏- والطبري ‏‎-321/10‎‏ وابن كثير ‏‎231/1—‎والقرطبي ‏‎110/2‎
و من أهل العلم و التفسير من أوصل موافقات القرءان الكريم لآراء عمرالى أكثر من عشرين....‏
‏*= المصادر السابقة‏

أو لعل ذلك يعود الى أسباب أخرى قد لا يدركها الا أرباب السلوك و أهل المكاشفات, اذ لا شك ‏في أن ما قيل به هو "الحق" بدليل قوله (ص) ‏‎:‎‏(ان الله جعل الحق على لسان عمر) ‏المستدرك‎93/3‎
خاصة و أنه من أهل الكشوف و الكرامات, و من ذلك ما جاء عن ابن عمر قال: قال عمر بن ‏الخطاب لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة. قال ‏‎:‎‏ ابن من؟ قال: ابن شهاب. قال: ممن؟ قال: من ‏الحرقة . قال: أين مسكنك؟ قال: الحرة. قال: بأيها؟ قال: بذات لظى. فقال عمر: أدرك أهلك فقد ‏احترقوا" فرجع الرجل فوجد أهله قد احترقوا ‏
‏ *= تاريخ الخلفاء ‏‎113‎‏-والموطأ ‏‎973/2 ‎
و من كراماتاته (ض) أيضا , قصة سارية, و جريان, النيل, و دعوته على أهل العراق , ‏و غير ذلك من الكرامات التي عرفت عنه . ‏
و أما نصف القرءان الكريم فهو حرف الفاء من قوله تعالى: (و ليتلطف) . آية ‏‎19‎‏ من سورة ‏الكهف . و ثلثه رأس الآية المائة من سورة براءة: التوبة ‏‎:‎‏ (و من الاعراب من يتخذ ما ينفق ‏مغرما) و الثلث الثاني رأس احدى و مائة من الشعراء ‏‎:‎‏ (و لا صديق حميم) , و ثلثه الأخير ‏ما بقي من القرءان , و أما أرباعه فان أول ربعه هو خاتمة سورة الأنعام (ان ربك لسريع ‏العقاب, و انه لعقدر رحيم) و الربع الثاني هو حرف الفاء من (وليتلطف), و الربع الثالث خاتمة ‏سورة الزمر (و قيل الحمد لله رب العالمين) و الربع الأخير ما بقي من القرءان الكريم, و هذا ما ‏قال به بعض من أمرهم الحجاج بعد القرءان الكريم, و كل ذلك في أربعة أشهر, اعتمدوا في ‏العد على حيات الشعير. ‏
‏ *= البرهان للزركشي ‏‎-249/1‎وجمال القراء , للسخاوي ‏‎126/1‎
‏ و ما كل هذا الاهتمام بالقرءان الكريم و العناية به الا بقصد الحفاظ عليه و نيل الأجر و الثواب ‏من الله سبحانه و تعالى في الدنيا و الآخرة.‏
فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): (يقول الرب عز و جل: من شغله القرءان و ‏ذكرى عن مسألتي, أعطيته أفضل ما أعطي السائلين, و فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل ‏الله على خلقه) . ‏
‏ *= شعب الايمان ‏‎353/2‎
و ينسب الى الحجاج أيضا أنه غير في مصحف عثمان أحد عشر حرفا , و هي:‏
‎ ‎‏ ‏‎(1‎‏ (لم يتسنه) و كانت في مصحف عثمان: (لم يتسن) بدون هاء (البقرة ‏‎259‎‏)‏
و هي قراءة حمزة و الكسائي في الوصل دون الوقف, قال الشاطبي
‏ و ننشزها ذاك و بالراء غيرهم * وصل تسنه دون هاء شمردلا‏
‏* الشاطبية , البيت رقم‎: ‎‏ ‏‎522‎
‏ ‏‎(2‎‏ (و لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا) المائدة ‏‎ 48 :‎
و كانت في مصحف عثمان "شريعة و منهاجا" "لم يقرأ بها"‏
‏ ‏‎(3‎‏ (هو الذي ينشركم) يونس ‏‎22‎
و كانت في مصحف عثمان"ينشركم" و هي قراءة العامة خلافا لابن عامر الذي قرأ (ينشركم) ‏ووافقه أبو جعفر و الحسن
‏ قال الشاطبي:‏
‏ يسيركم قل فيه ينشركم كفى .................الخ
‏* البيت رقم ‏‎:‎‏ ‏‎746‎
‏ و قال ابن الجزري:‏
‏ و (ك) م (ث) نا ينشر في يسير ............الخ
‏* البيت الرابع من فرش سورة يونس في طيبة النشر‏
‏ و في الفوائد المعتبرة قال الامام احمد بن محمد المتولي‏
‏ يمكرون بالغيب (حز) و عنه * ينشركم متاع فا نصبنه‏
‏* البيت رقم ‏‎:‎‏ ‏‎304‎
‏ ‏‎(4‎‏ "و ادكر بعد أمة أنا انبئكم بتاويله" يوسف ‏‎45‎
‎-‎‏ كانت في مصحف عثمان "أنا آيتكم بتاويله" و هي كذلك في قراءة الحسن البصري. قال ‏المتولي:‏
‏ حصحص ضم اكسر و اعجم و ادكر * و امة و أنا آتيكم (حصر‎(‎
‏* البيت رقم ‏‎: ‎‏ ‏‎332‎
‏ ‏‎(5‎‏ (سيقولون الله) المومنون ‏‎88-90‎
من قوله تعالى: "فل من رب السموات السبع و رب العرش العظيم سيقولون لله"‏
كتبت في مصحف عثمان "سيقولون الله"‏
خلافا للآية قبلهما رقم ‏‎(86)‎‏ في قوله تعالى: "قل لمن الارض و من فيها ان كنتم تعلمون ‏سيقولون لله قل أفلا تذكرون"‏
و هي قراءة أبي عمر و في السبع, و يعقوب في العشر, و الحسن البصري, و اليزيدي في ‏الاربعة عشر.‏
‏ قال الشاطبي:‏
‏ و في لام لله الأخرين حذفت * و في الهاء رفع الجر عن ولد العلا ‏
‏* البيت رقم ‏‎:‎‏ ‏‎907‎
‏ و قال ابن الجزري: ‏
‏ مع كسر ضم و الأخرين معا * الله في لله و الخفض ارفعها ‏
‏* البيت رقم‎:‎‏ ‏‎14‎
‏ و قال المتولي:‏
‏ لله (حز) عالم بالرفع (حنا) * و اخفض (شفا) كحمزة شقوتنا
‏* البيت رقم ‏‎:‎‏ ‏‎416‎
‏ ‏
‏ ‏‎(6‎‏ (قالوا لئن لم تنته يانوح لتكونن من المرجومين) = الشعراء ‏‎116‎
و كانت في مصحف عثمان (من المخرجين) . و هي غير مقروء بها.‏

‏ ‏‎(7‎‏ (قالوا لئن لم تنته يالوط لتكونن من المخرجين)* = الشعراء ‏‎167‎
كانت في مصحف عثمان (من المرجومين) . و هي أيضا غير مقروء بها.‏

‏ ‏‎(8‎‏ (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) *= الزخرف ‏‎31‎
كتبت في مصحف عثمان (معاشهم) و لم يقرأ بها.‏
‏ ‏‎(9‎‏ (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير ءاسن) * = محمد ‏‎15‎
و كتبت في مصحف عثمان (غير ياسين) و قد قرئ بها (ياسين) ابدال الألف ياء لتخفيف الهمز ‏
‏- *= انظرها في البحر المحيط ‏‎79/8‎
‎ (10‎‏ (فالذين آمنوا منكم و آنفقوا) . و لم يقرأ بها.‏
وهي في مصحف عثمان ‏‎)‎‏ فالذين ءامنوا منكم واتقوا ......... ....‏‎(‎‏ *= الحديد ‏‎:‎‏ ‏‎7‎
‏* كتاب المصاحف لابن أبي داوود مسئلة رقم ‏‎:‎‏ ‏‎296‎‏ من قوله ‏‎:‎‏ ما غير الحجاج في مصحف ‏عثمان
و من خلال دراستنا لهذه الأحرف كان لزاما علينا أن ننصف الرجل عما ألصقه به ابن أبي داوود ‏من شبهات في تغيير هذه الأحرف . و نعمل على رده و تفنيده , وذلك , لعدة أمور:‏
‏ ‏‎-‎‏ الأمر الأول:‏
انكار الحجاج على ابن زياد لإضافة الألفات الى ألفي كلمة في القرآن, فكيف ينكر على ابن زياد ‏هذه الإضافات ثم يقوم هو بهذا التغيير المخل بالرسم.‏
و رواية الانكارهذه , أوردها ابن أبي داوود نفسه في كتابه (المصاحف) بعنوان: ما كتب في ‏المصاحف على غير الخط = مسئلة رقم ‏‎:‎‏ ‏‎295‎
‎ ‎‏ ‏‎-‎‏ الأمر الثاني :‏
لو كان ما نسب الى الحجاج صحيحا لتناقلته الرواة, و سجلته كتب الطبقات, فالخبر هذا مقصور ‏على ابن أبي داوود و متفرد به..‏‎!‎
‏ - الأمر الثالث:‏
‏ ان رواية هذا الخبر كانت عن رجل مجهول, مما يجعل سند هذه الرواية مهزوزا, و ذلك بقوله: ‏‏"قال أبو بكر: كان في كتاب أبي: حدثنا رجل... الخ ‏‎ ‎‏. مسئلة رقم ‏‎:‎‏ ‏‎296‎

‏ ‏‎-‎‏ الأمر الرابع:‏
ان رواية ابن أبي داوود مطعون فيها من علماء الحديث و حفاظه , و نكتفي بما جاء عن أبيه ‏الذي رماه بالكذب في الرواية بقوله: (ابني عبد الله كذاب) .‏
‏*= تذكرة الحفاظ للذهبي ‏‎: ‎‏ ‏‎772/2‎
و مما يدحض رواية ابن أبي داوود أيضا فيما نسبه الى الحجاج , أن هذا الأخير كان شغوفا ‏بالقرءان الكريم , محبا لأهله , مكافئا لهم على حفظهم اياه و اتقانهم له , بل انه كان شديد ‏الحرص على المحافظة على كتاب الله تعالى من اللحن و التحريف و التصحيف . ‏
‏*= شرح ما يقع فيه التحريف والتصحيف لابن احمد العسكري ‏‎ ‎‏ ‏‎ 13‎‏ – ووفيات الأعيان ‏‎344/1‎
فالرجل و ان كان ما كان عليه من قسوة على الرعية و سفك الدماء الا أن اهتمامه بالقرءان ‏الكريم و المحافظة عليه كانت السمة الغالبة عليه, و لا أدل على ذلك مما أوردنا سلفا من أنه أول ‏من جزأ القرءان و أمر بعده, و هو من كان يحث قادة جنوده على ضرورة التمسك بالقرءان ‏الكريم .‏
‏ * = العقد الفريد ‏‎218/4‎
‏ و هو من قال فيه عمر بن عبد العزيز (ما حسدت الحجاج عدو الله على شئ حسدي اياه على ‏حبه القرءان و اعطائه أهله) .‏
‏ * = تهذيب تاريخ ابن عساكر ‏‎82/4‎
هذا فضلا عما عرف عن الرجل من الاكثار من تلاوته, و الوقوف عند معانيه و الخشوع في ‏قراءته, و الخشية عليه من التحريف الذي بدأ يتسرب الى القرءان الكريم على ألسنة المصحفين ‏و المصحفيين ‏‎=‎المراد بالمصحف –هنا-الآخذمن الصحف , والمصحفي الذي يقرأ في المصحف ‏
‏ *= انظر ‏‎:‎‏ التنبيه على حدوث التصحيف ص ‏‎:‎‏ ‏‎26‎‏ والمزهر في اللغة للسيوطي ‏‎353/2‎
و قد وقع الكثير ممن قرأ القرءان في المصحف من غير رواية و لا نقل ولا تلق عن الشيوخ ولا ‏تلقين في اللحن والتصحيف , و هي كثيرة في مضانها ‏
‏ *= انظر مثلا ‏‎:‎‏ التنبيه على حدوث التصحيف للأصفهاني , والتحريف والتصحيف للصفدي
وممن وقع في التصحيف من الأقدمين على سبيل المثال ‏‎:‎
‏ ‏‎(1‎‏ حفظ حماد الرواية القرءان من المصحف و قد أخذ عليه و هو يقرأ: "و ما كان استغفار ‏ابراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها أباه" التوبة ‏‎114‎‏ بالباء الموحدة ‏
‏ = مذاهب التفسير الاسلامي لليهودي الحاقد ‏‎)‎‏ اجناس جولد...‏‎(‎‏ ترجمة ‏‎:‎‏ الكتور عبد الحليم ‏النجار . ص ‏‎9 ‎
كما روى حمزة الأصفهاني عدة تصحيفات في القرءان الكريم لحماد الراوية. و منها هذا الخبر ‏الطريف. و هو :‏
أن بشارا الشاعر سعى به الى عقبة بن أسلم أمير البصرة قائلا له: (انه يروي جل أشعاره و هو ‏لا يحسن من القرءان غير أم الكتاب) , فامتحنه الأمير بتكليفه القراءة في المصحف فصحف قيه ‏عدة لآيات … منها :‏

أ‌)‏ ‏ (و أوحى ربك الى النخل أن اتخذي…) آية ‏‎:‎‏ ‏‎68‎‏ من سورة النحل . بالخاء في (النحل)‏
ب‌)‏ ‏(و من الشجر و مما يغرسون) بالغين في ‏‎)‎‏ يعرشون ‏‎(‎‏ آية‏‎:‎‏ ‏‎68:‎‏ من سورة النحل .‏
ج) (فالتقطه ءال فرعون ليكون لهم عدوا و حربا) بالراء بدل (و حزنا) بالزاي آية ‏‎8:‎‏ من ‏سورة القصص.‏
‏ د) (و ما يجحد بئاياتنا الا كل جبار كفور) بالجيم و الباء (بدل‎)‎‏ ختار بالخاء و التاء) آية ‏‎32‎
من سورة لقمان.‏
‏ ه) (بل الذين كفروا في غرة و شقاق) بالغين و الراء بدل: ‏‎)‎عزة‎(‎‏ بالعين و الزاي.آية ‏‎:‎‏ ‏‎2‎‏ من ‏سورة‎:‎‏ ص.‏
‏ و) (... و عززوه و نصروه) بحرفي الزاي بدل (و عزروه) بزاي و راء. آية ‏‎:‎‏ ‏‎157‎‏ من ‏سورة الاعراف *التنبيه على حدوث التصحيف والتحريف ‏‎:‎‏ ‏‎5‎‏ ‏‎-‎‏ ‏‎6‎
‎-‎‏ و روي أن عثمان بن أبي شيبة قرأ: "فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رجل أخيه" ‏بدل (رحل أخيه) آية ‏‎:‎‏ ‏‎70‎‏ من سورة يوسف , فقيل له : ما هذا؟ قال: تحت الجيم واحدة.‏
و يذكرني هذا العالم الجليل في قراءته هذه بحكاية طريفة حدثت لرجل يدعى "توما الحكيم" ‏كان عارفا بالطب الا أنه يعتمد تطبيبه على الكتب , فقرأ يوما الحديث الذي رواه الشيخان ‏و غيرهما أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: "الحبة السوداء شفاء من كل داء" ‏‏*(صحيح البخاري , باب الحبة السوداء) , فقرأ "الحية" بالياء, بدل "الحبة" بالباء . فصار ‏يأخذ كل حية سوداء فيقتلها و يجففها و يعطيها وصفة طبية لمرضاه, فمات بسبب ذلك خلق ‏كثير‎!‎‏. فقال فيه بعضهم على لسان حماره:‏
‏ قال حمار الحكيم توما * لو أنصفوني لكنت أركب ‏
‏ لأنني جاهل بسيط * وصاحبي جاهل مركب
‏* الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة للعسقلاني ‏‎)‎‏ حرف ‏‎:‎‏ ث ‏‎(‎‏ ‏
و قال أبو حيان التوحيدي: ‏يظن الغمران الكتب تهدي * أخا فهم لادراك العلوم ‏و ما يدري الجهول بأن فيها * غوامض حيرت عقل الفهيم ‏اذ رمت العلوم بغير شيخ * ضللت عن الصراط المستقيم ‏و تلتبس الأمور عليك حتى * تكون أضل من توما الحكيم‏
‏* الآداب الشرعية والمنح المرعيةللمقدسي ‏‎126/2‎
وللشافعي رضي الله تعالى عنه شعر:‏
‏ أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن ثفصيلها ببيان
‏ ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان
‏* = المستطرف في كل فن مستظرف ‏‎)‎‏ باب العلم والأدب وفضل العالم والمتعلم ‏‎(‎

‏ و في مثل هذا قال بعضهم ‏‎:‎‏ ‏
‏ و للعلوم رجال يعرفون بها * و للدواوين كتاب و حساب ‏
‏* المصدر السابق
و يروى أن حمزة الزيات كان يتعلم القرءان من المصحف, فقرأ يوما و أبوه يسمع: (ألم ذلك ‏الكتاب لا زيت فيه) = بدل (لا ريب فيه) البقرة الآية الولى. فقال أبوه: (دع المصحف و تلقن ‏من أفواه الشيوخ) ‏
‏*انظر الرواية في التصحيف والتحريف ص ‏‎9:‎




و من أجل هذه التصحيفات التي تخل بنطق الآيات قالوا: "لا تأخذوا القرءان من مصحفي, و لا ‏العلم من صحفي" ‏
‏= * المصدر السابق
وقال الحافظ أبو عمرو الداني ‏‎: ‎
‏ فإن رغبت العرض للحروف * والضبط للصحيح والمعروف
‏ فاقصد شيوخ العلم والروايه * ومن سما بالفهم والدرايه
‏=* الأرجوزة المنبهة ‏‎: ‎‏ ‏‎)‎‏ القول فيمن يؤخذ عنه ‏‎(‎
وقال رحمه الله ‏‎:‎
‏ والعلم لا تأخذه عن صحفي * ولا حروف الذكر عن كتبي
‏ ولا عن المجهول والكذاب * ولا عن البدعي والمرتاب
‏ وارفض شيوخ الجهل والغباوه * لا تأخذن عنهم التلاوه
‏ لأنهم بِالجهل قد يأتونا * بغير ما يروى وما يروونا
و هذه واحدة من اشكاليات التراث المغربي في فن القراءات, ذلك أن سكولة التفكير لدى كثير من ‏الناس سيطرت على عقولهم باعتقاد أن القراءة في المصحف أفضل من القراءة من الحفظ لأن ‏النظر فيه عبادة مطلوبة, مستدلين على ذلك بما أخرجه الطبراني و البيهقي من حديث أوس ‏الثقفي مرفوعا: "قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة, و قراءته في المصحف تضاعف ‏ألفي درجة" و كذا: (فضل قراءة القرآن نظرا على ما يقرؤوه ظاهرا كفضل الفريضة على ‏النافلة) * المعجم الكبير للطبراني , رقم ‏‎:‎‏ ‏‎600‎‏ , وشعب الايمان رقم ‏‎:‎‏ ‏‎2141‎
و كذا ما جاء عن ابن مسعود مرفوعا: (من سره أن يحب الله و رسوله فليقرأ في المصحف) ‏
‏*الاتقان للسيوطي , ‏‎)‎‏ في آداب تلاوة القرءان وتأليفه ‏‎(‎‏ و شعب الايمان رقم ‏‎:‎‏ ‏‎1502‎‏, وهو ‏حديث منكر. ‏
‏* انظر الاتقان ‏‎)‎‏ في آداب تلاوة القرءان وتأليفه ‏‎(‎

و للفقهاء في هذا الباب آراء متضاربة ومتبا ينة , منها ‏‎:‎‏ أن الامام مالكا قد رأى كراهة ‏القراءة في المصحف ‏
‏*انظر , شرح مختصر خليل للخرشي ‏‎)‎‏ فصل في بيان صلاة النافلة وحكمها ‏‎(‎والفواكه ‏الدواني على الرسالة ‏‎)‎‏ الذكر والدعاء عند السفر‏‎(‎
و أما الامام أحمد فقد قال باستحبابها كالحنابلة ‏
‏* كشاف القناع عن متن الاقناع ‏‎)‎‏ فصل حفظ القرءان الكريم ‏‎(‎‏ ‏
‎-‎‏ و رأى الشافعية أن القراءة في المصحف أفضل. ‏
‏* الموسوعة الفقهية الكويتية ‏‎252/4‎‏ ‏
‎-‎‏ غير أننا نقول: ان القراءة من الحفظ مطلقا أولى وأفضل , و هو اختيار العز بن عبد ‏السلام, على أن في الأقوال السابقة و الآراء المتباينة و الآحاديث المروية ردودا و وجهات ‏نظر, أكتفي - للرد عليها - بما يلي:‏
‏ ‏‎(1‎‏ لم يكن المصحف معروفا بهذا المصطلح في عهد رسول الله (ص) لأن الوحي لم يكمل ‏الا بوفاته صلى الله عليه و سلم.‏
‏ ‏‎(2‎‏ ان تسمية القرءان "بالمصحف" نشأت على عهد أبي بكر, و ذلك أن الصحابة لما جمعوا ‏القرءان و كان مكتوبا في الرقاع و الأكتاف و العسف مفرفا فكتبوه على الورق , قال أبو ‏بكر: "التمسوا له اسما" فقال بعضهم: "الانجيل, فقال ذاك اسم تسميه النصاري" فكرهوا ‏ذلك. فقالوا: "السفر" قال: ذلك اسم تسميه اليهود, فكرهوا ذلك. و قال بعضهم "المصحف" ‏فان الحبشة يسمون مثله "المصحف" فاجتمع رأيهم على أن سموه "المصحف" ‏
‏*= مباحث في علوم القرءان . للدكتور الصبحي الصالح , ص ‏‎: ‎‏ ‏‎77‎‏ - ‏‎78‎
‏ ‏‎(3‎‏ ان القراءة في المصحف تقتضي مهارة عالية في كيفية النطق بالألفاظ و حروف القرءان ‏الكريم, هذا النطق الذي لا تتأتى معرفته الا عن طريق التلقين و المشافهة و الأخد عن ‏الشيوخ الذين تمرسوا على ذلك , لما في ألفاظه من اعجاز في اللغة و اللهجات. وإلا فان ‏الآخذ من المصحف من غير تلقين قد يكون مخلا لا محالة بحروف القرءان الكريم و محرفا ‏لبعضها , و لاحنا في بعضها الآخر, كيف لا و قد وقع في هذا جلة الفقهاء و جها بذة العلم ‏من القدماء و المحدثين , فكيف بمن دونهم من عامة الناس أجمعين, و قد سقت نماذج عن
بعض الأقدمين , وهأنذا أسوق غيرها عن بعض المحدثين المعاصرين : و أخص بالذكر‎:‎
‏ ‏
‏ آ ‏‎ (‎الأستاذ الدكتور أحمد التوفيق, الذي سبق أن ألقى درسا في حضرة أمير الوؤمنين ‏الملك محمد السادس , بعنوان ‏‎:‎‏ ‏‎)‎‏ هوية المغرب الثقافية ‏‎(‎‏ انطلاقا من قوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏

‎)‎‏ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله ‏أتقاكم إن الله عليم خبير‎(‎‏ = الحجرات ‏‎13 :‎
لقد تناول الاستاذ المحاضر هذه الآية بتحليل أكاديمي ممنهج , يدعو المتأمل الى شيء من ‏الاستغراب , سيما وان الدكتور معروف بأكاديميته في الأوساط الجامعية فهو الأستاذ ‏الجامعي المبرز, والمحافظ للخزانة العامة بالرباط , والمدير لمكتبة آل سعود بالدارالبيضاء‎!‎
ذلك , أن السيد احمد التوفيق حين استقرائه للآية الكريمة , كثيرا ماكان يخل بالمخارج ‏الصوتية للحروف , أكتفي منها – فقط – بتخيمه لحرف الراء من كلمة ‏‎)‎‏ ذكر‏‎(‎‏ في هذه الآية,‏
لأن الراء في مثل هذه الحال , لاتكون الا مرققة , لا كما جاء عن الأستاذ الدكتور الذي لم ‏يأت بما يوجب التفخيم , حيث وصلها بما بعدها ‏‎)‎‏ وأنثى ‏‎(‎‏, والفرق بين تفخيم الراء ‏المكسورة وترقيقها هو القف والوصل , بحيث تكون مرققة في الوصل أبدا , ومفخمة في ‏الوقف أبدا , عند جميع القراء , وفي كل القراءات , وعلى كل لسان عربي فصيح , سواء ‏كانت كسرتها عارضة أولازمة , قال ابن بري ‏‎:‎‏ ‏
‏ ‏
‏ والاتفاق أنها مكسورة * رقيقة في الوصل للضرورة

‏ وقال الشاطبي ‏‎:‎
‏ ‏
‏ وترقيقها مكسورة عند وصلهم * وتفخيمها في الوصل أجمع أشملا

وقال ابن الجزري ‏‎:‎
‏ ‏
‏ ورقق الرا إن تمل أو تكسر * وفي سكون الوقف فخم وابصر

وقال أبو الحسن الحصري ‏‎:‎
‏ ‏
‏ وإن يلق حرف الراء في الوصل ساكن * ففخم وكن من حلبة العلم في الصدر

ويبدومن خلال هذا أن السيد المحاضر كان متأثرا – وإلى حد كبير – بسكولة الألفاظ في مناهج ‏الاستقراء المشوب بإشمام تسرب اللحن الى اللسان العربي الذي شاع بين جل الأكاديميين الذين ‏تطبعت ألسنتهم على تفشي هذا النوع من اللحون , وأصبح ظاهرة ثقافية عمت بها البلوى‎!!!‎
ثم إن الأستاذ الدكتورتوقف عند كلمة ‏‎)‎‏ لتعارفوا ‏‎(‎‏ في نفس الآية , فتناولها بما أورده بعض ‏المفسرين من أقوال تتعلق بأسباب النزول وتأويل المعاني , فأردف قوله بما جاء عن الزمخشري ‏في تفسيره من أوجه القراءات لهذا الحرف فقال ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ وقال الزمخشري ‏‎:‎‏ وقرئ ‏‎)‎‏ لتتعارفوا , ‏ولتعارفوا بالادغام , ولتعرفوا , أى ‏‎:‎‏ لتعلموا , كيف تتناسبون....إلى أن قال... ‏‎:‎‏ وقالوا ‏‎:‎‏ إن اللام ‏الداخلة على ‏‎"‎‏ تعارفوا ‏‎"‎‏ هي إما لام أمر أو لام كي, فيكون المفعول محذوفا قدره بعضهم ‏‎"‎الحق ‏أوالحقائق‎"‎‏ ثم أضاف قائلا ‏‎:‎‏ وفي قراءة عبد الله ابن عباس ‏‎"‎‏ لتعرفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم ‏‎"‎
وبهذا يكون الدكتور قد أخل بمناهج البحث العلمي من وجوه ‏‎:‎
‏ * الوجه الأول ‏‎:‎
بما أن الأستاذ الدكتور قد أتى على أوجه القراءات لكلمة ‏‎"‎‏ لتعارفوا ‏‎"‎‏ كان عليه أن يعزو كل ‏قراءة لصاحبها مع الاشارة – ولو قليلا – الى سبب تلك القراءة حتى ينجلي الخلاف ‏



‏ *الوجه الثاني ‏‎:‎
أنه أفرد عبد الله بن عباس في قراءة ‏‎"‎‏ لتعرفوا ‏‎"‎‏ على معنى ‏‎"‎‏ لتعلموا ‏‎"‎‏ وكان عليه أن يدرج معه ‏في هذه القراءة ‏‎"‎‏ أبان عن عاصم ‏‎"‎‏ كما أوردها أبو حيان الأندلسي في تفسيره ‏‎"‎‏ البحر المحيط ‏‎"‎‏ ‏والذي يعد من بين المصادر التي اعتمدها الدكنور في هذا الموضوع
‏ *الوجه الثالث ‏‎:‎‏ ‏
كان على السيد أحمد التوفيق ألا يقول ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ وقالوا ‏‎:‎‏ ان اللام الداخلة على ‏‎"‎‏ لتعارفوا ‏‎"‎‏ هي إما لام ‏أمر أو لام كي ...الخ , بصيغة الجمع , وأن ينسب القول الى من قال به , وهو أبو حيان الأندلسي ‏في بحره حين قال ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ وقرأ الجمهور‎)‎‏ لتعارفوا‏‎(‎‏ , مضارع ‏‎)‎تعارف‎(‎‏ محذوف التاء , والأعمش ‏بتائين , ومجاهد وابن كثير في رواية , وابن محيصن بإدغام التاء في التاء , وابن عباس وأبان ‏عن عاصم ‏‎)‎لتعرفوا‎(‎‏ مضارع ‏‎)‎‏ عرف‎(‎‏ ‏
‏ = * انظر نفسير هذه الآية وتوجيه قراءتها في البحر المحيط لأبي حيان . ‏
‏ * الوجه الرابع ‏‎:‎‏ ‏
إن السيد المحاضر لم يعقب على رأي أبي حيان في توجيه هذه اللام , والقاعدة أن النقل يقتضي ‏الصحة , ذلك أن اللام هذه ليست من الأمر في شيء , وهو ما أجمع عليه الكل خلافا لأبي حيان ‏الذي قال ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ وقرأ الجمهور ‏‎"‎‏ إن‏‎"‎‏ بكسر الهمزة , وابن عباس بفتحها , وكان قرأ ‏‎"‎‏ لتعرفوا ‏‎"‎‏ ‏مضارع ‏‎"‎‏ عرف ‏‎"‎‏ فاحتمل ‏‎"‎‏ أن ‏‎"‎‏ معمولة ‏‎"‎‏ لتعرفوا ‏‎"‎‏ وتكون اللام في ‏‎"‎‏ لتعرفوا ‏‎"‎‏ لام الامر ‏وهو أجود من حيث المعنى ...‏‎"‎‏ ‏‏=* انظرالآية في البحر الميط أيضا ‏
وقول أبي حيان هذا مردود لسببين ‏‎:‎
‏ * السبب الأول ‏‎:‎‏ ‏
اتفاقه مع غيره من المفسرين على أن اللام دالة على التعليل حين قال ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ .... والمعنى أكم جعلكم ‏الله تعالى ماذكركي يعرف بعضكم بعضا في النسب ....‏‎"‎‏ ‏
‏ * المصدر نفسه
‏ * السبب الثاني
علة الجعل , لأن الخبر في قوله تعالى ‏‎ ;‎‏ ‏‎"‎‏ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى .....الخ ‏‎"‎‏ مستعمل كناية ‏عن المساواة في أصل النوع الانساني , والمقصود من ذلك هو مضمون جملة ‏‎"‎‏ إن أكرمكم عند ‏الله أتقاكم ...‏‎"‎‏ كما جاء في خطبة حجة الوداع قول النبي ‏‎"‎‏ ص ‏‎"‎‏ يأيها الناس , ألا إن ربكم واحد ‏وإن أباكم واحد , الا لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي , ولا لأحمر على أسود ‏
ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى , إن أكرمكم عند الله أتقاكم ....‏‎"‎
‏ =* فتح الباري ‏‎527/6‎‏- والمعجم الكبير ‏‎12/18‎
وكذا مارواه الترمذي أن رسول الله‏‎"‎‏ ص ‏‎"‎‏ خطب الناس يوم غنح مكةفقال ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ يأيها الناس , ان ‏الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها , فالناس رجلان ‏‎:‎‏ بر تقي كريم على الله , ‏وفاجر شقي هين على الله , والناس بنو آدم , وخلق الله آدم من تراب , قال الله ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ يأيها الناس إنا ‏خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم ‏خبير ‏‎"‎‏ ‏
‏* سنن الترمذي ج ‏‎:‎‏ ‏‎5‎‏ الصفحات ‏‎735-734-389 :‎
هكذا هي هذه اللام , وإلا أدرجنا كل ماجاء على شاكلتها في القرءان الكريم على أنها لام الأمر, ‏كمثل ‏‎"‎‏ لتعلموا‏‎"‎‏ التي جاءت مكررة أربع مرات في المصحف الشريف , والتي هي بمعنى ‏‎"‎‏ لتعرفوا‏‎"‎‏ أيضا , وذلك في قوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏
‎" ( 1 ‎‏ ..... ذلك لتعلموا أن الله يعلم مافي السموات وما في الارض...‏‎"‎‏ *= المائدة ‏‎97:‎




‎(2‎‏ وقوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏.....وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ...‏‎"‎‏ = يونس ‏‎5 ‎‏ ‏‎(3‎‏ وقوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ .....لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب ...‏‎"‎‏ الاسراء ‏‎ ‎‏ ‏‎4‎‏ ‏‎(‎‏ وقوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏...يتنزل الامر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ...‏‎"‎‏ الطلاق ‏‎12‎

‏ ‏
‏ ب ‏‎(‎‏ الأستاذ الدكتور عز الدين عمرو موسى من السودان, و هو أستاذ ‏بكلية الدراسات الاستراتيجية و المستقبلية, بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض, ‏بالمملكة العربية السعودية الذي تناول درسا بعنوان: (استراتيجية الأمن الغذائي من منظور ‏اسلامي)‏
انطلاقا من قوله تعالى "يوسف أيها الصديق .. الى قوله سبحانه : و فيه يعصرون "‏
‏*= يوسف ‏‎49-41‎
ذلك أن الدكتور المحاضر أستاذ الاستراتيجيات قد أخل بأهم استراتيجية في الاسلام , اذ فعل ‏بألفاظ هذه الآيات مالم يفعله أبناء يعقوب بأخيهم يوسف عليه السلام , لما جاء عنه من ‏اخلالات بنيوية لم يعهدها أحد في جاهلية و لا اسلام , و لا كانت في عرف أهل اللغة و لا ‏الشريعة , و لا عرفت في متواتر القراءات و لا في شواذها , و التي كان على الدكتور أن ‏يتحقق من الألفاظ و مبانيها حتى يتمكن من ضبط كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ‏و لا من خلفه, و الذي لا يجوز بأية حال الاجهاز على ألفاظه و تغيير مبانيها, كما لا يجوز ‏السكوت على من قال بمثل ذلك , كائنا من كان و لو بالاشارة و التنبيه, و ليس للاحن حرمة ‏كما يقال: فلقد جاء عن الأستاذ الدكتور:‏
‏ ‏‎(1‎‏ قوله: (افتنا) بهمزةو صل مكسورة, و الصواب (أفتنا) بهمزة قطع مفتوحة من ‏الافتاء, كما هي في المصحف الشريف. الذي يضم بين دفتيه ما أنزل على رسول الله (ص) ‏من غير تبديل و لا تحريف , و معلوم ان لا علاقة تربط اللفظين في أصول الكلمات العربية ‏و فروعها, بل ان (افتنا) بهمزة وصل لم يعرفها أحد من أهل اللغة و النحو و الصرف , و لا ‏عرفت في اللسان العربي , و لا في معاجمه من قبل و لا من بعد ..‏‎!‎
‏ ‏‎(2‎‏ قوله:" و سبع سنبلات خضر" بتنوين "سبع" و الحال أنها غير منونة في المصحف, ‏و لا قرأ بذلك أحد من القراء أبدا.‏
‏ ‏‎(3‎‏ قراءته "ثم يأتي من بعد ذلك..." بفتح الدال فيهما معا أي في كلمتي "بعد" المكررة ‏في الآية و المجرورة ب "من" و المضافة الى "ذلك" و هذا من العجب العجاب‎!‎‏ اذ الأصل ‏في "قبل" و "بعد" أن يكونا صفتين للزمان, لأن معنى: جئت قبلك" – مثلا – جئت زمنا قبل‏
مجيئك... و جئت بعدك "أي" جئت زمنا بعد مجيئك ‏
‏=* انظر ‏‎:‎‏ مغني اللبيب ‏‎449‎
و في معنا هما يقول سيبو به: "و أما "قبل" فللأول, و "بعد" فللآخر"‏
‏= * الكتاب ‏‎233/4‎
‏ بحيث يكونان معربين اذا أضيفا, أو حذف المضاف اليه, أو نوي ثبوت لفظه أو لم ينو ‏فيعربان نصبا على الظرفية, أو خفضا بمن , و ينونان في حالة قطعهما عن الاضافة و عدم ‏نية المضاف , لأنهما حينئذ اسمان تامان كسائر أسماء الذكرات ‏
‏= * شرح المفصل لابن يعيش ‏‎88/4‎‏ , وشرح التصريح على التوضيح للأزهري ‏‎50/2‎‏ ‏
كما في قول النابغة ‏‎:‎‏ ‏‎*‎‏ من شواهد ابن عقيل رقم ‏‎:‎‏ ‏‎236‎‏ ‏
‏ فلذ لي الشراب و كنت قبلا * أكاد أغص بالماء الفرات
‏ و قول الأخر‏‎:‎‏ * من شواهد شرح الكافية رقم ‏‎482 :‎
‏ و نحن قتلنا الأزد أزد شنوءة * فما شربوا بعدا على لذة خمرا

و يكونان مبينين اذا حذف المضاف اليه و نوي معناه دون لفظه كما في قراءة الجمهور: "لله ‏الامر من قبل و من بعد" *= الروم ‏‎4 :‎
و التقدير: من قبل الغلب و من بعده, و انما يبنيان لمشابهتهما الحرف و احتياجهما الى ذلك ‏المحذوف. ‏
‏=* شرح الرضى على الكافية ‏‎168/3 :‎
و قد جمع كل هذا ابن مالك في ألفيته حين قال ‏‎:‎‏ ‏
‏ قبل كغير بعد حسب أول * و دون والجهات أيضا و عل
‏ و أعربوا نصبا اذا ما نكرا * قبلا و ما بعده قد ذكرا‏
‏ *=رقم البيتين في المنظومة ‏‎412/411 :‎‏ ‏
و في توجيه قراءة "لله الامر من قبل و من بعد" خير الأمثلة على ما سبق, حيث يقرؤهما ‏
بالكسر و التنوين "من قبل و من بعد" أبو السمال و الحجدري و العقيلي , على أنهما ‏نكرتان غير مضافتين كسلئر الأسماء. كما في البيتين السابقين ‏‎:‎
‏=* شاهد ابن عقيل ‏‎236‎‏- وشاهد شرح الكافية ‏‎482‎‏ وانظر في توجيه هذه القراءة ‏‎:‎‏ البحر ‏المحيط ‏‎162/7‎
‎-‎‏ و يقرؤهما بالكسر من غير تنوين "من قبل و من بعد" الجحدري و العقيلي , على تقدير ‏حذف المضاف اليه. أي : "من قبل ذلك و من بعد ذلك"‏
‏= * تفسير الكشاف للزمخشري ‏‎214/3‎
‏ كما في قول الفرزدق: * البيت في ديوانه ص ‏‎215:‎
‏ ‏
‏ يا من رأى عارضا أسر به * بين ذراعي وجبهة الأسد‏
أي , بين ذراعي الأسد, فحذف المضاف اليه و أبقى حكمه. ‏
‏* الكتاب ‏‎180/1‎
هذا و قد وقعت "بعد" مضافة مجرورة ب "من" في مائة و ثمانية و عشرين موضعا بالكسر ‏الظاهر على حرف الدال من غير خلاف بين أهل اللغة و النحو و القراءات و كل أهل العلم ‏الا ما جاء عن الأستاذ الدكتور, و لقد أصبحت ظاهرة المصحفيين من الظاهرات التي ‏عرفتها مساجد المدن المغربية و جوامعها. و هي على كثرتها لم يفرق أصحابها في التلاوة ‏بين القراءات و الروايات , لا في القواعد و لا في الأحكام. و لا أدل على ذلك مما تعرفه ‏المساجد من ترنح على ألفاظ القرءان الكريم أثناء قراءة الحزب الراتب أو صلاة التراويح,‏
هذه القراءة أو التلاوة التي تبرز و بجلاء الجهل المركب لدى هؤلاء بأحكام القرآن في ‏القراءات من أمثال قراءتهم بالبسملة بين السور, أو كتخفيف الذال من "تذكرون"في ‏المواضع كلها ‏‎)‎‏ ويصل عددها الى سبعة عشر حرفا ‏‎ (‎أو اضطرابهم في قراءة "لا تامننا"‏
أو حذف احدى اليلئين من "بأييد" و غيرهما من الأمثلة التي يطول جردها .‏
هذا وأن أول قراءة عرفها المغاربة هي قراءة ابن عامر برواية هشام مدة تزيد على قرن من ‏الزمان, بسبب الدعاة الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز, ثم استبد لت بعد ذلك بقراءة حمزة ‏في المائة الثانية على يد المقرئين القادمين من بغداد و الكوفة مع الولاة العباسيين, و لم يكن ‏يقرأ لنافع الاخواص الناس, و أن محمدا ابن خيرون ( - ‏‎306‎‏ ه) هو الذي استبدل قراءة ‏حمزة بقراءة نافع .‏
‏ و أما أول من أدخل القراءات الى المغرب فهو أبو موسى الهواري, من الطبقة الوسطى من ‏أصحاب مالك, و هو من قال لمن جاء يعزيه في ضياع كتبه و مؤلفاته في البحر, ذهب ‏الخرج و بقي الدرج, يعني ما في صدره.‏
غير أن هذه القراءات لم تشتهر الا على يد أبو عمر الطلمتكي (‏‎429-‎‏ ه) ثم من بعده مكي أبو ‏طالب القيسي (‏‎437-‎‏ ه) ثم أبو عمرو الداني (‏‎444-‎‏ ه), ثم الشاطبي (‏‎590-‎‏ ه) ثم توسع ‏انتشارها في المغرب , خاصة في العصر المريني, حيث ان أبا الحسن المريني هو أول من ‏دشن مدرسة السبعيين بفاس الجديد سنة ‏‎720‎‏ ه, ثم العصر الوطاسي فالسعدي, ثم العصر ‏العلوي الذي عرفت فيه القراءات ازدهارا كبيرا و لقد كان من المغاربة و الى عهد قريب ‏رجال يتنافسون في حفظ القرءان الكريم و يجاهدون في سبيل الحفاظ على تراثه الذي ورثوه ‏عن شيوخه خلفا عن سلف, لولا أن ظهرت موجة عارمة من الموانع و العوارض حالت ‏دون المحافظة على هذا التراث الهائل المكنوز في صدور المغاربة دون سواهم, و الذي قد ‏يذهب بذهابهم و ينتهي بانتهائهم, و يفنى بوفاتهم, و يزول بزوالهم, مصداقا لقوله (ص):"ان ‏

الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, و لكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى اذا لم ‏يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا" ‏
‏*= البخاري ‏‎50/1‎
و يتبين من خلال مفهوم هذا الحديث أنه ينطبق على كثير من المعاصرين الذين وصفوا ‏بالمشيخة و العالمية للاقراء و الفتوى, فخشعت لهم الاصوات, و تلقفتهم الأضواء, وسارعت ‏اليهم النجومية فصاروا فرسانا في ساحة كأن لا أهل لها و لا ملاك, كما في قول طرفة بن ‏العبد :‏
‏ يالك من قبرة بمعمري * خلالك الجو فبيض و اصفري ‏
‏ ونقري ماشئت أن تنقري * قد رفع الفخ فماذا تحذري ‏
‏*=الخصائص ‏‎)‎‏ باب في الامتناع من نقض الغرض ‏‎(‎‏ وإصلاح المنطق ‏‎)‎‏ باب ما بخفف ‏‎(‎
غير أنه و للمحافظة على هذا التراث و انقاذه من التلف و الضياع, على وزارة الأوقاف أن ‏تعمل على تحفيز أهل هذا الفن و تشجيعهم , كل حسب مستواه , كتخصيص رواتب شهرية ‏أو دورية, و لو على شكل منح دائمة و قارة تخصص للمقرئين و شيوخ القراءات , يعتمد في ‏صرفها و توزيعها على معايير تختلف سلاليم أدائها باختلاف الروايات و القراءات ‏المتعارف عليها عند المغاربة بألقابها, و تتدنى مبالغها من " العشراوي, الى الحمزاوي, الى ‏البصراوي, الى المكاوي, فالوراشي ... و هكذا" حتى يعود عشلق القراءات الى الانكباب ‏عليها و السهر على حفظها و اتقانها, و هكذا تسد الطريق على المتنطعين و المتطفلين , ‏
كما على هذه الوزارة أن تعمل على فرض رواية ورش عن نافع من طريق الأزرق, و الذي ‏هو أصل من أصولهم, و خصيصة من خصوصياتهم في قراءة الحزب الراتب في المساجد ‏و الجوامع, بكل ما تحمله هذه الرواية من قواعد و أحكام كالوقف و الابتداء, و التقديم ‏والتأخير, و السكت و الوصل, خاصة منها البسملة, و التي بات المصحفيون يغالون في ‏ذكرها بين السور بلا علم و لا معرفة, و الحال أن تركها أولى عند ورش من طريق ‏الأزرق, خلافا للأصبهاني في العشر الصغير, كما في قول محمد علي الضباع : ‏بسمل بين السورتين و قصر * منفصلا و أربعا فيه اعتبر ‏
‏=أي بسمل الاصبهاني عن ورش , خلافا للأزرق عنه .‏
‏* = انظر ‏‎:‎‏ القول الأصدق فيما خالف فيه الأصبهاني الأزرق ص ‏‎6 :‎
‏ و أن الذي أخذ بالبسملة لورش هو المظفر بن أحمد بن حمدان أبو غانم المصري, المتوفى ‏سنة ‏‎)‎‏ ‏‎ 333‎ه‎ (‎‏, كما في قول العلامة مسعود جموع السجلماسي ‏‎:‎
‏ بسملة المظفر استحسان * ليست رواية كذا البيان ‏
‏ ‏‎ ‎أما المعتمد فيها عندنا نحن معاشر المغاربة هو الترك, تبعا لقراءة الامام نافع, و الذي لم ‏يأخذ بها عن طريق الأصبهاني الا بقصد التبرك, كما في قول بعض الحذاق: ‏فان ترد تفصيل لفظ البسملة * في مذهب القراء نلت المعرفة
‏ فنافع يراها للتبرك * كذا ابن عامر و بصري حكي‏
‏ و ابن كثير و عاصم و علي * من كلام القرءان أمر منجلي‏
‏ و حمزة يراها في ابتداء * فاتحة الكتاب قط جائي
‏=* من المكنوزات المحفوظة في صدورالحذاق .‏
وقد نوه الحافظ الداني بمذهب أبي يعقوب الأزرق فقال في "التعريف" :وكان لا يفصل بين كل ‏سورتين ب ‏‎:‎‏ باسم الله الرحمن الرحيم في جميع القرآن، إلا في أول فاتحة الكتاب، فإنه لا ‏خلاف بين القراء في التسمية في أولها" ‏
‏*- التعريف ‏‎199 :‎‏.‏
وأما الوجه الثاني وهو وجه البسملة بين السورتين للأزرق كما أشار إليه ابن بري بقوله: ‏‏"وورش الوجهان عنه نقلا" فقد توهم أكثر الشراح أن ابن بري أراد الوجهين أي ترك البسملة ‏بين السورتين للأزرق والبسملة لغيره
ولعلهم جميعا اتبعوا ما ذكره الشارح الأول للدرر وهو أبو عبد الله الخراز، وذلك في ‏قوله: "واختلف عن ورش في ذلك، فروي عنه استعمالها مثل قالون، وهي رواية أبي ‏الأزهر عبد الصمد، ونص على ذلك أبو عمرو في "المفردة" وغيرها،
وقد أشار أبو زيد بن القاضي إلى الوهم الذي وقع للشراح في شرح قول ابن بري ‏المذكور فقال: "كذا وقع لهم، وفيه نظر، لأن ذلك يؤدي إلى تخليط الطرق، ولأن الشيخ ـ ‏رحمه الله ـ لم يتعرض في "الدرر" إلا لرواية الأزرق فقط عن ورش، وأبي نشيط عن ‏قالون، بل الصواب أن استعمالها وعدم استعمالها معا منقولان عن أبي يعقوب الأزرق، ‏فتركها رواية أبي بكر عبد الله بن سيف، واستعمالها رواية أبي جعفر أحمد بن هلال الأزدي ‏عنه، فإذا أردت حفظ هذا فزد بعد قول أبي الحسن نقلا: ‏
‏"فنجل سيف تركــها به تــلا *‏ ‏ عن يوسف، وابن هلال أعملا
‏ وقال بعض أشياخنا:‏
‏ ومن طريق ابن هلال بسملا * أزرقهم ومن طريق الغير لا
ولما كان المشهور والشائع في الاستعمال في رواية ورش عند المغاربة هو ترك ‏الفصل بالبسملة بين السورتين. فقد أخذوا في ذلك بمذهبين ‏‎:‎‏ مذهب الفصل بينهما بسكتة ‏يسيرة دون تنفس، ومذهب وصل آخر السورة بأول الأخرى دون فصل بسكت ولا بسملة على ‏ما ذهب إليه عامة أهل الأداء، قال أبو عمرو في البيان:"ولأهل الأداء في مذهب من ترك ‏التسمية مذهبان: أحدهما أن توصل السورة بالسورة ويبين اعرابها من غير سكت بين ‏السورتين، ليعلم الناس بانقضاء السور وابتدائهن، وهذا المذهب روي لنا عن ابن مجاهد ‏وغيره من أهل الأداء، والمذهب الآخر أن يسكت بينهما سكتة لطيفة من غير قطع، ليؤذن ‏بذلك بانقضاء السور وابتدائهن، فيكون ذلك عوضا عن الفصل بينهن، وعلى هذا المذهب أكثر ‏شيوخنا والجلة من المتصدرين" .‏
كما أن الواجب يقتضي التصدي لجبروت سكولة العقول الذي هيمن على النفوس, كأولئك الذين ‏يدعون الى ترك حفظ القرءان الكريم و هجره, و الاكتفاء بفهم بعض آياته أو ترتيل بعض سوره, ‏كما جاء عن المفكر المصري, الدكتور محمد عمارة, الذي أفتى بعدم الجدوى من حفظه. لانعدام ‏أهمية ذلك, و بالتالي فلا داعي لختامته جوابا عمن سأله عن رأيه حول من يختم القرءان أربع ‏ختمات أو أكثر من المغاربة ليحفظه, مستدلا على ذلك في زعمه بفعل الصحابة الذين لم يحفظوا ‏القرءان الكريم كاملا, و أن الواحد منهم كان يقف عند عشر آيات أو أقل , ليتدبرها و يفهمها , ‏بحيث شبه حملة القرءان الذين لا يفقهون أسراره و لا يتدبرون معانيه بالحمار الذي يحمل ‏الأسفار, تمثيلالهم بآولئك اليهود الذين أشارت اليهم الآية الخامسة من سورة الجمعة في قوله ‏تعالى: " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" وفد أصدر هذا ‏الرجل هذه الفتوى يوم الجمعة ‏‎14)‎‏ نونبر سنة ‏‎2003‎‏ م ‏‎(‎‏ بواسطة أحد البرامج التلفزيونية ياسم ‏‎:‎‏ ‏‎)‎‏ لقاء الحمعة ‏‎(‎‏ بالقناة الفضائية المصرية .‏
‎-‎‏ بهذا نعت الدكتور محمد عمارة حملة كتاب الله تعالى من المغاربة و هو يترنح على كرسيه ‏يمضغ الكلمات, و يدغدغ العبارات, و يضغط على مخارج الحروف و الأصوات, و كأنه ‏وحيد زمانه, و فريد عصره و أوانه, مما يتعين معه التصريح بأحد القولين: ‏
‏ فاما أنه رجل لم ينل حظه من القرءان الكريم حفظا و ضبطا و اتقانا, رواية و دراية, و هذا ‏ليس ببعد.‏
‏ و اما أنه رجل مغال و معتال متكبر, أراد بفتواه هذه لبس الحق بالباطل, لان الدعوة إلى ‏تدبر القرءان الكريم و اعمال الفكر فيه لفهم مراميه و معانيه حق, و النهي عن حفظه أمر ‏باطل, و هكذا يكون الدكتور قد قصد حقا أريد به باطل, و الذي سار على دربه كثير من ‏الأتباع المتنطعين .‏
و ليس غريبا على الدكتور أن يقول بما قال به, و هو الرجل الذي لم ينله شظف العيش في ‏سبيل حفظ القرءان, و لا تغرب عن الأهل و الأوطان في طلب القرءان, و لا سافر حافي ‏القدمين بين الفجاج و السهول و الجبال, فتشققت قدماه في طلب القرءان و لا سهر السنين في ‏جمع القراءات و تصحيح رسم القرءان و الا لعلم أن جمع القراءات و حفظ القرءان رواية ‏ودراية, ضبطا و رسما , ثمنه الأعمار الطوال.‏
فكيف يتصور الدكتور و أتباعه و مناصروه أن حامل القرءان أشبه بالحمار؟ الله الله عليك يا ‏دكتور‎!‎‏ ‏
اننا معشر المغاربة على الخصوص الذين نحس بما يعانيه طالب القرءان, و ما يتحمله من ‏متاعب و مشاق في سبيل حفظه, و اتقان رسمه, و كيفية قراءاته بتعدد طرقه و رواياته.‏
‎-‎‏ فالقرءان الكريم هو كلام الله المنزل على قلب الحبيب المصطفى (ص) وحيا يوحى اليه ‏في الليل الدامس, و البرد القارس, أو لظى الهجير, و في استجمام الحضر و أثناء السفر, ‏فعن عائشة (ض) قالت: "... و لقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه, و ان ‏جبينه ليتصبب عرقا..." *= البخاري ‏‎71/1‎
فالآيات الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على تنزيل القرءان الكريم وحيا يتلى لا ‏كتابا يتصفح أكثر من أن تحصى... و أما ما زعمه الدكتور و أتباعه من أن الصحابة ما كان ‏لأحد منهم ليحفظ القرءان الكريم كاملا, و انما كان الواحد منهم يكتفي بآيات عشر بهدف ‏التدبر و اعمال الفكر لفهم المرامي و المقاصد, فاننا نرد عليهم بما يلي:‏
‎-‎‏ فمما لا شك فيه أن الرسول (ص) هو سيد الحفاظ, و هو أول من تلقاه عن ربه عز و جل, ‏ثم تيسر بعد ذلك لنخبة من الصحابة في عهده و لا بد أن يكون عدد هذه النخبة غير قليل. فقد ‏قتل منهم يوم بئر معونة سبعون , و قتل في عهده (ص) مثل هذا العدد .‏
‏*= الاتقان للسيوطي ‏‎122-121/1 ;‎

‏ و قد عد أبو عبيد بن سلام من المهاجرين: الخلفاء الأربعة. و طلحة, و سعدا, و ابن مسعود, ‏و حذيفة و سالما, و أبا هريرة, و عبد الله بن السائب, و العبادلة و عائشة, و حفصة, و أم ‏سلمة .‏
‏*= البرهان للزركشي ‏‎142/1 :‎
و من الأنصار: عبادة بن الصامت, و معاذا المكنى أبا حليمة, و مجمع بن جارية, و فضالة ‏بن عبيد و غيرهم, و صرح بأن بعضهم كمله بعد النبي (ص), و هؤلاء الذين عدهم القاسم ‏بن سلام من المهاجرين و الأنصار و أمهات المومنين, ليسها الا طائفة من الأصحاب الذين ‏جمعوا كتاب الله في صدورهم و تيسير لهم أن يعرضوه على النبي (ص), و تلقيهم عنه ‏بالمشافهة و التلقين, و أما الذين حفظوه من الصحابة من غير أن يعرضوه على الرسول ‏‏(ص) فلا يحصون عددا, خاصة منهم الذين لم يكملوه الا بعد وفاته (ص)‏
‏*=المصدر السابق
و يقول الذهبي: "ان هذه العدد هم الذين عرضوه على النبي (ص) و اتصلت بنا أسانيدهم , ‏و أما من جمعه منهم و لم يتصل بنا سندهم فكثير. ‏
‏*=البرهان ‏‎125/1‎
و قد اشتهر بالاقراء من الصحابة سبعة: عثمان ابن عفان, و علي بن أبي طالب, و أبي ‏كعب, و زير بن ثابت, و عبد الله بن مسعود, و أبو الدرداء, و أبو موسى الأشعري, كما قرأ ‏على أبي بن كعب جماعة من الصحابة الذين أخذ عنهم خلق كثير من النابعين ‏
‏*= الاتقالن ‏‎125/1‎
و هكذا كان في العصر النبوي ما يشبه مدرسة لتحفيظ القرءان الكريم.‏
و يؤكد ابن الجزري ان الاعتماد في نقل القرءان على حفظ القلوب و الصدور لأعلى خط ‏المصاحف و السطور خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة و يستدل على ذلك بما رواه مسلم أن ‏النبي (ص) قال: " ان ربي قال: قم في قريش فأنذرهم, فقلت له: أي ربي يثلغوا رأسي حتى ‏يدعوه خبزة. فقال : اني مبتليك و مبتل بك , و منزل عليك كتابا لا يغسله الماء , تقرؤه نائما ‏و يقظان... ‏
‏*= صحيح مسلم ‏‎:‎‏ ‏‎ 2196‎‏ ‏
ويتبين من خلال هذه النصوص و غيرها و التي لا يتسع المقام لذكرها أن حفظ القرءان ‏الكريم في الصدور سنة مؤكدة , أو قل فرض كفاية دعت اليه حاجة الحفاظ عليه من التلف ‏و التصحيف, ذلك ان حفظ القرءان الكريم بمثابة مسطرة شرعية تعمل على تنفيذ حكم الله ‏تعالى, القاضي في الأزل بالحفاظ عليه و المتمثل في قوله تعالى: "انا نحن نزلنا الذكر و انا ‏له لحافظون" الحجر ‏‎9 :‎‏ ‏
و هكذا, و بعد الفتح الاسلامي دخل القرءان الى المغرب على يد القادة المسلمين, و الذين من ‏بينهم موسى بن نصير الذي كانت الركيزة الاولى لسياسته تعليم القرءان لسائر الطبقات, ‏حيث أمر بنشر تعاليم الاسلام و اشاعة حب القرءان الكريم بين الناس, فكان أن دشنت ‏المدارس القرءانية و انتشرت الكتاتيب, و شيدت الجوامع و المساجد, و كانت مهمتها ‏بالأساس مقصورة على التعليم و العبادة مما جعل المغاربة يتفوقون على غيرهم في حفظ ‏القرءان و اتقان رسمه و ضبطه , حتى قيل: " نزل القرءان في الحجاز, و كتب في العراق, ‏وجود في مصر وحفظ في المغرب" اذ لا توجد أمة خدمت القرءان الكريم و تفانت في حبه ‏و اهتمت بشأنه كالمغاربة, و الذين تلقوه بالمشافهة و التلقين عن شيوخ القراءات خلفا عن ‏السلف, رواية و دراية, و في مختلف القراءات , يتنا و لونه فرادى و جماعات , إفرادا ‏و اردافا , يقرؤون و يرتلون, يهذون و يحذرون , برواية او بأكثر, بالسبع أو بالعشر في ‏واضحة النهار و غسق الليل, لا يحتاجون في تراتيلهم الى ضوء الشموع و لا الى انارة ‏المصابيح و لا الى تقليب الصحفات في المصاحف على المقرآت, كما هو حال غيرهم, لان ‏انا جيلهم في صدورهم كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم .=المعجم الكبير رقم ‏‎9903 ‎‎:‎

‏ و هي خاصية المغاربة دون سواهم و لهم أن يفخروا بذلك و يباهوا به غيرهم في كل ‏القارات و على كل حال فان حملة القرءان الكريم من المغاربة لا تنالهم ألسنة المتسلطين ‏بشيء, لانهم متمسكون بكتاب الله, شغوفون بقراءته حتى بلغوا الغاية القصوى في العناية به ‏و الاحاطة بكلماته و ألفاظه, حفظا و دراية فتفننوا في وضع معاجم مختلفة المناهج محفوظة ‏في صدورهم و لا نظير لها في العالم أجمع, حيث يعد الواحد منهم كنزا ثمينا من القواعد ‏و الأنصاص, و خزانة هائلة متحركة من الأوزان و الرسميات و الرموز, و قد تتفاوت ‏درجاتهم في الضبط و الاتقان, مما يجعلهم يغالون في قيمة الرجل, فيزنون مكانته بقدر اتقانه ‏و ضبطه, و هم بذلك معاجم تمشي على الأقدام, بل و بفضلهم تصحح الأخطاء المستربة في ‏المصاحف , المخطوطة منها و المطبوعة , كما عليه حال المصحف الشريف المطبوع ‏بالرسم العثماني على رواية ورش عن نافع , بالخط المغربي الافريقي الموحد , الذي وضع ‏تصميمه محمد عبد الرحمن محمد, و أقر صحته مجمع البحوث الاسلامية بالأزهر, و فيه ‏من بين الأخطاء على سبيل المثال ما يلي:‏
‏ آ ‏‎(‎قوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ إن الله غفور رحيم خذ من أموالهم....‏‎"‎‏ التوبة ‏‎103-102:‎
فقد جاء تنوين الضمتين على ميم ‏‎)‎‏ رحيم ‏‎(‎‏ متتابعا , والحال أنه متراكب لموالاته حرفا حلقيا ‏هو الخاء , في ‏‎)‎‏ خذ ‏‎(‎
‏ ‏‎-‎‏ طبعة دار المصحف, القاهرة لسنتي ‏‎1964‎‏ و ‏‎1975‎‏ و كذا مطبعة دار النجاح بالدار ‏البيضاء ‏‎1991‎‏ م‏
وقد تكرر هذا الخطأ في نفس اللمصحف عن نفس اللجنة والطبعة , وذلك في قوله تعالى ‏‎"‎‏....لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم....‏‎"‎‏ *= يونس‎:‎‏ ‏‎49‎
حيث جاء تنوين الضمتين على لام ‏‎)‎‏ أجل‏‎(‎‏ متتابعا أيضا , والأولى به أن يكون متراكبا ‏كسابقه , كما في قول الناظم ‏‎:‎
‏ فهاء وحاء ثم خاء وهمزة * وعين وغين قالوا للحلق تنسب
‏ فصور سكون النون إن جاء قبلها * كذلك فالتنوين أيضا يركب‏
ب ‏‎(‎‏ قوله تعالى ‏‎:‎‏ ‏‎"‎‏ ...قالوا يأبانا مالك لاتامننا على يوسف ...‏‎"‎‏ = يوسف ‏‎11:‎
إذ كتبت ‏‎"‎‏ لاتامننا ‏‎"‎‏ بنقطة الاشمام مباشرة للميم , وبعدها نون واحدة دالة على ضمير الجمع ‏المتكلم , وذلك في طبعة ‏‎1964 : ‎‏ م , كما كتبت من غير إشمام ولا نون بعد الميم ياستثناء ‏نون الضمير ‏‎)‎‏ نا ‏‎(‎‏ المشددة , وذلك في طبعة ‏‎1975 : ‎م , وكتبت صحيحة في طبعة دار ‏النجاح إلا أن نون الضمير ‏‎)‎‏ نا ‏‎(‎‏ جاءت مشددة , والأصل فيها أن ترسم بنونين تتوسطهما ‏نقطة الاشمام الدالة غلى اختلاس حركة النون الأولى , إشارة الى ضم الشفتين من غير ‏إحداث شئ في هذه النون , وتحريك النون الثانية خفيفة في قراءة المغاربة من طريق غير ‏ابن مجاهد , ولا يمكن أن تتأتى هذه القراءة في لفظها ورسمها إلا بالتلقين عن طريق ‏العرض والمشافهة ....‏
ولأن لجنة التصحيح الأزهرية و غيرها تعتمد كتب القراءات و مصادرها من غير عرض ‏و لا تلقين بالمشافهة عن الشيوخ, كان لا بد أن يقع هذا الخلط, , نظرا لتعدد القراءات من ‏جهة , و أن القراءات لا تصح الا بالمشافهة و التلقين , لما في هذه الكلمة أو تلك , من ‏اختلاف في القراءات و الطرق و الروايات من جهة أخرى.‏
اذ لا شك في أن القرءان لا يؤخذ الا بالعرض و المشافهة عن شيوخ القراءات, و هو ما كان ‏عليه المغاربة خلفا عن سلف الى أن ظهرت موجة عارمة, تتمثل في مجموعة من ‏الأشخاص, ممن وجدوا أنفسهم مشايخ في الترتيل و الاقراء , فهذا يدعي ترتيله للقراءات ‏العشر, و ذاك يزعم قراءة المكي, و آخر حمزة و هكذا, و الحال أنهم لا يحسنون حتى رواية ‏ورش عن نافع , بل ان جلهم ليسوا حفاظا, و لا سبق لهم أن تلقوه عن شيوخه و أعلامه , ‏ولا احتضنوا الألواح فاحتطوا كلماته, و صححوا على يد أساتذته و حذاقه ما استشكل عليهم ‏من مشابه ألفاظه , فقط لأن الظروف استعفتهم, فوجدوا أنفسهم كذلك, فكان لهم السبق في ‏إمامة هذا المسجد أو ذاك , أو ادارة هذه الدار أو تلك, فتسابقت اليهم أضواء القنوات أو ‏برامج الاذاعات و هم أبعد عن حقيقة ماهم فيه بعد السماء عن الأرض, و لقد صدق من قال: ‏
‏ وليس عجيبا أن يحقر عالم * لدى ضده وأن يوقر جاهل‏
‏ فقد ربما للجد يكرم ناهق * فيخلى له المرعى ويحرم صاهل‏
‏ وقد يلبس الديباج قرد ودمية * وتلوى بأعناق الأسود السلاسل‏
‏*= انظر‎;‎‏ مجمع الحكم والأمثال ‏‎) :‎‏ الباب الثامن عشر‏‎(‎‏ , والأبيات للمقرب العيوني , ‏المتوفى سنة ‏‎572 :‎‏ ه‏
و لنا في هذا مقال على أن نعود للدكتور محمد عمارة الذي وصف حفظة القرءان الكريم من ‏المغاربة بالحمير تشبيها لهم بأولئك الذين أشارت اليهم آية الجمعة السابقة, من غير تهيب و لا ‏وقار, مع العلم أن الآية جاءت في شأن الطائفة اليهودية التي كلفت بما جاء به التوراة من أحكام ‏فتعاموا عنها و أضربوا عن حدودها, و عصوا أوامرها و نواهيها, و لم يعملوا بمقتضياتها, اذ ‏ان التشبيه هنا لم يحصل من مجرد الحمل, بل لغرض توجيه الذم الى من أتبعه نفسه في حمل ما ‏يتضمن المنافع ثم لا ينتفع به, كما في قول لبيد : ‏
‏ و ما الناس الا كالديار و أهلها * يوم حلوها و غذوا بلاقع
‏*= انظر الأغاني ‏‎362/15:‎‏ وتفسير أبو السعود ‏‎181/3 :‎
‏ فالشاعر لم يشبه الناس بالديار, و انما شبه وجودهم في الدنيا و سرعة زوالهم بحلول أهل الديار ‏فيها و وشك رحيلهم عنها , و من ثم , فإن الآية الكريمة جاءت ذما لليهود الذين بدلوا ما في ‏التوراة من أحكام, و حرفوا ما جاءت به من شرائع, و أولوا ما كانت عليه من مفاهيم .‏
و أما حفظة القرءان الكريم فيكفيهم ما صدر في حقهم من آيات و أحاديث, تعظم شأنهم و ترفع ‏من قدرهم, و تبين مالهم من منزلة عند الله سبحانه و تعالى, و من ذلك قوله تعالى: "ثم أورئنا ‏الكتب الذين اصطفينا من عبادنا" = فاطر ‏‎323 :‎
‏ و قوله صلى الله عليه و سلم: "ان لله أهلين من خلقه, قيل: و من هم يا رسول الله, قال: أهل ‏القرءان هم أهل الله و خاصته" = فضائل القرءان للنسائي ص ‏‎83 :‎
اذن فهذا حال حفظة القرءان الكريم عند الله تعالى , سواء فهموا مراميه و معانيه أو لم يفهموها, ‏فقد عن عبد الله بن أحمد بن حنبل‎: ‎‏ سمعت أبي يقول: "رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب, ‏ما أفضل ما يتقرب به المتقربون اليك ؟ قال : كلامي يا أحمد , فقلت : يا رب, بفهم أو بغير فهم؟ ‏فقال: بفهم و بغير فهم ه. *= انظر إبراز المعاني , لأبي شامة ‏‎733 :‎
‏ و في هذا قال حذاق المغاربة:‏
‏ يا من يريد الغرب من مولاه * فليقرأ القرءان لا نسياه...‏
‏ الى أن قال: ‏
‏ بفهم أو بغير فهم يا فتى * هذا هو الفضل من الله أتى
و قال جمال الدين السخاوي : "فان قيل : التلاوة أفضل أم الذكر؟ قلت : اذا تلوت خاطبك الله , ‏و اذا ذكرته فانت تخاطبه , و لا مزيد عن هذا" جمال الاقراء وكمال القراء ‏‎93/1 : ‎
وقال أبو أمامة : "احفظوا القرءان , و لا تغرنكم هذه المصاحف , فان الله لا يعذب قلبا وعى ‏القرءان . = المصدر السابق
‏ و كثيرة هي الأحاديث و الأقوال نظما و نثرا , والتي تبجل حملة كتاب الله تعالى, و تظهر ‏مكانتهم العليا عنده سبحانة عز و جل.‏
‎-‎‏ فاذا كان هذا هو حال أهل القرءان, فكيف بالدكتور أن ينعتهم بسفلة الخلق من الحيوان, و قد ‏كان الأولى به أن يجيب السائل جواب الفحول الأفذاذ من السلف الصالح الذين ما كان لأحدهم أن ‏يجيب فيما اشتبه عليه من المسائل الا بقوله : (لا أدري).‏
فقد روى سحنون عن ابن وهب قال: قال لي مالك بن أنس و هو ينكر كثرة المسائل: "يا عبد الله, ‏ما علمته فقل به ودل عليه, و مالم تعلمه فاسكت عنه, و اياك ان تقلد الناس قلادة سوء" ه


و معلوم أن القاعدة المقررة: العلم ثلاثة: آية محكمة, و سنة ما ضية, و لا أدري.‏
‏ * = الاحكام لابن حزم ‏‎509-510/8 : ‎
‎-‎‏ و ينقسم التراث المغربي لفن القراءات الى عدة أقسام, هي عبارة عن مصطلحات تهتم بضوابط ‏الرسم و عد ألفاظ القرءان الكريم و الأخذ بتلابيب قراءاته , و التحكم في تعدد طرقه و رواياته , ‏و يطلق على هذه الأسماء و المصطلحات عبارات: "السطرية, و الوزنية, و الحطية و الرمزية, ‏و الرسمية..." و هكذا, و المراد بكل ذلك هو جرد ما في كتاب الله تعالى من الفاظ ثماثلية من ‏حيث المبنى, أو السجع, أو الاعراب أو نحو ذلك من جهة, أو ما اتفق عليها أو اختلف حولها من ‏حيث الطرق و روايات القراءات من جهة أخرى , و بمنهجية لا مثيل لها في كل المصادر, ‏و تعتمد في الأساس على الحفظ في الصدور لا على الكراريس و السطور, و من الأمثلة على ‏ذلك :‏
‏ ‏‎(1‎‏ مثال ما جاء في القرءان مرة واحدة:‏
‏ * المثال الأول قولهم:‏
‏ الجنات ثبت النون غريب واحد * في قوله تعالى شرع مكملا ‏
أي أن هذه الحرف "الجنات" هو الوحيد من بين تسعة و ستين من لفظه الذي جاء باثبات الألف ‏بين النون و التاء , و ذلك في الربع الأول " شرع " من الحزب ‏‎:‎‏ ‏‎49‎‏ "اليه يرد" من قوله ‏تعالى‎:‎‏ " و الذين آمنواو عملوا الصالحات في روضات الجنات" = الشورى ‏‎22 : ‎
‏ ‏‎*‎‏ المثال الثاني:‏
‏ السموات ثبت الواو غريب واحد * في قوله تعالى أئنكم مكملا
‏ أي أن هذا الحرف "السموات" هو الوحيد من بين مائة و تسعين حرفا من لفظه الذي جاء باثبات ‏الألف بين الواو و التاء, و ذلك في الربع الثاني "قل أئنكم" من الحزب ‏‎48‎‏ "و يقوم" من قوله ‏تعالى: "فقضاهن سبع سموات في يومين..." =فصلت ‏‎12 : ‎
‏ ‏‎(2‎‏ مثال ما جاء في القرءان الكريم مكررا مرتين :‏
و يطلقون عليه اسم "معا" و هو اما عبارات أو ألفاظ.‏
‏ ‏‎-‎‏ فمن العبارات قولهم مثلا:‏
‏ لا اله الا الله في الذكر قل معا * احشروا و دمر و صل على النبي ‏
أي أن عبارة "لا اله الا الله" قد تكررت مرتين لا غير.‏
‏ ‏‎-‎‏ المرة الاولى في الربع الثاني من الحزب ‏‎45‎‏ "و ما أنزلنا" في قوله تعالى: "و اذا قيل ‏لهم لا اله الا الله ستكبرون..." = الصافات ‏‎35 :‎
‏ ‏‎-‎‏ المرة الثانية في الربع الثاني من الحزب ‏‎51‎‏ "ما خلقنا" في قوله تعالى : "فاعلم أنه ‏لا اله الا الله... ..." = الاحقاف ‏‎19 : ‎
‏ ‏‎-‎‏ و من الألفاظ مثل قولهم :‏
‏ أمثالكم ضم اللام معا تنزلا * يستجيب قل نفعا وصل على النبي‏
‏ و عكسهم قل بالفتح أيضا و قل معا * أطيعوا وقعت الواقعة مكملا‏
‏ أي أن حرف "أمثالكم" تكرر أربع مرات في القرءان الكريم, حيث جاء مرفوعا مرتين , ‏و منصوبا مرتين أيضا.‏
جاء مرفوعا في الحزب "انما يستجيب" من قوله تعالى: "و لا طائر يطير بجناحيه الا أمم ‏أمثالكم" = الأنعام ‏‎39 :‎
‎39 :‎‏ و قوله سبحانه في الربع الأول "قل لا أملك لنفسي نفعا..." من الحزب ‏‎18‎‏ "و اذا نتقنا ‏الجبل" في قوله تعالى: "ان الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم" =الأعراف ‏‎194 :‎‏ ‏
و جاء منصوبا في الربع الثالث "أطيعوا" من الحزب ‏‎51‎‏ "ما خلقنا" في قوله تعالى : " ‏ثم لا يكونوا أمثالكم"= الاحقاف ‏‎38 :‎
‎-‎‏ و كذا قوله سبحانه في الربع الاول من الحزب ‏‎54‎‏ "الرحمن" ... " على أن نبدل أمثالكم..." ‏
‏= الواقعة ‏‎61 :‎
‏ ‏‎(3‎‏ مثال ما جاء مكررا ثلاث مرات فأكثر و له ضوابط ثلاثة : ‏
‏ ‏‎*‎‏ الضابط الأول : ما كان على شكالة سابقيه , أي أنه يضبط بالربع أو بالحزب أو بالسورة ‏و من ذلك ما جاء مكررا ثلاث مرات , و يصطلحون عليه بقولهم: "جيم" مثل قولهم :‏
‏ * المثال الأول :‏
‏ سقر و قل بالفتح جيم عددهم * المدثر قل معا فدعا مكملا ‏
‏ أي, أن هذا الحرف "سقر" جاء مكررا في المدثر مرتين, و ذلك في قوله تعالى: "سأصليه ‏سقر" الآية ‏‎26‎‏ من سورة المدثر‏
و قوله سبحانه: "ما سلككم في سقر" الآية ‏‎41‎‏ بعد أن جاء مرة قي الربع الثالث "فدعا" من ‏الحزب ‏‎53‎‏ "قال فما خطبكم" في قوله تعالى "ذوقوا مس سقر" = القمر ‏‎48 :‎
في حين جاء هذا الحرف مرفوعا في موضع واحد بالآية ‏‎27‎‏ من سورة المدثر من قوله تعالى " ‏‎" ‎و ما أدريك ما سقر" فقالوا : ‏
‏ سقر و قل بالضم غريب واحد * في قوله تعالى المدثر مكملا‏
‎*‎‏ المثال الثاني : ما جاء مكرر أربع مرات, ويطلقون عليه اسم "دال" كقولهم:‏
‏ السحر بفتح الراء دال عددهم * في جاءكم طه و اقترب و باخع ‏
أي أن حرف "السحر" بفتح الراء جاء مكررا أربع مرات :‏
‎-‎‏ الأولى: في الربع الأول من الحزب الثاني "و اذا لقوا" من قوله تعالى: ".. يعلمون الناس ‏السحر..." = البقرة ‏‎101 : ‎
‎-‎‏ و الثانية ‏‎;‎‏ في الحزب ‏‎32‎‏ من قوله تعالى: "انه لكبيركم الذي علكم السحر" = طه ‏‎70:‎
‎-‎‏ الثالثة : في الحزب ‏‎33‎‏ "اقترب" من قوله تعالى: "أفتاتون السحر و انتم تبصرون" =الانبياء ‏‎3 ‎‎:‎‏ - الرابعة‎: ‎‏ في الربع الثالث من الحزب ‏‎37‎‏ "لا يرجون" في قوله تعالى: "انه لكبير كم الذي ‏علمكم السحر" =الشعراء ‏‎48 ; ‎
‏ * الضابط الثاني : و هو ما يعرف باسم "بعيد" على وزن "فعيل" بصيغة التصغير لكلمة ‏‏"بعد" و يراد بها حصر الكلمات المكررة, و التي لا تأتي الا بعيد كلمات و ألفاظ بعينها, و من ‏ذلك مثل قولهم : ‏
‏ تذكرون في الذكر يزعددهم * بعيد لعلكم قليلا ما فلولا * أفلا تذكرون و صل على النبي
أي أن حرف‎" ‎‏ تذكرون ‏‎" ‎جاء مكررا سبع عشرة مرة , و قد أشاروا الى هذا العدد بقولهم ‏‎:‎‏ "يز" ‏في البيت , بمعنى أن حرف تذكرون, لم يأت في القرءان الكريم الا بعيد تلك الألفاظ المشار ‏اليها, و هي : " قليلا ما تذكرون "و" أفلا تذكرون... الخ" فقد جاءت بعيد "لعلكم" في ستة ‏مواضع و هي: الأنعام ‏‎152‎‏ و الأعراف ‏‎57‎‏ و النحل ‏‎90‎‏ و النور‏‎27-1‎‏ و الذريات ‏‎49‎‏ و جاء ‏بعد "قليلا ما" في ثلاثة مواضع:‏
‏ ‏‎-‎‏ الأعراف ‏‎3‎‏ و النمل ‏‎62‎‏ و الحافة ‏‎42‎
و جاءت بعد "أفلا" في سبعة مواضع يونس‎3‎‏ و هود ‏‎ 30-24‎و النحل ‏‎17‎‏ و المومنون ‏‎85‎‏ ‏و الصافات ‏‎155‎‏ و الجاثية ‏‎23‎
و جاءت بعد فلولا في موضع واحد, الواقعة ‏‎65‎‏ و الضابط هذا "بعيد" هو أخصر الضوابط ‏و أكثرها رسوخا في الذاكرة و أسهلها وعيا و استيعايا ‏
‏ * الضابط الثالث: و هو ما يعرف عندهم باسم "لخواتات" و المراد بذلك هو جرد جميع ‏الألفاظ المسجوعة, فاما لحصر تماثلها و احصائه, و اما لضبط رسمها وإنجازه , و من الأمثلة ‏على ذلك : ‏
‏* المثال الأول في حصر التماثل, كقولهم ‏‎:‎
‏ * بسم = أول البسملة
‏ * نقتبس = من سورة الحديد ‏‎13‎
‏ و التماثل هنا في كسر الباء المتصلة بسكون السين من غير فاصل بينهما ‏
‏ * بسم = ‏
‏ * الجسم = آية ‏‎247‎‏ من سورة البقرة‏
‏ * تسمية = من الآية ‏‎27 ‎‏ من سورة النجم .‏
و التماثل هنا هو سكون السين المتصلة بالميم المكسورة من غير فاصل‏
‏ * بسم الله
‏ * بأييم الله = سورة ابراهيم ‏‎14 ‎
‏ * نعم الله = النحل ‏‎112‎‏ ‏
‏ * ان يعلم الله,= الأنفال ‏‎7‎
و التماثل هنا هو الميم المكسورة الموالية للفظ الجلالة و هكذا الى ‏‎"‎‏ من الجنة والناس ‏‎"‎‏ آخر ‏القرءان .‏
‏* المثال الثاني في ضبط الرسم و انجازه كقولهم:‏
‏ - "لكذبوه أصطفى" من الآيتين ‏‎152-151‎‏ من سورة الصافات‏
‏ - يغضون أصواتهم = الحجرات ‏‎49‎‏ ‏
و المراد بضبط الرسم هنا , هو ان الكلمة الثانية من المثالين تبتدئ بهمزة قطع قبل حرف الصاد ‏و بعد ثبوت النون في الفعل المضارع خلافا لما عليه الأمثلة التالية, و المرسومة بهمزات ‏الوصل:‏
‏ - الذين اصطفى, = النمل ‏‎59‎
‏ - توعدون اصلوها,= يس ‏‎64‎
‏ - تبصرون اصلوها,= الطور ‏‎14-13‎‏ ‏
هذا بالنسبة للحفاظ الوراشيين , أما بالنسبة لحذاق القراءات , فقد وضعوا رموزا على نسق ‏الشاطبية الا أنها أقرب للفهم و أخصر للحفظ....‏
ذلك أن الامام الشاطبي (ت ‏‎590‎‏ ه) رحمه الله هو أول من استعمل الرموز لأسماء شيوخ ‏القراءات السبع و رواتهم بالحروف الأبجدية فقال :‏
‏ جعلت أباجاد على كل قارئ‏
‏ دليلا على المنظوم أول أولا‏
و من خلال أربعة عشر بيتا اختزل المتأخرون من المغاربة ذلك في بيت واحد فقالوا :‏
‏ أدح كنفر أشياخهم و رواتهم
‏ بجهزطي لم صع ضق ست مكملا
ثم قسموا الرموز الى قسمين :‏

‏- قسم استعملوه في تراكيب القراءات: و هو المرموز له بحروف ‏‎)‎‏ أبجد هوزحطي كلم نصع ‏فضق رست ثخذ ظغش)‏
كما في النظام التالي :‏
‏ أبج ألف عن نافع ثم باؤها * لقالون ثم الجيم ورش تحصلا
‏ دهز دال مكي و هاء لأحمد * و حيث أتاك الزاي فانسب لقنبلا‏
‏ حطي فحرف الحاء بصر و طاؤها * لدوريهم و الباء للسوسي أقبلا ‏
‏ كلم كاف للشامي و لام هشامه * و ميم ابن ذكوان بحيث تنز لا ‏
‏ نصع نونها عن عاصم ثم صادرها * لشعبتهم و العين حفص تقبلا ‏
‏ فضق فاؤها عن حمزة ثم ضادها * لخلفهم و القاف خلاد الأولا‏
‏ رست راء لعلي و سين لليثهم * و تاء لدوريهم به النظم مكملا‏
‏- و قسم استعملوه فيما يسمى بالرسمية من باقي الحروف الأبجدية, و هي: (ثخذ ظغش)‏
‏ و كل حرف منها يرمز الى مجموعة من القراء حين اتفاقهم على قراءة حرف من حروف ‏القرءان الكريم, و لحل لغز هذه الحروف قالوا :‏
‏ و للظا فرند خاء فرنح دك غين فرنح * و ذال فرنك ثاء فرن شين فرتلا ‏
‏- هذا بالاضافة الى وضعهم رموز الشاطبية الأخرى, و هي : ‏‎)‎صحبة, صحاب, عم, سما, حق, ‏نفر, حرمي, حصن,‏‎(‎‏ و غيرها‏


ثم حلوا ألغازها بقولهم : ‏
‏ حق لحد ثم كدح نفر * أدح سما أك لعم أخبروا ‏
‏ عرف صحاب ثم صحبة صرف * أد لحرمي و حصص أنرف‏
‏- هذا فضلا عما وضعوه من معاجم و منظومات جمعوا فيها كل ما اتفق عليه القراء و الرواة من ‏القراءات أو اختلفوا حولها , كاتفاق ابن كثير مثلا مع المرموز لهم ب ‏‎:‎‏ (صحاب) و هم المرموز ‏لهم ب ‏‎:‎‏ (عرف) أي , (حفص, و الكساني و حمزة) كما في قراءة ‏‎;‎‏ "يريدون ليطفئوا نور الله ‏يافواههم و الله متم نوره" حيث اتفقوا على قراءتها "و الله متم نوره" = الصف ‏‎ 8 : ‎
بكسر راء ‏‎ )‎نوره‎(‎‏ على الاضافة , خلافا للبقية ال>ين قرؤوا ‏‎)‎‏ متم ‏‎(‎‏ بالتنوين ,‏‎) ‎‏ نوره ‏‎(‎بالنصب ‏على المفعولية , كما اتفقوا على حذف الياء من "يعبادي لا خوف عليكم اليوم و لا انتم تحزنون" ‏‏= الزخرف ‏‎68 :‎
وفي هذا قال حذاق المغاربة :‏
‏ و للدال مع صحاب متم نوره * و يعباد لا خوف بالحذف و صلا‏
‏ وقال الشاطبي : ‏
‏ وفي تمسكوا ثقل حلا ومتم لا * تنونه واخفض نوره عن شذا دلا ‏
‏ * البيت رقم ‏‎1070‎
وقال المتولي ‏‎:‎
‏ تمسكوا الفتحان واقصر شددا * عقبتم له متم مسندا
‏ نون وبعد انصب نمتوا فاكسرا * فتى وفي الجمعة اسكان طرا
‏* البيتان رقم ‏‎534-533 :‎‏ من منظومته , الفوائد المعتبرة
بمعنى أن اتفاق مجموعة من القراء حول هذا الحرف أو ذاك , يعني اختلاف الباقين منهم فيه.‏
هذا وقد وضعوا لهذه المنظومات المتعلقة برموز الرسميات أبوابا كثيرة , جمعت بين ثناياها ‏شتات القراءات ونتفها المتفرقة في أمهات الكتب والمصادر, بأسلوب جيد رائع , وعبارات ‏مختصرة هائلة , كقولهم ‏‎:‎‏ ‏‎)‎‏ باب الدال المهمل ,أي , مانفرد به ابن كثيرالمكي , أو باب الخاء , ‏أي مااتفق عليه القراء في السبع إلا نافعا.....وهكذا ‏‎(‎‏ إضافة الى رموز أخرى, كالألف, والمدة, ‏والهمزة , والنقطة , وعلامتي الصفر والضرب وغيرها...ولكل مدلولاته الاشارية , كالسكت مع ‏الوصل , أو القصر مع المد , أو الوصل في مقابلة السكت , أوالنقل , أو الوقف , أو غير ذلك ‏مما ترمز إليه هذه العلامات أوتلك , وهي أمورتحتاج لحلها الى مهارات عالية وحذق كبير ‏وفطنة متناهية , والتي لاتتأتى الا بالأخذ عن الشيوخ من حذاقها , والفن لايؤخذ ألا من أهله الذين ‏أتعبوا أنفسهم في وضع هذه الفنون , وأفنوا أعمارهم في الحفلظ عليه , كما عليه قول القائل الذي ‏أسلفنا ‏‎:‎
‏ وللعلوم رجال يعرفون بها * وللدواوين كتاب وحساب ‏وهكذا عليه الوضع المعجمي من أول القرءان الى آخره, بدءا بالبسملة و انتهاء بمن الجنة ‏و الناس, حرفا حرفا, و عبارة عبارة غير أن حفاظ هذا التراث من المعاجم القرءانية, هم في ‏تناقص متزايد بسبب الوفيات و انعدام الخلف, و كل من مات فات و ذهب بما يملك, بمقتضى ‏قولة الفقهاء الشهيرة: (ذهب الحفاظ بالعلم)‏

‏ و من بين هؤلاء الأعلام : الحاذق في العشر السي علال السرغيني العشراوي, امام الاقراء ‏و شيخ القراء بمدرسة سيد الزؤين الشهيرة و شيخ مشايخ القراء و الاقراء: السي الطاهر ‏الحريري العشراوي العبدي, و الذي كان يعد رحلة في هذا الفن, بنفس المدرسة سيد الزوين ‏و السي عيسى العبدي العشراوي , و الذي كان المشرف الرئيسي على احدى المدارس التابعة ‏للأوقاف بأزمور, و المتفنن في السبع: السي الحسين الخطابي, المعروف ببلبيض
‏- و الحافظ المعجمي : السي المختار, المعروف ببلحشادي, و الذي كان و لا زالت الأمثال ‏تضرب بتصحيحه الألواح "الدوازة" رحم الله الجميع .‏
‏- و الباقي من أمثال هؤلاء هم فئة قليلة تعيش الاقصاء و التهميش, بسبب الغزو الأكاديمي, ‏و سكولة المصحفيين, و شتان بين الحافظ والدارس .‏
ذلك , أن حفاظ القرءان الكريم من حذاق المغاربة هم رتب ودرجات , يطلق على كل صاحب ‏رتبة لقب يصنفه بميزة معينة من الدرجات ‏‎:‎
‏ - الدرجة الاولى ‏‎;‎‏ العشروي , وهي ميزة لايختص بها الا من كان حاذقا في القراءات ‏العشرين‎:‎‏ العشر الصغير ةالعشر الكبير , او ألعشر الصغرى والعشر الكبرى
‏ كشيخ مشاييخ الفراء و الاقراء المرحوم ‏‎:‎‏ الحاج طاهر الحريري, المذكور آنفا, و الذي كان يعد ‏رحلة في هذا الفن , فذهب فنه بذهابه, و زالت علومه بزواله ,مصداقا لقول الرسول "ص" ‏‏"ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, و انما يقبض العلم بقبض العلماء" = سبق ‏تخريجه ‏
‏ - الدرجة الثانية: الحمزاوي, و هو المتفنن في القراءات السبع المعروفة في المغرب ‏بقراءة الشيخ أو سيد حمزة نسبة الى حمزة بن حبيب الزيات =ترجمته في معرفة القراء ‏‎112-‎‎111/-1 : ‎
من أمثال: السي موسى الجابري, و السي محمد بنعمر العمراني, و السي حسن غرور و غيرهم ‏من القلة الباقية على قيد الحياة, أطال الله في أعمارهم بالصحة و العافية آمين
‏ - الدرجة الثالثة: البصراوي , و هو المتقن لقراءة أبي عمرو البصري, المعروفة بقراءة ‏‏(سما) و هو رمزها.‏
‏ - الدرجة الرابعة: المكاوي, و هو لقب يطلق على كل من تفنن في قراءة ابن كثيرا المكي ‏من أمثال: السي محمد تمين الزكودي من أولاد عمران, و السي أحمد القاسمي, أحد القيمين ‏بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء و غيرهما ...‏
‏ - الدرجة الخامسة: الوراشي, نسبة الى رواية ورش عن نافع , و تنقسم هذه الدرجة الى ‏الألقاب التالية:‏
‏ _ اللقب الأول: "طالب دواز" و معناه: شيخ الاقراء لرواية ورش عن نافع بحيث ‏تشد اليه الرحال من مختلف الأنحاء و الجهات من الطلبة "المسافرية" و الذين يخنشون من أجل ‏الأخذ و التحصيل و تصويب الرسم, و ضبط و اتقان هذه الرواية, بالطريقة المغربية, التي تعتمد ‏في أصلها على حفظ المعاجم و الأنصاص و أحكام الرسميات, و غيرها مما هو متعارف عليه ‏في جوامع المغرب و مدارسه و زواياه , على ألا يحمل هذا المسافري أو المخنش ما يطلق عليه ‏اسم (السي ابراهيم) أي المصحف, لان المصحف في عرف الشيوخ و حذاق الاقراء من المغاربة ‏من المحظورات , ومن أمثال هؤلاء ‏‎;‎‏ السيد محمد تمين الزكودي المذكور آنفا‏
‏ اللقب الثاني: طالب جيد, و هو الحافظ المتقن لرواية ورش عن نافع, الضابط ‏لرسمه و أحكامه, و هو دون رتبة "الطالب الدواز" الا أنه شيخ مقرئ
‏ _ اللقب الثالث: طالب, و هو كل من حفظ القرءان الكريم برواية ورش عن نافع, ‏والضابط للرسم من غير أحكام.‏
‏ _ اللقب الرابع: طالب جداري, و هو الحافظ من غير ضبط و لا رسم
‏ _ اللقب الخامس: طالب امسمسك و هو كل من يقرأ مع غيره بتلكؤ وتتعتع ‏
‏ _ اللقب السادس: طالب امصرصح, و هو من سبق له أن ختم القرءان من غير حفظ ‏بحيث يظهر له حين قراءته و لو في المصحف كالسراب , وهو اللقب الذي يسوم حامله المعرة ‏و سوء التقدير, مما يجعل " المسافرية " يتحاشون حمل المصحف معهم أو حتى النظر فيه.‏
‏ _ و للحفاظ على هذه الدرجات الخمس المذكورة آنفا بلقبيها: الأول و الثاني, و احياء ‏لهذه التراث المكنوز في صدور الحفاظ من المغاربة, و الحذاق في فن القراءات, على وزارة ‏الأةقاف و الشؤون الاسلامية أن تنظر بجدية في هذا الأمر, و أن تخصص منحا دائمة وقارة لكل ‏حاذق متفنن ‏‎;‎

والله ولي التوفيق

‏ ‏
‏ ‏





#المصطفى_البخاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - المصطفى البخاري - إشكاليات التراث المغربي في فن القراءات